وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً). (٧٣)

أمما.

وقيل : أفواجا (١).

(وَفُتِحَتْ أَبْوابُها).

واو الحال (٢).

أي : تجدونها عند المجيء مفتحة الأبواب.

وأمّا النار فإنها مغلقة لا تفتح إلا عند دخولهم فيها.

(وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ). (٧٤)

أي : أرض الجنّة.

(نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ).

أي : من منازلهم التي هي لهم ، لأنهم مصروفون عن إرادة غيرها.

(حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ). (٧٥)

محدقين محيطين.

* * *

__________________

ـ القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت ، أزمتها الدر برحائل السندس والإستبرق ، نمارها ألين من الحرير ، مدّ خطاها مدّ أبصار الرجل ، يسيرون في الجنة يقولون عند طول البرهة : انطلقوا بنا إلى ربنا ننظر كيف يقضي بين خلقه ، يضحك إليهم إلهي ، وإذا ضحك إلى عبد في مواطن فلا حساب عليه.

(١) أخرج أحمد والبخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أولّ زمرة يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على صورة أشد كوكب دريّ في السماء إضاءة. انظر : فتح الباري ٦ / ٢٦٠ ، باب بدء الخلق ؛ ومسلم ٢٨٣٤ ؛ والمسند ٢ / ٢٣٠.

(٢) راجع ما كتبنا في ذلك في سورة الكهف عند قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ٢ / ٢٦.

٢٦١
٢٦٢

(سورة حم المؤمن) (١)

(وَقابِلِ التَّوْبِ). (٣)

يجوز جمع توبة ، ويجوز مصدرا مثل توبة.

(لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ). (١٠)

في الخبر : [إن أهل النار يمقتون أنفسهم ، ويقولون : قد مقتنا أنفسنا ، فيقال لهم : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ)](٢).

ـ وعند البصريين هذه لام الابتداء.

وعند الكوفيين لام اليمين ، تدخل على مثل الحكاية.

(يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ). (١٥)

أي : الوحي.

وقيل : يرسل جبريل إلى من يشاء من عباده.

(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ). (١٦)

يقوله بين النفختين.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : أنزلت الحواميم السبع بمكة. ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : الحواميم ديباج القرآن.

(٢) أخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال : إذا كان يوم القيامة فرأوا ما صاروا إليه مقتوا أنفسهم ، فقيل لهم : لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم.

٢٦٣

وقيل : في القيامة. فيجيبه الخلائق طرّا : (١)

(لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).

(يَوْمَ الْآزِفَةِ). (١٨)

يوم القيامة.

وقيل : يوم الموت الذي هو قريب.

(كاظِمِينَ). (١٩)

ساكتين مغتمّين.

وقيل : ممسكين لحناجرهم. من : كظم القربة.

(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ).

قيل : هي مسارقة النظر.

وقيل : إنها النظر إلى ما نهي عنه.

كأنّ التقدير : يعلم الأعين الخائنة.

(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا). (٤٦)

يجدّد جلودهم في النار غدّوا وعشية ، ولا غدوة ولا عشية هناك ، ولكنه بمقادير الساعات في الدنيا.

(وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى). (٦٧)

أي : ليبلغ كلّ منكم أجله ، من طال عمره ومن قصر.

(بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً). (٧٤)

هذا كقولك : ما أنت في شيء.

* * *

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله عليها قط ، ولم يخطأ فيها ، فأول ما يتكلم أن ينادي مناد : لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار ، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إنّ الله سريع الحساب. فأول ما يبدأون به من الخصومات الدماء.

٢٦٤

(سورة حم السجدة) (١)

(فصّلت)

(فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ). (٤)

لا يقبلون. قال المخزومي :

١٠٢٨ ـ وخلّ كنت عين النّصح منه

ومستمعا لما يهوى سميعا

١٠٢٩ ـ أطاف بغيّة فنهيت عنها

وقلت له : أرى أمرا شنيعا (٢)

فجمع بين المستمع والسميع ، فكان أحدهما غير صاحبه.

(خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ). (٩)

ثم قال : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ). (١٠)

أي : الإكمال والإتمام في أربعة.

(لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). (٨)

غير منقوص.

(وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها).

نباتها وأشجارها حتى أنهارها وثمارها.

وقيل : جعل في كلّ أرض ما ليس في الأخرى.

(أَتَيْنا طائِعِينَ).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت حم السجدة بمكة.

(٢) البيتان في ديوانه ص ٢٤٨ ؛ والحيوان ٣ / ٦١.

٢٦٥

أي : لم يمتنع عليه تكونهما ، وكانتا كما أراد.

أو : لو كان إجابتهما بكلام لكان بهذا القول : (أَتَيْنا طائِعِينَ).

وقد مضى شواهده ونظائره.

(فَقَضاهُنَ). (١٢)

أحكم خلقهنّ. قال الهذلي :

١٠٣٠ ـ وكلاهما في كفّه يزنيّة

فيها سنان كالمنارة أصلع

١٠٣١ ـ وعليهما مأذيّتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبّع (١)

(أَتَيْنا طائِعِينَ) جمعت جمع العقلاء ؛ لأنها أخبرت عنها وعمن يكون فيها من العباد المؤمنين.

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً). (١٦)

ريح صرصر : باردة ، وكانت الدّبور.

(فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ).

بكسر الحاء (٢) ، صفة مثل : حذر وفزع.

وأبو عمرو يعترض عليه من جهتين :

إحداهما ـ بأنه لم يسمع : نحس ينحس ، حتى تبنى منه الصفة.

والثاني ـ أنّه لا يضاف إلى الصفة. وقد قيل : يوم نحس.

فالأولى أن يكون مصدرا ، ثم يجمع على نحسات ، ساكنة الحاء ، لاختلاف أنواع النحس ومرّاته ، كما يقال : ضربات وقعدات.

وذهب ابن بحر :

أنّ نحسات هي الباردات ، والنحس : البرد.

__________________

(١) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي. وهما في شرح أشعار الهذليين ١ / ٣٨ ـ ٣٩. يزنيّة : منسوبة إلى ذي يزن ، وهو أول من عملت له الأسنّة.

(٢) وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف. وقرأ الباقي بسكون الحاء. انظر الإتحاف ص ٣٨٠.

٢٦٦

كأنّه يتحاشى ما يقوله أصحاب التنجيم : من سعادة الأيام ونحوسها (١).

(فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ). (١٧)

صاعقة : صيحة جبريل.

(حَتَّى إِذا ما جاؤُها). (٢٠)

قال المغربي (٢) : «ما» إذا جاءت بعد «إذا» أفاد معنى «قد» في تحقيق وقوع الفعل الماضي.

(فَهُمْ يُوزَعُونَ). (١٩)

يدفعون.

وقيل : يحبس أولهم على آخرهم.

(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ). (٢١)

كناية عن الفروج.

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ).

خلّينا بينهم وبينهم.

(فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ). (٢٥)

__________________

(١) وردت الأحاديث في هذا المعنى ، فمن ذلك ما أخرجه ابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال لي جبريل : اقض باليمين مع الشاهد ، وقال : يوم الأربعاء يوم نحس مستمر. وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الأيام ، وسئل عن يوم الأربعاء؟ قال : يوم نحس ، قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال : أغرق فيه الله فرعون وقومه ، وأهلك عادا وثمود. وهي أحاديث ضعيفة.

(٢) هو أبو عبد الله الزبيدي المغربي ، ذكره ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد عرضا ، له كتاب «أخبار أهل الأدب». راجع ذيل تاريخ بغداد ١٩ / ٧٣.

٢٦٧

زيّنوا لهم الدّنيا ، وهوّنوا عليهم المعاصي.

(وَما خَلْفَهُمْ).

ما أنسوهم من الآخرة وأذهلوهم عنها.

(وَالْغَوْا فِيهِ). (٢٦)

لغا يلغو ويلغي لغا ولغوا : إذا خلط الكلام فيما لا يفهم ولا يفيد.

وقيل : إنّ لغى بمعنى تكلّم فقط ، سواء كان تخليطا أو بيانا وتفصيلا.

ومنه : اللغة ، فعلة من : لغوت ، مثل : كرة وثبة ، لأنّ الثبة كأنها مقلوب : ثاب يثوب ، فيكون المعنى : تكلّموا فيه بالردّ والاعتراض.

(لا تَسْمَعُوا).

لا تقبلوا.

(أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا). (٢٩)

إبليس وقابيل ، فهما اللذان سنّا الفساد وبدءا به.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا). (٣٠)

جمعت جميع الخيرات ، وانتظمت كلّ الطاعات ، مع فرط إيجازها (١).

(أَلَّا تَخافُوا).

أي : ما أمامكم.

(وَلا تَحْزَنُوا).

__________________

(١) أخرج الترمذي والنسائي عن رجل من الصحابة قال : قرأ علينا رسول الله هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) قال : قد قالها ناس من الناس ، ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها. انظر عارضة الأحوذي ١٢ / ١٣٠.

٢٦٨

على ما خلّفتم من الأسباب.

(لَهُمُ الْبُشْرى)(١).

يبشّرون في ثلاثة مواضع : عند الموت ، وفي القبر ، ويوم البعث.

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (٣٤)

التبسم عند اللقاء ، والابتداء بالسّلام.

(وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا). (٣٥)

أي : دفع السيئة بالحسنة.

(وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)

أي : في الدين والعقل.

(وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ). (٣٧) سجدة

غلب تأنيث اسم الشمس تذكير غيرها لأنها أعظم.

(تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً). (٣٩)

غبراء متهشّمة (٢).

(ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ). (٤٣)

قيل لهم ولك :

(إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ)(٣).

__________________

(١) قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) هذه الآية من سورة يونس رقم ٦٤ ، وقد أتى بها المؤلف ههنا ، وإنما الآية ههنا : (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

(٢) وهذا القول مروي عن قتادة ، وأخرجه عنه عبد الرزاق وعبد بن حميد.

(٣) وعن قتادة في الآية قال : تعزية.

٢٦٩

(ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ). (٤٤)

أي : لو جعلنا هذا القرآن أعجميا لقالوا على وجه الإنكار : أكتاب أعجميّ وقوم عرب.

(يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)

لقلّة أفهامهم. أو : لبعد إجابتهم.

(آذَنَّاكَ). (٤٧)

أعلمناك.

(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ).

كلّ من سئل عنها قال : الله أعلم.

ـ الجزء الخامس والعشرون ـ

(ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ). (٤٨)

من محيد.

(فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ). (٥١)

كلّ عرض له طول ، فقد تضمّن المعنيين ، ولأنّه على مجانسة صدر الآية :

(أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ).

ومثله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(١).

وقوله تعالى : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ)(٢) ، وقوله : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ)(٣).

وقوله تعالى : (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ)(٤).

__________________

(١) سورة الروم : آية ٤٣.

(٢) سورة يوسف : آية ٨٤.

(٣) سورة الرحمن : آية ٥٤.

(٤) سورة النمل : آية ٤٤.

٢٧٠

وقوله تعالى : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي)(١).

وقوله تعالى : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)(٢).

وقوله تعالى : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٣).

وقوله تعالى : (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)(٤).

(آياتِنا فِي الْآفاقِ). (٥٣)

بالصواعق.

وقيل : بظهور ما لا يعهد في السماء من الكواكب ذوات الأذناب والذوائب وغيرها.

(وَفِي أَنْفُسِهِمْ).

بالأمراض والأسقام.

* * *

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٣١.

(٢) سورة الشعراء : آية ١٦٨.

(٣) سورة الواقعة : آية ٨٩.

(٤) سورة يونس : آية ١٠٧.

٢٧١
٢٧٢

(سورة حم عسق) (١)

(الشورى)

(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ). (٥)

أي : تكاد القيامة تقام ، والعذاب يعجل لهم.

(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ).

أي : ليدفع عذاب الاستئصال عنهم كيلا يهلك المؤمنون مع الكافرين.

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). (١١)

قال المغربي : المراد به : أنّه لا مثل له ولا ما يقاربه في المماثلة.

وهذا مفهوم في قول الناس ، يقولون : هو كزيد ، إذا أرادوا التشبيه المقارب.

وإذا أرادوا أبعد منه قالوا : هو كأنّه زيد. كما قال الهذلي :

١٠٣٢ ـ فو الله لا ألقى ابن عمّ كأنّه

نشيبة ما دام الحمام ينوح (٢)

أي : لا ألقى أخا يشبهه ولا شبها بعيدا.

ـ وقيل : إنّ مثلا بمعنى مثل ، كشبه وشبه.

__________________

(١) أخرج الطبراني بسند صحيح عن ميمونة قالت : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «حم عسق» فقال : يا ميمونة ، أتعرفين (حم عسق) ، لقد نسيت ما بين أولها وآخرها. قالت : فقرأتها ، فقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وهو في شرح أشعار الهذليين ١ / ١٣ ؛ واللسان : نوح.

٢٧٣

والمثل : الوصف. كقوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ)(١) ، أي : وصفها.

فيكون معنى الآية :

ليس كوصفه شيء. أي : ليس وصفه شيء.

وذكر القاضي كثير (٢) ـ رحمه‌الله ـ : إنّ الكاف أبلغ في نفي التشبيه.

وتقديره : أنّه لو قدّر له مثل في الوهم لم يكن لذلك المثل شبيه ، فكيف يكون لمن لا مثل له شبيه وشريك؟

وهذه المعاني أحسن من أن يطلق القول بزيادة الكاف ، وإن جاء ذلك في الشعر.

قال رؤبة :

١٠٣٣ ـ ..............

لواحق الأقراب فيها كالمقق (٣)

والمقق : الطول ، أي : فيها طول.

وعلى الخط القرآني في شعر الهذليين :

١٠٣٤ ـ فلا تجزعوا إنّا رجال كمثلكم

خدعنا ونحّتنا المنى والعواقب (٤)

__________________

(١) سورة محمد : آية ١٥.

(٢) هو كثير بن سهل ، أبو الفتح البتّي ، من أهل غزنة ، ورد بغداد فقرأ على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني ، وكان مقدّما في النحو والتصريف ، وصاحب ثروة أنفق أربعة آلاف دينار على أهل العلم ببغداد ، ثم رجع إلى غزنة. راجع الجواهر المضية ٣ / ٧١٦.

(٣) الرجز في لسان العرب مادة : مقق. قال ابن منظور : أراد فيها المقق ، فزاد الكاف كما قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). وهو في خزانة الأدب ١ / ٨٩ ؛ والمسائل العضديات ص ٢١٩ ؛ والمقتضب ٤ / ٤١٨ ، ولم ينسبه المحقق.

(٤) البيت لمالك بن خالد الخناعي الهذلي. وهو في شرح أشعار الهذليين ١ / ٤٥٨. وفي المخطوطة [تدعنا] بدل [خدعنا] وهو تصحيف.

٢٧٤

(يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) (١١)

أي : على هذا الخلق المشتمل عليكم وعلى أنعامكم.

(لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ). (١٥)

لا حجاج بعد الذي أو ضحناه من البينات وتصديتم لها بالعناد.

(وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ).

أي : في التبليغ والإعلام.

(وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها). (٢٠)

أي : نؤتيه كما نؤتي غيره ، لأنه يجاب إلى كلّ ما سأله (١).

(وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ). (٢١)

الكلمة التي سبقت في تأخير عذابهم.

(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ). (٢٧)

هذه الكلمة مع فرط إيجازها وقلة حروفها متضمّنة لمعاني أسفار من خطب وأشعار في حكمة تقدير الأرزاق ، وتضييق المعاش.

والجاحظ كثير الإلهام بها في كتبه ، وله فيها «رسالة» فريدة بديعة.

وقد أحسن الأعرابي الإلغاز عنها فقال :

١٠٣٥ ـ وفي البقل إن لم يدفع الله شرّه

شياطين ينزو بعضهم على بعض (٢)

ومثله قال الآخر :

١٠٣٦ ـ أصباهم من مطلع الفجر الصّبا

والغيث حلّ عقود كلّ صلاح (٣)

__________________

(١) أخرج أحمد والحاكم وصححه عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة ، والنصر والتمكين في الأرض ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب». المسند ٥ / ١٣٤ ، والمستدرك ٤ / ٣١١.

(٢) البيت في الكامل للمبرد ٢ / ٧٢ ؛ والصناعتين ص ٤٠٨ ؛ وربيع الأبرار ١ / ٢٧٩.

(٣) لم أجده.

٢٧٥

وقال آخر :

١٠٣٧ ـ أليس من البلاء وجيب قلبي

وإيضاعي الهموم مع النجوّ

١٠٣٨ ـ فأحزن أن يكون على صديق

وأفرح أن يكون على عدوّ (١)

أي : السحاب ، وهو النجوّ ، كما يفسره في الشرع إذا وقع بمكان بطر أهلها وبغوا ، فأخاف من ذلك على صديق ، وهو كالأصدقاء في كلام العرب.

(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ). (٣٥)

ويعلم بالنصب بإضمار «أن» (٢).

أي : وأن يعلم. والضمير للمجادلين.

والذين في موضع الرفع بالفاعل.

و«أن» مع الفاعل بمعنى المصدر ، فعطف على مصدر الفعل الأول ، وتقديره :

إن نشأ يكن الهلاك ، وعلم المجادلين أن لا محيص لهم.

وقيل : إنّ نصبه على الصرف من الجزم عطفا على قوله : (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ).

(وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ). (٣٨)

بأمرهم بترك الاختلاف ، والتوقّر على الائتلاف.

كقولك : أمرهم مرضي بينهم ، أي : لا يستأثر بعضهم على بعض.

__________________

(١) البيتان في شمس العلوم ١ / ١٧ من غير نسبة ، وهما لجميل بثينة ، وهما في اللسان مادة : نجو ١٥ / ٣٠٦. والنجو : السحاب ، وجمعه نجوّ.

(٢) قال أبو البقاء : قوله تعالى : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) يقرأ بالنصب على تقدير : وأن يعلم ؛ لأنه صرفه عن الجواب وعطفه على المعنى. ويقرأ بالكسر على أن يكون مجزوما حرّك لالتقاء الساكنين. ويقرأ بالرفع على الاستئناف.

٢٧٦

وأصل هذه الكلمة من الشّور (١) وهو العرض.

(يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ). (٤٥)

يسارقون النظر.

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً). (٥١)

قيل : إنّه داود عليه‌السلام ألقى في روعه ، ونفث في قلبه فزبر الزبور.

(أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(٢).

موسى عليه‌السلام.

(أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً).

جبريل إلى محمد عليهم‌السلام.

(رُوحاً مِنْ أَمْرِنا). (٥٢)

أي : القرآن.

* * *

__________________

(١) الشّور : عرض الشيء وإظهاره. وفي المخطوطة : الشرّ ، وهو تصحيف.

(٢) أخرج أبو يعلى والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٢٣٥ وضعّفه ، والطبراني عن سهل بن سعد وعبد الله بن عمرو بن العاص قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة ، ما يسمع من نفس من حسّ تلك الحجب إلا زهقت نفسه».

٢٧٧
٢٧٨

(سورة الزّخرف)

(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا). (٤)

أمّ الكتاب : اللوح المحفوظ (١).

(لَعَلِيٌ).

في أعلى طبقات البلاغة.

(حَكِيمٌ).

ناطق بالحكمة.

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً). (٥)

أي : أفنعرض عنكم ولا نوجب الحجة عليكم.

(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ).

و«أن» نصب إن كان التقدير : بأن كنتم ، أو : لأن كنتم.

(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ). (١٣)

على التذكير لأنّ الأنعام كالنّعم اسم جنس.

__________________

(١) أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنّ أول ما خلق الله من شيء القلم ، فأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، والكتاب عنده ، ثم قرأ : «وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم». انظر تفسير الطبري ٢٥ / ٤٨.

٢٧٩

(وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ).

مطيقين.

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً). (١٥)

نصيبا.

وقيل : الجزء البنات ، وهو قولهم : إنّ الملائكة بنات الله.

قال الشاعر :

١٠٣٩ ـ وإن أجزأت وهي مذكار فلا عجب

قد تجزء الحرّة المذكار أحيانا (١)

(إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ). (٢٦)

براء مصدر لا يثنى ولا يجمع.

و«برآء» على فعلاء جمع بريء.

(وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ). (٢٨)

أي : التوحيد والبراءة من الشرك.

(بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ). (٢٩)

أي : بلغ الإمتاع والإهمال مدّته ، فلم يبق إلا الإيمان أو العذاب.

(نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ). (٣٢)

أي ف : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ).

__________________

(١) البيت في الكشاف ٣ / ٤١٣ ؛ وشرح أبيات الكشاف ص ١٣٣ ؛ وروح المعاني ٢٥ / ٦٩. قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث ، وادّعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث ، وما هو إلا كذب على العرب ووضع مستحدث ، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه : أجزأت المرأة ، ثم صنعوا بيتا وبيتا. ـ وعن قتادة في الآية قال : عدلا.

٢٨٠