وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

(سورة الحديد)

(وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ). (٧)

أي : ورّثكم من قبلكم وجعلكم خلفاء عنهم.

وقيل : معناه : يخلف بعض عن بعض ، ولا يبقى لأحد.

وفي معناه :

١٢٠٦ ـ الرّمح لا أملأ كفّي به

واللّبد لا أتبع تزواله

١٢٠٧ ـ والدّرع لا أبغي به ثروة

كلّ امرىء مستودع ماله (١)

ومثله لتميم بن مقبل :

١٢٠٨ ـ فأتلف وأخلف إنّما المال عارة

وكله مع الدهر الذي هو آكله

١٢٠٩ ـ فأيسر مفقود وأهون هالك

على الحيّ من لا يبلغ الحيّ نائله (٢)

فقوله : عارة كالقول : خلفة.

__________________

(١) البيتان لابن زيّابة من شعراء الجاهلية واسمه عمرو بن لأي ، وهو فارس مجلز ، ومجلز اسم فرسه. وهما في شرح الحماسة للتبريزي ١ / ٧٢ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ١١٤ والكامل. والثاني في شرح المفضليات للتبريزي ١ / ٤٧١.

(٢) البيتان في ديوانه ص ٢٤٤ ؛ والتذكرة السعديه ص ٢٢٧. والأول في تهذيب إصلاح المنطق ١ / ٤٣٢ ، وشرح المفضليات ٢ / ٦٦٠ ؛ والجمهرة ٣ / ٤٢٧. والثاني في محاضرات الأدباء ١ / ٥٧٢.

٣٨١

(وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (١٠)

أي : فلم لا تنفقون وأنتم ميتون ، وتاركون ما تجمعون.

(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ).

أي : هم على سبقهم لغيرهم متفاوتون في الدرجات.

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً). (١١)

كل عمل خير أو شر إذا كان بمثابة الجزاء فهو قرض عند العرب ، فلذلك وصفه بالحسن إذا كان فيما يجزى ما ليس بحسن.

قال الشنفرى :

١٢١٠ ـ جزينا سلامان بن مفرج قرضها

بما قدّمت أيديهم وأزلّت

١٢١١ ـ شفينا بعبد الله بعض غليلنا

وعوف لدى المعدي أوان استهلّت (١)

(يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ). (١٢)

نور أعمالهم المقبولة ، أو نور الإيمان.

(وَبِأَيْمانِهِمْ).

وهو نور آخر عن أيمانهم بما أنفقته أيمانهم.

(بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ).

أي : النور بشراهم بالجنّات.

(انْظُرُونا). (١٣)

انتظرونا ، كما : شوى واشتوى ، وحفر واحتفر. قال الشاعر فجمع بين اللغتين :

__________________

(١) البيتان في المفضليات ص ١١٢.

٣٨٢

١٢١٢ ـ ما زلت مذ أشهر السّفار أنظرهم

مثل انتظار المضحّي راعي الغنم (١)

(قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ).

إذ لم يتقدّم لهم الإيمان.

(فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ).

وهو الأعراف (٢).

قال عبد الله بن عمرو بن العاص : هو سور بالمسجد الأقصى وراءه وادي جهنم (٣).

وعن كعب : إنّ السور هو الباب الذي يسمى باب الرحمة في المسجد الأقصى.

(فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ). (١٤)

أهلكتم وأضللتم.

يقال : فتنه وأفتنه. قال الشاعر ـ فجمع بين اللغتين ـ :

١٢١٣ ـ لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت

سعيدا فأمسى قد قلى كلّ مسلم (٤)

وقيل : فتنتم : ادعيتم الفتنة لتقعدوا عن الجهاد. أي : قلتم : ائذن لي ولا تفتني.

__________________

(١) البيت في اللسان مادة شهر ، والمعاني الكبير ٢ / ٦٨٧ من غير نسبة. أشهر السّفار : أتى لهم شهر.

(٢) أخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : حائط بين الجنة والنار.

(٣) أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إنّ السور الذي ذكره الله في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) هو السور الذي ببيت المقدس الشرقي ، (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) المسجد (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) يعني : وادي جهنم وما يليه.

(٤) البيت لأعشى همدان يعرّض بسعيد بن جبير. وهو في اللسان مادة فتن ؛ والجليس الصالح ١ / ١٩٩ ولم ينسبه المحقق ؛ ومجاز القرآن ١ / ١٦٨ ؛ وفي ديوانه ص ١٦٢ ؛ والبحر المحيط ٥ / ٥١ ؛ وديوانه ص ١٦٢.

٣٨٣

(وَتَرَبَّصْتُمْ).

قلتم : نتربص به ريب المنون.

(وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ). (١٤)

الشيطان.

وقيل : الدنيا.

(هِيَ مَوْلاكُمْ). (١٥)

أولى بكم.

(أَلَمْ يَأْنِ). (١٦)

يقال : أنى يأني ، وآن يئين بمعنى حان. فجمع بين اللغتين :

١٢١٤ ـ ألم يأن لي أن تجلّى عمايتي

وأقصر عن ليلى؟ بلى قد أنى ليا (١)

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ). (١٨)

أي : الذين تصدّقوا وأقرضوا الله بتلك الصدقة ، فلذلك عطف بالفعل.

ومن خفّف الصاد (٢) كان المعنى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٣).

لأنّ التصديق إيمان ، وإقراض الله من العمل الصالح.

(أَعْجَبَ الْكُفَّارَ). (٢٠)

الزرّاع.

ويجوز : الكافرين ، لأنه أفتن لهم وأعجب عندهم.

__________________

(١) البيت في سر صناعة الإعراب ١ / ٢١٠ ؛ واللسان مادة : أين ، من غير نسبة ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٤٨.

(٢) قرأ ابن كثير وشعبة بتخفيف الصاد فيهما. من التصديق. أي : صدّقوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أي : آمنوا بما جاء به.

(٣) سورة البقرة : آية ٢٧٧.

٣٨٤

(قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها). (٢٢)

نخلقها. أي الأرض والأنفس.

ولمّا حمل سعيد بن جبير إلى الحجاج بكى بعض أصحابه فسلاه سعيد بهذه الآية (١).

(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ). (٢٣)

: أعلمناكم بذلك لتسلّوا عن الدنيا إذا علمتم أنّ ما ينالكم في كتاب قد سبق ، لا سبيل إلى تغييره.

قال ابن مسعود : لجمرة على لساني تحرقه جزءا جزءا أحبّ إليّ من أقول به لشيء كتبه الله : ليته لم يكن.

وحدّث قتيبة بن سعيد (٢) قال : هبطت واديا فإذا أنا بفضاء مملوء من جيف الإبل لا يحصى عددا وشيخ على تلّ كأفرح ما يكون ، فقلت : أكانت كلها لك؟.

فقال : كانت باسمي فارتجعها مالكها ، وأنشد :

١٢١٥ ـ لا والذي أنا عبد في عبادته

والمرء في الدهر نصب الرزء والمحن

__________________

(١) أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أبي صالح قال : دخلت على سعيد بن جبير في نفر ، فبكى رجل من القوم ، فقال : ما يبكيك؟ فقال : أبكي لما أرى بك ولما يذهب بك إليه ، قال : لا تبك فإنه كان في علم الله أن يكون ، ألا تسمع إلى قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها).

(٢) قتيبة بن سعيد أبو رجاء الثقفي ، أصله من بلخ ، رحل إلى العراق والمدينة ومكة والشام ومصر سمع من الإمام مالك والليث ، وروى عنه أحمد بن حنبل. توفي بخراسان سنة ٢٤٠ ه‍. راجع تاريخ بغداد ١٢ / ٤٦٨ ـ ٤٧٠.

٣٨٥

١٢١٦ ـ ما سرّني أنّ إبلي في مباركها

وأنّ شيئا قضاه الله لم يكن (١)

(وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). (٢٤)

«هو» في مثل هذا الموضع فصل في عبارة البصريين ، وعماد في عبارة الكوفيين.

قال سيبويه : إنما يدخل ليعلم أنّ الاسم قبله قد تمّ ، ولم يبق نعت ولا بدل فينتظر الخبر.

ومثله : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)(٢) و (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ)(٣) و (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ)(٤).

فكلها فصول مؤكدة لا موضع لها من الإعراب.

وهذا أصوب وأقرب ممن قال : إنّه مبتدأ ، والغني خبره ، والحميد : خبر بعد خبر ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر ، لأنّ كونهما خبري «إنّ» من غير واسطة أقصد وأقسط من أن يجعل خبر مبتدأ ، ثم هو وهما خبر إنّ.

(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ). (٢٥)

قيل : إنّ آدم هبط إلى الأرض بالسّندان والمطرقة والكلبتين (٥).

ـ وقيل : إنها من الأرض.

__________________

(١) البيتان في عيون الأخبار ٣ / ١١٤ ؛ والوحشيات ص ١٧٠ ؛ وبهجة المجالس ١ / ٧٤٨ ؛ والصداقة والصديق ص ٩٤. وقال ابن قتيبة : أغير على رجل من الأعراب فذهب بإبله ، فقال ، وأنشد البيتين.

(٢) سورة طه : آية ١٢.

(٣) سورة المؤمنون : آية ١١١.

(٤) سورة الحجر : آية ٩.

(٥) أخرج ابن عدي وابن عساكر في التاريخ بسند ضعيف عن سلمان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ آدم أهبط إلى الأرض ومعه السندان ، والكلبتان ، والمطرقة ، وأهبطت حواء بجدّة.

٣٨٦

ومعنى الإنزال الإظهار ، والماء ينزل من السماء ثم يغور في الأرض ، ثم ينعقد في المعادن جواهر مثل الكبريت والزئبق ، فيكون بامتزاجهما على الأيام الحديد ونحوه.

ومثلها : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ)(١).

(وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ).

أي : أزيحت العلل في خلق الأشياء وتيسير المنافع والمصالح ليعلم الله من ينصره بالغيب.

أي : سرّه مثل علانيته.

(وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ). (٢٧)

تقديره : وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم غير ابتغاء رضوان الله.

(يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ). (٢٨)

نصيبين. أحدهما لإيمانهم بالرسل الأولين ، والثاني : لإيمانهم بخاتم النبيين.

(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ). (٢٩)

قيل : إنّ «يعلم» هنا بمعنى : يظن ، كما جاء الظنّ في مواضع بمعنى العلم.

وقيل : معناه : ليعلم. قال الراجز :

١٢١٧ ـ ولا ألوم البيض ألا تسخرا

وقد رأين الشّمط القفندرا (٢)

* * *

__________________

(١) سورة الرمز : آية ٦.

(٢) الرجز لأبي النجم العجلي. وهو في مجاز القرآن ١ / ٢٦ ؛ وتفسير القرطبي ٢ / ١٨٢ ؛ وتفسير الطبري ١ / ٦١ ؛ وكتاب سيبويه ٢ / ٣٢. والقفندر : القبيح الفاحش. أي : فما ألوم البيض أن يسخرن.

٣٨٧
٣٨٨

(سورة المجادلة) (١)

ـ الجزء الثّامن والعشرون ـ

(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ). (١)

نزلت في خولة بنت ثعلبة بن خويلد ، وزوجها أوس بن الصامت ، قال لها : أنت عليّ كظهر أمي ، وكان الظهار طلاق الجاهلية (٢).

(ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا). (٣)

توهّم بعض الناس من هذا أنّ الظهار لا يقع في أول مرة ، حتى يعود إليه مرّة أخرى.

وقد يكون العود في كلام العرب : أن يصير إلى شيء وإن لم يكن عليه قبل. ومنه يقال للآخرة : المعاد.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة المجادلة بالمدينة.

(٢) أخرج سعيد بن منصور وابن مردويه والبيهقي عن عطاء بن يسار أنّ أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة ، فجاءت إلى رسول الله فأخبرته ـ وكان أوس به لمم ـ فنزل القرآن : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فقال لامرأته : مريه فليعتق رقبة ، فقالت : يا رسول الله ، والذي أعطاك ما أعطاك ، ما جئت إلا رحمة له ، إنّ له فيّ منافع ، والله ما عنده رقبة ولا يملكها ، قالت : فنزل القرآن وهي عنده في البيت ، قال : مريه فليصم شهرين متتابعين ، فقالت : والذي أعطاك ما أعطاك ما قدر عليه ، فقال : مريه فليتصدق على ستين مسكينا فقالت : يا رسول الله ما عنده ما يتصدق به. فقال : يذهب إلى فلان الأنصاري فإنّ عنده شطر وسق تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فليأخذ منه ثم ليتصدق على ستين مسكينا.

٣٨٩

وهو في شعر الهذليين شائع ، قال ساعدة بن جؤية :

١٢١٨ ـ حتى يقال وراء الدار منتبذا :

قم لا أبا لك سار النّاس فاحتزم

١٢١٩ ـ فقام ترعد كفاه بمحجنه

قد عاد رهبا رزيّا طائش القدم (١)

وقال أبو خراش :

١٢٢٠ ـ وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل

سوى الحق شيئا واستراح العواذل

١٢٢١ ـ وأصبح إخوان الصفاء كأنّهم

أهال عليهم جانب الترب هائل (٢)

وإذا ثبت هذا فقد قال عبد الله بن الحسين (٣) : معنى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أي : يعودون إلى المقول. أي : إلى نسائهم.

كأنّ التقدير : والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ، ثم يعودون إلى نسائهم.

وصرف هذا التأويل أنّ «ما قالوا» بمعنى المصدر ، والمصدر بمعنى المفعول ، مثل قولهم : هذا ضرب الأمير ، ونسج بغداد. أي : مضروبه ومنسوجها.

وقد قال كثيّر في المقالة بمعنى المفعول :

١٢٢٢ ـ وإن ابن ليلى فاه لي بمقالة

ولو سرت فيها كنت ممّن ينيلها (٤)

فإنّ المعنى : ولو سرت في طلبها كنت ممن ينيله إياها ، وإنما يطلب ما يعدّ به الملوك من جوائزها ، لا ما تلفظ به.

__________________

(١) البيتان لساعدة بن جؤية الهذلي. وهما في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١١٢٤. احتزم : شدّ وسطك ، الرهب : الرقيق الضعيف ، الرزي : المعيى المطروح.

(٢) البيتان في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٢٣ ، وقد تقدما ١ / ٣٦٧.

(٣) هو عبد الله بن الحسين ، أبو محمد الناصحي ، كان إماما كبيرا حنفيا ، له مجلس التدريس والفتوى. أخذ الفقه عن القاضي عتبة أبي الهيثم عن قاضي الحرمين ، وأخذ عنه ابنه محمد. ولي قضاء القضاة للسلطان محمود بن سبكتكين ببخارى ، توفي سنة ٤٤٧ ه‍.

(٤) البيت في ديوانه ص ٣٠٤ ؛ وإيضاح الشعر ٤٣٢ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٤٧٦.

٣٩٠

(ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ). (٤)

تطيعوه ولا تذهبوا إلى طلاق الجاهلية.

وقيل : تقديره : ذلك لإيمانكم بالله ، فيقتضي أن لا يصح ظهار.

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). (٥)

كبتوا. أي : في يوم الأحزاب.

كما كبت الذين من قبلهم : في يوم بدر.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى). (٨)

أي : السّرار.

وقيل : إنّ النجوى أخصّ من السرار ، فإنّ الإنسان يسرّ في نفسه ، ولا يناجي نفسه وإنما النجوى إجالة الرأي مع القلب المحتال.

كما قال نصيب :

١٢٢٣ ـ من النّفر البيض الذين إذا انتجوا

أقرّت لنجواهم لؤي بن غالب

١٢٢٤ ـ يحيّون بسّامين طورا وتارة

يحيّون عبّاسين شوس الحواجب (١)

* * *

__________________

(١) البيتان لكثيّر عزة وليسا لنصيب كما قال المؤلف. وهما في شرح ديوان كثير عزة ٢ / ٦٠ ؛ وكتاب كثير عزّة حياته وشعره ص ١٦٧. والممتع في صنعة الشعر ص ٥١. والأول في تفسير الماوردي ٤ / ٢٠٠ ونسبه لجرير ؛ وهو وهم ، ولم يعلّق عليه المحقق.

٣٩١
٣٩٢

(سورة الحشر) (١)

(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ). (٢)

يهود بني النضير أجلاهم النبي عليه‌السلام من الحجاز إلى أذرعات ، وهي أعلى الشام بعد ما حاصرهم ثلاثا وعشرين يوما.

«لأوّل الحشر» الخلق يحشرون أول حشرهم بأذرعات من الشام (٢).

(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ). (٢)

لمّا يئسوا من المقام شعثوا منازلهم.

وعن الضحاك : إنّ المؤمنين يخرّبون حصونهم ، وهم يخرّبون بيوتهم ليسدّوا بها الخراب من الحصون.

(لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا). (٣)

بالسبي والقتل كما فعل ببني قريظة.

(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ). (٥)

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحشر بالمدينة. وأخرج الشيخان عن سعيد بن جبير قال : قلت : لابن عباس : سورة الحشر ، قال : قل سورة النضير.

(٢) أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن قال : لما أجلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني النضير قال : هذا أول الحشر وإنّا على الأثر. انظر تفسير الطبري ٢٨ / ٢٩.

٣٩٣

نخلة أيّما كانت.

وقيل : إنها العجوة منها خاصته.

وقيل : إنها الفسيل للينها.

وقال الأخفش : هي من اللون لا من اللين (١) ، فكان أصلها : لونة ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

وهذا قول صحيح عجيب ، متناول لجميع أنواع النخل ، مأخوذ لفظه من معناه.

أي : من تلون ينعه من أول ما يبدو إلى أن يدرك.

ألا ترى إليها في أول حالها كأنها صدف ملىء درّا ، نضد بعضه إلى بعض ، ثم تصير غبراء ، ثم خضراء كأنها قطع زبرجد خلق منها النشىء ، ثم حمراء كأنها قطع يواقيت رصّ بعضها ببعض ، ثم صفراء كأنها شذور عقيان ، وكذلك إذا بلغ الإرطاب نصفها سمّيت مجزّعة لاختلاف لونيها كالجزع الظفاري.

قال امرؤ القيس في تشبيه العيون إذا كانت ذوات ألوان :

١٢٢٥ ـ كأنّ عيون الوحش حول خبائنا

وأرحلنا الجزع الذي لم يثقّب (٢)

(فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ). (٦)

وجف الفرس وجيفا ، وأوجفته ، وهو الإسراع في السير.

نزلت في مال بني النضير.

__________________

(١) وعبارة الأخفش : وهي من اللّون في الجماعة ، وواحدته لينة ، وهو ضرب من النخل ، ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت إلى الياء. راجع معاني القرآن للأخفش ٢ / ٤٩٦.

(٢) البيت في ديوانه ص ٣٧ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٦٩٦.

٣٩٤

أي : الفيء الذي يكون من غير قتال (١) يكون للرسول يضعه حيث وضعه أصلح ، فوضعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المهاجرين.

(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ). (٧)

الدّولة بالفتح : في الحرب.

والدّولة : في غيرها مما يتداوله الناس من متاع الدنيا.

وقال أبو عبيدة : الدّولة بالفتح : في الأيام.

وبالضم : في الأموال (٢).

(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ). (٩)

هم الأنصار من أهل المدينة ، آمنوا بالنبي عليه‌السلام قبل مصيره إليهم.

(وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا).

أي : لا يجدون حسدا على إيثار المهاجرين بمال بني النضير.

(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

قال النبيّ عليه الصلاة والسّلام : «وقي الشحّ من أدّى الزكاة ، وقرى الضيف ، وأعطى في النائبة» (٣).

(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى). (١٤)

__________________

(١) والفرق بين الفيء والغنيمة ما ذكره الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه مغازي المصطفى فقال :

وفيئهم ـ والفيء في الأنفال ـ

ما لم يكن أخذ عن قتال

أمّا الغنيمة ففي زحاف

والأخذ عنوة لدى الزّحاف

(٢) ليس هذا النقل موجودا في مجاز القرآن.

(٣) الحديث أخرجه عبد بن حميد عن مجمع بن يحيى بن جارية قال : حدثني عمي خالد بن يزيد بن جارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : برىء من الشح من أدى الزكاة ، وقرى الضيف ، وأدّى في النائبة.

٣٩٥

أي : اجتمعوا على عداوتكم ، ومع ذلك اختلفت قلوبهم لاختلاف أديانهم.

وفي هذا اللفظ قال الشاعر :

١٢٢٦ ـ إلى الله أشكو نيّة شقّت العصا

هي اليوم شتّى وهي الأمس جميع (١)

(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). (١٥)

أهل بدر.

(نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ). (١٩)

تركوا أداء حقه فأنساهم أنفسهم بحرمان حظوظهم ، أو بالعذاب الذي مني به بعضهم بعضا ، أو بخذلانهم حتى تركوا طاعته.

(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ). (٢١)

أي : لو أنزلنا على جبل ـ والجبل مما يتصدع إشفاقا وخشية ـ لتصدع مع ضخامته وقوته فكيف بكم مع ضعفكم وقلتكم؟!

قد أوضح هذا التأويل قوله :

(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

وله نظائر من كلام العرب ، مثل قول الشاعر :

__________________

(١) البيت في تفسير الماوردي ٤ / ٢١٥ ؛ وتفسير القرطبي ١٨ / ٣٦ من غير نسبة من المحققين وهو لقيس بن ذريح صاحب لبنى ، وقيل لمجنون ليلى. وهو في كتاب العصا ص ١٤٢ ، والأغاني ٨ / ١٢٦ ؛ وديوان مجنون ليلى ص ١٩١ ؛ والبحر المحيط ٨ / ٢٤٩.

٣٩٦

١٢٢٧ ـ ولو أنّ مابي بالحصى فلق الحصى

وبالريح لم يسمع لهنّ هبوب (١)

وقول آخر :

١٢٢٨ ـ إنّي أحبّك حبّا لو تضمّنه

سلمى سميّك ذاك الشاهق الراسي (٢)

وقول هدبة (٣) :

١٢٢٩ ـ أصبت بما لو أنّ سلمى أصابها

تسهلّ من أركانها ما توعّرا

(هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ). (٢٣)

القدوس : الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد ، أو يكون في حكمه وفعله ما ليس بعدل.

السّلام : ذو السّلام على عباده.

أو السّلام : الباقي.

والسلامة : البقاء ، والصفة منها للعبد : السالم ، ولله : السّلام.

__________________

(١) البيت قيل : لغصين بن براق أبي هلال الأحدب ، هاجر إلى بغداد وأقام بها حتى مات.

وبعد البيت :

ولو أنني أستغفر الله كلما

ذكرتك لم يكتب عليّ ذنوب

وقيل : هما لابن الدمينة ، وقيل : هما لمجنون ليلى ، وهو الأصح. راجع معجم الشعراء ص ٦٧ ؛ وأمالي الزجاجي ص ١٥٧ ؛ وديوان ابن الدمينة ص ١١١ ؛ وديوان مجنون ليلى ص ٥٩ ؛ وأنكر الأصمعي نسبتها لابن الدمينة ، وأمالي المرتضى ١ / ٤٢٩ ولم ينسبه المحقق.

(٢) البيت لدعبل الخزاعي ، وهو في شرح مقامات الحريري ٢ / ٢٥٢ ، والعمدة لابن رشيق ١ / ٢٢٨.

(٣) هو هدبة بن الخشرم العذري ، قتله سعيد بن العاصي والي المدينة لقتله زيادة بن زيد العذري. والبيت في الإمتاع والمؤانسة ٣ / ٢٠٣ ؛ ومحاضرات الأدباء ٤ / ٥١٧ ، وقبله :

سآوي إلى خير فقد فاتني الصبا

وصيح بريعان الشّباب فنفّرا

أمور وألوان وحال تقلّبت

بنا وزمان عرفه قد تنكّرا

٣٩٧

المؤمن : المصدّق. أي : يصدّق الموحّدين له على توحيدهم إياه.

وقيل : إنّه المؤمن عذابه من لا يستحقه.

المهيمن : سبق ذكره.

العزيز : هو الممتنع المنتقم.

الجبّار : العالي العظيم الذي يذلّ من دونه.

والسّحوق العالية على النحل تسمى جبارا. قال سويد :

١٢٣٠ ـ على كلّ جبّار كأنّ فروعها

طلين بقار أو بحمأة ماتح

١٢٣١ ـ فليست بسنهاء ولا رجبيّة

ولكن عرايا في السنين الجوائح (١)

المتكبر : المستحق لصفات الكبر والتعظيم.

* * *

__________________

(١) البيتان لسويد بن الصامت وهما في سمط اللآلىء ١ / ٣٦١. والثاني في أمالي القالي ١ / ١٢١. وقد تقدم برقم ٢٢٣.

٣٩٨

(سورة الممتحنة) (١)

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). (٤)

قدوة.

وقيل : عبرة.

(وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ).

العداوة بالفعال ، والبغضاء بالقلوب.

(قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ).

أي : ما سؤاله إلا في استغفاره لأبيه المشرك (٢).

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا). (٥)

أي : لا تظهرهم علينا فيظنّوا أنّهم على حقّ. وهذا من دعاء إبراهيم.

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).

وإنما تكررت الأسوة بهذا إذ كان من إبراهيم فعل حسن ، وهو التّبرؤ من أبيه وقومه الكافرين ، وقول حسن ، وهو هذا الدعاء.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الممتحنة بالمدينة.

(٢) أخرج الحاكم وصححه ٢ / ٤٨٥ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس «لقد كان لكم أسوة حسنة» قال : في صنع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه ، لا يستغفر له وهو مشرك.

٣٩٩

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً). (٧)

قال الزهري : نزلت في أبي سفيان ، وكان النبيّ عليه‌السلام استعمله على بعض بلاد اليمن ، فلمّا قبض عليه‌السلام أقبل ، فلقي ذا الخمار مرتدا فقاتله ، فكان أول من قاتل على الردّة. فتلك المودة بعد المعاداة (١).

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ). (٨)

خزاعة (٢).

(إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ). (٩)

أهل مكة.

(إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ).

استحلفوهنّ ما خرجن إلا للإسلام دون بغض الأزواج.

(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ). (١٠)

حين جاءت سبيعة الأسلمية مسلمة بعد الحديبية ، فجاء زوجها مسافر فقال : يا محمد قد شرطت لنا ردّ النساء ، بعد طيّ الكتاب ولم يجف ، اردد عليّ امرأتي (٣).

__________________

(١) وهذا الخبر أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن شهاب الزهري.

(٢) أخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت : أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أأصلها؟ فأنزل الله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) فقال : نعم صلي أمك.

(٣) أخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن أحمد رضي الله عنه قال : هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهدنة ، فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلّماه في أم كلثوم أن يردها إليهما ، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين خاصة في النساء ، ومنعهن أن يردهنّ إلى المشركين ، وأنزل الله آية الامتحان. انظر الدر المنثور ٨ / ١٣٢. وانظر خبر سبيعة في الإصابة ٤ / ٣٢٥.

٤٠٠