وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ). (١٠)

طوال.

(لَها طَلْعٌ).

كل ما يطلع من ثمر النخل.

(نَضِيدٌ).

والنضيد : المنضود المتراكب بعضه فوق بعض.

وقال الحسن : هو الطّبّيع (١) في كفرّاه ، والطبّيع : أمّ الطلع ، وكفرّاه : وعاؤه.

(كَذلِكَ الْخُرُوجُ). (١١)

أي : من القبور.

وقيل : من بطون الأمهات.

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ). (١٥)

عجزنا عن إهلاك. الخلق : من تقدّم ذكره ههنا.

(مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). (١٦)

هو الحبل العاتق ، وهو الوتين ينشأ من القلب فينبثّ في البدن. والله أقرب منه ، وعلمه أقرب إليه من علم القلب.

(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ). (١٧)

المتلقّيان : ملكان يتلقيان عمل العبد.

(قَعِيدٌ).

رصد قريب.

__________________

(١) الطّبّيع كقنديل : لبّ الطلع. راجع اللسان : مادة طبع.

٣٢١

وهو خبر واحد عن اثنين ، كأنه : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، أو : كلّ واحد منهما قعيد.

كما قال البرجمي :

١٠٧٧ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيّار بها لغريب (١)

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ). (١٩)

لهذه الباء تقديران :

ـ إن شئت علّقتها بنفس جاءت ، كقولك : جئت بزيد ، أي : أحضرته ، وأجاءته.

ـ وإن شئت علّقتها بمحذوف ، وجعلتها حالا.

أي : جاءت سكرة الموت ومعها الحق ، كقولك : خرج بثيابه. أي : خرج وثيابه معه أو عليه.

ـ وقراءة أبي بكر رضي الله عنه : «وجاءت سكرة الحق بالموت» لاتحادهما في الحال ، ولا ينفصل أحدهما من صاحبه.

وروي أنّ عائشة كانت عند أبي بكر وهو يقضي ، فأنشدت :

١٠٧٨ ـ أماوي ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (٢)

فقال أبو بكر : بل قول الله : وجاءت سكرة الحق بالموت (٣).

(ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).

__________________

(١) البيت لضابىء بن الحارث البرجمي ، وهو في الأصمعيات ص ١٨٤ ، وكتاب سيبويه ١ / ٣٨ ؛ والخزانة ٩ / ٣٢٦.

(٢) البيت لحاتم الطائي ، وهو في ديوانه ص ٥٠ ؛ والعقد الفريد ١ / ١٩٩.

(٣) هذا الخبر ذكره الزجاجي في أماليه ص ٩٢ ؛ والسيوطي في الدر المنثور ٧ / ٩٩ ؛ والقرطبي في تفسيره ١٧ / ١٣. وقراءة أبي بكر هذه شاذة.

٣٢٢

تميل. قال طرفة :

١٠٧٩ ـ أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض (١)

(مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ). (٢١)

سائق من الملائكة ، وشهيد من أنفسهم.

(فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). (٢٢)

علمك نافذ.

(وَقالَ قَرِينُهُ). (٢٣)

أي : الملك شهيد عليه ، عن الحسن.

وعن مجاهد : قرينه الذي قيّض له من الشياطين.

(هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ).

هذا عمله محصى عندي.

وعلى قول مجاهد : المراد به العذاب.

وقال الزجاج : «ما» في موضع رفع بقوله : «هذا» ، و«عتيد» صفة «ما» ، على قولهم : هذا حلو حامض ، فيكون صفة بعد صفة.

أو يجعل «ما» نكرة ، والمعنى : هذا شيء لديّ عتيد (٢).

(أَلْقِيا). (٢٤)

__________________

(١) البيت لا شاهد فيه ، ولعلّ المؤلف سها فيه ، وإنما الشاهد في قول طرفة :

أبا منذر رمت الوفاء فهبته

وحدت كما حاد البعير عن الدحض

حيث فيه حاد بمعنى : مال. راجع تفسير القرطبي ١٧ / ١٣. والبيت الذي استشهد به المؤلف في ديوان طرفة ص ٩٢ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٢٤ ، واللسان : حنن.

(٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٥ / ٤٥.

٣٢٣

خطاب للملكين على قول من يقول : إنّ السائق والشهيد كلاهما الملائكة.

وقيل : «ألقين» بالنون الخفيفة ، فأجري الوصل فيه مجرى الوقف ، كقول الحجاج : [يا حرسيّ اضربا عنقه].

ـ وقيل : هو خطاب لمالك ، على مذهب العرب في تثنية خطاب الواحد. وقد مرّ شاهده (١).

(مُرِيبٍ). (٢٥)

شاكّ متهم.

قال جميل :

١٠٨٠ ـ بثينة قالت : يا جميل أربتنا

فقلت : كلانا يا بثين مريب

١٠٨١ ـ وأريبنا من لا يؤدّي أمانة

ولا يحفظ الأسرار حين يغيب (٢)

(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ). (٢٧)

على قول مجاهد يقول شيطانه : ما أغويته.

وعلى قول الحسن يقول الكافر : إنّ الملك زاد عليّ في الكتابة ، يقول الملك : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ، أي : ما زدت عليه ، فيقول الله :

(لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ). (٢٨)

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ). (٢٩)

ما يكتب غير الحق ، ولا يكذب عندي.

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ). (٣٤)

أي : مع سلامة من الزوال ،

__________________

(١) انظر ٢ / ٢٥٢.

(٢) البيتان في ديوانه ص ١٩ ؛ ووفيات الأعيان ١ / ٣٦٨ ؛ والأول في تفسير القرطبي ١ / ١٥٩ ؛ والدر المصون ١ / ٨٦.

٣٢٤

(فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ). (٣٦)

ساروا في طرقها ، وطوّفوا في مسالكها.

والنقب : الطريق في الجبل.

وقيل : أظهروا آثارهم فيها. من : نقب الخفّ والحافر : إذا ظهر الحفار فيهما.

قال :

١٠٨٢ ـ ذريني اصطبح يا هند إنّي

رأيت الموت نقّب عن هشام

١٠٨٣ ـ وعن عمرو وعمرو كان قدما

يؤمّل للملمات العظام (١)

(أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). (٣٧)

أي : ألقى سمعه نحو كتاب الله ، كما تقول : ألق سمعك إليّ.

(وَهُوَ شَهِيدٌ) حاضر قلبه معه.

(وَأَدْبارَ السُّجُودِ). (٤٠)

بفتح الألف جمع دبر مثل : قفل وأقفال ، أو جمع دبر كطنب وأطناب ، وبالكسر (٢) على معنى الفتح.

وفيه معنى الظرف ، فسبحه في وقت إدبار السجود وهو ركعتان بعد المغرب ، وإدبار النجوم ركعتان قبل الفجر.

(مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ). (٤١)

__________________

(١) البيتان لبحير بن عبد الله القشيري يرثي هشام بن المغيرة والد أبي جهل.

وبعدهما :

فودّ بنو المغيرة لو فدوه

بألف من رجال أو سوام

وودّ بنو المغيرة لو فدوه

بألف مقاتل وبألف رام

راجع معجم الشعراء ص ٥٩ ؛ وشرح أبيات الإيضاح ١١٠ ؛ والوحشيات ص ٢٥٧.

(٢) وهي قراءة نافع وابن كثير وحمزة وأبي جعفر وخلف. الإتحاف ص ٣٩٨.

٣٢٥

عن قتادة : ينادي من صخرة بيت المقدس فتأتيها العظام البالية (١).

(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)(٢). (٤٥)

يجبرهم على الإيمان.

ولا يأتي فعّال من باب الإفعال إلا الجبّار والدّراك (٣).

* * *

__________________

(١) هذا قول قتادة أخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم. ـ وعن ابن عباس أيضا مثله.

(٢) أخرج الحاكم عن جرير قال : أتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجل ترعد فرائصه ، فقال : هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء ، ثم تلا جرير : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ). انظر المستدرك ٢ / ٤٦٦.

(٣) قال الفراء : لم أسمع فعّالا من أفعل إلا في حرفين : وهو جبّار من أجبرت ، ودرّاك من أدركت. راجع اللسان : جبر ؛ ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٨١.

٣٢٦

(سورة الذّاريات) (١)

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً). (١)

الرياح.

(فَالْحامِلاتِ وِقْراً). (٢)

السحاب.

(فَالْجارِياتِ يُسْراً). (٣)

السفن.

(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً). (٤)

الملائكة (٢).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الذاريات بمكة.

(٢) أخرج البزار والدار قطني عن سعيد بن المسيب قال : جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطابي رضي الله عنه ، فقال : أخبرني عن (الذَّارِياتِ ذَرْواً)؟ قال : هي الرياح ، ولو لا أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقوله ما قلته. قال : فأخبرني عن «الحاملات وقرا»؟ قال : هي السحاب ، ولو لا أني سمعت رسول الله يقوله ما قلته. قال : فأخبرني عن «الجاريات يسرا»؟ قال : هي السفن ولو لا أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقوله ما قلته : قال : فأخبرني عن «المقسمات أمرا»؟ قال : هنّ الملائكة ، ولو لا أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقوله ما قلته. ثم أمر به فضرب مائة وجعل في بيت ، فلما برأ دعاه فضرب مائة أخرى ، وحمله على قتب. ـ وكان صبيغ هذا يسأل الناس عن المتشابهات ويلبّس عليهم.

٣٢٧

وقد حمل بعضهم الذاريات والحاملات على الرياح ، فتكون مقدمة السحاب يثيرها وتسوقها ، والثانية تذرّها.

والجاريات والمقسّمات حملها على السحاب ؛ لأنها تقسم الخطوط والأرزاق ، وتجري بيسر وسهولة في مسير ، كما قال الأعشى :

١٠٨٤ ـ غرّاء فرعاء مصقول عوارضها

تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل

١٠٨٥ ـ كأنّ مشيتها من بيت جارتها

مرّ السّحابة لا ريت ولا عجل (١)

وهذه أقسام ، والواو التي فيها واو القسم ، وجاز أن يقسم الله بها ، ولا يجوز أن يقسم بالخلق إلا الله ، لأنّ قسم الخلق استشهاد على صحة قولهم بمن يعلم السرّ والعلانية وليس ذلك إلا لله.

وقسم الخالق إرادة تأكيد الخبر في نفوسهم مما جرت به العادة بينهم ، فيقسم ببعض خلقه على وجه يوجب الاعتبار ، وإحضار القلب عند التنبيه على عجائب الفطرة وبدائع القدرة.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ). (٧)

طريق الغيم.

وأثر حسن الصنعة فيه ، وهو في البيض الحبيك ، وفي الشعر وجناح الحمام الحباك ، قال الشماخ :

١٠٨٦ ـ قد وكّلت بالهدى إنسان ساهمة

كأنّه من تمام الظمء مسمول

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ١٤٤ ؛ والحماسة البصرية ٢ / ٩٠ ؛ ونهاية الأرب ٣ / ١١٤. الوجي : الدابة تشتكي حافرها ، الوحل : الواقع في الوحل ، فرعاء : طويلة الشعر عوارضها : أسنانها.

٣٢٨

١٠٨٧ ـ حتى استغاثت بأحوى فوقه حبك

تدعو هديلا الورق العزاهيل (١)

(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ). (٨)

أمر مختلف ، واحد مؤمن وآخر كافر ، وواحد مطيع وآخر عاص ، وواحد يقول : إنه ساحر ، وآخر يقول : شاعر ، وآخر : مجنون.

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ). (٩)

يصرف عن هذه الأفعال من صرف.

وقيل : يصرف عن الجزاء.

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ). (١٠)

لعن الكذابون.

(عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ). (١٣)

يحرقون كما يفتن الذهب بالنار.

(آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ). (١٦)

من الفرائض.

وقيل : من الثواب.

(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ). (١٧)

أي : قليلا هجوعهم ، إذ «ما» مع الفعل بمعنى المصدر.

(لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). (١٩)

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٢٨١ ـ ٢٨٢. والأول في اللسان مادة : هدى ، والأضداد لابن الأنباري ٢٨٥. والثاني في اللسان : حلا ، والمحكم ٣ / ٣٤٠. مسمول : مفقوء ، يعني أنّ عينها قد غارت من شدة العطش. ويروى : [بجون] : أي : بماء جون. وهو الأسود مما علاه من الطحلب ، والعزاهيل : الجماعة المهملة.

٣٢٩

المحروم : الذي لا يسأل تعفّفا وحياء فيحرم.

وقالت عائشة : هو المحارف الذي نبا عنه مكسبه (١).

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ). (٢٢)

الأمطار (٢).

أو : تقدير رزقكم وما قسم لكم.

(وَما تُوعَدُونَ).

من خير أو شر.

(مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ). (٢٣)

لو جاء : (مثل ما تنطقون) لفهم منه : أنه حق مثل ما أن نطقكم حق ، ويكون في نطقهم غير حق.

وإذ قال : «مثل ما أنكم ما تنطقون» كان معناه : مثل صحة كونكم ناطقين كاذبين أو صادقين.

ونصب «مثل» على الحال.

أي : إنه لحق مماثلا لكونكم ناطقين.

أو على أنه وصف مصدر محذوف.

أي : إنه لحق حقا يقينا مثل.

ويجوز أن يبنى «مثل» مع «ما» (٣).

(قَوْمٌ مُنْكَرُونَ). (٢٥)

__________________

(١) هذا قول عائشة وقد سألها عنه عروة فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنها.

(٢) أخرج الديلمي عن عليّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) قال : المطر.

(٣) وهذا الأرجح.

٣٣٠

غرباء لا يعرفون.

(فَراغَ إِلى أَهْلِهِ). (٢٦)

مال في خفية.

(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ). (٢٩)

الصرّة : الرّنة.

وقيل : الصيحة ، من الصرير.

ـ الجزء السّابع والعشرون ـ

(حِجارَةً مِنْ طِينٍ). (٣٣)

محجّر كقوله : (مِنْ سِجِّيلٍ)(١).

(وَفِي مُوسى). (٣٨)

أي : آية فيه ، عطف على قوله : (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً).

(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ). (٣٩)

أعرض بجموعه وجنوده.

وقيل : بجانبه. ومنه : الركون بمعنى الميل ؛ لأنه يكون إلى جانب.

(الرِّيحَ الْعَقِيمَ). (٤١)

هي الدّبور لأنها لا تلقح ، بل تقشع السحاب.

وهذا أصحّ ممّا روى ابن أبي ذيب (٢) أنها الجنوب (٣) ، وممّا روى

__________________

(١) الآية (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) رقم ٨٢ من سورة هود.

(٢) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ، سمع من عكرمة ومسلم بن جندب والزهري ، وحدث عنه ابن المبارك ووكيع قال أحمد بن حنبل : كان يشبه بسعيد بن المسيب مات سنة ١٥٨ ه‍. راجع سير النبلاء ٧ / ١٤١.

(٣) أخرجه ابن جرير ٢٧ / ٤.

٣٣١

ابن جرير (١) عن مجاهد أنها الصبا ؛ لأنّ كلّ واحدة من الصبا والجنوب تلقح وتدرّ ولا تعقم ، ولذلك يحبّ ويؤثر ، كما قال حميد بن ثور :

١٠٨٨ ـ فلا يبعد الله الشباب وقولنا

إذا ما صبونا صبوة سنتوب

١٠٨٩ ـ ليالي أبصار الغواني وسمعها

إليّ وإذ ريحي لهنّ جنوب (٢)

وقال الأعشى :

١٠٩٠ ـ وما عنده فضل تليد ولا له

من الرّيح فضل لا الجنوب ولا الصّبا (٣)

أي : لم ينل نائلا فيكون كالجنوب في مجيئه بالمطر ، ولم ينفس عن أحد كربة فيكون كالصبا في التنفيس. هذا قول أبي علي فيه.

وإنّ الظاهر من أمر الصبا الإلقاح والإثارة ، ومن الجنوب الإمطار والإدرار.

(جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ). (٤٢)

كالتراب.

وقيل : كالرماد.

وقيل : هو الشيء البالي الغالب. ويشهد للجميع قول أبي حيّة النميري :

__________________

(١) وفي المخطوطة ابن جريج وهو تصحيف. فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : «الريح العقيم» : الصبا التي لا تلقح شيئا. ـ وعن قتادة : الريح العقيم : التي لا تنبت. انظر تفسير ابن جرير ٢٧ / ٤.

(٢) البيتان في الإصابة ١ / ٣٥٦ ؛ والاستيعاب ١ / ٣٦٨ ؛ والأغاني ١٨ / ١٣٢ ؛ والزهرة ١ / ٣٦٧.

(٣) البيت في ديوانه ص ٦ ؛ وفرحة الأديب ص ٤٠ ؛ والزهرة ١ / ٥١ ؛ وشرح الحماسة للتبريزي ٣ / ٢٦٩.

٣٣٢

١٠٩١ ـ رمتني وستر الله بيني وبينها

عشية آرام الظباء رميم

١٠٩٢ ـ ألا ربّ يوم لو رمتني رميتها

ولكنّ عهدي بالنضال قديم (١)

(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ). (٤٥)

أي : ما نهضوا بعذاب الله ، وما قدروا على دفاع.

(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ). (٤٧)

أي : ذو سعة وقدرة.

وقيل : قادرون على أوسع من السماء.

وقيل : لموسعون الرزق على الخلق.

وقيل : لموسعون ما بين السماء والأرض.

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ). (٤٩)

أي : ضدين ، غنى وفقرا ، وحسنا وقبحا ، وموتا وحياة ونحوها.

(بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ). (٥٣)

هذا هو الموضع الذي يقول البصريون : إنّ «أم» المنقطعة بمعنى «بل» للترك والتحول إلا أنّ ما بعد «بل» متيقّن ، وما بعد «أم» مشكوك فيه ومسؤول عنه.

(ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). (٥٨)

المتين : القوي ، ولا يفسّر بالشّديد ؛ لأن الشديد ليس في أسماء الله ، والقوي منها ، فكأنّ القول :

ذو القوة التي يعطيها خلقه ، القوي في نفسه ، فخولف بين اللفظين والمعنى واحد ـ وإن كان المراد بهما مختلفا ـ لتحسين النظم.

__________________

(١) البيتان في شرح الفصيح لابن دستوريه ١ / ٢٩٩ ؛ والبيان والتبيين ٤ / ٣١. وقيل : هما لعمرو بن قميئة ، وهما في ديوانه ص ٤٥ ـ ٤٦.

٣٣٣

(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً). (٥٩)

نصيبا.

وأصله : الدلو فيها ماء.

قال حسان :

١٠٩٣ ـ لا يبعدنّ ربيعة بن مكدّم

وسقي الغوادي قبره بذنوب (١)

* * *

__________________

(١) البيت ليس في ديوانه طبع دار صادر بيروت ، وهو في شرح ديوانه ص ٣٦٩. قال الأصفهاني : قيل إنه لضرار بن الخطاب الفهري ، والصحيح أنه لعمرو بن شقيق أحد بني فهر ؛ وهو في فتح الودود ص ٢٤٦ ؛ والبحر المحيط ٨ / ١٣٢ ؛ ونسبه لحسان أيضا ؛ وغريب الحديث للخطابي ١ / ٣٦٩ ؛ ولباب الآداب ص ١٨٥ ؛ والأغاني ١٤ / ١٢٥.

وبعد البيت :

نفرت قلوصي من حجارة حرّة

بنيت على سمح اليدين وهوب

لا تنفري يا ناق منه فإنه

شريب خمر مسعر لحروب

لو لا السفار وطول خرق مهمه

لتركتها تحبو على العرقوب

٣٣٤

(سورة الطّور) (١)

(فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ). (٣)

قيل : إنه صحيفة الأعمال ، كقوله تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)(٢).

وقيل : إنّه اللوح المحفوظ.

وقيل : إنه كتاب من كتب الله في رقّ ، وهو إمّا التوراة بسبب اقترانه بالطور ، أو : القرآن بسبب بيت المعمور ، وهو الكعبة.

وهذا القول أولى لمكان الرّق ، وسمي به لرقّة حواشيه.

وقد عرفت العرب ذلك ، قال التغلبي :

١٠٩٤ ـ لابنة حطّان بن عوف منازل

كما نمّق العنوان في الرّقّ كاتب

١٠٩٥ ـ ظللت بها أعرى وأشعر سخنة

كما اعتاد محموما بخيبر صالب (٣)

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ). (٦)

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الطور بمكة. وأخرج البخاري عن أم سلمة قالت : شكوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، فطفت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ). انظر فتح الباري ١ / ٤٦٣ ؛ ومسلم ١٢٧٦.

(٢) سورة التكوير : آية ١٠.

(٣) البيتان للأخنس بن شهاب التغلبي ، وهو شاعر جاهلي قديم. وهما في المفضليات ص ٢٠٤. والأول في معجم الشعراء ص ٢٧.

٣٣٥

في الخبر أنّه جهنم (١) ، وبذلك فسّر مجاهد المسجور وقال : إنه الموقد نارا ، كقوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ)(٢).

وقال ابن كيسان : المسجور : المجموع ، وأنشد للنّمر بن تولب :

١٠٩٦ ـ إذا شاء طالع مسجورة

ترى حولها النّبع والسّاسما (٣)

وقال لبيد :

١٠٩٧ ـ فتوسّطا عرض السّريّ فصدّعا

مسجورة متجاورا قلّامها (٤)

(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً). (٩)

تدور طورا فترجع رجعا. قال ذو الرّمة :

١٠٩٨ ـ موّارة الضبع مسكات إذا رجلت

تهوي انسلالا إذا ما اغبرّت البيد

١٠٩٩ ـ نظارة حتى تعلو الشمس راكبها

طرحا بعين لياح فيه تجديد (٥)

(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ). (١١)

دخلت الفاء على معنى المجازاة ، لأنه بمنزلة : إذا كان كذا فويل.

(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا). (١٣)

__________________

(١) وهذا الخبر عن عليّ بن أبي طالب ، أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر.

(٢) سورة التكوير : آية ٩.

(٣) البيت في اللسان مادة : سم ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٦١ من غير نسبة فيهما ، راجع مختارات ابن الشجري ص ١٧ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٩٥ وفي المخطوطة : [السماسما] وهو تصحيف. والنبع : نبت ، والساسم : شجر يتخذ منه السهام.

(٤) البيت في ديوانه ص ١٧٠ ؛ وشرح المعلّقات ١ / ١٤٨.

(٥) البيتان في ديوانه ص ١٨٦ الضبع : العضد ، مسكات : لا ترغو ، البيد : الفلوات ، طرحا : نظرا بعيدا. واللياح : ثور يسمى لياحا لبياضه ، التجديد : خطوط سود في قوائمه. ـ يقول : إذا علت الشمس راكبها فهي تنظر في ذلك الوقت لا ينكسر طرفها يمينا وشمالا من النشاط.

٣٣٦

دفعا عنيفا ، قال الراجز :

١١٠٠ ـ يدعّه بضفتي حيزومه

دعّ الوصيّ جانبيّ يتيمه (١)

(أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ). (١٥)

إذ كانوا يقولون لآيات الله : إنها سحر.

(يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً). (٢٣)

يتعاطون ويتساقون.

وهذه اللفظة تداولتها العرب معاطاة الكؤوس ومجاذبة الأعنّة. قال الأخطل :

١١٠١ ـ وشارب مربح بالكأس نادمني

لا بالحصور ولا فيها بسوّار (٢)

١١٠٢ ـ نازعته طيّب الرّاح الشّمول وقد

صاح الدجاج وحانت وقعة السّاري

وقال بشر في مجاذبة الأعنة وليس لفصاحة قوله نهاية :

١١٠٣ ـ وما يسعى رجالهم ولكن

فضول الخيل ملجمة صيام

١١٠٤ ـ ينازعني الأعنّة مصغيات

كما يتفارط الثّمد الحمام (٣)

وقال آخر :

__________________

(١) الرجز في ربيع الأبرار ١ / ٤٩ ، بلا نسبة ، وهو لأبي نواس وتمامه :

وقد أغتدي والليل في حريمه

معسكرا في الغرّ من نجومه

والصبح قد نشم في أديمه

يدعّه بضفتي حيزومه

دعّ الوصيّ في قفا يتيمه

وأديم الليل : ظلمته ، والحيزوم : الصدر ، وهو في تفسير الماوردي ٤ / ١١٢ وإعراب ثلاثين سورة ص ١٠٤ ؛ وديوان المعاني ١ / ٣٥٧.

(٢) البيتان في ديوانه ص ١٤١ ؛ وتفسير القرطبي ١٧ / ٦٨ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ١١٤.

(٣) البيتان في المفضليات ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، وشرح المفضليات للتبريزي ٣ / ٩٦ ـ ٩٧ ، وديوانه ص ٢١٠ ـ ٢١٢ والثاني في المعاني الكبير ص ١٢٨ ، واللسان : فرط. الثمد : الماء القليل ، يتفارطه الحمام : يتسابق إليه.

٣٣٧

١١٠٥ ـ منازعة العنان بغصن بان

على كتفين كالقتب الشميم (١)

وقال أيضا :

١١٠٦ ـ بكل قيّاد مسنفة عنود

أضرّ بها المسالح والغوار

١١٠٧ ـ منازعة العنان كأنّ فيها

جرادة هبوة فيها اصفرار (٢)

(لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ). (٢٣)

أي : لا سباب ولا ملاحاة مثل ما يكون في خمور الدنيا ، كما قال بعض الصحابة :

١١٠٨ ـ من تقرع الكأس اللئيمة سنّه

فلا بدّ أن يلغو ويؤذى ويجهلا

١١٠٩ ـ فلم أر مشروبا أخسّ غنيمة

وأوضع للأشراف منها وأخملا

١١١٠ ـ وأجدر أن تلقى كريما يذمّها

ويشربها حتى يخرّ مجدّلا (٣)

 ـ وقال ذو الرمة في قريب من هذا المعنى ـ وإن عكسه إلى المدح في قصيدته لبلال بن أبي بردة ـ :

١١١١ ـ فلا الفحش فيها يرهبون ولا الخنا

عليهم ولكن هيبة هي ماهيا

__________________

(١) البيت لخالد بن الصقعب ، وقيل : لهبيرة بن عمرو النهدي. وهو في المعاني الكبير ١ / ١٢٩ ، واللسان : شمم.

(٢) البيتان لبشر بن أبي خازم. وهما في الاختيارين ص ٦٠٤ ؛ والمفضليات ص ٣٤٣ ؛ وديوانه ص ٧٣ ـ ٧٤. والأول في المعاني الكبير ص ٩٧ ؛ والثاني فيه ص ٤٥ ؛ والمخصص ١٦ / ١١٥ ؛ واللسان : هرش المسنفة : هي المتقدمة في أوائل الخيل. عنود : تعند عن الطريق لنشاطها. الهبوة : الغبرة.

(٣) الأبيات في كتاب الممتع للقيرواني ص ٣٩ من غير نسبة. والكامل ١ / ٧٤ ، ونسبها لرجل من قريش. وفي المخطوطة [مظلوما] بدل [مشروبا]. وفي الممتع عجز البيت الأول : [فلا بدّ يوما أن يريب ويجهلا].

٣٣٨

١١١٢ ـ بمستحكم جزل المروءة مؤمن

من القوم لا يهوى الكلام اللواغيا (١)

(كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ). (٢٤)

أي : مصون لنفاسته. واقتبسه عبد الرحمن بن حسان فقال لرملة بنت معاوية :

١١١٣ ـ وهي زهراء مثل لؤلؤة ال

غوّاص ميزت من جوهر مكنون

١١١٤ ـ وإذا ما نسبتها لم تجدها

في سناء من المكارم دون (٢)

(نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ). (٣٠)

ننتظر به صرف الدهر. قال أبان بن عثمان في ابنتي معاوية أيضا :

١١١٥ ـ تربّص بهند أن يموت ابن عامر

ورملة يوما أن يطلقها عمرو

١١١٦ ـ فإن صدقت أمنيتي كنت مالكا

لإحداهما إن طال بي وبها العمر (٣)

(أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ). (٣٧)

المسلّطون.

وقيل : الحفظة الكتبة. من السطر ، وإنما تقلب صادا لأجل الطاء طلبا لمجانسة الإطباق.

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٧٣٤ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ١١٤ ؛ والممتع في صنعة الشعر ص ١٠٠.

(٢) البيتان في اللسان مادة خصر ؛ والأغاني ١٣ / ١٤٣ ؛ والكامل ١ / ١٧٥ ؛ والحماسة البصرية ١ / ٢٠٧.

(٣) خطب أبان بن عثمان بن عفان إلى معاوية بنته ، فقال : إنما هما ابنتان ، فإحداهما عند أخيك عمرو ، والأخرى عند ابن عامر ، فتولى أبان وهو يقول : «وذكر البيتين». وفي المخطوطة [المنيتي مالكا] وهو تحريف. راجع ربيع الأبرار ٤ / ٣٠٢ ؛ وسمط اللآلىء ١ / ١٣.

٣٣٩

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ). (٣٨)

أي : يرتقي إلى السماء.

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ). (٤١)

بأنّ محمدا يموت قبلهم.

* * *

٣٤٠