تهذيب الأصول - ج ١

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

تهذيب الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
المطبعة: مطبعة الهادي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

هذا كله لو لم تكن مقدمات الواجبات والمندوبات بنفسها مطلوبة بالذات ولم تكن مقدمة مبغوضة كذلك ، وإلا فترتب الثواب والعقاب معلوم لا شبهة فيه.

ثم إنه لا إشكال في حرمة السفر لغاية محرّمة ووجوب الإتمام في مثل هذا السفر وليس ذلك مبنيا على حرمة مقدمة الحرام ، بل لأجل دليل مخصوص ، كما فصلناه في المهذب ، فراجع.

٢٢١

الثالث : اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده

تمهيد

هذه المسألة أيضا من المسائل الاصولية العقلية غير المستقلة بناء على الملازمة ، أو المقدمية. وأما بناء على أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده ، أو أن النهي عن الضد جزء مدلوله ، أو من لوازمه العرفية المتوقفة على الاستظهار من الأدلة ، فتكون من مباحث الألفاظ.

وحيث أن الأولين باطلان ، والأخير يرجع بالآخرة إلى الملازمات العقلية ، بل من بعض مراتبها ، جعلناها من العقليات غير المستقلة.

ثم إن المراد بالاقتضاء في كلماتهم أعم من العينية والجزئية واللزوم مطلقا ، إذ قال بكل قائل ، فلا بد أن يكون مورد النزاع مجمع الأقوال.

كما أن المراد بالضد مطلق المعاند والمنافي ، أي الضد العرفي لا خصوص الضد الاصطلاحي الحكمي ، فيشمل الترك الذي يعبّر عنه بالنقيض.

والضد الخاص ، كالضدين اللذين لا ثالث لهما ، والقدر المشترك بين الأضداد الوجودية الذي اصطلحوا عليه بالضد العام.

الأقوال في المسألة

١ ـ الترك :

فقد قيل فيه ـ الذي يعبّر عنه بالنقيض ـ بأن الأمر بالشيء عين النهي عنه بالمطابقة. ولكنه مردود بانتفاء العينية ـ لا المفهومية ولا الخارجية ـ وجدانا فيكون من مجرد الدعوى بلا دليل.

وقيل : بأنه جزء مفهومه فيدل عليه بالدلالة التضمنية ، وفيه ما سبق تحقيقه

٢٢٢

من أن الوجوب بسيط لا تركب في حقيقته. وإنما هو في مقام شرح الاسم تسهيلا للأفهام ، فجعلوا المركب مشيرا إلى العنوان البسيط ، وكم له نظير عقلا وعرفا ، لا أن يكون التركب في مرتبة الذات والحقيقة ، كما لا يخفى على ذوي البصيرة.

وعن جمع أنه بالملازمة ، لأن طلب الشيء يلازم مبغوضية تركه ، وهذا وجه حسن ثبوتا وإثباتا.

٢ ـ الضد العام والخاص :

وقد استدل على الاقتضاء فيهما بوجهين :

الوجه الأول : عن جهة الملازمة ، ودليلهم مركب من مقدمات ثلاث :

أولاها : وجوب كل ضد ملازم لعدم الضد الآخر فيما لا ثالث له ، وعدم الأضداد الأخر فيما له ثالث ، وهذه المقدمة من الواضحات التي لا ينكرها أحد.

ثانيتها : المتلازمان متحدان في الحكم ، فلو كان أحدهما واجبا يكون الآخر أيضا كذلك ، لاقتضاء التلازم ذلك ، فإذا كانت إزالة النجاسة عن المسجد واجبة نفسية ذاتية فورية ، يكون ترك الصلاة الملازم لها أيضا واجبا نفسيا ذاتيا ، لمكان الملازمة بينهما خارجا.

ثالثتها : تقدم أن وجوب الشيء ملازم لمبغوضية نقيضه ، فإذا كان ترك الصلاة الملازم مع وجود الإزالة واجبا نفسيا ذاتيا فوريا ، يكون فعل الصلاة مبغوضا وحراما ، لأن الفعل نقيض الترك وبديله بالوجدان فتفسد لا محالة ، لأن مبغوضية العبادة عبارة اخرى عن فسادها ، كما لا يخفى.

فالنتيجة أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ـ خاصا كان الضد أو عاما ـ.

ويرد على هذا الاستدلال : بأن المقدمة الاولى والأخيرة وإن كانت

٢٢٣

صحيحة إلا أن المقدمة الثانية باطلة ، إذ لا دليل من عقل أو نقل على أن التلازم الوجودي بين المتلازمين موجب للتلازم الحكمي أيضا بالنسبة إلى الحكم الواقعي.

نعم ، لا يصح اختلافهما في الحكم الفعلي ، ولكن يصح أن لا يكون الملازم محكوما بحكم فعلي ظاهري أبدا.

وما يقال : من عدم جواز خلوّ الواقعة من الحكم ، إنما هو بالنسبة إلى الحكم الواقعي النفس الأمري دون الظاهري الفعلي. نعم ، لو كانت الملازمة موجبة لتحقق المصلحة أو المفسدة في اللازم فلا ريب في كونه موجبا للمشاركة في الحكم ، وبذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا ، فمن قال بأن التلازم يوجب الاتحاد في الحكم ، أي في ما إذا أوجب وجود الملاك للحكم أيضا. ومن قال بالعدم ، أي فيما إذا لم يوجب ذلك.

والحاصل : أن في مورد الملازمة الوجودية إما أن يكون التلازم الوجودي موجبا لوجود مناط الحكم في اللازم أو لا ، وعلى الثاني إما أن يكون اللازم محكوما بخلاف حكم ملازمه فعلا ، أو لا حكم له ظاهرا ، أو تكون الملازمة موجبة للحكم بلا ملاك.

والأول صحيح لا بأس به. والثاني باطل. والثالث لا بأس به. والأخير باطل ، لبطلان الحكم بلا ملاك.

[الوجه الثاني : من جهة مقدمية عدم أحد الضدين لوجود الآخر ، وقد تشتّت أقوالهم في ذلك.

١ ـ فمن قائل بأن ترك أحدهما مقدمة لوجود الآخر ، وبالعكس.

٢ ـ وعن آخر أن ترك أحدهما مقدمة لوجود الآخر من دون عكس.

٣ ـ وعن ثالث عكس ذلك.

٤ ـ وعن رابع التفصيل بين الضد الموجود خارجا ، فيتوقف وجود الآخر

٢٢٤

على رفعه ، وفي غير هذه الصورة توقف في البين رأسا.

وهذه الأقوال كلها باطلة لا يمكن المساعدة عليها بوجه.

أما الأول : ففساده غني عن البيان ، لأنه دور واضح بالعيان ، إلا أن يقال : بأن التوقف من طرف الوجود فعلي ، ومن طرف الترك ـ الذي هو ضد العدم ـ شأني اقتضائي ، إذ لا عليّة ولا معلولية في الأعدام ، كما ثبت في محله ـ فلا محذور في هذا النحو من الدور ـ بل التعبير بالاقتضاء أيضا باطل ، لأن هذه التعبيرات من شئون الوجوديات ، ولا حظ للأعدام فيها بوجه.

ويمكن أن يقال : إن هذا صحيح في العدم المطلق والمقام من عدم الملكة ، مع أنه لا ينافي أصل التوقف في الجملة ، وإن لم تصح بعض التعبيرات بالنسبة إلى العدم.

وحق القول أن يقال : إن وجود أحد الضدين في ظرف عدم الآخر ، وعدم الآخر في ظرف وجود ضده من قبيل القضية الحينية الحقيقية ، وهذا حق لا ريب فيه ؛ ولكنه لا ربط له بالمقدمية أصلا ، هذا إذا اريد بالترك العدم. وإن اريد به الأمر الوجودي ـ الذي هو فعل اختياري للنفس ـ فلزوم الدور لا مدفع له.

وأما القول الثاني ـ وهو كون ترك أحد الضدين مقدمة لوجود الآخر من دون عكس ـ فقد استدل له بأن عدم المانع من أجزاء علة الشيء ، ولا ريب في أن العلة بأجزائها وجزئياتها من مقدمات المعلول ، ومقدمة الواجب واجبة فيكون فعلها حراما ، لما تقدم من الملازمة بين وجوب الشيء وحرمة نقيضه.

فالنتيجة أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده من جهة المقدمية.

واشكل عليه بوجوه ..

الأول : أن العدم لا يصلح لأن يكون منشأ لتحقق الشيء ، فلا وجه لمقدمية عدم المانع.

وفيه : أنه لم يقل أحد بصدور الوجود من العدم ، بل المقصود أن عدم

٢٢٥

المانع من شرائط قابلية المحل لوجود أحد الضدين ، وعدم المانع ليس من العدم المطلق حتى لا يصلح لشيء أبدا ، بل هو من عدم الملكة القابل لمثل هذه الامور باعتبار ملكته المضاف ذلك العدم إليها.

الثاني : أنه لا مانعية لوجود أحد الضدين عن الضد الآخر حتى يكون ترك أحدهما مقدمه لوجود الآخر ، لأن وجود أحد الضدين مستند إلى إرادة فاعلة. ومع تحققه لا يكون المحل قابلا لوجود الضد الآخر ، وعدم قابلية المحل لهما من اللوازم الذاتية للمحل ، والذاتي لا يتخلف ولا يعلل.

الثالث : ما عن الكفاية من منع المقدمية حتى بناء على التمانع بين الضدين أيضا ، إذ لا منافاة بين أحدهما ووجود الآخر ، بل بينهما كمال الملاءمة والمعية الخارجية ، كما في عدم أحد النقيضين مع وجود الآخر بلا تقدم ولا تأخر حتى يكون ترك أحدهما مقدمة لوجود الآخر.

وفيه : أنه على فرض التمانع وأن عدم المانع له دخل في وجود الضد يكفي في المقدمية التقدم الرتبي العقلي ، وهو يجتمع مع المعية الخارجية ، كما في العلة التامة مع المعلول.

الرابع : بأنه على فرض تسليم التمانع وتسليم مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الآخر ، لا وجه لعروض الوجوب المقدمي من وجود الضد إلى ترك ضده ، لما تقدم من أن مورد عروض الوجوب المقدمي إنما هو صورة تعدد وجود المقدمة مع وجود ذيها خارجا ، ولا تعدد كذلك في المقام ، فهو مثل الأجزاء الداخلية التي تقدم عدم اتصافها بالوجوب المقدمي.

الخامس : ما عن بعض الأعاظم من أنه من الدور الباطل ، فإنه لو توقف وجود أحد الضدين على ترك الآخر توقف الشيء على عدم مانعة ، لتوقف عدم الآخر عليه توقف الشيء على العلة التامة ، فيثبت التوقف من الطرفين إلا أنه من أحدهما على نحو العلية التامة ومن الآخر بغيرها ، ولا ينافي ذلك أصل التوقف

٢٢٦

في الجملة الذي هو مناط تحقق الدور الباطل.

وفيه : أن عدم الآخر لا يستند إلى وجود ضده ؛ بل يستند إلى عدم إرادته مع إرادة ضده ، ويكفي في عدم إرادته الإجمال والارتكاز بلا احتياج إلى الالتفات التفصيلي ، فيكون عدم إرادته منطويا في إرادة ضده من دون احتياج إلى إرادة مستقلة ، كانطواء إرادة إجمالية في إرادة تفصيلية مما هو كثير شائع.

ثم إنه بعد بطلان أصل المقدمية رأسا يظهر بطلان القول الثالث ، وهو مقدمية وجود أحد الضدين لترك الآخر من دون عكس ، كظهور بطلان التفصيل بين تحقق الضد فيتوقف وجود الضد الآخر على رفعه ، وبين فراغ المحل عن الضدين ، فلا توقف في البين لابتناء ذلك كله على ثبوت المقدمية في الجملة ، وقد أثبتنا بطلان المقدمية مطلقا ، فلا يبقى موضوع لهذه الأقوال رأسا.

كما اندفع بما ذكر الشبهة المنسوبة إلى الكعبي أيضا حيث قال في تقرير الشبهة :

إن ترك الحرام متوقف على فعل من الأفعال فيكون إتيان ذلك الفعل مقدمة له ، وترك الحرام واجب ، ومقدمة الواجب واجبة فيلزم من ذلك انتفاء المباح.

وجه الدفع .. أولا : ما أثبتناه من نفي المقدمية رأسا ، فلا موضوع لأصل الشبهة.

وثانيا : أنه يكفي في ترك الحرام وجود الصارف عنه ، بأي وجه اتفق من جهة دينية أو دنيوية مطلقا. نعم ، لو انحصرت علة ترك الحرام في فعل من الأفعال على نحو العلية التامة المنحصرة لا ريب في وجوب ذلك الفعل حينئذ.

والحاصل : أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده مطلقا ، لا بنحو الملازمة ولا بنحو المقدمية.

٢٢٧

ثمرة البحث في مسألة الضد

وهي فساد العبادة التي تكون ضدا لواجب أهم بناء على الاقتضاء ، فيكون تركها مقدمة للواجب الأهم ، فيجب ترك العبادة من باب المقدمة فيكون فعلها محرما ، لما مرّ من الملازمة العرفية بين وجوب الشيء وحرمة تركه ، ويأتي أن النهي في العبادة يوجب الفساد فتفسد العبادة لا محالة ، هذا بناء على الاقتضاء.

وأما بناء على عدم الاقتضاء ـ كما أثبتناه ـ فلا وجه للفساد أصلا ، بل وكذا بناء على الشك في الاقتضاء وعدمه ، لأصالة الصحة ، وعدم المانعية في العبادة التي يكون تركها مقدمة لإتيان الواجب الأهم ، مع أنه قد أثبتنا عدم الاقتضاء واستقرت عليه آراء المحققين ، فيسقط أصل هذه الثمرة ، لبطلان أصل المبنى وسقوطه.

وعن الشيخ البهائي قدس‌سره بطلان الثمرة تخصصا ، فقال : إن الثمرة إنما تتصور في العبادة المأمور بها عند ابتلائها بمزاحمة الضد الأهم ، وهو غير ممكن لعدم إمكان صدور الأمر بالضدين من العاقل فضلا عن الحكيم تعالى ، فتبطل العبادة من حيث عدم الأمر ، فلا تصل النوبة إلى القول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده أولا ، ولا إلى أن النهي في العبادة يوجب الفساد ، لأن كل ذلك مبني على إمكان تحقق الأمر للعبادة المبتلاة بالضد الأهم ، وهو غير ممكن ، والاستدلال للبطلان بعدم المقتضي للصحة أولى من الاستدلال بوجود المانع عنها ، كما لا يخفى.

ويرد عليه أولا : إمكان تصحيح العبادة المبتلاة بالضد الأهم لأجل الملاك ، فلو سلّم عدم الأمر للتضاد فلا وجه لزوال الملاك ولا موجب له ، إلا احتمال أن سقوط الأمر كاشف عن سقوطه أيضا ، وهو باطل ، لأن الملاك ليس معلول الأمر ، بل الأمر معلول له ، فسقوط المعلول لا يكشف عن سقوط العلة ،

٢٢٨

كما هو واضح.

وما يقال : إنه لا يصح التقرب بالملاك مع النهي بناء على الاقتضاء.

نقول : إن النهي المانع عن صحة التقرب ما إذا كان تعلّقه بالعبادة بحسب الذات لا بالعرض ، والمقام من الثاني دون الأول ، إذ النهي تعلّق بترك الأهم ، وحيث أن المهم ملازم خارجا مع ترك الأهم ، يصير مورد النهي بالعرض لا بالذات. وبعبارة اخرى : النهي في المقام من باب الوصف بحال المتعلق لا الذات ، ولا دليل على كون مثل هذا النهي موجبا للفساد ، بل مقتضى الأصل عدمه.

وثانيا : بإمكان إثبات الأمر بالضدين على نحو الترتب ، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

٢٢٩

الترتب :

لم يكن لبحث الترتب في كلمات القدماء عين ولا أثر ، وإنما حدث عند متأخري المتأخرين وقد كتبت فيه رسائل ، وكانت المسألة نظرية وكان الغالب على الكلمات الامتناع. ولكن المعروف في هذه الأعصار وما قاربها الجواز.

والترتب : عبارة عن صحة تصوير أمرين فعليين بالضدين ـ الأهم والمهم ـ في آن واحد ـ وهو آن قبل الإتيان بالمهم ـ وصلاحية كل منهما للداعوية ، فيصح إتيان كل منهما فعلا بداعي الأمر الفعلي ، ويتحقق الامتثال حينئذ ، كما في سائر الموارد التي يمتثل فيها الأمر مع عدم تزاحم في البين.

والنزاع في الترتب إنما هو في مقام الامتثال وقدرة المكلف فقط ، لا في مقام الجعل والثبوت ، إذ لا إشكال من أحد في صحة جعل المتزاحمين خطابا وملاكا. فيصير أصل هذه المنازعة لفظيا ، فمن يثبت قدرة المكلف على الامتثال يقول بوقوع الترتب لا محالة ، ولكنه معترف بالامتناع مع عدم القدرة ، ومن يثبت عدم القدرة على الامتثال لا مناص له إلا القول بالامتناع ، وهو معترف بالوقوع مع القدرة.

شروط الترتب :

يعتبر في صحة الترتب ووقوعه امور ، ومع اختلال أحدها لا يبقى موضوع للصحة فضلا عن الوقوع ، وهي :

الأول : وجود الملاك في كل واحد من المتزاحمين ثبوتا ، وتمامية الحجة

٢٣٠

على كل واحد منهما إثباتا ، لما مرّ من أن المانع ـ على فرض تحققه ـ إنما هو منحصر بمرحلة قدرة المكلف على الامتثال. هذا مضافا إلى إجماع المجوزين والمانعين على اعتبار هذا الشرط.

الثاني : كون الأهم مضيّقا ، سواء كان المهم أيضا كذلك أو لا ، وسواء كان التضييق من جهة الملاك الذاتي ـ كإنقاذ الغريق ـ أو من جهة فورية الخطاب فورا ففورا ، كإزالة النجاسة عن المسجد ـ مثلا ـ والوجه في اعتبار هذا الشرط معلوم ، لأنه لو لم يكن الأهم مضيّقا وكان موسّعا لما كان تزاحم في البين ، لقدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين ، فلا تصل النوبة لبحث الترتب.

الثالث : كون الضدين مما لهما ثالث ، وألا يكون فعل أحدهما في ظرف ترك الآخر من الامور التكوينية ، ويكون الأمر به حينئذ من الشارع إرشاديا لا أن يكون مولويا ، ومورد البحث في الترتب إنما هو اجتماع الأمرين المولويين في آن واحد.

الرابع : انحصار مورد البحث بمرحلة قدرة المكلف فقط من دون أن يكون في البين مانع آخر من موانع التكليف ، لأنه لا موضوع للخطاب مع وجود مانع عنه في البين ، فلا يفرض اجتماع الخطابين في آن واحد حتى يتحقق موضوع الترتب.

الخامس : كون الأهم والمهم متعددين وجودا على ما هو المعلوم من كلماتهم ، فلا يكون مورد تداخل الأغسال ، واجتماع الأمر والنهي ـ بناء على الجواز ـ من موارد الترتب ، لفرض اتحاد الوجود في متعلق الخطاب فيهما.

السادس : إمكان فرض إطلاق خطاب الأهم وتقييد خطاب المهم بترك الأهم ، وإلا فمع فرض بقاء إطلاق الخطابين من كل جهة ، فلم يقل أحد بالجواز حينئذ.

وإذا تمت هذه المقدمات ، فالبحث في جواز الترتب ..

٢٣١

تارة : بحسب الدليل العقلي.

واخرى : بحسب الاستظهار الصناعي الاصولي.

وثالثة : بحسب الاعتبار العرفي.

أما الأول : فالمقتضي للجواز ـ وهو الملاك والخطاب ـ موجود ، والمانع عنه مفقود ، فلا بد من الوقوع حينئذ ، لأن ما يتوهم من المانعية امور تأتي الإشارة إليها في أدلة المانعين مع دفعها.

وأما الثاني ـ وهو الاستظهار الاصولي ـ فإن كان الخطابان عرضيين من كل جهة فلا ريب في الامتناع ، وأما إذا كانا طوليين ، أي كان خطاب المهم مشروطا بترك الأهم ولو عصيانا ، فأي امتناع فيه حينئذ ، لأن القدرة الطولية موجودة وجدانا ، فأي امتناع في أن يقال : أزل النجاسة عن المسجد وصلّ ، وإن تركت الأول عصيانا لا تترك الثاني بجعل الجملة الأخيرة بيانا لكيفية صدور الأمرين.

وأما الثالث : فالمحاورات العرفية أصدق شاهد على الصحة والوقوع ، يقول المولى : اسقني الماء وافرش سجادتي ، وإن عصيتني في الأول فلا تعصني في الأخير.

إن قلت : لا ريب في الإمكان والوقوع في مثل ما ذكرت من المثالين ، لوقوع الاشتراط اللفظي فيه ، فيدفع بذلك محذور الامتناع.

أقول : بعد ما جعلنا من المقدمات كون خطاب الأهم مطلقا وخطاب المهم مشروطا بتركه ولو عصيانا ، فأي فرق بين الشرط اللفظي حينئذ والشرط الواقعي السياقي العقلي في حاق الواقع صونا للكلام عن القبح واللغوية ، فإن مدار جميع هذه الامور على إمكان التصرفات العرفية المحاورية ، فيصح بكلما أمكن للتصحيح طريق عرفي ، بل العقلي إن أمكن بالدقة العقلية طريق للتصحيح ، وذلك لفرض أنهم أخرجوا المسألة عن العرفيات وأدخلوها في الدقيات.

٢٣٢

واستدلوا على امتناع الترتب بوجوه :

الأول : أنه من طلب الضدين وهو ممتنع عقلا وقبيح ، فيكون محالا بالنسبة إلى الشارع ، لاستحالة صدور المحال منه تعالى.

وفيه : أنه طرد لطلب الضدين ، لا أن يكون جمعا بينهما في الطلب ، لما مرّ من كون المهم مشروطا بعصيان الأهم ، فكيف يكون حينئذ طلبا للضدين؟!

والقول : بأن المشروط يصير مطلقا بعد تحقق شرطه ، فيعود المحذور من الجمع في الطلب بين الضدين وعدم قدرة المكلف على الامتثال.

مدفوع : بأن المكلّف إن كان عاصيا في خطاب الأهم ، كيف لا يكون قادرا على امتثال المهم ، سواء كان خطاب المهم مطلقا أو لم يكن كذلك ، ومع أنه لا إطلاق في الخطابين من كل جهة بل خطاب المهم ثبوتا مشروط بترك الأهم ، فلا يكون الخطابان من الجمع في طلب الضدين.

إن قلت : الأمر بالمهم وإن لم يكن في مرتبة الأمر بالأهم لفرض اشتراطه بعصيانه ، ولكن الأمر بالأهم موجود في مرتبة الأمر بالمهم بداهة ثبوت المطلق في المشروط ، وتحققه فيه كتحقق المقسم في الأقسام ، فيلزم الجمع في الطلب بين الأمرين والضدين وعدم قدرة المكلف عليه ، كما لا يخفى.

قلت : مرتبة عصيان الأمر بالأهم ومخالفته غير مرتبة المهم ، فلا اجتماع للأمرين في تلك المرتبة ، وعلى فرض الاجتماع لا مانع من الجمع بين الأمرين وطلب الضدين إلا عدم قدرة المكلف على امتثالهما ، ومع عصيان المكلف للأمر بالأهم ، لا ريب في قدرته على إتيان الأمر بالمهم ، فقد أقدر المكلف نفسه على الامتثال بعصيان أمر الأهم ، والوجدان يحكم بأنه حين امتثال الأمر بالمهم قادر عليه وعاص للأهم ، فيكون مجمع العنوانين فعلا ، ولا محذور فيه.

فآنات امتثال أمر المهم آنات عصيان الأهم ، وبالعصيان تحقق القدرة للأمر بالمهم فتثبت فعليته لا محالة ، إذ لا مانع في البين إلا من ناحية القدرة ،

٢٣٣

والمفروض أنه أقدر نفسه على الامتثال بالعصيان فارتفع المحذور.

فالأقسام في الأمر بالضدين ثلاثة : عصيانهما معا ، وعصيان أحدهما وإطاعة الآخر ، وإطاعتهما معا في آن واحد ، والعقل حاكم بإمكان الأولين وامتناع الأخير ، والترتب المبحوث عنه في المقام من الثاني لا الأخير ، فلا وجه لتوهم الامتناع.

إن قلت : هذا إذا كان عصيان الأمر بالأهم آنيا ، كما في الغريق المشرف على الهلاك ، فإن عصى ولم ينقذه وشرع في الصلاة فمات الغريق.

وأما إذا كان تدريجيا فلا يتحقق العصيان إلا بعد الفراغ من المهم ، فلا يتحقق شرطه حين الاشتغال بإتيانه ، فلا يثبت موضوع الأمر حينئذ بالنسبة إليه أصلا ، لفرض أن موضوعه عصيان أمر الأهم والمفروض عدم تحققه إلا بعد الفراغ من المهم.

قلت : في كل آن من آنات إتيان المهم عصيان ترك الأهم فهو منبسط على جميع الآنات انبساط الظلمة على الساعات ، لفرض وجوبه فورا ففورا ، ففي كل آن عصيان فعلي ومخالفة عملية للأهم ويتحقق بذلك موضوع أمر المهم ، مع إمكان أن يكون الشرط عزم المكلف على العصيان ، وكونه في مقام الهتك والعصيان ، كما يجوز جعل العصيان الخارجي على نحو الشرط المتأخر شرطا للأمر بالمهم. وتقدم أنه لا محذور في الشرط المتأخر في الاعتباريات ، شرعية كانت أو عرفية.

الثاني : ـ مما استدل به على امتناع الترتب ـ أن جوازه مستلزم لتعليق وجوب المهم على إرادة المكلف واختياره ، فيلزم خروج الواجب عن وجوبه ، لأنه إن اختار ترك الأهم يجب المهم ، وإلا فلا يجب ، مع أنه من تعليق الواجب على العصيان ومستلزم لتعدد العقاب عند تركهما معا ، وهو بعيد عن ساحته تعالى.

٢٣٤

ويمكن المناقشة فيه : أما تعليق الوجوب على الاختيار والعصيان فكثير في الفقه ، كتعليق وجوب القضاء على ترك الأداء وعصيان أمره ، وكتعليق الكفارات على ارتكاب المحذورات في الصوم والإحرام وغيرهما مما هو كثير.

وأما الأخير فيمكن أن يقال بفعلية عقاب الأهم وتداخل عقاب المهم فيه عند تركهما معا ، ولا محذور فيه من عقل أو شرع ، فيكون منشأ إمكان تعدد استحقاق العقاب إمكان تعدد الخطاب حقيقة أو اعتبارا أو انحلالا ، كما في الواجبات الكفائية. هذا بحسب القواعد ، وأما التفضلات الإلهية على عبيده فهي أمر خارج عن درك عقولنا.

ثم إنه قد اعترف القائلون بامتناع الترتب بإمكانه ووقوعه في العرفيات ، وهذا تهافت منهم من حيث لا يشعرون ، فإن أدلة الشرعيات منزلة على العرفيات ، والدقيات العقلية بمعزل عن الشرعيات ، كما هو أوضح من أن يخفى على الأصاغر فضلا عن الأكابر.

الثالث : أنه على فرض صحته وإمكانه ثبوتا ، فالأدلة قاصرة عن إثباته ، لأنه خلاف المتفاهم العرفي المنزلة عليه الأدلة الشرعية ، إذ ليس كل ما هو ممكن ذاتا بواقع خارجا.

وفيه : أن الترتب من المداليل السياقية ، نظير المفاهيم ، والجمع العرفي عند أهل المحاورة ، وإذا اعترف من ذهب إلى امتناع الترتب شرعا بوقوعه عرفا ، فلا وقع لهذا الاستدلال أصلا.

فإذا ورد خطاب مطلق بالأهم وكذا بالنسبة إلى المهم ، وتحققت شروط التزاحم ، فإما أن يسقطا معا ، أو يسقط الأهم دون المهم ، أو يكون بالعكس ، أو يثبتان معا.

والأول باطل عند الكل ، والثاني ترجيح المرجوح على الراجح ، والثالث إسقاط لأحد الخطابين بلا وجه مع إمكان إبقائه ، فيكون المتعين هو الأخير عقلا

٢٣٥

وعرفا.

ثم إنه يكفي في تأخر الامتثال عن الأمر ، وكذا تأخر عصيانه عنه ، التأخر الرتبي فقط. ولا يعتبر التأخر الزماني ، لعدم دليل عليه ، بل مقتضى الأصل عدم اعتباره ، فيكون أول آن الشروع في امتثال المهم وعصيان الأهم رتبة ثبوت الأمرين معا ، فتتحقق الإطاعة والعصيان في الرتبة المتأخرة قهرا ، فيصح أن يكون عصيان أمر الأهم شرطا مقارنا للأمر بالمهم ، أو البناء على العصيان شرطا متقدما ، أو تحققه خارجا شرطا متأخرا ، والكل صحيح لا بأس به.

هذه خلاصة الكلام في الترتب.

٢٣٦

الرابع : النهي عن الشيء هل يوجب الفساد

وهو على قسمين :

القسم الأول : النهي في العبادة

تمهيد :

يمكن جعل هذا المبحث كلاميا إن كان مورد البحث هكذا : «المفسدة في الشيء تسقطه عن صلاحية التقرب به إلى المعبود». كما يمكن أن يجعل فقهيا إن كان هكذا : «في العبادات المحرمة تجب الإعادة أو القضاء». كما يصح جعلها من الملازمات غير المستقلة الاصولية إن عنون هكذا : «كل عبادة منهي عنها فاسدة عقلا». والقوم جعلوه من الأخير ، وحيث لم يعقدوا في الاصول بحثا مستقلا للملازمات أدرجوه في مباحث الألفاظ.

وكيف كان ، فهذا البحث إنما يجري في مقام الثبوت والإثبات معا ، فعلى الأول يبحث عن أنه هل يكون ملازمة واقعية بين النهي عن العبادة وفسادها؟ وعلى الثاني هل يدل النهي بإحدى الدلالات المعتبرة اللفظية على فساد مورده إن كان عبادة؟ ولا وجه للاختصاص بالأخير ـ كما عن الكفاية ـ بدعوى أن في جملة الأقوال قولا بدلالة النهي على الفساد مع إنكار الملازمة رأسا ، فلأجل

٢٣٧

شمول مورد البحث لهذا القول لا بد من الاختصاص. وذلك لأن القول الذي ثبت فساده بالدليل لا وجه لتغيير عنوان البحث لأجله.

وهذا البحث مغاير مع بحث اجتماع الأمر والنهي عنوانا وعرفا ودقة ، لأن البحث في المقام في أن النهي بعد تعلّقه بالعبادة يوجب فسادها ؛ وفي مسألة الاجتماع في أن النهي هل يتعلق بالعبادة مع تعدد الجهة أو لا؟ فالفرق بين البحثين ظاهر ، وتقدم في أول مسألة الاجتماع. فراجع.

ولا بد من التنبيه على امور :

الأول : إطلاق النهي يشمل كل ما يسمى نهيا نفسيا كان ـ كالسجود للصنم ـ أو غيريا ، كقوله عليه‌السلام : «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» ، أصليا كان ـ كما في المثالين المتقدمين ـ أو تبعيا ، كما في مورد ترك الأهم والإتيان بالعبادة في ظرف الترك ، بل وكذا النواهي التنزيهية أيضا إن فرض تعلّقها بذات العبادة ، ولكنه فرض غير واقع ، لأن النواهي التنزيهية متعلّقة بالجهات الخارجة عن ذات العبادة ، لتقوم العبادة بالرجحان الذاتي ، عرفا وشرعا وعقلا.

ولكن اتفاق الفقهاء على صحة العبادات والمعاملات المكروهة ، وسيرة المتشرعة عليها ، يخرج النواهي التنزيهية عن مورد البحث مطلقا ، فيختص مورده بخصوص النهي التحريمي.

ثم إن دخول النهي التبعي مبني على كونه موجبا لسقوط العبادية خطابا وملاكا ، وإلا فمع بقاء الملاك يمكن تصحيح العبادة به بناء على الترتب ، كما مر.

الثاني : المراد بالعبادة ما هو المرتكز في الأذهان ـ المعبّر عنها في الفارسية ب (پرستش) ـ أي الوظائف التي يتقرب بها إلى الله تعالى ، سواء كان ذلك من لوازمها الذاتية ، كالسجود ، وقراءة القرآن ، والدعاء ونحوها مما يكون قصد الخلاف مانعا عن صحتها ، لا أن يكون قصد القربة معتبرا فيها ، أو متقومة بقصد القربة ، كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، ويطلق على هذين القسمين

٢٣٨

العبادة (بالمعنى الأخص) في اصطلاح العلماء ، وهذا هو مورد البحث في المقام.

وقد تطلق العبادة على ما يمكن أن يقصد بها التقرّب إليه عزوجل ، ويطلق عليها العبادة (بالمعنى الأعم) ، فيشمل جميع المباحات والمندوبات التوصلية ، بل ترك المحرمات أيضا ، لإمكان قصد التقرب بالجميع ، وترتب الثواب عليه ، كما تطلق المعاملات تارة على خصوص العقود والإيقاعات ، واصطلح عليها بالمعاملات بالمعنى الأخص ، واخرى على ما يقابل العبادات بالمعنى الأخص ، فيشمل الجميع ، أي كلما لم يكن عبادة بالمعنى الأخص ، وهذا هو المراد من قولهم في المقام ، النهي في المعاملة لا يوجب الفساد ، كما ستعرف.

الثالث : الصحة والفساد من الاعتباريات الإضافية تنتزعان من مطابقة الشيء لما هو المطلوب منه ومخالفته له ، ويطلق عليهما التمامية وعدمها ، ولا يختصان بالمجعولات الشرعية أو العرفية ، بل تجريان في التكوينيات أيضا ، وحيث أنهما من الامور الإضافية فيمكن أن يتصف شيء واحد بالصحة والفساد بالنسبة إلى شخصين ، بل بالنسبة إلى شخص واحد من جهتين وحالتين.

الرابع : النهي إما أن يتعلّق بذات العبادة ، كقوله تعالى : لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ. أو بجزئها ، كقوله عليه‌السلام : «لا تقرأ العزيمة في المكتوبة». أو شرطها ، كقوله عليه‌السلام : «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» ، ويسري النهي في الآخرين إلى الذات أيضا عرفا ، لأن التقرّب بالمشتمل على المبغوض مما يستنكر لدى العقلاء ، هذا مع أن النهي بكلا قسميه ـ جزء كان أو شرطا ـ إرشاد إلى فساد المركب أو المقيد به ، كما هو المعروف بين الفقهاء ، فيكون فساد العبادة المنهي منها بقيدها من باب الوصف بحال الذات لا المتعلق ، وهو

٢٣٩

مثل فساد العبادة المنهي عنها بذاتها من غير فرق ، إلا أنه بحسب الدقة العقلية يكون من باب الوصف بحال المتعلّق ، لكن الأدلة غير منزّلة عليها ، كما هو معلوم.

وبهذا يمكن أن يجمع بين الكلمات ، وقد تعرضنا للأمثلة في (مهذب الأحكام) في موارد شتى ، كالرياء في جزء العبادة ، وقراءة سورة العزيمة ، والقرآن بين السورتين ، والزيادة العمدية وغير ذلك مما هو كثير ، والكبرى واحدة وإن تعددت الصغريات.

الدليل على اقتضاء النهي في العبادات ـ الفساد

مما يشهد به وجدان كل عاقل أن التقرب إلى المعبود بما هو مبغوض ومنفور لديه مستنكر وقبيح وباطل ، فهذه المسألة مما يكفي نفس تصورها بالاستدلال عليها ، وتكون من القضايا التي قياساتها معها.

ولو شك في المسألة الاصولية في أنه هل تثبت الملازمة بين النهي والفساد ثبوتا؟ فمقتضى الأصل عدم الثبوت بالعدم الأزلي ، فإن العدم النعتي ليست له حالة سابقة ، كما هو واضح ، مع أن نفس الشك في الثبوت وعدمه يكفي في عدم الثبوت ، فلا بد من قيام حجة معتبرة عليه ، وإلا فمقتضى الأصل عدم الاعتبار ، وكذا لو شك في دلالة النهي عليها في مقام الإثبات بإحدى الدلالات المعتبرة ، فبالأصل الجاري في عدم الدلالة بالعدم الأزلي تنتفي تلك الدلالة ، مع أن الشك في ثبوت الدلالة يكفي في عدمها ، كما مرّ فتكون النتيجة في المسألة الاصولية مطلقا عند الشك فيها عدم إحراز الفساد ، بلا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات ، فيصح التمسك بإطلاقات الأدلة وعموماتها للصحة لو لم يكن التمسك بها من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه ، لا سيما في العبادات ـ لما تقدم آنفا ـ من أن قبح التقرّب إلى المعبود بما هو

٢٤٠