تهذيب الأصول - ج ١

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

تهذيب الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
المطبعة: مطبعة الهادي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

سماعة : «حتّى يلقي من يخبره» ، وفي خبر آخر : «حتّى يأتيكم البيان من عندنا» ، وفي خبر آخر : «حتّى ترى القائم فترد إليه».

ويستفاد من الكل أنه ليس لملاقاة الإمام عليه‌السلام ، ورؤية القائم موضوعية خاصة ، بل المناط كله الوصول إلى الحجّة المعتبرة الصادرة عن المعصوم.

وبعد التأمل في جميع الأحاديث الصادرة عنهم عليهم‌السلام ورد مشابهاتها إلى محكماتها ، يعلم أن الحجة المعتبرة عندهم إنما هي التخيير بعد التكافؤ من جميع الجهات.

والحاصل : أنه لم يزد ما صدر عنهم عليهم‌السلام في حكم التعارض على ما ارتكز في العقول من العمل بالراجح ثم التخيير ، بل جميع ما صدر إرشاد إلى الفطرة وداع إليها.

ثم إنه قد ذكر في المرجحات في المقبولة الأصدقية ، ولا وجه لها بالنسبة إلى نفس مطابقة الواقع ، لأنها تتصف بالوجود والعدم ، ولا تقبل الشدة والضعف حتى يتحقق فيها التفضيل.

نعم ، يصح التفضيل بالنسبة إلى جهة اخرى بأن يكون أحد الراويين يصدر منه الكذب الجائز شرعا أحيانا ، والآخر لا يصدر منه حتى ذلك. فتدبر.

ولا بد من بيان امور :

الأول : المرجحات المذكورة في المقبولة أنواع ثلاثة : سندية ، ومضمونية ، وجهتية.

والأول ، كالأعدلية ، والأصدقية ، وكون الخبر مشهورا.

والثاني كموافقة الكتاب والسنّة.

والثالث كمخالفة العامة ، ومقتضى ذكرها في سياق موافقة الكتاب كونها من المرجحات المضمونية أيضا ، فينطبق عليها المرجح المضموني والجهتي معا ، ولا محذور فيه.

١٨١

وبحسب الأفراد ثمانية : ١ ـ الأعدلية. ٢ ـ الأفقهية ـ ٣ ـ الأصدقية. ٤ ـ الأورعية. ٥ ـ الشهرة. ٦ ـ موافقة الكتاب. ٧ ـ موافقة السنة. ٨ ـ مخالفة العامة. وجميعها مذكورة في المقبولة.

ثم إن الظاهر أن المرجحات في المتعارضات العرفية الدائرة بينهم تنحصر في هذه الثلاثة أيضا ، إلا أن المرجح المضموني عبارة عن موافقة أحد المتعارضين لما كان معتبرا لديهم بحسب متعارفهم من القوانين المعتبرة لديهم ، خالقية كانت أو خلقية ، فكما أن أصل الترجيح في المتعارضين في الجملة عقلائي ، كذلك يكون نوع الترجيح أيضا.

ومقتضى السيرة أن الشهرة أقوى المرجحات ، وقد صرح بذلك صاحب الجواهر في أول كتاب الكفارات ، كما عرفت.

ثم إنه قد يقال : إن الشهرة ، ومخالفة العامة ، وموافقة الكتاب لا يمكن إلا أن تكون لتمييز الحجة عن غير الحجة ، لأن الشاذ وموافق العامة ومخالف الكتاب ، ساقط عن الاعتبار بالمرة ، فلا وجه لعدها من المرجحات.

وفيه : أنه ليس الترجيح باعتبار الحجية الفعلية من كل جهة في كل واحد من المتعارضين ، لعدم تصورها كذلك فيها. بل معناه جعل الحجة الاقتضائية فعليا ، ولا ريب في صحة ذلك ، لفرض اعتبار السند فيهما.

وبعبارة اخرى : الترجيح ابداء المانع عن الحجية ، لا إسقاط المقتضي لها ، وبذلك يمكن الجمع بين الكلمات ، فمن قال بكونها من المرجحات ، أي لما فيه اقتضاء الحجية ، ومن قال بالعدم ، أي في مقام الحجية الفعلية من كل جهة.

ثم إنه لا يخفى أن المعصوم عليه‌السلام داع إلى كتاب الله تعالى ومفسّر ومبين له ، والداعي إلى الشيء والمفسر والمبين له لا يعقل أن يكون مخالفا له ومباينا معه ، فعدم صدور مخالف الكتاب من المعصوم عليه‌السلام من الفطريات التي تلازم دعوته إلى الكتاب وليس من التعبديات ، كما أن الأخذ بمخالف العامة أيضا كذلك ، لأن

١٨٢

أهل كل مذهب وملة ـ حقا كان أو باطلا ـ لا يقدمون على أخذ شيء من أحكام مذهبهم من المذهب المخالف لهم إلا إذا ثبت الاتحاد فيه بالدليل المعتبر ، وهذا أيضا في الجملة من الفطريات ، وأوجب الشارع ذلك أيضا احتفاظا على المذهب الحق أن تتدخل فيه المذاهب الفاسدة. وقد احتمل فيه وجوه أخر :

منها : أنه لأجل التعبد المحض.

وفيه : ما لا يخفى.

ومنها : أن لنفس المخالفة من حيث هي موضوعية خاصة.

وفيه : أنه إن رجع إلى ما قلناه فهو ، وإلا فيحتاج إلى دليل وهو مفقود.

ومنها : أن الصواب في خلافهم ، وهو حق في الجملة.

ومنها : أن الموافق صدر تقية.

وفيه : أنه يرجع إلى ما قبله.

ومنها : أنه لأجل إلقاء الخلاف وإن كان الموافق أقرب إلى الواقع ، ويشهد له صحيح زرارة حيث قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم النّاس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم» ، وفي خبر أبي خديجة : «لو صلّوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم» ، وهذا وجه حسن جدا ، كما لا يخفى على من تأمل في حالاتهم عليهم‌السلام وما ورد عنهم. وقد ذكر غير ذلك من الوجوه المذكورة في الكتب المبسوطة.

ولا يخفى أن طرح الموافق عند التعارض لا ينافي وجوب الأخذ به أحيانا للتقية ، لأن كلا من الطرح والأخذ جهتي ، لا أن يكون مطلقا.

الثاني : قد عرفت أن موافقة الكتاب من المرجحات ، والمنساق منها ما إذا كان الحكم في الكتاب وكان موافقا له ، ويمكن حملها على عدم المخالفة ـ كما في بعض الأخبار الأخر ـ ثم حمل عدم المخالفة على عدم المخالفة ولو على نحو السالبة بانتفاء الموضوع ، فيصير عدم المخالفة حينئذ أوسع دائرة من

١٨٣

الموافقة ، كما هو معلوم.

ولا ريب أن في الكتاب الكريم مبينات ومتشابهات ، والمراد بالمخالف له ما كان مخالفا لمبيناته لا المجملات ، لأنها ذات وجوه يستدل بها كل من المذاهب الإسلامية لمذهبه ، وكما أن المراد بالمخالفة ما تحير أبناء المحاورة في الجمع بينهما ، لا ما أمكن الجمع عرفا ، كالمطلق والمقيد ، والعموم والخصوص ونحوهما.

والمراد بالسنّة أيضا ذلك ، أي السنّة المبينة التي علم صدورها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي التي لم يصدر من المعصومين عليهم‌السلام خلافها بالمعنى الذي تقدم.

والظاهر أن المراد بمبينات الكتاب التي لم يصدر منهم عليهم‌السلام ما يخالفها أعم مما كان مبينا بذاته أو بواسطة السنّة النبوية ، ولذا ذكرت السنّة أيضا في قولهم عليهم‌السلام : «يترك ما خالف الكتاب والسنّة».

والوجه في ذلك كله أن الداعي إلى الشيء والحافظ له لا يخالفه ولا ينافيه ، كما هو واضح لا ريب فيه ، فالمراد بالكتاب الكتاب المبين بذاته ، أو المشروحة بالسنّة المعتبرة.

الثالث : وقع الكلام في أن المرجحات المنصوصة هل تكون لها موضوعية خاصة ـ فلا يصح التعدي إلى غيرها ـ أو إنها ذكرت لأجل كونها موجبة للاطمئنان بالصدور غالبا ، فيتعدى إلى كل ما كان كذلك؟ أقواهما الأخير ، لأن اعتبار نفس الأمارة من حيث الطريقية المحضة فتكون المرجحات أيضا كذلك ، فكلما يوجب الاطمئنان العقلائي بالصدور يوجب الترجيح ما لم يردع عنه الشرع ، هذا مع أنه لا وجه للتمسك بإطلاقات التخيير مع موجود محتمل الترجيح ، لكونه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

وأما الاستدلال على التعدي بقوله عليه‌السلام : «الرشد في خلافهم» فإن إطلاقه يدل على أخذ كل ما كان فيه الرشد بالنسبة ، وبقوله عليه‌السلام : «فإنّ المجمع عليه ممّا

١٨٤

لا ريب فيه» ، إذ ليس المراد مما لا ريب فيه مطلقا صدورا ودلالة وجهة ، فإنه مختص بالنصوص القرآنية ، بل المراد ما لا ريب فيه بالإضافة ، فكل ما لا ريب فيه بالإضافة إلى غيره ، يكون له ترجيح بالنسبة إليه.

فهو مخدوش : لعدم دلالته في الكلام على أن قوله عليه‌السلام : «الرشد في خلافهم» ، وقوله عليه‌السلام : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» من العلة التامة المنحصرة المستقلة للحكم ، ومن الممكن ، بل الظاهر أنه من قبيل بيان الحكمة ، والشك في ذلك يكفي في عدم استفادة العلية التامة المنحصرة حتى يدل على صحة التعدي ، مع أنه يمكن أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام : «المجمع عليه لا ريب فيه» أي عند الناس لا بالنسبة إلى الواقع ، فإن الناس مجبولون على الأخذ بالمشهور لديهم مطلقا.

ثم إنه قد ذكر صاحب الوسائل في الفائدة الثامنة من خاتمة الوسائل امورا يمكن منها حصول الوثوق بالصدور ، فراجع فإن جملة منها مما لا بأس به. ويشهد له قول الصادق عليه‌السلام لجميل بن دراج : «لا تحدّث أصحابنا بما لم يجمعوا عليه فيكذّبوك» ، وقول الرضا عليه‌السلام ليونس بن عبد الرحمن : «يا يونس حدّث الناس بما يعرفون واتركهم عمّا لا يعرفون» ، وتشهد له التجربة القطعية أيضا ، ومن مثل هذه الأخبار يمكن استفادة صحة التعدي.

الرابع : بناء على ما تقدم من أن المرجحات لا موضوعية فيها ، بل تكون طريقا إلى الوثوق بالصدور والوصول إلى الواقع ، لا يبقى موضوع للبحث عن الترتيب بينها ، لفرض تحقق مناط الترجيح في الجميع ، مع أن مقتضى الأصل عدم الترتيب أيضا ، ولا دليل على الخلاف إلا ما يتوهم من ذكرها مرتبة في المقبولة.

وفيه : أن الترتيب الذكري أعم من الواقعي ، مع أنها مذكورة في سائر الأخبار غير مرتبة وسياقها آب عن التخصيص.

١٨٥

إن قيل : إن مع وجودها في المتعارضين بلا ترتب يشك في شمول إطلاق أدلة التخيير ، فلا بد من مراعاة الترتيب.

نقول : لا وجه للشك مع إحراز اتحاد المناط وإطلاقات الأدلة في المرجحات الآبية عن التقييد ، وكون الترتيب في المقبولة لفظيا لا واقعيا.

نعم ، المشهور بين الفقهاء فتوى وعملا أن الشهرة أقوى المرجحات ، فلا يبقى مجال معها لإعمال سائر المرجحات ، كما لا موضوع معها لإطلاق أدلة التخيير ، ويشهد له العرف أيضا ، فإن الظاهر أنهم يقدمون الشهرة الاستنادية في أمورهم المعاشية والمعادية على سائر المرجحات في موارد التعارض.

الخامس : الشهرة تارة : استنادية ، بأن احرز استناد القدماء إلى الرواية لاعتمادهم عليها في الاحتجاج والعمل بها.

واخرى : نقلية ، بأن كانت مضبوطة في الجوامع والمجامع من غير إحراز استنادهم إليها في العمل والاحتجاج.

وثالثة : فتوائية محضة ، بأن اشتهرت الفتوى بشيء عند القدماء قدس سرّهم مطابقة للرواية من غير إحراز استنادهم إليها.

وتحقق الاولى بالنسبة إلى خبر ضعيف جابرة لضعفه ، لأن جمعا من خبراء الفن إذا اعتمدوا على شيء من فنهم واحتجوا به لا محالة يحصل من ذلك الاطمئنان العقلائي باعتبار ذلك الشيء. كما أن إعراضهم كذلك عن خبر صحيح موهن له ، لأن إعراض الخبراء عما هو صحيح يكشف عن ظفرهم بما يوجب الوهن.

والثانية : قد تكون من المرجحات وقد لا تكون ، ولا كلية في ذلك.

كما أن الثالثة أيضا كذلك ، وسيأتي بعض القول في حجية الظن إن شاء الله تعالى.

والمناط في كل ذلك حصول الوثوق والاطمئنان بالصدور ، وهو دائمي

١٨٦

في الشهرة الاستنادية ، واتفاقي في الأخيرتين.

السادس : الظن إن قام على اعتباره الدليل يصلح للترجيح ، وإن قام على عدم اعتباره دليلا فلا يصح عليه التعويل ، وإن لم يكن من الأول ولا من الأخير فقد جرت سيرة الفقهاء على معاملة المرجح معه أيضا ، فتراهم يقولون : «عليه الأكثر» ، و«عليه جمع من القدماء» ، و«كما عليه الشهيدان والمحققان» إلى غير ذلك من التعبيرات الكثيرة الموجبة للاعتماد.

ولعل الوجه في ذلك أنه مع وجود هذه الظنون يحصل الشك في شمول إطلاقات أدلة التخيير ، فلا يصح التمسك بها حينئذ مع ثبوت ملاك سائر المرجحات فيها ، وهو حصول الاطمئنان في الجملة ، بل قد جرت عادة الفقهاء على عدّ الموافقة للأصل من المرجحات ، فراجع الجواهر وغيره.

حكم المتعارضين بعد التكافؤ

لا يخفى أنه كما أن حجية أصل الخبر الموثوق به إنما هو ببناء العقلاء كذلك متممات الحجية وفروعها أيضا تكون ببناء العقلاء ، فإن التعارض وأحكامه من لوازم الحجة الموجودة بين العقلاء والدائرة بينهم ، ولا يمكن أن يكون هذا الأصل النظامي دائرا بينهم بينما تكون لوازمها وفروعها مغفولا عنها لديهم ، مع كونها من مقومات محاوراتهم واحتجاجاتهم ، وقد تقدم أن الأنواع الثلاثة للمرجحات ثابتة عند المتعارف أيضا في محاوراتهم الشائعة لديهم ، ولا بد وأن يبحث عن حكم المتعارضين بعد التكافؤ من جميع الجهات عند العقلاء ، وأنه بعد استقرار الحيرة لديهم هل يختارون الاحتياط في العمل إن أمكن ، أو يتوقفون عنه مطلقا ، أو أنهم يرجعون إلى التخيير بحكم فطرتهم؟

أما الأول : فهو وإن كان حسنا ثبوتا ولكنه خلاف البناء المحاوري النوعي في الطرق المعتبرة لديهم والحجج الدائرة بينهم ، مع أنه تشديد في الأمر الذي

١٨٧

التحير وعدم إمكان رفعه ، وعلى هذا لا وجه لإتعاب النفس في ملاحظة النسبة بين الأخبار الدالة على التخيير وسائر الأخبار الواردة في حكم المتعارضين ، لأنه مع استقرار التحير وعدم إمكان رفعه عرفا يثبت التخيير ، سواء كان عقلائيا أو شرعيا ، وسواء كان في زمان الحضور أو زمان الغيبة. ومع عدم استقراره وإمكان رفعه عرفا لا موضوع له أصلا ، بلا فرق بين الزمانين ، ولا بين كونه عقلائيا أو شرعيا.

الثاني : لا موضوع للتخيير مطلقا إلا بعد الفحص عن المرجحات واليأس عنها ، لأن موضوعه إنما هو قبح الترجيح بلا مرجح ، فمع وجوده أو احتماله لا موضوع له لا عقلا ولا شرعا.

الثالث : موضوع هذا التخيير ـ سواء كان عقلائيا أو شرعيا ـ إنما هو في أخذ الحجة أي المسألة الاصولية ، فيختص بالمجتهد ، إذ العامي بمعزل عن ذلك ، ولا يكون استمراريا ، لأنه بعد الأخذ بأحدهما يصير ذا حجة معتبرة فلا يبقى موضوع للتخيير حينئذ ، كما لا وجه لاستصحاب التخيير بعد صيرورته ذا حجة معتبرة.

الرابع : بعد كون موضوع التخيير مطلقا ـ إنما هو صورة فقد المرجح ـ لا وجه لتوهم حمل أخبار الترجيح على الاستحباب ، والأخذ بإطلاق أخبار التخيير ، لأنه من إثبات الإطلاق في ما لا موضوع له ، وهو قبيح. نعم ، يمكن أن يقال : إن مجرد الوثوق بالصدور في كل واحد من المتعارضين يكفي في الحجية ، لإطلاق أدلة اعتبار الخبر الموثوق به وإطلاق السيرة العقلائية ، فيتحقق موضوع التخيير بمجرد الحجة الاقتضائية وإعمال المرجحات إن كان لزيادة الوثوق فلا دليل على أصل اعتباره ، لفرض حصول أصل الوثوق في الجملة. وإن كان لجهة اخرى فهي مدفوعة بالأصل. ولعل نظر من حمل المرجحات على الندب إلى ذلك وإن كان بعيدا عن ظاهر كلماتهم ، ولم أجد ما ذكرناه محررا في كلامهم فراجع.

١٨٨

يكون أصله مبنيا على التسهيل والتيسير ، لأن هذه كلها من فروع اعتبار الخبر الموثوق به الذي هو من أهم الامور النظامية التسهيلية.

وكذا الثاني مع أنه قد يؤدي إلى اختلال النظام لديهم ، مضافا إلى أنه قد لا يكون المورد قابلا للتوقف بل لا بد من العمل به في الجملة فيتعين الأخير ، فيكون التخيير أيضا في تعارض الحجج المعتبرة بعد التكافؤ واستقرار الحيرة من الاصول النظامية الدائرة لديهم في محاوراتهم عند تحقق الحيرة المستقرة.

والأخبار الواردة في التخيير عند الحيرة المستقرة وردت على طبق هذا الأمر المرتكز في الأذهان بحكم فطرة الإنسان فلا يكون من الامور التعبدية ، وما ورد من الشارع إنما هو لأجل التقرير وعدم الردع عن هذه الطريقة المعهودة المرتكزة عند العرف.

فالتخيير إما تكويني محض ، كما في دوران الأمر بين المحذورين مع عدم كون أحدهما قربيا. أو عقلائي ، كما في نظائر المقام. أو شرعي ، كما في خصال الكفارات مثلا. وعلى هذا لا اختصاص له بخصوص تعارض الروايات ، بل يشمل جميع موارد التعارض ، سواء كان فيها ، أو في أقوال الرجال ، وأهل اللغة أو غيرها.

نعم ، بناء على كون التخيير في المقام شرعيا محضا لاختص بخصوص مورد الأخبار المتعارضة ، لاختصاص أدلة التعارض بها ، ولكن عرفت أنها وردت في مقام عدم الردع عن طريقة العقلاء ، فلا وجه للاختصاص ، ولذا يمكن القول بشموله لموارد اختلاف النسخ واختلاف النقل أيضا بعد التكافؤ المطلق والتحير المستقر.

وينبغي الإشارة إلى امور :

الأول : بناء على كون التخيير عقلائيا لا يختص بزمان الغيبة ، بل يشمل زمان الحضور أيضا بعد عدم قدرته عليه‌السلام ظاهرا على رفع التحير ، إما لعدم المقتضي أو لوجود المانع ، بل وكذا لو كان تعبدا من الأخبار لفرض استقرار

١٨٩

موضوع حكم التعارض

يختص حكم التعارض ـ من الترجيح ، ثم التخيير ـ بالمتباينين فقط ولا وجه له في العام والخاص ، ولا المطلق والمقيد ، لتحقق الجمع العرفي المقبول فيهما ، بل تقدم عدم كونهما من التعارض في المحاورات أصلا ، فيخرجان عنه تخصصا.

وكذا موارد العموم من وجه ، لأن المتفاهم من أدلة حكم التعارض ما إذا لم يمكن الأخذ بالدليلين في الجملة ، وهو ممكن في مورد الافتراق من الدليلين ، بل وكذا في مورد الاجتماع أيضا ، لأن المنساق من دليل حكم التعارض ـ ترجيحا أو تخييرا ـ إنما هو في ما إذا لزم من الطرح والرجوع إلى الأصل محذور شرعي ، ولا يلزم ذلك في مورد الاجتماع من العامين من وجه ، بل الشائع في المحاورات هو الطرح ، ولا محذور فيه إلا لزوم التفكيك في العمل بمدلول الدليل ولا إشكال فيه ، بل هو كثير في الفقه ، كما لا يخفى.

حكم التعارض إن كان بين أكثر من دليلين

التعارض بين أكثر من الدليلين كثير في الفقه ، كما في تحديد الكر ، وانفعال البئر ، وحكم السلام المخرج عن الصلاة ، وحكم الركعتين الأخيرتين من الرباعيات من حيث القراءة والتسبيحات ، وحكم ذبيحة الكتابي ، وحكم أكثر النفاس إلى غير ذلك مما لا يستقصى. ولا تضبطها ضابطة كلية حتى تذكر في الاصول ، ويختلف حكمها حسب اختلاف الأبواب والموارد ، وقد يضطرب في بعض موارده الخبير الماهر.

قال في الجواهر في بحث السلام : «ويكفيك أن الشهيد مع شدة تبحره

١٩٠

وحسن وصوله إلى المطالب الغامضة قد اضطرب عليه المقام ، كما لا يخفى على كل ناظر للذكرى ...».

ثم إنه قد تعرض الاصوليون لبعض صور التعارض بين الأدلة :

منها : ما إذا ورد عام ، كأكرم العلماء ، وخاصان بينهما التباين ، كلا تكرم الكوفيين منهم ولا تكرم البصريين منهم. وحكمه تخصيص الخاص بكل واحد من الخاصين ما لم يكن محذور في البين من التخصيص المستهجن ونحوه ، وإلا فيعامل معاملة التعارض بين العام ومجموع الخاصين ، ويؤخذ بالأرجح منهما في البين ، ومع فقده فالتخيير.

ومنها : ما إذا ورد عام وخاصان ، وكان بينهما العموم المطلق ، كأكرم العلماء ولا تكرم العراقيين ، ولا تكرم الكوفيين. وحكمه كالقسم الأول ، كما هو الظاهر من المحاورات.

وما يقال : من تخصيص العام بأخص الخاصين ثم ملاحظة النسبة بينه وبين الخاص الآخر ، لا شاهد عليه من عرف أو عقل أو شرع ، وكونه القدر المتيقن من التخصيص ، لا يوجب الظهور في التخصيص به أو لا. نعم ، لو كانا متصلين بالعام يصادم الظهور في العموم ، وحينئذ يكون التعارض بين الدليلين لا أكثر ، فيخرج عن مورد البحث.

ودعوى : أنه مع ملاحظة التخصيص بأخص الخاصين قد تنقلب النسبة إلى العموم من وجه ، فلا بد من ملاحظة النسبة المنقلب إليها.

وهذه الدعوى فاسدة : لأن المدار في النسب الملحوظة في الظواهر ، النسبة الظاهرة الأولية المنساقة من ظاهر الكلام ، لا المنقلبة إليها بعد التخصيص.

ومنها : ما إذا ورد عام وخاصان بينهما العموم من وجه ، كأكرم العلماء ولا تكرم النحاة ، ولا تكرم الصرفيين. وظاهرهم الاتفاق على تخصيص العام بكل منهما ما لم يلزم محذور في البين.

١٩١

ومنها : ما إذا ورد عامان من وجه ، ثم ورد دليل آخر لإخراج مورد افتراق أحد العامين ، مثل أكرم النحويين ، ولا تكرم الصرفيين ، وبعد ذلك قال : يستحب إكرام النحوي غير الصرفي. فتنقلب النسبة إلى العموم المطلق ، إذ يصير مفادهما هكذا : أكرم النحويين ولا تكرم النحوي الصرفي ، فيعمل معه معاملة المطلق والمقيد.

ومنها : ما إذا كان بينهما التباين ، كأكرم العلماء ولا تكرم العلماء ، ثم ورد دليل آخر على إخراج العدول من لا تكرم العلماء ، فتنقلب إلى العموم المطلق ، إذ يصير مفادهما أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم ، والحكم في الجميع تخصيص العام بتمام المخصصات ما لم يلزم محذور التخصيص القبيح ، بلا فرق بين ورودها في عرض واحد أو متقدما ومتأخرا. هذا بعض ما يتعلق بالمقام والتفصيل يطلب من الفقه في المواضع المناسبة.

ثم إنه لا يخفى أنه لا فرق في الأحكام العامة للتعارض بينهما إذا كان التعارض بين الدليلين أو أكثر ، فيجري جميع ما تقدم في المقام أيضا.

١٩٢

المقصد الثاني

الملازمات العقلية

١٩٣
١٩٤

وهي على قسمين :

تمهيد

اتفق العقلاء على أن العقل أعلى الكمالات الإمكانية ، وأغلى الجواهر الروحانية ، وعليه يدور نظام المعاش والمعاد ، وعلى ذلك أجمعت الشرائع الإلهية. ومن المعلوم أنه ليس كل عقل له حظ للإصابة إلى الواقع ، كما أنه ليس كل واقع يمكن أن يدرك بالعقول ، فكم من واقع مستور وكم من عقل أليف الضعف والقصور وإن بذل غاية الجهد ونهاية الوسع ، وفي العيان والوجدان في ذلك غنى عن إقامة البرهان ، ومن ذلك حصلت الاختلافات الكثيرة في العلوم مطلقا.

ثم إن ما يتعلق بمباحث العقل كثير جدا ، والذي يبحث عنه في الفقه والاصول أربعة :

المبحث الأول : أنه مناط التكليف ، فلا تكليف بدونه ، وعليه يدور الثواب والعقاب ، وتدل عليه الأدلة الأربعة ، كما فصّل في محله. وهذا يذكر في الفقه ، كما يذكر في فني الحكمة والكلام ، وفي كتاب العقل والجهل من كتب الأحاديث ، كالكافي وغيره.

المبحث الثاني : الملازمة بين حكم العقل المستقل وبين حكم الشرع ، وعبّروا عنها ب (قاعدة الملازمة) وهي من القواعد الهامة التي تعرضوا لها في الكلام والحكمة والاصول.

وهي تعني أنه كل ما حكم به الشرع يحكم به العقل ، وهذه القاعدة قديمة

١٩٥

جدا ، بل كانت في قديم الأزمان معتقد بعض أعاظم حكماء يونان ، وتظهر من كلمات بعض أهل العرفان ، حيث يقولون : إن العقل شرع داخلي والشرع عقل خارجي ، ولا فرق بينهما في حاق الواقع ، فلو تجسّم العقل لكان بصورة النبي ، كما لو تجرد النبي لصار العقل بعينه ؛ بلا فرق بينهما إلا باختلاف النشأة والعالم ، ولهذا بحث طويل عريض جدا ، وسنشير إلى بعض ما يتعلق بهذه القاعدة في مباحث حجية الحجج إن شاء الله تعالى ، وليس المقام مناسبا لذكرها ، لأن المقام يبحث فيه ـ كما أشرنا إليه ـ عن صغريات الحجة ، وقاعدة الملازمة لا بد وأن تذكر في كبراها.

وأما أن العقل شرع من الداخل ، والشرع عقل من الخارج فهو صحيح في الجملة ، كما ورد فيه الحديث.

المبحث الثالث : الملازمات العقلية غير المستقلة ، أي : حكم العقل المتوقف على شيء خارج عن حكمه. مثل الملازمة بين وجوب المقدمة وذيها ، إذ لو لا وجوب المقدمة في الخارج لما حكم العقل بهذه الملازمة ، وأن الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء ، إذ لو لا وجود المأمور به في الخارج ، لا موضوع لحكم العقل بذلك.

والملازمات غير المستقلة كثيرة ، لأن الفقه مبني على الاستظهارات الصحيحة والاستنباطات الحسنة ، وهذه تتوقف على الذوق السليم والذهن المستقيم ، وهما من أهم أجنحة العقل الذي يطير بهما في العلوم مطلقا ، وإنما نتعرض هنا لبعض مهماتها ، ولا اختصاص لها بصناعة الاصول ، بل كل علم وفن وصنعة تكون لها جهات خارجية تجري فيها الملازمات العقلية غير المستقلة.

المبحث الرابع : بناء العقلاء وسيرتهم ، وقد جرت سيرة العلماء على التمسك بهما ، وهما من أهم الامور النظامية ما لم تردع عنه الشريعة الإلهية ، وقد بنينا جملة كثيرة من الفروع خصوصا في المعاملات عليهما ، فليراجع كتابنا في

١٩٦

الفقه.

ثم إن الملازمات العقلية غير المستقلة عبارة عما إذا كان طرفا الملازمة من غير العقل ، ولكن الحاكم بها إنما هو العقل. بخلاف الملازمات المستقلة ، فإن طرفي الملازمة والحكم بها من مدركات العقل من دون توقف على صدور حكم من الشارع ، كقاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، ووجوب شكر المنعم ، وتبحث عنهما في علم الكلام وقاعدة الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل ، وسيأتي البحث عنها في بحث الحجج.

أما الملازمات العقلية غير المستقلة فهي كثيرة ، وعمدتها في فن الاصول امور :

١٩٧

الأول : الإجزاء

إذا ورد ذكر من الأمر وتحقق امتثال من المأمور به كما قرره وجعله الآمر ، فالعقل يحكم بالملازمة بين امتثال المأمور به على ما قرره الآمر وسقوط الأمر به ، وهذا البحث ـ في الجملة ـ من صغريات المسألة المبرهن عليها في العلوم العقلية : من استحالة تخلّف المعلول عن العلة التامة المنحصرة ، على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

تمهيد فيه امور :

الأول : لا ربط لهذا البحث بمبحث المرة والتكرار الذي تقدّم البحث عنه ، ولا بمبحث تبعية القضاء للأداء وعدمه الذي يبحث عنه في علم الفقه ، لأن البحث فيهما إنما هو في مقام بيان أصل المأمور به وتعيين حدوده وقيوده شرعا بحسب الثبوت ومقام التشريع ، والبحث في المقام في أنه بعد ثبوته بحدوده وقيوده شرعا هل يكون امتثاله موجبا لسقوطه أو لا؟ فلا ربط له بهما.

الثاني : قد ذكر القوم في عنوان البحث : «الإتيان بالمأمور به على وجهه» ، وأطالوا القول في بيان معنى الوجه ـ كما هي عادتهم في غالب الموارد ـ ونحن في غنىّ عن ذلك بعد إسقاط هذا اللفظ لعدم الفائدة فيه رأسا ، وأبدلنا عنه بقولنا : «كما قرره وجعله الآمر» بالمعنى الأعم من التقرير والجعل حتى يشمل المجعولات الثانوية التسهيلية المتممة للجعل الأولى.

الثالث : الأمر إما واقعي ، أو اضطراري ويعبّر عنه بالواقعي الثانوي أيضا ، أو ظاهري يكون مفاد الأمارات والاصول والقواعد المعتبرة ، أو اعتقادي ، ومورد البحث يشمل جميع هذه الأقسام الأربعة.

١٩٨

الرابع : المراد بالامتثال بما له من العرض العريض ، لا سيما في الصلاة والحج لكثرة ما ورد من التسهيلات الامتنانية فيهما. وسقوط الأمر به أعم من القبول ، لأنه عن القبول موانع كثيرة ، كما له مراتب كثيرة ، وبعض مراتبه ملازم لسقوط الأمر ، وإن كان بعض مراتبه الاخرى ملازما للتقوى ، فلا يختلط القبول بسقوط الأمر بالامتثال. إذا عرفت ذلك فنقول : إن البحث في مسألة الإجزاء من جهات :

الجهة الاولى : في سقوط كل أمر بالنسبة إلى امتثاله ، كسقوط الأمر الواقعي عند امتثاله ، وسقوط الأمر الظاهري عند امتثاله ، وسقوط الأمر الاضطراري مع امتثاله ، وسقوط الأمر الاعتقادي عند امتثاله ، وهذا السقوط واضح لا ريب فيه ، لأن الامتثال مطابقا للوظيفة المقررة فيه علة تامة لحصول الغرض ، وهو داعوية الأمر للامتثال ، والداعوية وجدانية ، ومطابقة المأتي به للمأمور به كذلك أيضا فلا بد من سقوط أمره ، لأن فرض عدم السقوط إما لأجل عدم تحقق الداعوية ، أو لأجل عدم مطابقة المأتي للمأمور به ؛ أو لأجل دخل شيء آخر في السقوط.

والكل خلف الفرض ، أو لأجل الشك في القبول ، وقد مر أنه أعم من الامتثال وسقوط الأمر ، فيتعين أن يكون امتثال الأمر الواقعي مسقطا لأمره ، فلا يبقى موضوع للامتثال بداعي الأمر بعد ذلك لسقوط الأمر.

وأما الامتثال بدواع صحيحة اخرى فلا بأس به رجاء للأصل ، بل قد يكون راجحا إذ انطبق عليه عنوان حسن شرعا ، وقد ورد في الصلاة المعادة : «إنّ الله تعالى يختار أحبّهما إليه» ، وقوله تعالى : وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ . وإذا انطبق عنوان المجاهدة في الله على الاتيان ثانيا يصير راجحا قهرا ما لم يكن من الوسوسة. ولا فرق في هذه الجهة بين الأوامر الواقعية والاضطرارية والظاهرية والاعتقادية.

١٩٩

الجهة الثانية : في إجزاء الإتيان بالمأمور به الاضطراري عن التكليف الواقعي النفس الآمري عند رفع الاضطرار. ويمكن إدخال هذه الجهة ، والجهة الآتية في ما مر من الجهة الاولى بالنسبة إلى الأمر الواقعي بأن يقال : إن امتثال الأمر الواقعي بما له من الأطوار ، والبروز والشئون وعرضه العريض ، يجزي عن الواقع ، ولا ريب في أن الأوامر الاضطرارية والظاهرية من أطوار الواقع ، فلا تصير جهات البحث متعددة حينئذ. وكيف كان ، فالاحتمالات الثبوتية فيها خمسة :

الأول : سقوط الواقع بالمرة خطابا وملاكا فعلا في موارد الاضطرار ، فلا واقع إلا ما استفيد من أدلة التكاليف العذرية ، لأن الشارع مسلط على مجعولاته ـ وضعا ورفعا ، وإتماما وتنقيصا ـ ولا محذور فيه من عقل أو شرع ، ولكن مع بقاء الواقع على الشأنية والاقتضاء في الجملة.

الثاني : وجود الواقعي الأولي وتطابق مصلحته مع الواقعي الثانوي من كل حيثية وجهة ، لكن طولا لا عرضا حتى يلزم التخيير ، وعلى نحو الاقتضاء لا الفعلية حتى يلزم تحصيلها.

الثالث : نفس الصورة مع لزوم تداركها.

الرابع : هذه الصورة مع استحباب التدارك.

الخامس : هذه الصورة مع عدم إمكان التدارك.

وهذه كلها صور فرضية في مقام الثبوت ، ويمكن أن يمثل لها بفروع فقهية قد تعرضنا لها في مهذب الأحكام في موارد مختلفة.

وأما في مقام الإثبات فمقتضى إطلاقات أدلة التكاليف العذرية والاضطرارية ، وتسالم العلماء على حكومتها بالنسبة إلى الواقعيات الأولية وسهولة الشريعة المقدسة هو القسم الأول ، إذ لا معنى للحكومة المتسالمة بينهم إلا تنزيل التكاليف الاضطرارية منزلة الواقعيات الأولية وإسقاطها عن الفعلية

٢٠٠