محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]
المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ). (١٠)
طوال.
(لَها طَلْعٌ).
كل ما يطلع من ثمر النخل.
(نَضِيدٌ).
والنضيد : المنضود المتراكب بعضه فوق بعض.
وقال الحسن : هو الطّبّيع (١) في كفرّاه ، والطبّيع : أمّ الطلع ، وكفرّاه : وعاؤه.
(كَذلِكَ الْخُرُوجُ). (١١)
أي : من القبور.
وقيل : من بطون الأمهات.
(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ). (١٥)
عجزنا عن إهلاك. الخلق : من تقدّم ذكره ههنا.
(مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). (١٦)
هو الحبل العاتق ، وهو الوتين ينشأ من القلب فينبثّ في البدن. والله أقرب منه ، وعلمه أقرب إليه من علم القلب.
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ). (١٧)
المتلقّيان : ملكان يتلقيان عمل العبد.
(قَعِيدٌ).
رصد قريب.
__________________
(١) الطّبّيع كقنديل : لبّ الطلع. راجع اللسان : مادة طبع.
وهو خبر واحد عن اثنين ، كأنه : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، أو : كلّ واحد منهما قعيد.
كما قال البرجمي :
١٠٧٧ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإني وقيّار بها لغريب (١) |
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ). (١٩)
لهذه الباء تقديران :
ـ إن شئت علّقتها بنفس جاءت ، كقولك : جئت بزيد ، أي : أحضرته ، وأجاءته.
ـ وإن شئت علّقتها بمحذوف ، وجعلتها حالا.
أي : جاءت سكرة الموت ومعها الحق ، كقولك : خرج بثيابه. أي : خرج وثيابه معه أو عليه.
ـ وقراءة أبي بكر رضي الله عنه : «وجاءت سكرة الحق بالموت» لاتحادهما في الحال ، ولا ينفصل أحدهما من صاحبه.
وروي أنّ عائشة كانت عند أبي بكر وهو يقضي ، فأنشدت :
١٠٧٨ ـ أماوي ما يغني الثراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (٢) |
فقال أبو بكر : بل قول الله : وجاءت سكرة الحق بالموت (٣).
(ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
__________________
(١) البيت لضابىء بن الحارث البرجمي ، وهو في الأصمعيات ص ١٨٤ ، وكتاب سيبويه ١ / ٣٨ ؛ والخزانة ٩ / ٣٢٦.
(٢) البيت لحاتم الطائي ، وهو في ديوانه ص ٥٠ ؛ والعقد الفريد ١ / ١٩٩.
(٣) هذا الخبر ذكره الزجاجي في أماليه ص ٩٢ ؛ والسيوطي في الدر المنثور ٧ / ٩٩ ؛ والقرطبي في تفسيره ١٧ / ١٣. وقراءة أبي بكر هذه شاذة.
تميل. قال طرفة :
١٠٧٩ ـ أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا |
|
حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض (١) |
(مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ). (٢١)
سائق من الملائكة ، وشهيد من أنفسهم.
(فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). (٢٢)
علمك نافذ.
(وَقالَ قَرِينُهُ). (٢٣)
أي : الملك شهيد عليه ، عن الحسن.
وعن مجاهد : قرينه الذي قيّض له من الشياطين.
(هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ).
هذا عمله محصى عندي.
وعلى قول مجاهد : المراد به العذاب.
وقال الزجاج : «ما» في موضع رفع بقوله : «هذا» ، و«عتيد» صفة «ما» ، على قولهم : هذا حلو حامض ، فيكون صفة بعد صفة.
أو يجعل «ما» نكرة ، والمعنى : هذا شيء لديّ عتيد (٢).
(أَلْقِيا). (٢٤)
__________________
(١) البيت لا شاهد فيه ، ولعلّ المؤلف سها فيه ، وإنما الشاهد في قول طرفة :
أبا منذر رمت الوفاء فهبته |
|
وحدت كما حاد البعير عن الدحض |
حيث فيه حاد بمعنى : مال. راجع تفسير القرطبي ١٧ / ١٣. والبيت الذي استشهد به المؤلف في ديوان طرفة ص ٩٢ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٢٤ ، واللسان : حنن.
(٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٥ / ٤٥.
خطاب للملكين على قول من يقول : إنّ السائق والشهيد كلاهما الملائكة.
وقيل : «ألقين» بالنون الخفيفة ، فأجري الوصل فيه مجرى الوقف ، كقول الحجاج : [يا حرسيّ اضربا عنقه].
ـ وقيل : هو خطاب لمالك ، على مذهب العرب في تثنية خطاب الواحد. وقد مرّ شاهده (١).
(مُرِيبٍ). (٢٥)
شاكّ متهم.
قال جميل :
١٠٨٠ ـ بثينة قالت : يا جميل أربتنا |
|
فقلت : كلانا يا بثين مريب |
١٠٨١ ـ وأريبنا من لا يؤدّي أمانة |
|
ولا يحفظ الأسرار حين يغيب (٢) |
(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ). (٢٧)
على قول مجاهد يقول شيطانه : ما أغويته.
وعلى قول الحسن يقول الكافر : إنّ الملك زاد عليّ في الكتابة ، يقول الملك : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ، أي : ما زدت عليه ، فيقول الله :
(لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ). (٢٨)
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ). (٢٩)
ما يكتب غير الحق ، ولا يكذب عندي.
(ادْخُلُوها بِسَلامٍ). (٣٤)
أي : مع سلامة من الزوال ،
__________________
(١) انظر ٢ / ٢٥٢.
(٢) البيتان في ديوانه ص ١٩ ؛ ووفيات الأعيان ١ / ٣٦٨ ؛ والأول في تفسير القرطبي ١ / ١٥٩ ؛ والدر المصون ١ / ٨٦.
(فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ). (٣٦)
ساروا في طرقها ، وطوّفوا في مسالكها.
والنقب : الطريق في الجبل.
وقيل : أظهروا آثارهم فيها. من : نقب الخفّ والحافر : إذا ظهر الحفار فيهما.
قال :
١٠٨٢ ـ ذريني اصطبح يا هند إنّي |
|
رأيت الموت نقّب عن هشام |
١٠٨٣ ـ وعن عمرو وعمرو كان قدما |
|
يؤمّل للملمات العظام (١) |
(أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). (٣٧)
أي : ألقى سمعه نحو كتاب الله ، كما تقول : ألق سمعك إليّ.
(وَهُوَ شَهِيدٌ) حاضر قلبه معه.
(وَأَدْبارَ السُّجُودِ). (٤٠)
بفتح الألف جمع دبر مثل : قفل وأقفال ، أو جمع دبر كطنب وأطناب ، وبالكسر (٢) على معنى الفتح.
وفيه معنى الظرف ، فسبحه في وقت إدبار السجود وهو ركعتان بعد المغرب ، وإدبار النجوم ركعتان قبل الفجر.
(مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ). (٤١)
__________________
(١) البيتان لبحير بن عبد الله القشيري يرثي هشام بن المغيرة والد أبي جهل.
وبعدهما :
فودّ بنو المغيرة لو فدوه |
|
بألف من رجال أو سوام |
وودّ بنو المغيرة لو فدوه |
|
بألف مقاتل وبألف رام |
راجع معجم الشعراء ص ٥٩ ؛ وشرح أبيات الإيضاح ١١٠ ؛ والوحشيات ص ٢٥٧.
(٢) وهي قراءة نافع وابن كثير وحمزة وأبي جعفر وخلف. الإتحاف ص ٣٩٨.
عن قتادة : ينادي من صخرة بيت المقدس فتأتيها العظام البالية (١).
(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)(٢). (٤٥)
يجبرهم على الإيمان.
ولا يأتي فعّال من باب الإفعال إلا الجبّار والدّراك (٣).
* * *
__________________
(١) هذا قول قتادة أخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم. ـ وعن ابن عباس أيضا مثله.
(٢) أخرج الحاكم عن جرير قال : أتي النبي صلىاللهعليهوسلم برجل ترعد فرائصه ، فقال : هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء ، ثم تلا جرير : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ). انظر المستدرك ٢ / ٤٦٦.
(٣) قال الفراء : لم أسمع فعّالا من أفعل إلا في حرفين : وهو جبّار من أجبرت ، ودرّاك من أدركت. راجع اللسان : جبر ؛ ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٨١.
(سورة الذّاريات) (١)
(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً). (١)
الرياح.
(فَالْحامِلاتِ وِقْراً). (٢)
السحاب.
(فَالْجارِياتِ يُسْراً). (٣)
السفن.
(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً). (٤)
الملائكة (٢).
__________________
(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الذاريات بمكة.
(٢) أخرج البزار والدار قطني عن سعيد بن المسيب قال : جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطابي رضي الله عنه ، فقال : أخبرني عن (الذَّارِياتِ ذَرْواً)؟ قال : هي الرياح ، ولو لا أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقوله ما قلته. قال : فأخبرني عن «الحاملات وقرا»؟ قال : هي السحاب ، ولو لا أني سمعت رسول الله يقوله ما قلته. قال : فأخبرني عن «الجاريات يسرا»؟ قال : هي السفن ولو لا أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقوله ما قلته : قال : فأخبرني عن «المقسمات أمرا»؟ قال : هنّ الملائكة ، ولو لا أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقوله ما قلته. ثم أمر به فضرب مائة وجعل في بيت ، فلما برأ دعاه فضرب مائة أخرى ، وحمله على قتب. ـ وكان صبيغ هذا يسأل الناس عن المتشابهات ويلبّس عليهم.
وقد حمل بعضهم الذاريات والحاملات على الرياح ، فتكون مقدمة السحاب يثيرها وتسوقها ، والثانية تذرّها.
والجاريات والمقسّمات حملها على السحاب ؛ لأنها تقسم الخطوط والأرزاق ، وتجري بيسر وسهولة في مسير ، كما قال الأعشى :
١٠٨٤ ـ غرّاء فرعاء مصقول عوارضها |
|
تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل |
١٠٨٥ ـ كأنّ مشيتها من بيت جارتها |
|
مرّ السّحابة لا ريت ولا عجل (١) |
وهذه أقسام ، والواو التي فيها واو القسم ، وجاز أن يقسم الله بها ، ولا يجوز أن يقسم بالخلق إلا الله ، لأنّ قسم الخلق استشهاد على صحة قولهم بمن يعلم السرّ والعلانية وليس ذلك إلا لله.
وقسم الخالق إرادة تأكيد الخبر في نفوسهم مما جرت به العادة بينهم ، فيقسم ببعض خلقه على وجه يوجب الاعتبار ، وإحضار القلب عند التنبيه على عجائب الفطرة وبدائع القدرة.
(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ). (٧)
طريق الغيم.
وأثر حسن الصنعة فيه ، وهو في البيض الحبيك ، وفي الشعر وجناح الحمام الحباك ، قال الشماخ :
١٠٨٦ ـ قد وكّلت بالهدى إنسان ساهمة |
|
كأنّه من تمام الظمء مسمول |
__________________
(١) البيتان في ديوانه ص ١٤٤ ؛ والحماسة البصرية ٢ / ٩٠ ؛ ونهاية الأرب ٣ / ١١٤. الوجي : الدابة تشتكي حافرها ، الوحل : الواقع في الوحل ، فرعاء : طويلة الشعر عوارضها : أسنانها.
١٠٨٧ ـ حتى استغاثت بأحوى فوقه حبك |
|
تدعو هديلا الورق العزاهيل (١) |
(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ). (٨)
أمر مختلف ، واحد مؤمن وآخر كافر ، وواحد مطيع وآخر عاص ، وواحد يقول : إنه ساحر ، وآخر يقول : شاعر ، وآخر : مجنون.
(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ). (٩)
يصرف عن هذه الأفعال من صرف.
وقيل : يصرف عن الجزاء.
(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ). (١٠)
لعن الكذابون.
(عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ). (١٣)
يحرقون كما يفتن الذهب بالنار.
(آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ). (١٦)
من الفرائض.
وقيل : من الثواب.
(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ). (١٧)
أي : قليلا هجوعهم ، إذ «ما» مع الفعل بمعنى المصدر.
(لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). (١٩)
__________________
(١) البيتان في ديوانه ص ٢٨١ ـ ٢٨٢. والأول في اللسان مادة : هدى ، والأضداد لابن الأنباري ٢٨٥. والثاني في اللسان : حلا ، والمحكم ٣ / ٣٤٠. مسمول : مفقوء ، يعني أنّ عينها قد غارت من شدة العطش. ويروى : [بجون] : أي : بماء جون. وهو الأسود مما علاه من الطحلب ، والعزاهيل : الجماعة المهملة.
المحروم : الذي لا يسأل تعفّفا وحياء فيحرم.
وقالت عائشة : هو المحارف الذي نبا عنه مكسبه (١).
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ). (٢٢)
الأمطار (٢).
أو : تقدير رزقكم وما قسم لكم.
(وَما تُوعَدُونَ).
من خير أو شر.
(مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ). (٢٣)
لو جاء : (مثل ما تنطقون) لفهم منه : أنه حق مثل ما أن نطقكم حق ، ويكون في نطقهم غير حق.
وإذ قال : «مثل ما أنكم ما تنطقون» كان معناه : مثل صحة كونكم ناطقين كاذبين أو صادقين.
ونصب «مثل» على الحال.
أي : إنه لحق مماثلا لكونكم ناطقين.
أو على أنه وصف مصدر محذوف.
أي : إنه لحق حقا يقينا مثل.
ويجوز أن يبنى «مثل» مع «ما» (٣).
(قَوْمٌ مُنْكَرُونَ). (٢٥)
__________________
(١) هذا قول عائشة وقد سألها عنه عروة فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنها.
(٢) أخرج الديلمي عن عليّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) قال : المطر.
(٣) وهذا الأرجح.
غرباء لا يعرفون.
(فَراغَ إِلى أَهْلِهِ). (٢٦)
مال في خفية.
(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ). (٢٩)
الصرّة : الرّنة.
وقيل : الصيحة ، من الصرير.
ـ الجزء السّابع والعشرون ـ
(حِجارَةً مِنْ طِينٍ). (٣٣)
محجّر كقوله : (مِنْ سِجِّيلٍ)(١).
(وَفِي مُوسى). (٣٨)
أي : آية فيه ، عطف على قوله : (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً).
(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ). (٣٩)
أعرض بجموعه وجنوده.
وقيل : بجانبه. ومنه : الركون بمعنى الميل ؛ لأنه يكون إلى جانب.
(الرِّيحَ الْعَقِيمَ). (٤١)
هي الدّبور لأنها لا تلقح ، بل تقشع السحاب.
وهذا أصحّ ممّا روى ابن أبي ذيب (٢) أنها الجنوب (٣) ، وممّا روى
__________________
(١) الآية (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) رقم ٨٢ من سورة هود.
(٢) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ، سمع من عكرمة ومسلم بن جندب والزهري ، وحدث عنه ابن المبارك ووكيع قال أحمد بن حنبل : كان يشبه بسعيد بن المسيب مات سنة ١٥٨ ه. راجع سير النبلاء ٧ / ١٤١.
(٣) أخرجه ابن جرير ٢٧ / ٤.
ابن جرير (١) عن مجاهد أنها الصبا ؛ لأنّ كلّ واحدة من الصبا والجنوب تلقح وتدرّ ولا تعقم ، ولذلك يحبّ ويؤثر ، كما قال حميد بن ثور :
١٠٨٨ ـ فلا يبعد الله الشباب وقولنا |
|
إذا ما صبونا صبوة سنتوب |
١٠٨٩ ـ ليالي أبصار الغواني وسمعها |
|
إليّ وإذ ريحي لهنّ جنوب (٢) |
وقال الأعشى :
١٠٩٠ ـ وما عنده فضل تليد ولا له |
|
من الرّيح فضل لا الجنوب ولا الصّبا (٣) |
أي : لم ينل نائلا فيكون كالجنوب في مجيئه بالمطر ، ولم ينفس عن أحد كربة فيكون كالصبا في التنفيس. هذا قول أبي علي فيه.
وإنّ الظاهر من أمر الصبا الإلقاح والإثارة ، ومن الجنوب الإمطار والإدرار.
(جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ). (٤٢)
كالتراب.
وقيل : كالرماد.
وقيل : هو الشيء البالي الغالب. ويشهد للجميع قول أبي حيّة النميري :
__________________
(١) وفي المخطوطة ابن جريج وهو تصحيف. فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : «الريح العقيم» : الصبا التي لا تلقح شيئا. ـ وعن قتادة : الريح العقيم : التي لا تنبت. انظر تفسير ابن جرير ٢٧ / ٤.
(٢) البيتان في الإصابة ١ / ٣٥٦ ؛ والاستيعاب ١ / ٣٦٨ ؛ والأغاني ١٨ / ١٣٢ ؛ والزهرة ١ / ٣٦٧.
(٣) البيت في ديوانه ص ٦ ؛ وفرحة الأديب ص ٤٠ ؛ والزهرة ١ / ٥١ ؛ وشرح الحماسة للتبريزي ٣ / ٢٦٩.
١٠٩١ ـ رمتني وستر الله بيني وبينها |
|
عشية آرام الظباء رميم |
١٠٩٢ ـ ألا ربّ يوم لو رمتني رميتها |
|
ولكنّ عهدي بالنضال قديم (١) |
(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ). (٤٥)
أي : ما نهضوا بعذاب الله ، وما قدروا على دفاع.
(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ). (٤٧)
أي : ذو سعة وقدرة.
وقيل : قادرون على أوسع من السماء.
وقيل : لموسعون الرزق على الخلق.
وقيل : لموسعون ما بين السماء والأرض.
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ). (٤٩)
أي : ضدين ، غنى وفقرا ، وحسنا وقبحا ، وموتا وحياة ونحوها.
(بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ). (٥٣)
هذا هو الموضع الذي يقول البصريون : إنّ «أم» المنقطعة بمعنى «بل» للترك والتحول إلا أنّ ما بعد «بل» متيقّن ، وما بعد «أم» مشكوك فيه ومسؤول عنه.
(ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). (٥٨)
المتين : القوي ، ولا يفسّر بالشّديد ؛ لأن الشديد ليس في أسماء الله ، والقوي منها ، فكأنّ القول :
ذو القوة التي يعطيها خلقه ، القوي في نفسه ، فخولف بين اللفظين والمعنى واحد ـ وإن كان المراد بهما مختلفا ـ لتحسين النظم.
__________________
(١) البيتان في شرح الفصيح لابن دستوريه ١ / ٢٩٩ ؛ والبيان والتبيين ٤ / ٣١. وقيل : هما لعمرو بن قميئة ، وهما في ديوانه ص ٤٥ ـ ٤٦.
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً). (٥٩)
نصيبا.
وأصله : الدلو فيها ماء.
قال حسان :
١٠٩٣ ـ لا يبعدنّ ربيعة بن مكدّم |
|
وسقي الغوادي قبره بذنوب (١) |
* * *
__________________
(١) البيت ليس في ديوانه طبع دار صادر بيروت ، وهو في شرح ديوانه ص ٣٦٩. قال الأصفهاني : قيل إنه لضرار بن الخطاب الفهري ، والصحيح أنه لعمرو بن شقيق أحد بني فهر ؛ وهو في فتح الودود ص ٢٤٦ ؛ والبحر المحيط ٨ / ١٣٢ ؛ ونسبه لحسان أيضا ؛ وغريب الحديث للخطابي ١ / ٣٦٩ ؛ ولباب الآداب ص ١٨٥ ؛ والأغاني ١٤ / ١٢٥.
وبعد البيت :
نفرت قلوصي من حجارة حرّة |
|
بنيت على سمح اليدين وهوب |
لا تنفري يا ناق منه فإنه |
|
شريب خمر مسعر لحروب |
لو لا السفار وطول خرق مهمه |
|
لتركتها تحبو على العرقوب |
(سورة الطّور) (١)
(فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ). (٣)
قيل : إنه صحيفة الأعمال ، كقوله تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)(٢).
وقيل : إنّه اللوح المحفوظ.
وقيل : إنه كتاب من كتب الله في رقّ ، وهو إمّا التوراة بسبب اقترانه بالطور ، أو : القرآن بسبب بيت المعمور ، وهو الكعبة.
وهذا القول أولى لمكان الرّق ، وسمي به لرقّة حواشيه.
وقد عرفت العرب ذلك ، قال التغلبي :
١٠٩٤ ـ لابنة حطّان بن عوف منازل |
|
كما نمّق العنوان في الرّقّ كاتب |
١٠٩٥ ـ ظللت بها أعرى وأشعر سخنة |
|
كما اعتاد محموما بخيبر صالب (٣) |
(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ). (٦)
__________________
(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الطور بمكة. وأخرج البخاري عن أم سلمة قالت : شكوت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، فطفت ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ). انظر فتح الباري ١ / ٤٦٣ ؛ ومسلم ١٢٧٦.
(٢) سورة التكوير : آية ١٠.
(٣) البيتان للأخنس بن شهاب التغلبي ، وهو شاعر جاهلي قديم. وهما في المفضليات ص ٢٠٤. والأول في معجم الشعراء ص ٢٧.
في الخبر أنّه جهنم (١) ، وبذلك فسّر مجاهد المسجور وقال : إنه الموقد نارا ، كقوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ)(٢).
وقال ابن كيسان : المسجور : المجموع ، وأنشد للنّمر بن تولب :
١٠٩٦ ـ إذا شاء طالع مسجورة |
|
ترى حولها النّبع والسّاسما (٣) |
وقال لبيد :
١٠٩٧ ـ فتوسّطا عرض السّريّ فصدّعا |
|
مسجورة متجاورا قلّامها (٤) |
(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً). (٩)
تدور طورا فترجع رجعا. قال ذو الرّمة :
١٠٩٨ ـ موّارة الضبع مسكات إذا رجلت |
|
تهوي انسلالا إذا ما اغبرّت البيد |
١٠٩٩ ـ نظارة حتى تعلو الشمس راكبها |
|
طرحا بعين لياح فيه تجديد (٥) |
(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ). (١١)
دخلت الفاء على معنى المجازاة ، لأنه بمنزلة : إذا كان كذا فويل.
(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا). (١٣)
__________________
(١) وهذا الخبر عن عليّ بن أبي طالب ، أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر.
(٢) سورة التكوير : آية ٩.
(٣) البيت في اللسان مادة : سم ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٦١ من غير نسبة فيهما ، راجع مختارات ابن الشجري ص ١٧ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٩٥ وفي المخطوطة : [السماسما] وهو تصحيف. والنبع : نبت ، والساسم : شجر يتخذ منه السهام.
(٤) البيت في ديوانه ص ١٧٠ ؛ وشرح المعلّقات ١ / ١٤٨.
(٥) البيتان في ديوانه ص ١٨٦ الضبع : العضد ، مسكات : لا ترغو ، البيد : الفلوات ، طرحا : نظرا بعيدا. واللياح : ثور يسمى لياحا لبياضه ، التجديد : خطوط سود في قوائمه. ـ يقول : إذا علت الشمس راكبها فهي تنظر في ذلك الوقت لا ينكسر طرفها يمينا وشمالا من النشاط.
دفعا عنيفا ، قال الراجز :
١١٠٠ ـ يدعّه بضفتي حيزومه |
|
دعّ الوصيّ جانبيّ يتيمه (١) |
(أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ). (١٥)
إذ كانوا يقولون لآيات الله : إنها سحر.
(يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً). (٢٣)
يتعاطون ويتساقون.
وهذه اللفظة تداولتها العرب معاطاة الكؤوس ومجاذبة الأعنّة. قال الأخطل :
١١٠١ ـ وشارب مربح بالكأس نادمني |
|
لا بالحصور ولا فيها بسوّار (٢) |
١١٠٢ ـ نازعته طيّب الرّاح الشّمول وقد |
|
صاح الدجاج وحانت وقعة السّاري |
وقال بشر في مجاذبة الأعنة وليس لفصاحة قوله نهاية :
١١٠٣ ـ وما يسعى رجالهم ولكن |
|
فضول الخيل ملجمة صيام |
١١٠٤ ـ ينازعني الأعنّة مصغيات |
|
كما يتفارط الثّمد الحمام (٣) |
وقال آخر :
__________________
(١) الرجز في ربيع الأبرار ١ / ٤٩ ، بلا نسبة ، وهو لأبي نواس وتمامه :
وقد أغتدي والليل في حريمه |
|
معسكرا في الغرّ من نجومه |
والصبح قد نشم في أديمه |
|
يدعّه بضفتي حيزومه |
دعّ الوصيّ في قفا يتيمه |
وأديم الليل : ظلمته ، والحيزوم : الصدر ، وهو في تفسير الماوردي ٤ / ١١٢ وإعراب ثلاثين سورة ص ١٠٤ ؛ وديوان المعاني ١ / ٣٥٧.
(٢) البيتان في ديوانه ص ١٤١ ؛ وتفسير القرطبي ١٧ / ٦٨ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ١١٤.
(٣) البيتان في المفضليات ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، وشرح المفضليات للتبريزي ٣ / ٩٦ ـ ٩٧ ، وديوانه ص ٢١٠ ـ ٢١٢ والثاني في المعاني الكبير ص ١٢٨ ، واللسان : فرط. الثمد : الماء القليل ، يتفارطه الحمام : يتسابق إليه.
١١٠٥ ـ منازعة العنان بغصن بان |
|
على كتفين كالقتب الشميم (١) |
وقال أيضا :
١١٠٦ ـ بكل قيّاد مسنفة عنود |
|
أضرّ بها المسالح والغوار |
١١٠٧ ـ منازعة العنان كأنّ فيها |
|
جرادة هبوة فيها اصفرار (٢) |
(لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ). (٢٣)
أي : لا سباب ولا ملاحاة مثل ما يكون في خمور الدنيا ، كما قال بعض الصحابة :
١١٠٨ ـ من تقرع الكأس اللئيمة سنّه |
|
فلا بدّ أن يلغو ويؤذى ويجهلا |
١١٠٩ ـ فلم أر مشروبا أخسّ غنيمة |
|
وأوضع للأشراف منها وأخملا |
١١١٠ ـ وأجدر أن تلقى كريما يذمّها |
|
ويشربها حتى يخرّ مجدّلا (٣) |
ـ وقال ذو الرمة في قريب من هذا المعنى ـ وإن عكسه إلى المدح في قصيدته لبلال بن أبي بردة ـ :
١١١١ ـ فلا الفحش فيها يرهبون ولا الخنا |
|
عليهم ولكن هيبة هي ماهيا |
__________________
(١) البيت لخالد بن الصقعب ، وقيل : لهبيرة بن عمرو النهدي. وهو في المعاني الكبير ١ / ١٢٩ ، واللسان : شمم.
(٢) البيتان لبشر بن أبي خازم. وهما في الاختيارين ص ٦٠٤ ؛ والمفضليات ص ٣٤٣ ؛ وديوانه ص ٧٣ ـ ٧٤. والأول في المعاني الكبير ص ٩٧ ؛ والثاني فيه ص ٤٥ ؛ والمخصص ١٦ / ١١٥ ؛ واللسان : هرش المسنفة : هي المتقدمة في أوائل الخيل. عنود : تعند عن الطريق لنشاطها. الهبوة : الغبرة.
(٣) الأبيات في كتاب الممتع للقيرواني ص ٣٩ من غير نسبة. والكامل ١ / ٧٤ ، ونسبها لرجل من قريش. وفي المخطوطة [مظلوما] بدل [مشروبا]. وفي الممتع عجز البيت الأول : [فلا بدّ يوما أن يريب ويجهلا].
١١١٢ ـ بمستحكم جزل المروءة مؤمن |
|
من القوم لا يهوى الكلام اللواغيا (١) |
(كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ). (٢٤)
أي : مصون لنفاسته. واقتبسه عبد الرحمن بن حسان فقال لرملة بنت معاوية :
١١١٣ ـ وهي زهراء مثل لؤلؤة ال |
|
غوّاص ميزت من جوهر مكنون |
١١١٤ ـ وإذا ما نسبتها لم تجدها |
|
في سناء من المكارم دون (٢) |
(نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ). (٣٠)
ننتظر به صرف الدهر. قال أبان بن عثمان في ابنتي معاوية أيضا :
١١١٥ ـ تربّص بهند أن يموت ابن عامر |
|
ورملة يوما أن يطلقها عمرو |
١١١٦ ـ فإن صدقت أمنيتي كنت مالكا |
|
لإحداهما إن طال بي وبها العمر (٣) |
(أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ). (٣٧)
المسلّطون.
وقيل : الحفظة الكتبة. من السطر ، وإنما تقلب صادا لأجل الطاء طلبا لمجانسة الإطباق.
__________________
(١) البيتان في ديوانه ص ٧٣٤ ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ١١٤ ؛ والممتع في صنعة الشعر ص ١٠٠.
(٢) البيتان في اللسان مادة خصر ؛ والأغاني ١٣ / ١٤٣ ؛ والكامل ١ / ١٧٥ ؛ والحماسة البصرية ١ / ٢٠٧.
(٣) خطب أبان بن عثمان بن عفان إلى معاوية بنته ، فقال : إنما هما ابنتان ، فإحداهما عند أخيك عمرو ، والأخرى عند ابن عامر ، فتولى أبان وهو يقول : «وذكر البيتين». وفي المخطوطة [المنيتي مالكا] وهو تحريف. راجع ربيع الأبرار ٤ / ٣٠٢ ؛ وسمط اللآلىء ١ / ١٣.
(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ). (٣٨)
أي : يرتقي إلى السماء.
(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ). (٤١)
بأنّ محمدا يموت قبلهم.
* * *