وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

(فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ). (٢٧)

والسلوك لازم ومتعدّ.

(عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ). (٤٠)

«ما» في مثل هذا لتقريب المدى ، أو تقليل الفعل ، كقولك : بسبب ما.

أي : بسبب وإن قلّ.

(فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً).

هلكى ، كما يحتمله الماء من الزبد والورق البالي.

(فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). (٤١)

إهلاكا. على طريق الدعاء عليهم. قال عبد يغوث :

٨٠٦ ـ يقولون : لا تبعد وهم يدفونني

وأين مكان البعد إلا مكانيا (١)

(ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا). (٤٤)

متواترا متراصفا.

وأصله : وترى ، من : وتر القوس لاتصاله.

كأنه : واترنا رسلنا تترى ، فجاء على غير لفظ الفعل.

__________________

(١) البيت لمالك بن الريب من مرثيته التي يرثي بها نفسه ، وأولها :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا

وليس هو لعبد يغوث. ولعبد يغوث قصيدة مفضلية على نفس البحر والقافية والروي ، وأولها :

ألا لا تلوماني كفى اللؤم ما بيا

وما لكما في اللوم خير ولا ليا

والقصيدتان تشتبهان على كثير من الناس ، فبعضهم ينسب ما في هذه لتلك ، والمؤلف وقع في هذا الاشتباه. راجع جمهرة أشعار العرب ٢ / ٧٦١ ؛ والمفضليات ص ١٥٦. والبيت في جمهرة أشعار العرب ٢ / ٧٦٣ ؛ وأمالي اليزيدي ص ٤٢ ؛ والاختيارين ص ٦٢٦ ، واللسان : بعد.

١٠١

(وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً). (٥٢)

أي : ملتكم وطريقتكم في توحيد الله ، وأصول الشرائع طريقة واحدة.

وفتح «أنّ» (١) على تقدير «ولأنّ هذه أمتكم». أي : فاتقون لهذا. هذا قول الخليل.

وقال الأخفش : العامل فيما بعد قليل ضعيف ، ولكن فتحها بالعطف على : «وأنّي بما تعملون عليم».

وبأنّ هذه يجوز فتحها بفعل مضمر. أي : واعلموا أنّ هذه.

ـ وانتصاب «أمة» على الحال.

(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً). (٥٣)

أي : افترقوا في دينهم فرقا. كلّ ينتحل كتابا ينسبه إلى نبيّه.

(وَهُمْ لَها سابِقُونَ). (٦١)

أي : لأجلها سبقوا الناس.

(تَنْكِصُونَ). (٦٦)

ترجعون إلى الكفر.

(مُسْتَكْبِرِينَ). (٦٧)

بالحرم. أي : بلغ أمركم أنكم تسمرون بالبطحاء لا تخافون أحدا.

وتوحيد (سامِراً) على معنى المصدر.

أي : تسمرون سمرا ، كقولك : قوموا قائما. أي : قياما.

ويجوز حالا للحرم ؛ لأنّ السمر في اللغة ظلمة الليل.

تقول العرب : حلف بالسمر والقمر.

(تَهْجُرُونَ).

تقولون الهجر ، وهو الهذيان ، مثل كلام الموسوس والمحموم.

__________________

(١) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب. الإتحاف ص ٣١٩.

١٠٢

وتهجرون (١) : من الإهجار ، وهو : الإفحاش في القول.

(بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ). (٧١)

أي : بشرفهم ، لكون رسولهم منهم ، والقرآن بلسانهم.

(فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ). (٧٦)

أي : بالجدب الذي أصابهم بدعائه عليه‌السلام (٢).

(حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ). (٧٧)

يعني : يوم بدر (٣).

(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ). (٨٥)

جاء في الثاني والثالث على صورة الكلام الأول تقريرا وتوكيدا ، وخرج الجواب على المعنى دون اللفظ ، فإنّ معنى قوله تعالى : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لمن ملكهما وتدبيرهما (٤).

وأنشد الفرّاء :

٨٠٧ ـ وأعلم أنني سأكون رمسا

إذا سار النواعج لا أسير

٨٠٨ ـ فقال السّائلون : لمن حفرتم

فقال المخبرون لهم : وزير (٥)

__________________

(١) وهي قراءة نافع.

(٢) أخرج النسائي والطبراني والحاكم وصححه ٢ / ٣٩٤ عن ابن عباس قال : جاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد أنشدك الله والرحم ، فقد أكلنا العلهز ـ يعني الوبر ـ بالدم ، فأنزل الله : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ).

(٣) وهذا قول ابن عباس رواه عنه ابن أبي شيبة وابن جرير ١٨ / ٤٥ وابن مردويه.

(٤) قال الشيخ زكريا الأنصاري : قاله هنا بلفظ «لله» وبعد بلفظ «الله» مرتين ؛ لأنه في الأول وقع في جواب مجرور باللام في قوله : «قل لمن الأرض» فطابقه بجرّه باللام ، بخلاف ذلك في الأخيرين ، فإنهما إنما وقعا في جواب مجرد عن اللام. راجع فتح الرحمن ص ٣٩٢.

(٥) البيتان في معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٤٠ وقال : أنشدني بعض بني عامر ، ولم ينسبهما المحقق ؛ وتفسير الطبري ١٨ / ٤٨ ، وغريب الحديث للحربي ٢ / ٥٣٠ بلا نسبة من المحقق ، ونسبهما الجاحظ للوزيري في البيان والتبيين ٣ / ١٥٥. ـ

١٠٣

أي : فيقولون لوزير ـ وهو اسمه ـ : حفرناه (١).

(وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ). (١٠٠)

أي : ومن أمامهم حاجز ، وهو ما بين الدنيا والآخرة.

وقيل : إنّه ما بين الموت والبعث.

وقال مجاهد : هو الحاجز بين الميت وبين الرجوع إلى الدنيا (٢).

(وَلا يَتَساءَلُونَ). (١٠١)

أي : عن أنسابهم ومعارفهم ؛ لاشتغال كل واحد بنفسه.

وقيل : إنه يسأل أن يحمل بعضهم عن بعض ، ولكنهم يتساءلون عن حالهم وعمّا عمّهم من البلاء سؤال العاني المعذّب من لقيه في مثل حاله ، كما قال عزوجل :

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ)(٣).

وهذا التساؤل في مواقف الأمن بعد زوال الدهش والأهوال ، بدليل ما اتصل به من قوله : (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ)(٤).

(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ). (١٠٤)

واللفح : إصابة سموم النار.

(وَهُمْ فِيها كالِحُونَ).

__________________

ـ والرمس : القبر ، والنواعج : الإبل البيض الكريمة. ويروى النواجع ، وهي جمع ناجعة ، وهي الجماعة تترك منازلها في طلب الكلأ.

(١) قال الطبري : فأجاب المخفوض بمرفوع ، لأنّ معنى الكلام : فقال السائلون : من الميت؟ فقال المخبرون : الميت وزير ، فأجابوا عن المعنى دون اللفظ. راجع تفسير الطبري ١٨ / ٤٨.

(٢) انظر تفسير مجاهد ص ٤٣٤.

(٣) سورة الطور : آية ٢٥.

(٤) سورة الطور : آية ٢٦.

١٠٤

والكلوح : تقلّص الشفتين عن الأسنان.

(اخْسَؤُا). (١٠٨)

اسكنوا.

وقيل : ابعدوا بعد الكلب.

(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا). (١١٠)

بالكسر : هزؤا.

وبالضم (١) كما هو في الزخرف (٢) : سخرة وعبورة.

(إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً). (١١٤)

أي : في الدنيا.

أو في القبور ، بالإضافة إلى طول لبثكم في النار.

* * *

__________________

(١) قرأ «سِخْرِيًّا» بالضم نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف. انظر : الإتحاف ص ٣٢١.

(٢) وفي الزخرف : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) آية ٣٢.

١٠٥
١٠٦

(سورة النّور) (١)

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها).

أي : هذه سورة ؛ لأنّه لا يبتدأ بالنكرة.

والسورة : المنزلة المتضمنة لآيات متصلة.

(وَفَرَضْناها). (٢)

فرضنا العمل بها ، فحذف.

وفرّضناها (٢) : فصلناها.

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ). (٣)

الزانية رفع على تقدير : فيما فرض ، وإلا كان نصبا على الأمر.

ـ والابتداء بالزانية بخلاف آية «السارق» ؛ لأنّ المرأة هي الأصل في الزنا ، وزناها أفحش وأقبح.

(وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : أنزلت سورة النور بالمدينة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علّموا رجالكم سورة المائدة ، وعلّموا نساءكم سورة النور. وأخرج أبو عبيد في فضائله عن حارثة بن مضرّب قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلّموا سورة النساء والأحزاب والنور.

(٢) قرأ «فرّضناها» بالتشديد ابن كثير وأبو عمرو. انظر : الإتحاف ص ٣٢٢.

١٠٧

لتغليظ الأمر على المسلمين في التزوج بالبغايا المشهّرات في الجاهلية.

وقيل : إنه نكاح وطء لا عقد ، فإنّ غير الزاني يستقذر الزانية ولا يشتهيها.

(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا). (٥)

الاستثناء من الفسق فحسب ، لأنّ ما قبله ليس من جنسه ؛ لأنه اسم وخبر ، وما قبله فعل وأمر.

(فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ). (٦)

نصبه لوقوعه موقع المصدر (١) ، أو يكون مفعولا به للمصدر الذي هو الشهادة.

كأنّه يشهد أحدهم الشهادات الأربع ، وتكون الجملة مبتدأ ، والخبر : (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ). أو تكون الآية كلها خبرا ، والمبتدأ محذوف ، أي : فالحكم أو الفرض شهادة أحدهم أربع شهادات بالوقوع.

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ). (١١)

بالكذب ، لأنه صرف عن الحق.

(بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

لأنّ الله برّءها عنه ، وأثابها عليه.

(وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ).

عبد الله بن أبيّ بن سلول ، جمعهم في بيته.

ومن عدّ حسان بن ثابت معه عدّ حدّه وذهاب بصره من عذابه العظيم.

__________________

(١) قرأ «أربع» بالرفع حفص وحمزة والكسائي وخلف ، وقرأ الباقون بالنصب.

١٠٨

(لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ). (١٢)

أي : هلّا.

(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ). (١٥)

كلما سمعه سامع منهم نشره ، كأنّه تقبّله ، وقراءة عائشة : «إذ تلقونه». والولق : خفة اللسان واستمراره بالكذب ، من : ولق : يلق : إذا أسرع ، والأولق : فوعل من هذا ، على أنه كان : وولق.

(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ).

لا يحلف على حرمان أولي القربى.

أن يؤتوا : أن لا يؤتوا.

عن أبي بكر حين حرم مسطح بن أثاثة ابن خالته بسبب دخوله في الإفك (١).

وقيل : لا يأتل : لا يقصّر.

من قولهم : ما ألوت جهدا. قال العجاج :

٨٠٩ ـ تذري بأرعاش يمين المؤتلي

خضمّة الذراع هذّ المختلي (٢)

أي : المقصّر الذي لا يبلغ الجهد.

(يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ). (٢٥) جزاءهم.

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال : حلف أبو بكر في يتيمين كانا في حجره كانا فيمن خاض في أمر عائشة ، أحدهما : مسطح بن أثاثة ، قد شهد بدرا ، فحلف لا يصلهما ولا يصيبا منه خيرا ، فنزلت هذه الآية : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) ....

(٢) البيت في شرح الحماسة للتبريزي ٢ / ١٢٨ ؛ وديوانه ١ / ٣١١ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ١٠٧٦. وشطره الثاني في اللسان مادة خضم. وخضمة الذراع : معظمها ، والإرعاش : الرجف ، والهذّ : القطع.

١٠٩

(تَسْتَأْنِسُوا). (٢٧)

تستعلموا من في الدار.

وقيل : تستبصروا ، أي : تطلبون من يبصركم فتستأذنوه.

والإيناس : الإبصار.

(بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ). (٢٩)

حوانيت التجار ، ومناخات الرّحال للسابلة (١).

وقيل : إنها مثل الخرابات والخانات والأرحبة.

(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ). (٣١)

أمر لهنّ بالاختمار على أيسر ما يكون دون التطوق بالخمار ، وإرسالها بحيث لا يغطّي نحورها.

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ). (٣١)

أي : من الإماء.

(أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ).

ابن عباس : التابع : الذي يتبعك ليصيب طعامك ولا حاجة له في النساء.

وقيل : إنّه العنّين.

وقيل : هو الأبله الذي لا يستحي منه النساء (٢).

وإنما وصف التابعين ب «غير» نكرة ؛ لأنّ «التابعين» في حكم النكرة ، إذ لا يخصّ قوما بأعيانهم.

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى). (٣٢)

الأيّم : من آم عن الزوج ذكرا كان أو أنثى.

قال :

__________________

(١) السابلة : أبناء السبيل المختلفون على الطرقات في حوائجهم. انظر اللسان : سبل.

(٢) راجع التعريف والإعلام ص ٩٦.

١١٠

٨١٠ ـ كلّ امرىء ستئيم من

ه العرس أو منها يئيم (١)

وقيل : الأيّم من النساء خاصة ، كالعزب من الرجال.

(فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (٣٣)

أي : لهنّ.

(وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا). (٣٤)

مثالا وعبرة.

(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (٣٥)

هاديهما.

وقيل : منوّرهما ، كما يقال : فلان رحمة ، وإنّما منه الرحمة.

(كَمِشْكاةٍ).

لا منفذ لها.

وقيل : هو موضع الفتيلة المشتعلة من الزجاجة.

(كَوْكَبٌ دُرِّيٌ).

يجوز منسوبا إلى الدرّ في حسنه وصفائه.

ويجوز أن تكون : دروءا على وزن فعول من الدرء ، وهو الدفع للشياطين ، فخفّفت الهمزة وقلبت الواو الأخيرة ياء ؛ لكونها على الطرف ، وقلبت الواو الأولى لها ياء فأدغمت وكسر ما قبل الياء للإتباع.

(يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ). (٣٥)

لأنّ الله بارك في زيتون الشام.

وقيل : تخصيصها لأنّ دهنها أضوء وأصفى ، وأنّه يسيل من غير اعتصار.

__________________

(١) البيت ليزيد بن الحكم الثقفي من قصيدة له يعظ فيها ابنه بدرا. وهو في اللسان مادة أيم ، وشرح الحماسة للتبريزي ٣ / ١٠٧ ؛ والبحر المحيط ٦ / ٤٤٣ ولم ينسبه. وقبله :

وتخرّب الدنيا فلا

بؤس يدوم ولا نعيم

١١١

(لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ).

ليست من شجر الشرق دون الغرب ، أو الغرب دون الشرق ، ولكنها من شجر الشام واسطة البلاد بين المشرق والمغرب ، فيكون أوسط الأشجار منبتا وأكرمها مغرسا.

وقيل : إنها ليست بشرقية في جبل يدوم إشراق الشمس عليها ، ولا غربية نابتة في وهاد لا تطلع عليها الشمس ، كما يقال : [لا خير في المقناة والمضحاة](١).

وقال الحسن : المراد أنها ليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية أو غربية ، ولكنها من شجر الجنة ، بدليل قوله تعالى :

(يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ).

وعلى القول الأول : يكاد صفاء زيتها يلمع كضوء النار وإن لم تمسسه نار.

ـ وعن كعب : إنّ هذا لا يؤوّل على ظاهره ، ولكنه كما قال الله مثل ، فنور الله الإسلام ، والمشكاة صدر المؤمن ، والزجاجة قلبه ، والمصباح فيه الإيمان ، والشجرة المباركة شجرة النبوة (٢).

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ). (٣٦)

أي : يعني المساجد ، أي : هذه المشكاة فيها.

(لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ). (٣٧)

والبيع قد يكون بغير التجارة ، كما يبيع الرجل غلّة ضيعته ، فلذلك جمع بينهما وكذلك التجار هم أصحاب الجلب والتجهيز ، والباعة هم المقيمون في البلدة.

__________________

(١) قال ابن منظور : والمقناة : المضحاة ، يهمز ولا يهمز ، وكذلك المقنوة ، أي : المستورة. وقنيت الجارية تقنى قنية : إذا منعت من اللعب مع الصبيان ، وسترت في البيت. وانظر غريب القرآن لليزيدي ص ٢٧٢.

(٢) أخرجه ابن جرير ١٨ / ١٣٧.

١١٢

(تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ).

ببلوغها إلى الحناجر.

(وَالْأَبْصارُ).

بالشخوص والزرقة والرد على الأدبار.

(وَإِقامِ الصَّلاةِ).

أي : إقامتها ، لكن الإضافة كالعوض من الهاء لما كانت الهاء في الإقامة عوضا عن الواو.

(كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ). (٣٩)

جمع قاع ، مثل : جار وجيرة.

(فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ).

مضاف إلى اللجة ، وهي معظم البحر.

(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها). (٤٠)

أي : لم يرها إلا بعد جهد.

وقال الزّجاج : معناه لم يرها ولم يكد (١).

وذكر غيلان البختري : كنت واقفا بكناسة الكوفة ، وذو الرّمة ينشد :

٨١١ ـ إذا غيّر النأي المحبّين لم يكد

رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح (٢)

فقال له ابن شبرمة (٣) : أراه قد برح يا غيلان فغيّره ، فقال : [لم أجد رسيس الهوى] ، قال : وبادرت إلى أبي بما جرى فقال : يا بنيّ أخطأ ابن شبرمة في

__________________

(١) انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٨.

(٢) البيت في الحماسة البصرية ١ / ٢٠٤ ؛ وشرح ابن يعيش ٧ / ١٢٤ ؛ والإيضاح شرح المفصل ٢ / ٩٥. والبيت مع القصة في الأغاني ١٦ / ١٨ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٣٣٢. الرسيس : أول الحمة أو أصلها. قال الزمخشري : به رسّ الحمى ورسيسها : ابتداؤها قبل أن تشتد. وتقول : بدأت برسّها وأخذت في مسّها. راجع أساس البلاغة مادة : رسّ.

(٣) عبد الله بن شبرمة فقيه العراق ، وقاضي الكوفة ، حدّث عن أنس بن مالك ـ

١١٣

ردّه ، وأخطأ ذو الرمة في قبوله ، والمعنى : لم يبرح ولم يكد ، كما قال الله تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها). المعنى : لم يرها ولم يكد.

(وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ).

مصطفّة الأجنحة في الهواء.

(كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ). (٤١)

أي : الإنسان.

(وَتَسْبِيحَهُ).

أي : ما سواه.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً). (٤٣)

يسيّرها ويسوقها.

قال عمرو بن قمئة :

٨١٢ ـ وملمومة لا تخرق الطرف عرّضها

لها كوكب فخم شديد وضوحها

٨١٣ ـ تسير وتزجي السمّ تحت لبانها

كريه إلى من فاجأته صبوحها (١)

(ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً).

متراكبا بعضه فوق بعض. قال ذو الرمة :

٨١٤ ـ تستنّ أعداء قريان تسنّمها

ركام غيم ومرتجّاته السّود (٢)

__________________

ـ وأبي الطفيل والشعبي ، وعنه الثوري وابن المبارك. وثقه أحمد وأبو حاتم الرازي. توفي سنة ١٤٤ ه‍. انظر سير أعلام النبلاء ٦ / ٣٤٧.

(١) البيتان في المعاني الكبير ٢ / ٨٩١ ؛ وديوانه ٣٢ ـ ٣٣. والبيتان في وصف كتيبة ، والملمومة : المجتمعة لا ينفذ البصر في عرضها من كثرته ، وكوكب الشيء : معظمه.

(٢) البيت في ديوانه ص ١٨٧ ، والتكملة للفارسي ص ٤٣٨ ، والمخصص ٩ / ١٤٣. تستنّ : أي : الحمير تعلو ، والأعداء : الجوانب ، واحدها : عدوة ، المرتجّات : السحائب. وفي الديوان :

[غرّ الغمام ومرتجّاته السود]

١١٤

(فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ). (٤٣)

الودق : المطر. وقيل : البرق. قال :

٨١٥ ـ أثرن عجاجة وخرجن منها

خروج الودق من خلل السحاب (١)

(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ).

«من جبال» قيل : إنّ المراد به الكثرة والمبالغة ، كما قال ابن مقبل :

٨١٦ ـ إذا متّ عن ذكر القوافي فلن ترى

لها قائلا مثلي أطبّ وأشعرا

٨١٧ ـ وأكثر بيتا شاعرا ضربت به

حزون جبال الشّعر حتى تيسّرا (٢)

(يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ).

في معناه قال الشماخ :

٨١٨ ـ وما كادت إذا رفعت سناها

ليبصر ضوءها الرّجل البصير (٣)

(فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ). (٤٥)

دخل فيه ما ينساح ويعوم ، فكان لفظه المشي أعم ، لاشتماله على النوعين.

__________________

(١) البيت في تفسير القرطبي ١٢ / ٢٨٢ من غير نسبة ؛ والبحر المحيط ٦ / ٤٤٤ ؛ وهو لزيد الخيل في المجاز ٢ / ٦٨ وشطره :

[ضربن بغمرة فخرجن منها]

ومجالس العلماء للزجاجي ص ٦٠ ، ولم ينسبه المحقق عبد السّلام هارون. وفي اللسان : ودق. ويروى عجزه :

[كما خرجت من الغرض السهام]

وهو لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص ٢١٠.

(٢) البيتان في ديوانه ص ١٣٦ ؛ والمسائل الحلبيات ص ١٩٧ ، ودلائل الإعجاز ص ٥١٢ ؛ والبحر المحيط ٦ / ٤٦٤.

(٣) البيت في ديوانه ص ١٥٢ ؛ وتفسير القرطبي ١٢ / ٢٩٠.

١١٥

ومن قال : لا يسمى الانسياح على البطن مشيا ، فإنه لم يسمع من العرب شيئا.

وما أكثر ما شبّهت مشية النساء بمشية الحيات. قال :

٨١٩ ـ يمشين مشي قطا البطاح تأوّدا

قبّ البطون رواجح الأكفال (١)

وقال آخر :

٨٢٠ ـ أتذهب ليلى في اللّمام ولا ترى

وبالليل أيم حيث شاء يسيب (٢)

(قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ). (٥٣)

أي : طاعة أمثل من أن تقسموا.

أو : طاعة معروفة أولى من طاعتكم هذه المدخولة المنحولة.

أو : طاعتكم معروفة أنها كاذبة بالقول.

(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ). (٥٥)

يجعلهم خلفاء عن الماضين.

(وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ).

وهو ممّن يميز ويصف.

(ثَلاثُ عَوْراتٍ). (٥٨)

أي : أوقات عورة. وخصّ الأوقات الثلاثة بالاستئذان ؛ لأنها أوقات تكشف وتبذّل.

__________________

(١) البيت للكميت بن معروف. وهو في الأغاني ١٥ / ١٩ ؛ والحيوان ٥ / ٢١٧ ؛ والحماسة البصرية ٢ / ٨٩ ؛ ولباب الآداب ١٣٧ ؛ ونهاية الأرب ٣ / ١١٤. قبّ : جمع قباء ، والقبب : دقة الخصر ودقة البطن ، الأكفال : جمع كفل وهو العجز.

(٢) البيت في الحيوان ٤ / ١٧٤ من غير نسبة. اللّمام : اللقاء اليسير.

١١٦

(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً). (٦٠)

القواعد : هنّ اللاتي قعدن بالكبر عن الحيض والحمل.

(غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ).

غير مظهرات زينتهن للنظر إليها.

(وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ). (٦١)

أي : من أموال عيالكم.

وقيل : أراد بيوت أولادكم ، بدليل أنه لم يذكر في الآية بيوت أولادكم.

(أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ).

أي : ما يتولاه وكيل الرجل في ماله وضياعه ، فيأكل مما يقوم عليه.

وقيل : إنه ممّن يتولاه القيّم من أموال اليتامى.

وقيل : إنه أكل الرجل من مال عبده.

(أَوْ صَدِيقِكُمْ).

أي : إذا الطعام حاضرا غير محرز ، وكان الصديق بحيث لا يحتجب بعضهم عن بعض في مال ونفس.

(فَإِذا دَخَلْتُمْ).

أي : بيوتا فارغة.

(فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ). (٦١)

فقولوا : السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

(عَلى أَمْرٍ جامِعٍ). (٦٢)

أي : للجهاد.

نزلت في يوم الأحزاب.

وقيل : إنّه عامّ حتى في يوم الجمعة والعيدين.

(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً). (٦٣)

١١٧

أي : تحاموا عن سخطته ، فإنّ دعاءه مسموع.

وقيل : لا تدعوه باسمه ، ولكن : يا رسول الله ، في لين وتواضع (١).

(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً). (٦٣)

يلوذ بعضهم ببعض ويستتر به ، حتى ينسلّ من بين القوم فرارا من الجهاد.

وقيل : عن الجمعة والخطبة (٢).

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ).

يتخلفون عنه.

(أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ). (٦٣)

محنة ومكروه.

* * *

__________________

(١) وهذا قول مجاهد في تفسيره ص ٤٤٥.

(٢) وهذا قول مقاتل أخرجه أبو داود في مراسيله ص ١٠٥ وذكر قصته.

١١٨

(سورة الفرقان) (١)

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ). (١)

تبارك : تعالى ، اشتق من البرك ، وهو طائر يحلّق في الهواء ، ولا يسفّ إلى الأرض ، ذكره زهير :

٨٢١ ـ حتى استغاثت بماء لا رشاء له

من الأباطح في حافاته البرك (٢)

وقيل : إنه من البركة ، على معنى الثبوت والنماء كله. أي : ثبت ملكه ودام أمره.

ومنه : بروك الإبل ، وبراكاء القتال (٣).

(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (٦)

أي : أنزله على مقتضى علمه ببواطن الأمور.

(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا). (٩)

فأقصوا إذ قالوا : اختلقها وافتراها ، وقالوا :

(فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة الفرقان بمكة.

(٢) البيت في ديوانه ص ٥٠.

(٣) قال ابن منظور : وابترك القوم في القتال : جثوا على الرّكب واقتتلوا ابتراكا ، وهي البروكاء والبراكاء. والبراكاء : الثبات في الحرب والجد ، والبراكاء : ساحة القتال. راجع لسان العرب مادة برك ١٠ / ٣٩٨.

١١٩

(سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً). (١٢)

قال زيد بن عليّ (١) : تشرف عليهم النار بمقدار خمسمائة عام ، فتزفر تغيّظا عليهم زفرة يسمعها كل أحد.

(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً). (١٣)

سئل النبيّ عليه‌السلام فقال : «والذي نفسي بيده إنّهم يستكرهون في النّار ، كما يستكره الوتد في الحائط» (٢).

(مُقَرَّنِينَ).

مصفّدين ، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال.

(كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً). (١٦)

وهو ما سأله المؤمنون من الجنة والمغفرة.

(وَكانُوا قَوْماً بُوراً). (١٨)

هلكى.

وقيل : فاسدين. من بوار الأرض : تعطيلها من الزرع.

وبارت التجارة : كسدت.

ولفظة «بور» لفظ المصدر ، يتناول الواحد والجمع. قال ابن الزبعرى :

٨٢٢ ـ يا رسول المليك إنّ لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

__________________

(١) هو زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، روى عن أبيه ، وروى عنه جعفر الصادق والزهري وشعبة ، وإليه تنسب الزيدية ، وقرأ على واصل بن عطاء ، خرج على هشام بن عبد الملك ، فقتل وصلب سنة ١٢٣ ه‍ كان يقول : عليّ أفضل من أبي بكر الصديق ومن بقية الصحابة ، إلا أنّ أبا بكر فوضت إليه الخلافة لمصلحة رآها الصحابة ، وقاعدة دينية راعوها من تسكين الفتنة وتطييب قلوب الرعية.

(٢) الحديث أخرجه ابن أبي حاتم عن يحيى بن أسد. انظر الدر المنثور ٦ / ٢٤٠.

١٢٠