وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

(سورة الجنّ) (١)

(وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا).

سلطانه وعظمته (٢).

عن أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا (٣).

أي : عظم.

(وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا). (٤)

إبليس.

(عَلَى اللهِ شَطَطاً).

كفرا وكذبا ليبعدهما عن الحق.

(يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ). (٦)

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الجن بمكة.

(٢) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : تَعالى جَدُّ رَبِّنا؟ قال : عظمته. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت الشاعر وهو يقول :

لك الحمد والنعماء والملك ربنا

ولا شيء أعلى منك جدا وأمجدا

(٣) الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا. يعني : عظم. راجع الدر المنثور ١ / ٤٩ ؛ والمسند ٣ / ١٢٠.

٤٤١

كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد نادى : أعوذ بسيّد هذا الوادي من سفهاء قومه (١).

(فَزادُوهُمْ رَهَقاً).

فسادا وإثما.

قال الأعشى :

١٢٨٢ ـ لا شيء ينفعني من دون رؤيتها

هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا (٢)

أي : زاد الإنس الجنّ باستعاذتهم غيّا وإثما.

__________________

(١) أخرج ابن أبي شيبة في تاريخه والطبراني وابن عساكر عن خريم بن فاتك قال : خرجت في طلب إبل لي ، وكنا إذا نزلنا بواد نقول : نعوذ بعزيز هذا الوادي ، فتوسدت ناقة وقلت : أعوذ بعزيز هذا الوادي ، فإذا هاتف يهتف بي ويقول :

ويحك عذ بالله ذي الجلال

منزّل الحرام والحلال

ووحّد الله ولا تبال

ما كيد ذا الجن من الأهوال

إذ يذكر الله على الأميال

وفي سهول الأرض والجبال

وصار كيد الجن في سفال

إلا التقى وصالح الأعمال

فقلت له :

أيها القائل ما تقول

أرشد عندك أم تضليل

فقال :

هذا رسول الله ذا الخيرات

جاء بياسين وحاميات

وسور بعد مفصّلات

يأمر بالصلاة والزكاة

فقلت له : من أنت؟ قال ملك من ملوك الجن : بعثني رسول الله على جنّ نجد ، قلت : أما كان لي من يؤدي إلي هذه إلى أهلي لآتيه حتى أسلم؟ قال : فأنا أؤديها ، فركبت بعيرا منها ، ثم تقدمت فإذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر ، فلما رآني قال : ما فعل الرجل الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك؟ أما إنه قد أداها سالمة. راجع الدر المنثور ٧ / ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) البيت في ديوانه ص ١٢٤ ؛ وتفسير القرطبي ١٩ / ١٠ ؛ واللسان : رهق. وفسّر الرهق بأنه غشيان النساء وما لا خير فيه.

٤٤٢

(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ). (٨)

طلبنا ، بمعنى التمسنا.

(فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً). (٨)

ملائكة.

(وَشُهُباً).

كواكب الرجم.

وعن الزّهري وغيره : إن النجوم كانت تنقضّ قبل المبعث ، إلا أنه زيد عند المبعث زيادة لا إلى حد ، واستشهد بقول الأفوه الأودي :

١٢٨٣ ـ إن يجل مهري فيكم جولة

فعليه الكرّ فيكم والغوار

١٢٨٤ ـ كشهاب الرّجم يرميكم به

فارس في كفّه للحرب نار (١)

والصحيح أنّ الرجم كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إرهاصا لنبوّته ، وتمهيدا لدعوته. ورأيت عدّة نسخ من ديوان الأفوه : [كشهاب القذف].

وهو النار التي يرمي بها البحريون في الحرب.

وما في كتب أهل الحساب من علله وأسبابه فذلك من زياد المترجمين ، فإنهم ضمّوا إلى كلام صاحب المنطق أشياء كثيرة ، توسّعا في القول وتصرّفا ، وكذلك من بعدهم عليهم.

(طَرائِقَ قِدَداً). (١١)

فرقا شتى. جمع قدّة.

وقيل : أهواء مختلفة ، كما قال الراعي :

١٢٨٥ ـ ضافي العطية معصيه وواعده

سيان أفلح من يعطي ومن يعد

__________________

(١) البيتان في ديوانه ضمن كتاب الطرائف الأدبية ص ١٢ ؛ والحماسة البصرية ١ / ٤٩.

٤٤٣

١٢٨٦ ـ القابض الباسط الهادي لطاعته

في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد (١)

(وَمِنَّا الْقاسِطُونَ). (١٤)

[الجائرون](٢). وقال الشاعر :

١٢٨٧ ـ قوم هم قتلوا ابن هند عنوة

ظلما وهم قسطوا على النعمان (٣)

(تَحَرَّوْا رَشَداً).

تحرّى : تعمّد الصواب.

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً). (١٦)

أي : طريقة الكفر لزدناهم في نعيمهم وأموالهم فتنة.

قال عمر : حيث كان الماء كان المال ، وحيث كان المال كان الفتنة (٤).

ـ وقيل : على عكس ذلك.

أي : على طريقة الإسلام لوسّعنا عليهم.

وقيل : إنه كناية عن إدرار مواد الهدي عليهم ، فتكون الفتنة بمعنى التخليص ، كقوله تعالى : (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً)(٥).

__________________

(١) البيتان من قصيدة له يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو السعاة. وهما في ديوانه وبينهما أبيات ، ص ٦٣ ـ ٦٤. وفي الديوان [ضافي العطية راجيه وسائله] ، وسقطت كلمة [الناس] في البيت الثاني من المخطوطة. والأول في الموازنة ١ / ١٨٧ ، والثاني في تفسير القرطبي ١٩ / ١٥ ؛ وروح المعاني ٢٩ / ٨٨ من غير نسبة ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ٣٢٢.

(٢) سقطت من خ.

(٣) البيت في تفسير القرطبي ١٩ / ١٧ من غير نسبة وفيه [عمرا] بدل ظلما ؛ وروح المعاني ٢٩ / ٨٩ ؛ والبحر المحيط ٨ / ٣٥٠ ؛ وهو للفرزدق ، راجع نفائض جرير والأخطل ص ٢١٧ ؛ وديوانه ص ٦٤١. وسقطت من المخطوطة كلمة [هم].

(٤) ذكر هذا الخبر القرطبي أيضا في تفسيره ١٩ / ١٨.

(٥) سورة طه : آية ٤٠.

٤٤٤

والغدق : العذب والمعين (١).

وقيل : الغمر الغزير (٢).

ـ وذكر بعضهم : أنّ كلّ ما في السورة من «إنّ» المكسورة المثقّلة فهو حكاية قول الجن ، وكلّ ما فيها من «أنّ» المفتوحة مخفّفة مثقّلة فهو ابتداء قول الله (٣).

(عَذاباً صَعَداً). (١٧)

شديدا شاقا.

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ). (١٨)

ما يسجد على الأرض من جسد المصلي.

(كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً). (١٩)

جمع لبدة.

ولبدا (٤) جمع لبدة. مثل : حذوة وحذوة ، وربوة وربوة.

أي : ازدحم الجن على النبي عليه‌السلام حتى كان يركب بعضهم بعضا كتراكب اللبد.

(إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ). (٢٧)

يعني : جبريل.

(رَصَداً). (٢٧)

__________________

(١) نقله الماوردي عن ابن عباس. انظر تفسير الماوردي ٤ / ٣٢٥.

(٢) أخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى ماءً غَدَقاً؟ قال : كثيرا جاريا. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :

تدني كراديس ملتفا حدائقها

كالنبت جادت به أنهارها غدقا

(٣) وهذا قول ابن بحر ، وقد نقله عنه القرطبي أيضا في تفسيره ١٩ / ١٧.

(٤) وهي قراءة هشام عن ابن عامر.

٤٤٥

طريقا.

أي : نجعل له إلى علم بعض ما كان قبله وما يكون بعده طريقا.

وقيل : إنّه النبيّ عليه‌السلام ، والرّصد : الملائكة يحفظونه من الجن والإنس (١).

(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ). (٢٨)

على القول الأول : ليعلم محمد أنّ جبريل أبلغ ، وما نزل جبريل بشيء إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة.

وقيل : ليعلم محمد أنّ الرسل المتقدمين أبلغوا.

وقيل : ليعلم الله ـ وإن كان عالما من قبل ـ ولكنها لام العاقبة.

أي : ليتبيّن علم الله.

وهذا أوجه لاتصاله بقوله :

(وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً). (٢٨)

* * *

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد عن الضحاك بن مزاحم في الآية قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه نفرا من الملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه أن يتشبه الشيطان على صورة الملك.

٤٤٦

(سورة المزّمّل) (١)

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ). (١)

المزّمّل أصله : المتزمّل ، ومثله : المدّثرّ.

تزمّل وتدثّر : إذا تلفّف بغطاء.

قال امروء القيس :

١٢٨٨ ـ ..............

في بجاد مزمّل (٢)

(قُمِ اللَّيْلَ).

اسم الجنس. أي : كلّ ليلة.

(إِلَّا قَلِيلاً). (٢) من عدد الليالي.

فقاموا على ذلك سنة فرخّص بعدها بقوله : «فاقرؤوا ما تيسّر» (٣).

__________________

(١) أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) بمكة.

(٢) البيت تمامه :

كأنّ أبانا في أفانين ودقه

كبير أناس في بجاد مزمّل

وهو من معلقته. راجع شرح المعلقات للنحاس ١ / ٤٧ ؛ وديوانه ص ١٢٢ ؛ ومغني اللبيب ٦٦٩ ؛ وعجزه في القرطبي ١٩ / ٣٢.

(٣) أخرج ابن أبي شيبة والطبراني والحاكم ٢ / ٥٠٤ وصححه عن ابن عباس قال : لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها ، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة.

٤٤٧

(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً). (٤)

رتّل : بيّن وفصّل ، من الثغر الرتل ، وهو الحسن الرّصف.

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً). (٥)

راجحا ليس بسخيف مهلهل.

وقيل : ثقيل المحمل ، وكان إذا أوحي إليه ثقل عليه الحركة ، فلا يستطيع شيئا.

(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ). (٦)

الصلاة التي تنشأ فيه.

وقيل : ساعتها التي تنشأ.

(أَشَدُّ وَطْئاً)(١).

وطاء (٢).

مصدر كالمواطأة ، مثل : الوفاق والموافقة.

أي : قيام الليل أبلغ في مواطأة قلبك لعملك ولسانك.

وقيل : معناه : إنّ ما ينشأ في حفظك من القرآن بالليل أشد موافقة لك ، لمكان الخلوة وإمكان التفهّم لها ، وكذلك تفسير [وطأ].

(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً). (٧)

فراغا للعمل والاستراحة.

والسّبح : سهولة الحركة.

(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً). (٨)

انقطع إلى عبادته.

__________________

(١) وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر الشامي. وقرأ الباقي «وطأ».

٤٤٨

(فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً). (٩)

وليّا معينا.

(إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً). (١٢)

قيودا. واحدها : نكل.

(وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ). (١٣)

تأخذ بالحلق فلا تدخل ولا تخرج.

(كَثِيباً مَهِيلاً). (١٤)

رملا سائلا.

مفعول : هلت الرمل : إذا تحرك أسفله فانهال أعلاه.

(فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً). (١٦)

ثقيلا شديدا.

(يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً). (١٧)

مثل لصعوبة الأمر.

أي : هم كالشيب في الانكسار ، وتخاذل القوى.

(السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ). (١٨)

السماء يذكّر ويؤنّث (١). قال الفرزدق :

__________________

(١) قال أبو عمرو : السماء منفطرة. ألقى الهاء لأنّ مجازها السقف. وقال قوم : قد تلقي العرب الهاء من المؤنث استغناء ، يقال : مهرة ضامر ، وامرأة طالق. راجع مجاز القرآن ٢ / ٢٧٤.

٤٤٩

١٢٨٩ ـ ولو رفع السّماء إليه قوما

لحقنا بالسّماء مع السحاب (١)

(عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ). (٢٠)

أي : إحصاء نصف الليل وثلثه.

* * *

__________________

(١) البيت في تفسير القرطبي ١٩ / ٥١ ولم ينسبه المصحح ؛ وروح المعاني ٢٩ / ١١٠ ؛ والبحر المحيط ٨ / ٣٦٥ ؛ ومعاني القرآن ٣ / ١٩٩ ولم ينسبه المحقق ؛ وديوانه ص ٩١. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : مُنْفَطِرٌ بِهِ؟ قال : منصدع من خوف يوم القيامة. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :

طباهنّ حتى أعرض الليل دونها

أفاطير وسمي رواء جذورها

٤٥٠

(سورة المدّثر) (١)

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ). (٤)

قيل : إنّ المراد بالثياب النفس ، كما قال عنترة :

١٢٩٠ ـ فشككت بالرّمح الأصمّ ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرّم

١٢٩١ ـ وتركته جزر السّباع ينشنه

ما بين قلّة رأسه والمعصم (٢)

وقال ابن عباس : معناه : لا تلبسها على غدر ولا إثم.

واستشهد بقول غيلان الثقفي :

__________________

(١) أخرج ابن الضريس وابن مردويه والنحاس عن ابن عباس قال : نزلت سورة المدثر بمكة. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن يحيى بن أبي كثير : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ فقال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ). قلت : يقولون : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، وقلت له مثل ما قلت ، فقال جابر : لا أحدّثك إلا ما حدّثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : جاورت بحراء ، فلمّا قضيت جواري هبطت فنوديت ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت منه رعبا فرجعت ، فقلت : دثّروني دثّروني ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) إلى قوله : وَ(الرُّجْزَ فَاهْجُرْ). انظر المسند ٣ / ٣٩٢ ؛ وفتح الباري ٨ / ٦٧٧ ؛ ومسلم ١٦١ ؛ والعارضة ١٢ / ٢٢٤.

(٢) البيتان من معلقته. راجع شرح المعلقات ٢ / ٣٣ ، وديوانه ص ٢٦.

٤٥١

١٢٩٢ ـ وإنّي بحمد الله لا ثوب فاجر

لبست ولا من خزية أتقنّع (١)

وهذا القول أظهر فائدة ، وأكثر نظيرا.

قال امرؤ القيس :

١٢٩٣ ـ ثياب بني عوف طهارى نقيّة

وأوجههم بيض المسافر غرّان (٢)

أي : طهارى من العار والغدر.

وقال أبو الأسود الدؤلي :

١٢٩٤ ـ أطهّر أثوابي من الغدر والخنا

وأنحو الذي قد كان خيرا وأعودا

١٢٩٥ ـ ألم تر أنّي والتكرّم عادتي

وما المرء إلا لازم ما تعوّدا (٣)

وعلى ضدّه ـ وهو في معناه ـ قول جرير :

١٢٩٦ ـ وقد لبست بعد الزّبير مجاشع

ثياب التي حاضت ولم تغسل الدّما (٤)

وأنشد ابن السكّيت وثعلب :

١٢٩٧ ـ ..............

وبالبشر قتلى لم تطهّر ثيابها (٥)

__________________

(١) أخرج ذلك سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن عكرمة قال : سئل ابن عباس ... الخ. والبيت في تفسير القرطبي ١٩ / ٦٣ ؛ والدر المنثور ٨ / ٣٢٦ ؛ وروح المعاني ٢٩ / ١١٧ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ٣٤١ وقد تقدم.

(٢) البيت في ديوانه ص ١٦٧ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ٣٤٢ ؛ وتفسير القرطبي ١٩ / ٦٤ ؛ وشرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري ص ٤٦.

(٣) البيتان في ديوانه ص ٧٠ من أبيات له يعرّض فيها بعطية بن سمرة الذي أصاب عن أبي الجارود.

(٤) البيت في ديوانه ص ٤٤٨ ؛ والبحر المحيط ٥ / ٥٤٣ من غير نسبة.

(٥) هذا عجز بيت لجرير ، وصدره : [أبا مالك مالت برأسك نشوة] من قصيدة له يهجو بها الأخطل. وهو في ديوانه ص ٤٩ ؛ والحجة للفارسي ٢ / ٣٢٥.

٤٥٢

وأنشد الفرزدق :

١٢٩٨ ـ بني عاصم لا تلجئوها فإنكم

ملاجيء للسوآت دسم العمائم

١٢٩٩ ـ بني عاصم لو كان حيّا أبوكم

للام بنيه اليوم قيس بن عاصم (١)

وفسّره بأنّه لم يطلب ثأره :

وقريب منه قول أوس :

١٣٠٠ ـ نبئت أنّ دما حراما نلته

وهريق في برد عليك محبّر

١٣٠١ ـ نبئت أنّ بني جذيمة أدخلوا

أبياتهم تامور نفس المنذر (٢)

وقول الهذلي :

١٣٠٢ ـ تبرّأ من دم القتيل وبزّه

وقد علقت دم القتيل إزارها (٣)

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ). (٥)

قال مجاهد : الرّجز بالكسر : العذاب. وبالضم (٤) : الأوثان.

(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ). (٦)

لا تعط شيئا لتصيب أكثر منه.

وقال الحسن : معناه : لا تمنن بعملك تستكثر على ربّك.

__________________

(١) البيتان في ديوان جرير ص ١٩ ضمن المناقضات ؛ وأنساب الأشراف ٥ / ٢٠ ؛ والأغاني ١٩ / ٩ ـ وسبب هذه الأبيات أنّ النوار لما كرهت الفرزدق حين زوجها نفسه لجأت إلى بني قيس بن عاصم فقال فيهم البيتين ، فبلغهم ذلك الشعر ، فقالوا له : والله لئن زدت على هذين البيتين لنقتلنك غيلة ، وأرادت منافرته إلى ابن الزبير.

(٢) البيتان في ديوانه ص ٤٧ ؛ والمعاني الكبير ١ / ٤٨٣. والثاني في اللسان مادة نفس. والتامور : الدم.

(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وهو في شرح أشعار الهذليين ١ / ٧٧ ؛ وشرح الفصيح ١ / ٢٥٨ ؛ والمعاني الكبير ١ / ٤٨٣ ؛ والمسائل الحلبيات ص ١٤٦ ، ويروى [وثوبه] بدل [بزه] ويجوز فيها الرفع والجر.

(٤) قرأ بالضم حفص وأبو جعفر ويعقوب ، والباقون بالكسر. الإتحاف ص ٤٢٧.

٤٥٣

وقال مجاهد : «لا تمنن» : لا تنقص من الخير تستكثر الثواب. أي : يكثر ثوابك.

(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ). (٨)

الناقور : أول النفختين.

فاعول من النّقر.

(فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ). (٩)

«ذلك» إشارة إلى النقر ، كأنه قال : فذلك النّقر يومئذ نقر يوم عسير.

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً). (١١)

يعني : الوليد بن المغيرة.

أي : خلقته وحيدا لا مال له ولا بنون.

(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً). (١٢)

المال النامي الذي له مادّة من الزيادة.

(وَبَنِينَ شُهُوداً). (١٣)

كان له عشر بنين لا يغيبون عن عينه ، زينا له في النادي ، وعزما على الأعادي.

(سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً). (١٧)

الرهق : الإعجال بالعنف.

«صعودا» عقبة في النار.

(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ). (١٨)

فكّر في القرآن فقال : ليس بشعر ، وله حلاوة وتأثير في القلوب.

فقدّر في نفسه أنه سحر.

٤٥٤

(ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ). (٢٢)

فكّر حتى ضاق صدره بالفكر فبدا أثر العبوس والبسور في وجهه.

ـ وقيل : إنّ العبوس يكون مع المحاورة والمنازعة.

والبسور : مع الإعراض والصدود ، فلذلك جمع بينهما.

قال توبة :

١٣٠٣ ـ وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت

فقد رابني منها الغداة سفورها

١٣٠٤ ـ وقد رابني منها صدود رأيته

وإعراضها عن حاجتي وبسورها (١)

(لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ). (٢٩)

مسوّرة للجلود. وقال الشاعر :

١٣٠٥ ـ تركنا صياكلة عراة

يسارون الوحوش ملوّحينا (٢)

وقال الأخفش : معناه : معطّشة للناس. واللّوح : العطش.

قال الشاعر :

١٣٠٦ ـ وأيّ فتى صبر على الأين والظلما

إذا اعتصروا للوح ماء فظاظها (٣)

(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ). (٣٠)

ذكر الله هذا العدد في الكتب المقدّمة ، ثم ذكره كذلك في القرآن (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).

__________________

(١) البيتان لتوبة بن الحمير ، وهما في أمالي القالي ١ / ٨٨. والثاني في تفسير القرطبي ١٩ / ٧٦ ؛ ومجاز القرآن ٢ / ٢٧٥ ؛ وتفسير الطبري ٢٩ / ٨٤ ؛ وروح المعاني ٢٩ / ١٢٤.

(٢) البيت لم أجده.

(٣) البيت تقدّم برقم ٢٥٩. وهو في نظام الغريب للربعي ص ٢٣٣ ، من غير نسبة فيه ، وربيع الأبرار ٤ / ١٥٨ ، ونسبه الزمخشري لبعض إياد. وفيه : [وإني] بدل [وأي].

٤٥٥

وذكر القاضي الماوردي في «تفسيره» : أنّ التسعة نهاية الآحاد ، والعشرة بداية العشرات فكان أجمع الأعداد ، فجعلت بحسابها خزنة النار (١).

وذكر أيضا : أنّ البروج اثنا عشر ، والسيّارة سبعة ، فتلك تسعة عشر (٢).

فإن لم يستبعد عدد النجوم السيارة والبروج محصورا في تسعة عشر فكذلك خزنة جهنم.

(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ). (٣١)

أي : من كثرتهم.

(وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ). (٣١)

أي : هذه النار التي في الدنيا تذكير وتحذير بنار الآخرة.

(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ). (٣٣)

جاء بعد النهار.

دبر الشيء وأدبر ، وقبل وأقبل.

(إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ). (٣٥)

أي : الساعة. أو : سقر ، لتقدم ذكرها.

قال الحرمازي :

__________________

(١) راجع تفسير الماوردي ٤ / ٣٤٩.

(٢) نقله الماوردي عمن يتعاطى العلوم العقلية ، ثم قال بعده : وهذا مدفوع بالشرع وإن راق ظاهره. راجع تفسير الماوردي ٤ / ٣٥. ـ وهذا مدفوع أيضا بما ثبت علميا أنّ الكواكب السيّارة لا تعد ، وتخصيصها بالسبعة غير صحيح.

٤٥٦

١٣٠٧ ـ يا ابن المعلّى نزلت إحدى الكبر

داهية الدهر وصمّاء الغبر (١)

(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ). (٥٠)

بكسر الفاء : نافرة.

وبفتحها (٢) : منفرّة مذعورة.

(فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ). (٥١)

القسورة : الرماة.

وقيل : إنّه الأسد ، فعولة من القسر.

(هُوَ أَهْلُ التَّقْوى). (٥٦)

أهل أن تتقى محارمه أو عذابه.

* * *

__________________

(١) الرجز في تفسير الماوردي ٤ / ٣٥١ ؛ وتفسير القرطبي ١٩ / ٨٥ ، من غير نسبة ؛ والحيوان ٤ / ١٤٦ ؛ واللسان مادة غبر ، ومجمع الأمثال ١ / ٤٤. في القرطبي [الغير] وهو تصحيف. وقائله الكذاب الحرمازي سمي بذلك لكذبه ، واسمه عبد الله بن الأعور ، وله صحبة.

(٢) وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر.

٤٥٧
٤٥٨

(سورة القيمة) (١)

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ). (١)

دخول «لا» لتأكيد القسم ، لأنّ الإثبات من طريق النفي آكد.

وقال امرؤ القيس :

١٣٠٨ ـ فلا وأبيك ابنة العامري

لا يدّعي القوم أنّي أفرّ (٢)

وقيل : إنّ المراد نفي القسم لوضوح الأمر ، وأن لا حاجة إلى القسم ، كما قال الهذلي :

١٣٠٩ ـ فلست بمقسم لوددت أني

غداتئذ ببيضان الزروب

١٣١٠ ـ إذا لغدوت أرهقه بصدق

حسام الحدّ مطرورا خشيبا (٣)

__________________

(١) أخرجه ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة القيامة بمكة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال : حدثنا أنّ عمر بن الخطاب قال : من سأل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة.

(٢) البيت في ديوانه ص ٦٨ ؛ وروح المعاني ١٩ / ١٣٥ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ٣٥٥ ؛ وتفسير القرطبي ١٩ / ٦٢.

(٣) البيتان مختلطان.

فيروى الثاني :

ولو لا نحن أرهقه صهيب

حسام الحدّ مطرورا خشيبا

وهو من قصيدة لأبي خراش الهذلي مطلعها :

عدونا عدوة لا شكّ فيها

وخلناهم ذؤيبة أو حبيبا ـ

٤٥٩

وقيل : إنه لا أقسم ، على أنها لام الابتداء.

وقيل : لام القسم ، إلا أنه لم يسمع : لا أضرب أخاك ، وأنت تريد لأضربنّ.

(وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ). (٢)

كلّ واحد تلومه نفسه على الشرّ لم عمله ، وعلى الخير لم لم يستكثر منه.

(بَلى قادِرِينَ) (٤)

أي : نجمعها قادرين ، فنصبه على الحال من ضمير فعل محذوف.

(نُسَوِّيَ بَنانَهُ). (٤)

نجعلها على كفّه صحيفة مستوية لا شقوق فيها ، بمنزلة خفّ البعير ، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة.

ومن أيمان العرب : لا والذي شقّهنّ خمسا من واحدة.

وللجاحظ «رسالة في منافع الأصابع» ، عدّ فيها أشياء كثيرة من الإشارة وتقويم العلم والتصور والعقد ، والدفع بأصناف السلاح على أنواع الاستعمال ، وتناول الطعام ، والتضوء ، وانتقاد الورق ، وإمساك العنان وتصريفه وغير ذلك.

(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ). (٥)

__________________

ـ وهي في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٠٧ ؛ والأغاني ٢١ / ١٥ ؛ والبيت أيضا في اللسان : رهق. أما الأول فهو أحد بيتين لأسامة بن الحارث الهذلي ، وهما :

فلست بمقسم لوددت أني

غداتئذ ببيضان الزّروب

أسوق طعامنا من كلّ فجّ

يبذ ما به الأجد الجنوب

وهما في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٣٤٩ ؛ ومعجم البلدان ١ / ٥٣١.

٤٦٠