وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

ألا ترى أنك تقول : أوردت عليه من الإرهاب ما مات عنده. أي : كاد يموت.

ومنه قول جرير :

٩١٧ ـ إنّ العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثمّ لا يحيين قتلانا

٩١٨ ـ يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به

وهنّ أضعف خلق الله أركانا (١)

أي : كدن يقتلننا ويصرعن.

(وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا). (١٠)

هذه الألف لبيان الحركة ، وكذلك في قوله : «الرسولا» (٢) و«السبيلا» (٣) ، لأنه لو وقف بالسكون لخفي إعراب الكلمة ، فيوقف بالألف كما يوقف بها في قوافي الشعر ، وكما تدخل الهاء لبيان الحركة في «ماليه» (٤) و«حسابيه» (٥).

(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ). (١٣)

وهم بنو سليم.

(يا أَهْلَ يَثْرِبَ).

وهي المدينة.

وقيل : المدينة بعض منها.

(يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ).

وهم بنو حارثة (٦).

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٤٥٢ ؛ والأغاني ٧ / ٣٥ ؛ والجليس الصالح ٢ / ٩١ ؛ وشرح مقامات الحريري ٢ / ١٨٤ ؛ وديوان المعاني ١ / ٧٦ ؛ ومصارع العشاق ٢ / ١٠.

(٢) الآية : (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) الأحزاب : ٦٦.

(٣) الآية : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) الأحزاب : آية ٦٧.

(٤) الآية : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) الحاقة : ٢٨.

(٥) الآية : (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) الحاقة : ٢٦.

(٦) عن ابن عباس قال : هم بنو حارثة قالوا : بيوتنا مخلية نخشى عليها السرق. أخرجه ابن جرير وابن مردويه والبيهقي.

١٨١

(ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ). (١٤)

الرجوع عن الدين.

(وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً). (١٤)

أي : عن الإجابة إلى الفتنة.

وقيل : وما تلبّثوا حتى يهلكوا.

(هَلُمَ). (١٨)

أصله : لمّ.

أي : لمّ بنا ، ثم دخلت عليها هاء التنبيه ، فصار : ها لمّ ، فحذفت الألف تخفيفا.

(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ). (١٩)

أي : بالخبر والمواساة.

(سَلَقُوكُمْ).

بلغوا في أذاكم بالكلام الموحش كلّ مبلغ.

(أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). (٢١)

أي : مواساة ومشاركة (١) ، إذ قاتل يوم أحد حتى يجرح ، وقتل عمّه وخاصته.

(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ). (٢٣)

أي : الموت. قال بشر بن أبي حازم :

__________________

(١) وأخرج مالك والشيخان عن سعيد بن يسار قال : كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما في طريق مكة فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ، فقال ابن عمر رضي الله عنه : أليس لك في رسول الله أسوة حسنة؟ قلت : بلى ، قال : فإنه كان يوتر على البعير. انظر : شرح الزرقاني للموطأ ١ / ٣٥٦ ، وفتح الباري كتاب الوتر ٢ / ٤٨٨ ، ومسلم ٣٥.

١٨٢

٩١٩ ـ قضى نحب الحياة وكلّ حيّ

إذا يدعى لميتته أجابا (١)

وقيل : قضى نذره.

ويجوز أن يكون نذر صدق القتال وحسن الغناء ، كما قال كعب بن مالك الأنصاري :

٩٢٠ ـ قضينا من تهامة كلّ نحب

وخيبر ثمّ أجممنا السّيوفا

٩٢١ ـ نخيّرها فلو نطقت لقالت

قواطعهنّ درسا أو ثقيفا (٢)

وقيل : (قَضى نَحْبَهُ) ، أي : قضى حاجته وبلغ هواه ، كما قال جرير :

٩٢٢ ـ بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا

عشية بسطام جرين على نحب (٣)

(وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ). (٢٥)

لمّا اشتد الخوف يوم الأحزاب أتى نعيم بن مسعود مسلما ، من غير أن علم قومه ، فقال عليه‌السلام : [إنما أنت فينا رجل واحد ، وإنما غناؤك أن تخادع عنا فالحرب خدعة](٤).

__________________

(١) البيت في تفسير الماوردي ٣ / ٣١٦ ؛ وديوان بشر ص ٢٧ ؛ ومختارات ابن الشجري ٢ / ٣٢ ؛ وفي المخطوطة [فبقي] بدل [قضى] وهو تصحيف.

(٢) البيتان في الإصابة ٣ / ٣٠٢ ؛ والاستيعاب ٣ / ٢٨٩ ؛ وزهر الآداب ١ / ٦٥ ؛ والروض الأنف ٤ / ١٤٨ ؛ والبداية والنهاية ٤ / ١٤٥. والأول في اللسان مادة : ريب ، وفي المخطوطة [قوالهن] بدل [قواطعهن] وهو تصحيف.

(٣) البيت في مجاز القرآن ٢ / ١٣٥ ؛ واللسان مادة : نحب ؛ وتفسير الطبري ٢١ / ٨٤ ؛ والروض الأنف ٣ / ٢٧٣ ؛ وديوانه ص ٥٤.

(٤) أخرج ابن ماجه عن عائشة أنها قالت : إنّ نعيم بن مسعود قال : يا نبيّ الله إني أسلمت ولم أعلم قومي بإسلامي فأمرني بما شئت ، فقال : إنما أنت فينا كرجل واحد فخادع إن شئت ، فإنما الحرب خدعة. راجع كشف الخفاء ١ / ٣٥٥ ؛ وسنن ابن ماجه ٢ / ٩٤٥. ـ وعن جابر بن عبد الله قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحرب خدعة. والخاء مثلثة. راجع فتح الباري ٦ / ١٥٨.

١٨٣

فخرج حتى أتى بني قريظة ـ وكان نديمهم ـ فذكّرهم ودّه ، وقال : إنّ قريشا وغطفان من الطارئين على بلادكم ، فإن وجدا فرصة وغنيمة أصابوها ، وإلا لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ، ولا قبل لكم به ، فلا تقاتلوهم حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم ليناجزوا القتال ، ثم أتى قريشا وغطفان فذكّرهم ودّه لهم فقال : بلغني أمر أنصحكم فيه فاكتموا عليّ ، إنّ معشر يهود ندموا وترضّوا محمدا على أن يأخذوا منكم أشرافا ويدفعوهم إليه ، ثم يكونون معه عليكم ، فوقع ذلك من القوم.

وأرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة : إنا لسنا بدار مقام ، وهلك الخفّ والحافر فلنناجز محمدا ، فطلبوا رهنا ، فقال قريش وغطفان : إن حديث نعيم لحق ، وتخاذل القوم ، واتّهم بعضهم بعضا ، [وكفى الله المؤمنين القتال].

(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ). (٢٦)

من حصونهم ، عن قتادة.

نزل جبريل ورسول الله في بيت زينب بنت جحش يغسل رأسه ، فقال : عفا الله عنك ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة ، فانبذ إلى بني قريظة ، فإني قطعت أوتارهم وقطعت أوتادهم ، وتركتهم في زلزال وبلبال ، فحاصرهم النبيّ عليه‌السلام ، ثم قتل مقاتليهم وسبى ذراريهم (١).

__________________

(١) أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) قال : هم بنو قريظة ، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه ، ونكثوا العهد الذي بينهم وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فبينما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه ـ وقد غسلت شقه ـ إذ أتاه جبريل عليه‌السلام فقال : عفا الله عنك ، ما وضعت الملائكة سلاحهم منذ أربعين ليلة ، فانهض إلى بني قريظة فإني قد قطعت أوتادهم ، وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال ... الخ. ـ

١٨٤

(إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها). (٢٨)

قال الحسن : تطلعت نفس بعض نسائه إلى الدنيا ، فنزلت الآية (١).

(يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ). (٣٠)

لأنّ النعمة عندهنّ بصحبة الرسول أعظم ، والحجة عليهنّ ألزم.

وقال أبو عمرو : أقرأ بالتشديد للتفسير بضعفين (٢) ، ولو كان مضاعفة لكان العذاب ثلاثا أو أكثر.

وبيّنه أبو عبيدة فقال : التضعيف : جعل الشيء ضعفين.

والمضاعفة : أن يجعل إلى الشيء شيئين حتى يكون ثلاثة (٣).

ـ الجزء الثاني والعشرون ـ

(فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ). (٣٢)

لا تليّنّه.

(وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً).

__________________

ـ وفي ذلك يقول الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظم المغازي :

ثمّ قريظة إليها جبرئيل

ولم يضع سلاحه استدعى رعيل

وقاده وزلزل الحصونا

وقذف الرّعب ولا يدرونا

ثم قال :

وحكّم النبيّ فيهم سعد الأوس

إذ غاظهم إطلاقه من كل بوس

وراودته قومه أن يحكما

بغير ما حكم فيهم فاحتمى

لدمهم خندق أفضل لؤي

ومعهم في كلّ كربة حييّ

 (١) أخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءها حين أمره الله أن يخيّر أزواجه ، قالت : فبدأ بي فقال : إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك ـ وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه ـ فقال : إنّ الله تعالى قال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ : إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ) ... إلى تمام الآيتين فقلت له : ففي أيّ هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، وفعل أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ما فعلت. انظر : فتح الباري ٨ / ٥٢٠ ؛ ومسلم ١٤٧٥. ـ والآية نزلت لما طلب نساء النبي الزيادة في النفقة.

(٢) قرأ أبو جعفر ويعقوب وأبو عمرو : «يضعّف» بتشديد العين وفتحها بلا ألف. الإتحاف ص ٣٥٥.

(٣) انظر مجاز القرآن ٢ / ١٣٧.

١٨٥

صحيحا غليظا غير مؤنس مطمع.

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ). (٣٣)

وقر يقر وقورا : إذا سكن واطمأنّ.

أي : كنّ ذوات وقار ، فلا تخفّفن بالخروج من البيوت.

ويجوز من : قرّ بالمكان يقرّ.

وكان : أقررن ، فتركوا حرفا من التضعيف ، كما قالوا : ظلت في : ظللت ، ثم نقلوا حركته إلى القاف ، واستغنوا عن ألف الوصل ، فصار : قرن.

وإن شئت : «قرن» كما قرىء (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً)(١) بالكسر والفتح.

(وَلا تَبَرَّجْنَ). (٣٣)

لا تظهرن المحاسن (٢).

وقيل : لا تمشين بين يدي الرجال.

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). (٣٦)

في زينب بنت جحش (٣).

وكانت ابنة عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خطبها لزيد بن حارثة ، فامتنعت هي وأخوها عبد الله.

__________________

(١) سورة طه : آية ٩٧ ؛ وقراءة الكسر شاذة.

(٢) أخرج البيهقي في سننه عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : شرّ النساء المتبرجات ، وهنّ المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم.

(٣) أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة ، فاستنكفت منه وقالت : أنا خير منه حسبا ، وكانت امرأة فيها حدّة ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ ....) انظر تفسير الطبري ٢٢ / ١١.

١٨٦

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ). (٣٧)

زيد أيضا.

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) (٣٧)

من الميل إليها وإرادة طلاقها (١).

وقال الحسن : هو ما أعلمه الله أنّها ستكون زوجته.

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً).

أي : من طلاقها. عن قتادة.

وعن مقاتل : من نكاحها.

والرواية الصحيحة ما حدّث أنس أنه خطبها لرسول الله ، ثم قبل العقد خطبها لزيد لما كان من أمر زيد واختيار رسول الله على أبيه ، وقول رسول الله : آثرني على أبيه فسأوثره على ما أخطب لنفسي ، وأزوّج منه ابنة عمّي لئلا يسبقني أحد إلى فضل ، فأجابت المرأة على كراهة شديدة ، وما وافقتها صحبته ، ولما تقدّم لها من رغبة رسول الله فيها ، وأوحى الله إليه : لتنكحنّها ولتصيرنّ من أمهات المؤمنين ، فذلك الذي كان يخفيه عن زيد حياء ، إلى أن أمره الله (٢).

__________________

(١) أخرج أحمد والبخاري والترمذي والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال : جاء زيد بن حارثة رضي الله عنه يشكو زينب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول له : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، فنزلت : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ). قال أنس : فلو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كاتما شيئا لكتم هذه الآية ، فتزوجها رسول الله فما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها. ذبح شاة. (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها فكانت) تفخر على أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقول : زوجكنّ أهاليكنّ ، وزوجني الله من فوق سبع سموات. انظر فتح الباري ٨ / ٥٢٠ ؛ والترمذي ٣٢١٢ ؛ والمستدرك ٢ / ٤١٧.

(٢) قال البقاعي : وفي هذا عتاب لزينب رضي الله عنها على تعليق الإجابة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عندما خطبها لنفسه الشريفة على الاستخارة ، وعلى كراهتها عند ما خطبها لزيد مولاه ولكنها لما قدّمت بعد نزول الآية خيّرته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تزويجها من زيد رضي الله عنهما على ـ

١٨٧

(وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً). (٣٨)

جاريا على تقدير وحكمة.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ)(١). (٤٠)

الحسن والحسين إذ ذاك لم يكونا رجلين.

(وَدَعْ أَذاهُمْ). (٤٨)

اصبر.

وقيل : لا تحزن وكلهم إلينا فإنا حسبك وحسيبهم.

(مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها). (٤٩)

تفتعلون من العدّ. أي : تحسبونها.

عددت واعتددت مثل : حسبت واحتسبت.

(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ). (٥١)

تؤخّر (٢).

(وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ).

تضم.

__________________

ـ خيرتها عوّضها الله أن صيّرها لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه في الجنة لأنه في أعلى الدرجات. راجع نظم الدرر ١٥ / ٣٥٥.

(١) أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) قال : نزلت في زيد رضي الله عنه. أي : إنه لم يكن بابنه ، ولعمري لقد ولد له ذكور ، وإنه لأبو القاسم وإبراهيم والطيّب والمطهر.

(٢) أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية : «ترجي من تشاء منهن». فقلت لها : ما كنت تقولين؟ قالت : كنت أقول له : إن كان ذاك لي فإني لا أريد أن أوثر عليك أحدا. انظر فتح الباري ٨ / ٥٢٥ ، ومسلم ١٤٦٤.

١٨٨

ومعناهما الطلاق والإمساك.

وقال الحسن : النكاح وتركه.

(وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ).

أي : طلبت إصابته بعد العزل

(فَلا جُناحَ عَلَيْكَ).

(ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ).

أي : إذا علمن أنك لا تطلقهنّ وأنك لا تتزوج عليهن.

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ). (٥٢)

أي : من بعد هؤلاء التسع.

والمعنى فيه : أنّه لما خيّرهنّ فاخترنه أمر أن يكتفي بهنّ (١).

وإنما جاء «لا يحلّ» بالياء للذهاب إلى الجمع في النساء لا الجماعة.

أو : إلى ضمير محذوف ، كأنه : لا يحلّ لك نكاح النساء ، أو جميع النساء ، أو شيء من النساء.

(غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ). (٥٣)

غير منتظرين حينه ووقته.

(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ). (٥٩)

__________________

(١) أخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال : لّما خيرهنّ الله فاخترن الله ورسوله قصره عليهنّ ، فقال : «لا يحلّ لك النساء من بعد». ـ وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه والترمذي وصححه والحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت : لم يمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم ، لقوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ). انظر المستدرك ، وعارضة الأحوذي ١٢ / ٩١.

١٨٩

أي : الحرّة من الأمة.

وقيل : الصالحات من المتبرجات.

(آذَوْا مُوسى). (٦٩)

اتهموه بقتل هارون ، فأحياه الله ، فبرّأه الله ثم مات (١).

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ). (٧٢)

على طريق المثل والاستعارة.

أي : لو كانت السموات والأرض من أهل الأمانة لأشفقن منها مع عظيم هيئتها ووثاقة بنيتهما ، كما قال :

٩٢٣ ـ أما وجلال الله لو تذكرينني

كذكريك ما نهنهت للعين مدمعا

__________________

(١) أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عليّ بن أبي طالب قال : صعد موسى وهارون الجبل ، فمات هارون عليه‌السلام فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه‌السلام : أنت قتلته ، كان أشدّ حبا منك وألين ، فآذوه من ذلك ، فأمر الله الملائكة عليهم‌السلام فحملته فمروا به على مجالس بني إسرائيل ، وتكلمت الملائكة عليهم‌السلام بموته ، فبرأه الله من ذلك ، فانطلقوا به فدفنوه. ـ وقيل في الآية قول ثان ، وهو ما أخرجه البخاري وأحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ موسى عليه‌السلام كان رجلا حييّا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه ، فأذاه من أذاه من بني إسرائيل ، وقالوا : ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده ؛ إما برص ؛ وإما أدرة ، وإما آفة ، وإنّ الله أراد أن يبرئه مما قالوا ، وإنّ موسى عليه‌السلام خلا يوما وحده ، فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ، وإنّ الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عليه‌السلام عصاه وطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ، وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضربا بعصاه ، فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا. فذلك قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا). انظر : فتح الباري ٨ / ٥٣٤ ؛ ومسلم ٣٣٩ ؛ والمسند ٢ / ٥١٥.

١٩٠

٩٢٤ ـ فقالت : بلى والله ذكرا لوانّه

تضمّنه صمّ الصّفا لتصدّعا (١)

إلا أن الشعر وأمثاله معلق بشرط لو يكون ، فيجوز أن يقال : إنه لا يكون.

وعرض الله الأمانة قد كان ، لأنه من المحال أن يقول : عرضنا ، ولم يعرضها ، لا مجازا ولا حقيقة. فعند ذلك يقدّر محذوف في «فأبين» ، أي : فأبين خيانتها ، بدليل قوله عزوجل :

(قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ). (٢).

ويكون الأمانة ما أودعها الله في العالم من دلائل التوحيد ، أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه جحدها وحمل الخيانة فيما حمل من الأمانة.

أو يقال : إنّ هذا العرض بمعنى المعارضة.

أي : عورضت السموات والأرض ، وقويست بثقل الأمانة ، فكانت الأمانة أوزن وأرجح لعظم مقدارها وتغليظ أحكامها (٣).

(فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها).

لم يوازنها.

__________________

(١) البيتان للصمة بن عبد الله القشيري شاعر إسلامي بدوي مقل ، من شعراء الدولة الأموية وأول قصيدته :

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت

مزارك من ريّا وشعباكما معا

فما حسن أن تأتي الأمر طائعا

وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا

وقال بعضهم : لو حلف حالف أنّ أحسن أبيات قيلت في الجاهلية والإسلام في الغزل قول الصمة القشيري ما حنث. راجع الأغاني ٥ / ١٢٦. وهما في أمالي المرتضى ١ / ٤٢٩ ، ولم ينسبهما المحقق.

(٢) سورة فصلت : آية ١١.

(٣) أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الأمانة ثلاث : الصلاة والصيام والغسل من الجنابة.

١٩١

(وَأَشْفَقْنَ مِنْها).

أي : خفن ، على المجاز ، كما قيل :

٩٢٥ ـ يريد الرمح قلب أبي براء

ويرغب عن دماء بني عقيل (١)

 ـ وعن القاضي أبي القاسم الداودي (٢) :

إنّ هذه الأمانة هي القوى الثلاثة التي في الإنسان : قوة العقل ، وقوتا الشهوة والغضب ، فإنّه لم يحمل جميعها من بين السموات والأرض أحد سوى الإنسان ، وهذا الإنسان الضعيف الظلوم الحامل ما لا تحمله السموات والأرض من هذه القوى الثلاثة المتضادة شبّه في رموز الحكماء ب بيت فيه ملك ، وخنزير ، وسبع ، فالملك عقله ، والخنزير شهوته ، والسبع غضبه.

وقالوا : أيّ الثلاثة غلبت فالبيت له.

فليت عقله إذا ثبت لمغالبة العدوّين اللذين يجاذبانه إلى هلاكه ختلا ويساكنانه أبدا.

وأمّا إذا كان ناقصا جهولا بين قويّين ظلومين على ما هو الأغلب في الناس فهناك كلّ شر وفساد.

إذ قيل : ويل للقويّ بين الضعيفين فكيف للضعيف بين القويين؟!

__________________

(١) البيت في اللسان مادة : رود ، ومجاز القرآن ١ / ٤١٠ ؛ وتفسير القرطبي ١١ / ٢٦ ؛ وتفسير الطبري ١٥ / ١٧١. وهو للنجاشي الحارثي.

(٢) قال الثعالبي : هو اليوم صدر أهل الفضل ، وفرد أعيان الأدب والعلم بهراة ، يضرب في المحاسن بالقدح المعلى ، ويسمو منها إلى الشرف الأعلى ، وأخباره في الكرم مذكورة ومآثره في الرياسة مأثورة ، وهو القائل :

ربما قصّر الصديق المقل

عن حقوق بهنّ لا يستقل

ولئن قلّ نائل فصفاء

في وداد ومنّة لا تقل

كان معاصرا للثعالبي ، والثعالبي توفي سنة ٤٢٩ ه‍. راجع يتيمة الدهر ٤ / ٣٤٥ ؛ والتمثيل والمحاضرة ص ٣٤٨.

١٩٢

(سورة سبأ) (١)

(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ). (١)

هو حمد أهل الجنة سرورا بالنعيم من غير تكليف.

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ). (٢)

من المطر.

(وَما يَخْرُجُ مِنْها).

من النبات.

(وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ).

من الأقضية والأقدار.

(وَما يَعْرُجُ فِيها).

من الأعمال.

(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ). (٩)

أي : ألا ترون أنّا.

(إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ).

نعذبهم في الأرض أو في السماء.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة سبأ بمكة.

١٩٣

(يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ). (١٠)

رجّعي التسبيح.

والأوب : الرجوع.

التأويب : السير إلى الليل.

أي : سبّحي من الصبح إلى الليل. قال الراعي :

٩٢٦ ـ لحقنا بحيّ أوّبوا السير بعدما

دفعنا شعاع الشّمس والطّرف مجنح

٩٢٧ ـ فنلنا غرارا من حديث نقوده

كما اغبرّ بالنصّ القضيب المسمّح (١)

(وَالطَّيْرَ).

نصبه بالعطف على موضع المنادى ، أو على المفعول معه.

أي : سخرنا له الجبال وسخرنا معه الطير.

(وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ). (١١)

وهو دفع المسمار في ثقب الحلقة ، والتقدير فيه أن يجعل المسمار على قدر الثقب لا دقيقا فيقلق ، ولا غليظا فيفصمه. قال الشماخ :

٩٢٨ ـ شككن بأحساء الذّناب على هدى

كما تابعت سرد العنان الخوارز (٢)

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٣٦. والأول في تفسير القرطبي ١٤ / ٢٦٥ ، ونسبه لابن مقبل ، وهو وهم ، ولم يعلّق عليه المصحح ؛ والبحر المحيط ٧ / ٢٦٣.

(٢) البيت في ديوانه ص ١٩٤ ؛ والبحر المحيط ٧ / ٢٥٥ ؛ وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٦٨ ، واللسان مادة : شكك.

١٩٤

(وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)(١). (١٢)

سالت له القطر وهو النحاس من عين فيما وراء أندلس بمسيرة أربعة أشهر ، فبنى منه قصرا وحصر فيها مردة الشيطان ، ولا باب لهذا القصر.

ذكر ذلك في حكاية طويلة من أخبار عبد الملك بن مروان ، وأنّ من جرّده لذلك تسوّرها من أصحابه عدد فاختطفوا فكرّ راجعا.

(وَجِفانٍ كَالْجَوابِ). (١٣)

كالحياض يجمع فيها الماء الكثير (٢). قال كثير :

٩٢٩ ـ أتيتك والعيون مقرّحات

هوارب في جماجم كالجواب (٣)

(وَقُدُورٍ راسِياتٍ).

لا تزول عن أماكنها ، كما قال بعض بني منقر :

٩٣٠ ـ يفرّج ما بين الأثافي ويذبل

ومثل ذراها راسيات قدورها

٩٣١ ـ فأضيافنا في المحل حول خبائنا

وأعداؤنا من خوفنا ما نطورها (٤)

(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً).

أي : اعملوا لأجل شكر الله ، فيكون مفعولا له ، كقولك : جئتك حبّا.

__________________

(١) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)؟ قال : أعطاه الله عينا من صفر تسيل كما يسيل الماء. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :

فألقى في مراجل من حديد

قدور القطر ليس من البرام

(٢) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : «وجفان كالجواب»؟ قال : كالحياض الواسعة تسع الجفنة الجزور. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت طرفة بن العبد وهو يقول :

كالجوابي لا هي مترعة

لقرى الأصناف أو للمحتضر

(٣) البيت ليس في ديوانه.

(٤) قوله : نطورها ، الطّورة فناء الدار ، وفلان لا يطورني ، أي : لا يقرب طواري.

١٩٥

ويجوز مفعولا به ، كأنه : اعملوا عملا دون ذلك عمل الأركان.

ومثل هذه الآية في احتمال اللفظ المفعول على وجهين له وبه قول حاتم :

٩٣٢ ـ وعوراء قد أعرضت عنها فلم يضر

وذي أود قوّمته فتقوّما

٩٣٣ ـ وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما (١)

أي : أغفرها لأجل ادخاره.

أو : أغفرها مغفرة تكون ادّخارا له واستبقاء مودته.

(تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ). (١٤)

عصاه. نسأت الغنم : سقتها. قال الهذلي :

٩٣٤ ـ إذا دببت على المنساة من كبر

فقد تباعد عنك اللهو والغزل (٢)

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ). (١٦)

العرم : المسنّاة ، واحدها : عرمة (٣).

وقيل : العرم : اسم الجرذ الذي نقّب السكر.

(ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ).

ذواتي ثمر خمط.

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٨١ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ١٢٢ ؛ والثاني في الكامل ١ / ١٧١.

(٢) البيت في مجاز القرآن ٢ / ١٤٥ ؛ وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٧٩ ؛ وتفسير الطبري ٢٢ / ٤٤ ، واللسان مادة نسأ ، ولم ينسبه أحد منهم. ـ وعن عكرمة أنه سئل عن المنسأة؟ قال : هي العصا ، وأنشد فيها شعرا. قال عبد المطلب :

أمن أجل حبل لا أبالك صدته

بمنسأة قد جرّ حبلك أحبلا

(٣) العرم : المسنّاة ، لا واحد لها من لفظها ، ويقال : واحدها عرمة. وعن مجاهد قال : العرم بالحبشية ، وهي المسناة التي يجتمع فيها الماء ثم ينشف.

١٩٦

والخمط : شجر الأراك (١) ، وله حمل يؤكل ، فيكون على «أكل» عطف بيان. أي : الأكل لهذا الشجر.

وقيل : بل الخمط : صفة حمل الشجر ، وهو المرّ الذي فيه حموضة كما قال الهذلي :

٩٣٥ ـ وما الرّاح راح الشّام جاءت سبية

لها غاية تهدي للكرام عقابها

٩٣٦ ـ عقار كماء النّيء ليست بخمطة

ولا خلّة يكوي الشروب شهابها (٢)

(وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ). (١٦)

الأثل : شبيه بالطرفاء.

والسدر : النبق.

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً). (١٨)

كانت بينهم وبين بيت المقدس قرى ظاهرة ، إذا أقاموا في واحدة ظهرت لهم الثانية.

(وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ).

للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية.

(آمِنِينَ).

__________________

(١) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : أُكُلٍ خَمْطٍ؟ قال : الأراك ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

ما معول خود تراعي بعينها

أغن غضيض الطرف من خلل الخمط

(٢) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي ، والأول تقدم برقم ١. وهما في شرح أشعار الهذليين ١ / ٤٥ ، وشرح مقامات الحريري ٢ / ١٣٣ ، والثاني في القرطبي ١٤ / ٢٨٧ دون نسبة. والعقار : التي تعاقر العقل ، كماء النيء : أراد في صفائها ، وهو ما قطر من اللحم ، الخلّة : الحامضة.

١٩٧

من الجوع والظمأ.

وكانت المرأة تدخلها بمكتلها ، فتمتلىء من ألوان الفواكه من غير أن تأخذ شيئا بيدها.

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا). (١٩)

قالوا : ليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا.

(فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ). (١٩)

حتى قالوا في المثل : (تفرّقوا أيدي سبأ) (١).

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ). (٢٠)

أصاب في ظنه.

والظنّ مفعول ، وقيل : مصدر تقديره : صدق عليهم إبليس ظنّا ظنّه.

وظنّ إبليس أنّ آدم لما نسي قال إبليس : لا تكون ذريته إلا ضعافا عصاة.

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ). (٢١)

لو لا التخلية للمحنة.

(إِلَّا لِنَعْلَمَ).

لنظهر المعلوم.

(فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ). (٢٣)

أزيل عنها الخوف.

أفزعته : إذا دعوته ، وفزّعته : جلّيت عنه الفزع.

__________________

(١) المثل في الروض الأنف ١ / ٢٢ ؛ واللسان مادة سبأ ؛ ومجمع الأمثال ١ / ٢٧٥. وضربت العرب بهم المثل في الفرقة ؛ لأنه لما أذهب الله عنهم جنّتهم وغرّق مكانهم تبدّدوا في البلاد.

١٩٨

مثل : أقذيت وقذّيت ، وأمرضت ومرّضت.

(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). (٢٤)

معناه : إنا وأنتم لسنا على أمر واحد ، فلا محالة يكون أحدنا على هدى والآخر في ضلال ، فأضلّهم بأحسن تعريض ، كما يقول الصادق للكاذب : إذا أحدنا لكاذب.

وفي معناه :

٩٣٧ ـ بنو عمّ النبيّ وأقربوه

أحبّ الناس كلّهم إليّا

٩٣٨ ـ فإن يك محبّهم رشدا أصبه

ولست بمخطىء إن كان غيّا (١)

فخرج التقسيم على الإلزام لا على الشك من القائل. ومثله أو قريب منه :

٩٣٩ ـ زعم المنجّم والطبيب كلاهما

لا تبعث الأموات قلت : إليكما

٩٤٠ ـ إن صحّ قولكما فلست بخاسر

أو صحّ قولي فالخسار عليكما (٢)

 ـ وذكر الفقيه نصير المرغيناني بأنّ من محاسن الكلام تجاهل العارف ، مثل قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وأنشد في نظائره قول المجنون :

٩٤١ ـ بالله يا ظبيات القاع قلن لنا :

ليلاي منكنّ أو ليلى من البشر (٣)

وقول دريد بن الصّمة :

٩٤٢ ـ تنادوا فقالوا : أردت الخيل فارسا

فقلت : أعبد الله ذلكم الرّدي

__________________

(١) البيتان لأبي الأسود الديلي ، وهما في ديوانه رقم ٦٠ ، ومجاز القرآن ٢ / ١٤٨ ؛ وسمط اللآلىء ، ص ٦٤٣ ؛ وروح المعاني ٢٢ / ١٤٠ ؛ والأضداد لابن الأنباري ص ٢٤٤.

(٢) البيتان في الغيث المسجم ١ / ٨٢ ، وهما لأبي العلاء المعري.

(٣) البيت في الصناعتين ص ٤٤٦ ؛ وتذكرة النحاة ص ٣١٨ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٩٨ ، وقيل : البيت للعرجي.

١٩٩

٩٤٣ ـ فإن يك عبد الله خلّى مكانه

فما كان وقّافا ولا طائش اليد (١)

(إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ). (٢٨)

إلا رحمة شاملة جامعة.

والكافّة : الجماعة التي تكفّ غيرها.

وقال الجبائي (٢) : الكافة : الجماعة التي تتكفأ يمينا وشمالا ، فجعل المضاعف من المهموز ونقله عن المعنى المعروف.

ـ وقال ابن بحر : معناه : كافا لهم. أي : مانعا من الشرك.

فغيّر المأخذ اللفظي دون المعنى.

وكذلك البلخي (٣) في قوله : إنه من : كفّ الثوب إذا جمعه فضمّ أطرافه.

فقدمنا في تفسير هذه اللفظة رؤساء المتكلمين.

(بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ). (٣٣)

قيل : معصيتهما.

وقيل : مرّهما واختلافهما ، فقالوا : إنهما لا إلى نهاية.

__________________

(١) البيتان لدريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله وقتلته بنو عبس. وهما في أمالي اليزيدي ص ١٧ ؛ والأغاني ٩ / ٤ ؛ ولباب الآداب ١ / ١٨٥ ؛ وديوان دريد ص ٤٩.

(٢) أبو هاشم الجبائي ، عبد السّلام بن محمد ، من رؤوس المعتزلة ، له تصانيف ، وتفسير للقرآن. قال ابن درستويه : اجتمعت مع أبي هاشم فألقى عليّ ثمانين مسألة من غريب النحو ما كنت أحفظ لها جوابا. توفي سنة ٣٢١ ه‍ ببغداد.

(٣) هو عبد الله بن أحمد أبو القاسم البلخي الكعبي الحنفي ، من متكلمي المعتزلة البغداديين رئيس الطائفة الكعبية ، أقام ببغداد مدة طويلة واشتهرت بها كتبه ، ثم عاد إلى بلخ حتى توفي سنة ٣١٩ ه‍ له «التفسير الكبير للقرآن العظيم» وكتاب المقالات وغيرها.

٢٠٠