تهذيب الأصول - ج ٢

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

تهذيب الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

دليل وجوبه منحصر بالعلم الإجمالي بثبوت الأحكام في الواقع ، ولا أثر لهذا العلم الإجمالي أصلا.

أما أولا : فلأن الحق في بيان العلم الإجمالي أن يكون هكذا : «إنا نعلم إجمالا بتشريع أحكام في الشريعة ، لو تفحصنا عنها لظفرنا بها في موارد الطرق المعتبرة ، وقد تفحّصنا واطلعنا عليها فيها فيزول العلم الإجمالي حينئذ رأسا» ، فلا يبقى بعد ذلك موضوع لوجوب الاحتياط أصلا.

وأما ثانيا : فلأن هذا العلم الإجمالي غير منجز ، لخروج جملة كثيرة من أطرافه عن مورد الابتلاء في كل عصر وزمان من أول البعثة إلى ظهور الحجة ، إلا أن هذه الجملة تتبدل بحسب الظروف والجهات الخارجية ، كخروج أحكام العبيد والإماء ونحوها في هذه الأعصار عن محل الابتلاء ، وفي أوائل الإسلام جملة مهمة منها غير الضروريات كانت خارجة عن مورد الابتلاء.

وبالجملة : الابتلاء وعدمه من الامور التدريجية الوجود والانقضاء ، كما لا يخفى على المتأمل.

إن قيل : العلم الإجمالي الكبير يكون كذلك ، فلا تنجز له من هذه الجهة. وأما الصغير ـ وهو الحاصل بين الأحكام الابتلائية ـ فلا ريب في تنجزه فيجب الاحتياط فيه ، وهو المطلوب.

يقال : ينحل ذلك أيضا ، ولا أثر له بسبب الأمارات المعتبرة والضروريات والمسلّمات وغيرها ، فلا تنجز للعلم الإجمالي بكبيره وصغيره ، فلا وجه لوجوب الاحتياط ولا تبعيضه ، كما لا يخفى. وقد استقصى صاحب الوسائل في كتابه المسمى ببداية الهداية : الواجبات بألف وخمسمائة وخمسة وثلاثين ، والمحرمات بألف واربعمائة وثمانية وأربعين ، والظاهر أنه قدس‌سره عدّ جميع الشواذ والنوادر أيضا واستقصى ذلك نهاية الاستقصاء. ولا ريب في كفاية الأمارات والقواعد والاصول المعتبرة بهذا المقدار ، كما هو معلوم على الخبير البصير.

١٤١

وأما ما عن الشهيد قدس‌سره من أن واجبات الصلاة ألف ، وكتب فيها كتابه «الألفية». فلا يخفى أن ابتلائيات الصلاة لا تبلغ إلى ذلك الحدّ كما هو واضح على من راجعها. وأما ما ورد من أن للصلاة أربعة آلاف حدّ ، فلا بد من ردّ علمه إلى أهله ، أو حمله على بعض المحامل. هذا ما يتعلق بالاحتياط.

[الرجوع إلى الاصول العملية بيان الإشكال فيه] وأما الرجوع إلى الاصول فإن كانت مثبتة للتكليف فلا محذور من الرجوع إليها حينئذ ، وإن كانت نافية فقيل بعدم صحة الرجوع إليها إما لأجل استلزامه الخروج عن الدين ، أو لأجل الإجماع على الخلاف ، أو لأجل العلم الإجمالي بثبوت أحكام إلزامية في البين ، فيلزم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله حينئذ في قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر» ، كما يأتي بيانه. ولا مجرى لسائر الاصول معه أيضا ، لاختصاصها بالشك البدوي دون المقرون بالعلم الإجمالي ..

ويرد الأول : بأنه صحيح إن جرت الاصول النافية في جميع أحكام الشريعة أو في معظم الأحكام ، ولا يقول به أحد بل لا يرضى به عاقل ، لاختصاص مجراها لدى العقلاء بمورد فقد الأمارات والقواعد والاصول المثبتة المعتبرة ، وهي موجودة كافية. فيرجع في غير مواردها إلى الاصول النافية بلا محذور أبدا.

ويرد الثاني : باستقرار بناء الفقهاء في كل عصر إلى الرجوع إليها بعد الفحص واليأس عن غيرها ، وسيأتي أن نزاع الأخباري مع الاصولي نزاع صغروي ، لا أن يكون كبرويا.

ويرد الثالث : بما مرّ غير مرة من سقوط هذا العلم الإجمالي عن التنجز بالمرة ، فالمقتضي لجريانها في مورد فقد الأمارات ـ وهو الشك ـ موجود ، والمانع عنه مفقود ، فتجري الاصول النافية بلا محذور في البين.

إن قلت : عند تحقق الشك والظن ، مقتضى الفطرة الأخذ بالأخير ، فلا

١٤٢

تصل النوبة إلى الأصل ، فيصح استنتاج اعتبار مطلق الظن حينئذ.

قلت : نسلّم أن مقتضى الفطرة في الظنون الخاصة المعتبرة بالخصوص.

وأما مطلق الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل فاقتضاؤها للأخذ به وترك الأصل الذي دل على اعتباره الأدلة ممنوع ، كما لا يخفى.

وأما لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله ، فالجواب عنه إن محذور جريان الاصول النافية في أطراف العلم الإجمالي ..

تارة : ثبوتي.

واخرى : إثباتي.

أما الأول : فالقول بوجوب الاجتناب ـ مثلا ـ عن جميع الأطراف مقدمة للعلم ، وعدم وجوب الاجتناب عن أحدهما محذور بنفسه ، لا ينبغي صدوره عن عاقل فضلا عن الحكيم. وكذا عدم وجوب الاجتناب عن الأطراف جميعا ، للأصل مع وجوب الاجتناب عن أحدها لا بعينه.

وأما الثاني : فإنه بناء على شمول اليقين في قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر» لليقين الإجمالي أيضا. فتقرير لزوم التناقض أن مقتضى الصدر حرمة نقض اليقين بالشك في كل واحد من الطرفين ، ومقتضى الذيل حينئذ عدم حرمة نقض اليقين بالشك في مورد العلم الإجمالي ، فيلزم التناقض.

ويرد عليه .. أولا : إمكان منع شموله لليقين الإجمالي فلا يلزم المحذور أبدا.

وثانيا : على فرض الشمول إن اليقين الاجمالي إما أن يلحظ بالنسبة إلى يقين كل واحد من الطرفين بالخصوص الذي كان سابقا ، ثم شك في البقاء ، أو بالنسبة إلى مجموعهما من حيث المجموع ، أو بالنسبة إلى المردد من حيث الترديد ، أو بالنسبة إلى المعلوم واقعا وفي علم الله تعالى.

١٤٣

أما الأول : فلا ريب في عدم اليقين بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين على خلاف اليقين الاستصحابي.

وأما الثاني : فلا ريب في عدم تحققه في الخارج حتى يكون مجرى الاستصحاب ويلزم التناقض بين صدره وذيله ، فإن مجراه هو الفرد الشخصي الخارجي دون المجموع من حيث المجموع الذي ليس إلا أمرا وهميا فقط.

وأما الثالث فلا تحقق له أصلا ، إذ التحقق والوجود مساوق للتشخّص في الجملة ، والمردد من حيث هو لا تشخّص له رأسا. وأما الرابع فهو حق ولكنه ليس مجرى الاستصحاب في شيء حتى يلزم التناقض في دليله ، إذ لا شك فيه مع أنه ليس له أثر عملي لفرض التردد الظاهري هذا.

ولكن يمكن أن يقال : إن التنافي الثبوتي بين جريان الاصول النافية في الأطراف والعلم الإجمالي بالخلاف ، يسري إلى مقام الإثبات أيضا ، لمكان التلازم العرفي بينهما ، كما هو أوضح من أن يخفى. ولعل هذا مراد من قال بلزوم التناقض أيضا أي التنافي بالعرض لا بالذات ، فيصح أن يجمع بهذا بين الكلمات ، فمن ينفيه يريد به ما بالذات ، ومن يثبته يريد ما بالعرض.

فتلخّص مما مرّ : أنه لا نتيجة لدليل الانسداد أصلا ، وعلى فرضها فهي تكون التبعيض في الاحتياط ، لو فرض أن دائرة العلم الإجمالي بالأحكام تكون أوسع من موارد الأمارات ، والقواعد ، والاصول المعتبرة فيعمل حينئذ بالاحتياط حتى يضعف العلم وتصير الأطراف عرفا كالشك البدوي ، فيعمل بالاصول النافية حينئذ. فمن قال بأن النتيجة ـ على فرض التمامية ـ العمل بالاصول النافية. أي بعد ضعف العلم الإجمالي وصيرورة أطرافه كالشك البدوي ، ومن قال بأن النتيجة التبعيض في الاحتياط أي قبل ذلك ، فيصير هذا النزاع أيضا لفظيا بلا ثمرة ، فراجع وتأمل.

١٤٤

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : هل تكون نتيجة دليل الانسداد ـ على فرض تماميتها ـ اعتبار الظن في المسألة الاصولية أي الحجية والطريقية فقط ، أو في نفس الأحكام فقط ، أو فيهما معا.

والحق سقوط هذا البحث من أصله لأن نفس دليل الانسداد من المسائل الاصولية ، والمناط في المسألة الاصولية ما كانت مستلزمة لصحة الاعتذار ، وحينئذ فكل ظن مطلق صح الاعتذار به لدى الشارع الأقدس يشمله دليل الانسداد ، سواء كان في الطريق ، أو في الحكم ، أو فيهما معا بلا واسطة ، أو معها وما لا يصح فلا يشمله الدليل ، سواء كان في الطريق أو في غيره ، مع أن ظاهرهم التسالم على لزوم الأثر الشرعي فيه ، مضافا إلى أن الظن بالطريق في الغالب يستلزم الظن بالواقع وبالعكس.

نعم ينفك كل منهما عن الآخر عقلا بل وأحيانا في الخارج أيضا ، ولكنه ليس بنحو يفصل فيها لقول.

واستدل من قال بالاختصاص بخصوص الطرق ..

تارة : بانحصار الواقعيات بمؤدياتها.

ويرد : بأنه إما من التصويب المحال ، أو المجمع على بطلانه.

واخرى : بأن امتثال التكاليف مقيد بأن يكون منها.

ويرد : بعدم دليل عليه بعد الانسداد.

نعم ، منع عن العمل بالقياس والاستحسان ونحوهما ، وذلك لا يستلزم التقييد ، مضافا إلى ما مرّ من الملازمة الغالبية بينهما ولا وجه للتقييد ، كما لا يخفى.

وثالثا : بأن الظن بالطريق أقرب إلى الواقع.

١٤٥

ويرد : بأنه من مجرد الدعوى.

ورابعة : بأنه كما إنا نعلم بالواقع نعلم بجعل طرق إليه أيضا ، وبعد تمامية المقدمات يعمل بالظن بالطريق وفي غيره يرجع إلى البراءة.

ويرد : بأن الطريق المجعول لا موضوعية فيه بوجه ، بل هو طريق محض إلى الواقع ، والمدار كله عليه فجعل الطريق على فرض حجيته لا أثر له إلا الطريقية ، بلا فرق بينهما مع الملازمة الغالبية بينهما ، فالحق عدم الفرق في الحجية على فرض تمامية المقدمات بين الظن بالواقع ، أو بالطريق ، أو بهما معا.

الثاني : هل تكون النتيجة بعد تمامية المقدمات اعتبار الظن شرعا ـ المعبر عنه بالكشف ـ أو لغاية امتثال المظنونات ـ المعبر عنه بالحكومة ـ الحق هو الأخير ، لأنه بعد فرض تماميتها يحكم العقل بكفاية الامتثال الظني ما لم يردع عنه الشرع ، ولا ردع إلا في مثل القياس ، فلا نحتاج بعده إلى استكشاف حكم الشرع ، ولو فرض ذلك لكان إرشادا محضا ، لفرض كفاية المقدمات في لزوم الامتثال الظني وكفايته عقلا ، فيكون حكم الشرع حينئذ إما إرشادا أو مؤكدا لحكم العقل. هذا مع أن المقدمات إما عقلية أو عقلائية. فتكون النتيجة تابعة لها أيضا ، لأن العلم بالأحكام وجداني وانسداد بابي العلم والعلمي على فرض التمامية كذلك ، وبطلان الإهمال عقلي أيضا ، لأنه ظلم وكفران بالنسبة إلى المنعم الحقيقي ، بل ظلم بالنسبة إلى نفس المكلف أيضا ، وبطلان الاحتياط المطلق بل عدم جوازه كذلك. وكذا الرجوع إلى الاصول النافية مطلقا ورجوع العالم إلى غيره أيضا خلاف مرتكزات العقلاء ، وقبح ترجيح المرجوح على الراجح عقلي فتكون النتيجة عقلية لا محالة. وابتناء الكشف والحكومة على أنه إن كان مدرك بطلان المقدمة الثالثة الإجماع القطعي ، أو الخروج من الدين فيتعين الكشف حينئذ ، وإن كان مدركه غيرهما فالحكومة لا وجه لها ، إذ الإجماع القطعي أو الخروج من الدين لا موضوعية لهما قطعا ، بل مرجعهما إلى أن ترك الامتثال

١٤٦

المطلق بعد العلم بالتكاليف ظلم على المنعم وعلى النفس فيرجعان إلى ما مرّ ولا محالة تكون النتيجة الحكومة.

إن قلت : إن مدرك بطلان مطلق الاحتياط هو الإجماع وهو شرعي ، والنتيجة تابعة لأخس المقدمات فيستفاد منه جعل الشارع للظن حجة.

قلت : بطلان الاحتياط المطلق أوضح من أن يتمسك له بالإجماع ، ولا ريب في كونه عقلائيا ، ولو فرض تمامية الإجماع فهو حاصل من المرتكزات العقلائية ، لا أن يكون إجماعا فقهيا معتبرا ، كما لا يخفى.

إن قلت : معنى الحجية هو أن يكون الشيء تخصص به العمومات أو تقيد به المطلقات ، ويعمل به كسائر الحجج المعتبرة. والظن بناء على الحكومة ليس كذلك ، لأن معناه ـ كما مرّ ـ كفاية الامتثال الظني ، وليس هذا من الحجية في شيء ، بل يكون مثل كفاية الاحتياط في الامتثال.

قلت : الحجة عند العقلاء ، ما يصح أن يحتج بها العبد لدى المولى ؛ مع أن من مقدماته العلم بالأحكام وهو حجة بالذات ، ولا ريب في إطلاقها بهذا المعنى على الظن بناء على الحكومة ، فلا محذور في أن يخصص به عام أو يقيد به مطلق. هذا مع أن الحجية إنما هي لأجل الطريقية للامتثال ولا موضوعية فيها بوجه ، وهو الأصل الذي لا بد وأن يعتنى ويهتم به ، فلا ثمرة عملية في هذا البحث بل ولا علمية معتنى بها وإن اطيل الكلام فيه.

الثالث : هل النتيجة كلية ـ بمعنى اعتبار الظن من أي سبب حصل وفي أي مورد ، وبأي مرتبة كان ـ أو هي مهملة ويحتاج في التعميم إلى دليل آخر فيكون دليل الانسداد على فرض التمامية جزء الدليل لا تمامه؟

الحق هو الأول إلا مع القرينة على الخلاف ، لأن مقتضى طبع الاستدلال على شيء أن يكون وافيا بحدود المدلول وقيوده مطلقا ، وذلك مقتضى السيرة العقلائية أيضا في استدلالاتهم في علومهم ومحاوراتهم ، والإجمال والإهمال

١٤٧

في الأدلة خلاف السيرة العقلائية ، ولا فرق فيه بين الكشف والحكومة.

نعم ، مع وجود الظن الاطمئناني في البين وكفايته ، مقتضى بناء العقلاء والمتشرعة عدم التعدي عنه إلى غيره ، وكذا لو فرض أهمية المورد بحيث لا يكتفى فيه بغير الاطمئناني ، أو بأصل الظن مطلقا وتشخيص ذلك ليس من وظيفة الاصول ، بل لا بد وأن يثبت في الفقه ، ويكفي فيه هذا المقدار من البحث.

ويمكن جعل النزاع لفظيا ، فمن قال بالإهمال أي الاكتفاء بالقدر المتيقن لو كان ، ومن قال بالتعميم قال به بحسب عموم الدليل ثبوتا ، ولكن مع وجود القدر المتيقن الكافي لا ريب في الاقتصار عليه خارجا ، ولا يجترئ كل فقيه أن يتعدى عنه.

ثم إنه لو كانت أسباب حصول الظن ومرتبته وموارده متحدة من تمام الجهات فالنتيجة كلية لا محالة ، ومع الاختلاف بالقوة والضعف وبالأهمية يتحقق القدر المتيقن ، فيقتصر عليه مع الكفاية ويتعدى عنه مع عدمها.

ولا يخفى سقوط هذا النزاع وعدم الثمرة له من أصله لعدم اجتراء أحد على التعدي عن المتيقن إلى غيره ، سواء قيل بالكلية أو بالإهمال.

وكيف كان ، فإنه بناء على الإهمال استدلوا بوجوه للتعميم :

منها : دعوى الإجماع عليه.

ويرد : بأن المسألة من المستحدثات ، مع أن التعميم مع الاحتياج إليه في الجملة من المرتكزات ، فكيف يكون هذا من الإجماع التعبدي الذي يستكشف منه رأي الإمام عليه‌السلام ، لا سيما في هذه المسألة المبتنية على مقدمات جعلية فكرية كجملة من المقدمات المنطقية ، ويجلّ شأن الإمام عليه‌السلام من التدخل في مثل هذه المقدمات وتوابعها.

ومنها : الظن المطلق بعد تمامية المقدمات يكون كالقطع ، فلا فرق فيه بين الموارد والأسباب والمراتب.

١٤٨

ويرد : بأنه كذلك لو لم يكن قدر متيقن للثلاثة ، من السبب ، والمورد ، والمرتبة في البين ، ومع وجوده يكون القياس مع الفارق ، كما لا يخفى على كل أحد.

ومنها : مقتضى العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في جميع موارد الظنون ومراتبها وأسبابها هو التعميم ، مع أنه مقتضى قاعدة الاشتغال بعد العلم باعتبار الظن في الجملة.

ويرد : بانحلال العلم الإجمالي بما هو متيقن الاعتبار في الجهات الثلاث ، ومعه لا موضوع لقاعدة الاشتغال في غير معلوم الاعتبار.

الرابع : قد استشكل في النهي عن الظن القياسي بعد تمامية مقدمات الانسداد من وجهين :

أولهما : أنه قد يصيب الواقع وقد يخطئ ، كسائر الظنون ، فالنهي المطلق عنه ، تفويت للواقع على المكلفين عند الإصابة ، وهو مناف لمقام الشارعية.

ويرد عليه : بأن إصابة الواقع فيه أحيانا مع المفاسد الكثيرة المترتبة عليه من الخير القليل النادر المستلزم للشر الكثير ، وليس بناء العقلاء في مثله الأخذ بالخير القليل النادر والتحمّل للشر الكثير الغالب ، بل ولا يلتفتون إلى مثل هذا الخير القليل أصلا ، ولا فرق في هذا الإشكال بين الكشف والحكومة.

ثانيهما : بناء على الحكومة يكون الظن كالقطع عند العقل فكما لا وجه للنهي عن اتباع القطع ، فكذا الظن الانسدادي بناء عليها ، وقد اشتهر : أن الأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص.

ويرد : بأن الحكم العقلي غير القابل للتخصيص منحصر في ما إذا كان العقل الحاكم به محيطا بما له دخل في حكمه جزئية وكلية ، جزء وكلا ، إحاطة واقعية من كل حيثية وجهة ، ومثل هذا العقل منحصر بالعقول المؤيدة بروح القدس ، فإنه يكشف عليهم الواقع فيرونه على ما هو عليه ، وأما سائر العقول

١٤٩

فمطلق أحكامهم تعليقية وليست تنجيزية ، فهي معلّقة على عدم ورود التخطئة أو التخصيص من عقل آخر يكون قاهرا عليها الذي يكون نسبة جميع العقول إليه نسبة الشمع إلى الشمس ، فمع ورود التخطئة أو التخصيص لا حكم أصلا لها ، كما لا يخفى.

الخامس : لو قام ظن على عدم اعتبار ظن آخر يتعين الأخذ بالظن المانع ، لأن طرحهما معا مخالف لفرض تمامية النتيجة ، والأخذ بهما معا مخالف لاعتبار الظن المانع ، والأخذ بالممنوع ترجيح المرجوح على الراجح ، فيكون المقام من قبيل دوران الأمر بين التخصيص والتخصص ، فإن إخراج الظن المانع عن المقدمات يحتاج إلى مخصص ، ولكن خروج الظن الممنوع عنها يثبت بوجود الظن المانع ، ومع دوران الأمر بينهما مقتضى المحاورات العقلائية تقديم التخصص على التخصيص.

السادس : نتيجة دليل الانسداد على فرض التمامية إما حجية الظن في إثبات الواقع المعبّر عنه بالكشف ، أو كفاية امتثال مظنونات التكليف ـ المعبّر عنه بالحكومة ـ وأما اعتبار الظن بالفراغ بعد تعلّق أصل التكليف وثبوته بحجة معتبرة ، فلا ربط له بدليل الانسداد أصلا ، لعدم تكفّل مقدماته له. والنتيجة تابعة لها ، لأنه من المقدمات العلم بالواقع إجمالا ، وانسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إليه ، وأين هذا مما إذا علم الواقع وتنجز التكليف به فعلا من كل جهة وظن بامتثاله؟! فمقتضى أصالة عدم الحجية عدم اعتبار مثل هذا الظن مع ما ارتكز في الأذهان : إن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ كذلك : إلا إذا دلّ دليل خاص على تسهيل الشارع وتيسيره ، والاكتفاء بالامتثال الاحتمالي أيضا ، كما دل على عدم الاعتبار بالشك بعد الوقت ، وبعد الفراغ ، والتجاوز عن المحل ، ومثل حديث : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» ، وغيره من القواعد الامتنانية التسهيلية.

السابع : الظن غير المعتبر ساقط عن الاعتبار مطلقا ، فلا يجبر به ضعف

١٥٠

السند ولا الدلالة ولا جهة الدلالة ، كما لا يوهن به ذلك كله ، لفرض عدم اعتباره.

نعم ، بناء على اعتبار الخبر الموثق به لو حصل به الوثوق صح الاعتماد عليه حينئذ من جهة الوثوق ، كما أنه لو كان من القرينة المحفوفة بالكلام التي منعت عن تحقق الظهور ، يسقط الظهور حينئذ ، فتكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، لا لأجل اعتبار الظن ، كما أنه لو كان في الفقه مورد دلّ الدليل فيه على اعتبار مطلق الظن فيه ، يعمل به ولو لم يكن معتبرا لأجل الدليل حينئذ ، وقد مرّ بعض القول في بحث الظواهر والتعارض أيضا.

الثامن : هل يكون الظن ـ خاصا كان أو مطلقا على فرض اعتباره ـ معتبرا في الاعتقاديات ، كاعتباره في الفرعيات؟

الحق أن يقال : إن الاعتقاديات على قسمين ..

الأول : ما وجب فيه تحصيل العلم.

والثاني : لا يجب فيه ذلك ، بل وجب الاعتقاد به على ما هو عليه في الواقع ولو لم يعلم ، ولا موضوع لاعتبار الظن بقسميه فيهما ، كما يأتي. ومن الأول معرفة المبدئ تعالى ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمامة التي هي من المناصب الإلهية.

واستدل على وجوب المعرفة فيها عقلا ..

تارة : بقاعدة حسن شكر المنعم ، إذ لا ريب في كون الله تعالى هو المنعم على الكل بجميع أنحاء النعم ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام وسائط الفيض والنعمة ، كما لا ريب في توقف الشكر على معرفة المنعم والواسطة ، فتجب المعرفة عقلا.

ويرد عليه .. أولا : أن شكر المنعم حسن عقلا ، وليس كل ما هو حسن عقلا بواجب كذلك ، فلا تتم قاعدة المقدّمية في المقام إلا بناء على وجوب الشكر ، وهو يحتاج إلى دليل عقلي آخر.

وثانيا : أن معرفة الله التي هي أجلّ الكمالات النفسانية أجلّ من أن يكون

١٥١

وجوبها غيريا ، بل لا بد وأن يكون نفسيا ، وكذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام.

واخرى : بقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل التي هي من القواعد العقلائية في الجملة ، إذ لا ريب في احتمال الضرر في ترك معرفة الله تعالى والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام ، خصوصا مع احتمال أن الله تعالى يريدها من خلقه ، فيحكم العقل بوجوبها دفعا للضرر.

إن قيل : الضرر المحتمل إن كان دنيويا فليس كل احتمال ضرر دنيوي بواجب الدفع ، كما مرّ. وإن كان أخرويّا فهو متوقف على تحقق المخالفة ، وهو متوقف على إثبات المولوية له تعالى وصدور الأمر منه وثبوت المخالفة ، وذلك كله متأخر عن أصل المعرفة ، فكيف تثبت به المعرفة.

قلنا : المراد بالضرر في المقام الدنيوي والاخروي معا لأهمية المورد الذي لا أهم منه. أما الضرر الدنيوي فلأن الجهل بالله تعالى وبنبيه وخليفته نقص نفساني ، فإذا كان عدم العلم بالحساب ، والنحو والصرف ونحوها نقصا عرفيا عقلائيا ، فكيف لا يكون في الجهل بما هو أهم الكمالات النفسانية نقصا.

وأما الضرر الاخروي فهو وإن كان في الغالب مترتبا على مخالفة التكليف ولكن ليس متقوّما بذلك ، بل المناط فيه تفويت الواقع بعد التوجه إليه في الجملة عن عمد واختيار ، ولا ريب في المقام بعد احتمال العقاب في ترك المعرفة واحتمال أن الله تعالى يريدها من عباده.

وأما المعاد فاستدل على وجوب معرفته في الجملة ..

تارة : بأن العلم به مقدمة لامتثال التكاليف ، فيجب من باب المقدّمة.

ويرد : بأنه لا كلية فيه ، لأن من عباد الله تعالى من يعبده حبا له تعالى ، لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته.

واخرى : بأنه من ضروريات الإسلام ، بل جميع الشرائع الإلهية.

ويرد : بأن وجوب معرفته حينئذ شرعي لا أن يكون عقليا ، كسائر

١٥٢

الضروريات.

وثالثة : بأن في ترك معرفته احتمال الضرر بنحو ما مرّ في معرفة الله تعالى ، والظاهر صحته ، كما لا يخفى.

فتلخّص : أن دليل الوجوب العقلي لمعرفة المبدأ والمعاد ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام هو قاعدة دفع الضرر المحتمل ، فتبصّر. هذا ما يتعلّق بأصل المعرفة.

وأما إثبات أصل وجود الله تعالى ونفي الشريك عنه ، وتوحيده الذاتي ، وانحصار المعبود به تعالى ، وإثبات وجوب وجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام ، فمحل البحث عن ذلك في علم الحكمة والكلام.

ثم إنه قد استدل على وجوب المعرفة ..

تارة : بالإجماع.

ويرد : بعدم كونه إجماعا تعبّديا ، بل هو حاصل مما ارتكز في الأذهان من قاعدة دفع الضرر.

واخرى : بما ورد في الترغيب إلى المعرفة والعلم.

ويرد : بأنه أعم من الوجوب مع أن الوجوب المولوي متوقّف على معرفة المولى ، فلو توقفت عليه لدار ، وعلى فرض دفع الدور بالإجمال والتفصيل وتمامية الاستدلال ، يكون إرشادا إلى ما حكم به العقل.

وثالثة : بقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) بناء على تفسير العبادة بالمعرفة.

وفيه : مضافا إلى ما ورد على سابقه أخيرا ، أن المراد بالمعرفة ـ على فرض صحة التفسير بها ـ إما المعرفة بمعنى الغاية التكوينية ، أو الغاية الجعلية ، أو المعرفة الحاصلة من العبادة. والأول مستلزم للكذب ، والثاني حاصل ، كما ورد في الحديث عن الصادق عليه‌السلام : «خلقهم ليأمرهم بالعبادة» ، وقد تحقق ذلك ، عبده أحد أو لا.

١٥٣

وبعبارة اخرى : غاية الخلق بيان التكاليف بواسطة الأنبياء والرسل ، وقد حصل وثبت بأحسن وجه. والأخير لا ربط له بالمقام ، مع أنه لا بد وأن يحمل على المعرفة الكاملة الحاصلة من العبادة لا أصل ذات المعرفة ، لأن العبادة متوقفة عليها ، كما لا يخفى.

ورابعة : بآية النفر وهي قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

وفيه : أنها في مقام الترغيب إلى التفقه وكيفيته في الجملة ، وأما ما يجب التفقه فيه فليست في مقام بيانه ، وعلى فرضه تكون إرشادا إلى حكم العقل لا أن يكون دليلا مستقلا.

فوائد :

الاولى : لا ريب في أن مجرد المعرفة أعم من الاعتقاد والجزم ، والواجب في الاصول الأربعة ـ التوحيد ، والمعاد ، والنبوة ، والإمامة ـ الاعتقاد والجزم دون مجرد المعرفة ، لأن احتمال دفع الضرر لا يندفع بمجرد العلم من دون اعتقاد وجزم. وكما أن العلم في الأحكام الفرعية العملية طريق إلى العمل يكون في الاعتقاديات طريقا إلى عقد القلب والجزم بما علم ، فلا يكفي مجرد العلم والمعرفة.

الثانية : لا يعتبر في المعرفة أن تكون حاصلة عن الاستدلالات الكلامية والحكمية أو غيرهما من البراهين العلمية ، بل يكفي حصول الاعتقاد والجزم ولو من تلقين الآباء والأجداد ونحوهم ، للاتفاق على صحة إسلام العوام وغيرهم ممن حصل لهم الجزم بها مما ذكر ، ولا يقدرون على شيء أزيد منه.

١٥٤

الثالثة : للاعتقاد والجزم مراتب متفاوتة يكفي أدناها في تحقق الإسلام والإيمان ، لثبوت سيرة الأنبياء والأوصياء العظام (عليهم الصلاة والسلام) على الاكتفاء بذلك بالنسبة إلى السواد ، ولو لا ذلك لاختل النظام وتعطّلت الأحكام ، فمن أقرّ بالشهادتين يترتب عليه جميع أحكام الإسلام ، ومن لم يقرّ بهما لا يترتب عليه أحكامه ، سواء كان قاصرا أو مقصرا مطلقا.

وأما استحقاق العقوبة فمقتضى الأدلة ثبوته بالنسبة إلى المقصر الملتفت ، بل وغيره أيضا مع الانتهاء إلى الاختيار. وأما بالنسبة إلى القاصر فالله تعالى أعلم بما يفعل به ، وفي بعض الأخبار أنه تتم عليه الحجة في البرزخ ، وللقصور مراتب أيضا.

منها : ما إذا لم يكن للشخص استعداد فهم الامور.

ومنها : ما إذا كان له ذلك ولكن لم يلتفت إلى اختلاف الأديان أصلا.

ومنها : ما إذا التفت إليه ولكن قطعه بحسن طريقة الآباء والأجداد ، وعدم احتماله للخلاف يمنعه عن اتباع الحق. ولا ريب في وجود القسم الأول والأخير في الجملة ، وأما الثاني فالظاهر عدم تحققه خصوصا في هذه الأعصار ، وبذلك يمكن أن يجمع بين الأقوال والأخبار ، فما يظهر منها عدم وجوده أي القسم الثاني.

الرابعة : ما كان من الاعتقاديات يعتبر فيها تحصيل الجزم ، فلا وجه لاعتبار الظن فيها مطلقا ، لعدم كونه من الجزم أبدا ، وكذا ما يعتبر فيه الاعتقاد بالواقع على ما هو عليه ، لأن عقد القلب شيء غير الظن ، فلا مورد لاعتبار الظن في الاعتقاديات مطلقا.

١٥٥
١٥٦

المقصد الثالث

الاصول العملية

١٥٧
١٥٨

وفيه فصول :

تقدم أن ما يصح الاعتذار به إما أن يكون عذرا بنفسه أو تكون العذرية لأجل الكشف الناقص فيه ، وقد سبق القول فيهما.

والكلام فعلا في ما يصح الاعتذار به من دون جهة كشف فيه أبدا ، وهو الشك الذي يكون مجرى الاصول العملية.

وهي كثيرة أهمها وأعمها الأربعة المعروفة : البراءة ، والتخيير ، والاحتياط ، والاستصحاب ، وقد مرّ حصر مجاريها في أول الكتاب. واعتبارها إنما هو في ظرف الجهل واستتار الواقع وفقد الحجة المعتبرة بحيث يكون ذلك من مقوماتها ، فلا اعتبار لهذه الاصول معها مطلقا ، ولذا ترد عليها كل حجة لزوال موضوعها بوجود الحجة. كما أن الجهل بالواقع يكون موردا لجعل الأمارات المعتبرة أيضا.

والفرق بين الجهلين أنه في مورد الاصول قيد لاعتبارها ، فلا أثر لها مع إمكان تحصيل الحجة على الواقع بخلافه في مورد الأمارات فإنه فيهما حكمة الجعل لا أن يكون علة المجعول حدوثا وبقاء ، إذ رب أمارة تكون معتبرة حتى في صورة إمكان تحصيل العلم بالواقع ، ولا يبعد أن تكون أصالتا الصحة والطهارة أيضا كذلك.

كما أنه قد يكون الجهل بالواقع موردا لحكم واقعي آخر ، كالجهر في محل الإخفات وبالعكس جهلا بالواقع فإنه مورد سقوط الإعادة أو القضاء واقعا ، وله نظائر كثيرة في الفقه ، كما لا يخفى على الخبير.

١٥٩

ولا بد من تقديم أمور :

الأول : مورد الاصول مطلقا الجهل الثابت المستقر ، ولا استقرار له إلا بعد الفحص عن الحجة واليأس عنها ، فلا اعتبار لها أصلا إلا بعد اليأس العقلائي عنها.

ثم إنه بعد اليأس عن الظفر بها لا فرق في منشأ حصول الجهل بالواقع بين كونه فقدان النص ، أو إكماله ، أو تعارضه بناء على السقوط حينئذ ، فالمرجع في الجميع هو البراءة في الشبهات الحكمية ـ تحريمية كانت أو وجوبية ، وغيرية كانت أو نفسية ـ فلا بد وأن يجعل الجميع بحثا واحدا ولا وجه لتكثير البحث والعناوين ، واختصاص بعض الأقسام بقول دون البعض الآخر لا يوجب تعدد المبحث ، كما هو واضح. كما أنه لو قلنا في تعارض النصين بالتخيير يخرج عن مورد البراءة أصلا ولا ربط له بها حينئذ.

الثاني : البحث عن حكم الشبهات الموضوعية مطلقا خارج عن فن الاصول ، لأنه متكفل للبحث عن الكليات التي يصح الاعتذار بها في الشريعة ، والشبهات الموضوعية بمعزل عن ذلك ، فالبحث عنها فيه مطلقا استطرادي ، والفقيه والعامي فيه على حدّ سواء.

الثالث : بحث الحظر والترخيص أعم موردا عن بحث البراءة ، إذ لا وجه للثاني إلا بعد ورود الشريعة والتفحّص في الأدلة ، ويصح الأول حتى قبل التشريع أيضا ، بأن يقال : إن مقتضى العبودية هو المنع عن كل شيء مطلقا إلا بعد إذن المعبود ، أو يقال : إن مقتضى كثرة عناية المعبود هو الترخيص في كل شيء إلا مع التصريح بالمنع.

الرابع : المراد بالجهل والشك في مورد الاصول عدم الحجة المعتبرة ، فيعم موارد وجود الظنون غير المعتبرة أيضا.

١٦٠