وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

ـ وصفة الاستقبال : أي : غير صائر إلى التغير وإن طال جمامه ومقامه ، بخلاف مياه الدنيا.

(وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ).

لأنّ أحب الألبان عندهم الحليب الصريح (١) المحض ، وهو الأنفع والأمرء.

(مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ).

يسوغ كما يسوغ ماء العسل في حلاوته ، والماء النمير في عذوبته.

ولذّة : معناه : لذيذة ، كما قال مزرّد :

١٠٥٨ ـ إذ ألهو بليلى وهي لذّ حديثها

لطالبها ، مسؤول خير فباذل (٢)

(ما ذا قالَ آنِفاً). (١٦)

إمّا : أنّهم لم يعوا ولم يفهموا لقلة اعتنائهم به.

أو : أظهروا أنهم لم يفهموا تغافلا عن الدين وتهاونا به (٣).

(وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ). (١٧)

أي : ثواب تقواهم.

وقيل : ألهمهم.

(فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ). (١٨)

أي : من أين لهم.

__________________

(١) اللبن الصريح : الخالص الذي لم يمذق.

(٢) البيت في المفضليات ص ٩٤.

(٣) وهذا هو القول الصحيح ، فقد أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : كان المؤمنون والمنافقون يجتمعون إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيستمع المؤمنون منه ما يقول ويعونه ، ويسمعه المنافقون فلا يعونه ، فإذا خرجوا سألوا المؤمنين ما ذا قال آنفا؟ فنزلت : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ....).

٣٠١

بمعنى : من أين الانتفاع بها في ذلك الوقت.

(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ). (١٩)

دم عليه اعتقادا أو قولا.

(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ). (٢١)

أي : هذا قولهم في هذا الأمر.

(فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ). (٢١)

كرهوه.

(إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ). (٢٧)

أي : ولّيتم أمور الناس أن تصيروا إلى أمركم الأول في قطيعة الرحم والفساد.

(يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ)

ما دبر منهم.

وذلك أنّ الكافر عند موته يضرب وجهه وظهره.

(لَحْنِ الْقَوْلِ). (٣٠)

فحواه وكنايته (١).

(وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ). (٣٥) يسلبكم. والوتر : السلب.

(فَيُحْفِكُمْ). (٣٧)

يجهدكم في المسألة.

* * *

__________________

(١) كان المنافقون يخاطبون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكلام تواضعوه فيما بينهم ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع ذلك ويأخذ بالظاهر المعتاد ، فنبهه الله تعالى عليه ، فكان بعد هذا يعرف المنافقين إذا سمع كلامهم. قال أنس : فلم يخف منافق بعد هذه الآية على رسول الله.

٣٠٢

(سورة الفتح) (١)

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً). (١)

صلح الحديبية (٢) ، وعده الله فتح مكة عند انكفائه منها.

وقال ابن بحر : هو فتح المشكلات عليه في الدين ، كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ)(٣).

(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ). (٢)

ليس الفتح علة ، ليغفر له بل لينصره نصرا عزيزا.

ولكنه لما عدّ عليه هذه النعمة وصله بما هو أعظم النعم.

(ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ).

ما كان قبل الفتح.

وقيل : قبل البعثة.

وقيل : ما تقدّم قبل نزول هذه الآية.

(وَما تَأَخَّرَ).

بعدها.

__________________

(١) أخرج الحاكم وصححه عن المسور بن مخرمة قال : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها. انظر : المستدرك ٢ / ٤٥٩.

(٢) وهذا مروي عن أنس ، وأخرجه عنه البخاري وابن أبي شيبة. انظر فتح الباري ٨ / ٥٨٣.

(٣) سورة الأنعام : آية ٥٩.

٣٠٣

وقيل : إنّ المراد بما تأخّر : ذنوب أمته ، كما تقول : وهبت لك هذه الجرائم ، وهي جرائم عشيرته.

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ). (٤)

قيل : هي الثقة بوعد الله ، والصبر على أمر الله.

(لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ).

يقينا مع يقينهم.

وقيل : عملا مع تصديقهم.

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (٧)

أي : لو شاء نصركم بها عاجلا ، ودمّر على من منعكم الحرم ، ولكنه أنزل السكينة عليكم ليكون ظهور كلمته بجهادكم وثوابه لكم.

(وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). (٩)

تنزّهوه من كل ذمّ وعيب.

وقيل : تصلوا عليه.

وقيل : توقّروا الرسول وتسبّحوا الله.

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ). (١٠)

هذه بيعة الرضوان بالحديبية ، بايعوه على أن ينصروه ولا يفرّوا.

وسمّيت بيعة لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(١).

ولأنها في التواجب كالبيع.

(يَدُ اللهِ).

__________________

(١) سورة التوبة : آية ١١١.

٣٠٤

أي : في الثواب.

(فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).

في النصر.

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ). (١١)

لمّا أراد النبيّ عليه‌السلام المسير إلى مكة عام الحديبية استنفر من حول المدينة من الأعراب احتراسا من قريش (١).

(سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ). (١٦)

يدعوكم المؤمنون بعد النبي.

(أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).

الروم وفارس ، عن الحسن.

وبنو حنيفة مع مسيلمة عن الزهري.

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ). (١٨)

كان المبايعون يومئذ ألفا وأربعمائة (٢) رجل وهم المهاجرون مطلقا ، وطبقة أخرى : المهاجرون منهم إلى الحبشة ، وطبقة أخرى : منهم الذين بايعوا عند العقبة الأولى ، يقال للواحد : عقبيّ ، وأخرى : المهاجرون الذين

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد عن جوبير رضي الله عنه في الآية قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين انصرف من الحديبية وسار إلى خيبر تخلف عنه أناس من الأعراب فلحقوا بأهاليهم ، فلمّا بلغهم أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد افتتح خيبر ساروا إليه ، وقد كان الله أمره ألا يعطي أحدا تخلّف عنه من مغنم خيبر ، ويقسم مغنمها من شهد الفتح ، فذلك قوله : «(يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ).

(٢) أخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، فقال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنتم خير أهل الأرض. انظر فتح الباري ٧ / ٤٤١ ، كتاب المغازي ؛ ومسلم ١٨٥٨.

٣٠٥

وصلوا إلى النبي عليه‌السلام وهو بقباء ، قبل أن يدخل المدينة ، وهم المهاجرون الأولون.

ـ وأخرى : المهاجرون منهم بين بدر والحديبية.

ـ وأخرى : المهاجرون بين الحديبية والفتح.

فذلكم خمس طبقات بعد الأولى. أي : المهاجرين مطلقا.

ـ والشجرة التي بايعوا تحتها سمرة ، ولذلك قال العباس يوم حنين : يا أهل السمرة (١).

(وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).

هو فتح خيبر.

ويقال : فتح مكة.

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها). (٢١)

فارس والروم.

(قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها).

قدر عليها.

(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً). (٢٣)

في نصرة كل نبيّ يأمره بالقتال.

(وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً). (٢٥)

مجموعا موقوفا عكف بعضه على بعض (٢).

__________________

(١) أخرج أحمد عن جابر ، ومسلم عن أم بشر عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا يدخل النّار أحد ممّن بايع تحت الشجرة. انظر : المسند ٣ / ٣٥٠ ، ومسلم ١٨٥٩.

(٢) أخرج أحمد والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة فلما صدت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها.

٣٠٦

(فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ).

إثم.

وقيل : شدة.

(لَوْ تَزَيَّلُوا).

تميّزوا وتفرّقوا حتى لا يختلط بمشركي مكة مسلم.

(وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ).

أي : ولو لا كانوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات (١).

(لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

بالسيف.

(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ). (٢٦)

لمّا طالبهم سهيل بن عمرو أن يكتبوا : باسمك اللهم.

(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى). (٢٦)

سمعنا وأطعنا (٢).

(لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ). (٢٧)

الاستثناء للتأديب على مقتضى الدين.

أي : ليدخلنّه بمشيئة الله.

وقيل : إنّ الاستثناء في دخول جميعهم ، أو علم أن بعضهم يموت.

__________________

(١) أخرج أبو يعلى وابن المنذر وأبو نعيم بسند جيد عن أبي جمعة جندب بن سبيع قال : قاتلت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أول النهار كافرا ، وقاتلت معه آخر النهار مسلما ، وفينا نزلت : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) وكنّا تسعة نفر ، سبعة رجال وامرأتين.

(٢) وقيل كلمة التقوى لا إله إلا الله ، وهو مرويّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : بسم الله الرحمن الرحيم. وهو مروي عن الزهري.

٣٠٧

ـ وقيل : إنّ لتدخلنّ من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه حكاية عن رؤياه ، فيكون الاستثناء في الرؤيا لا في خبر الله.

وقال أبو عبيدة : «إن» بمعنى «إذ». أي : إذ شاء الله (١).

(وَالَّذِينَ مَعَهُ). (٢٩)

رفع بالابتداء ، والواو واو الاستئناف.

(سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ).

صفرة السهر (٢) وغضاضة النظر.

وقال ابن عباس : نور الصلاة.

وقال الحسن : السمت الحسن.

(ذلِكَ مَثَلُهُمْ) : صفتهم.

(أَخْرَجَ شَطْأَهُ).

الشطأ والسّفا (٣) والبهمى : شوك السنبل.

وقيل : فراخه التي يخرج في جوانبه. وهو من : شاطىء النهر : جانبه.

وأشطأ الزرع : أفرخ.

وفي الشّطأ لغات أخر : الشّطأ ، بفتح الطاء ، والهمز.

والشّطا مقصورا.

__________________

(١) قال ابن هشام : وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ ، وجعلوا منه : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) و (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ، وقوله عليه الصلاة والسّلام : «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون». ثم ردّه ابن هشام. راجع مغني اللبيب ص ٣٩ ؛ وشرح الكافية للرضي ٢ / ٢٥٣.

(٢) وفي المخطوطة [السرر] وهو تصحيف.

(٣) قال في اللسان : والسّفى : شوك البهمى والسّنبل ، وكل شيء له شوك ، وقال ثعلب : هي أطراف البهمى ، والواحدة من كل ذلك سفاة ، وأسفت البهمى : سقط سفاها.

٣٠٨

والشّط بلا همز ولا ألف.

(فَآزَرَهُ).

قوّاه وشدّ أزره. أي : شدّ فراخ الزرع أصوله.

قال الأسود بن يعفر :

١٠٥٩ ـ ولقد غدوت لعازب متناذر

أحوى المذانب مؤنق الرّوّاد

١٠٦٠ ـ جادت سواريه وآزر نبته

نفأ من الصّفراء والزّبّاد (١)

(فَاسْتَغْلَظَ). (٢٩)

غلظ. أي : باجتماع الفراخ مع الأصول.

(فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ).

جمع ساق ، وهي قصبه الذي يقوم عليه ، ويكون ساقا له.

(لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ). أهل مكة (٢).

وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين إذ كانوا أقلاء فكثروا ، وأذلاء فعزّوا.

ومكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة بعد الحديبية عشرين يوما ، ثم خرج إلى خيبر فنصره الله وفتح عليه خيبر.

والحديبية بوزن تريقية ، تصغير ترقوة ، ولا يجوز غيره (٣).

* * *

__________________

(١) البيت في المفضليات ص ٢١٦.

(٢) أخرج الحاكم وصححه عن عائشة في قوله : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) قالت : أصحاب رسول أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم. المستدرك ٢ / ٤٦٢.

(٣) قال ياقوت : الحديبية ، بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء مكسورة ، وياء اختلفوا فيها فمنهم من شددها ومنهم من خفّفها ، فروي عن الشافعي أنه قال : الصواب تشديد الحديبية وتخفيف الجعرانة ، وأخطأ من نصّ على تخفيفها. ـ وقيل : كلّ صواب ، أهل المدينة يثقلونها ، وأهل العراق يخففونها. راجع معجم البلدان ٢ / ٢٢٩.

٣٠٩
٣١٠

(سورة الحجرات) (١)

(لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ). (١)

لا تتقدموا ، كما يقال : عجل في الأمر وتعجّل (٢).

وقيل : معناه : تقدّموا أمرا على ما أمركم الله به ، فحذف المفعول.

(أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ). (٢)

بمعنى : فتحبط أعمالكم.

أو معناه : أن لا تحبط. أي : لئلا تحبط.

الإحباط في الحسنات في مقابلة الغفران للسيئات ، فكما أنّ المغفرة تستر الذنوب حتى كأنها لم تكن ، فكذلك يعمل الإحباط بالطاعات.

(امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى). (٣)

أخلصها.

قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : أذهب الشهوات عنها.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحجرات بالمدينة.

(٢) أخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن الزبير قال : قدم ركب من بني تميم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال أبو بكر : أمّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : بل أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، فقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) حتى انقضت الآية. انظر فتح الباري ٨ / ٥٩٠ ، والنسائي ٨ / ٢٢٦.

٣١١

(مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ). (٤)

الحجرات والحجرات كلاهما جمع حجرة.

ويجوز أن تجمع حجرة على حجر ثم الحجرات جمعها.

وذكر الفرزدق هذه الحجرات ، وعنى بها بني هاشم فقال :

١٠٦١ ـ أما كان عباد كفيا لدارم

بلى ولأبيات بها الحجرات (١)

(لَعَنِتُّمْ). (٧)

للقيتم مشقة. هذا أصله ، ثم لفظ المفسرين مختلف.

أثمتم. عن مقاتل.

وهلكتم. عن مجاهد.

وحرجتم. عن الكلبي.

(حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ). (٩)

ترجع إلى الصلح الذي أمر الله به.

وقيل : ترجع إلى كتاب الله.

(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ). (١٠)

__________________

(١) البيت ليس في ديوانه وليس له بل هو لرجل من الحبطات. وهو في الكامل ١ / ٤٠ ؛ ومجاز القرآن ٢ / ٢١٩ ولم يعرف نسبته المحقق ؛ وتفسير الطبري ٢٦ / ٦٩. روي أنّ الفرزدق بلغه أن رجلا من الحبطات خطب امرأة من بني دارم فقال :

بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع

وتخطب في أكفائها الحبطات

ولا يدرك الغايات إلا جيادها

ولا تستطيع الجلّة البكرات

فقال رجل من الحبطات يجيبه :

أما كان عبّاد كفيا لدارم

بلى ولأبيات بها الحجرات

وعبّاد هو بن الحصين الحبطي. قال عنه الحسن : ما رأيت رجلا يعدّ بألف فارس حتى رأيت عبّادا ليلة كابل. راجع عيار الشعر ص ١٥٢ ؛ وديوان الفرزدق ص ٩٩.

٣١٢

لفظها التثنية ومعناها الجماعة.

أي : كلّ اثنين فصاعدا من المسلمين إذا اقتتلا فأصلحوا بينهما ، ففيه جاء لفظ التثنية يراد به الجماعة ، ولفظ الإضافة بمعنى الجنس. فكلاهما جاء.

نحو : [لبّيك وسعديك](١) ، فليس المراد إجابتين ولا إسعادين ، ولكن معناه كما قال الخليل : أي : كلما كنت في أمر فدعوتني له أجبتك إليه وساعدتك عليه.

ومنه قول جرير :

١٠٦٢ ـ وما أنت إن قرما تميم تساميا

أخا اليتم إلا كالو شيظة في العظم

١٠٦٣ ـ ولو كنت مولى العزّ أو في ظلاله

ظلمت ولكن لا يديّ لك بالظلم (٢)

ومعلوم أنه لا ينفي قوتين اثنتين وإنّما ينفي جميع قواه.

وكذلك قوله :

(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ)(٣).

فإنّ نعم الله أكثر من أن تحصى.

وفي شعر الهذليين :

١٠٦٤ ـ إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله

دو اليك حتى ليس للبرد لابس (٤)

أي : مداولة ، كما قال العجّاج :

١٠٦٥ ـ ضربا هذا ذيك وطعنا وخصا (٥)

 ...............

__________________

(١) شطر من حديث أخرجه البخاري ٣ / ٣٢٤ ؛ ومسلم برقم ١١٨٤.

(٢) البيتان للفرزدق لا لجرير. وهما في ديوانه ص ٨٢٥ ؛ وطبقات الشعراء ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٣٥٨ ؛ والأغاني ١٩ / ١٢. والثاني في غريب الحديث للخطابي ١ / ٧٠٧ ولم ينسبه المحقق.

(٣) سورة المائدة : آية ٦٤.

(٤) البيت ليس في ديوان الهذليين ، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس. وهو في خزانة الأدب ٢ / ٩٩ ؛ وكتاب سيبويه ١ / ١٧٥ ؛ والخصائص ٣ / ٤٥ ؛ وابن يعيش ١ / ١١٩ ؛ وديوان سحيم ص ١٦.

(٥) الرجز في خزانة الأدب ٢ / ١٠٦ ؛ ومجالس ثعلب ص ١٣٠ ؛ والأفعال للسرقسطي ٤ / ٢٦٣.

٣١٣

أي : هذّا بعد هذّ لا هذين اثنين.

ـ وأمّا إفادة المضاف لمعنى الجنس فكقولهم : [منعت العراق قفيزها ودرهمها](١).

أي : قفزانها ودراهمها.

وكذلك قوله : (بَلْ يَداهُ)(٢).

(لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ). (١١)

الرجال خاصة ، كما قال زهير :

١٠٦٦ ـ وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حضن أم نساء (٣)

(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ).

لا تعيبوا إخوانكم.

قال المبرد : اللمز باللسان وبالإشارة. والهمز بالإشارة لا باللسان.

وقال ثعلب : الهمز في الوجه ، واللمز في القفا ، وأنشد :

١٠٦٧ ـ إذا لقيتك عن شحط تكاشرني

وإن تغيّبت كنت الهامز اللمزه (٤)

__________________

(١) هذا حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس من قولهم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [(منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبّها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم)]. الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في باب : لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من الذهب. راجع صحيح مسلم ٤ / ٢٢٢٠ ـ ٢٢٢١ ؛ وعقد الدرر في أخبار المنتظر ص ١٦٣.

(٢) (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) الآية ٦٤ من سورة المائدة.

(٣) البيت في ديوانه ص ١٢ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٧٣ ؛ والاشتقاق لابن دريد ص ٤٦.

(٤) البيت لزياد الأعجم ، ويروى شطره الأول : [تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا] والروايتان في مجاز القرآن ١ / ٦٣ ، ٢ / ٣١١. وهو في تفسير الطبري ١٠ / ٩٥ ؛ وتفسير القرطبي ٢٠ / ١٨٢ ؛ واللسان مادة : همز.

٣١٤

(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ).

قيل : إنّ النبز هو اللقب الثابت.

وقيل : القذف بالقبيح الذي يثلم العرض (١).

وهذا أصح لأنّ النهي عن التنابز لا عن الألقاب ، مثل ألقاب الملوك ، وهذا كالقول : لا تراموا بالحجارة. لا يكون نهيا عن البناء بالحجارة.

(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ). (١٢)

قيل : إنه ظنّ السوء لما يوقع صاحبه فيه من الاهتمام في نفسه ، وإلحاق الضرر بغيره. كما قيل : الحسن الظنّ مستريح ، يغتمّ من ظنّه قبيح.

وقيل : إنه الظن في موضع إمكان العلم ، وإلا فالظنّ في موضع العلم كالعلم ، ولهذا قال :

(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِ).

وقال بلعاء بن قيس في الظن الصائب :

١٠٦٨ ـ وأبغي صواب الظنّ أعلم أنّه

إذا طاش ظنّ المرء طاشت مقادره (٢)

وقال أبو الفضة :

١٠٦٩ ـ فإن لا يأتكم خبر يقين

فإنّ الظنّ ينقص أو يزيد (٣)

وقال البرجمي :

__________________

(١) عن الحسن قال : كان اليهودي يسلم ، فيقال له : يا يهودي ، فنهوا عن ذلك.

(٢) البيت في الحيوان ٣ / ٦٠ ؛ والتذكرة السعدية ص ٢٥١ ؛ وبهجة المجالس ١ / ٤١٩ ؛ وعيون الأخبار ٢ / ٣٥.

(٣) البيت في الحيوان ٣ / ٦٠. وأبو الفضّة كنية المسيّب بن علس ، واسمه زهير.

٣١٥

١٠٧٠ ـ وفي الشكّ تفريط وفي الحزم قوّة

ويخطىء في الظنّ الفتى ويصيب (١)

(وَلا تَجَسَّسُوا).

لا تتبعوا عورات الناس.

وقيل : لا تبحثوا عما خفي ، كما قال الشاعر :

١٠٧١ ـ تجنّبت سعدى أن تشيد بذكرها

أذا زرت سعدى الكاشح المتجسس (٢)

(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ). (١٢)

أي : كما يكره لحم أخيه الميت بطبعه ينبغي أن يكره اغتيابه بعقله ، بل أولى لأنّ داعية الطبع عمياء جاهلة ، وداعية العقل بصيرة عالمة.

وفي معناه للمقنّع الكندي :

١٠٧٢ ـ إذا ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهم

وإن هم هووا غيّي هويت لهم رشدا

١٠٧٣ ـ وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا (٣)

(وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا). (١٣)

__________________

(١) البيت لضابىء بن الحارث البرجمي. وهو في الحماسة البصرية ١ / ٥٧ ؛ والتذكرة السعدية ص ٢٤٤ ؛ وبهجة المجالس ٢ / ٣٦٦ ؛ والزهرة ١ / ١٣٢ ؛ والأصمعيات ص ١٨٤ ؛ واللسان مادة قير.

(٢) البيت في تفسير الماوردي ٤ / ٧٥ من غير نسبة ؛ وغريب الحديث للخطابي ١ / ٨٤. يروى [المتحسس] بالحاء وبالجيم.

(٣) البيتان في الحماسة البصرية ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ؛ وشرح مقامات الحريري ١ / ٥١ ؛ والتذكرة السعدية ص ١٩١ ؛ وشرح الحماسة للتبريزي ٣ / ١٠٠.

٣١٦

نبّه تعالى على علّة اختلاف القبائل أنها للتعارف لا للتفاخر (١).

والشعوب : جمع شعب ، وهو اسم الجنس لأنواع الأحياء ، ثم أخصّ منها القبائل ، ثم العماير ، ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل ثم العشائر.

فالشعب مثل مضر ، والقبيلة مثل كنانة ، والعمارة والبطن مثل هاشم ، والفخذ مثل بني المطلب ، والفصيلة مثل العلوية والعباسية ، والعشيرة مثل الحسنيّة ، والحسينية.

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا). (١٤)

معناه : أنّهم وإن صاروا ذوي سلم وخرجوا من أن يكونوا حربا بإظهار الشهادتين فإنهم لم يصدقوا ولم يثقوا بما دخلوا فيه.

فكان الإسلام من السّلم ، والإيمان من الثقة والتصدق.

(لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ). (١٤)

لا يلتكم ولا يألتكم.

يقال : ألت يألت ألتا ، وولت يلت ولتا ، ولات يليت ليتا ، وألت يؤلت إيلاتا. ومنه : ليت للتمني. لأنها تقال عند التّقاص.

المراد فمعناها : لا ينقصكم ولا يظلمكم من أعمالكم شيئا (٢).

* * *

__________________

(١) أخرج البيهقي وابن المنذر عن الزهري قال : أمر رسول الله بني بياضة أن يزوّجوا أبا هند امرأة منهم ، فقالوا : يا رسول الله أنزوّج بناتنا موالينا؟ فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) الآية. قال الزهري : نزلت في أبي هند خاصة ، قال : وكان أبو هند حجّام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : (لا يَلِتْكُمْ)؟ قال : لا ينقصكم بلغة بني عبس. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الحطيئة العبسي :

[أبلغ سراة بني ثعل مغلغلة

جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا]

٣١٧
٣١٨

(سورة ق) (١)

(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ). (١)

جوابه محذوف.

وقيل : ليبعثنّ ، بدليل قوله : «أإذا متنا وكنّا ترابا ذلك رجع بعيد» (٢).

وقيل : إنك رسول الله ، بدليل قوله تعالى : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ)(٣).

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ). (٤)

أي : من يموت منهم.

وقيل : علمنا الأجزاء التي تأكل الأرض منهم.

قال أرطاة بن سهية :

١٠٧٤ ـ رأيت المرء تأكله الليالي

كأكل الأرض ساقطة الحديد

١٠٧٥ ـ وما تجد المنية حين تأتي

على نفس ابن آدم من مزيد (٤)

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة (ق) بمكة. ـ وأخرج أحمد ومسلم عن أم هشام ابنة حارثة قالت : ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان يقرأ بها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس.

(٢) سورة ق : آية ٣.

(٣) سورة ق : آية ٢.

(٤) البيتان لأرطاة بن سهية ، وفي المخطوطة [بن شهب] وهو تصحيف. وهما في شرح مقامات الحريري ٢ / ٦٥ ؛ والصناعتين ص ١٦٥ ؛ وعيار الشعر ص ١٢٧. ـ

٣١٩

(فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ). (٥)

مختلف مختلط (١).

(وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ). (٦)

شقوق وفتوق.

(وَحَبَّ الْحَصِيدِ). (٩)

كل ما يحصد من الحبوب ، ومثل هذه الإضافة قول ذي الرّمة :

١٠٧٦ ـ والقرط في حرّة الذّفرى معلّقة

تباعد الحبل منه فهو يضطرب (٢)

أي : في أذن حرّة الذفرى.

__________________

ـ دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان فقال له : كيف حالك يا أرطاة؟ قال ـ وقد كان أسن ـ : ضعفت أوصالي وضاع مالي ، وقلّ مني ما كنت أحبّ كثرته ، وكثر مني ما كنت أحبّ قلّته ، قال : فكيف أنت في شعرك؟ فقال : والله يا أمير المؤمنين ما أطرب ولا أغضب ولا أرغب ولا أرهب ، وما يكون الشعر إلا من نتائج هذه الأربع ، وعلى أني القائل :

رأيت المرء تأكله الليالي

كأكل الأرض ساقطة الحديد

وما تبغي المنية حين تأتي

على نفس ابن آدم من مزيد

وأعلم أنها ستكرّ حتى

توفي نذرها بأبي الوليد

فارتاع عبد الملك ، ثم قال : بل توفي نذرها بك ، فقال : لا ترع يا أمير المؤمنين فإنما عنيت نفسي ، وكان يكنى أبا الوليد ، فسكن عبد الملك ثم استعبر باكيا وقال : أما والله لتلمنّ بي. راجع الأغاني ١١ / ١٣٤ ـ ١٣٥.

(١) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : (فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ، قال : مختلط ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :

فجالت فالتمست به حشاها

فخرّ كأنه خوط مريج

خوط مريج : غصن له شعب قصار قد التبست.

(٢) البيت في الموازنة ص ١٣٩ ؛ والجمهرة ١ / ١٧٨ ؛ وديوانه ص ١٠ ؛ والاشتقاق لابن دريد ص ٥١.

٣٢٠