وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

هذا لا يذكره عن رأي ومذهب ، وإنما يحكيه عن رؤية وعيان ، والقرآن يشهد له بذلك في قوله :

(لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً)(١).

فلم يقنعه حتى سأل أصحاب العلم بالنجوم عنه ، فوصفوا له بصورة إقناعية.

فقال : كيف تعرفون والله يقول : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢)؟

فقيل : كما نعرف تشريح أبداننا ، وقد قال تعالى : (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)(٣).

فكفّ عن الرجل.

(خَرْجاً). (٩٤)

خراجا ، كالثّبت والثّبات ، والحصد والحصاد. قطعا منه (٤).

وقيل : الخرج : الفيء ، والخراج : الضريبة والجزية.

وقال الفرّاء : الخراج من الأرض ، والخرج فيما يخرج من سائر الأموال.

(زُبَرَ الْحَدِيدِ). (٩٦)

__________________

(١) سورة الكهف : آية ٩٠.

(٢) سورة الكهف : آية ٥١.

ـ أقول : وفي بلاد أوروبا الشمالية يكون النهار طويلا جدا والليل قصير جدا ، وحدثني بعض الأصحاب ـ وكان في ألمانيا ـ أنهم كانوا يصومون رمضان ، ومدة الصيام ١٨ ساعة في اليوم ، والناس ينتهون من أعمالهم وأشغالهم ويأتون بيوتهم ، والشمس لا تزال ساطعة.

(٣) سورة الكهف : آية ٥١.

ـ أقول : وفي بلاد أوروبا الشمالية يكون النهار طويلا جدا والليل قصير جدا ، وحدثني بعض الأصحاب ـ وكان في ألمانيا ـ أنهم كانوا يصومون رمضان ، ومدة الصيام ١٨ ساعة في اليوم ، والناس ينتهون من أعمالهم وأشغالهم ويأتون بيوتهم ، والشمس لا تزال ساطعة.

(٤) عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ نافع بن الأزرق قال : أخبرني عن قوله تعالى : زُبَرَ الْحَدِيدِ؟ قال : قطع الحديد. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟. قال : نعم ، أما سمعت قول كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يقول :

تلظى عليهم حين شدّ حميمها

بزبر الحديد والحجارة شاجر

٤١

(بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ). (٩٦)

بين الجبلين ، كلّ واحد منهما يصادف صاحبه ويقابله.

ـ وقيل : بل كلّ واحد منهما ينحرف ويزّاور عن صاحبه ، فيكون بمعنى الصدوف والصدود.

(قِطْراً).

نحاسا مذابا.

(أَنْ يَظْهَرُوهُ). (٩٧)

أن يعلوه.

(وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً).

من أسفله.

(دَكَّاءَ)(١).

هدما حتى يندكّ ويستوي بالأرض.

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ). (٩٩)

أي : يختلط كما يختلط أمواج البحر بعضها في بعض.

* * *

__________________

(١) قرأ «دكاء» بالهمز عاصم وحمزة والكسائي وخلف. والباقون «دكا» بالتنوين من غير همز. ـ أخرج أبو يعلى والحاكم وصحّحه ٤ / ٤٨٨ والترمذي (٣١٥١) عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السدّ قال : «يحفرونه كلّ يوم ، حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم : ارجعوا فستخرقونه غدا ، قال : فيعيده الله كأشدّ ما كان ، حتى إذا بلغوا مدتهم ، وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم : ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله ـ واستثنى ـ فيرجعون وهو كهيئته حيث تركوه فيخرقونه ، ويخرجون على الناس فيسقون المياه ، وينفر الناس منهم ، فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض ، وغلبنا من في السماء قوة وعلوا ، فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكهم. قال : والذي نفسي بيده إنّ دوابّ الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم».

٤٢

(سورة مريم) (١)

(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ). (٢)

أي : هذا ذكر.

أو : فيما أنزل عليك ذكر.

(وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً). (٤)

نصب على المصدر ، كأنه : شاب الرأس شيبا.

ويجوز على التمييز ، كقولك : ضقت به ذرعا ، وتصببت عرقا.

(يَرِثُنِي). (٦)

بالرفع على صفة الوليّ من معنى النكرة ، لأنّ صفة النكرة نكرة. أي : وليا وارثا ، وإنّما دعا أن يرثه الدين والعلم ؛ لئلا يغيّر بنو عمه كتبه (٢).

__________________

(١) عن عائشة قالت : نزلت سورة مريم بمكة. وأخرج الطبراني وأبو نعيم والديلمي من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده قال : [أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : ولدت لي الليلة جارية فقال : والليلة أنزلت عليّ سورة مريم ، سمّها مريم].

(٢) وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله تعالى : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ). قال : نبوته وعلمه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ

٤٣

(عِتِيًّا). (٨)

سنّا عاليا.

__________________

ـ [يرحم الله أخي زكريا ، ما كان عليه من ورثه ، ويرحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد]. واستدلّ الشيعة بالآية على أنّ الأنبياء عليهم‌السلام تورث عنهم أموالهم ؛ لأنّ الوراثة حقيقة في وراثة المال ، ولا داعي إلى الصرف عن الحقيقة. ـ والجواب أنّ الداعي للصرف عن الحقيقة قوله عليه الصلاة والسّلام : [نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة] لئلا يحصل التعارض بين الكتاب والسنة. قال القرافي : رواه الشيعة بالنصب [ما تركنا صدقة]. فصار المعنى : لا يورث ما تركناه وقفا ، وصار مفهومه أنهم يورثون في غيره. فغيّروا الرواية ، كذلك قوله عليه‌السلام : [اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر]. فقد رووه : [أبا بكر وعمر]. فانعكس المعنى ، أي : يا أبا بكر وعمر ، فيكونان مقتدين لا مقتدى بهما. ا. ه. ـ وأيضا فإنّ زكريا عليه‌السلام كان مشهورا بكمال الانقطاع والتجرد ، فيستحيل عادة أن يخاف من وراثة المال والمتاع اللذين ليس لهما في نظره العالي أدنى قدر. ـ وقال القرطبي : وأمّا وراثة المال فلا يمتنع ، وإن كان قوم قد أنكروه ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [لا نورث ما تركنا صدقة]. فهذا لا حجة فيه ، لأنّ الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع. وقد يؤول هذا بمعنى : لا نورث الذي تركنا صدقة. فإن قيل : ففي بعض الروايات : [إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة]. ففيه التأويلان جميعا ، أن يكون «ما» بمعنى الذي ، والآخر : لا يورث من كانت حاله هذه. ـ قال أبو عمر ابن عبد البر : واختلف العلماء في تأويل قوله عليه‌السلام : [لا نورث ما تركنا صدقة] على قولين : ـ أحدهما ـ وهو قول الأكثر وعليه الجمهور ـ : أنّ النبي لا يورث ، وما ترك صدقة. ـ والآخر : أنّ نبينا عليه الصلاة والسّلام لم يورث ؛ لأن الله تعالى خصّه بأن جعل ماله كله صدقة زيادة في فضله ، كما خصّ في النكاح بأشياء أباحها له ، وحرّمها على غيره. وهذا القول قاله بعض أهل البصرة منهم ابن علية ، وسائر علماء المسلمين على القول الأول. انظر شرح تنقيح الفصول ص ٤٣٧ ، وتفسير القرطبي ١١ / ٨١.

٤٤

والعاتي والعاسي (١) : الذي أيبسه الكبر وأعجفه السن.

(وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا). (١٣)

رحمة من عندنا (٢).

وقيل : تعطفا وتحنّنا على عبادنا ، وإنما فسّر بالتحنن ؛ لأنه لم يوجد له فعل ثلاثي.

(انْتَبَذَتْ). (١٦)

تباعدت وانفردت (٣).

(وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا). (٢٠)

البغي : الفاجرة ، مصروفة عن الباغية.

أو : بمعنى المفعولية. يقال : نفس قتيل ، وكفّ خضيب.

(فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ). (٢٣)

ألجأها (٤) وأجابها ، كما قال زهير في المعنيين :

__________________

(١) قال ابن منظور : عتا الشيخ عتيّا وعتيّا : أسنّ وكبر وولّى ، وعسا يعسو مثله.

(٢) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا)؟ قال : رحمة من عندنا. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت طرفة بن العبد البكري وهو يقول :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض

(٣) قال ابن عباس : إنما اتخذت النصارى قبلة المشرق ؛ لأنّ مريم اتخذت من أهلها مكانا شرقيا ، وإنما سجدت اليهود على حرف ، حين نتق فوقهم الجبل ، فجعلوا يتخوفون وهم ينظرون إليه يتخوفون أن يقع عليهم ، فسجدوا سجدة رضيها الله ، فاتخذوها سنة.

(٤) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ)؟ قال : ألجأها. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول :

إذا شددنا شدّة صادقة

فأجأناكم إلى سفح الجبل

٤٥

٧٠٨ ـ وسار سار معتمدا علينا

أجاءته المخافة والرّجاء

٧٠٩ ـ ضمّنا ماله فغدا سليما

علينا نقصه وله النّماء (١)

(نَسْياً مَنْسِيًّا). (٢٣)

مصدر موصوف ، كقوله : (حِجْراً مَحْجُوراً)(٢).

وقيل : إنّ النّسي : اسم ما يرمى به لوقاصته (٣) وحقارته.

وفي الشعر للشنفرى : النسي : المفقود ، فيكون المنسي غير النسي ، قال :

٧١٠ ـ لقد أعجبتني لا سقوطا قناعها

إذا ما مشت ولا بذات تلفّت

٧١١ ـ كأنّ لها الأرض نسيا تقصّه

على أمّها وإن تكلّمك تبلت (٤)

(تَحْتَكِ سَرِيًّا). (٢٤)

أي : شريفا ووجيها (٥).

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ١٣. وفيه [وجار] بدل [وسار] و[ضمنتم وعليكم] بدل [ضمنا وعلينا]. والبيت الأول في تفسير القرطبي ١١ / ٩٢ ؛ ومجاز القرآن ٢ / ٤ ؛ وتفسير الطبري ١٦ / ٤٢ ؛ واللسان مادة : جيء.

(٢) سورة الفرقان : آية ٢٢.

(٣) الأوقاص : فتات الخشب.

(٤) البيتان في المفضليات ص ١٠٩ ؛ والأغاني ٢١ / ٩٠. والثاني في مجاز القرآن ٢ / ٤ ؛ وتفسير الطبري ١٦ / ٤٤ ؛ والمخصص ١٤ / ٢٧ ؛ واللسان مادة : نسا. وقوله : تبلت : انقطعت في كلامها فلا تطيله.

(٥) أخرج عبد بن حميد عن قتادة أنّ الحسن تلا هذه الآية ، وإلى جنبه حميد بن عبد الرحمن الحميري. (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) قال : إن كان لسريا ، وإن كان لكريما. فقال حميد : يا أبا سعيد إنّه الجدول. فقال له : لم تزل تعجبنا مجالستك ، لكن غلبتنا عليك الأمراء.

٤٦

قال السدي : إنّه كان والله سريا.

وقيل : السري : النهر الصغير (١) ، لكون الرطب طعامها ، والنهر شرابها. قال لبيد :

٧١٢ ـ سحقّ يمتّعها الصّفا وسريّه

عمّ نواعم بينهنّ كروم (٢)

(تُساقِطْ) (٢٥)

تساقط (٣) أي : تتساقط ، فأدغمت التاء في السين ؛ لأنهما مهموستان.

(رُطَباً جَنِيًّا). (٤)

نصب على التمييز.

وقيل : على وقوع الفعل عليه ؛ لأنّ التساقط متعدّ ، مثل : تقاضيته وتناسيته. قال الله تعالى : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ)(٥).

__________________

(١) أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (تَحْتَكِ سَرِيًّا)؟ قال : السري : النهر الصغير ، وهو الجدول. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :

سهل الخليقة ماجد ذو نائل

مثل السّريّ تمدّه الأنهار

(٢) البيت في ديوانه ص ١٥٠ : وهو في المخطوطة كثير التصحيف ؛ وفي اللسان مادة : سرى. السحق : جمع سحوق وهي النخلة الطويلة ، والصفا : نهر ، عمّ : طوال.

(٣) قرأ حمزة [يسّاقط] مضارع أصله تتساقط ، حذفت إحدى التاءين تخفيفا. وقرأ حفص (تُساقِطْ). وقرأ شعبة ويعقوب [يسّاقط]. والباقون : تسّاقط. راجع إتحاف فضلاء البشر ص ٢٩٨.

(٤) أخرج ابن عساكر عن سلمة بن قيس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [أطعموا نساءكم في نفاسهنّ التمر ، فإنّه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها ولدا حليما ، فإنه كان طعام مريم حيث ولدت عيسى ، ولو علم الله طعاما هو خيرا لها من التمر لأطعمها إياه].

(٥) سورة القلم : آية ٤٩.

٤٧

وقيل : تقدير الكلام : وهزّي رطبا جنيّا بجذع النخلة تساقط عليك.

(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ). (٢٧)

يجوز أن يكون (تَحْمِلُهُ) حالا منها ، ويجوز منه.

ويجوز منهما ، على قوله :

٧١٣ ـ فلئن لقيتك خاليين لتعلمن

أييّ وأيّك فارس الأحزاب (١)

ولو كانت الآية : فأتت به قومها تحمله إليهم ، لجاز أن يكون : (تَحْمِلُهُ) حالا منها ، ومنه ، ومنهما ، ومنهم جميعا ؛ لحصول الضمائر في الجملة التي هي حال.

(لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا). (٢٧)

عجيبا.

وقيل : مفترى من الفرية.

(مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا). (٢٩)

أي : من يكن في المهد كيف نكلّمه ، على الشرط والجزاء ، فوضع الماضي موضع الاستقبال ؛ لأنّ الشرط لا يكون إلا في المستقبل.

ـ وقد يوضع «كان» موضع «يكون» و«يكون» موضع «كان».

قال جرير :

٧١٤ ـ لقد وجداني حين مدّت حبالنا

أشدّ مخافة وأبعد منزعا

٧١٥ ـ فأدركت من قد كان قبلي ولم أدع

لمن كان بعدي في القصائد مصنعا (٢)

__________________

(١) البيت في شرح شواهد الألفية للعيني ٣ / ٤٢٢ ؛ والتنبيه على أسباب الاختلاف للبطليوسي ص ٢٠٤ من غير نسبة ؛ والدر المصون ٣ / ١٦٧ ؛ وأوضح المسالك ٢ / ٢٠٥ ؛ وارتشاف الضرب ١ / ٥٤٩.

(٢) البيتان في ديوانه ص ١٥٦. والثاني في خزانة الأدب ١٠ / ٣ ؛ لكن فيها [مصعدا] بدل مصنعا ، ولم ينسبه المحقق ، [استدراك] وهو في الأضداد لابن الأنباري ص ٤٩ ولم ينسبه المحقق ؛ وأمالي المرتضى ٢ / ١٩٩ ولم ينسبه المحقق.

٤٨

وقال الصلتان :

٧١٦ ـ فإذا مررت بقبره فاعقر به

كوم الهجان وكلّ طرف سابح

٧١٧ ـ وانضح جوانب قبره بدمائها

فلقد يكون أخادم وذبائح (١)

(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ). (٣٧)

لأنّهم تحزّبوا إلى يعقوبية (٢) ، وملكانية (٣) ، ونسطورية (٤) ، وغيرها.

(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا). (٣٨)

أي : إن عموا وصمّوا عن الحق في الدنيا ، فما أسمعهم يوم القيامة!

ووجه التعجب أنّهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم.

(وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا). (٤٦)

__________________

(١) الصحيح أنّ البيتان لزياد الأعجم من قصيدة له يرثي بها المغيرة بن المهلب. وممن نسبها لزياد : اليزيدي في أماليه ، وابن خلكان في وفياته ، وابن شاكر الكتبي في فوات [استدراك] الوفيات ، والذي نسبها للصلتان العبدي هو الأصمعي ، وتبعه المؤلف. والبيتان في ذيل أمالي القالي ص ٨ ؛ ووفيات الأعيان ٥ / ٣٥٤ ؛ وفوات الوفيات ٢ / ٣٠ ؛ وأمالي اليزيدي ص ٢ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٤ ؛ والثاني في اللسان : كوم ، ويروى الأول [كوم الجلاد]. والكوم : جمع كوماء وهي الناقة السمينة ، والجلاد : جمع جلدة ، وهي : أدسم الإبل لبنا ، والطرف : الأصيل من الخيل. ـ وقد اختلف في سبب عقرهم الإبل على القبور ، فقال قوم : إنما كانوا يفعلون ذلك مكافأة للميت على ما كان يعقر من الإبل في حياته وينحره للأضياف. وقيل : كانوا يفعلونه لأنّ الإبل كانت تأكل عظام الميت ، فكأنهم يثأرون لها. وقيل : إنّ الإبل أنفس أموالهم ، فكانوا يريدون بذلك أنها قد هانت عليهم لعظم المصيبة.

(٢) قالوا : إنّ المسيح هو الله.

(٣) قالوا : ثالث ثلاثة.

(٤) قالوا : هو ابن الله.

٤٩

حينا طويلا (١).

(حَفِيًّا). (٤٧)

لطيفا رحيما.

والتحفي : التلطف في القول والفعل.

والحفاوة : الرأفة والكرامة.

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ). (٥٩)

الخلف : في البقية الفاسدة.

والخلف : في الصالحة. وأنشد أبو عبيد :

٧١٨ ـ عرفت أبوك ولا أراك معرّفا

وأباك دار في انتخاب المولد

٧١٩ ـ فاخلف لبيك ولا تكن خلفا

ومن يخلف ولا يخلف أبا لا يرشد (٢)

إعراب هذا الشعر من المشكلات ، وسنشرحها إن شاء الله (٣).

(فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).

خيبة ، وقيل : شرا.

وقيل : حذف منه المضاف. أي : جزاء الغيّ ، كقوله تعالى : (يَلْقَ أَثاماً)(٤).

قال أنس بن مدرك (٥) الخثعمي :

__________________

(١) أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ما الملي؟ قال : طويلا. قال فيه المهلهل :

وتصدّعت شمّ الجبال لموته

وبكت عليه المرملات مليا

(٢) البيتان لم أجدهما.

(٣) للمؤلف كتاب خاص في شرح أبيات هذا الكتاب ، ولم نعثر عليه بعد.

(٤) سورة الفرقان : آية ٦٨.

(٥) صحابي جليل كان سيد خثعم في الجاهلية وفارسها ، وأدرك الإسلام وأسلم ، وتزوج خالد بن الوليد ابنته ، وكان شاعرا. راجع الإصابة ١ / ٦٨. وفي المخطوطة [مدركة].

٥٠

٧٢٠ ـ ومقوّر يأبى الظّلام شهدته

والليل أليل ماله لألاء

٧٢١ ـ فرّجت عنه بطعنة مشفوعة

للنبل حول رشاشها ضوضاء

أي : يأبى ردّ الظلامة ، فحذف المضاف.

(جِثِيًّا). (٦٨)

(عِتِيًّا). (٦٩)

من بنات الواو ، إلا أنها قلبت ياء لموافقة رؤوس الآي.

وقيل : بل هو الوجه ؛ لأنّ الواو وقعت طرفا في موضع الإعلال ، وقبلها ضمة ، إذ أصلها : «جثوّا» ـ

٧٢٢ ـ إذا الخصوم اجتمعت جثيّا

وجدت ألوى محكا أبيا (١)

(صِلِيًّا). (٧٠)

دخولا.

وقيل : لزوما. قال كليب وائل :

٧٢٣ ـ قرّبا مربط النعامة مني

لقحت حرب وائل عن حيال

٧٢٤ ـ لم أكن من جناتها علم الله

وإني لحرّها اليوم صالي (٢)

(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها).

«منكم» بمعنى : منهم (٣).

وكذلك قرئت في بعض القراءات ، كقوله تعالى : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً)(٤)

__________________

(١) البيت لامرأة ترقّص ابنها ، وهو في التبيان شرح ديوان المتنبي ٣ / ٢٣٥. والمحك : المشارّة والمنازعة في الكلام.

(٢) البيتان في الحيوان ١ / ٢٢ ؛ والعقد الفريد ٦ / ٦٦ ؛ ومجمع الأمثال ١ / ٣٧٦ ؛ والكامل للمبرد ١ / ٣٧٦.

(٣) وهي قراءة شاذة.

(٤) سورة الإنسان : آية ٢٢.

٥١

بعد قوله : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ)(١).

ـ وقيل : إنه ورود حضور لا ورود دخول ، كقول زهير :

٧٢٥ ـ ولما وردن الماء زرقا جمامه

وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم (٢)

(حَتْماً مَقْضِيًّا).

أي : حقا ، وليس التفسير بالواجب صحيحا ، كما قال الهذلي :

٧٢٦ ـ فو الله لا أنساك ما عشت ليلة

صفيّ من الإخوان والولد الحتم (٣)

وقال :

٧٢٧ ـ وما أحد حيّ تأخّر يومه

بأخلد ممّن صار قبل إلى الرّجم

٧٢٨ ـ سيأتي على الباقين يوم كما أتى

على من مضى حتم عليهم من الحتم (٤)

(وَرِءْياً). (٧٤)

مهموزا ساكنة ، على وزن رعي ، اسم المرئى.

__________________

(١) سورة الإنسان : آية ٢١.

وقال القرطبي : وقالت فرقة : والكاف في «منكم» راجعة إلى الهاء في (لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) فلا ينكر رجوع الكاف إلى الهاء ، فقد عرف ذلك في قوله عزوجل : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً * إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) معناه : كان لهم فرجعت الكاف إلى الهاء. راجع تفسير القرطبي ١١ / ١٣٨.

(٢) البيت في ديوانه ص ٧٨ ؛ وتفسير القرطبي ١١ / ١٣٧.

(٣) البيت لأبي خراش الهذلي يرثي خالد بن زهير ، وهو في لسان العرب مادة حتم ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٢٧ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٨١.

(٤) البيتان أيضا لأبي خراش يرثي خالد بن زهير. الرّجم : القبر. وهما في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٢٥ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٨١. وفي المخطوطة [الماضين] بدل [الباقين] تصحيف.

٥٢

يقال : رأيته رؤية ورئيا. والمرئي رئي ، كالمرعي والرعي ، والمحمل والحمل.

أي : أحسن متاعا ومنظرا.

ـ وقيل : أحسن ما لا يراه الناس وهو الأثاث ، وما يراه الناس وهو الري.

ـ وأمّا الرّيّ مشددا غير مهموز فهو من الري : الشباب وارتواء النعمة. قال المزرّد :

٧٢٩ ـ وأسحم ريّان القرون كأنّه

أساود رمّان السّباط الأطاول

٧٣٠ ـ وتخطو على برديّتين غذاهما

نمير المياه والعيون الغلاغل (١)

(فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا). (٧٥)

أي : فليدعه في ضلاله ، وليملّه في غيّه.

(وَخَيْرٌ مَرَدًّا). (٧٦)

أي : مرجعا يردّ إليه.

(تَؤُزُّهُمْ أَزًّا). (٨٣)

تزعجهم إزعاجا (٢).

وقيل : تهيّجهم وتغريهم.

وفي الحديث : [لجوفه أزيز كأزيز المرجل](٣).

__________________

(١) البيتان في المفضليات ص ٩٤. وهما للمزرد بن ضرار أخي الشماخ. والرّمان : موضع. السباط : اللينة. البردي : نبت.

(٢) أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)؟ قال توقدهم وقودا. قال فيه الشاعر :

حكيم أمين لا يبالي بخبلة

إذا أزّه الأقوام لم يترمرم

(٣) الحديث جاء عن مطرّف بن عبد الله عن أبيه قال : أتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل. يعني : يبكي. ـ

٥٣

(نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا). (٨٤)

أي : أعمالهم للجزاء.

وقيل : أنفاسهم للفناء.

(وَفْداً). (٨٥)

ركبانا مكرّمين.

ـ وقيل : زورا مجتمعين.

(وِرْداً). (٨٦)

عطاشا من ورود الإبل.

(إِدًّا). (٨٩)

منكرا عظيما.

وقيل داهية شديدة.

(رِكْزاً). (٩٨)

صوتا خفيّا (١).

* * *

__________________

ـ والأزيز : خنين من الجوف وهو صوت البكاء ، والمرجل : القدر إذا غلت. والحديث أخرجه النسائي في باب البكاء في الصلاة ، راجع شرح النسائي ٣ / ١٣ ؛ وأبو داود في الصلاة رقم ١٥٧ ؛ وأحمد في المسند ٤ / ٢٥ ؛ وفتح الباري ٢ / ٢٠٦. قال ابن حجر : الحديث رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل ، وإسناده قوي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، ووهم من زعم أن مسلما أخرجه.

(١) أخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : (رِكْزاً) فقال : حسّا. قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :

وقد توجّس ركزا مقفر ندس

بنبأة الصوت ما في سمعه كذب

راجع الدر المنثور ص ٥ / ٥٤٧. ولعلّ هذا السؤال موضوع إذ الشعر لذي الرّمة ، وابن عباس توفي قبل مولد ذي الرمة ، أو لعلّ الشاهد على هذا قول لبيد :

وتوجّست ركز الأنيس فراعها

عن ظهر غيب والأنيس سقامها

٥٤

(سورة طه) (١)

(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). (٢)

لتتعب بقيام جميع الليل (٢).

ـ وقيل : لتحزن على قومك بأن لا يؤمنوا.

(يَعْلَمُ السِّرَّ). (٧)

السّر : ما يسّره العبد عن غيره.

__________________

(١) عن ابن الزبير قال : نزلت سورة طه بمكة. ـ وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أعطيت السورة التي ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأول ، وأعطيت طه والطواسيم من ألواح موسى ، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش ، وأعطيت المفصّل نافلة». ـ وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كلّ قرآن يوضع على أهل الجنة ، فلا يقرؤون منه شيئا إلا طه ويس ، فإنهم يقرؤون بهما في الجنة».

(٢) أخرج البزار بسند حسن عن عليّ قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يراوح بين قدميه ، يقوم على كل رجل ، حتى نزلت : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يربط نفسه ، ويضع إحدى رجليه على الأخرى فنزلت : (طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). ـ وأخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : أول سورة تعلمتها من القرآن «طه». وكنت إذا قرأت : (طه.* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا شقيت يا عائشة.

٥٥

(وَأَخْفى).

ما يخطر بالبال ، ويهجس في الصدر.

(آنَسْتُ ناراً). (١٠)

أبصرتها. قال الفرزدق :

٧٣١ ـ وركب كأنّ الريح تطلب عندهم

لها ترة في جذبها بالعصائب

٧٣٢ ـ إذا آنسوا نارا يقولون : ليتها

 ـ وقد خصرت أيديهم ـ نار غالب (١)

(طُوىً). (١٢)

لم ينصرف للعجمة والتعريف ، فإذا اسم أعجمي بواد معروف.

(أَكادُ أُخْفِيها). (١٥)

أريد أخفيها ، والمعنى : مقاربة كونها مع تبعيد العلم بوقتها.

وقيل : في الكلام إضمار. أي : أكاد أظهرها ، ثم قال : أخفيها لتجزى.

(لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى).

لأنّ من الحكمة والمصلحة إخفاء أمر الساعة ، ليتوهّم العبد صباح مساء ، فلا يفرّط في التوبة. قال البرجمي :

٧٣٣ ـ هممت ولم أفعل وكدت وليتني

تركت على عثمان تبكي حلائله (٢)

أي : وكدت أقتله.

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٣٠ ؛ والحماسة البصرية ١ / ١٥٨ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٥٨ ؛ وشرح أبيات مغني اللبيب ٢ / ٢٧٦.

(٢) البيت في تفسير القرطبي ١٠ / ١٨٣ ؛ وطبقات فحول الشعراء ١ / ١٧٤ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٨٠ ؛ والكامل للمبرد ١ / ٢٢٨.

٥٦

وعلى قول أبي عبيدة وقطرب : إنّ : أخفيها : أظهرها ، لا يكون للتعليل وإن جاء أخفي بمعنى أظهر. قال عبدة بن الطبيب :

٧٣٤ ـ يخفي التراب بأظلاف ثمانية

في أربع مسّهنّ الأرض تحليل (١)

أي : يظهر التراب ويستخرجه بأظلافه لشدة عدوه.

ومنه الحديث : [لا قطع على المختفي](٢).

والصحيح أنّ في البيت «يخفى التراب» بفتح الياء ، كما في شعر امرىء القيس :

٧٣٥ ـ خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنما

خفاهنّ ودق من عشيّ مجلّب (٣)

(أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها). (١٨)

أعتمد.

(وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي).

أخبط الورق للغنم.

(وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى).

قال ابن الأعرابي : العصا يكون مع الراعي فيذود بها عن غنمه ، ويطرد بها الذئب ، ويقابل بها الخارب (٤) ، ويهش بها على غنمه إذا قلّ المرعى ،

__________________

(١) البيت من مفضليته. راجع المفضليات ص ١٤٠ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٩ ؛ وديوان المعاني ٢ / ١٠٨ ؛ واللسان مادة حلل ؛ وغريب الحديث للحربي ٢ / ٨٤٦.

(٢) الحديث في اللسان مادة خفا. والمختفي : النباش لاستخراجه أكفان الموتى.

(٣) البيت في ديوانه ص ٣٦ ؛ واللسان مادة : خفا ، ومجاز القرآن ٢ / ١٧ ؛ وغريب الحديث لأبي عبيد ١ / ٦٠.

(٤) الخارب : اللص.

٥٧

ويأتي بها البغيبغ الذي لا تناله يده ، ـ والبغيبغ (١) : ماء قريب من اليد ـ فيشدّ ضفته بطرف العصا فيستقي ، ويتعب الراعي فيتكىء عليها ، فيزيل تعبه فيجعلها على كتده ، وبين وايلتي كتفيه فيجعل بدنه عليها ، ويمشي فكأنّه محمول ، ثم يأتي منزله فيجعلها كالوتد فيعلّق عليها ثيابه.

ثم يكسر العصا فيجعل منه أوتادا ، ثم يكسر الأوتاد فيجعل منه أخشبة ، ثم تبلى الأخشبة وتتكسر فيأخذ دقاقها فيجعل أخلّة (٢) ، ثم يأخذ البواقي فيجعله توادي (٣) ، ثم تتفتت التوادي فتصير فتاتا ، فيسمون ذلك الفتات أوقاصا.

فإذا تعسّرت النار واشتعالها قيل له : وقّص على نارك ، فيلقي عليها من تلك الأوقاص ، فتشتعل حتى ترى لها كالحيّة. أي : لسانا.

وأنشد على هذا :

٧٣٦ ـ أقسم بالبيت العتيق والصّفا

أنّك خير من تفاريق العصا (٤)

__________________

(١) قال ابن منظور : والبغيبغ : البئر القريب الرشاء. ابن الأعرابي : بئر بغبغ وبغيبغ : قريب الرشاء. قال الشاعر :

يا ربّ ماء لك بالأجبال

أجبال سلمى الشّمّخ الطّوال

بغيبغ ينزع بالعقال

طام عليه ورق الهدال

(٢) قال في اللسان : والخلّة : كل نبت له أصل في الأرض يبقى عصمة للنّعم إذا أجدبت السنة ، وهي العلقة عند العرب.

(٣) قال الأزهري : وأمّا التوادي فواحدتها تودية ، وهي الخشبات التي تشدّ على أخلاف الناقة إذا صرّت لئلا يرضعها الفصيل.

(٤) البيت لغنية الأعرابية ، قالته لابنها وكان كثير التلفت إلى الناس مع ضعف أسر ، ودقة عظم ، فواثب يوما فتى ، فقطع الفتى أنفه ، فأخذت غنية دية أنفه ، فحسنت حالها بعد فقر مدقع ، ثم واثب آخر فقطع أذنه ، فأخذت ديتها ، فزادت حسن حال ، ثم واثب آخر فقطع شفته ، فأخذت الدية ، فلما رأت ما صار عندها من الإبل والغنم والمتاع ، وذلك من كسب جوارح ابنها حسن رأيها فيه ، وذكرته في أرجوزتها. ١٧٣. ـ

٥٨

(مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى). (٢٣)

أراد : الكبر ، كقوله في نعت «مآرب» : «أخرى» (١) والمراد : أخر ولكن جريا على نظام الآي.

وقيل : من آياتنا الآية الكبرى.

(وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي). (٣٩)

أي : بإرادتي ورعايتي.

(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً). (٤٠)

بلوناك بلاء بعد بلاء.

وقيل : خلّصناك تخليصا.

وأصله من : فتنت الذهب بالنار ، وذلك أنّ الله ابتلاه عند الولادة ، وبعدها وحين البعثة بأنواع من البلاء ، فخلص منها خلوص الذهب من اللهب.

(ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ). (٤٠)

أي : موعد ومقدار للرسالة وهو أربعون سنة ، فبعدها يوحى إلى الأنبياء.

(لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى). (٤٤)

على رجاء الرسول لا المرسل ، إذ لو يئس الرسول من ذلك لم يصحّ الإرسال.

ـ وقيل : إنّ الكلام معدول عن المرسلات.

كأنّ القول : لعلّه يتذكر متذكر عنه ويأخذ به.

__________________

ـ راجع مجمع الأمثال ١ / ٣٧ ، والبيان والتبيين ٣ / ٦٤ ؛ والعصا ص ٣٠٥ ؛ واللسان مادة فرق ، ومحاضرات الأدباء ٢ /

(١) الآية : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) سورة طه : آية ١٨.

٥٩

ويكون «لعلّه» حينئذ للإيجاب ، كما في قول الشاعر :

٧٣٧ ـ وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا

نكفّ ووثّقتم لنا كلّ موثّق

٧٣٨ ـ فلمّا كففناها وجدنا عهودكم

كضاحي سراب بالملا مترقرق (١)

(نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا). (٤٥)

يعجل بقتلنا.

(أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ). (٥٠)

أي : صورته التي لا يشبهه فيها غيره.

وقيل : إنّ المراد صورة الأنواع المحفوظة بعضها عن بعض ، فلا يكون على صورة نوع من حيوان نوع آخر.

ـ وقيل : أعطى كلّ شيء من الأعضاء خلقه ، فأدرك كل حاسة بإدراك ، وأنطق اللسان ومكّن اليد من البطش والأعمال العجيبة ، والرجل من المشي. (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(٢).

(ثُمَّ هَدى).

للمعيشة في الدنيا ، والسعادة في الآخرة.

(قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) (٥١)

وذلك أنّه حذّره البعث ، فقال : ما بال الأمم الخالية؟ كيف يبعثون؟ ومتى يبعثون وهم رمم بالية؟

(مَكاناً سُوىً). (٥٨)

__________________

(١) البيتان في الأمالي الشجرية ١ / ٥١ من غير نسبة ؛ والحماسة البصرية ١ / ٢٥ ؛ والدر المصون ١ / ١٨٩ ؛ وتفسير القرطبي ١ / ٢٢٧.

(٢) سورة الفرقان : آية ٢.

٦٠