تهذيب الأصول - ج ٢

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

تهذيب الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

قاعدة الصحة :

وهي من القواعد المعتبرة ، وتدل على اعتبارها ـ في الجملة ـ الأدلة الأربعة ..

فمن الكتاب : قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ، وآية نفي الحرج ، وأن (بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وغيرها من الآيات الواردة في مقام التسهيل والامتنان والتيسير ، المستفاد من عمومها أن التكاليف الفردية والاجتماعية بين الناس مبنية على التيسير والتسهيل مهما أمكن إليهما سبيل.

ومن الأخبار : أخبار مستفيضة واردة في أبواب مختلفة ، كقول علي عليه‌السلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير سبيلا» إلى غير ذلك مما هو كثير في أبواب المعاشرة جدا.

ومن الإجماع : إجماع المسلمين في الجملة وسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه المعصومين عليهم‌السلام مع الخلق مطلقا.

ومن العقل : بناء العقلاء على عدم التبادر إلى الحكم بالفساد عند الشك فيه بل لا يعتنون بهذا الشك مطلقا ، ومن بادر إلى الحكم بالفساد يستنكر ذلك منه ، فكما أن أصالة الصحة في المزاج أصل معتبر عند الأطباء العقلاء إلا مع إحراز المرض هكذا في الأفعال ، وكأصالة الكروية في الأجسام التي أثبتوها في الأجسام الطبيعية بالبراهين ، وأصالة عدم العيب في العوضين ، إلى غير ذلك من الاصول المرتكزة في الأذهان خلفا عن سلف.

ويدل عليه أيضا أصالة عدم السهو والنسيان ، وأن إتيان الفاسد خلاف ما تقتضيه طبيعة الإنسان.

وبالجملة : الصحة مقتضى الطبع في كل شيء مطلقا إلا مع الحجة على

٣٠١

الخلاف وقد مرّ مرارا أن الاصول النظامية العقلائية لا تحتاج إلى التقرير ، ويكفي في اعتبارها عدم ثبوت الردع ، فلا وجه لفتح باب المناقشة على الآيات والروايات مع أن واحدة منها تكفي في استكشاف عدم ثبوت الردع ، خصوصا في الشريعة التي بنيت على التسهيل في الامور الفردية والنوعية. وإنما البحث في جهات :

الاولى : لا وجه للبحث عن أنها أصل ، أو قاعدة ، أو أمارة ، إذ لا ثمرة فيه لا عملية ولا علمية ، لتقدّمها على الاستصحاب على كل تقدير ، وعدم الكلية في اعتبار المثبتات كذلك ما لم تكن قرينة في البين وتقدم الأمارات المعتبرة عليها. ولكن لا ريب في تقدّمها على الاصول الموضوعية والحكمية الدالة على الفساد ما لم يكن دليل على الخلاف ، ولو قدّمت الاصول عليها لزم لغويتها وبطلان تشريعها مطلقا ، وهو واضح البطلان.

الثانية : المراد بالصحة الواقعية منها ، لأن المعاني الواقعية هي المنساقة في المحاورات ، مطلقا ما لم تكن قرينة على الخلاف ، وهي مفقودة في المقام ، مع أن الاعتقادية والظاهرية طريق إلى الواقع ، ولا موضوعية فيها بوجه ، فتكون اصالة الصحة كأصالة الإباحة في الأشياء ، وأصالة احترام النفس والعرض والمال وسائر الاصول النظامية التي متعلّقاتها واقعيات ما لم يدل دليل على الخلاف.

ثم إنه قد تتحد الصحة في نظر العامل والحامل اجتهادا أو تقليدا ، وقد تختلف ، ويمكن أن تكون الصحة في نظر العامل تمام الموضوع للصحة عند الحامل ، فلا بد له وأن يرتب عليه آثار الصحة ولا محذور فيه من عقل أو شرع ، وهو الذي تقتضيه سهولة الشريعة.

ولا فرق في جريانها بين ما إذا كان الشك في أثناء العمل أو بعد الفراغ منه ، للسيرة وإطلاق الأدلة.

٣٠٢

نعم ، إن كان العمل مما يتقوّم بالقصد والاختيار لا بد من إحراز ذلك بوجه معتبر.

ويمكن أن يقال إن نفس قاعدة الصحة الجارية في العمل تدل عرفا على تحقق القصد والاختيار أيضا ، ولا يبتنى ذلك على اعتبار مثبتاتها ، لأن القصد سواء كان شرطا للعمل أو جزء منه ، كسائر أجزائه وشرائطه ، فكما تجري القاعدة في الشك في تحقق سائر الأجزاء والشرائط ، تجري عند الشك في تحقق القصد والاختيار أيضا ، مع أنها من صغريات أصالة عدم الغفلة ، وهي جارية في الشك في القصد أيضا.

الثالثة : لا فرق في مجراها بين كونه من العبادات أو غيرها مطلقا من العقود والإيقاعات ، لشمول الأدلة للجميع ، بل قد ادعي إجماع آخر على جريانها في غير العبادات ، بل الظاهر أن مورد استدلالهم بأنه لو لم تجر لاختل النظام وتعطلت أسواق الأنام إنما هو في غير العبادات ، كما لا يخفى على الأعلام ، ولا فرق بين كون منشأ الشك نفس العقد أو الإيقاع ، أو ما يعتبر في المتعاقدين ، أو العبادات أو العوضين ، أو نفس الانتقال ، وذلك كله لعموم الدليل وإطلاق التعليل.

نعم ، لو كان الشك في أصل الصدور والوجود بمفاد (كان) التامة ، فلا مجرى للقاعدة حينئذ ، لأن مجراها مورد الشك في صحة الموجود لا الشك في أصل التحقق والوجود ، كما هو المتفاهم من الأدلة اللفظية ، ومقتضى السيرة العقلائية.

إن قلت : إن منشأ الشك لا بد وأن يرجع إلى فقد جزء أو شرط ، فيرجع بالآخرة إلى الشك في أصل الوجود ، لأن الكل ينعدم بانعدام جزئه ـ شرعيا كان أو لا ـ والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه كذلك ، فلا يبقى مجرى للقاعدة أبدا.

قلت : المناط في أصل التحقق هو التحقق العرفي في الجملة والخروج

٣٠٣

من العدم إلى الوجود كذلك ، لا التحقق من كل حيثية وجهة بجميع القيود والشرائط المعتبرة ، وإلا فلا نحتاج إلى قاعدة الصحة ، فيكون المقام نظير التمسك بالعمومات والإطلاقات في المعاملات لنفي القيود المشكوكة ، فكما يكفي فيها مجرد التحقق العرفي في الجملة لئلا يكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، فكذا المقام.

نعم ، لو كان الشك مستلزما للشك في أصل الوجود العرفي لا وجه لجريانها حينئذ.

ولعل نظر المحقق الثاني قدس‌سره حيث ذهب إلى عدم الجريان إلا بعد استكمال الشرائط إلى ما قلناه ، فراجع وتأمل ، هذا كله إذا شك غير المتعاملين في صحة العقد وفساده ، أو اعترف أحدهما بصحته وقال الآخر بالفساد إجمالا من دون الاعتراف بمنشإ الفساد بالخصوص. وأما لو قال أحدهما بالصحة وقال الآخر : إني ما كنت راضيا ـ مثلا ـ حين العقد ، يشكل جريانها حينئذ ، لأن المتيقن من الإجماع والسيرة غير هذه الصورة ، بل ظاهر جمع كثير عدم الجريان ، فإذا عقد رجل على بنت الأخ وادعت العمة عدم الإذن وادعى هو الإذن ، فإن الفقهاء يقدّمون قول العمة ، مع أن مقتضى أصالة الصحة تقديم قول الرجل ، راجع نكاح العروة فصل (المحرمات بالمصاهرة) ، والمسألة منقحة في كتاب القضاء من كتاب (مهذب الأحكام).

الرابعة : مقتضى إطلاق الأدلة اللفظية والسيرة ترتيب جميع آثار الصحة مطلقا ، فكل أثر يترتب على الصحيح الواقعي يترتب على مشكوك الصحة أيضا ، فلو شك في صحة بيع الصرف من جهة الشك في تحقق القبض في المجلس ، أو في بيع الوقف من عروض المجوز ، أو في بيع الفضولي من جهة لحوق الإجازة ، أو في عمل النائب من جهة الشك في فراغ ذمة المنوب عنه به ، فالكل من مجاري القاعدة ، وبجريانها تترتب آثار الصحة مطلقا حتى بالنسبة إلى

٣٠٤

فراغ ذمة المنوب عنه.

فما يظهر من الشيخ الأنصاري قدس‌سره من التفكيك في الأخير بجريانها في عمل النائب من حيث هو دون جهة الإضافة إلى المنوب عنه.

مخدوش : لأن النيابة إما تنزيل نفسي ، أو تنزيل عملي ، وكل منهما مستلزم عند المتشرعة لفراغ ذمة المنوب عنه بعد تصحيح عمل النائب.

ثم إن المتيقن من أدلة قاعدة الصحة اللبية ، والمتفاهم من اللفظية منها في ترتيب الآثار على جريانها ، هو خصوص الآثار الشرعية ، وأما العادية والعقلية فإن حصل الاطمئنان المعتبر بها فهو ، وإلّا فيشكل ترتبها عليه ، والشك في الشمول لها يكفي في عدم الشمول ، لأنه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولكن يمكن القول بالشمول لأنها من الاصول العقلائية ، ومن صغريات أصالة عدم السهو والغفلة ، فإن ثبت الردع عن الشمول نقول به وإلا فلا محذور في الشمول.

الخامسة : لا فرق فيها بين أفعال البالغين والمميزين من غيرهم ، فتجري في أفعالهم أيضا.

نعم ، لو قلنا ببطلان معاملاتهم رأسا حتى بعنوان الآلية بين الأولياء لا موضوع لها في معاملاتهم ، لكنه قول بلا دليل. كما لا فرق في مجراها بين من ظهرت عدالته وبين غيره ، وذلك كله للعمومات والإطلاقات وعموم بناء العقلاء وأصالة عدم الغفلة.

ومقتضى ذلك أيضا عدم الفرق بين الأفعال والأقوال في مجراها ، فلو تكلم شخص بكلام ، وشك في أنه حرام أو مباح ، أو مطابق للمحاورات العقلائية أو لا ، أو كاشف عن قصده الجدي أو غير كاشف ، تجري أصالة الصحة في جميع ذلك كله ، فيحكم بإباحته ومطابقته للمحاورات وكشفه عن قصده الجدي. وأما لو شك في أن الكلام ظاهر أو غير ظاهر ، أو أنه مطابق للواقع أو لا ،

٣٠٥

فلا يثبت الظهور ولا المطابقة للواقع بأصالة الصحة.

نعم ، تجري في نفي احتمال الكذب ، وهو أعم من إثبات المطابقة للواقع. وكذا تجري في الاعتقاديات إن شك في التقصير فيها ، وأما الشك في القصور أو في المطابقة للواقع فلا يثبت بها ذلك.

السادسة : هل تختص القاعدة بمورد صدور فعل من الفاعل ثم شك في صحته وفساده ، أو تعم مطلق الشك في صدور محرّم منه ولو كان عدما؟ مقتضى الإطلاقات هو الأخير ، فلو قبض الوصي مال الميت لأن يعمل فيه بالوصية ومات ، ثم شككنا في أنه عمل بها فيه أو لا ، تجري القاعدة.

السابعة : مقتضى كون القاعدة تسهيلية امتنانية عدم اختصاصها بفعل الغير ، بل تجري بالنسبة إلى نفس الفاعل أيضا لو شك في صحة فعله وعدمها ، فتكون قاعدة التجاوز والفراغ ، وأصالة عدم المانع ، وعدم وجوب الإعادة والقضاء وغير ذلك من القواعد التسهيلية من صغرياتها ، ولا محذور في ذلك من عقل أو شرع.

نعم ، منشأ توهم الاختصاص بفعل الغير ظواهر الأدلة اللفظية ، مثل قوله عليه‌السلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه».

ولكنه مردود : بأن التمسك بمثله للاختصاص من قبيل التمسك بمفهوم اللقب ولا وجه له ، والمناط كله عدم الاعتناء بالشك ، لأنه من فعل الشيطان ـ كما في بعض الأخبار ـ ولا فرق حينئذ بين الغير والنفس إلّا في ما قام دليل معتبر على العدم من إجماع أو غيره ، وقد تفحّصنا عاجلا ولم نظفر عليه.

الثامنة : لا تجري هذه القاعدة مع وجود العلم المنجز على الخلاف ، تفصيليا كان أو إجماليا ، وكذا لا تجري مع وجود البينة أو الأمارة المعتبرة على الخلاف ، بل الظاهر عدم الجريان في ما إذا غلب الفساد على شخص بحيث لم يبق موضوع لحمل فعله على الصحة عند من يعلم بحاله.

٣٠٦

قاعدة اليد :

اليد : عبارة عن الاستيلاء على الشيء عينا كانت ، أو منفعة ، أو انتفاعا ، أو حقا. وتختص بالشبهات الموضوعية فقط. وهي معتبرة بالأدلة الأربعة ..

فمن الكتاب : قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) والإضافة إنما تتحقق باليد والاستيلاء.

ومن السنة : أخبار مستفيضة ، منها قول أبي عبد الله عليه‌السلام : «من استولى على شيء فهو له» ، وقوله عليه‌السلام : «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق».

ومن الإجماع : إجماع المسلمين.

ومن العقل : سيرة العقلاء على اعتبارها.

ولا ريب في تقدّمها على الاستصحاب ، بلا فرق بين كونها أمارة أو أصلا. والبحث في أنها أصل أو أمارة عين ما تقدم في سابقتها ، ولكن الظاهر كونها بالأمارة أشبه.

ولا بأس بالإشارة إلى بعض ما يتعلّق بها وإن كان قد فصّلنا القول فيها في كتاب القضاء :

الأول : لو علم كيفية حدوث اليد من أمانة أو غصب أو نحوهما ، ثم احتمل ملكية ذي اليد بالانتقال الصحيح الشرعي إليه ، لا يحكم بالملكية لأجل اليد ، لعدم السيرة على الحكم بالملكية حينئذ. والشك في شمول الأدلة اللفظية له ، بل الظاهر تحقق السيرة على الخلاف ، لجريانها على قبول المدارك المعتبرة في مقابل مثل هذا اليد والحكم بها عليها.

نعم ، لو لم يعلم ذلك واحتمل اقتران حدوث اليد بغصب ونحوه ، فمقتضى السيرة والإطلاق الحكم بالملكية لليد حينئذ.

الثاني : لو كان شيء في يد شخص فعلا ، وثبت شرعا أنه كان لغيره سابقا ، يحكم بملكية ذي اليد ، لجريان السيرة على العمل بقاعدة اليد حينئذ ،

٣٠٧

ولعدم المنافاة بين كون شيء ملكا لشخص سابقا ولآخر فعلا ، بل ذلك غالبي الوقوع ، كما هو واضح.

الثالث : لو أقرّ ذو اليد بأن ما في يده كان لمورّثه ، فثبوت موت المورث وثبوت وارثيته يؤكده ، ولا ينافي مثل هذا الإقرار استيلائه على ما في يده ، ولا وجه لطلب الحاكم البينة منه أصلا ، وعليه فيكون طلب أبي بكر البينة من الصديقة الطاهرة عليها‌السلام إن كان لإثبات موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو لأجل أن الصديقة الطاهرة بنته ، فهو مما يقبحه عوام المسلمين فضلا عن خواصهم. وإن كان لأجل أن يد الوارث لا تدل على ملكية ما انتقل إليه من مورّثه فهو خلاف إجماع المسلمين بل سيرة العقلاء كافة ، فلا بد لأبي بكر في منع الصديقة عن فدك من إثبات أحد أمرين : إما عدم موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإما حديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ...».

والأول مخالف للوجدان ، وما هو معلوم بين النساء والصبيان.

والثاني مخالف للقرآن وسيرة الأنبياء السابقين بل العقلاء أجمعين ، هذا إن كانت دعوى الصديقة عليها‌السلام أن فدك قد انتقلت إليها بالإرث ، وإن ادعت أنها كانت نحلة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لها. أو من الله تعالى ، كما يظهر من بعض الأخبار ، فمقام قداسة الصديقة الطاهرة ، وعدم المعارض لها في هذه الدعوى من أحد من المسلمين ولا غيرهم ، وكون فدك في يدها يدلّ على أنها عليها‌السلام مالكة لفدك ، فلا وجه لانتزاعها منها.

وما يتوهم : من أن المعارض لها أبو بكر وهو وليّ المسلمين ، فلا وجه لكون دعواها بلا معارض.

مردود : بأنه لا بد لأبي بكر حينئذ من ردّ دعواها بمقام ولايته ، لا بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» والمسألة مذكورة مفصلا في كتب الكلام والتواريخ من الفريقين.

٣٠٨

قاعدة القرعة :

وهي : مما تعارف بين المسلمين فتوى وعملا ، بل وبين العقلاء أيضا في الجملة ، ويدلّ عليها ..

الكتاب في قصة يونس ، قال تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) ، ومريم : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ).

والسنة : مثل قوله عليه‌السلام : «فكل شيء مجهول ففيه القرعة» ، وما اشتهر في الكتب الفقهية : «القرعة لكل أمر مشكل».

ويختص مورد جريانها بالشبهات الموضوعية التي ينحصر رفع الشبهة فيها بخصوص القرعة فقط ، فلا تجري في مورد يجري فيه الاستصحاب وسائر الاصول الاخرى حتى البراءة ، وقاعدتا الحلّية والطهارة فضلا عن مورد تجري فيه الأمارة ، فلا موضوع معها للقرعة أصلا ، لأن موردها التحيّر المطلق من كل حيثية وجهة ، كما هو المتيقن من الأدلة اللبيّة ، والمتفاهم عرفا من الأدلة اللفظية ، فلا تعارض بينهما حتى تقدّم إحداهما على الاخرى.

ولا فرق في مورد جريانها بين كونه من حقوق الناس أو حقوق الله تعالى ، كما ورد في استخراج البهيمة المنكوحة بالقرعة.

ثم إنه قد أثبتنا في كتاب القضاء أن المجهول والمشتبه ـ الواردين في القرعة ـ هو الظاهري منهما دون الواقعي ، إذ لا يعقل التردد والجهل في الواقع من حيث هو واقع ، لما أثبتنا من أن الوجود مساوق للتشخّص ومناف للتردد ، كما لا إشكال في أن القرعة أيضا قد تصيب وقد تخطئ وما ورد في بعض الروايات من الإصابة لا بد وأن يحمل على حكمة الجعل. ويتوقف جريانها في كل مورد على عمل الأصحاب فهي ـ وقاعدة الميسور ، وقاعدة العدل والإنصاف ـ كجزء الدليل لا تمامه ، إذ لا اعتبار بها إلا بضميمة عمل الأصحاب.

٣٠٩

هذا بعض الكلام في هذه القاعدة والتفصيل يطلب من كتاب القضاء.

هذا آخر ما وفقنا الله تعالى لتهذيب الاصول عن الزوائد والفضول ، ونرجو منه عزوجل أن يوفقنا لتهذيب أنفسنا ، فإنه الغاية القصوى لكل علم وعمل. وكان الختام في أسعد الأيام الثالث من شهر شعبان المعظم من شهور سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وسبعين بعد الهجرة ، على هاجرها آلاف التحية والثناء.

والحمد لله أولا وآخرا

تم الكتاب

٣١٠

الفهرس

المقدمة...................................................................... ٥ ـ ٧

تعريف الاصول ، حصر مجاري ما يصح الاعتذار به ، عدد الاصول العملية المقصد الأول ـ ما يكون معتبرا في نفسه (مبحث القطع) ويبحث فيه

عن امور :................................................................. ٩ ـ ٥٧

الأمر الأول : وفيه جهات من البحث............................................. ١١

الاولى : الكلام في أن مبحث القطع من مسائل فن الاصول.......................... ١١

الثانية : آثار القطع ، الكلام في صحة تعلق الجعل الشرعي به ، الإشكال عليه والجواب عنه ١١ ـ ١٤

الثالثة : إطلاقات الحجية الثلاثة ، صحة إطلاقها على القطع ، المناقشة في ما ذكره الاصوليون       ١٤ ـ ١٦

التنبيه على امور :......................................................... ١٦ ـ ١٩

الأول : أقسام القطع

الثاني : أن الاطمئنان العقلائي له مراتب متفاوتة

الثالث : الكلام في ما ذكروه أن حكم العقل باعتبار القطع تنجّزيّ غير معلق على شيء بخلاف الظن الانسدادي

الرابع : أقسام الذاتي

٣١١

الخامس : المناقشة في ما ذكره صاحب الكفاية من مراتب الحكم الأربع

الأمر الثاني :............................................................. ٢٠ ـ ٢٧

تمهيد : كون هذه المسألة من المسائل الاصولية...................................... ٢٠

حكم التجري ، ذكر الاحتمالات فيه والمناقشة فيها

الاستدلال على استحقاق العقاب في التجري والجواب عنه الإشكال على مختار الشيخ قدس‌سره من أن التجري كاشف عن سوء السريرة وبيان المختار في التجري......................................................... ١٩ ـ ٢٥

التنبيه على امور :......................................................... ٢٥ ـ ٢٧

الأول : بيان الثمرة في القبح الفعلي وعدمه

الثاني : أن التجري طغيان وظلم لا يزول إلا بعنوان حسن ومناقشة كلام صاحب الفصول

الثالث : أن التجرّي مباين للمعصية الحقيقية

الرابع : مراتب التجري

الأمر الثالث : أقسام القطع وما يتعلق بها ، انقسام القطع إلى عشرة أو أكثر ، آثار القطع ، قيام الأمارات مقام القطع ، الإشكال عليه والجواب عنه.............................................................. ٢٨ ـ ٣٢

الأمر الرابع : أخذ القطع بحكم في موضوع نفسه أو مثله أو ضده ، نقل رأي المشهور في عدم إمكان أخذ القطع كذلك والمناقشة فيه      ٣٣ ـ ٣٤

الأمر الخامس : الموافقة الالتزامية وبعض ما يتعلق بها وجوب الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الكلام في وجوب الموافقة الالتزامية   ٣٥ ـ ٣٨

٣١٢

البحث في ذلك من جهات :

الاولى : وجوب الموافقة تابع للعلم بالتكليف

الثانية : لا تلازم بين وجوبها ووجوب الموافقة العملية

الثالثة : لا تمانع بين وجوبها وجريان الاصول العملية

الكلام في استحقاق العقاب والثواب على المخالفة والموافقة العملية

الأمر السادس : / القطع الحاصل من العقليات وقطع القطاع.................... ٣٩ ـ ٤٣

نقل أقوال الاصوليين في القطع الطريقي والمناقشة فيها ، المراد من القطاع توجيه كلام من قال بعدم اعتبار القطع في بعض الموارد   ٤٠

الكلام في القاعدة المعروفة (كل ما حكم به العقل حكم به الشرع وعكسه) والجواب عما يورد عليها ٤١

الأمر السابع : العلم الإجمالي وبعض ما يتعلق به............................... ٤٤ ـ ٥٣

المقصود بالبحث عن العلم الإجمالي ، موارد الفرق بينه وبين العلم التفصيلي الكلام في إثبات العلية التامة للعلم الإجمالي ، الاستدلال للترخيص بارتكاب بعض أطرافه

بالعمومات والأخبار والمناقشة فيها

بيان المحتملات في هذه الأخبار

شرائط تنجز العلم الإجمالي :..................................................... ٤٨

الأول : إحداثه تكليف فعليّ غير مسبوق بالوجود ، أقسام تقارن العلم الإجمالي مع العلم التفصيلي ، حكم الاصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي....................................................................... ٤٩

٣١٣

الثاني : أن يصلح للداعوية نحو التكليف ، خروج موارد ثلاثة......................... ٤٩

منها : ما إذا لم يكن بعض الأطراف مورد الابتلاء ، بيان المراد من الابتلاء ، أقسام القدرة ٥٠

الثمرات المترتبة على هذا المورد.................................................... ٥١

منها : مورد دوران الأمر بين المحذورين وشروط هذا المورد............................. ٥٢

ومنها : الشبهة غير المحصورة..................................................... ٥٢

الثالث : من شروط تنجز العلم الإجمالي : أن لا يكون العلم التفصيلي معتبرا في التكليف ٥٢

الرابع : أن لا يكون في البين ما يدلّ على رفع الحكم الواقعي

تنبيه : الجواب عما يوهم فيه الترخيص في مخالفة العلم التفصيلي...................... ٥٣

الأمر الثامن : الامتثال الإجمالي.............................................. ٥٤ ـ ٥٥

الإشكال على الاكتفاء بالامتثال الإجمالي والجواب عنه

المقصد الثاني : ما يصح الاعتذار به من جهة الكشف فيه.

وفيه مباحث............................................................ ٥٩ ـ ١٥٥

تمهيد : مراتب الاطمئنان ، تبويب البحث في غير العلم ، مورد جريان أصالة عدم الحجية ، الاستدلال بالشكل الأول على عدم حجية الظن......................................................................... ٥٩ ـ ٦٠

المبحث الأول إمكان التعبد بغير العلم........................................ ٦١ ـ ٦٩

المراد من الإمكان............................................................... ٦١

الأول : القياس على الإخبار عن الله تعالى والجواب عنه.............................. ٦٢

الثاني : النقض للغرض المناقشة فيه................................................ ٦٢

الثالث : تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة والجواب

٣١٤

عنه ، تحقيق الكلام في الموضوعية والسببية في الأمارات.............................. ٦٣

الرابع : اجتماع المثلين أو الضدين الجواب عنه...................................... ٦٥

ذكر أجوبة الاصوليين عن الدليل الرابع والمناقشة فيها.......................... ٦٧ ـ ٦٩

المبحث الثاني : أصالة عدم الاعتبار وعدم صحة الاعتذار الاستدلال على هذا الأصل بالأدلة الأربعة ، المناقشة فيها. تقرير الدليل العقلي. الاستدلال بالاستصحاب على حجية هذا الأصل المناقشة فيه والجواب عنها....... ٧٠ ـ ٧٤

تقرير الأصل بوجوه اخرى والجواب عنها............................................ ٧١

التنبيه على امور :......................................................... ٧٢ ـ ٧٤

الأول : الاستدلال على حرمة التشريع ، أنحاء ما يضاف إلى الشارع ، أقسام التشريع

الثاني : حرمة الفعل المشرع فيه

الثالث : عدم الفرق بين البدعة والتشريع

الرابع : الرد على صاحب الكفاية في قوله إن حجية شيء في الدين غير مساوق لصحة انتسابها إلى الشارع الامور التي خرجت عن هذا الأصل....................................................................... ٧٥ ـ ١٣٦

الأمر الأول : الظواهر...................................................... ٧٥ ـ ٨٠

اعتبار الظواهر من الاصول النظامية ، البحث فيها صغروي وكبروي استدلال الأخباريين على عدم حجية ظواهر القرآن والجواب عنه       ٧٥

٣١٥

امور :................................................................... ٧٧ ـ ٧٨

الأول : النص والظواهر والأظهر من أوصاف اللفظ

الثاني : عدم دوران حجية الظهور مدار حصول الظن الشخصي

الثالث : للظهور مراتب متفاوتة

الرابع : في اختلاف قراءة القرآن

مناشئ الظهور............................................................ ٧٩ ـ ٨٠

وهي كثيرة ، منها قول اللغوي ، الاستدلال على حجيته ، المناقشة فيه ، تحقيق الكلام في أصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة وأصالة الظهور

الأمر الثاني : الإجماع...................................................... ٨١ ـ ٨٩

وهو إما محصل أو منقول ، كونه من الامور العرفية. ليس للإجماع موضوعية بل لأجل كشفه عن حجة طرق استكشاف رأي المعصوم عليه‌السلام......................................................................... ٨٢ ـ ٨٥

الأول : دخول شخص المعصوم ، المناقشة فيه

الثاني : قاعدة اللطف ، المراد من اللطف ، الرد عليه

الثالث : الحدس ، الجواب عنه

الرابع : تراكم الظنون ، الإشكال عليه

الخامس : لأجل كونه كاشفا عن قاعدة معتبرة

السادس : لأجل كونه كاشفا عن قاعدة معتبرة

السابع : انفراد فقيه بالرأي وادعائه الإجماع

الثامن : الإجماع القهري الانطباقي

تحقيق الكلام في الإجماع عند الإمامية............................................. ٨٥

نقل الإجماع.............................................................. ٨٥ ـ ٨٧

٣١٦

أقسام نقل الإجماع ، الإشكال على نقل السبب في الإجماع إذا لم يكن سببا تاما ، تحقيق المناط في نقل الإجماع مطلقا

التنبيه على امور :......................................................... ٨٧ ـ ٨٩

الأول : الإجماع إنما يكون معتبرا إذا حصل الاطمئنان منه

الثاني : يعرض على الإجماع ما يعرض على الخبر الواحد

الثالث : معنى قول الفقهاء «نقل الإجماع عليه مستفيض بل متواتر»

الرابع : إذا شك في أن ناقل الإجماع استند إلى الحس أو الحدس.

الخامس : معنى الإجماع المحصل

السادس : نقل كلام المحقق البحراني في الحدائق

ختام في الشياع والاستفاضة والتواتر............................................... ٨٩

الأمر الثالث : الشهرة..................................................... ٩٠ ـ ٩٨

أقسام الشهرة.................................................................. ٩٠

الإشكال على اعتبار الشهرة الاستنادية صغرى وكبرى والجواب عنه............... ٩١ ـ ٩٣

الاستدلال على اعتبار الشهرة الفتوائية ، الإشكال عليه......................... ٩٣ ـ ٩٤

التمسك بالمقبولة على اعتبار الشهرة مطلقا ، الإشكال عليه والجواب عنه.............. ٩٤

إشكال المحقق النائيني على الاستدلال والجواب عنه.................................. ٩٥

ختام فيه امور :........................................................... ٩٦ ـ ٩٨

الأول : عدم الفرق في الشهرة مطلقا بين أن يكون موردها

٣١٧

نفس الأحكام أو ما يتعلق بها

الثاني : المراد من الواجب في كلمات قدماء الأصحاب

الثالث : إطلاق الشهرة القدمائية يقتضي الاتصال إلى المعصوم

الرابع : لا أثر للشهرة الاستنادية في غير الوجوب والحرمة

الخامس : لا اختصاص للشهرة الاستنادية بخصوص مسائل الفقه

السادس : نقل كلام صاحب الجواهر في اختلاف القدماء

السابع : تفسير قول الفقهاء «على الأشهر ، عليه الأكثر ، عليه المعظم».

الثامن : طرق إحراز الشهرة

الأمر الرابع : الخبر الواحد................................................. ٩٩ ـ ١٢١

تمهيد فيه امور :......................................................... ٩٩ ـ ١٠٢

الأول : المناط في إثبات الحكم الشرعي بالخبر الواحد

الثاني : زمان حدوث البحث في الخبر الواحد

الثالث : الكلام في أن البحث في حجية الخبر الواحد من مسائل الاصول

الرابع : قد ادعي الإجماع على حجية ما في الكتب الأربعة ، الإشكال عليه والجواب عنه

أدلة عدم اعتبار الخبر الواحد والجواب عنها................................ ١٠٢ ـ ١٠٤

الاستدلال على اعتبار الخبر الواحد بالأدلة الأربعة.......................... ١٠٤ ـ ١١٥

الاستدلال من الكتاب بآية النبأ بمفهوم الشرط تارة

٣١٨

وبمفهوم الوصف اخرى......................................................... ١٠٤

الإشكال على الاستدلال بوجوه والجواب عنها.................................... ١٠٥

مناقشات لا تختص بآية النبأ بل تعمها وغيرها وردها............................... ١٠٧

إشكالات تختص بالاخبار مع الواسطة فقط............................... ١٠٧ ـ ١٠٩

كيفية الاستدلال بآية النفر ، الإشكال عليها ثم الجواب عنه........................ ١٠٩

الاستدلال بآيتي الكتمان والسؤال وآية الاذن..................................... ١١٠

الاستدلال بالأخبار المتواترة إجمالا............................................... ١١١

الإجماع والسيرة على اعتباره.................................................... ١١٢

الردّ على السيرة والجواب عنه

الاستدلال على اعتبار الخبر الواحد بوجوه عقلية والجواب عنها ، الفرق بين الانسداد الصغير والانسداد الكبير ١١٤ ـ ١١٥

نتائج البحث.......................................................... ١١٥ ـ ١٢١

الاولى : أن النزاع في اعتبار الخبر الواحد صغرويا لا أن يكون كبرويا.................. ١١٥

الثانية : العدالة في الراوي طريقية لا أن تكون موضوعية

الثالثة : مراتب الوثوق والاطمئنان............................................... ١١٦

الرابعة : الكلام في اعتبار تضعيفات بعض علماء الرجال

الخامسة : تحقيق الكلام في أقوال الرجال بالنسبة إلى الرواة.......................... ١١٧

السادسة : بيان المراد من الوثوق والصدق المعتبرين في الراوي........................ ١١٨

٣١٩

السابعة : مورد اعتبار التوثيق................................................... ١١٩

الثامنة : موجبات الوثوق بالصدور.............................................. ١٢٠

التاسعة : كلام في حال الرواة

العاشرة : أقسام وثوق الراوي................................................... ١٢١

الحادية عشر والثانية عشر : في الوثوق والتضعيف

الأمر الخامس : الاجتهاد والتقليد........................................ ١٢٢ ـ ١٣٦

تعريف الاجتهاد والتقليد....................................................... ١٢٢

آراء العلماء في الاجتهاد. وما يعتبر في الاجتهاد................................... ١٢٣

تعريف التقليد......................................................... ١٢٥ ـ ١٢٨

المطلق والمتجزي

ما يعتبر في مرجع التقليد....................................................... ١٢٦

التخطئة والتصويب ، موضوعهما وموردهما....................................... ١٢٨

أقسام التصويب والمناقشة فيها........................................... ١٢٩ ـ ١٣٠

الأعلمية.............................................................. ١٣١ ـ ١٣٣

الاستدلال على اعتبارها في المرجع والمناقشة فيه

أدلة عدم اعتبار الأعلمية والردّ عليها............................................ ١٣٢

فوائد........................................................................ ١٣٣

الاولى : بيان المراد من الأعلم

الثانية : كيفية تحقق موضوع الأعلم

الثالثة : لو شك في اختلاف الأعلم مع غيره

تبدل الرأي ، موضوعه ، مقتضى الدليل......................................... ١٣٤

تقليد الميت............................................................ ١٣٤ ـ ١٣٦

أقسامه ، البحث فيه من جهتين ، الإشكال على جوازه

٣٢٠