الذخر في علم الأصول - ج ١

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٢
الجزء ١ الجزء ٢

لا يمكن أن يكون معاقبا وعمله صحيحا لأن العقاب متفرّع على الحكم الفعلي المنجّز أو غير المنجّز إما بالعلم به أو بطريقة لا يعقل أن يكون موجبا للعقاب فلا يجتمع العقاب مع الصحّة فيجب إما أن لا يكون العمل صحيحا وإما أن لا يكون معاقبا ، ولكنّ المشهور : أفتوا بصحّة الجاهل بالجهر والإخفات في موضع الآخر وصحّة الإتمام في موضع القصر مع العقاب.

وأجابوا عن هذه العويصة بأجوبة غير مرضيّة ، وقبل التعرّض لها نشير إجمالا بما يمكن أن يدفع به الإشكال ، وحاصله :

أنه يمكن أن يكون ثبوتا لقيد خاص كالجهر في المغرب مثلا ملاكا للقيديّة في حال العلم ومصلحة نفسيّة في جميع الحالات ـ حال العلم والجهل ـ فيكون الجهر شرطا للعالم به بنتيجة التقيّد ولا يكون شرطا للجاهل ولكن له مصلحة نفسيّة يجب تداركها في جميع الحالات فالآتي بصلاة المغرب إخفاتا حيث انه جاهل بوجوب الجهر لا يكون الجهر شرطا في قراءته فتكون صلاته صحيحة.

وحيث انه قصّر في ترك الواجب النفسيّ فيعاقب.

إذا عرفت ذلك فنقول :

من الأجوبة ما قيل بأن الجاهل بوجوب الجهر في المغرب صلاته المأمور بها هي الجهر لكن لمّا كانت صلاته الإخفاتيّة وافية وقائمة ببعض ما هي عليه مصلحة الجهري اتّصفت بالصحّة ويعاقب لتفويته باقي المصلحة

٢٤١

لإتيانه بما لا يقدر معه من استيفاء الباقي.

وفيه :

أنه لو كان لصلاة المغرب إخفاتا مقدارا من المصلحة الموجبة لاتصافها بالصحة لكانت هي تمام المأمور به ويصير الجهر المشتمل على المصلحة من قبيل الواجب في واجب ويخرج من القيديّة مع أنه يلزم صحّة الصلاة إخفاتا مع العلم أيضا لاشتمالها على مقدار من المصلحة وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأن الواجب في حال الجهر أصل القراءة من غير القيديّة لا لقراءته الجهريّة فحيث امتثل ما هو الواجب له في هذا الحال اتّصف بالصحّة وانما العقاب لمخالفة التكليف النفسى (١) غير المقيّد بحال العلم الذي كان موضوع هذا التكليف النفسى ومحلّه وظرفه حين القراءة (٢). فاذا أتى بالقراءة بدون امتثال التكليف النفسى فقد فوّت الواجب النفسى على نفسه ولم يبق له محل نظير ما اذا نذر فعل الصلاة الواجبة في مسجد الكوفة فانه اذا صلّى في خارج المسجد حنث النذر وخالفه لأنه لم يبق له موضوع.

فان قلت : إذا صارت الصلاة الإخفاتيّة موجبة لترك صلاة النفسي وعلّة مفوّتة له فتصير حراما ، والحرمة لا تجتمع مع العباديّة.

قلت : أولا : ليس كل مفوّت للواجب حراما ، وإلا يلزم من الحرمة عدم الحرمة لأنه لو كان حراما كان فاسدا ، ولو كان فاسدا لم يكن مفوّتا لأن

__________________

(١) (١) : وهو وجوب الاتيان فى حال الجهر.

(٢) (٢) : القراءة فى حال الجهر.

٢٤٢

الفوت يتحقق بالفعل الصحيح ولذا لو صلّى الناذر صلاة فاسدة خارج المسجد لا تصير هذه الصلاة باعثا للحنث لأن النذر موضوعا بعد ، وهذا الإشكال يسري في كلّ مفوّتة كالسفر بعد الزوال لمن استقرّ عليه تكليف الجمعة ، فيقال :

لو كان السفر حراما لتفويت الجمعة لاستلزم من تحريمه عدم تحريمه لأنه لا مقتضى لتحريم السفر لاستلزام فوت الجمعة مع انه لو كان السفر حراما لكان التمام واجبا ، فكل من يجب عليه التمام لا يسقط عنه الجمعة لأنه يتمكّن منها في السفر ، وهكذا قرره الشهيد الثاني في عكسه وهو جواز السفر مع إمكان إقامة الجمعة في الطريق فقال لأنه إذا جاز السفر مع إمكان إقامتها في الطريق صار السفر مباحا ، فيجب القصر فاذا وجب القصر تسقط الجمعة فيلزم تفويتها ، وإذا لزم التفويت يحرم السفر ، فيلزم من الجواز عدم الجواز.

بالجملة : إذا حرّم العبادة لا فوت ، وإذا لا فوت فلا حرمة ، كما أن السفر إذا جاز لا معصية وإذا كان هناك معصية لم يجز وبهذا استشكل العلّامة ـ قدس‌سره ـ في جواز السفر لناذر صوم الدهر كما عن قواعده.

وأما ثانيا : فلأن الفوت في المقام ليس مستندا إلى صلاة الاخفاتي الا من باب الاقتضاء : الأمر بالشيء عن النهي عن الضد بان يقال : الإخفات وإن لم يكن مأمورا به ، بل الجهر واجب إلا أن الجهر حيث وجب بالوجوب النفسي غير المختص بحال ، فلازمه حرمة الإخفات لأن تركه مقدّمة للجهر ولكن ظهر في محلّه عدم المقدّمية لترك الضدّ حتى

٢٤٣

يكون فعله محرّما ، وأما كون فوت الواجب النفسي مستندا إلى ترك المقدّمة المفوّتة ، ففيه أنه ليس تركه مستندا إليها لأن باب المقدّمة المفوّتة ما كان ترك الواجب معلولا لترك المقدّمة ومستندا إلى تركها واما ما كان تركه مستندا إلى ترك نفسه بسوء الاختيار فلا يدخل في كبرى المفوّتة.

وبالجملة :

ترك الحج في الموسم لا يستند إلى ترك الخروج من دون اعتبار شرعي وارتباط بين موضوع وجوب الخروج ووجوب الحج ، وأما ترك الصلاة في مسجد الكوفة فليس مستندا إلى فعل مكلّف الصلاة في خارج المسجد بل لجعل الشارع ظرف الواجب النذري الواجب الآخر وإن كان المكلّف متمكّنا في إتيان الصلاة ثانيا في المسجد.

وبعبارة أخرى : ترك المقدّمة موجب للعجز التكويني عن فعل ذي المقدّمة ، فلذا يستند تركه إلى تركها ، وأما ترك الصلاة في مسجد الكوفة لم يوجب العجز عن الصلاة فيه إلا تركها فيه اختيارا أو معصية في نفس ترك الصلاة فيه ، وأما فعله في خارج المسجد فليس مفوّتا تكوينا عن فعله في المسجد بل لاعتبار شرعي ، نعم بناء على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ يصير الإخفات محرّما.

ولكن أنّى لنا باثباته كما قرر في محلّه ، ثم انّ ما قررنا من اختصاص القيديّة بالعالم مخدوش بما ذكرنا في كيفيّة توجّه الأمر بالناسي فانه

٢٤٤

لو جعل التكليف نوعين : نوع تعلّق بالعالم ، ونوع بالجاهل فلا يمكن أن يكون هذا التكليف المتوجّه إلى الجاهل موجبا للانبعاث لأنه غير ملتفت إلى كونه جاهلا لأن ما يلتفت إليه هو تخيّل كونه عالما غير داخل في عنوانه ، وما هو داخل في عنوانه غير ملتفت إليه ، فلا يمكن أن يقال أي الجاهل يجب عليك أصل القراءة ، فالأول أن يقال في المقام إنما صححنا كيفيّة توجّه الأمر بالفاقد إلى الناسي بأن يجعل الصلاة مع القراءة غير مقيّدة بالجهر أو الإخفات واجبا على كل مكلّف ثم يجعل الإخفات والجهر واجبا نفسيّا كان محلّه في قراءة الصلاة على كل أحد ثم يجعل الجهريّة أو الإخفات قيد الصلاة العالم بالوجوب النفسي.

وهكذا في مسألة الإتمام في موضع القصر بأن يجعل المشترك بين القصر والتمام وهو الركعتين واجبا على كل مسافر ثم يحرّم الإتيان بالركعتين الأخيرتين منضمّا إلى الأوليين بالتحريم النفسي لكل مسافر ثم يجعل الركعتين مانعتين للعالم بالتحريم النفسي.

هذا بحسب الثبوت ، وأما بحسب الإثبات فاستكشفنا من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «تمّت صلاته ولا يعيدها» أن القيد ليس للجاهل قيدا.

ومن فتوى الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ بالعقاب بمخالفة النهي النفسي من الأجوبة التي ذكروها لدفع الإشكال ما ذكره الشيخ ـ قدس‌سره ـ وهي ثلاثة :

الأول : منع تعلّق التكليف فعلا بالواقع المتروك بل المكلّف به

٢٤٥

للجاهل هو المأتيّ به.

الثاني : تعلّقه بالواقع ، ولكنّ المأتيّ به مسقط عن الواجب الثالث تعلّق التكليف بكليهما.

ثم انّ جواب الأول يتمّ على أحد الوجوه الأربعة :

الأول :

كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم وأما الجاهل فيجب عليه التمام.

وفيه : بعد الغضّ عن الإشكال الدور فانّ تخصيص الحكم بالعالم بنتيجة التقييد أو بالعالم بالفرض إنما يصحّ لو كان القدر المشترك واجبا على كل مسافر سواء كان عالما أم جاهلا لا ما إذا وجب القصر أولا العالم به.

يرد عليه :

أولا : أنه لو جعل التكليف نوعين لا يكون هذا التكليف موجبا للبعث.

وثانيا : أنه سلّمنا انّ الصحّة نشأت بالأمر بالتمام للجاهل فأما إشكال العقاب فباق على حاله.

وثالثا : أن هذا ينافي ما هو ظاهر المشهور من أن التكليف بالواقع باق على حاله.

٢٤٦

الثاني :

أن التكليف الواقعي وإن لم يختص بالعالم إلا أن الجاهل معذور كالجهل بالموضوع ، فالتكليف الفعلي ليس هو الواقع بل ما اعتقد وجوبه هو تكليفه الفعلي.

وفيه : مع أنه خلاف ظاهر المشهور أن اعتقاد التكليف لا يوجب الإجزاء بل لو قلنا بالإجزاء باطاعة الأمر الظاهري لا نقول به باطاعة الأمر الخيالي مع أن المعذورية بالنسبة إلى الأمر الواقعي كالجهل بالموضوع ينافي العقاب.

الثالث :

أن التكليف بالواقع حيث سقط بالعجز عنه لسبب ترك المقدّمة وهو التعلّم ، تحقق الأمر بالإتمام ، فانّ الترتيب الرتبيّ لو كان مستحيلا إلا أنه لا مانع من الترتيب الزماني كما أنه إذا أسقط الأمر بالحج ترك الخروج مع الرفقة لا مانع من أمره في يوم العرفة بزيارة الحسين عليه‌السلام ، فالصحّة نشأت من الأمر بالإتمام ، والعقاب على ترك تعلّم القصر.

الرابع :

مثل الثالث إلا أن العقاب على ترك نفس الواقع لا على ترك التعلّم وسقوط الخطاب عن الواقع للعجز لا ينافي العقاب لأن الامتناع

٢٤٧

بالاختيار ينافي الخطاب لا العقاب ، ولا يخفى ما في هذين الجوابين لابتنائهما على كون التعلّم من قبيل المقدّمات المفوّتة.

وقد ظهر أنه من قبيل الطرق والاحتياط تركه لا يوجب العجز عن الواقع حتى بعد سقوطه صحّ الأمر بالإتمام ، هذا مع أنه مناف أيضا لظاهر المشهور من بقاء الأمر الواقعي.

وأما الجواب الثاني أي الالتزام بأن غير الواجب مسقط عن الواجب.

ففيه : ما لا يخفى من أن مسقط الواجب لا يخلو اما من كونه شرطا للوجوب واما من كونه عدلا للواجب وكلاهما في المقام ممتنعان أما كون عدم الإتمام شرطا لوجوب القصر فلا بدّ إما أن يكون الإتمام موجبا لسقوط موضوع القصر خارجا كالحريق الموجب لسقوط وجوب الكفن والمفروض انّ موضوع القصر وهو السفر باق بل وقت صلاة القصر كما إذا علم بالحكم في الوقت باق أيضا ، وأما بأن يكون موجودا في دليل وجوب القصر شرعا بأن يقال : يجب عليك القصر فيما لم تعتقد بوجوب الإتمام وهذا الدليل لو كان موجبا لخروج الجاهل عن الجهل أو لتوهّم التناقض واما كون الإتمام عدل للواجب فلأنه لا يعقل توجّه الخطاب التخييري إلى الجاهل بأن يقال : لو اعتقدت إلى وجوب الإتمام تعيينا فأنت مخيّر بينه وبين القصر ، لأنه لو اعتقد بوجوب الإتمام تعيّنا لا يعقل إثبات التكليف خلاف معتقده إلا أن يرجع من الجهل ، هذا مضافا بانّ الإتمام لو كان مانعا من وجوب القصر شرعا أو كان عدم الإتمام شرطا له كذلك أو كان الإتمام عدلا فلا وجه للعقاب ، كما انّ اتّصاف الإتمام بالصحّة

٢٤٨

لو كان شرطا للوجوب لا معنى له ، اللهم إلا أن يقال : انّ هذه الشبهة في مقابل البداهة فانّ سقوط الواجب بغير الواجب في الجملة كما في مورد تبديل الرأي أو الرجوع عن التقليد مسلّم ولا يمكن أن يكون ما اجتهده أولا من شرائط الوجوب إلى حين الاجتهاد الثاني ، ولا يكون شرطا حينئذ ، ويمكن أن يكون عدلا للواجب بالبيان الذي ذكر في الشبهة ، وبما قدّمنا في باب التجرّي من أن العلم بالشيء والاعتقاد به لا يوجب أن يكون واجبا أو حراما.

وما هو الجواب في هذا الباب هو الجواب في المقام ويمكن أن يكون قوله فتأمّل اشارة في النقض ومن الأجوبة امكان تعلّق التكليف بالجهر والإخفات والقصر والإتمام كليهما بنحو الترتّب الآتي بحثه.

«الأمر التاسع» :

«في الأوامر ؛ البحث في مقدّمة الواجب»

وفيه يلزم ذكر مقدّمات :

(الأولى):

وهو أنه هل المقدّمة من المباحث الفقهيّة ، أو من المباحث الأصوليّة ، أو من المبادئ ، أو غيره ، خلاف فيه ، والحق انها داخلة في المباحث الأصوليّة ، فانّ مسائل كلّ علم عبارة عن الكبريات التي

٢٤٩

انضمّ إليها صغرياتها يصير من المسائل كما هو كذلك بخلاف كونه من المبادئ التصوريّة أو التصديقيّة بداهة عدم كونها من حملة تصوّر الموضوع أو المحمول أو العلم وعدم كونها من اثبات المحمول للموضوع وغيره الذي لا بدّ من مبادئ تصديقيّة وكذلك عدم كونها من المسائل الفقهيّة ولا من المباحث ألفاظ للأصول لأن التلازم المبحوث في المقام لا يتعلّق بأفعال المكلّفين وليس هذا التلازم راجعا الى الألفاظ أيضا وان كان أدنى مناسبة للألفاظ من جهة كما يكون المناسبة أن يكون من مباحث الكلام من جهة هذا التلازم ولكن ليس شيء منهما أصلا لتماميّة كونها من المباحث الأصوليّة من جهة ملاك مسائل الأصول وذكرها في مباحث الألفاظ من جهة الاضطرار الذي وقع في الأصول من جهة عدم تقسيمهما المباحث العقليّة إلى قسمين :

قسم يكون من المستقلّات العقليّة كالحسن والقبح.

وقسم يكون من قبيل اللوازم والملزومات مثل ما نحن فيه ، وكذلك مثل الضدّ وغير ذلك من الفروع المستنبطة ولم يعدّ لهذا القسم بابا على حدة ، وقع الخلاف من كونها من المبادئ أو من المسائل.

(الثانية):

ليس الوجوب في المقدّمة في المقام بمعنى الأبديّة العقليّة ولا سبيل إلى إنكاره وليس المراد من الوجوب التبعي العرضي نظير استقبال القبلة واستدبار الجدي ينسب وجوبه إليه بالعرض والمجاز كاستناد الحركة إلى الجالس في السفينة بأنّ من الوجوب لا ينبغي إنكاره يرجع إلى معنى الأبديّة ليس محلا للنزاع لرجوعه إلى المعنى

٢٥٠

الأول بل المراد من وجوب المقدّمة في المقام هو الوجوب القهري المتولّد من إيجاب ذي المقدّمة بحيث يريد الآمر وجوب المقدّمة عند الالتفات إليها ولا يمكن أن لا يريدها ، فالمقدّمة متعلّقة بالإرادة وليس استناد الوجوب إليها بالعرض والمجاز بل على وجه الحقيقة.

(الثالثة):

تنقسم المقدّمة إلى : الداخليّة والخارجيّة ، والداخليّة إلى : الداخليّة بالمعنى الأخص ، والداخليّة بالمعنى الأعم ، أما الداخليّة التي يتألّف الكل من تلك الاجزاء فقط وهو بالمعنى الأخص بالتقييد كذات القيد داخلا في المأمور به ، وأما الداخليّة بالمعنى الأعم وهو عبارة عن دخول القيد فقط دون ملاحظة القيد والمقيد ، وذلك يشمل الموانع والشروط الداخليّة أيضا ، وكذلك الخارجيّة بالمعنى الأخص كالعلّية التامّة التي لها ربط خاص بذيها وهي المقدّمات العقليّة التي يتوقّف وجود المأمور به عليها عقلا من دون أن يتوقّف الامتثال عليها شرعا لعدم كون التقيد وأداة القيد داخلين في المأمور به شرعا ، وهي تنقسم إلى علّة ومعدّ.

والخارجيّة بالمعنى الأعم كالمقدّمات والشرط والمقتضي وغير ذلك الذي لا ربط بذيها خارج عن حقيقة المأمور به سواء كان التقيّد والإضافة داخلا كالشرائط والموانع حيث يكون ذاتهما خارجان والتقيّد والإضافة داخلا ، أو كان خارجا كالمقدّمات العقليّة التي داخل لها في المأمور به أصلا كنصب السلّم بالنسبة إلى الصعود إلى السطح.

٢٥١

ثم انّ المقدّمة تنقسم إلى بسيط ومركّب ، والمركّب قد يكون تدريجيّة في الوجود كالصعود إلى درجات السلّم ، وقد لا يكون كذلك كالنار مع عدم المانع والمجاز فتكون العلّة مركّبة عند ذلك منها.

وفي المتدرّجة تكون العلّة الجزء الأخير والسابقة عليها من المعدّات ، وعلى كل حال الاشكال في دخول المقدّمة الخارجيّة بايجاب جزئي على المتنازع فيه.

واما داخليّة فقد أشكل صاحب الحاشية بدخولها في المتنازع فيه ملخّص ما أفاده في المقام وهو أن الجزء واجب بوجوب مقدّمي وإلا لزم أن يكون الجزء مقدّما على نفسه مع انه لا بدّ من تغاير الاجزاء بالكل وهو ذا المقدّمة ، ويخرج عن محل النزاع.

وأجاب الشيخ ـ رحمه‌الله ـ عنه : انّ للاجزاء اعتباران :

أحدهما : اعتبار لا بشرط فيكون عين الكل ومتحد معه ، ولو انضمّ إليه ساير الاجزاء فيصير مركّبا ويكون هو الكل.

وثانيهما : اعتباره بشرط لا فيكون بهذا الاعتبار مغايرا للكل.

ويمكن أن يكون النزاع متوجّها إليه في انّ الوجوب المتعلّق بالكل هل يلازم وجوب الجزء أولا ، وحيث انّ ذات الجزء لا يختلف بالاعتبارين ، وإن كان نفس الاعتبارين مختلفين فلا محالة يتّصف الجزء بالوجوب على الوجه الأول ضرورة وجوب الكل بالفرض ، فلا ثمرة في النزاع لأنّ الوجوب ـ على ذلك الوجه ـ قطعي ، وهو يغني عن النزاع في وجوبه على الوجه الثاني.

٢٥٢

وأجاب صاحب الكفاية على صاحب الحاشية مثل جواب الشيخ ـ قدس‌سرهما ـ وهو أن المقدّمة هي نفس الاجزاء بالأسر وذو المقدّمة هو الاجزاء بشرط الاجتماع فتحصّل المغايرة بينهما وبذلك ظهر أنه لا بدّ في اعتبار الجزئيّة أخذ الشيء بلا شرط ، كما لا بدّ في اعتبار الكليّة من اعتبار اشتراط الاجتماع وكون الاجزاء الخارجيّة كالهيولى والصورة هي الماهيّة المأخوذة بشرط لا ، لا ينافي ذلك فانه إنما يكون في مقام الفرق بين نفس الاجزاء الخارجيّة والتحليليّة من الجنس والفصل ، وانّ الماهيّة إذا أخذت بشرط لا ، تكون هيولى أو صورة ، وإذا أخذت لا بشرط تكون جنسا أو فصلا لا بالإضافة إلى المركّب ، فافهم.

وحاصل إشكال صاحب الحاشية وغيره هو انّ السبب عبارة عن العلّة التامّة كالإلقاء التي هي مقدورة على المكلّف والأمر عبارة عن بعث المولى عبده إليه هو السبب الذي يقدر إليه ، وداخل تحت اختياره بخلاف المسبب للاحراق مثلا ، ولا يصحّ الأمر به لعدم دخوله تحت اختياره وقدرته فيكون السبب واجبا بالوجوب النفسي ، ولا يعقل أن يكون واجبا بوجهين : النفسي والمقدمي ، فتخرج المقدّمات الداخليّة عن محل النزاع لاستحالة كون الشيء الواحد متعلّقا للأمرين ، فانه مستلزم للمغايرة في الوجود بين المقدّمة وذيها.

والجواب على صاحب الحاشية فقد قلنا سابقا : انّ العلّة التامّة التي تكون عنوانا صرفا وليس بإزاء العلّة والمعلول شيئان متغايران في الوجود كما في باب العنوان والمحصّل مثل الإزالة بالنسبة الى التطهير فانها شيء واحد في الخارج وإنما الفرق بينهما إنما هو باعتبار فانّ الإزالة

٢٥٣

علّة ويحصل بعنوان المعلول الذي هو عبارة عن التطهير.

والثاني : العلّة التامّة التي كانت للعلّة والمعلول شيئان متمايزان عن الآخر كوجود الشمس على وجود النهار.

الثالث : المعدّ الذي كان الجزء محرّكا للاحقه الذي هو العلّة.

الرابع : أن يكون هذا المعد شريكا في العلّيّة لا يكون غير مرتبط بالمعلول مثل الثالث ، والإشكال ناشئ عن الخلط بين القسمين الأولين والأول متحد بالحمل الشائع الصناعي دون الثاني.

توضيح ذلك :

هو أن القسم الأول من العلّة واجب نفسي لا وجوب لها بعنوان المقدّمية أصلا لما قلنا بأنها المقدور وبالبعث إليه بل هذا عين المعلول لا يحسب التغاير فيما بينهما كما عرفت تفصيلا في الأفعال التوليديّة.

والقسم الثاني منهما لا يكون وجوبه مقدّميا من جهة رشح الوجوب عن المعلول إليه ، فلما لم يفرق المستشكل فيما بينهما أورد بأن العلّة الواحدة كيف يعقل أن تكون واجبا نفسيّا وواجبا مقدّميّا.

وأنت خبير بعد ما حققنا ذلك بالفرق الواضح بأن الواجب بالوجوب النفسي من العلّة غير الواجب بالوجوب الغيري منها ، بل انهما فردان من العلل الأربعة لا يقاس ولا يدخل أحدهما إلى الآخر حتى يلزم المحال.

٢٥٤

وأما ثمرة البحث السابق ، أعني اعتبار التغاير بين اللابشرطيّة وبشرط اللائيّة في الشرائط الداخليّة هي أنه يثمر في عالم الصورة والنسبة اما في الوجود الخارجي لا ثمرة له أصلا.

ثم قد قسموا المقدّمات إلى تقسيمات :

منها : تقسيمها إلى المقدّمة عقليّة ـ كالعلوم النظريّة موقوف على العلم بالمقدّمات ـ ، والعاديّة ـ كنصب السلّم للصعود إلى السطح ، والشرعيّة ـ كالصلاة بالنسبة إلى الطهارة ـ.

ومنها : إلى المقارن والمقدّم والمتأخّر.

أما الأول : حكم وضع ولا ثمرة مهمّة حتى نتعرّض.

وأما الثاني : وله ثمرة مهمّة بالنسبة إلى الشرائط : التكليف والوضع.

وأما بالنسبة إلى شرائط الامتثال فلا ثمرة أصلا إلا في مسألة غسل الليل للمستحاضة على قول ، فان كان هذا أيضا بالاخرة راجعا إلى أحد القسمين أعني : حكم الوضع والتكليف.

وتوضيح ذلك : لا بدّ أن تعنون المسألة كما في الفقه حتى يتّضح الأمر ، فمحصّل الكلام فيه هو أن في غسل المستحاضة المتّصفة بالكثيرة والمتوسطة لا بدّ أن تغتسل لصلاة الفجر قبل الفجر ، وهذا إلى الظهر يكفي بالنسبة إلى الآثار المترتّبة على المحدث ، وهكذا تغتسل الظهرين ، وهكذا العشاءين ، ثم تغتسل للعشاءين أيضا ، وكذا بالنسبة إلى الصوم أيضا

٢٥٥

فانّ غسل السابق الذي وقع في الليل يكون للاحقه أي لصحّة الصوم اللاحقة ، فحينئذ بالنسبة إلى ذلك القول لا يرد إشكال الشرط المتأخّر بمعنى أنه ليس في المقام شرط متأخّر أصلا.

والقول الثاني : هو أن الغسل في الليلة رافع لحدث اليوم السابق عليه ، وهذا هو الذي وقع النزاع ، وتصوير ذلك في الأصول والحال بالنسبة إلى هذا القول أيضا صحيح ولا ربط له بالشّرط المتأخّر بل يكون من أجزاء المأمور به ولو بعنوان دخول القيد إذا كان القيد خارجا وكان صوم اليوم السابق عبارة عن المركّب من صوم وغسل لليلة آتية فلا محذور مضافا إلى إمكان ورود دليل خاص على هذا الترتيب بأن أمر المستحاضة في المقام بمعنى تبديل حكمها إلى الغسل الآتية ، وهذا مما لا محذور فيه أصلا ، وإنما الإشكال في الشرط المتأخّر إذا كان الشرط راجعا إلى التكليف لأن له حينئذ ثمرة مهمّة كما في هذه المسألة بناء على تصريح بعضهم بأن الغسل اللاحق شرط لصحّة التكليف لصوم سابقة وإن كان هذا القول فاسدا لما قلنا.

انّ المراد من الشرط في المقام وإن كان القائل بهذا يريد شرط الامتثال لعدم الثمرة حينئذ فيه لا لتكليف حتى يتكلّف في الاستخلاص عن الإشكال بتكلّفات ركيكة وكذلك إذا كان الشرط راجعا إلى الوضع كما في بيع الفضولي فانه لا يمكن في بادئ الأمر تصوّره وكذلك المحقق ـ قدس‌سره ـ في ذلك يلتزم تأثير المعدوم في الموجود ، وإن كان قد خفي معنى هذا الإشكال على بعض بحيث أورد النقض عليه للتصرّم.

٢٥٦

وهذا النقض مما لا وجه له أصلا لعدم فهم مراده أولا من الإشكال ردّ تأثير التصرّم على مقدار ما يتوقّع ويطلب منه ثانيا ، ولاشتراك جميع المعدّات في ذلك ثالثا بحيث لو يؤوّل معنى التصرّم لم يبق للمعدّات قوّة اعداد أصلا.

وبالجملة : لا موقع ولا ربط بالنقض للأمر المتصرّم لهذا الإشكال الذي أورد المحقق ـ قدس‌سره ـ لا معنى لاتّصافه بالتقدّم حال تصرّم اليوم الحاضر عند مجيء الغد.

توضيح ما سبق على نحو يتّضح ، هو أن القيد بالنسبة إلى المقيد يتحقق في ضمن أمور أربعة :

أحدها : انّ القيد فيه واجب ولا إشكال في صحّته إذا كان القيد والمقيد داخلا ، فانّ المقدّم والمتأخّر والمقارن سواء بالنسبة إلى المتعلّق فلا فرق أصلا كذلك إذا كان القيد داخلا وإن يتوهّم خلاف ذلك في بادئ النظر ولكنّه لا إشكال أيضا في صحّته إذا كان متأخّرا.

أما الأول : فلأنّ المجموع يصير أمرا مركّبا وهو متعلّق التكليف كما في أفعال الحج على فرض كونها أمرا مركّبا.

أما الثاني : فلأن الأمر منتزع هو للمطالب فليس لها ما بإزاء خارجي حتى يشكل تأثير الأمر الموجود في المعدوم أو تحقق الموجود عند عدم تحقق الشرط بل هو أمر انتزاعي يحصل من أمرين من غير مدخليّة تقدّم أحدهما إلى الآخر أو تأخّرهما عنه.

الثاني : العلل الغائيّة لا شبهة في تأخّرها عن المعلول ، فلا

٢٥٧

محذور أصلا لاشكال بأن العلّة الغائيّة من أجزاء علّة الوجود فلا بدّ أن يتقدّم وإلا يلزم الدور في غير محلّه ، فانّ غاية ما هو المطلوب في باب العلل الغائيّة في التقدّم وهو تصوّره ليكون على بصيرة على ما قد أقدم عليه فقط لا بالوجود وذلك علّة التشريع أيضا لاحقة بها مثل ما في الخبر بغرس الشجرة على من يقول : «لا إله إلا الله» ، أو تعمير قصر في مقابل ذكره ، فكذلك داخلة في باب العلل الغائيّة بلا شبهة في صحّة تأخّرها أصلا.

الثالث : الأمور والإضافات التي تحصل من الأمرين زمانيّا كان أو مقاميّا كما أشرنا إليه إجمالا في الأمر الأول فانّ المقصود من هذا الاشتراط هو تحصيل العنوان المنتزع الذي هو تقدّم التكليف بالتقدّم والتأخّر ليس مضرّا لهذا العنوان.

الرابع : العلل العقليّة سواء كان علّة تامّة أو معدّا بقسميه : المقتضى فقط ، أو عدم المانع ، فانّ كل واحد منها لا بدّ أن يتقدّم على المعلول ، ولا يعقل عن تأخّر وإلا لزم الخلف لأن وجود المعلول من رشح وجود العلّة كيف يوجد ما هو رشح ذلك العلّة : ذات نايافته از هستى بخش.

فكلّ إشكال يشكل في الشرط المتأخّر كلّها ناظرة إلى ذلك.

ذا تمهّد ذلك فنقول : انّ الأقسام الثلاثة :

الأول : انه لا إشكال في صحّته شرط المتأخّر ، ثم انّ القيد إذا كان راجعا إلى المتعلّق لا إشكال في صحّته ، وأما إذا كان راجعا إلى

٢٥٨

التكليف أو راجعا إلى الوضع هل يكون ذلك القسم يلحق بالأمور الثلاثة الأول أو يلحق بالأمر الرابع وهذا القسم هو المتنازع فيه ومنشأ للخلاف وكل من قال بصحّته ألحق بالأقسام الثلاثة الأول وكل من قال بامتناعه ألحق بالقسم الرابع.

وبعبارة أخرى وأوضح :

انّ منشأ امتناع الشرط المتأخّر وعدم امتناعه بعد أن كان الشرط شرطا للتكليف أو الوضع هو دخوله في الأقسام الثلاثة فيكون صحيحا أو دخوله. في القسم الرابع فيكون ممتنعا.

وأوضح أفراد الشرط المتأخّر عبارة عن الإجازة في البيع الفضولي بناء على الكشف ومنشأ النقض والإبرام بين الأصحاب.

أما دخوله في الأمر الأول فهو قيد الواجب لا وجه له من جهة انّ القيد للامتثال فلا يعقل دخوله في ذلك الباب ، وأما دخوله في الإضافات هو أيضا مما لا سبيل إليه من جهة أن باب الإضافات مكانيّا أو زمانيّا أو غير ذلك كل من الطرفين تؤثّر في ظرف وجوده لا في وجوده الآخر كما في المقام فانّ الأبوّة أمر منتزع من الأب والابن في ظرف تحقق وجوده لا في وجوده ، وكذلك البنوّة أيضا بخلاف المقام فانّ الرضا للمالك الأجنبي وصيرورته شرطا لتأثير النقل والانتقال ، فاذا تأخّر على القول بالكشف يلزم تأثيره في ظرف وجود العقد.

وأما دخوله في الغائيّة وعلل التشريع فقد صرّح بعضهم دخوله في

٢٥٩

ذلك الباب كما في الكفاية والفوائد زعما منه على أن تصوّر الإجازة من المالك يكفي في تحقق النقل والانتقال حين العقد على القول بالكشف كما في سائر الموارد العلل الغائيّة ، وهذا القول مما يدفع موضوع الإشكال رأسا بناء على أنّ الأوامر والأحكام في مرحلة الإنشاء إخبارات عن إنشاءات خاصّة في زمان خاص للمكلّفين المخصوصين على حسب أفراد المكلّف الخاص. وبذلك المبنى أيضا يترتّب إنكاره ـ قدس‌سره ـ الترتّب لرجوعه حال العصيان إلى تعارض التكليفين ، ولذلك المبنى قوله ـ قدس‌سره ـ : المسببات لوازم الماهيّات متحرر في وحاصل هذا المبنى يؤوّل إلى إنكار الواجب المشروط ، وهذا مما لا راض بذلك ـ قدس‌سره ـ ولا مما يساعد البرهان والضرورة ، وحينئذ لا يعقل أن يرجع المبحث المتنازع فيه إلى مبحث العلل وقد عرفت سابقا في مبحث الواجب المشروط انّ الأوامر والأحكام إنشاءات في عالم الأزل على موضوعاتها المقدّرة وجوداتها على نحو القضايا الحقيقيّة فيكون الإنشاء في الأزل والمنشأ في ظرف تحقق موضوعها كما في الوصيّة بعد الموت فانّ إنشاء الوصيّة في حال الحياة والمنشأ في ظرف تحقق موضوعها فليس لعلم الآمر مدخليّة في تلك الإنشاءات أبدا بالنسبة إلى ظرف المنشأ كما حقق في محلّه وسيجيء توضيح ذلك زيادة في المسببات والترتّب أيضا وليس المقام في القضايا الخارجيّة يكون للعلم مدخليّة فيها ولا يعقل أن يرجع إلا الأحكام من العقود وغيره إلى القضايا الخارجيّة التي لا بدّ من الأمر أو لعامل حتى يصحّ دخول الشرط المتأخّر في هذا الباب ، وعلى أيّ وجه كان النزاع في الشرط المتأخّر إمكان دخوله في

٢٦٠