وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

(وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا).

أي : ما أتوهنّ من المهور. وجب ذلك بسبب الشرط ثم نسخ (١).

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ)(٢). (١١)

أي : غزوتم ما يغزونكم فغنمتم.

وله معنيان وفيه لغتان :

عاقب وعقّب.

وأحد المعنيين : من المعاقبة التي هي المناوبة.

والثاني : من الإصابة في العاقبة سبيا واغتناما.

(وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَ).

ما تلفظه المرأة بيدها من لقيط فتلحقه بالزوج.

(وَأَرْجُلِهِنَ). (١٢)

ما تلحقه به من الزنا (٣).

* * *

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد عن الزهري قال : نزلت هذه الآية وهم بالحديبية ، لّما جاء النساء أمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن ، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى زوجها ، فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله ، وأما المشركون فأبوا أن يقروا.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : نزلت في أمّ الحكم بنت أبي سفيان ، ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها ، فأسلمت مع ثقيف حين أسلموا.

(٣) أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : شهدت الصلاة يوم الفطر مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزل فأقبل على النساء فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ ...) حتى فرغ من الآية كلها. ثم قال حين فرغ : أنتنّ على ذلك؟ قالت امرأة : نعم. انظر فتح الباري ٨ / ٦٣٨ ؛ ومسلم ١٨٦٦.

٤٠١
٤٠٢

(سورة الصّفّ) (١)

(كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ). (٤)

مكتنز ملتصق بعضه ببعض ، كأنّه رصّ بالرصاص.

قال الراعي :

١٢٣٢ ـ ما لقي البيض من الحرقوص

بفتح باب المغلق المرصوص (٢)

(وَأُخْرى تُحِبُّونَها)

يجوز في موضع الجر عطفا على «تجارة».

ويجوز في موضع الرفع ، بتقدير : ولكم تجارة أخرى.

* * *

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : قال ناس : لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لفعلناه فأخبرهم الله فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فكرهوا ذلك فأنزل الله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ).

(٢) البيت في ديوانه ص ٣٠٦ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ٢٣١ ، ولم ينسبه المحقق.

٤٠٣
٤٠٤

(سورة الجمعة) (١)

(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ). (٣)

أي : ويعلم آخرين ، وهم العجم (٢).

(لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ).

لم يدركوهم.

قال عليه الصلاة والسّلام : «رأيت في المنام غنما سودا يتبعهم غنم عفر».

فقال أبو بكر : تلك العجم تتبع العرب.

فقال عليه الصلاة والسّلام : كذلك عبّرها لي الملك (٣).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الجمعة بالمدينة. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود عن ابن عباس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون.

(٢) أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها ، فلما (بلغ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال له رجل : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على رأس سلمان الفارسي وقال : والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء. انظر فتح الباري ٨ / ٦٤١.

(٣) الحديث أخرجه سعيد بن منصور في سننه ؛ والحاكم واللفظ له وهو مرسل عن عمر بن شرحبيل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رأيت كأني في غنم سود إذ ردفتها غنم بيض فلم أستبن السواد من كثرة البيض ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، هذه العرب ولدت فيها ثم تدخل العجم ، فلا تستبين العرب من كثرتهم ، قال : كذلك عبّرها الملك سحرا. راجع الرياض النضرة في مناقب العشرة ١ / ١٦٠ ؛ والمستدرك ٤ / ٣٩٥.

٤٠٥

(حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها).

أي : طوّقوا الأمانة في إظهار صفة محمّد عليه الصلاة والسّلام.

(كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً). (٥)

كتبا. واحدها : سفر.

وأنشد أبو سعيد الضرير (١) على معنى هذه الآية :

١٢٣٣ ـ زوامل للأسفار لا علم عندهم

بجيّدها إلا كعلم الأباعر

١٢٣٤ ـ لعمرك ما يدري البعير إذا غدا

لحاجته أو راح ما في الغرائر (٢)

(فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ). (٩)

قال السدّي : السعي : إجابة الداعي إليها.

وقال غيره : هو التأهب لها والمشي إليها.

(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (١١)

اللهو : طبل يضرب إذا وردت العير (٣).

* * *

__________________

(١) اسمه أحمد بن خالد ، أبو سعيد الضرير البغدادي ، كان لغويا فاضلا ، لقي ابن الأعرابي وأبا عمرو الشيباني وحفظ عن الأعراب نكتا كثيرة ، واستقدمه طاهر بن عبد الله إلى نيسابور ، وردّ على أبي عبيد حروفا كثيرة من كتاب غريب الحديث ، وأملى كتبا في معاني الشعر والنوادر.

(٢) البيتان لمروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يهجو قوما من رواة الشعر وهما في عيون الأخبار ٢ / ١٣٠ ؛ واللسان ؛ زمل ١١ / ٣١٠ ؛ وروح المعاني ٢٨ / ٩٥ ؛ وتفسير القرطبي ١٨ / ٩٥ ؛ والعقد الفريد ٢ / ٢٧٩. والزاملة : بعير يستظهر به الرجل يحمل عليه متاعه وطعامه.

(٣) أخرج البزار عن ابن عباس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة ، فقدم دحية بن خليفة يبيع سلعة له ، فما لقي في المسجد أحد إلا نفر ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم فأنزل الله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها).

٤٠٦

(سورة المنافقون) (١)

(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ). (٤)

أي : في طول قوامهم كخشب أسندت إلى الجدار.

وقيل : بل في سكوتهم عن الحق ، وخمودهم عن الهدى.

وقال الثعالبي (٢) في «تفسيره» (٣) : أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام.

وفي معناه :

١٢٣٥ ـ أضحت قبورهم من بعد عزّهم

تسفي عليها الصّبا والحرجف الشّمل

١٢٣٦ ـ لا يدفعون هواما عن وجوههم

كأنهم خشب بالقاع منجدل (٤)

(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).

أي : لجبنهم وخوفهم.

وقول جرير فيه لما سمعه الأخطل :

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة المنافقون بالمدينة.

(٢) هو أبو إسحق أحمد بن محمد الثعالبي النيسابور ، كان أوحد زمانه في علم التفسير ، وصنّف التفسير الكبير ، ذكره عبد الغافر في السياق وأثنى عليه وقال : هو صحيح النقل موثوق به ، كان كثير الحديث كثير الشيوخ ، توفي سنة ٤٢٧ ه‍. راجع وفيات الأعيان ١ / ٧٩.

(٣) تفسيره مخطوط ، ومنه نسخ في جامعة أم القرى.

(٤) السفى : ما سفت الريح عليك من التراب ، والحرجف : الريح الباردة. والبيتان لأبي العتاهية وهما في الأغاني ٨ / ١٥٦ وذكر لهما قصة.

٤٠٧

١٢٣٧ ـ حملت عليك حماة قيس خيلها

شعثا عوابس تحمل الأبطالا

١٢٣٨ ـ ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم

خيلا تكرّ عليكم ورجالا (١)

فقال : أخذها من كتابهم : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).

وقريب من هذا قول متمّم بن نويرة في أخيه :

١٢٣٩ ـ وقالوا : أتبكي كلّ قبر رأيته

لقبر ثوى بين اللوى فالدّكادك

١٢٤٠ ـ فقلت لهم : إنّ الأسى يبعث الأسى

دعوني فهذا كلّه قبر مالك (٢)

(فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ). (١٠)

عطف على موضع «فأصّدّق» وهو مجزوم لو لا الفاء.

لأنّ قوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) بمنزلة الأمر ، لأنّ «لو لا» للتحضيض ، فتضمّن معنى الشرط.

أي : فأخّرني إلى أجل قريب أصّدّق.

* * *

__________________

(١) البيتان في ديوانه ، ص ٤٥٠. والثاني في الحيوان ٥ / ٢٤٠ ؛ وتفسير القرطبي ١٨ / ١٢٥ ؛ والموازنة ص ٧١.

(٢) البيتان في الحماسة البصرية ١ / ٢١٠ ؛ وشرح الحماسة للتبريزي ٢ / ١٤٨ ؛ وأمالي القالي ٢ / ١.

٤٠٨

(سورة التغابن) (١)

(فَمِنْكُمْ كافِرٌ). (٢)

بأنّه خلقه.

(ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ). (٩)

سمّي بالتغابن لأنّ الله أخفاه.

والغبن : الإخفاء. ومغابن الجسد : ما يخفى عن العين.

والغبن في البيع لخفائه على صاحبه.

ويجوز أن يكون التغابن في يوم القيامة لا من إخفاء الله إياه ، بل من أمر المؤمن على الكافر في الدنيا ، فكان الكافر أو الظالم يظنّان أنهما غبنا المؤمن بنعيم الدنيا ، والمظلوم بما نقصه من حقه وثلمه من ماله ، وقد غبنهما المؤمن والمظلوم على الحقيقة بنعيم الآخرة وجزائهما.

فلمّا صار الغبن من وجهين :

أحدهما : ظن ، والآخر : حقّ ، جرى على باب التفاعل.

(إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ). (١٤)

كانوا يمنعونهم من الهجرة (٢).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة التغابن بالمدينة.

(٢) أخرج الحاكم وصححه والترمذي والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت ـ

٤٠٩

(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤)

كان من المهاجرين من قال : إذا رجعت إلى مكة لا ينال أهلي مني خيرا ، لصدّهم إياي عن الهجرة ، فأمروا بالصفح.

ويكون العفو بإذهاب آثار الحقد عن القلوب ، كما تعفو الريح الأثر.

والصفح : الإعراض عن المعاتبة.

* * *

__________________

ـ هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) في قوم من أهل مكة أسلموا ، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم ، فلمّا أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ، وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). انظر المستدرك ٢ / ٤٩٠ ، والعارضة ١٢ / ٢٠٧.

٤١٠

(سورة الطّلاق) (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ). (١)

أي : قل لأمتك إذا طلقتم النساء.

لأنّ الطلاق نسخ منها حكم النبي بقوله : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَ)(٢).

(فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ).

أي : عند عدتهنّ (٣) ، كقوله تعالى : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ)(٤).

أي : عند وقتها.

وتؤيده القراءة المروية عن النبيّ عليه‌السلام وابن عباس وعثمان وأبيّ ابن خلف وعبد الله ومجاهد وعلي بن الحسين وزيد بن عليّ وجعفر بن محمد : «لقبل عدتهن» (٥).

(بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). (١)

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الطلاق بالمدينة.

(٢) سورة الأحزاب : آية ٥٢.

(٣) عن ابن عمر في الآية قال : في الطهر في غير جماع.

(٤) سورة الأعراف : آية ١٨٧.

(٥) أخرج عبد الرزاق في المصنف والحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ : فطلقوهن في قبل عدتهن. وهي قراءة شاذة.

٤١١

بزنا ، فيخرجن لإقامة الحدّ.

وقيل : الفاحشة : أن تبدو على أحمائها وتفحش في القول (١).

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ). (٢)

قاربن انقضاء العدة.

(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ).

أي : على الرّجعة.

(إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ). (٤)

لما نزلت عدّة ذوات الأقراء في البقرة ارتابوا في غيرهنّ.

(وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) (٦)

تضايقتم.

وهو : إذا امتنعت المرأة من إرضاع الولد يستأجر الزوج أخرى ولا يجبرها.

(قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠))

(رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ). (١١)

أي : رسولا ذكركم به ، وهداكم على لسانه.

(وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ). (١٢)

أي : سبع طباق ، أو : سبعة أقاليم.

وهي : سبع قطع من الأرض بخطوط متوازية حاصرة لبلدان كثيرة ، يمرّ على بسيط الأرض فيما بين المشرق والمغرب طولا ، وما بين والشمال والجنوب عرضا.

__________________

(١) وهذا قول ابن عباس أخرجه عنه عبد الرزاق وسعيد بن منصور.

٤١٢

ويزداد النهار إلا طول الصيفي في الخط المجتاز بالطول على وسط كلّ واحد منها على مقداره في خط وسط الذي هو عنه أجنب بنصف ساعة.

(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ). (١٢)

أي : يترتّب القضاء والقدر بينهنّ منازل من شتاء وصيف ، ونهار وليل ، ومطر ونبات ، ومحيى وممات ، وملك ودول ، ومحبوب ومحذور ، واختلاف وائتلاف.

كما في شعر الأعشى :

١٢٤١ ـ شباب وشيب وافتقار وثروة

فلله هذا الدهر كيف تردّدا (١)

* * *

__________________

(١) البيت في ديوانه ص ٤٥ ؛ ومثلث البطليوسي ٢ / ٤٥١. وفي المخطوطة [يزداد] بدل [ترددا] وهو تصحيف.

٤١٣
٤١٤

(سورة التّحريم) (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ). (١)

أصاب النبيّ عليه‌السلام من مارية في بيت حفصة ، وقد خرجت لزيارة أبيها ، فلمّا علمت عتبت ، فقال : حرّمتها عليّ (٢).

ويقال : إنه كان في يوم. وكانت وحفصة متصاينتين فأخبرت عائشة ، وكان قال : لا تخبري عائشة فقد حرّمتها عليّ ، فطلّق حفصة واعتزل سائر نساءه شهرا فنزلت هذه الآية ، فراجع حفصة واستحلّ مارية ، وعاد إلى نسائه.

(عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ). (٣)

أعلمها بعض الأمر أنه وقف عليه ، وأعرض عن بعض حياءا وإبقاءا (٣).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة التحريم بالمدينة.

(٢) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : وجدت حفصة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمّ ولده مارية أم إبراهيم ، فحرّم أمّ ولده لحفصة ، وأمرها أن تكتم ذلك ، فأسرّته إلى عائشة رضي الله عنها. فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) فأمره الله بكفارة يمينه. وقيل في الآية قول آخر ، وهو ما أخرجه البخاري عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ، ويشرب عندها عسلا ، فتواصيت أنا وحفصة أنّ أيتنا دخل عليها النبي فلتقل : إني أجد مثل ريح معافير ، أكلت معافير ، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له ، فقال : لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود ، فنزلت : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ إلى ... إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) لعائشة وحفصة.

(٣) قوله : عَرَّفَ بَعْضَهُ عرّف حفصة بعض ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن تخبرها ، وأعرض عن بعض تكرّما. وقال الحسن : ما استقصى كريم قط.

٤١٥

وعرف بالتخفيف معناه عند الفرّاء : جازى عليه وغضب منه ، كقولك لمن تهدّده : عرفت ما عملت ، ولأعرفنّك ما عملت. أي : لأجازينّك عليه.

(قُوا أَنْفُسَكُمْ). (٦)

يقال : ق ؛ و: قيا ؛ و: قوا ؛ و: قي للمرأة ؛ و: قيا ؛ و: قين (١).

فإن جئت بالنون الثقيلة للتوكيد قلت : قينّ يا رجل ، وقيانّ ، وقنّ وقنّ يا امرأة. وقيانّ وقينان يا نسوة.

(تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً). (٨)

توبة ناصحة صادقة ، وهي التي لا يهمّ معها الفتى بمعاودة المعصية (٢).

وقيل : هي التي يناصح المرء فيها نفسه ، فيعلم بعدها ما لها وما عليها.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ). (٩)

أي : بالقتل.

(وَالْمُنافِقِينَ). (٩)

بالقول الغليظ والوعظ البليغ.

وقيل : بإقامة الحدود ، فكانوا أكثر الناس مواقعة الكبائر.

* * *

__________________

(١) وفي هذا يقول بعضهم :

إني أقول لمن ترجى شفاعته

ق المستجير قياه قي قوا قين

(٢) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال معاذ بن جبل : يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال : أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله ، ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع. وقال أبو بكر الدقاق : التوبة النصوح هي ردّ المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات. وقال شقيق البلخي : هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ، ولا ينفك من الندامة ، لينجو من آفاتها بالسلامة.

٤١٦

(سورة الملك) (١)

ـ الجزء التّاسع والعشرون ـ

(خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً). (٣)

يجوز جمع طبق ، كجمال وجمل ، فيكون المعنى : بعضها فوق بعض.

ويجوز اسما من التطابق ، على وزن فعال ، فيكون المعنى : متشابها.

من قولهم : هذا مطابق لذلك.

(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ).

تفاوت وتفوّت (٢) لغتان ، مثل : تعهّد وتعاهد.

ويجوز : تجاوز.

وقيل : التفوت : مخالفة الجملة ما سواها ، والتفاوت : مخالفة بعض الجملة بعضا ، كأنه الشيء المختلف لأعلى نظام.

ومن لطائف أبي سعد الغانمي :

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت بمكة تبارك الملك. وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ). انظر : المستدرك ٢ / ٤٩٧ ؛ وأبا داود ١٤٠٠. وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ (الم تَنْزِيلُ) السجدة و (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) كل ليلة لا يدعهما في سفر ولا حضر.

(٢) وبها قرأ حمزة والكسائي.

٤١٧

إنّ الفوت هو الفرجة بين الإصبعين (١).

والفوت والتفوت واحد ، فكان معنى «من تفوّت» معنى :

(مِنْ فُطُورٍ). (٣)

والفطور : الصدوع. قال :

١٢٤٢ ـ شققت القلب ثمّ ذررت فيه

هواك فليط فالتأم الفطور

١٢٤٣ ـ تغلغل حتى لم يبلغ شراب

ولا حزن ولم يبلغ سرور (٢)

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ). (٤)

أي : ارجع البصر وكرّر النظر أبدا ، قد أمرناك بذاك كرّتين إيجابا للحجّة عليك.

(يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً). (٤)

صاغرا ذليلا.

(وَهُوَ حَسِيرٌ).

معيى كليل. قال :

١٢٤٤ ـ تطاولت كيما أبصر الروح خاسيا

فعاد إليّ الطّرف وهو حسير

١٢٤٥ ـ وزدت من الشوق المبرّح أنني

أعار جناحي طائر فأطير (٣)

(سَمِعُوا لَها شَهِيقاً). (٧)

زفرة من زفرات جهنم.

__________________

(١) قال في اللسان : والفوت : الخلل والفرجة بين الأصابع ، والجمع : أفوات. وهو مني فوت اليد أي : قدر ما يفوت يدي.

(٢) البيتان لعبيد الله بن عبد الله بن عتبه أحد الفقهاء السبعة. وهما في النوادر للقالي ص ٢١٧ ؛ وتفسير القرطبي ١٨ / ٢٠٩ ؛ ومجالس ثعلب ص ٢٣٦ ؛ وزهر الآداب ١ / ٢١٢ ؛ والأول في روح المعاني ٢٩ / ٧.

(٣) لم أجدهما.

٤١٨

(وَهِيَ تَفُورُ). (٧)

تغلي.

(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ). (٨)

تنقطع وتتفرّق.

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ). (١٢)

أي : بالخلوة.

إذا ذكروا في الخلوة ذنبهم استغفروا ربهم.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً). (١٥)

أي : سهلة ذات أنهار وأشجار ومساكن مطمئنة.

(فَامْشُوا فِي مَناكِبِها). (١٥)

أطرافها وأظرابها (١).

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ). (١٦)

أي : من الملائكة.

أو : من في السماء عرشه أو سلطانه.

أو يكون «في» بمعنى «فوق» كقوله تعالى : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ)(٢) فيكون المراد العلوّ والظهور.

أو : من هو المعبود في السماء.

وخصّ السماء للعادة برفع الأدعية إليها ، ونزول الأقضية منها.

__________________

(١) الظراب : جمع ظرب وهو الجبل المنبسط ، وقيل الروابي الصغار. وفي حديث الاستسقاء : اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية والتلال.

(٢) سورة التوبة : آية ٢.

٤١٩

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ). (١٩)

أي : صافات أجنحتها في الطيران ، ويقبضنها عند الهبوط.

وقيل : «يقبضن» : يسرعن ، من القبيض وهو شدة العدو.

قال تأبّط شرا :

١٢٤٦ ـ لا شيء أسرع مني ليس عذر

وذا جناح بجنب الرّيد خفّاق

١٢٤٧ ـ حتى نجوت ولمّا ينزعوا سلبي

بواله من قبيض الشدّ غيداق (١)

(ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ). (١٦)

أي : لو غيّر الهواء والأجنحة عن الهيئة التي تصلح لطيرانهن لسقطن ، وكذلك العالم كله فلو أمسك قبضه عنها طرفة عين لتهافتت الأفلاك ، وتداعت الجبال.

(بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ). (٢١)

لجّوا : تقحّموا في المعاصي.

واللجاج : تقحّم الأمر مع كره الصوارف عنه.

والعتوّ : الخروج إلى فاحش الفساد.

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ). (٢٢)

ساقطا (٢).

يقال كببت على وجهه فأكبّ ، بخلاف القياس ، ومثله : نزفت ماء البئر ، وأنزفت البئر ماءها ، ومريت الناقة وأمرت : إذا درّ لبنها.

__________________

(١) البيتان في المفضليات ص ٢٨ ؛ وديوانه ص ١٣٣ ـ ١٣٤ ؛ وشرح المفضليات للتبريزي ١ / ١١٢. والواله : الذاهب العقل ، والشد القبيض : الجري السريع ، والغيداق : الكبير الواسع.

(٢) وعن قتادة في الآية قال : هو الكافر عمل بمعصية الله ، فحشره الله يوم القيامة على وجهه.

٤٢٠