وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

(سورة ص) (١)

(ذِي الذِّكْرِ). (١)

ذي الشرف.

وقيل : ذكر ما قبله من أحاديث الأمم ، وأقاصيص الأنبياء عليهم‌السلام.

وقيل : ذكر ما فيه من جميع أغراض القرآن.

ـ وجواب القسم محذوف ليذهب فيه القلب إلى كلّ مذهب ، فيكون دليله أغزر وبحره أزخر.

وقيل : جوابه (كَمْ أَهْلَكْنا)(٢).

وقيل : (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ)(٣).

وقيل : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا). (٢)

و«بل» للإضراب عن الأول من غير إبطال.

(فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ). (٢)

في عزّة : حمية الجاهلية.

شقاق : خلاف وعداوة.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة (ص) بمكة.

(٢) سورة ص : آية ٣.

(٣) سورة ص : آية ١٤.

٢٤١

(وَلاتَ حِينَ مَناصٍ). (٣)

ليس حين.

ولا تعمل «لات» النصب إلا في الحين وحده ؛ لأنها مشبهة ب «ليس» ، فلا تقوى قوة المشبّه به.

قال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :

١٠٠٥ ـ يا بنيّ الهدى إليك لجاحيّ

قريش ولات حين لجاء

١٠٠٦ ـ حين ضاقت عليهم سعة الأر

ض وعاداهم إله السماء (١)

مناص : ملجأ. وقيل : مفرّ. قال :

١٠٠٧ ـ ولقد شهدت تغاؤرا

يوم اللقاء على أبوص

١٠٠٨ ـ إني لأروع ماجد

سمح الخلائق لا أنوص (٢)

(فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ). (٧)

ملة النصرانية لأنها آخر الملل.

وقال مجاهد : في ملة قريش.

(فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ). (١٠)

أي : أبواب السماء وطرقها ، فليأتوا منها بالوحي إلى من شاؤوا.

(مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ). (١١)

__________________

(١) البيتان في الروض الأنف ٤ / ١٠١ ، وهما منسوبان إلى ضرار بن الخطاب قالهما يوم فتخ المسلمون مكة يستعطف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قريش ، وهما في البداية والنهاية ٤ / ٢٩٥ ؛ وفتح الودود ص ٥٠٤.

(٢) البيتان لأبي دؤاد الإيادي. والأول في اللسان مادة : أبص ؛ والأفعال ١ / ٩٩. رجل أبص وأبوص : نشيط ، وكذلك الفرس. والنوص : الفرار. وفي المثل : البوص بالنوص. أي : النجاة بالفرار.

٢٤٢

بشّره الله بهزيمتهم ، فكانت يوم بدر.

(وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ). (١٢)

ذو الأبنية العالية كالجبال التي هي الأوتاد في الأرض.

وقيل : ذو الملك الثابت كثبوت ما يشدد بالأوتاد ، كما قال الأسود بن يعفر :

١٠٠٩ ـ ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة

في ظلّ ملك ثابت الأوتاد

١٠١٠ ـ فإذا النّعيم وكلّ ما يلهى به

يوما يصير إلى بلى ونفاد (١)

(ما لَها مِنْ فَواقٍ). (١٥)

بالفتح والضم (٢) ، مثل : غمار الناس وغمارهم.

وقيل : الفواق بالضم : ما بين الحلبتين ، مقدار ما يفوق اللبن فيه إلى الضرع ويجتمع.

والفواق : مصدر كالإضافة ، مثل : الجواب والإجابة.

فالأول يرجع إلى مقدار وقت الراحة ، والثاني إلى نفي الإفاقة عن الغشية.

ويحتمل المعنيين قول الهذلي :

١٠١١ ـ إذا ماتت من الدّنيا حياتي

فيا ليت القيامة عن فواق (٣)

وفي معنى الفواق بالضم قول الجعدي :

١٠١٢ ـ وبنو فزارة إنها

لا تلبث الحلب الحلائب (٤)

أي : لا تلبث الحلائب قدر حلب ناقة حتى نهزمهم.

__________________

(١) البيتان في المفضليات ص ٢١٧ ، وقد تقدما في ١ / ٣٧٢.

(٢) قرأ بالضم حمزة والكسائي وخلف ، والباقون بالفتح. الإتحاف ص ٣٧٢.

(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وهو في تفسير الماوردي ٣ / ٤٣٨.

(٤) البيت في اللسان مادة : حلب ، والحيوان ٦ / ٤٣٣ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٩٦٣.

٢٤٣

(عَجِّلْ لَنا قِطَّنا). (١٦)

ما كتبت لنا من الرزق.

وقيل : من الجنة ونعيمها.

وقيل : من العذاب (١).

وأصله القطع ، ومنه : قطّ القلم ، وما رأيته قطّ. أي : قطعا.

ثم سمّي الكتاب قطّا لأنه يقطع ثم يكتب. قال أمية بن أبي الصلت :

١٠١٣ ـ قوم لهم ساحة العراق وما

يجبى إليه والقط والقلم (٢)

(وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ). (١٧)

ذا القوة في الدين ، فكان يقوم نصف كلّ ليلة ، ويصوم نصف كلّ شهر.

(إِنَّهُ أَوَّابٌ).

مسبّح ، كقوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي)(٣) وكذلك قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ)(٤).

أي : مطيع له مسبّح معه.

(وَفَصْلَ الْخِطابِ). (٢٠)

__________________

(١) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا)؟ قال : القط : الجزاء. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الأعشى وهو يقول :

ولا الملك النعمان يوم لقيته

بإمّته يعطي القطوط ويأفق

(٢) البيت في اللسان مادة : قط ، وتفسير القرطبي ١٥ / ١٥٧ ؛ وتفسير الماوردي ٣ / ٤٣٩ ؛ والروض الأنف ١ / ٦٧ ؛ والأضداد لابن الأنباري ص ١٠٧.

(٣) سورة سبأ : آية ١٠.

(٤) سورة ص : آية ١٩.

٢٤٤

علم الحكم بين الناس كأنه قطع المخاطبة ، وفصل ما خاطب به بعض بعضا.

(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ). (٢١)

الخصم : يتناول العدد والواحد ، لأنّ لفظه لفظ المصدر ، والمصدر للجنس.

(إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ).

أتوه من أعلى سوره.

وقال : «تسوّروا» بلفظ الجمع ـ وهما اثنان ـ ، لأنّ الاثنين جمع في الحقيقة ، إذ الجمع ليس إلا ضمّ عدد إلى عدد.

(وَلا تُشْطِطْ). (٢٢)

أشطّ في الحكم : إذا عدل عن العدل متباعدا. من قولهم : شطت به النوى : أي : تباعدت.

قال الأحوص :

١٠١٤ ـ ألا يا لقوم قد أشطّت عواذلي

ويزعمن أن أودى بحقي باطلي (١)

* قد كثر اختلاف المفسرين في هذه الآيات ، وأوسطها طريقة ما ذكر في كتاب «عصمة الأنبياء» (٢) :

أنّ جماعة من أعدائه تسوّروا محرابه الذي يصلي فيه ، وقصدوه بسوء في وقت غفلته ، فلمّا رأوه متيقّظا انتقض عليهم تدبيرهم ، فاخترع بعضهم خصومة ، وأوهموه أنهم قصدوه لأجلها ، ففزع منهم ، فقالوا : لا بأس ، (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ* إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ).

__________________

(١) البيت في مجاز القرآن ٢ / ١٨٠ ؛ وتفسير الطبري ١٥ / ١٢٨ ؛ واللسان مادة : شطط وتفسير الماوردي ٣ / ٤٤٢.

(٢) الكتاب لأبي زيد البلخي ، أحمد بن سهل ، المتوفى سنة ٣٢٢ ه‍. انظر الوافي للصفدي ٦ / ٤١٠.

٢٤٥

فقال داود : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ).

أي : إن كان الأمر كما تقول. فحلم عنهم وصبر مع القدرة والأيد وشدة الملك.

(وَخَرَّ راكِعاً). (٢٤)

وقع من ركوعه إلى سجوده.

(وَأَنابَ).

إلى الله ، شكرا لما وفّقه له من الصبر والحلم ، واستغفر لذنوب القوم ، أو قال : اللهم اغفرلي ولهم.

وقوله تعالى :

(فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ). (٢٥)

أي : لأجله.

ويجوز أن يكون استغفاره على مذهب الصالحين إذا دهمهم مكروه رجعوا إلى أنفسهم ، وقالوا : إنما أخذنا بذنوبنا.

ـ وإن ثبت حديث أوريا ، فخطيئته خطبته على خطبته (١) ، أو استكثاره من النساء.

ـ وإن كانت القصة من الملكين كما يقوله القصّاص ، فلا بدّ أن يكون في كلامهما من المعاريض ما يبعد عن الكذب.

ولكن أستغني عن ذكرها إذا كان الغرض اقتصاص غيرها.

وعلى أنّهم لم يقولوا : نحن خصمان ، وإنما ذكر ذلك على طريقة المثل والسؤال ، فظنّ داود أنهم عرّضوا له بكثرة أزواجه ، وميله إلى شهوات الدنيا ، فاستغفر ربّه.

__________________

(١) وحديث أوريا أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم بسند ضعيف ، ولا يصح.

٢٤٦

(وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ). (٢٣)

غلبني ، قال الشاعر ـ أنشده المبرد ـ :

١٠١٥ ـ لقد علمت أمّ الصّبيّين أنني

إلى الضيف قوّام السّنات خروج

١٠١٦ ـ إذا المرغث العوجاء باتت يعزّها

على ضرعها ذو تومتين لهوج (١)

(إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ). (٣١)

الصافنات : الخيل القائمة على ثلاث قوائم ، الثانية رابعتها.

(فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي). (٣٢)

آثرت حبّ المال على ذكر ربي.

(فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ). (٣٣)

قيل : كواها في الأعناق والقوائم ، وجعلها حبيسا في سبيل الله ، مسوّمة بها ، كفارة لصلاته الفائتة.

وقيل : ذبحها وعرقبها وتصدّق بلحومها كفارة أيضا.

(حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ). (٣٢)

أي : الشمس ، وإن لم يجر لها ذكر ، كما قال لبيد :

١٠١٧ ـ حتى إذا ألقت يدا في كافر

وأجنّ عورات الثغور ظلامها (٢)

__________________

(١) البيتان لشبيب بن البرصاء وهو من قصيدته المفضلية. وهما في المفضليات ص ١٧٢ ؛ وطبقات فحول الشعراء ١ / ٧٣٢ ؛ والكامل للمبرد ١ / ٨٦ ؛ والنوادر ص ١٨٠. وقوله : قوّام السنات يريد : سريع الانتباه ، والسنة : شدة النعاس. والمرغث : المرضع ، ويعزّها : يغلبها ، ويروى [ذو ودعتين] بدل [ذو تومتين]. والثاني في كتاب الأفعال ٤ / ٢٦٣ ولم ينسبه المحقق.

(٢) البيت من معلّقته. وهو في ديوانه ص ١٧٦ وشرح المعلقات لابن النحاس ١ / ١٦٦ ؛ وتفسير القرطبي ١٥ / ١٩٦.

٢٤٧

(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ). (٣٤)

خلّصناه : وقيل : ابتليناه.

وسبب فتنته قربانه بعض نسائه في حالة الحيض ، عن الحسن (١).

وعن ابن المسيّب : احتجابه عن الناس ثلاثة أيام.

(وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً).

أي : ألقيناه ، لأنه مرض فكان على كرسيه كالجسد الملقى.

وتفسير النقاش : ولد له شق إنسان فألقي على كرسيه ميتا (٢).

ـ وعن ابن عباس : أنه كان على شاطىء البحر يعبث بخاتمه ، فوقع في البحر ، ثمّ بعد أربعين يوما من زوال أمره أخذ سمكة أجرا على عمله ، فوجد الخاتم في جوفها ، فأناب إلى ملكه.

وعلى القول الأول : أناب إلى الصحة.

(وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي). (٣٥)

لا ينبغي : لا يكون. قال ابن أحمر :

__________________

(١) أخرج الحكيم الترمذي والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً قال : هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوما. وكان لسليمان عليه‌السلام امرأة يقال له جرادة ، وكان بين بعض أهلها وبين قومه خصومة ، فقضى بينهم بالحق إلا أنه ودّ أن الحق كان لأهلها ، فأوحى الله تعالى إليه : إنه سيصيبك بلاء ، فكان لا يدري يأتيه من السماء أم من الأرض. المستدرك ٢ / ٢٣٤.

(٢) أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ولد لسليمان ولد فقال للشيطان : تواريه من الموت؟ قالوا : نذهب به إلى المشرق. فقال : يصل إليه الموت. قالوا : فإلى المغرب. قال : يصل إليه. قالوا : إلى البحار ، قال يصل إليه الموت قال : نضعه بين السماء والأرض ، ونزل عليه ملك الموت فقال : إني أمرت بقبض نسمة طلبتها في البحار وطلبتها في تخوم الأرض فلم أصبها ، فبينا أنا صاعد أصبتها ، فقبضها وجاء جسده حتى وقع على كرسي سليمان فهو قول الله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ).

٢٤٨

١٠١٨ ـ في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة

لا ينبغي دونها سهل ولا جبل (١)

وإنما سأل هذا أن لا يسلب الملك مرّة ثانية.

وعلى القول الأول : إنه لما مرض عرض لقلبه زوال ملك الدنيا عنه إلى غيره ، فسأل ملك الآخرة.

(حَيْثُ أَصابَ). (٣٦)

قصد وأراد ، كما يقال : أصاب الصواب فأخطأ الجواب. قال بشر :

١٠١٩ ـ وغيّرها ما غيّر الناس قبلها

فبانت وحاجات الفؤاد يصيبها (٢)

(بِنُصْبٍ وَعَذابٍ). (٤١)

بضرّ.

والنّصب بالفتح (٣) : التعب.

وقيل : هما واحد كالضعف والضعف ، قال طرفة :

١٠٢٠ ـ من عائدي الليلة أم من نصيح

بت بنصب ففؤادي قريح (٤)

وإنما اشتكى أيوب وسوسة الشيطان لا المرض ، لقوله :

(إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً). (٤٤)

وقيل : إنّ الشيطان كان يوسوس إلى الناس أنّ داءه يعدي ، حتى أخرجوه واستقذروه وتركت امرأته تعهدها.

(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ). (٤٢)

حرّكها واضرب بها الأرض ، فضرب فنبعت عينان اغتسل في إحداهما فذهب ظاهر دائه ، وشرب من الأخرى فذهب باطن دائه.

__________________

(١) البيت في مجاز القرآن ٢ / ١٨٣ ؛ وتفسير الطبري ١٣ / ٩١ ؛ وتفسير القرطبي ١١ / ١٥٨ ؛ وديوان ابن أحمر ص ١٣٤.

(٢) البيت في معجم البلدان ٢ / ٢٤٨ ؛ وديوان بشر ص ١٣ ؛ وشرح المفضليات ص ٦٤٠ ؛ والزاهر ٢ / ٢٠٥.

(٣) وهي قراءة يعقوب.

(٤) البيت في ديوانه بشرح الشنتمري ص ١٤٤ ؛ ونقد الشعر ص ٧٨.

٢٤٩

(وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ). (٤٣)

كانوا مرضى فشفاهم.

وقيل : غائبين فردّهم.

وقيل : موتى فأحياهم.

(وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ).

الخول والمواشي.

وعن الحسن : وهب لهم من أولادهم مثلهم.

(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً). (٤٤)

جاءته بأكثر مما كانت تأتيه من خبز الخبز ، فخاف خيانتها.

وقيل : إنّ الشيطان وسوس لها ببعض التبرّم والكراهية لما قضى الله عليهم.

والضغث : الحزمة من الحشيش.

وقيل : عثكال النخل الجامع لشماريخه.

(أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ). (٤٥)

أي : القوى في العبادة والبصائر في الدين.

(بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ). (٤٦) (١)

إذا نوّنت الخالصة كانت (ذِكْرَى الدَّارِ) بدلا عنها. أي : أخلصناهم بذكر في الدار ، أو يكون خبر مبتدأ محذوف. أي : بخالصة هي ذكرى الدار.

وإذا لم تنوّن الخالصة كانت الخالصة صفة لموصوف محذوف. أي : بخصلة خالصة ذكرى الدار.

ويجوز أن يكون مصدرا. أو الخالصة بمعنى الخلوص ، والإضافة إلى الفاعل ، كما تقول : عجبت من ضرب زيد ، أي من أن ضرب زيد.

وتقديره : بخلوص ذكرى الدار لهم وهم في الدنيا.

__________________

(١) قرأ «خالصة ذكرى الدار» بغير تنوين نافع وهشام بخلفه ، والباقون بالتنوين. انظر الإتحاف ص ٣٧٣.

٢٥٠

وفي الخبر تفسير :

(أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ).

هي الكتب المنزلة التي فيها ذكرى الدار.

وعن مقاتل أخلصناهم بالنبوة ، وذكرى الدار : الآخرة والرجوع إلى الله عزوجل.

(فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ). (٥٧)

غساق بالتخفيف والتشديد لغتان ، ومعناهما : المنتن المظلم (١).

من : غسق الجرح : سال ، وغسق الليل : أظلم (٢).

والمشدّد : صفة لموصوف محذوف ، أي : وصديد غساق.

والمخفّف يجوز اسما كالشراب والنكال.

ويجوز مصدرا كالذّهاب والثبات ، ثم وصف بالمصدر ، أي : ذو غساق.

(وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ). (٥٨)

وعذاب آخر.

وأزواج نعت لشكله ، أو : لآخر.

فإنّ (آخَرُ) بمعنى الجنس أو العذاب يكون أنواعا في نفسه ، أو كل خرزة منه عذاب ، كما قال الشاعر :

١٠٢١ ـ أيا ليلة خرس الدجاج طويلة

ببغداد ما كادت عن الصّبح تنجلي (٣)

__________________

(١) أخرج أحمد والحاكم وصححه والترمذي عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أنّ دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا. المسند ٣ / ٨٣ ؛ والمستدرك ٤ / ٦٠٢.

(٢) أصل الغسق دخول أول الليل. ومن المجاز : غسقت العين : إذا أظلمت ودمعت ، ومنه الغساق ، وهو ما يسيل من جلودهم أسود ، وتقول : ألا إنّ بصدد الفسّاق تجرّع الصديد والغساق. راجع أساس البلاغة ص ٣٢٤.

(٣) البيت تقدّم ١ / ٥٤.

٢٥١

فقال : خرس الدجاج ، وإن كانت الليلة واحدة لأنه ذهب إلى الدجاج ، أو : جعل كلّ جزء من الليلة أخرس الدجاج.

و«من» متعلقة بالأزواج. أي : وعذاب آخر أزواج من شكله ، أي : شكل ما تقدّم ذكره ، ويجوز أن يتعلق بآخر.

أي : وعذاب آخر كائن من هذا الشكل ، ثم «أزواج» صفة بعد صفة.

(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ). (٥٩)

هم فوج بعد فوج يقتحمون النار.

وقال الحسن : الفوج الأول : بنو إبليس ، والثاني : بنو آدم.

وقيل : الأول الرؤساء ، والثاني : الأتباع.

(أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا). (٦٣)

على الاستفهام.

(أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ).

ولا نراهم وهم معنا.

وهذا من الاستفهام الذي معناه التعجب أو التوبيخ.

أي : كانوا من السقوط بحيث يسخر منهم ، فما لهم لم يدخلوا معنا النار؟

(لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ). (٧٥)

توليت خلقه بنفسي ، أو خلقته ، فتكون اليد بمعنى التأكيد والصلة كقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ)(١).

وقيل : خلقت بقوتي وقدرتي ، وتثنيتهما على هذا ليس بخارج عن عادة العرب ، كما قال :

__________________

(١) سورة الرحمن : آية ٢٧.

٢٥٢

١٠٢٢ ـ فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر

وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا (١)

وقال آخر :

١٠٢٣ ـ وقلت لصاحبي : لا تحبسانا

بنزع أصوله واجتزّ شيحا (٢)

(قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ). (٨٤)

الحقّ : نصبه مع التفسير فقدّمه.

أي : لأملأنّ جهنم حقا. والحق الأول اعتراض.

وكذلك من قال : إنه قسم ، والمقسم عليه : «لأملأنّ» كان : (وَالْحَقَّ أَقُولُ) أيضا اعتراضا.

وقيل : إنّه نصب على الإغراء. أي : فاتّبعوا الحقّ ، و (الْحَقَّ أَقُولُ) كلام آخر.

* * *

__________________

(١) البيت لسويد بن كراع العكلي. وهو في معاني الفراء ٣ / ٧٨ ؛ ولم ينسبه المحقق ؛ وتفسير القرطبي ١٧ / ١٦ ولم ينسبه المصحح ؛ وتأويل مشكل القرآن ص ٢٩١ ؛ وتفسير الطبري ١٦ / ١٠٣.

(٢) البيت لمضرس بن ربعي. وهو في معاني الفراء ٣ / ٧٨ ولم ينسبه المحقق ؛ والصاحبي ص ٨٠ ؛ وتأويل مشكل القرآن ص ٢٩١.

٢٥٣
٢٥٤

(سورة الزّمر) (١)

(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ). (٣)

ما لا رياء فيه من الطاعات.

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ).

أي : قالوا : ما نعبدهم ، فحذف.

(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ).

لا يهدي لحجّته.

وقيل : لثوابه.

(وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ). (٦)

تفسيرها في سورة الأنعام (٢).

(فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ).

ظلمة البطن ، وظلمة الرّحم ، وظلمة المشيمة.

__________________

(١) عن ابن عباس قالت : نزلت بمكة سورة الزمر سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ....)

(٢) راجع ١ / ٣٥٠.

٢٥٥

(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ)(١). (٩)

أدغمت «أم» في «من».

و«أم» قيل : إنها بمعنى بل ، أي : بل الذي هو قانت يحذر الآخرة.

وقيل : إنّها «أم» التي تعادل ألف الاستفهام ، وجوابه محذوف.

وتقديره : كمن هو غير قانت.

أو تقديره : أمّن جعل لله أندادا كمن هو قانت.

ـ ومن خفّف «أمن» لا ينبغي أن يقول : إنها ألف الاستفهام ؛ لأنه لا يستفهم بالألف في «من» إلا أن يكون بينهما واو أو فا ، كقوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ)(٢).

وقوله : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٣).

ويجوز أن تقول : ألف النداء.

أي : يا من هو قانت قل : هل يستوي.

وأنشد الأخطل :

١٠٢٤ ـ أبني أميّة إن أخذت كثيركم

دون الأنام لما أخذتم أكثر

١٠٢٥ ـ أبني أميّة لي مدائح فيكم

تنسون إن طال الزمان وتذكر (٤)

(قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ). (١٥)

__________________

(١) عن ابن عمر قال : نزلت في عثمان بن عفان. وعن ابن عباس قال : نزلت في ابن مسعود وعمار وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم.

(٢) سورة الزخرف : آية ١٨.

(٣) سورة الزمر : آية ٢٤.

(٤) البيتان ليسا في ديوانه ، وهما في الحماسة البصرية ٢ / ٣٩ ؛ والخالديين ١ / ١٨٦ ؛ وزهر الآداب ٣ / ٧٦٢.

٢٥٦

بإهلاكها في النار.

(وَأَهْلِيهِمْ).

بأن لا يجدوا في النار أهلا ، مثل ما يجد أهل الجنّة من الحور العين.

(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ). (١٦)

وهي الأطباق والسرادقات.

(وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ).

وهي الفرش والمهاد.

وإنّما سمّي ظللا وإن كانت من تحتهم ، لأنها ظلل من تحتهم.

(ثُمَّ يَهِيجُ). (٢١)

ييبس.

(ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً).

فتاتا متكسرا.

(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ). (٢٢)

أي : القاسية قلوبهم عن ذكر الله (١).

(كِتاباً مُتَشابِهاً). (٢٣)

يشبه بعضه بعضا.

(مَثانِيَ).

تثنى فيه أقاصيص الأنبياء وذكر الجنة والنار.

__________________

(١) أخرج الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإنّ أبعد الناس من الله القلب القاسي.

٢٥٧

وقيل : تثنّى في القراءة فلا تملّ.

(شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ). (٢٩)

متضايقون متعاسرون. من الخلق الشكس.

(وَرَجُلاً سَلَماً).

خالصا ليس لأحد فيه شركة ، ليوازي قوله : (رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ).

و (سَلَماً)(١) أيضا قريب من هذا المعنى.

وما هو من الصلح كما قال أبو عبيدة (٢) ، ولكنّه مصدر : سلم يسلم سلامة وسلما ، فوصف به أي : ذا سلم.

(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ). (٣٠)

الميّت : هو الحيوان الذي يموت.

والميت : من قد مات. كما نظمه الخليل :

١٠٢٦ ـ أيا سائلي إعراب ميت وميّت

فدونك قد فسّرت إن كنت تعقل

١٠٢٧ ـ فمن كان ذا روح فذلك ميّت

ولا ميت إلا من إلى القبر ينقل (٣)

وفي خطاب الرسول بهذا وجوه من الحكمة :

ـ ومن الحثّ على الطاعة ، والاستعداد للموت.

ـ ومن تسلية العالمين برسول الله.

ـ الجزء الرّابع والعشرون ـ

(وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها). (٤٢)

أي : يقبضها عن الحسّ والإدراك مع بقاء الأرواح في الأجساد.

__________________

(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب «سالما» ، والباقون «سَلَماً».

(٢) قال أبو عبيدة : «سالما» : خالصا ، و«سلما لرجل» أي : صلحا. انظر مجاز القرآن ٢ / ١٨٩.

(٣) البيتان في التحفة الخيرية على الفوائد الشنشورية ص ٩١ ؛ والموضح في التفسير ص ٣٦.

٢٥٨

(فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ).

أن تعود إلى الأجساد.

ـ قال عليّ رضي الله عنه : فالرؤيا : من النفس في السماء.

والأضغاث : منها بعد إرسالها ، قبل الاستقرار في الجسد يلقيها الشياطين.

وقال ابن عباس : بكل جسد نفس وروح ، فالله يقبض الأنفس في المنام دون الأرواح.

(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ). (٤٥)

اشمأزّت : انقبضت (١).

(إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ). (٤٩)

أي : سأصيبه.

وقيل : بعلم علمنيه الله.

وقيل : على علم يرضاه عني.

(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ). (٥٦)

لئلا تقول.

وقيل : كراهة أن تقول.

(يا حَسْرَتى).

الألف بدل ياء الإضافة ، لمدّ الصوت بها في الاستغاثة.

__________________

(١) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ)؟ قال : نفرت قلوب الكافرين من ذكر الله سبحانه وتعالى. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت عمرو بن كلثوم الثعلبي وهو يقول :

إذا عضّ الثقاف بها اشمأزت

وولّتهم عشوزنة زبونا

والثقاف : خشبة تصلح بها الرماح ، عشوزنة : صلبة ، الزبون : الدفيع.

٢٥٩

(فِي جَنْبِ اللهِ). (٦١)

ذات الله (١).

وقيل : في قرب ثوابه في الجنة (٢).

(لَمِنَ السَّاخِرِينَ).

أي : المستهزئين.

(وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ). (٦١)

بما فازوا به من الإرادة.

(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ). (٦٧)

في حكمه وتحت أمره ، يستبدلها بغيرها كما قال : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ)(٣).

(فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (٣). (٦٨)

مات.

وقيل : غشي عليهم.

(إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ).

أي : من الملائكة والشهداء (٤).

__________________

(١) راجع تفسير سورة يس عند قوله تعالى : (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ). ٢ / ٢١٣.

(٢) أخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّ أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : «لو أنّ الله هداني» فيكون عليه حسرة ، وكلّ أهل الجنة يرى مقعده من النار فيحمد الله فيكون له شكرا ، ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ). انظر المسند ٢ / ٥١٢ ، والمستدرك ٢ / ٤٣٥.

(٣) أخرج أبو يعلى والدار قطني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : سئل جبريل عن هذه الآية : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال : هم الشهداء مقلّدون بأسيافهم حول عرشه ، تتلقاهم الملائكة عليهم‌السلام يوم ـ

٢٦٠