وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

شخص الميزان وصغره ، ولو نظر إلى مبلغ الحاجة إليه لاستعظم من أمره ما استصغر ، مع ما في النفوس من الظلم ما يبعد من العدل في التعامل لو لا الميزان.

ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ)(١).

إذ كان الكتاب يتضمن حفظ العدل ، والميزان يظهر العدل ، فقرن آلة العمل إلى آلة العلم.

ومن اعتبر حال الميزان بحجمه دون منافعه كان كمن اعتبر القلم بشخصه إذ رآه قطعة قصب ، وقد عظّمه الله في قوله : (ن وَالْقَلَمِ)(٢). وقوله : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)(٣).

ـ وأيضا فإنّ للميزان مشاركة مع معرفة السماء في خاصية ، فإنّ أدوار السيارات يعرف بنسبة أبعادها من الثوابت كما في كتب الهيئة.

والميزان الذي يقال له : القرسطون ، وهو القبّان سوّي على النسبة أيضا ، فإنّ أحد رأسي عمود القرسطون طويل بعيد من المعلاق ، والآخر قصير قريب ، فإذا علق على رأسه الطويل ثقل قليل ، وعلى رأسه القصير ثقل كثير تساويا أبدا ، متى كانت نسبة الثقل القليل إلى الثقل الكثير كنسبة بعد رأس القصير إلى بعد رأس الطويل من المعلاق.

(وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ). (١١)

أي : الطلع المتكمّم قبل أن ينفتق بالتمر ، وخصّه بالذكر للانتفاع به وحده.

(وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ). (١٢)

هنا الحبّ : المأكول ، والعصف ورقه الذي ينقّى عنه ويذرى في الريح ، كالتبن.

__________________

(١) سورة الشورى : آية ٧.

(٢) سورة القلم : آية ١.

(٣) سورة العلق : آية ٤.

٣٦١

وعن الحسن : إنه الريحان المشموم.

وإذا رفعت الريحان ظهر هذا القول ، ورفع هذا جميعه على الابتداء ، والخبر مقدّم عليها ، وهو : «فيها» عند البصريين.

وعند الكوفيين رفعها بالظرف ، أي : في الأرض كل ذلك.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ). (١٦)

خطاب الجن والإنس.

وقيل : خاطب الإنسان بلفظ التثنية على عادة العرب ، وقد مضى.

وكذلك تكرار هذه الكلمة في عدّة مواضع من السورة على عادة العرب ، كما قالت الأخيلية :

١١٥٩ ـ لنعم الفتى يا توب كنت إذا التقت

صدور الأعالي واستشال الأسافل

١١٦٠ ـ ونعم الفتى يا توب جارا وصاحبا

ونعم الفتى يا توب حين تطاول

١١٦١ ـ ونعم الفتى يا توب كنت لخائف

أتاك لكي يحمى ونعم المحامل

١١٦٢ ـ لعمري لأنت المرء أبكي لفقده

ولو لام فيه ناقص الرأي جاهل

١١٦٣ ـ لعمري لأنت المرء أبكي لفقده

إذا ذكرت بالملحمين البلابل

١١٦٤ ـ أبى لك ذم الناس يا توب كلما

ذكرت أمور محكمات كوامل

١١٦٥ ـ أبى لك ذم النّاس يا توب كلما

ذكرت سماح حين تأوي الأرامل

١١٦٦ ـ فلا يبعدنك الله يا توب إنما

لقيت حمام الموت والموت عاجل

١١٦٧ ـ ولا يبعدنك الله يا توب إنها

كذاك المنايا عاجلات وآجل

١١٦٨ ـ ولا يبعدنك الله يا توب والتقت

عليك الغوادي المدجنات الهواطل (١)

__________________

(١) الأبيات لليلى الأخيلية ترثي توبة بن الحمير. وهي في ديوانها ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ١٢٤ ؛ وحماسة البحتري ص ٢٧٠.

٣٦٢

وقالت أخرى أيضا ترثي أخاها :

١١٦٩ ـ وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

أقام فنادى صحبه برحيل

١١٧٠ ـ وحدثني أصحابه أنّ مالكا

ضروب بنصل السيف غير نكول

١١٧١ ـ وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

جواد بما في الرّحل غير بخيل

١١٧٢ ـ وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

صروم كماضي الشفرتين صقيل (١)

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ). (١٧)

مشرق الشتاء ومشرق الصيف.

وقيل : مطلع الفجر ومطلع الشمس.

والمغربين : مغرب الشمس ومغرب الشفق.

(مِنْ مارِجٍ).

والمارج من هذا وهو ذؤابة لهب النار الموقدة ، التي يعلوها فيرى أخضر وأصفر مختلفا وقد ذكرناه.

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ). (٢٢)

المرجان : الجوهر المختلط صغاره بكباره.

من : مرجت الشيء : خلطته.

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ).

المنشآت : المرسلات في البحر المرفوعات الشرع.

(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). (٢٩)

أراد يومي الدنيا والآخرة ، فإنّ الدهر يومان : دنيا وآخرة. (٢)

__________________

(١) الأبيات لابنة عم النعمان بن بشير ترثي زوجها مالك بن عمرو الغساني ، وقد قتل في إحدى المعارك وهي في أمالي المرتضى ١ / ١٢٦ ؛ والظرف والظرفاء ص ١٣٠.

(٢) وهذا قول ابن بحر ، ولم ينسبه المؤلف له. راجع القرطبي. ١٧ / ١٦٦.

٣٦٣

وشأنه عزوجل في يوم الدنيا الابتلاء والاختبار ، وفي يوم الآخرة الجزاء والحساب. وفي الخبر (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) :

[يجيب داعيا ويفكّ عانيا ، ويتوب على قوم ويغفر لقوم](١).

(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ). (٣١)

قال مقاتل : هذا تهديد بمعنى : سأقصدكم وأعمد إليكم ، كما قال جرير في الموضعين أحدهما :

١١٧٣ ـ الآن وقد فرغت إلى نمير

فهذا حين كنت لكم عذابا (٢)

والآخر :

١١٧٤ ـ ولما اتّقى القين العراقيّ باسته

فرغت إلى العبد المقيّد في الحجل (٣)

__________________

(١) الحديث أخرجه البزار وابن جرير والطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قول الله : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ. قال : من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين ، زاد البزار : [وهو يجيب داعيا]. ـ وسأل بعض الأمراء وزيره عن قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فلم يعرف معناها واستمهله إلى الغد ، فانصرف كئيبا إلى منزله ، فقال له غلام له أسود : ما شأنك؟ فأخبره فقال : عد إلى الأمير فإني أفسرها له ، فدعاه فقال : أيها الأمير ، شأنه أن يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحيّ ، ويشفي سقيما ، ويسقم سليما ويبتلي معافى ، ويعافي مبتلى ، ويعزّ ذليلا ، ويذل عزيزا ، ويفقر غنيا ، ويغني فقيرا. فقال له : فرّجت عني فرّج الله عنك ، ثم أمر بخلع ثياب الوزير ، وكساها الغلام ، فقال : يا مولاي هذا من شأن الله تعالى.

(٢) البيت في تفسير القرطبي ١٧ / ١٦٨ ؛ واللسان مادة أين ؛ وروح المعاني ٢٧ / ١١١.

(٣) البيت في ديوانه ٢ / ٩٥٢ ؛ ومثلث البطليوسي ٢ / ٣٤٤ ؛ واللسان مادة فرغ ؛ وتفسير القرطبي ١٧ / ١٦٨. وفي المخطوطة : [في الحجاب] بدل [في الحجل] وهو تصحيف ، و[القيس] بدل [القين] وهو تصحيف.

٣٦٤

(شُواظٌ مِنْ نارٍ). (٣٥)

لهيب منها (١).

وقيل : قطعة تأججّ لا دخان فيها.

(وَنُحاسٌ).

قيل : إنه دخان بالنار.

وقيل : الصفر المذاب.

وقيل : إنه المهل.

وأيّها كان فالمراد تضعيف العذاب. أي : بهذا مرة ، وبذاك أخرى ، أو بهما ، نعوذ بالله.

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ). (٣٧)

أي : حمراء مشرقة. وقال عبد بني الحسحاس :

١١٧٥ ـ يرجلن لمّات ويتركن جمتي

وذاك هوان ظاهر قد بداليا

١١٧٦ ـ فلو كنت وردا لونه لعشقنني

ولكنّ ربي شانني بسواديا (٢)

__________________

(١) أخرج الطبراني عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ)؟ قال : الشواظ : اللهب الذي لا دخان له. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أمية بن أبي الصلت الثقفي وهو يقول :

يظلّ يشبّ كيرا بعد كير

وينفخ دائما لهب الشواظ

قال : فأخبرني عن قوله : «ونحاس»؟ قال : هو الدخان الذي لا لهب فيه. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

يضيء كضوء سراج السليط

لم يجعل الله فيه نحاسا

(٢) البيتان في ديوانه ص ٢٥ ـ ٢٦. والرواية المشهورة [لعسقنني] و[سانني] كلاهما بالسين ، وإنما قلب الشين سينا لسواده وضعف عبارته فهو كاللثغ. والثاني في تفسير الماوردي ٤ / ١٥٥ ؛ وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٠٣ ؛ والممتع في التصريف ص ٤١٠ ؛ واللسان : عسق.

٣٦٥

وقيل : مغيّرة مختلفة الألوان كما تختلف ألوان الفرس الورد ، يصفرّ في الربيع ، ويحمرّ في الشتاء أو يحمرّ عند الانتعاش ، ويغيّر إذا دحا شعره وسكن كما وصفه المرّار بن منقذ :

١١٧٧ ـ قارح قد فرّ عنه جانب

ورباع جانب لم يتّغر

١١٧٨ ـ فهو ورد اللون في ازبئراره

وكميت اللون ما لم يزبئر (١)

وإنما يختلف لون السماء بسبب التظاء نار جهنم من الأرض إلى السماء ، ولون النار إذا قابل اللون الأزرق يختلف في الحمرة الألوان الأزرق ، ويحسب قرب النار وبعدها كما يجد بزت السحاب مختلفا في الحمرة ، والسحابة نفسها مختلفة الألوان في الصفرة والحمرة على اختلاف الخصائص والأعراض.

(كَالدِّهانِ). أي : صافية كالدهن.

أو مختلفة الألوان كالدهن على كونه حديثا أو عتيقا أو متوسطا.

وقيل : تمور كما تموج الدهن في الزجاج.

وقيل : إنّ الدهان الأديم الأحمر ، وإنّ لون السماء أبدا أحمر إلا أنّ الزرقة العارضة سبب اعتراض الهواء بينها ، كما ترى العرق أزرق.

وفي القيامة يشتعل الهواء نارا فترى السماء على لونها (٢).

__________________

(١) البيتان للمرّار بن منقذ كما قال المؤلف ، وهو شاعر إسلامي معاصر لجرير ، وقد هاج الهجاء بينهما والبيتان في المفضليات ص ٨٣. والثاني في كتاب الأفعال ٣ / ٤٩٠ ؛ واللسان مادة زأبر. وفي المخطوطة [ازهراره] بدل [ازبئراره] و[ثيغر] بدل [يتّغر] وكلاهما تصحيف. ليتّغر : الاتغار : سقوط الأسنان ، والازبئرار : انتفاش الشعر.

(٢) أخرج محمد بن نصر عن لقمان بن عامر الحنفي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ بشاب يقرأ : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) فوقف فاقشعرّ وخنقته العبرة يبكي ويقول : ويلي من يوم تنشق فيه السماء ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا فتى فو الذي نفسي بيده لقد بكيت الملائكة من بكائك.

٣٦٦

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ). (٣٩)

أي : لا يسألون سؤال الاستعلام ، ولكن يسألون سؤال تبكيت وإلزام (١).

(وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ). (٤٤)

بلغ إناه وغايته في حرارته (٢).

وقيل : حاضر ، ومنه سمي الحال الآن ، لأنه الحاضر الموجود ، فإنّ الماضي لا يدارك ، والمستقبل على أمل ، وليس لنا إلا الآن.

ولا ثبات للآن طرفة عين ، فيا بعد المتثبت منا على غير ثابت.

وإنما امتنّ بالآلاء في ضمن ذكره العذاب لأنها تحذير وتبصير.

قال الحسن : من خوّفك حتى تبلغ الأمن أرحم بك وأنعم عليك ممّن أمّنك حتى تقع في الخوف.

وفي معناه :

١١٨٩ ـ فقسا ليزدجروا ومن يك حازما

فليقس أحيانا على من يرحم (٣)

(جَنَّتانِ). (٤٦)

جنة في قصره وجنّة خارج قصره ، كما يكون معك في الدنيا (٤).

__________________

(١) وعن مجاهد قال في الآية : لا تسأل الملائكة عن المجرم يعرفونهم بسيماهم.

(٢) أخرج الطبراني عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : «حَمِيمٍ آنٍ»؟ قال : الآني : الذي انتهى طبخه وحره. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت نابغة بني ذبيان وهو يقول :

ويخضب لحية غدرت وخانت

بأحمى من نجيع الجوف آني

(٣) البيت في روح المعاني ١١ / ٥٣ بدون نسبة. وهو لأبي تمام ، في ديوانه ٣ / ٢٠٠ ؛ والزهرة ٢ / ٦٧٧.

(٤) أخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) وقوله (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) قال : جنّتان من ذهب للمقربين ، وجنّتان من ورق لأصحاب اليمين. انظر تفسير الطبري ٢٧ / ١٤٦.

٣٦٧

وقيل : إنّه على الجنس ، فجنّة للجنّ وجنّه للإنس.

(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ). (٥٠)

إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل.

(بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ). (٥٤)

ذلك ليستدلّ بالبطانة على شرف الظهارة من طريق الأولى.

وهذا الإستبرق الذي وصف الله أنهم يلبسونه ـ وإن كان الجنس واحدا ـ يختلف كما يختلف أصناف الديباج والسقلاطون (١) في جنس واحد.

(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ). (٥٤)

يناله النائم كما يناله القائم.

(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ). (٥٦)

لم يجامع الإنسية إنسيّ ولا الجنيّة جنيّ.

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ). (٦٢)

أي : أقرب.

فجعل عزوجل لمن خاف مقام ربه يهمّ بالمعصية ثم يدعها من خوف الله أربع جنان ليتضاعف سروره بالتنقّل.

(مُدْهامَّتانِ). (٦٣)

مرويتان. سوداوان (٢). وهي كما قال قائل مسعود في قتل كسرى للنعمان :

١١٨٠ ـ إن يكن قد أصابك الدهر يوما

بعد ملك مؤيد بذنوب

١١٨١ ـ فقديما أصاب بالغدر مخلوقا

فكان الرضاح رب الشروب (٣)

__________________

(١) السقلاطون : ضرب من الثياب.

(٢) قال ابن عباس : قد اسودتا من الخضرة التي من الريّ من الماء.

(٣) لم أجدهما.

٣٦٨

من النضرة والخضرة ارتواء به لونهما إلى السواد كما وصفه ذو الرّمة في شعره منها قوله :

١١٨٢ ـ حتى إذا وجفت بهمى لوى لبن

وابيضّ بعد سواد الخضرة العود

١١٨٣ ـ وغادر الفرخ في المثوى تريكته

وحان من حاضر الدّحلين تصعيد (١)

وقال :

١١٨٤ ـ حوّاء قرحاء أشراطية وكفت

فيها الذّهاب وحفّتها البراعيم (٢)

وقال أيضا :

١١٨٥ ـ كسا الأكم بهمى غضّة حبشيّة

تؤاما ونقعان الظهور الأقارع (٣)

وقيل : وصف الخضرة بالسواد كما وصف الشّماخ سواد الليل بالخضرة وقال :

١١٨٦ ـ فراحت رواحا من زرود فنازعت

زبالة جلبابا من الليل أخضرا

١١٨٧ ـ وأضحت على ماء العذيب وعينها

كوقب الصّفا جلسيّها قد تغوّرا (٤)

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ١٨١. وجفت : جرت. أي : طردتها الريح بهبوبها لّما يبست ، واللبن : موضع ، اللوى : منقطع الرمل ، تريكته : بيضته التي خرج منها ، حاضر الدحلين : أهله ، تصعيد : ارتفاع. وفي المخطوطة : [وصفت] بدل [وجفت] وهو تصحيف.

(٢) البيت في ديوانه ص ٦٥٦ ، حوّاء : شديدة الخضرة ، قرحاء : فيها نور أبيض ، أشراطية : مطرت بنوء الشرطين ، والبراعيم : كمام الثمر.

(٣) البيت في ديوانه ص ٤٥٠ ؛ واللسان مادة قرع ؛ والتاج : قرع ؛ والأضداد ص ٢٢٤. والبهمى : نبت ، حبشية : سوداء من شدة خضرتها ، والنقعان : حيث يستنقع الماء ، والأقارع من الأرض : الصلاب.

(٤) البيتان في ديوانه ص ١٣٩ ـ ١٤١. والأول في الحيوان ٣ / ٢٤٦ ؛ وجمهرة اللغة ٢ / ٢٠٨ ؛ والثاني في اللسان في مادة : جلس والفائق ١ / ٢٠٥ ـ

٣٦٩

(نَضَّاخَتانِ). (٦٤)

فوّارتان.

والنضخ : دون الجري ، فلذلك كانتا دون الأولين.

(فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ). (٧٠)

أي : خيّرات الأخلاق حسان الوجوه ، وكانت خيّرة فخفّفت.

(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ). (٧٦)

رفرف : مجلس مفروش يرقّ بالبسط والوسائد. أي : يبرق.

والعبقري : الطنافس المخملة.

وقيل : إنها منسوبة إلى عبقر ، بلد ، وهي أرفع ثياب الدنيا ، فتنسب إليها للتقريب والتفهيم.

والعبقري في شعر طرفة : الرّقم الفاخر الأحمر. قال :

١١٨٨ ـ عالين رقما فاخرا لونه

من عبقريّ كنجيع الذبيح (١)

* * *

__________________

ـ وزرود : موضع ، وزبالة : من أعمال المدينة ، والعذيب : واد بظاهر الكوفة. والوقب : نقر في الصخرة يجتمع فيه الماء ، والجلسي : ظاهر العين. يريد أنها تعبت فضمرت وغارت عيناها في رأسها.

(١) البيت لطرفة في ديوانه بشرح الشنتمري ص ١٤٥ ؛ واللسان : نجع ، والمحكم ١ / ٢٠٣. والرقم : ضرب من الوشي فيه حمرة.

٣٧٠

(سورة الواقعة) (١)

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ). (١)

الواقعة : القيامة.

وقيل : الصيحة.

(لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ). (٢)

تكذيب ، ومثله : «لاغية» (٢). أي : لغوا.

(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا). (٤)

زلزلت فينهدم كل بناء عليها ، رجّة واحدة.

(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا). (٥)

بسّت : هدّت.

وقيل : دقّت وفتّنت.

والبسبسة : السويق. قال بعض اللصوص :

__________________

(١) عن ابن عباس قال نزلت سورة الواقعة بمكة. ـ وأخرج البيهقي وأبو يعلى وابن مردويه عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من قرأ سورة الواقعة كلّ ليلة لم تصبه فاقة أبدا.

(٢) الآية : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً رقم ١١ من سورة الغاشية.

٣٧١

١١٨٩ ـ لا تخبزا خبزا وبسّابسّا

ولا تطيلا بمقام حبسا (١)

(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً). (٧)

أصنافا متشاكلة.

وفسّرها ابن عباس بما في سورة الملائكة من الظالم والمقتصد والسابق.

وروى النعمان بن بشير أنّ النبيّ عليه الصلاة والسّلام قرأ : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) إلى قوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)(٢).

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ). (١٠)

الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان.

وتكرير السابقين لأنّ التقدير : السابقون إلى الطاعة هم السابقون إلى الرحمة ، فيكون الأول مبتدأ والثاني خبره ، و:

(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ). (١١)

من صفتهما.

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ). (١٣)

جماعة.

__________________

(١) الرجز في كتاب الأفعال ١ / ٤٨٠ ولم ينسبه المحقق ؛ وهو في تهذيب اللغة ٧ / ١٥ ؛ والجمهرة ١ / ٣٠ ؛ واللسان مادة خبز ، وشمس العلوم ١ / ١٢٦ و ٢ / ١٥ ؛ وتفسير القرطبي ١٧ / ١٩٦ ، ومعجم الشعراء ص ٤٩٢. وقال نشوان الحميري : الرجز للص من غطفان. وقال علي بن حمزة : هو للشعشع ، من بني عبس. قال ابن الأعرابي : هم لصوص أصابوا لبعض العرب إبلا ، فقال بعضهم : لا تشتغلوا بالخبز فتلحقوا ، ولكن اكتفوا بالسويق. وقال المرزباني : هو للهفوان العقيلي.

(٢) الحديث أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه ، راجع الدر المنثور ٨ / ٧.

٣٧٢

(وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ). (١٤)

لأنّ الذين سبقوا إلى الإيمان بالنبي عليه‌السلام قليل من كثير ممّن سبق إلى الإيمان بالأنبياء (١) قبله.

(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ). (١٥)

مضفورة متداخلة (٢).

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ). (١٧)

مسوّرون.

وفي «تاج المعاني» : إنهم روحانيون لم يتجسّموا.

من قولهم : وقع في خلدي : أي : نفسي وروحي.

(إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً). (٢٦)

نصب سلاما على البدل من «قيلا».

أي : لا يسمعون إلا سلاما.

ويجوز نصبه بالقيل بتقدير : إلا أن يقال : يسلمك الله سلاما.

(فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ). (٢٨)

ليّن لا شوك عليه ولا عجم فيه ، كأنه خضد من الشوك.

__________________

(١) أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : لما نزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) حزن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : إذا لا يكون من أمة محمد إلا قليل ، فنزلت نصف النهار (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) وتقابلون الناس ، فنسخت الثانية (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ).

(٢) عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)؟ قال : الموضونة : ما توضن بقضبان الفضة عليها سبعون فراشا ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول :

أعددت للهيجاء موضونة

فضفاضة كالنّهي الباقع

٣٧٣

قال الشماخ :

١١٩٠ ـ إن تمس في عرفط صلع جماجمه

من الأساليق عاري الشّوك مخضود

١١٩١ ـ تصبح وقد ضمنت ضرّاتها غرقا

من طيّب الطّعم حلوا غير مجهود (١)

(وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ). (٢٩)

أي : قنو الموز نضد بعضه على بعض. أي : وضع وجمع. قال :

١١٩٢ ـ إذا دعت غوثها ضرّاتها فزعت

أطباق نيء على الأثباج منضود (٢)

(وَظِلٍّ مَمْدُودٍ). (٣٠)

أي : في الزمان والمكان ، فلأنّه غير متناه إلى حدّ يفنى فيه ، لكنّه ظل ظليل ، لا شمس تنسخه ولا حرور ينغصه ، ولا برد يفسده.

كما قال عزوجل : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً)(٣).

(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ). (٣٤)

العرب تكني بالفراش عن المرأة (٤).

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ١١٧. والغرق : ج غرقة ، وهو القليل من اللبن. والأول في اللسان مادة : سلق ؛ والمحكم ١ / ٢٧٣ ؛ والمخصص ١١ / ١٩٠. والثاني في اللسان مادة جهد ؛ ومعجم مقاييس اللغة ١ / ٤٨٧.

(٢) البيت للشماخ. وهو في ديوانه ص ١١٦ ؛ والمعاني الكبير ١ / ٨٧ ؛ ومجالس ثعلب ٢ / ٧٣٨ ؛ والفائق ٣ / ١١٥ ؛ واللسان مادة : عقب. والضّرات : جمع ضرّة ، وهي الضرع لا يكاد يخلو من اللبن. فزعت : أفزعتها وأغاثتها. يقول : هي سمان فإذا احتاجت إلى الدر أتتها شحومها بالدر.

(٣) سورة الدهر : آية ١٣.

(٤) قال في اللسان : والفرش والمفاريش : النساء لأنهن يفترشن. قال أبو كبير :

منهم ولا هلك المفارش عزّل

أي : النساء. وقال : وقوله تعالى : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) قالوا : أراد بالفرش نساء أهل الجنة ذوات الفرش. يقال لامرأة الرجل : هي فراشه وإزاره ولحافه.

٣٧٤

«مرفوعة» أي : على السرر.

(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً). (٣٥)

أعدناهنّ صبايا أبكارا.

(عُرُباً أَتْراباً). (٣٧)

العروب : الحسنة التبعّل الفطنة بمراد الزوج كفطنة العرب.

«أترابا» : لدات ، فيكون أتمّ لحسنهنّ واستوائهنّ. قال أبو زبيد الطائي (١) :

١١٩٣ ـ فراك أيامنا بالنصف من ظلم

أذلست أحسب ظل العيش منجابا

١١٩٤ ـ لا أحسب الدهر إلا نشوة أبدا

مسمعا ........ الله أترابا

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)).

لمّا نزل في السابقين : (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) عزّ ذلك على الصحابة ، فنزلت هذه وفسّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : [من آدم إلينا ثلّة ، ومنّا إلى يوم القيامة ثلّة](٢).

(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ). (٤١)

العرب تتشاءم بالشمال ، وتعبّر به عن الشيء الأخسّ ، والحظّ الأخيب الأنقص كما قال :

١١٩٥ ـ رأيت بني العلّات لمّا تضافروا

يحوزون سهمي دونهم في الشّمائل

__________________

(١) اسمه المنذر بن حرملة ، كان جاهليا قديما ، أدرك الإسلام ولم يسلم ، مات نصرانيا ، وكان نديم الوليد بن عقبة. وذكر لعثمان بن عفان أنّ الوليد يشرب الخمر وينادم أبا زبيد فعزله عن الكوفة وله شعر جيد في وصف الأسد. والبيتان لم يظهرا تماما ، وليسا في ديوانه.

(٢) الحديث تقدّم عند الآية ١٤.

٣٧٥

١١٩٦ ـ فأنزلني ذات اليمين ولم أكن

بمنزلة الملقى شمال الأراذل (١)

قال الهذلي :

١١٩٧ ـ أبا الصّرم من أسماء حدّثك الذي

جرى بيننا يوم استقلّ ركابها

١١٩٨ ـ زجرت لها طير الشمال فإن يكن

هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها (٢)

(وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ). (٤٤)

اليحموم : الدخان.

وقيل : نار سوداء.

ولما كان فائدة الظل النزوح من كرب الحرّ والسموم ، فإذا كان الظلّ من الدخان كان غير بارد ولا كريم.

(شُرْبَ الْهِيمِ). (٥٥)

الهيم : الإبل العطاش.

والهيام : داء تشرب معه الإبل فلا تروى ، كما قال الأعرابي :

١١٩٩ ـ وما وجد ملواح من الهيم حلّئت

عن الماء حتى جوفها يتصلصل

١٢٠٠ ـ تحوم وتغشاها العصيّ وحولها

أقاطيع النعام تعلّ وتنهل

١٢٠١ ـ بأكثر مني غلّة وتعطّفا

إلى الورد إلا أنني أتجمّل (٣)

__________________

(١) البيتان لأبي خراش الهذلي. والأول في شرح أبيات الهذليين ٣ / ١١٩٧ ؛ وديوان الهذليين ٢ / ١٣٢ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٨٤٩ ؛ وهو في الأغاني ٢١ / ٤٤. وفي المخطوطة [سيما] بدل [سهمي] وهو تصحيف ، وهذا مثل ، يقول : ينزلونني بالمنزلة الخسيسة.

(٢) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي. وهما في شرح أشعار الهذليين ١ / ٤١ ؛ والزهرة ١ / ٣٣٩.

(٣) الأبيات في زهر الآداب ١ / ٢٤٢ ؛ وربيع الأبرار ١ / ٢٢٤ ؛ والحيوان ٣ / ١٠٤ ؛ والزهرة ١ / ٤١٠. حلئت : منعت من الماء.

٣٧٦

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ). (٥٨)

منى وأمنى واحد.

والإمناء : الإراقة. ومنه المنى لإراقة الدماء بها ، فسمّي لذلك الماء الذي منه الولد منيّا.

(لَجَعَلْناهُ حُطاماً). (٦٥)

هشيما.

(فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ). (٦٥)

تندّمون في لغة تميم. وقيل : تعجبون.

وذكر أبو عمرو الزاهد عن ثعلب أنّ التفكه والتفكن التندم على النفقة (١).

(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ). (٧١)

الإيراء : استخراج النار من الزند.

(نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ). (٧٣)

تذكرة : تذكركم النار الكبرى.

ومتاعا : للاستضاءة بها والاصطلاء والإنضاج.

والخليل على مذهبنا ، وغير ذلك من إذابة الجوهر وتعقيدها وتكليسها.

ما كل ذلك إلا لمنافع العباد.

__________________

(١) قال ابن منظور : والتفكه : التندم ، وفي التنزيل (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) معناه : تندمون وكذلك : تفكنون ، وهي لغة لعكل. اللحياني : أزد شنوءة يقولون : يتفكهون ، وتميم تقول : يتفكنون. أي : يتندمون.

٣٧٧

والماعون الأكبر والمتاع الأعم هو الماء والنار ثم الكلأ والملح (١).

وليس للماء وغيره ـ وإن كان متاعا للمقوين ـ ما للنّار من التذكرة بعذاب الله ، الزاجرة من معاصيه.

وأقوى من الأضداد (٢) : أغنى وافتقر ، فلذلك اختلف تفسيره. إلى المسافرين وإلى المستمعين.

(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ). (٧٥)

مطالعها ومساقطها.

وقيل : انتشارها يوم القيامة.

وقيل : إنها نجوم القرآن ، نجمه جبريل على النبي عليهما‌السلام.

وقيل : إنها قبور الأخيار الأبرار.

وقوله :

(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ). (٧٦)

اعتراض بين القسم وجوابه ، تضمن اعتراضا بين الموصوف الذي هو «قسم» وبين صفته أي : «عظيم» وهو قوله : (لَوْ تَعْلَمُونَ).

فذانكما اعتراضان أحدهما في الآخر.

(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ). (٨١)

__________________

(١) أخرج الطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تمنعوا عباد الله فضل الماء ولا كلأ ولا نارا ، فإنّ الله تعالى جعلها متاعا للمقوين ، وقوة للمستضعفين. ولفظ ابن عساكر : وقواما للمستمتعين.

(٢) قال ابن الأنباري : ومقو حرف من الأضداد. يقال : رجل مقو إذا كانت ركابه قوية وحاله حسنة ، ورجل مقو : إذا ذهب زاده وعطبت ركابه ، من قولهم : قد أقوى المنزل إذا خلا من أهله ، وبات فلان القواء : إذا بات بالقفار. راجع الأضداد لابن الأنباري ص ١٢٢.

٣٧٨

منافقون.

أدهن وداهن : إذا لاين ونافق ، كما قال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري :

١٢٠٢ ـ بزّ امرىء مستبل حاذر

للدهر جلد غير مجزاع

١٢٠٣ ـ الكيس والقوّة خير من

الإدهان والفكّة والهاع (١)

(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ). (٨٢)

أي : تجعلون جزاء رزقكم الكفر والتكذيب ، فيدخل فيه قول العرب : (مطرنا بنوء كذا) (٢) ، ويدخل فيه ما كان يأخذه بعض العرب من مال أبي سفيان وأمثاله ليكذّبوا رسول الله ولا يؤمنوا به.

(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ). (٨٣)

كناية عن النفس ـ وإن لم تذكر ـ كما قال حاتم :

١٢٠٤ ـ أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

١٢٠٥ ـ أماويّ إمّا مانع فمبين

وإمّا عطاء لا ينهنهه الزّجر (٣)

(غَيْرَ مَدِينِينَ). (٨٦)

الدّين في هذا الموضع : الطاعة والعبادة لا الجزاء كما ذهب إليه كثير من الناس.

أي : فهلّا إن كنتم غير مملوكين مطيعين مدبّرين ، وكنتم كما زعمتم مالكين حلتم بيننا وبين قبض الأرواح ورجّعتموها في الأبدان.

__________________

(١) البيتان في المفضليات ص ٢٨٥ ؛ وسمط اللآلىء ص ٨٣٧ ؛ والحيوان ٣ / ٤٦. البزّ : السلاح ، الفكّة : الضعف ، والهاع : شدة الحرص.

(٢) أخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مطر الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أصبح من الناس شاكر ، ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة وضعها الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا ، فنزلت هذه الآية (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتى بلغ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ). صحيح مسلم رقم ٧٣.

(٣) البيتان في ديوانه ص ٥٠.

٣٧٩

فهذا صحيح ولا معنى للعجز عن ردّ الروح في الإلزام ، أعني : إنكار الجزاء والإعادة.

(فَرَوْحٌ). (٨٩)

راحة (١).

وفي قراءة النبي عليه‌السلام عن رواية عائشة ، وقراءة ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والأشهب (٢) ونوح القارى (٣) ، وبديل (٤) وشعيب بن الحرب (٥) ، وسليمان التيمي (٦) والربيع بن خيثم (٧) وأبي عمران الجوني (٨) وأبي جعفر محمد بن علي (٩) والقياض : فروخ بضمّ الراء.

ومعناه : حياة لا موت بعدها.

وكان استراحة عن ابن عباس ، ورحمة عن الضحاك.

* * *

__________________

(١) عن الضحاك قال : الروح : الاستراحة ، والريحان : الرزق.

(٢) واسمه مسكين بن عبد العزيز صاحب الإمام مالك ، روى القراءة سماعا عن نافع بن أبي نعيم.

(٣) ذكره ابن الجزري فقال : ثم كان بعد أبي عمرو بن العلاء ـ يعني من رواة الحروف المتصدرين ـ نوح القارى.

(٤) بديل بن ورقاء صحابي أسلم عند فتح مكة ، ورآه النبي وفي عارضيه سوادا فقال له : كم سنك؟ قال : سبع وتسعون. فقال : زادك الله جمالا وسوادا. راجع الإصابة ١ / ١٤١.

(٥) شعيب بن حرب أبو صالح البغدادي ، نزيل مكة من أبناء خراسان ، صالح ديّن ثقة ، عرض على حمزة الزيات ، وروى عنه القراءة عرضا الطيب بن إسماعيل ، مات سنة ٢٩٦ ه‍.

(٦) سليمان بن يحيى التيمي البغدادي المعروف بالضبي ، مقرىء كبير ثقة ، عرض على الدوري ، وروى عنه ابن الأنباري وأبو بكر النقاش ، توفي سنة ٢٩١ ه‍.

(٧) الربيع بن خثيم تابعي جليل أخذ عنه ابن مسعود ، وعرض عليه أبو زرعة بن عمرو بن جرير. قال ابن مسعود : لو رآك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأحبك. توفي سنة ٩٠ ه‍.

(٨) اسمه عبد الملك بن حبيب ، وهو مشهور بكنيته ، ثقة من كبار الطبقة الرابعة. توفي سنة ١٢٨ ه‍. انظر تقريب التهذيب ص ٣٦٢.

(٩) هو محمد بن علي البغدادي البزاز يكنى أبا جعفر ، مقرىء مشهور ضابط أخذ القراءة عرضا عن محمد بن عمرو بن عون ، وروى عنه محمد بن عبد الله بن جعفر الحربي وأبو بكر النقاش.

٣٨٠