الذخر في علم الأصول - ج ١

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٢
الجزء ١ الجزء ٢

والفساد بل تتصف بالوجود والعدم.

فألفاظ المعاملات موضوعة لنفس المسببات ، فالبيع اسم للنقل ، والنكاح اسم للازدواج بمعنى اسم المصدري وهو الحصول ، وهو لا يتّصف بالصحّة والفساد فيخرج عن حريم النزاع ، ويمكن دفع ذلك الإشكال بأن يقال : انّ الإيجاب والقبول الذي كان مركّبا ومتّصفا بالصحّة والفساد وتؤلّف العقد عنهما ويكون آلة الحصول النقل التشريعي ، وما يصدر عن منشئ ابتداء هو النقل يكون تبعا ونقلا ولا فرق بين المعنى المصدري واسم المصدري يكون حينئذ بمعنى واحد غير متمايزين أحدهما عن الآخر وهو الفعل الصادر عن المنشئ بالإيجاب لصدور الكتابة عنه بالقلم وكسر الشجر بالمنشار ونحوه ، ويدخل تحت البحث :

تنبيه :

إنهم اختلفوا في أن الصحّة والفساد هما انتزاعيّان واعتباريّان من المصاديق أو أنهما مجعولان بالجعل الاستقلالي التشريعي كالملكيّة والزوجيّة؟ ، أو بمعنى أن الصحّة والفساد أمر كلّي في تطبيق مصاديقها إليه ثلاثة مذاهب :

أحدها : عن صاحب التقريرات والمتكلّمين انّ تطبيق المصداق إلى الكلّي ينتزع الصحّة وبعدمه الفساد فيكون وصفان اعتباريّان في المصداق.

الثاني : انّ القائلين بالصحّة سقوط كلّي الذي هو مطلوب المولى فهو عقليّ.

٤٠١

والثالث : قول الفقهاء ، فعندهم انّ المصاديق المأتيّ بها ان صححه فيسقط القضاء.

بعبارة أخرى : لو أتى الفرد فيكون مصداقا لذلك الكلّي الذي هو مطلوب للمولى فهو عقليّ وإلا ففاسد عقلا.

ثم أورد على الأول صاحب الكفاية وهو قول المتكلّمين وصاحب التقريرات انّ النزاع في تطبيق الفرد إلى الكلّي ، وفيه : انّ هذا اشتباه منه ـ قدس‌سره ـ لأن مرادهم ليس من مطابقة المأتيّ مع المأمور به وعدمها حتى يكون النزاع في المطابقة وعدمها بل انه إذا طابق مصداق الصحّة فتكون هذه صحيحة منتزعة في الفرد ، وإذا طابق الفساد وهو منتزع فيه.

وذهب النائيني ـ قدس‌سره ـ انّ الانطباق يكون أمرا واقعيّا ومنه ينتزع الصحّة ، فحال الصحّة في المعاملات حالها في العبادات والصحّة والفساد إنما كانا من الانتزاعيّان.

ودعوى أنهما في المعاملات من الأحكام المجعولة فاسد ، فان المجعول في المعاملات تترتّب عند تحقق سببه وهذا لا يتّصف بالصحّة والفساد بل المتّصف بهما هو الفرد المأتيّ به من المعاملات وهذا الفرد إنما يتّصف بالصحّة عند انطباقه على ما يكون مؤثّرا فيكون العقد أو المتعلّق يمكن اتّصافها بالصحّة تارة وبالفساد أخرى لا تطابق أثر المطلوب وعدمه ولا فرق فيه بين أجزاء العقد ونفسه أو لمتعلّقه ولا يلزمه كونه علّة تامّة بل يكفي أن يكون من قبيل المعدّ يعني لا يلزم أن تكون

٤٠٢

نسبة الصحيح إلى أثره الذي يترتّب عليه نسبة علّة تامّة إلى معلولها أو نسبة الأفعال التوليديّة إلى مسبباتها ، ويكفي كونها معدّا.

(الخامس):

انّ النهي إما أن يكون متعلّقا بنفس العبادة لذاتها أو بجزء منها فلا فرق فان تعلّق بالأجزاء فانه عين تعلّقه بالكل ، فاذا كان الأمر بالصلاة هو الأمر بالأجزاء مثل الركوع والسجود وباقي الأجزاء ، فالعبادة في الحقيقة هو الأجزاء ولا تعدد بينهما بأن الأمر بالكل غير الأجزاء فيكون النهي عن الأجزاء نهيا عنه ، وقد يكون النهي متوجّها بالشرط وقد يكون متوجّها بالوصف ، وأما الشرط تارة يكون النهي منه يسري إلى مشروطه وكان المشروط مطلوبا مقيّدا به كالطهارة وأخرى لا يسري كما إذا غسل ثوبه النجس بماء مغصوب للصلاة والنهي عن غسل الثوب منه لا يسري الفساد إلى الصلاة فتكون صحيحة.

وأما إذا كان الوصف منهيّا عنه كالنهي عن القراءة في ظهرين جهرا مع كونه شيئا واحدا إلا أن العقل ينحلّ إلى شيئين وانه وصف ملازم له يفسدها.

وعن الشيخ : انّ الوصف الغير ملازم تارة يكون داخليّا كالغصب فانه يتّحد الصلاة به ينفكّ عنها وأخرى يكون الوصف خارجيّا كالنظر إلى الأجنبيّة في حال الصلاة ، فعلى الأول من قال : انّ تعدد العنوان أن يكفي في جواز اجتماع الأمر والنهي فلا يسري الفساد من النهي عن

٤٠٣

الغصب إلى الصلاة ومن قال بأن موردهما واحد فسرى الفساد إلى الصلاة فيفسدها فلا يترتّب عليه الأثر المطلوب منها وإذا تعلّق النهي بالشرط فهو كتعلّقه بالوصف إذ الوصف والشرط مرجعهما واحد تارة يكون متّحدا مع العبادة في الوجود وليس له وجود استقلالي مغاير كالستر والاستقبال فيها ، والأول يقتضي الفساد والثاني لا يقتضيه بكون حاله كالنظر إلى الأجنبيّة في حال الصلاة لا فرق في بطلان الصلاة بقراءة العزيمة في أثناء الصلاة بعد الحمد أو مكان السورة أو حال التشهّد.

(السادس):

لا يخفى أنه لا أصل في المسألة الأصوليّة في المقام حتى يعوّل عليه مع الشكّ بأنه هل يقتضي الصحّة أو الفساد لعدم حالة سابقة لأن الصحّة والفساد مشكوك واقعا من الأول عدم وجود أصل في هذا العنوان يعيّن أحد طرفي الترديد ، نعم ؛ كان الأصل في مثله القربة يجب الرجوع إلى القواعد الجارية في نفس المسألة الفرعيّة فيختلف الحال بحسب الموارد : قد يكون براءة ، وقد يكون اشتغالا يرجع الشك في العبادات إلى الشكّ في المانعيّة في اقتضاء النهي الفساد فيندرج في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، ويكون المرجع هو البراءة أو الاشتغال على كل مشككة إذا كان فيها أمر مع قطع النظر عن النهي يمكن أن يكون مع تعلّق النهي بالعبادة ، والأصل يقتضي عدم المشروعيّة ، وأما في المعاملات فالشكّ في اقتضائه النهي فساد المنهيّ عنه يستتبع الشكّ

٤٠٤

في صحّة معاملة والأصل أصليّ يقتضي عدم الصحّة وترتّب الأثر.

(السابع):

ما تعلّق به النهي إما أن يكون عباديّا ؛ والمراد بالعباديّ ما يكون عبادة له تعالى موجبا بذاته التقرّب كالسجود أو بالأمر بالمصلحة ، وأما غير عباديّ كالمعاملات ، أو مشترك بين العباديّ والمعاملات كالتوصّلي بأنه عبادة بالمعنى الأعم من جهة التعبّدي بها يدخل في محل النزاع.

وأما على القول بدلالة النهي على الفساد فلا يصحّ التعبّد بها مع النهي أن يدلّ على الفساد. والمراد من المعاملة هي الإنشاءات الأعم من العقود والإيقاعات لا خصوص العقود والمعاملات بالمعنى الأعم الشاملة لمثل إحياء الموات والحدود والمواريث وغيرها من الموضوعات لآثار شرعيّة ، فانّ النهي التحريمي لا يوجب الفساد ، فان النهي عن الإحياء بالأدلّة الغصبيّة لا يوجب فساد الإحياء ، والنهي عن العبادة لصلاة الحائض وصوم الوصال ، فالنهي يتعلّق بنفس تلك العبادة والنهي المتعلّق على العبادة أقسام قد عرفت سابقا انّ النهي المتعلّق بالعبادة بنفسها ولو كانت جزء عبادة كما عرفت بما هو عبادة تقتضي فسادها لدلالته على الحرمة ذاتا ولا يكاد يمكن اجتماع الصحّة سواء كان موافقة الأمر أو موافقة الشريعة مع الحرمة ، وكذا بمعنى سقوط الاعادة فانه مترتّب على إتيانه بقصد القربة وكانت مما يصلح لذلك.

٤٠٥

إذا عرفت هذه المقدّمات فالكلام في اقتضاء النهي للفساد يقع في مقامين : المقام الأول في العبادات ، الثاني في المعاملات.

أما الأول يتصوّر بوجوه إما أن يتعلّق بذات العبادات وإما بجزئها وإما بشرطها وإما بوصفها الملازم لها أو الخارج عنها وفي الآخرين يكون النهي بالعرض والمجاز بواسطة في الثبوت ويقتضي في جميع الصور فساد المنهيّ عنه وهي العبادة سواء قلنا بكفاية عدم الأمر لفساد العبادة كما هو المحكيّ عن صاحب الجواهر ، أو عدم كفاية ذلك بل الفساد موقوف على عدم الملاك فيها كما هو مذهب النائيني ـ قدس‌سرهما ـ ولا فرق في كون إطلاق الأمر بدليّا صرف الوجود كصلّ أو شموليّا كأكرم العالم لا محيص عن تقييد إطلاق الأمر بما عدى مورد النهي فيما إذا كان بين المتعلّقين عموم مطلق ولو لم يقيّد يلزم إلغاء في النهي أو اجتماع الضدّين وكلاهما غير ممكن ، وعلى كلا المختارين على فرض عدم الأمر فساد العبادة في غاية الوضوح.

وأما إذا قلنا يكفي في صحّة العبادة وجود الملاك مع كونه ملاكا تامّا وإلا لا يكون صالحا للعبادية لعدم جهة المصلحة فيها لعدم كون الملاك قويّا ويسقط عن صلاحيّتها للتقرّب فيكون فاسدا ، هذا إذا تعلّق النهي بنفس العبادة ، وأما إذا تعلّق بجزئه كما إذا تعلّق النهي بقراءة سورة العزائم في الصلاة لا فرق فيما كان بعد الحمد أو التشهّد أو في الركوع يقتضي النهي فساد العبادة ولم يأت المأمور به ، إما إذا تعلّق النهي بالشرط أو بالوصف فانّ مرجعها واحد تارة يكون وجود الوصف متّحدا مع العبادة كالجهر والإخفات ، وأخرى مغايرا كالستر والاستقبال.

٤٠٦

فعلى الأول يسري الفساد إلى فساد العبادة ، وعلى الثاني لا يسري منه إليها لعدم كون العبادة مقيّدة بعدمها كوقوع شيء في أثناء العبادة ، فانّ العبادة لم تقيّد بالخالي عنه فيكون حال الوصف المنهيّ عنه في العبادة حال النظر إلى الأجنبيّة في أثناء الصلاة ، هذا إذا كانت العبادة نفسيّة ، وأما إذا كانت غيريّة لا توجب الفساد كالنهي المتولّد من الأمر بالشيء.

تنبيه على أمرين :

أحدهما : انّ مقتضى القاعدة النهي عن العبادة كقوله : لا صلاة في الحرير والذهب يوجب فسادها يكون مانعا عن صحّتها ، ولو اضطرّ في الصلاة عن لبسه أو نسي ترتفع الحرمة فقط بهما دون المانعيّة لأنها ليست معلولة للحرمة حتى ترتفع بارتفاعه بل كل واحد من الحرمة والمانعيّة في رتبة واحدة معلولان للنهي من الجهة التي أوجبت النهي من المفسدة والمبغوضيّة الواقعيّة التي لا ترتفع المانعيّة بالاضطرار والنسيان ، ولكن عن المشهور خلاف ذلك الذي ذهب عدّة من المحققين إليه فانه حكي عنهم أنه لو اضطرّ إلى لبس الحرير والذهب في الصلاة ، وكذلك في صورة النسيان.

وحكي عنهم أيضا أنه لو شكّ في كون اللباس حرير أو كونه ذهبا فبأصالة الحل والبراءة يرتفع الشكّ في المانعيّة لكون المانعيّة معلولا للحرمة ، فانّ الأصل الجاري في السبب جاري في المسبب كما هو الشأن كل شكّ السببي والمسببي.

٤٠٧

هذا وقد علم مما ذكرنا من مختار المحققين النظر في مختار المشهور بأن إطلاق المأمور به وشموله لحصة خاصّة وإن كان يضاد حرمتها فلا بدّ من رفع اليد عنه في فرض كونها محرّمة إلا أنه وجود أحد ضدّين لا يكون علّة لعدم ضدّ الآخر في رتبة سابقة عليه بل هما متلازمان ، فاذا سقط أحدهما بالاضطرار ونحوه فلا موجب لسقوط الملازم الآخر وإن كان دليل النهي يقتضي حرمة متعلّقة تقيّد متعلّق الأمر بغير الحصّة المنهيّ عنها في عرض واحد بلا تقدّم وتأخّر بينهما لم يكن سقوط أحدهما ملازما لسقوط الآخر ، فالمانعيّة بعد باق على حالها فلا ترتفع بارتفاع الحرمة.

وقد عرفت انّ المانعيّة ليست مسببة عن الحرمة حتى يكون جريان أصالة الحل عند الشكّ في الحرمة موجبا لرفع الشكّ في المانعيّة ولا بدّ من جريان الأصل في نفس المانعيّة أيضا ، ولا يكفي جريان الأصل في الحرمة وحده.

وقد عرفت :

أولا : لا يكفي جريان أصالة الحلّية عن أصالة عدم المانعيّة بل لا بدّ من جريان الأصل في نفس المانعيّة.

وثانيا : لو سلّمنا أن جريان الأصل في السبب يكفي جريانه في المسبب إذا قلنا انّ الحرمة علّة للمانعيّة ولكن ليس كل أصل جار في السبب يكون رافعا للشكّ في المسبب بل يكفي ذلك فيما إذا كان المسبب من الآثار الشرعيّة المترتّبة على السبب بأن يكون التعبّد بالسبب

٤٠٨

تعبّدا بالمسبب كما في طهارة الثوب المغسول بالماء المشكوك الكرّية الطاهر بالأصل وهذا المعنى غير متحقق فيما نحن فيه لأن الحلّية المجعولة بأصالة الحل يكون من سنخ الحلّية المجعولة في حال الاضطرار تكون واقعيّة والمجعولة بأصالة الحلّ تكون ظاهريّة ، من المعلوم أن حلّية أكل لحم الأرنب عند الاضطرار لا يوجب عدم المانعيّة المتّخذ منه اللباس من شعره ومن وبره عن بل المانعيّة باقية لأنه بعد محرّم الأكل لأنه خلق كذلك كما خلق الغنم محلل الأكل لا ترتفع المانعيّة بالحلّية المجعولة في حال الاضطرار كما لا يرتفع بالحلّية العارضة الحلّية الذاتيّة للغنم من الجلل والوطي كما ترفع بأصالة الحل المانعة في الحيوان المشكوك الأكل من حيث الإجزاء منه في الصلاة وإلا بجريان الأصل بنفس المانعيّة أو القول بمقالة المشهور بأنه ليس للحرير والذهب إلا حرمة واحدة وحكم فارد ، وهو يرتفع في حال الاضطرار إلى لبسها فبجريان أصالة الحلّ يرتفع الشكّ في المانعيّة على فرض كون المانعيّة معلول للحرمة.

والتحقيق :

انّ نفس المانعيّة مجري مجرى أصالة الحل عند الشكّ في خصوص حلّية شيء وحرمته المستفاد اعتباره عن قول الإمام أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في رواية عبد الله بن سليمان جوابا عن السؤال عن الجبن المشتبه؟ قال ـ عليه‌السلام ـ : كل ما فيه حلال وحرام ، وقول الإمام أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة عبد الله بن سنان : كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ، وغير ذلك من الروايات.

٤٠٩

ومحصّل الكلام في ذلك قاض بعدم مانعيّة المشتبه ، وجواز الصلاة فيه ، ولكن لا بتقريب أن الشكّ في مانعيّة المشتبه لكونه سببا عن الشكّ في حلّية ما أخذ عنه وحرمته وهو من مجاري أصالة الحل ، وقضيّة السببيّة حينئذ هو الحكم بعدم المانعيّة تبعا للحكم على ما أخذ عنه بالحلّية بمقتضى هذا الأصل وذلك لأن تردد مثل الصوف بين ما يجوز الصلاة فيه وبين ما لا يجوز يكون تارة باعتبار تردده بين الأخذ من الحلال والحرام المعلوم كل واحد منهما والممتاز في الخارج عن الآخر.

وأخرى باعتبار تردد ما علم أخذه منه بين الحلال والحرام ولا خفاء ما هو من قبيل الأول فليس للشكّ السببي مساس بمجاري أصالة الحل أصلا إذ ليس في البين حيوان مشتبه يشكّ في حلّيته وحرمته كي يندرج في مجاري الأصول راجعة إلى مرحلة أخذ الصوف في أيّ الحيوانين المعلوم حلّية أحدهما وحرمة الآخر وواضح أنها بمعزل عن ذلك ولا مجال لدعوى استلزام هذه الشبهة للشكّ في حلّية ما أخذ عنه الصوف وحرمته وإجراء الأصل بهذا الاعتبار لأن هذا العنوان إذا لوحظ مرآة لما في الخارج فدعوى الاستلزام ممنوعة ، كيف؟ وليس هو خارجا عن الشخصين والمفروض عدم تطرّق الشكّ في الحلّية والحرمة بالنسبة إلى شيء منهما.

ولا يعقل أن يكون الشكّ في اتحاد الصوف عن كل منهما موجبا للشكّ في حلّيته وحرمته وإن لوحظ نفس هذا المفهوم المنتزع عن لحاظ الاتصاف باتحاد هذا الصوف منه وإن صحّ دعوى الاستلزام حينئذ بهذا الاعتبار لكن بعد وضوح عدم صلاحيّة نفس المفاهيم الانتزاعيّة من حيث أنفسها للاندراج في عموم الموصول أو الشيء الوارد في الاعتبارين الأدلة

٤١٠

ولا للحكم عليها بالحل والحرمة فلا جدوى في إحراز الاتحاد من الحلال بهذا الأصل بهذه المغالطة.

وأما ما يرجع إلى القسم الثاني فهو وإن كان الأصل حينئذ قاضيا لحلّية الحيوان المشتبه المذكور عند ترتّب أثر شرعي على حلّية الحيوان بالمعنى الممكن إحرازه بهذا الأصل ولو باعتبار الصلاة في أجزائه مع عدم جريانه لأكل لحمه إما لخروجه عن مورد الابتلاء مثلا أو لعدم إحراز التذكية ومن جهة الشكّ في قبوله لها أو غير ذلك ولكنّه مع ذلك لا جدوى له فيما نحن فيه.

وتوضيح ذلك : انّ الأحكام الشرعيّة المترتّب على المحرّمات الشرعيّة مثلا أو محللاتها ويترتّب عليها حكم تكليفي وهو الحرمة وحكم وضعي وهو المانعيّة تارة باعتبار نفس ذواتها من دون أن يكون لاتصافها بالمذكور دخل في موضوع الحكم فيكون أخذه في لسان الدليل معرّفا للموضوع ، وأخرى باعتبار اتّصافه بها فيكون أخذه فيه عنوانا له ولا خفاء في أن ما هو من قبيل القسم الأول فلا يترتّب أحد الحكمين على الآخر فانما يعرضان في عرض واحد لموضوع واحد وكذلك الشكّ في أحدهما لا تسبب من الشكّ في الآخر ، وإنما يتسببان معا عن الشكّ في موضوعهما فان كان هناك أصل موضوعي كأصالة عدم المانع يوجب تنزيل الموضوع فهو وإلا فلا جدوى للأصل الحكمي القاضي بترتّب أحدهما في ترتّب الآخر وإلغاء الشكّ فيه لا بنفسه ولا بتوسّط إثبات الملزوم إلا على القول بحجّة الأصل المثبت وأما ما يرجع إلى القسم الثاني فهو أيضا يتصوّر على وجهين لأن أخذ وصف الحلّية والحرمة الشرعيّة في موضوع حكم آخر

٤١١

يكون تارة باعتبار معناها الذاتي المجعول لذات الأنواع المحللة في حدّ ذاتها ونوعها والمحفوظ عند طروّ ما يوجب الرخصة فعلا أو المنع كالاضطرار مثلا أو المغصوبيّة ، وأخرى باعتبار معناها الفعلي الذي هو عبارة عمّا ذكر من الرخصة أو المنع الفعلي المقابل المنافي كل منهما على الآخر بهذا الاعتبار والمجامع له بالاعتبار الأول.

ولا خفاء في أنهما وإن اشتركا في كون الشكّ السببي في كلّ واحد منهما بين مجاري أصالة الحل لكن حيث انّ غاية ما يستفاد مما يدل على اعتبار هذا الأصل إنما هو الرخصة في المشكوك بما هو مشكوك الحكم وعدم رعاية جانب الحرمة فيه دون البناء على أنه انحلال واقعا وحكمه الواقعي هو الحلّية كي يرجع إلى أحد طرفي الشكّ وإلغاء الآخر كما هو لسان الاستصحاب مثلا ، وليس الحكم الظاهري المجعول بهذا الأصل حينئذ إلا من سنخ الواقعي المجعول عن الاضطرار مثلا دون الذاتي المجعول للشيء في حدّ ذاته لا تكفل له لجعل متعلّق الشكّ السببي وإلغاء الشكّ فيه إلا في خصوص القسم الآخر خاصة فلا يستتبع ارتفاع الشكّ المسببي ومجعوليّة متعلّقه إلا خصوص هذا القسم دون القسم الأول ، فانّ مناط حكومة الأصل الجاري في أحد الشكّين على الآخر وارتفاع موضوعه به إنما هو باعتبار تكفّله لتنزيل الملزوم مستتبعا لتنزيل لازمه أيضا وإلغاء الشكّ فيه لا محالة من حيث نفس جريانه فيه مع عدم تكفّله لذلك إذ لا يعقل أن يكون مجرّد معقوليّة موضوعه الشكّ السببي لحكم ظاهري آخر موجبا لتنزيل ما يترتّب عليه أو رافعا للشكّ المسببي مع عدم تنزيله لما يشكّ فيه.

٤١٢

وقد عرفت ذلك فلا يخفى أن أدلّة الباب بين طائفتين :

الأولى : ما علق فيه الحكم بمانعيّة الآخر على نفس الأنواع والعناوين المحرّمة كالأرانب والثعالب وغيره.

والثانية : ما علق فيه على عنوان ما لا يؤكل لحمه أو علق على ما هو حرام أكله أو نحو ذلك. ولا خفاء في طائفة الأولى خصوصا حين انضمامها بما ورد من تعليل الحكم بالمسوخة في ترتّب المانعيّة في عرض حرمة الأكل على نفس تلك الأنواع من حيث عدم صلاحيّتها في حدّ ذاتها لوقوع الصلاة في أجزائها لعدم صلاحيّتها لأكل لحومها لا من حيث كونها محرّمة الأكل كي يترتّب أحد الحكمين على الأخر ، ويستقيم السببيّة والمسببيّة من الشكّين كما هو أحد القولين في مانعيّة الحرير والذهب ، وإن كان التحقيق فيهما أيضا هو ترتّبها على نفس العنوان بلا توسّط حرمة ليس فيها كما في محلّه.

أما الطائفة الثانية : فكما يصلح الوصف فيها للعنوانيّة فكذلك يصلح للمعرفة أيضا فيحمل حينئذ على الوجه الأخير بقرينة الطائفة الأولى لا محالة بل لو سلم لبعضها لصدر الموثقة مثلا باعتبار التفريع الوارد فيها ظهور في دخل الاتصاف بالوصف المذكور في موضوع الحكم فبعد أظهريّة الطائفة الأولى وكونها باعتبار ما يتضمّنه من التعليل أبعد عن قبول الحمل والتأويل فلا مناص عن حمل الوصف على المعرفة ، ويستقيم التفريع أيضا بذلك. وعلى هذا فلا يترتّب بين الحكمين ولا سببيّة ولا مسببيّة بين الشكّين وانهما يتسببان في عرض واحد عن الشكّ في كونه من أفراد الغنم أو الأرنب.

٤١٣

وواضح انّ نفس الشكّ السببي حينئذ ليس بنفسه ومع قطع النظر عن استتباعه للشكّ في جواز الأكل وعدمه من مجاري أصالة الحل كما لا يخفى.

وأما فيما نحن فيه من مانعيّة الحرير والذهب فباجراء أصالة الحل لا يرتفع الشكّ في المانعيّة كما لو اضطرّ إلى لبسها فبارتفاع الحرمة للاضطرار لا ترتفع مانعيّتهما من الصلاة كما هو الحق بخلافه على القول بأنه لم يكن للبس الحرير والذهب إلا حرمة واحدة تكليفيّة وحكم فارد يرتفع في حال الاضطرار ولا يكون مانعا.

فبجريان أصالة الحل يرتفع الشكّ في المانعيّة لمعلولاتها للحرمة أيضا بخلافه على المختار فانهما نظير الحرمة في غير المأكول اللحم ، وحينئذ تكون المانعيّة المستفادة من الحرمة كالمانعيّة المستفادة من النهي الغيري لا ترتفع بالاضطرار والنسيان وعند الشكّ فيهما من جهة الشبهة الموضوعيّة لا بدّ أن يجري الأصل في نفس المانعيّة ولا تنفع أصالة الحل كما عرفت تفصيلا.

الأمر الثاني :

انه إذا تعلّق النهي بالعبادة وهو تارة يتعلّق بها ابتداء وكانت الحرمة ذاتيّة فيها كما إذا نهى الجنب والحائض عن السجود له لما فيه من المفسدة والمبغوضيّة.

وأخرى يتعلّق بها من حيث قبح التشريع فيكون إتيانه محرّما أيضا

٤١٤

وفي اقتضائه للفساد خلاف.

الثالث :

التفصيل بين العبادات والمعاملات التي كانت مشروعة وممضاة في الواقع لأن الحرمة التشريعيّة كالحرمة الذاتيّة من حيث الاقتضاء للفساد بقاعدة الملازمة للحرمة الشرعيّة وحكم العقل بقبح التشريع ، وأما المعاملة ليس فيها اقتضاء للفساد لعدم الملازمة فيها بين الحرمة والفساد لغة ولا عرفا من حيث الأضداد والسبب.

ثم انّ التشريع هو استناد الحكم إلى المولى ولا فرق بين العلم انه ليس منه أو يظنّ أو يشكّ فانه قبيح بحكم العقل وتبعه الحرمة الشرعيّة وليس حكم العقل بقبح التشريع كحكمه بقبح المعصية مما لا يستتبع حكما شرعيّا فانها منجعل بذاته كحجّية حكم مخالف والقبح هو جهة الإصدار والإيجاد.

هذا المقدار يكفي في فساد العبادة فانها لا بدّ فيها عن جهة الحسن الفاعلي والفعلي معا ، ولا يكفي حسنها العقلي.

المقام الثاني :

النهي عن المعاملة ، إما أن يكون إرشاديّا إلى عدم حصول الملكيّة بمعنى اسم المصدري فيفسدها سواء تعلّق بالسبب أو المسبب ، فعلى الأول يقتضي عدم ترتّب المسبب عليه وعلى الثاني يقتضي عدم

٤١٥

حصوله في الخارج ، وإما أن يكون مولويّا ، فيكون مفادها النهي عنها الحرمة فانه اما أن تعلّق بالسبب أو المسبب أو بآثاره من التصرّفات في الثمن والمثمن بالسبب والمسبب غير خال عن المسامحة ، فانّ الإيجاب والقبول بمنزلة الآلة لعدم كون الصادر عنه هو السبب حتى يكون النقل والانتقال من المسببات التوليديّة وإن تعلّق بالسبب يكون المحرّم المنهيّ عنه هو إيجاد المعاملة وإنشائها والاشتغال بها كالبيع وقت النداء حيث انّ المحرّم هو الاشتغال به وقت النداء وهو لا يدلّ على الفساد لا النقل والانتقال والمراد تعلّقه بالمسبب تعلّقه بالموجد ويكون المبغوض هو المنشأ والنقل والانتقال كبيع المصحف والمسلم للكافر.

أما الأول : فلا مبغوضيّة للايجاد بما هو فعل من أفعال المكلّف لا تلازم عدم ترتّب أثر المعاملة عليها بوجه فلا ينافي حرمة البيع وقت النداء مع وقوع المبادلة في الخارج فيحتاج إثبات الفساد إلى أمر آخر غير النهي وهو مفقود بالفرض.

وأما الثاني : فلأن صحّة المعاملة يتوقّف على أمور ثلاثة :

الأول : كون الناقل مالكا للعين أو ما بحكمه.

الثاني : أن لا يكون محجورا عن التصرّف فيها بأن يكون له سلطنة الثالث : إيجاده بسبب خاص يعني بآلة خاصة وإن لم يكن بأحد من الأمور الثلاثة فيقتضي النهي للفساد والمانع الشرعي كالمانع العقلي فلا يصحّ جواز بيع منذور الصدقة ومشروطها في ضمن العقد أو نذر البيع من زيد أو شرط ذلك فانه لا يصحّ بيعه من غير زيد والشرط في جميع

٤١٦

ذلك هو أن النذر والشرط والأمر والنهي موجب لخروج المتعلّق عن دائرة السلطنة وتخصيصا عموم الناس مسلّطون على أموالهم ، ومن شرط الصحّة السلطنة وعدم الحجر.

وقد عرفت أن جميع ذلك مندرج تحت جامع واحد وملاك فارد وهو أن الممنوع شرعا موجب لسلب السلطنة ، هذا إذا تعلّق بنفس المنشأ ، وأما إذا تعلّق النهي بآثاره كقوله : ثمن العذرة سحت فهو يكشف أيضا عن ترتّب المنشأ ، وعدم تحققه وقيل عكس ذلك وهو بعيد في الغاية وهو فساد الآثار وعدم فساد نفس المنشأ بالمنهيّ.

وقد يستدل بدلالة النهي على الفساد المعاملة بالخبر المعلل لعدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه بأنه لم يعص الله تعالى إنما عصى سيّده تقريب الاستدلال هو المستفاد من مفهوم الخبر من قوله ـ عليه‌السلام ـ : انه لم يعص انه يعني إذا عصى الله تعالى بمخالفة حكمه تعالى بحيث يستحق العقاب ولا يصححه اجازة الغير والنهي التحريمي المتعلّق بالمعاملة يوجب كونها معصية لله تعالى فيفسد.

أما إذا كان معصية لله تعالى بتبع حق الغير وتكون المعاملة مما نهى عنها ابتداء بل كانت المعاملة منهيّا عنها بتبع حق الغير فلا يستلزم مثل ذلك فساد المعاملة فينفذ نكاح العبد باجازة سيّده لأن ـ الحق راجع إليه وله إسقاطه وإجازته.

وهذه الرواية من أدلّة جريان الفضولي في كل مورد يتعلّق الحق للغير ولا يختص بمحل البحث بل مطلق الحق الراجع إلى الغير ، ولا

٤١٧

فرق بين الحقوق كالحق الرهانة وحق الخيار أو حق الجناية أو الشفعة.

وقد يستدلّ بهذا الخبر أيضا لعدم دلالة النهي على الفساد في المعاملة بمنطوقه تقريب استدلاله هو أن معصية السيّد يستلزم معصية الله تعالى بجعله حقّا له ، وصريح عدم فساد المعاملة لأن غاية ما يستفاد من الخبر هو أن المعاملة إن كانت مما يشرع في نوعها ، ولكن نهى عن بعض أفرادها لخصوصه كما في محل البحث كالنكاح بدون إذن السيّد فهذه المعاملة لا تقع فاسدة دلّ على الصحّة من دلالتها له على الفساد. وأما إن كانت مما لم يشرع فهي تقع فاسدة كما إذا نكح المرأة في عدّتها.

أقول :

إنّ المستدل الأول استدلّ بمفهوم الرواية ، والثاني استدلّ بمنطوقها والرواية تدلّ على انّ كل ما يكون تصرّفا في سلطنة الغير فأمره راجع إليه وكل ما يكون تصرّفا في سلطان الله تعالى يكون معصية فيقع فاسدا كما انّ إطلاق المعصية على معصية السيّد يكون بهذه الجناية ، فانه بدون إذن السيّد خرج عن وصفه بنكاحه بلا إذن سيّده ، والرواية تدلّ على فساد المعاملة بالمفهوم.

هذا تمام الكلام في النهي عن العبادات والمعاملات بعونه تعالى.

٤١٨

«بسمه تعالى شأنه»

«الأمر الثالث» :

«في المفاهيم»

لا بدّ من ذكر مقدّمة :

وهي : انّ المفهوم والمعنى ليست هي إلا حقايق بسيطة لا تركيب لها من جنس وفصل لا مادّة لها ولا صورة ، وهو قد يدرك من الألفاظ الموضوعة لها بلا واسطة شيء فانية في ظرف الاستعمال فيه لإفادتها.

وقد يدرك من الألفاظ بواسطة العقل وذلك المدرك وهو المعبّر عنه بالمفهوم المقابل للمنطوق وذلك المدرك العقلاني اما من الألفاظ الإفراديّة واما من الجمل التركيبيّة.

ثم إن كانت الدلالة من ألفاظ لمعانيها الموضوعة لها اللفظ صريحا تكون الدلالة التزاميّة تدرك بالمقدّمات العقليّة وذلك اللزوم يتصوّر على أربعة أقسام ، واحد منها هو محل النزاع والباقي خارج عنه : أحدها : اللازم بالمعنى الإفرادي بيّنا بالمعنى الأخص.

الثاني : اللازم بالمعنى الإفرادي بيّنا بالمعنى الأعم.

الثالث : اللازم بالمعنى التركيبي بيّنا أخص.

٤١٩

الرابع : اللازم بالمعنى التركيبي بيّنا أعم.

ومحل الكلام هو القسم الثالث ، فانّ المبحوث عنه في المقام هو أن المراد من المنطوق هو ما دلّ عليه الجملة التركيبية بالدلالة المطابقيّة.

والمراد من المفهوم هو ما دلّ عليه الجملة التركيبية بالدلالة الالتزاميّة بالمعنى الأخص منها ، وما لم يكن مدلولا التزاميّا ولا مطابقيّة للجملة التركيبيّة بالدلالة الالتزاميّة بالمعنى الأخص لا يكون من المنطوق ولا من المفهوم حيث كان المفهوم هو المدرك العقلائي الذي يكون بسيطا مجرّدا عن المادّة وليس له جزء حتى يكون دلالة اللفظ على بعض أجزائه تضمّنية ، ويدخل هو بالدلالة الالتزاميّة.

فالظاهر من اصطلاحاتهم في باب المفهوم والمنطوق ليست الدلالة الالتزاميّة بهذه السعة بل المفهوم عندهم عبارة عن المداليل الالتزاميّة لزوما بيّنا بالمعنى الأخص للجملة التركيبيّة كما عرفت.

والأقسام الباقية كلّها خارجة عن المفهوم ، وأما خروج اللازم بالمعنى الإفرادي بيّنا بالمعنى الأخص كالضوء والشمس والعمى والنظر الملكة وعدمها ، فانهما لا يحتاج في الدلالة إلى مقدّمة عقليّة لصراحة الدلالة فيها في معنى اللازم فتكون من مدركات من الألفاظ فلا تكون من الدلالة الالتزاميّة والعمى هو عدم البصر إذا لم يكن بصير في العالم لا معنى للعمى فتكون من انفهامه انفهام الموضوع له ، وأما خروج اللازم بالمعنى الأعم بكلا قسميه سواء كان في المعاني الإفراديّة أو في الجملة

٤٢٠