وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

وقيل : إنه لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ، ولا أهل السماء في السماء ، إلا أنه لم يظهر الضمير.

(اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً). (٢٥)

يتواددون بها في الدنيا ، ويتبرؤن منها يوم القيامة ، فيتمّ الكلام عند قوله تعالى : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) ثم تكون : (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ)(١) مبتدأ ، والخبر : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).

أي : مودّة بينكم كائنة في الدنيا ، ثم تنقطع يوم القيامة.

ـ وقيل : بأنّ الكلام متصل بأوله على وجهين :

ـ أنّ «ما» في «إنما» اسم ، وهو مع الفعل بمعنى المصدر. أي : اتخاذكم من دون الله أوثانا مودة بينكم.

ـ والثاني : أن يكون بمعنى الذي ، أي : إنّ الذي اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم. أي : ذوو مودة بينكم.

(إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي). (٢٦)

قاله إبراهيم. أي : مهاجر للظالمين ، وهاجر إلى حرّان (٢).

(وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ). (٢٩)

هو قطع سبيل الولد برفض النساء.

(وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ). (٣٨)

أي : عقلاء ذوي بصائر.

وعن قتادة : مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها.

__________________

(١) قرأ «مودّة» بالرفع دون تنوين ابن كثير وأبو عمرو والكسائي. الإتحاف ص ٣٤٥.

(٢) وهذا قول كعب ، أخرجه عنه ابن أبي حاتم. ـ وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : هاجر عثمان إلى الحبشة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط.

١٦١

(وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ). (٤١)

إذ ليس في جميع البيوت لجميع الحيوان ما لا يكنّ من حرّ أو برد ، ولا يحصن عن طالب إلا بيت العنكبوت (١).

قال الفرزدق :

٩٠٠ ـ ضربت عليك العنكبوت بنسجها

وقضى عليك به الكتاب المنزل (٢)

(وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ). (٤٥)

أي : ذكر الله لكم بالرحمة أكبر من ذكركم له بالطاعة.

ـ الجزء الحادى والعشرون ـ

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (٤٦)

أي : في إيراد الحجة من غير سباب واضطراب (٣).

(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).

أي : منع الجزية وقاتل.

وقيل : هم الذين أقاموا على الكفر بعد أن حجّوا وألزموا.

(وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ).

أي : أهل مكة أو العرب.

(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ). (٤٩)

__________________

(١) قال قتادة : هذا مثل ضربه الله للمشرك ، إنه لن يغني عنه إلهه شيئا من ضعفه وقلة إجزائه ، مثل ضعف بيت العنكبوت.

(٢) البيت في خاص الخاص ص ١٠٥ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٦٣٥ ؛ وديوانه ص ٤٩٠.

(٣) أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير ٢١ / ٢ عن قتادة في قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). قال : نهى عن مجادلتهم في هذه الآية ، ثم نسخ ذلك فقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ولا مجادلة أشد من السيف.

١٦٢

أي : حفظ القرآن وحفظ الكتاب بتمامه لهذه الأمة.

ـ وفي الحديث : [أنا جيلهم في صدورهم ، وقربانهم من نفوسهم](١). أي : الجهاد.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ). (٦٠)

لمّا أمروا بالهجرة قالوا : ليس لنا بالمدينة منازل ولا أموال.

(لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا).

أي : لا تدّخر.

(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ). (٦٤)

أي : الحياة.

أو : دار الحيوان (٢).

وإذا كانت الدار حياة فما ظنّكم بأهل الدار.

(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا). (٦٦)

جرى على الوعيد لا الرخصة ، كقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)(٣).

* * *

__________________

(١) الحديث أخرجه أبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها ، فوجد فيها ذكر هذه الأمة. قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم ، فاجعلها أمتي. قال : تلك أمّة أحمد. قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونه ظاهرا فاجعلها أمتي. قال : تلك أمة أحمد ... الحديث. راجع دلائل النبوة لأبي نعيم ص ٣١ ؛ والدر المنثور للسيوطي ٣ / ٥٥٧.

(٢) أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي جعفر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عجبا كلّ العجب للمصدّق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور».

(٣) سورة الكهف : آية ٢٩.

١٦٣
١٦٤

(سورة الرّوم) (١)

(غُلِبَتِ الرُّومُ). (٢)

(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ). (٣)

غلبتهم فارس في زمن أنو شروان ، فأخبر الله رسوله أن الروم ستدلّ على فارس ، فغلبوا الفرس في عام الحديبية.

«في أدنى الأرض» في الجزيرة ، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس.

وقيل : في أذرعات وبصرى.

(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ). (٤)

أي : الروم على فارس ، لتصديق الوعد.

أو : لأنّ ضعف فارس قوة العرب.

ولأنّ فارس لم يكونوا أهل كتاب ، وروم نصارى أهل الإنجيل.

(ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ). (٨)

إلا بالعدل.

ـ وقيل : إلا للحق ، أي : لإقامة الحق.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الروم بمكة. ـ وأخرج النسائي ٢ / ١٥٦ وأحمد ٣ / ٤٧١ عن أبي روح رضي الله عنه قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبح ، فقرأ سورة الروم فتردد فيها ، فلما انصرف قال : إنما يلبس علينا صلاتنا قوم يحضرون الصلاة بغير طهور. من شهد الصلاة فليحسن الطهور.

١٦٥

(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى). (١٠)

نصب العاقبة على خبر كان ، قدّمه على الاسم ، واسمه : السوأى.

واللام مقدر في «أن كذّبوا».

والسوأى : النار ههنا ، كما أنّ الحسنى الجنّة في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى)(١).

(فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ). (١٥)

يكرمون.

وقيل : يسرّون (٢).

(فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ). (١٧)

فسبّحوا الله في هذه الأوقات (٣). وإن كان «سبحان» مصدرا عقيما ، ولكنه في معنى : تسبيح الله.

(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً). (٢٤)

خوفا من الصواعق ، وطمعا في الغيث.

وقيل : خوفا للمسافر ، وطمعا للمقيم.

ولم يجىء «أن يريكم البرق» لأنه عطف على : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ)(٤).

__________________

(١) سورة يونس : آية ٢٦.

(٢) أخرج عبد بن حميد عن يحيى بن أبي كثير في قوله تعالى : (يُحْبَرُونَ) قيل : يا رسول الله ، ما الحبر؟ قال : اللذة والسماع.

(٣) أخرج أبو داود والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من قال حين يصبح : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أدرك ما فاته في يومه ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته. انظر سنن أبي داود رقم ٥٠٧٦.

(٤) سورة الروم : آية ٢٢.

١٦٦

فكان المعطوف بمعنى المصدر ؛ ليكون عطف اسم على اسم.

وقيل : تقديره : ويريكم البرق خوفا وطمعا من آياته. فيكون عطف جملة على جملة.

(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ). (٢٧)

أي : عندكم.

وقيل : أهون على المعاد من الابتداء ؛ لأنه ينقّل في الابتداء حالا فحالا ، ويخلق أطوارا ، وفي الإعادة يكون ب «كن».

ـ وقيل : إنّ المراد بالأهون الهيّن. قال الفرزدق :

٩٠١ ـ إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول

٩٠٢ ـ بيتا بناه لنا الإله وما بنى

ملك السماء فإنّه لا ينقل (١)

(وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى).

الصفة العليا.

(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ). (٢٨)

أي : لستم تجعلون عبيدكم شركاء فكيف شركاؤكم؟!

(تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ). (٢٩)

أي : كخيفتكم شركاءكم الذين ليسوا عبيدا في المتاجر ، كقوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)(٢).

(وَكانُوا شِيَعاً). (٣٢)

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٤٨٩ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٤٢ ـ ٢٤٧ ؛ والممتع في صنعة الشعر ص ٩٣ ؛ والأغاني ٧ / ٥٣ ؛ والأول في تفسير القرطبي ١٤ / ٢١ ؛ وتفسير الطبري ٢١ / ١٢ ؛ ومجاز القرآن ٢ / ١٢١ ؛ والكامل ٢ / ١٤.

(٢) سورة الحجرات : آية ١١.

١٦٧

فرقا.

(فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ). (٣٨)

من البرّ وصلة الرحم.

(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ). (٤١)

أجدب البر وانقطعت مادة البحر.

وقيل : البرّ : مدائن البلاد ، والبحر : جزائرها.

(يَصَّدَّعُونَ). (٤٣)

يتفرّقون.

(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ). (٤٩)

الأول من قبل الإنزال.

والثاني من قبل الإرسال.

(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا). (٥١)

أي : السحاب ، فإذا كان مصفرا لم يمطر.

وقيل : فرأوا الزرع مصفرّا ، فيكون كناية عن غير مذكور ، إلا أنّه في : (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ) دلالة عليه.

٣٠ (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ). (٥٦)

علم الله (١).

وقيل : ما بيّن من كتابه.

* * *

__________________

(١) عن الربيع بن أنس في الآية قال : لبثوا في علم الله في البرزخ إلى يوم القيامة ، لا يعلم متى علم وقت الساعة إلا الله ، وفي ذلك أنزل الله : وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ، أخرجه ابن أبي حاتم.

١٦٨

(سورة لقمان) (١)

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ). (٦)

الأسمار والليلة والأخبار الكسروية.

وقيل : الغناء (٢).

(وَهْناً عَلى وَهْنٍ). (١٤)

أي : نطفة وجنينا.

وقيل : ضعف الحمل على ضعف الأنوثة.

(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ).

__________________

(١) أخرج النحاس في ناسخه ص ٢٤٣ عن ابن عباس قال : سورة لقمان نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة ، (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) إلى تمام الآيات الثلاث.

(٢) أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وغيرهم عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ، ولا تعلموهّن ، ولا خير في تجارة فيهنّ ، وثمنهنّ حرام». في مثل هذا أنزلت هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ....) انظر العارضة ١٢ / ٧٢ ؛ والمسند ٥ / ٢٥٧. ـ وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها ، ثم قرأ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ). ـ وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.

١٦٩

اشكر لي حقّ النعمة ، ولهما حقّ التربية.

(وَإِنْ جاهَداكَ). (١٥)

أي : جهدا في قبولك ، وجهدت في الامتناع ، ليكون مفاعلة.

(إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ). (١٦)

(إِنَّها إِنْ تَكُ) الهاء كناية عن الخطيئة.

ويجوز أن تكون عائدة إلى الحسنة ، كقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ)(١).

(يَأْتِ بِهَا اللهُ) بجزائها.

وقيل : إنها الرزق ، فلو كان تحت الأرض ولو كان أقل قليل لأخرجه إليك.

(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ). (١٨)

لا تكثر إمالة الخدّ عن الناس صدّا وإعراضا.

وقيل : هو التشدّق عند التكلم تجبّرا وتعمقا.

قال الحطيئة :

٩٠٣ ـ أم من لخصم مضجعين قسيّهم

صعر خدودهم عظام المفخر (٢)

(إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). (١٩)

__________________

(١) سورة عبس : الآية ١١.

(٢) البيت في ديوانه ص ١٢٨ ؛ وكتاب الأفعال ٣ / ٤٢٣ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٨١٦ ؛ وأمالي القالي ٢ / ٦٩ ؛ ومحاضرات الأدباء ١ / ٧٩. قال القالي : وذلك أن القوم إذا جلسوا يتفاخرون خطّوا بأطراف قسيّهم الأرض : لنا يوم كذا وكذا ، يعدون أيامهم ومآثرهم.

١٧٠

إذ أوّله زفير وآخره شهيق.

وليس فيما يعايش الناس أرفع صوتا من الحمير.

(وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ). (٢٧)

والبحر بالرفع على الابتداء ، والخبر : يمدّه.

وإنما حسن الابتداء في أثناء الكلام لأنّ قوله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ) قد فرغ فيها أنّ من عملها.

ـ وقيل : واو (وَالْبَحْرُ) واو الحال ، وليست للعطف.

أي : والبحر هذه حاله.

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ). (٢٨)

كخلق نفس واحدة.

(فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ). (٣٢)

عدل وفيّ بما عاهد الله عليه في البحر.

(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ). (٣٢)

ختّار : جاحد.

وقيل : غدّار (١).

* * *

__________________

(١) أخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)؟ قال : الختّار : الغدّار الظلوم الغشوم ، «الكفور» : الذي يغطي النعمة. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :

لقد علمت واستيقنت ذات نفسها

بأن لا تخاف الدّهر صرمي ولا ختري

١٧١
١٧٢

(سورة السّجدة) (١)

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ). (٣)

فيه حذف. أي : فهل تؤمنون به أم تقولون؟

وقيل : بل معناه : بل تقولون.

والأصح أنّها «أم» المنقطعة تؤدي معنى واو العطف ، ولذلك لا يكون إلا بعد كلام.

وتؤدي معنى الاستفهام ، كما قال الأعشى :

٩٠٤ ـ هريرة ودّعها وإن لام لائم

غداة غد أم أنت للبين واجم

ثم أقام الواو عقيب هذا البيت مقام «أم» ؛ كما أقام «أم» مقام الواو في هذا البيت.

فقال :

٩٠٥ ـ لقد كان في حول ثواء ثويته

تقضي لبانات ويسأم سائم (٢)

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ). (٥)

أي : من السماء العليا إلى الأرض الدنيا كلها يدبّره.

__________________

(١) أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة (الم تَنْزِيلُ) السجدة ، (وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ). انظر فتح الباري ٢ / ٣١٤ ، ومسلم ٨٨٠.

(٢) البيتان للأعشى ، وهما في ديوانه ص ١٧٧ ؛ والكامل للمبرد ١ / ٣٩٦. والثاني في المقتضب ١ / ١٦٥ ، وقد تقدّما برقم ١٩٤ ـ ١٩٥.

١٧٣

وقيل : إنه يدبّر الأمر في السماء ، ثم ينزل بالأمر الملك إلى الأرض.

(ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ).

أي : إلى الموضع الذي فيه يثبت الأعمال والآجال.

أو : مكان الملك الذي أمره الله أن يقوم فيه.

وقيل : إنّه جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي.

(فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ).

أي : الملائكة التي تصعد بأعمال العباد ، في يوم واحد تصعد وتقطع مسافة ألف سنة.

وقيل : إنّ الله تعالى يقضي أمر العالم لألف سنة في يوم واحد ، ثم يلقيه إلى الملائكة ، وكذلك إبداء اليوم عبارة عن الوقت لا عن وضح النهار.

قال سلامة بن جندل :

٩٠٦ ـ يومان يوم مقامات وأندية

ويوم سير إلى الأعداء تأويب (١)

(أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ). (٧)

خلق بدل من «كل» ، وهو بدل الشيء من نفسه.

أي : أحسن خلق كلّ شيء.

قال ابن عباس : حتى جعل الكلب في خلقه حسنا (٢).

ولفظ الكسائي : أحسن ما خلق.

وقول سيبويه : إنّه مصدر من غير صدر. أي : خلق كلّ شيء خلقه.

والضمير في الهاء يجوز أن يعود إلى الفاعل ، وهو الله تعالى ، وإلى المفعول : المخلوق.

__________________

(١) البيت في ديوانه ص ٩٢ ؛ والمفضليات ص ١٢٠ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٢٧ ؛ وتفسير القرطبي ١٤ / ١٨ ؛ وتفسير الماوردي ٣ / ٢٩٢.

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم.

١٧٤

(أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (١٠)

هلكنا وبطلنا. قال الأخطل :

٩٠٧ ـ كنت القذى في موج أكدر مزبد

قذف الآتيّ به فضلّ ضلالا (١)

(لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها). (١٣)

أي : هدايتها إلى طريق الجنّة.

وقيل : آتيناها الهدى إلجاء.

(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ). (١٦)

تنبو وترفع. قال عبد الله بن رواحة :

٩٠٨ ـ وفينا رسول الله يتلو كتابه

كما انشقّ معروف من الفجر ساطع

٩٠٩ ـ تراه يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين مضاجع (٢)

(الْعَذابِ الْأَدْنى). (٢١)

مصائب الدنيا.

وقيل : عذاب قريش بالقحط سبع سنين (٣).

(الْأَرْضِ الْجُرُزِ). (٢٧)

اليابسة.

وقيل : الأرض التي لا تسقى إلا بالسيول والأمطار.

* * *

__________________

(١) البيت في ديوانه ص ٢٥٠ ؛ ونقائض جرير والأخطل ص ٨٣ ؛ وتفسير القرطبي ١٤ / ٩١ ؛ وتفسير الماوردي ٣ / ٢٩٣.

(٢) البيتان في تفسير القرطبي ١٤ / ١٠٠ ؛ وروح البيان ٧ / ١٢٠ ؛ وفتح الباري ٥ / ٥٤٦. والثاني في تفسير الماوردي ٣ / ٢٩٦.

(٣) وهذا قول ابن مسعود ، أخرجه عنه ابن أبي شيبة والنسائي.

١٧٥
١٧٦

(سورة الأحزاب) (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ). (١)

أي : أكثر من التقوى.

وقيل : أدمها.

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ).

فيما سألته وفد ثقيف أن يمتّعوا باللات سنة.

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ). (٤)

أي : اعتقادين.

وقيل : نزلت في رجل قال : لي نفس تأمرني بالإسلام ، ونفس تنهاني (٢).

وفي معناه للفرزدق :

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الأحزاب بالمدينة. ـ أخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن زر قال : قال لي أبيّ بن كعب : كيف تقرأ سورة الأحزاب أو كم تعدّها؟ قلت : ثلاثا وسبعين آية. فقال أبيّ : قد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة ، وأكثر من سورة البقرة ، ولقد قرأنا فيها : (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، نكالا من الله والله عزيز حكيم) فرفع منها ما رفع.

(٢) أخرج ابن جرير ٢٢ / ١١٨ عن الحسن قال : كان رجل على عهد رسول الله يسمّى ذا القلبين ، كان يقول : لي نفس تأمرني ، ونفس تنهاني ، فأنزل الله فيه ما تسمعون.

١٧٧

٩١٠ ـ فلو كنت ذا نفسين خاطرت مقبلا

بإحداهما من دونك الموت أحمرا

٩١١ ـ فإن هلكت إحداهما عشت بعدها

بأخرى عست نفسي بها أن تعمّرا (١)

وقال الآخر :

٩١٢ ـ ولو كان لي قلبان عشت بواحد

وأفردت قلبا في هواك يعذّب

٩١٣ ـ ولكنما أحيى بقلب مروّع

فلا العيش يصفولي ولا الموت يقرب (٢)

ثم نقد الفرزدق هذا القول في أخرى فقال :

٩١٤ ـ لكلّ امرىء نفسان نفس كريمة

وأخرى يعاصيها الفتى أو يطيعها

٩١٥ ـ ونفسك من نفسيك تشفع للنّدى

إذا قلّ من أخدانهنّ شفيعها (٣)

(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ). (٦)

من بعضهم ببعض (٤).

وقيل : أولى بهم فيما رآه لهم منهم بأنفسهم.

(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ).

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ١٧٧ ولكن الثاني فيه.

حييت بأخرى بعدها إذ تجرّمت

مداها عست نفسي بها أن تعمّرا

(٢) البيتان كان إسماعيل بن جامع يغني بهما ، وهو من الشعراء العباسيين ، وكان من أحفظ خلق الله لكتاب الله ، وأعلمه بما يحتاج إليه ، وهما لعمرو الوراق ، وبعدهما :

تعلمت أسباب الرضا خوف هجرها

وعلمها حبي لها كيف تغضب

ولي ألف وجه قد عرفت مكانه

ولكن بلا قلب إلى أين أذهب

راجع الأغاني ٦ / ٧٨ ـ ٨١.

(٣) البيتان في ديوانه ص ٣٥٨ ؛ والصناعتين ص ٤٦١ ، وأدب الدنيا والدين ص ٥٢.

(٤) أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرؤوا إن شئتم : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ). فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه. انظر فتح الباري ٨ / ٥١٧ كتاب التفسير.

١٧٨

في التحريم وفي التعظيم.

(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ). (٨)

ليسأل الله ، كان ذلك أمر الدنيا ليسأل الأنبياء عن تبليغهم.

(إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ). (٩)

لما أجلى النبيّ عليه‌السلام يهود بني النضير عن ديارهم ، اجتمعوا وقدموا مكة ، وحزّبوا الأحزاب وتذكّر قريش قتلاهم يوم بدر ، وقائدهم أبو سفيان ، وقائد غطفان عيينة بن حصن ، وصار المشركون كلهم يدا واحدة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان قد وادع بني قريظة ـ وهم أصحاب حصون بالمدينة ـ أمر أن يخندق.

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً).

كانت ريح الصبا تكبّ القدور ، وتطير الأخبية.

(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ). (١٠)

عيينة في أهل نجد.

(وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ).

أبو سفيان في قريش بجميع عددهم وعددهم.

(وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ).

شخصت. ويقال : حارت.

وقيل : زاغت. أي : عن النظر. أي إلى كل شيء إلا عدوّها.

(وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ).

لشدة الرعب والخفقان ، فإنّ الحياة تنبع من القلب في الشرايين فينبض به.

والخفقان : حركة للقلب غير معتادة يحسّر بها صاحبه ، حتى يقال : إنه يخرج فيها من غشائه.

١٧٩

وكان بلوغ القلب الحناجر منه كما قال زهير :

٩١٦ ـ يصّعد من خوفها الفؤاد فما

يرقد بعض الرّقاد صاحبها (١)

وقيل : معنى «بلغت» : كادت تبلغ ، إذ القلب لو زال عن موضعه لمات صاحبه.

ـ وأفسد ابن الأنباري هذا التأويل ، وقال : كاد لا يضمر البتة (٢) ، ولو جاز إضماره لجاز : قام زيد بمعنى : كاد يقوم ، فيصير تأويل «قام زيد» : لم يقم زيد.

ـ والتأويل صحيح غير فاسد.

لأنّ إضمار «كاد» أكثر من أن يحصى ، ولكنّه بحسب الموضع المحتمل ، ودلالة الكلام.

__________________

(١) ليس في ديوانه طبع دار صادر.

وهو في شرح ديوانه لثعلب ص ٢٦٥ ؛ من قصيدة رواها أبو عمرو الشيباني ، وهي متهمة عند المفضل.

(٢) ـ قال السيد المرتضى في أمالية : وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري يطعن على جواب من أجاب في قوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) بأنّ معناه : كادت تبلغ الحناجر ، ويقول : «كاد» لا تضمر ، ولا بدّ أن يكون منطوقا بها ، ولو جاز ضميرها لجاز : قام عبد الله ، بمعنى كاد عبد الله يقوم ، فيكون تأويل : قام عبد الله : لم يقم عبد الله ؛ لأنّ معنى : كاد عبد الله يقوم : لم يقم. ـ وهذا الذي ذكره غير صحيح ، ونظنّ أنّ الذي حمله على الطعن في هذا الوجه حكايته له عن ابن قتيبة ، لأنّ من شأنه أن يردّ كلّ ما يأتي به ابن قتيبة وإن تعسف في الطعن عليه. والذي استبعده غير بعيد ، لأنّ «كاد» يضمر في مواضع يقتضيها بعض الكلام ، وإن لم تكن في صريحه ، ألا ترى أنهم يقولون : أوردت على فلان من العتاب والتوبيخ والتقريع ما مات عنده وخرجت نفسه ، ولّما رأى فلان فلانا لم يبق فيه روح ، وما أشبه ذلك. ومعنى جميع ما ذكرناه المقاربة ، ولا بدّ من إضمار كاد فيه ، وقال جرير :

إنّ العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا

وإنما المعنى أنهن كدن يقتلننا ، وهذا أكثر في الشعر والكلام من أن نذكره. راجع أمالي المرتضى ١ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

١٨٠