وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

قال مجاهد : يمضي أمامه راكبا رأسه في هوله.

وقيل : إنه تقديم الحوبة ، وتأخير التوبة.

وقيل : يتمنّى العمر ليفجر فيه.

(فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ). (٧)

بالكسر : دهش وتحيّر.

وبالفتح (١) : شخص.

(وَخَسَفَ الْقَمَرُ). (٨)

ذهب ضوءه حتى كأنه في خسف ، وهي : البئر القديمة.

(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ). (٩)

في طلوعهما من المغرب.

أو : في ذهاب ضوئهما.

أو : في التسخير بهما.

(أَيْنَ الْمَفَرُّ). (١٠)

أي : الفرار. مصدر كالقرار والمقرّ.

بكسر الفاء : الموضع الذي يفّر إليه.

والمفرّ بكسر الميم (٢) : الإنسان الجيد الفرار ، كما قال :

١٣١١ ـ مكرّ مفرّ مقبل (٣)

 ................

أي : الإنسان الجيد الفرار لا ينفعه الفرار.

(لا وَزَرَ). (١١)

__________________

(١) وهي قراءة نافع وأبي جعفر. الإتحاف ص ٤٢٨.

(٢) وهي قراءة شاذة قرأ بها الحسن.

(٣) البيت لامرىء القيس من معلقته ، وهو بتمامه :

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السيل من عل

وهو في ديوانه ص ١١٩ ؛ وشرح المعلقات ١ / ٣٤ ؛ وتفسير القرطبي ١٩ / ٩٨.

٤٦١

لا ملجأ ولا منجا.

(بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ). (١٣)

بما قدّم من عمل ، وأخّر من سنّة.

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ). (١٤)

شاهدة.

الهاء للمبالغة. أو تقديره : عين بصيرة ، كما قيل :

١٣١٢ ـ كأنّ على ذي العقل عينا بصيرة

بمقعده أو منظر هو ناظره

١٣١٣ ـ يحاذر حتى يحسب الناس كلّهم

من الخوف لا يخفى عليهم سرائره (١)

(وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ). (١٥)

أي : جوارحه تشهد عليه ولو اعتذر وذبّ عن نفسه.

وقال ابن عباس : ولو ألقى ثيابه فأرخى ستوره. أي : ولو خلا بنفسه.

والمعذار : الستر بلغة اليمن (٢).

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ). (١٧)

جمعه أي : في صدرك ، وإعادة قرآنه عليك.

أي : قراءته حتى تحفظ وتضبط ، ثم إنّا نبيّن لك معانيه إذا حفظته.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ). (٢٢)

حسنة مستبشرة.

__________________

(١) البيتان في معاني الفراء ٣ / ٢١١ ؛ وتفسير القرطبي ١٩ / ١٠٠ ؛ وروح المعاني ٢٩ / ١٤١ من غير نسبة ، والبحر المحيط ٨ / ٣٨٦. وفي المخطوطة [لمقعدة].

(٢) أخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : ستوره بلغة أهل اليمن.

٤٦٢

(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ). (٢٥)

داهية تكسر الفقار.

(وَقِيلَ مَنْ راقٍ). (٢٧)

أي : تقول الملائكة : من يرقى بروحه؟ أملائكة العذاب أم الرحمة؟ (١).

وقيل : هو من قول أهله : من راق يرقيه ، وطبيب يشفيه (٢) ، كما قال يزيد بن خذّاق :

١٣١٤ ـ هل للفتى من بنات الدهر من واق

أم هل له من حمام الموت من راق

١٣١٥ ـ قد رجّلوني وما رجّلت من شعث

وألبسوني ثيابا غير أخلاق (٣)

(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ). (٢٩)

أهوال الدنيا بأهوال الآخرة.

وفسّر ذلك أيضا بكرب الموقف ، وهول المطلع.

وقال الضحّاك : اجتمع عليه أمران : أهله يجهّزون جسده ، والملائكة يجهّزون روحه.

(ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى). (٣٣)

__________________

(١) أخرجه ابن جرير عن أبي الجوزاء. انظر تفسير الطبري ٢٩ / ١٩٥.

(٢) أخرجه عبد بن حميد عن ابن عباس.

(٣) البيتان ليزيد بن خذاق من عبد القيس ، جاهلي قديم كان في زمن عمرو بن هند. والبيتان في الشعر والشعراء ص ٢٤٤ ، والعقد الفريد ٣ / ١٧٦ ؛ وعيون الأخبار ٢ / ٣٠٨ ؛ والمفضليات ص ٣٠٠. والأول منهما في تفسير القرطبي ١٩ / ١١١ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ٢٣٦٢ ولم ينسبه المحققان. وقال أبو عمرو بن العلاء : أول شعر قيل في ذم الدنيا قول يزيد بن خذّاق ، وأنشد الأبيات.

٤٦٣

يتبختر ويختال.

والمطيطاء : مشية يهتز فيها المطا ، وهو الظهر.

(أَوْلى لَكَ فَأَوْلى). (٣٤)

قاربك ما تكره ، ووليك.

وأنشد في «الياقوتة» :

١٣١٦ ـ فإني إن أقع بك لا أهلّك

كوقع السيف ذي الأثر الفرند

١٣١٧ ـ فأولى ثمّ أولى ثمّ أولى

وهل للدرّ يحلب من مردّ (١)

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً). (٣٦)

مهملا لا يؤمر ولا ينهى.

(مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى). (٣٧) يراق.

وقيل : يقدّر ، ويخلق. من المنا وهو القدر.

كما قال الهذلي :

١٣١٨ ـ لعمر أبي عمرو لقد ساقه المنى

إلى جدث يوزي له بالأهاضب

١٣١٩ ـ لحيّة قفر في وجار مقيمة

تأمّل إلى سوق المنى والجوالب (٢)

* * *

__________________

(١) البيت الأول في اللسان مادة : أثر ، من غير نسبة. والثاني في القرطبي ١٩ / ١١٥ ؛ والبحر المحيط ٨ / ٧١ ؛ وألف باء ٢ / ٥٢٥ ؛ واللسان مادة ولي ١٥ / ٧٤١٢ ؛ والأشباه والنظائر للثعالبي ص ٤٤. وأثر السيف : تسلسله وديباجته. والياقوتة كتاب لغلام ثعلب أبي عمرو الزاهد ، وقد سبق ذكره وترجمته.

(٢) البيتان لصخر الغي يرثي أخاه أبا عمرو وقد نهشته حيّة فمات. وهما في شرح أشعار الهذليين ١ / ٢٤٥ ؛ والأغاني ٢٠ / ٢١ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٢٠. المنى : القدر ، يوزى : ينصب ويشرّف. والأول في أمالي المرتضى ١ / ٣٦٩. ويروى عجز الثاني : [تنمّى بها سوق المنا والجوالب].

٤٦٤

(سورة الإنسان) (١)

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً). (١)

يمكن تقرير «هل» على وضعه في الاستفهام ههنا ، كأنّه سؤال عن الإنسان هل أتى عليه هذا؟ فلا بدّ في جوابه من «نعم» ملفوظا أو مقدّرا ، ثم يكون المعنى : إنّ الأمر كما أنه كذلك ، فينبغي للإنسان أن يحتقر نفسه ، ولا يرتكب ما قبح له.

ويبيّن هذا ما عدّد عليه من النعم بعده ، وقوله :

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ). (٢)

المشج : الخلط ، وهو ماء الرجل والمرأة (٢).

__________________

(١) أخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : أنزلت بمكة سورة : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ). وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة الإنسان بالمدينة.

(٢) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ)؟ قال : اختلاط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرحم. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت أبا ذؤيب وهو يقول :

كأنّ الريش والفوقين منه

خلال النصل خالطه مشيج

والصحيح أنّ البيت لعمرو بن الداخل الهذلي.

٤٦٥

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أي الماءين سبق ـ أو : علا ـ فمنه يكون الشبه» (١).

(نَبْتَلِيهِ).

نختبره حالا بعد حال.

(إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً). (٣)

الفعول للمبالغة والكثرة.

وشكر الإنسان قليل بالإضافة إلى كثرة النعم عليه ، وعلى العكس فإنّ كفره وتوليه كثير بالإضافة إلى الإحسان إليه (٢).

(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً). (٤)

سلاسلا : بالتنوين ، بمشاكلة قوله : (أَغْلالاً وَسَعِيراً).

أو أجرى السلاسل مجرى الواحد ، فيكون الجمع سلاسلات ، كما في الحديث :

__________________

(١) الحديث صحيح ، وهذا شطر من حديث صحيح ، وأحد المسائل الثلاثة التي سأل عنها عبد الله بن سلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأخرجه البخاري في صحيحه في التفسير باب قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) وكتاب الأنبياء. راجع فتح الباري ٨ / ١٦٥ ؛ وصحيح مسلم باب الحيض رقم ٣٠ ؛ وأحمد في مسنده ٣ / ١٠٨ ؛ ورواية البخاري [وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة نزعت].

(٢) وقد استشكل هذه الآية المؤرّخ الأديب صلاح الدين الصفدي ، فكتب إلى جمال الدين السبكي أخي تاج الدين هذه الأبيات سائلا عنها :

تفكّرت والقرآن فيه عجائب

بهرت لمن أمسى له متدبّرا

في «هل أتى» لم ذا يا شاكرا

حتى إذا قال الكفور تغيّرا

فالشكر فاعله أتى في قلّة

والكفر فاعله أتى مستكثرا

فعلام ما جاءا بلفظ واحد

إنّ التوازن في البديع تقرّرا

لكنّها حكم يراها كلّ ذي

لبّ وما كانت حديثا يفترى ـ

٤٦٦

[إنكنّ صواحبات يوسف](١).

وكذلك قوله : (قَوارِيرَا) إذ جمعها قواريرات ، ولأنها خاتمة الآية فصرفت ليتفق النظام ، وليس هذا المعنى في «قوارير» الثانية.

قال أبو عبيدة : رأيت حكّ الألف في «قوارير» الثانية في المصحف الإمام.

(كانَ مِزاجُها كافُوراً). (٥)

أي : في طيب الجنّة.

قال قتادة : مزج بالكافور ، وختم بالمسك (٢).

(يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً). (٦)

يجرونها كيف شاؤوا (٣).

(كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً). (٧) منتشرا.

(قَمْطَرِيراً). (١٠)

__________________

ـ فأجابه من أبيات :

وجواب أنّ الكفور ولو أتى

بقليل كفر كان ذاك مكثّرا

بخلاف من شكر الإله فإنّه

بكثير شكر لا يعدّ مكثّرا

فإذن مراعاة التوازن ههنا

محظورة لمن اهتدى وتفكّرا

يراجع طبقات الشافعية للسبكي ٩ / ٤١٤.

(١) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الشيخان وغيرهما. راجع البخاري ٢ / ١٧١ باب الرجل يأتم بالإمام ، ومسلم ص ٤١٨ ؛ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ، والترمذي ص ٣٦٢ باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا ، والنسائي ٢ / ٧٩ في باب صلاة الإمام خلف أحد من رعيته. وراجع شرح السنة للبغوي ٣ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ؛ وفتح الباري ٢ / ٢٠٦. وفي رواية [إنكنّ لأنتنّ صواحب يوسف].

(٢) أخرج هذا الخبر عبد بن حميد وابن المنذر عنه.

(٣) أخرج هذا عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة.

٤٦٧

شديدا طويلا (١).

(لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً). (١٣)

أي : حرّا ولا بردا (٢).

قال المتلمس :

١٣٢٠ ـ من القاصرات سجوف الحجا

ل لم تر شمسا ولا زمهريرا (٣)

(قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ). (١٦)

أي : كأنّها في بياضها من فضّة على التشبيه بالفضة ـ وإن لم يذكر حرفه ـ كما قال :

١٣٢١ ـ حلبانة ركبانة صفوف

تخلط بين وبر وصوف (٤)

أي : كأنّ يديها في إسراعها يدا خالط وبرا بصوف.

__________________

(١) أخرج هذا ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وعنه أيضا أنّ القمطرير الذي ينقبض وجهه من شدة الوجع. فقد أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً)؟ قال : الذي ينقبض وجهه من شدة الوجع. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :

ولا يوم الحسار وكان يوما

عبوسا في الشدائد قمطريرا

(٢) أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : الزمهرير : هو البرد الشديد. ـ وعن ثعلب أنه قال : الزمهرير هنا : القمر ، وأنشد :

وليلة ظلامها قد اعتكر

قطعتها والزمهرير ما ظهر

(٣) البيت في اللسان مادة زمهر ، ونسبه للأعشى ، وهو في ديوانه ص ٨٦ ؛ وعيار الشعر ص ١٠٧.

وفي ديوان الأعشى :

مبتّلة الخلق مثل المها

ة لم تر شمسا ولا زمهريرا

(٤) ـ الرجز في اللسان مادة صفف ، وكتاب الأفعال ٣ / ٤٠٤ ؛ وتشبيهات القرآن ص ٢٨٠ ولم يجده المحقق ؛ والفائق ٣ / ٦٩ ؛ والبحر المحيط ٧ / ٣٤٧ ؛ وقبلهما شطر وهو :

أكرم لنا بناقة ألوف

والحلبانة الركبانة : الصالحة للحلب والركوب.

٤٦٨

وعن ابن عباس : إنّ قوارير كلّ أرض من تربتها ، وأرض الجنة فضة ، فقواريرها فضة.

(كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً). (١٧)

أي : في إرادة المقطع (١) ، لأنّ الزنجبيل يحدي اللسان.

وهو عند العرب من أجود الأوصاف للخمر.

قال الأعشى :

١٣٢٢ ـ كأنّ القرنفل والزنجبيلا

باتا بفيها وأريا مشورا (٢)

وقال ابن مقبل :

١٣٢٣ ـ ممّا تفتّق في الحانوت ناطفها

بالفلفل الجون والرّمان مختوم (٣)

وقال حسّان :

١٣٢٤ ـ كأنّ فاها قهوة مزّة

حديثة العهد بفضّ الختام

__________________

(١) قال الزمخشري : ومعنى تقديرهم لها أنهم قدّروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم فجاءت كما قدّروا. اه. راجع الكشاف ٤ / ١٧٠.

(٢) البيت في ديوانه ص ٨٥ ؛ وتفسير القرطبي ١٩ / ١٤٢ ؛ والكشاف ٤ / ١٧٠ ؛ وروح المعاني ٢٩ / ١٦٠.

ورواية الديوان :

كأنّ جنيّا من الزنجبي

ل خالط فاها وأربا مشورا

والأري : العسل ، وفي المخطوطة [مستورا] بدل [مشورا] وهو تصحيف.

(٣) البيت في تفسير الماوردي ٤ / ٤٢٢ وشرح المفضليات ٢ / ٨١٤ ؛ وديوانه ص ٢٦٨ ؛ وتشبيهات القرآن ص ٢٨١ وقال المحقق : البيت غير موجود في المصادر الأدبية. وقد تصحّف عليه البيت أيضا. وفي الماوردي شطره الأول :

صرف ترقرق في الحانوت باطنه

وتصحّف على المحقق وإنما هو [ناطلها] لا [باطنه]. والناطل : مكيال الخمر.

٤٦٩

١٣٢٥ ـ من خمر بيسان تخيّرتها

درياقة تسرع فتر العظام (١)

(تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً). (١٨)

سمّيت به لسهولتها وسلاستها.

(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ). (٢١)

عاليهم نصبه على أنه صفة جعلت ظرفا ، كقوله تعالى : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)(٢).

(وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ). (٢٨)

خلقهم (٣).

* * *

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٢٢٧. ويروى الأول :

كأنّ فاها ثغب بارد

في رصف تحت ظلال الغمام

(٢) سورة الأنفال : آية ٤٢.

(٣) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس.

٤٧٠

(سورة المرسلات) (١)

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً). (١)

الملائكة ترسل بالمعروف (٢).

وقيل : السحائب. وقيل : الرياح (٣).

و«غرفا» : متتابعا.

(فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً). (٢)

الملائكة تعصف بأرواح الكفّار.

وقيل : الرياح العواصف ، وهي الشديدة الهبوب.

__________________

(١) أخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : بينما نحن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) فإنه يتلوها وإني لألقاها من فيه ، وإنّ فاه لرطب بها إذا وثبت حيّة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقتلوها ، فابتدرناها فذهبت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وقيت شركم كما وقيتم شرّها. فتح الباري ٨ / ٦٨٥ ؛ ومسلم.

(٢) أخرج هذا الحاكم ٢ / ٥١١ وصححه عن أبي هريرة ، وكذا ابن أبي حاتم عنه.

(٣) أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الرياح ثمان : أربع منها عذاب ، وأربع منها رحمة ؛ فالعذاب منها : العاصف والصرصر ، والعقيم ، والقاصف ، والرحمة منها : الناشرات ، والمبشرات ، والمرسلات ، والذاريات ، فيرسل الله المرسلات فتثير السحاب ، ثم يرسل المبشرات فتلقح السحاب ، ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب ، فتدرّ كما ندرّ اللقمة ، ثم تمطر ، وهي اللواقح ، ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد». وسنده حسن.

٤٧١

(وَالنَّاشِراتِ نَشْراً). (٣)

الناشرات الرياح أيضا تنشر السحاب (١).

وقيل : المطر لنشرها النبات (٢).

وقيل : الملائكة تنشر الكتب (٣).

(فَالْفارِقاتِ فَرْقاً). (٤)

الملائكة تفرق بين الحق والباطل (٤).

(فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً). (٥)

الملائكة تلقي الوحي (٥).

(عُذْراً أَوْ نُذْراً). (٦)

نصب على الحال ، كقوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ)(٦).

ويجوز على المفعول له. أي : عذرا من الله إلى عباده ، ونذرا لهم من عذابه.

أي : لذلكما تلقي الملائكة الذكر.

(إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ). (٧)

جواب الأقسام.

__________________

(١) ينقل هذا القول عن مجاهد ، كما أخرجه ابن جرير ٢٩ / ٢٣١.

(٢) وهذا مرويّ عن أبي صالح ، كما أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة وابن المنذر.

(٣) وهذا مروي عن ابن عباس وأبي صالح أيضا.

(٤) أخرج هذا القول عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي صالح.

(٥) وهو مرويّ عن أبي صالح أيضا ، كما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير ٢٩ / ٢٣٢ وابن المنذر.

(٦) سورة النساء : آية ١٦٥.

٤٧٢

(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ). (٨)

ذهب ضوءها.

(وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ). (٩)

فتحت وشقّت.

(وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ). (١٠)

قلعت من أصولها.

(وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)(١). (١١) جمعت لوقت.

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً). (٢٥)

كنّا ووعاء (٢).

وأصله الضّم في اللغة (٣).

__________________

(١) قال أبو جعفر النحاس : الأصل فيها الواو ، لأنه مشتق من الوقت ، قال جلّ وعزّ : (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً). اه. قال الفراء : اجتمعت القراء على همزها ، وقرأها أبو جعفر المدني «وقتت» بالواو خفيفة وإنما همزت لأنّ الواو إذا كانت أول حرف وصمّت همزت. من ذلك قولك : صلّى القوم أحدانا ، ويقولون : هذه أجوه حسان بالهمز ، وذلك لأنّ ضمة الواو ثقيلة ، كما كان كسر الياء ثقيلا. راجع معاني الفراء ٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٢) يروى عن ابن عباس كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم.

(٣) قال ابن منظور : الكفات : الموضع الذي يضم فيه الشيء ويقبض ، وفي التنزيل العزيز (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً). قال ابن سيده : هذا قول أهل اللغة. وعندي أنّ الكفات هنا مصدر من : كفت إذا ضمّ وقبض ، وأنّ «أحياء» و«أمواتا» منتصب به. أي : ذات كفات للأحياء والأموات. وكفات الأرض : ظهرها للأحياء ، وبطنها للأموات ، ومنه قولهم للمنازل : كفات الأحياء وللمقابر : كفات الأموات. وبقيع الغرقد يسمى كفتة ، لأنه يدفن فيه ، فيقبض ويضمّ. راجع لسان العرب ٢ / ٧٩.

٤٧٣

نظر الشعبي إلى الدور فقال : كفت الأحياء ، وإلى القبور فقال : كفت الأموات (١).

فكان قوله :

(أَحْياءً وَأَمْواتاً). (٢٦)

تفسير قوله : (كِفاتاً).

(انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ). (٣٠)

قيل : إنها اللهب والشرر والدخان.

وقال المبرّد : إنما قال ذلك لأنّ النار ليس لها إلا ثلاث جهات : يمنة ، ويسرة ، وفوق.

والأولى أن يقال :

إنّ الوراء ـ وإن كان من جهاتها ـ ولم يباينها في الصفة المكروهة ، فإنها لا تدرك قبل الالتفات ، وكذلك الفوق والتحت ، بخلاف الشعب الثلاث من اليمنة واليسرة والأمام ، لأنها ترى أول وهلة ، ولأنّ الشكل الحسكي يلقّب بالناري ، فيجوز أن يقال : إنّه ليس لها فوق ووراء وتحت لا يدرك بالبصر.

(إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ). (٣٢)

قال أبو علي : القصر بمعنى المقصور ، وهي بيوت من أدم كانوا يضربونها إذا نزلوا على الماء (٢).

__________________

(١) الخبر ذكره ابن الأثير في النهاية قال : ومنه حديث الشعبي أنه كان بظاهر الكوفة والتفت إلى بيوتها فقال : هذه كفات الأحياء ، ثم التفت إلى المقبرة. فقال : وهذه كفات الأموات. راجع النهاية ٤ / ١٨٤ ؛ ولسان العرب ٢ / ٧٩.

(٢) قال الفرّاء : يريد القصر من قصور مياه العرب. وعن ابن عباس قال : كالقصر : كجذور الشجر.

٤٧٤

(كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ). (٣٣)

جمالات جمع جمالة ، وهي الشيء المجمل.

ويقال : جمع جمال.

والصفر : السود ، لأنّ سود الإبل فيها شكلة من صفرة. أي : خلطة.

وقيل : هي قلوس (١) السفن.

(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ). (٥٠)

إذا كفروا بالقرآن فبأي حديث بعده يؤمنون.

* * *

__________________

(١) في المخطوطة [فلوس] وهو تصحيف ، والقلوس : الحبال.

٤٧٥
٤٧٦

(سورة عمّ) (١)

ـ الجزء الثّلاثون ـ

(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً). (٩)

قطعا لأعمالكم ، وراحة لأبدانكم.

وابن الراوندي قال : بأنّ السبات النوم.

فكأنه قيل : وجعلنا نومكم نوما.

والسّبات ليس من أسماء النوم ، وإنّما هو من صفاته ، كما قلنا : إنه قطع الأعمال كما يقال : يوم السبت ، إذ كان يقطعون فيه العمل.

ويقال لنوع من النعال الحسنة التخصر والتقطيع : سبت ، على وجه الوصف لا الاسم ، كما قال الشاعر :

١٣٢٦ ـ فليت قلوصي حلّيت من مجاشع

إلى جعفر في داره وابن جعفر

١٣٢٧ ـ إلى معشر لا يخصفون نعالهم

ولا يلبسون السّبت ما لم يخصّر (٢)

__________________

(١) أخرج ابن الضريس والبيهقي وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) بمكة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : لما بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعلوا يتساءلون بينهم ، فنزلت : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ).

(٢) البيتان لعتيبة بن مرداس ويعرف بابن فسوة ، وهما في الأغاني ١٩ / ١٤٤ ؛ والحيوان ٣ / ١١٢. والثاني في البيان والتبيين ٣ / ١٠٣ ؛ والمعاني الكبير ١ / ٤٨٨. وفي المخطوطة [فليس] بدل [فليت] وهو تصحيف. ـ

٤٧٧

فهذا واحد.

ويجوز أيضا أن يكون أصل هذه الكلمة التمدّد ، كما يقال :

سبّتت المرأة شعرها : إذا مدّت عقيصتها المفتولة.

ويقال لليل والنهار : أبناء سبات ، لامتداد اختلافهما في العالم ، كما قال ابن أحمر :

١٣٢٨ ـ وكنّا وهم كابني سبات تفرّقا

سوى ثمّ كانا منجدا وتهاميا

١٣٢٩ ـ فألقى التهاميّ منهما بلطاته

وأحلط هذا إلا أريم مكانيا (١)

فمعنى السبات على هذا : النوم الممتدّ الغرق.

وكان وجه الامتنان بأن لم يجعل نومنا تقويما وعزارا.

وهذا الجواب أولى ، لأنّه يقال : سبت الرجل بمعنى قطع العمل واستراح ، كما يقال : سبت : إذا نام نوما طويلا.

(وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ). (١٤)

المعصرات : السحاب التي دنت أن تمطر ، كالمعصرة التي دنت من الحيض.

قال أبو النجم :

__________________

ـ قال الزمخشري : أتى ابن فسوة عبد الله بن عباس يستوصله فلم يصله ، فأنشد البيتين فقال له عبد الله بن جعفر : أنا أشتري منك عرض ابن عمي ، فقال : اشتر ولا تؤخر فوصله حتى كفّ ، وقبل البيتين قوله :

أتيت ابن عباس أرجي نواله

فلم يرج معروفي ولم يخش منكري

(١) البيتان في ديوانه ص ١٧٤ ؛ ومقاييس اللغة ٢ / ٩٧ ؛ ولسان العرب مادة حلط ٧ / ٢٧٦ ؛ والصحاح ٣ / ١١٢٠ ؛ والثاني في الأفعال ١ / ٣٦٨. والسبات : الدهر ، ولطاته : ثقله ، وأحلط الرجل في اليمين. إذا اجتهد ، لا أريم : لا أبرح.

٤٧٨

١٣٣٠ ـ جارية بسفوان دارها

تمشي الهويني مائلا خمارها (١)

قد أعصرت أو قد دنا إعصارها

(وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً). (١٦)

مجتمعة بعضها إلى بعض.

واللّفّ : الشجر الملتفّ بالثمر.

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً). (١٧)

منتهى الأجل المضروب.

وقيل : ميعاد البعث المشهود.

(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً). (٢١)

مرصاد : مفعال من الرّصد ، وهو الارتقاب (٢).

(لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً). (٢٤)

بردا : قيل : نوما.

وقيل : برد الماء والهواء.

__________________

(١) الرجز ينسب إلى أبي النجم ، وينسب إلى منظور بن مرثد الأندي ، هكذا نسبه له في اللسان. وهو في تفسير القرطبي ١٩ / ١٧٢ ؛ وتفسير روح المعاني ٣٠ / ١٠ منسوب لأبي نجم. وفي اللسان مادة عصر ٤ / ٥٧٦ ؛ وشرح الحماسة ٤ / ١٣ ؛ والمذكر والمؤنث ص ٥١٥ ولم ينسبه المحقق.

(٢) في المخطوطة : الاريقاب وهو تصحيف.

٤٧٩

(جَزاءً وِفاقاً). (٢٦)

جاريا على وفاق أعمالهم.

(وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً). (٢٨)

يقال : كذّب يكذّب كذبا وكذّابا ، وكذب كذابا.

ومثله : كلّم كلّاما ، وقضّى قضّاء.

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً). (٣١)

مواضع الفوز والنجاة.

(دِهاقاً). (٣٤)

ملاء ولاء (١).

(عَطاءً حِساباً). (٣٦)

كافيا. وقيل : كثيرا.

قالت امرأة من بني قشير :

١٣٣١ ـ ونقفي وليد الحيّ إن كان جائعا

ونحسبه إن كان ليس بجائع (٢)

* * *

__________________

(١) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : وَكَأْساً دِهاقاً قال : الكأس : الخمر ، والدهاق : الملآن. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :

أتانا عامر يرجو قرانا

فأترعنا له كأسا دهاقا

 ـ وأخرج هنّاد عن عطية في قوله تعالى : (وَكَأْساً دِهاقاً) قال ملأى متتابعة.

(٢) البيت في تفسير القرطبي ١٩ / ١٨٤ ؛ واللسان مادة قفا ١٥ / ١٩٧ ؛ والتقفية في اللغة ص ٦٨٢ ولم ينسبه المحقق د. خليل العطية ، وهو لأم العباس القشيرية ، راجع كتاب الأفعال ١ / ٣٦٥. وفي المخطوطة [نعقي] وهو تصحيف ، وقوله نقفي : نؤثره بالقفية ، وهي ما يؤثر به الضيف والصبي ، وقيل : نعطيه حتى يقول : حسبي ، وعلى هذا المعنى يصلح الشاهد. ونسبه العكبري للأحمر بن جندل ، راجع المشوف المعلم ١ / ١٩٤.

٤٨٠