جواهر العقول في شرح فرائد الأصول

محمّد رضا الناصري القوچاني

جواهر العقول في شرح فرائد الأصول

المؤلف:

محمّد رضا الناصري القوچاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٨

المائز (ومرجع الترجيح بهذه) الأمور (إلى كون متن أحد الخبرين أقرب صدورا من متن الآخر) فالأفصح أقرب من حيث الصدور من الفصيح ، وهكذا ساير المرجحات.

(وعلل بعض المعاصرين الترجيح بمرجحات المتن بعد أن عد هذه) الأمور المذكور (منها) أي من المرجحات المتنية (بأن مرجع ذلك) كله (إلى الظن بالدلالة) وأنه يقدم النص والأظهر على الظاهر لقوة دلالتهما (وهو مما لم يختلف فيه علماء الاسلام) والمقام من ذلك الباب ، فكأنما توهم بأن الفصاحة والأفصحية حيث تقومان باللفظ ، فهذا الترجيح يرجع إلى الترجيح الدلالي (وليس) المقام (مبنيّا على حجية مطلق الظن المختلف فيه) فإن الظن المختلف فيه ، وهو الظن المطلق الانسدادي الثابت حجية بالعقل ، والمقام من مصاديق الظواهر اللفظية التي تثبت حجيتها بالخصوص ، أي بحكم الشارع ويسمى الظن الخاص.

(ثم ذكر) بعض المعاصرين (في مرجحات المتن) بتقديم (النقل) أي المروى (باللفظ) على المروى بالمعنى (والفصاحة والرّكاكة) بتقديم الأول على الثاني (و) تقديم (المسموع) أي المقرو (من الشيخ بالنسبة إلى المقروّ عليه) أي قراءة الراوي على الشيخ (والجزم بالسماع من المعصوم «ع») أي يرجح خبر أحد الراويين لكونه جازما وعالما (على غيره) أي على ما يظن بما يرويه ، ولا يجزم به فإذا أخبر أحد الراويين عن الامام عليه‌السلام بطريق الاحتمال لا القطع ، والآخر بطريق القطع والسماع عنه «ع» يقدم الثاني على الأول (و) هكذا

__________________

ـ ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يحيى رفعه وذكر الحديث إلا أنه قال : فان خرج الدم من الجانب الايسر فهو من الحيض وأن خرج من الجانب الايمن فهو من القرحة.

راجع الوسائل : الجزء : ٢ الباب ـ ١٦ ص ـ ٥٦١ (الرواية : ١ و ٢).

٣٠١

ذكر (كثيرا من أقسام مرجحات الدلالة كالمنطوق والمفهوم ، والخصوص والعموم) بترجيح المنطوق والخصوص على الآخر (ونحو ذلك ، وأنت خبير) بما فيه (بان) مرجحات المتن راجع إلى الصدور ، لا الدلالة وإن كان كل منهما قائم باللفظ ، لأن (مرجع الترجيح بالفصاحة والنقل باللفظ) في الحقيقة راجع (إلى رجحان صدور أحد المتنين بالنسبة إلى الآخر) فإن الفصيح كما أنه أقوى من حيث الدلالة من الركيك ، فكذلك اقوى من حيث المتن منه ، فإذا كان أقوى من الركيك من حيث المتن يصير أقوى من حيث الصدور منه أيضا ، ففي الحقيقة ليس الترجيح بالمتن غير الترجيح بالصدور (فالدليل عليه هو الدليل على اعتبار رجحان الصدور وليس) الترجيح بالمتن (راجعا إلى الظن في الدلالة المتفق عليه بين علماء الاسلام) كما تخيله ذلك البعض المعاصر ، فإن مدار حجية الخبر ـ كما ذكره المصنف قده في مبحث حجية خبر الواحد ـ أن الحجية تستلزم أمورا الصدور ، والدلالة ، وجهة الصدور ، فالصدور غير جهة الدلالة.

(وأما مرجحات الدلالة فهي) أي المرجحات الدلالة (من هذا الظن المتفق عليه) بين علماء الاسلام (وقد عدها) أي هذه المرجحات الدلالية (من مرجحات المتن جماعة ، كصاحب الزبدة قده وغيره) أي غير شيخنا البهائي قده ، وهذا بعكس كلام ذلك البعض المعاصر ، فإنه ارجع المرجح الدلالي الى المرجح الصدوري ، والحال أن الترجيح الصدوري إنما يكون في صورة التعارض ولا تعارض مع الجمع العرفي.

(والأولى ما عرفت من أن هذه) المرجحات الدلالية (من قبيل النص والظاهر ، والأظهر والظاهر ولا تعارض بينهما ، ولا ترجيح) لاحدهما على الآخر (في الحقيقة ، بل هي) أي هذه المرجحات (من موارد الجمع المقبول فراجع) بما فصلناه سابقا.

(وأما الترجيح من حيث وجه الصدور) فهو ما يكون أحد المتعارضين أقوى من الآخر لاحتمال كون الآخر صادرا على نحو ليس المراد منه بيان الحكم

٣٠٢

الواقعي بل لغرض آخر ومصلحة اخرى (بأن يكون أحد الخبرين مقرونا بشيء) وهو موافقة فقهاء العامة (يحتمل من أجله) أي الشيء (أن يكون الخبر صادرا على وجه المصلحة المقتضية لبيان خلاف حكم الله الواقعي من تقية أو نحوها من المصالح) الآخر التي ليس لها انضباط بل هي بنظر الامام عليه‌السلام ، لاختلاف الأحكام بحسب المصالح في الأزمان والحالات (وهي) أي المصالح (وان كانت) من حيث هي (غير محصورة في الواقع إلّا أن الذي بأيدينا) في الأخبار من مصاديقه ليس إلّا (امارة التقية ، وهي) أي الامارة (مطابقة ظاهر الخبر لمذهب اهل الخلاف ، فيحتمل صدور الخبر تقية عنهم) أي عن العامة (احتمالا غير موجود في الخبر الآخر) أي في الخبر المخالف لهم (قال) شيخ الطائفة قده (في العدة إذا كان رواة الخبرين متساويين في العدد عمل بابعدهما من قول العامة ، وترك العمل بما يوافقه) أي يوافق قول العامة (انتهى ، وقال المحقق قده في المعارج بعد نقل العبارة المتقدمة عن الشيخ قده والظاهر : ان احتجاجه) أي الشيخ قده ، واستفاده (في ذلك) أي في الترجيح بمخالفة العامة (برواية رويت عن الصادق عليه‌السلام) إذا أتاكم عنا حديثان مختلفان فخذوا بما وافق منهما القرآن ، فإن لم تجدوا لهما شاهدا من القرآن فخذوا بالمجمع عليه ، فإنه لا ريب فيه (١) فإن كان فيه اختلاف وتساوت الأحاديث فيه ، فخذوا بأبعدهما من قول العامة (وهو إثبات مسئلة علمية) أي أصولية (بخبر الواحد) يعني اراد شيخ الطائفة قده بأن يثبت مسئلة أصول الفقه بخبر الواحد (ولا يخفى عليك ما فيه) ـ هذا من كلام المحقق قده في المعارج ـ لأن المسألة الفرعية كوجوب السورة مثلا يثبت بخبر الواحد ولكن أصول الفقه كما ذكر بعضهم في عدم حجية الاستصحاب أنها لا تثبت بخبر الواحد ، لأنه باب ينفتح منه الف باب (٢) (مع

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ج ـ ٣ (ص ـ ١٨٦) الرواية : ١١.

(٢) فجعل المحقق قده المقام من قبيل ذلك ، وفيه لان عدم ثبوت المسألة الاصولية ـ

٣٠٣

أنه قد طعن فيه) أي في كلام الشيخ قده (الفضلاء من الشيعة كالمفيد) الثاني (١) ولد شيخنا الطوسي قدس‌سرهما (٢) (وغيره).

ثم قال المحقق قده : (فان احتج) شيخ الطائفة قده بحصول الظن من المرجحات (بان الابعد) من التقية (لا يحتمل إلّا الفتوى) أعني رأي الامام عليه‌السلام (والموافق للعامة يحتمل التقية فوجب الرجوع إلى ما لا يحتمل) فيه التقية اخذا بما خالف العامة.

(قلنا) نمنع حصول الظن منها ، و (لا نسلم انه) أي ما كان الا بعد عن التقية (لا يحتمل إلّا الفتوى لانه) أي الشأن (كما جاز) أي احتمل أن يكون ما خالف العامة ، هو (الفتوى) بما لا يحتمل التأويل (لمصلحة يراها الامام عليه‌السلام ، كذلك يجوز) أي يحتمل (الفتوى) بخلاف الظاهر (بما يحتمل التأويل

__________________

ـ تتمة الهامش من الصفحة ٣٠٣

بخبر الواحد أنما هو في مسائل أصول الدين والعقائد المطلوب فيها القطع دون أصول الفقه المطلوب منها العمل ، ولو كان بالظن فاطلاق ادلة حجية خبر الواحد يشمل المسألة الجزئية والكلية.

اللهم إلا أن يقال : يظهر من التأمل في مواضع من كلمات القوم ان المسائل الاصولية أي الاصول التي يستنتج منها الاحكام الفرعية وتقع واسطة لاثباتها لا بد وان يكون قطعي الاعتبار حتى يصح أن يقال ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم.

وعليه : فالحق مع المحقق قده على ما ذكره في المعارج.

(١) المفيد الثاني : هو الشيخ الاجلّ العالم الفاضل الكامل الفقيه المحدّث الثقة الشيخ حسن بن محمّد بن الحسن الطّوسي ابو علي ابن شيخ الطائفة (قده) ، صاحب كتاب شرح النهاية وكتاب الامالي الدّائر بين سدنة الاخبار وغيرهما ، ينتهي اليه اكثر الاجازات. مستدرك سفينة البحار ، ج ـ ٨ ص : ٣٤٦.

(٢) راجع كتاب المكاسب له قده في بحث القمار (ص ـ ٤٨) وفي سفينة البحار (ج ـ ٢ ص ـ ٣٩٠).

٣٠٤

لمصلحة يعلمها) أي المصلحة (الامام عليه‌السلام وان كنا لا نعلم ذلك) بأنه ما ذا أراد الامام عليه‌السلام.

(فان قال) الشيخ قده : (ان ذلك) أي احتمال خلاف الظاهر في كل خبر كان مخالفا للعامة (يسد باب العمل بالحديث) لأنه يثبت كثير من الأحكام بخبر الواحد.

(قلنا : انما نصير إلى ذلك) أي إلى احتمال خلاف الظاهر في الخبر الذي كان مخالفا للعامة (على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع من العمل لا مطلقا) ولو لم يكن هناك معارض (فلا يلزم سد باب العمل) بالحديث ، ففي صورة عدم التعارض يؤخذ بالظاهر بلا تأويل ، وموارد هذا كثير (انتهى كلامه) أي كلام المحقق قده في المعارج (رفع مقامه).

(أقول : توضيح المرام في هذا المقام) أي في مقام المحاكمة بين كلام الشيخ قده ، والمحقق الأول قده (ان ترجيح احد الخبرين بمخالفة العامة يمكن أن يكون بوجوه) واحتمالات اربعة.

(أحدها : مجرد التعبد) بمعنى أن الشارع جعل مخالفة العامة ميزانا لوجوب اخذ ما خالف العامة وترك ما وافقهم ، فكلما كان الخبر مخالفا للعامة يجب أخذه تعبدا لا من جهة الظن بالصدور.

وبعبارة أخرى : وجوب الالتزام بالعمل بالخبر المخالف من غير بيان وجه وجوب الأخذ بمخالفة العامة تفصيلا (كما هو) أي التعبد (ظاهر كثير من اخباره) بقوله «ع» : خذ ما خالف العامة ، ولم يعلل (ويظهر من المحقق قده) لأنه قال : والظاهر احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه‌السلام (استظهاره) أي المحقق (من الشيخ قدس‌سرهما) أن المحقق قده فهم من كلام الشيخ قده أن الأخذ بما خالف العامة من باب التعبد ، والدليل على ذلك الاستظهار مقابلة الرواية بقوله : فإن احتج بأن الا بعد لا يحتمل إلّا الفتوى الخ كما لا يخفي ، وإلّا لذكر الخبر المعلل بكون الرشد في خلافهم.

٣٠٥

(الثاني كون الرشد في خلافهم) فيصير أوثق نظرا إلى أن الغالب كون ما وافقهم مخالفا للحق والواقع ، فتكون على التقدير المزبور من المرجحات المضمونية ايضا ، لأن احد الخبرين إذا كان لبيان الحكم الواقعي والآخر لا لبيانه ، فلا شك أن مضمون الأول أقوى من الثاني ، فيكون المراد من قوله «ع» : فإن الرشد في خلافهم ، هو أقربية مضمون الخبر المخالف للعامّة من الخبر الموافق لهم لأنه يحتمل في الموافق ما لا يحتمل في المخالف (كما صرّح به في غير واحد من الأخبار المتقدّمة و) كما يستفاد من (رواية عليّ بن اسباط قال قلت للرضا عليه‌السلام : يحدث الأمر) أي واقعة ، أو مسئلة لا نعلم حكمها (ولا اجد بدا) يعني جاره أي (من معرفته) أي حكم الأمر (وليس في البلد الذي أنا فيه أحد استفتيه) أي الأمر (من مواليك) أي محبيك (فقال «ع» ائت فقيه البلد) من العامة (واستفته) أي فقيه البلد (في امرك ، فإذا افتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإن الحق فيه) (١) أي في خلافه ، فهذا الخبر محمول في صورة عدم معرفته بالحكم ، ولو في صورة عدم التعارض.

(وأصرح من ذلك كله) بالتزام غلبة البطلان في أحكامهم (خبر ابي إسحاق الأرجائي) ـ وفي الوسائل أرجاني بالنون ـ (قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامة فقلت : لا أدري ، فقال «ع» : أن عليا صلوات الله عليه لم يكن يدين الله بشيء الا خالف عليه العامة ارادة لابطال امره ، وكانوا يسألونه صلوات الله عليه عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا افتاهم بشيء جعلوا له) أي لما افتاه صلوات الله عليه (ضدا من عندهم ليلبسوا) الحق (على الناس) (٢) ويدل على سلوكهم مع الأئمة عليهم الصلاة والسلام على هذا النهج ويذكره قده عن قريب ما حكى عن أبي حنيفة من قوله : خالف جعفرا «ع» في كل ما يقول ـ أو يفعل خ ـ ل ـ إلا أني لا أدري أنه يغمض عينيه

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٨ (ص ـ ٨٢) الرواية : ٢٣.

(٢) الوسائل : الجزء ١٨ ص ـ ٨٣ (الرواية : ٢٤).

٣٠٦

في الركوع والسجود أو يفتحهما.

وبالجملة : أن تعليل الأخذ بخلاف العامة في الروايات المزبورة بكونه أقرب إلى الواقع حتى أنه يجعل دليلا مستقلا عند فقد من يرجع إليه في البلد ظاهر في وجوب الترجيح بكل ما هو من قبيل هذه الامارة في كون مضمونه مظنة الرشد.

(الثالث : حسن مجرد المخالفة لهم) أي للعامة بمعنى أن مخالفتهم في حد ذاتها مع قطع النظر عن كون قولهم مطابقا للواقع أو مخالفا له ، أمرا محبوبا للشارع لما فيه من ارغام آنافهم وكسر شوكتهم (فمرجع هذا المرجح ليس الأقربية إلى الواقع بل) مرجعه أيضا إلى التعبد ، و (هو نظير) أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة في (ترجيح دليل الحرمة على الوجوب) لأن ترجيح دليل الحرمة ليس من جهة كونها أقرب إلى الواقع ، بل من جهة أولوية دفع المفسدة كما إذا لم نعلم أنه حلف بذبح هذا الابل أو بتركه ، فالترك أولى (و) يكون نظير (دليل الحكم الاسهل على غيره) فإنه ورد في الخبر أن ملّة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمحة سهلة (١) فإذا دار الأمر بين تسهيل أمر وغيره ، وفقد المرجح لدليل احدهما ، قدم الأول ، لكن لا من باب كونه اقرب إلى الواقع ، بل لأجل كون الأسهل مطلوبا في شرع الاسلام ، ويكون أهنأ على العامل وأرشد من غيره.

(ويشهد لهذا الاحتمال بعض الروايات ، مثل قوله عليه‌السلام في مرسلة داود بن الحصين : أن من وافقنا خالف عدونا ، ومن وافق عدونا في قول وعمل ، فليس منا ، ولا نحن منه) (٢).

(و) يؤيده (رواية الحسين بن خالد : شيعتنا المسلّمون لامرنا ، الآخذون

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ـ ١٦ (الطبعة الحديثة ص ـ ٣٣٠).

(٢) الوسائل : الجزء ١٨ (ص ـ ٨٥) الرواية : ٣٣.

٣٠٧

بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منا (١) فيكون حالهم حال اليهود الوارد فيهم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خالفوهم ما استطعتم).

(الرابع : الحكم بصدور الموافق تقية) فتكون من مرجحات جهة الصدور ، بمعنى كون الموافقة لهم كاشفة عن صدور الخبر الموافق تقية لا من باب التعبد الصرف ، بخلاف المخالف ، فإنه كاشف عن عدم التقية.

(ويدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية : ما سمعته مني يشبه قول الناس) معناه أن كل قول صادر مني يشبه قول العامة (ففيه التقية ، وما سمعته مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه) (٢).

ان قلت : ان السمع المذكور في الخبر يدل في خصوص المسموع من الامام عليه‌السلام بلا واسطة ، والمفروض نحن سمعناه من الراوي لا منه «ع».

قلنا : أن المسموع أعم من أن يكون مع الواسطة أو بلا واسطة (بناء على أن المحكي عنه عليه‌السلام مع عدالة الحاكي كالمسموع منه «ع» ، وأن الرواية مسوقة لحكم) الخبرين (المتعارضين ، وان القضية غالبية لكذب الدائمة) لعدم صحة ذلك لأن الامامية في بعض من الفروع يوافقونهم فليس المراد من الخبر أن كل ما يصدر منا من الأحكام التي تشبه للحكم الذي عندهم ففيه التقية ، بل المراد مخالفة الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام في كثير من الفروع التي مبناه عندهم القياس والاستحسان والعمل بخبر الفاسق (٣) وجميع هذه الوجوه

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٨ (ص ـ ٨٣) الرواية : ٢٥.

(٢) الوسائل : الجزء ١٨ (ص ـ ٨٨) الرواية : ٤٦.

(٣) أعلم أنه يفترق الوجه الأول عن الثاني والثالث أيضا باختصاصه بموارد تعارض الخبرين ، وجريانهما فيما لم يكن هناك خبر أصلا ، وبهذا الوجه يفترقان عن الرابع ايضا ، لاختصاصه بموارد تعارض الخبرين.

ويفترق الأول عن الثاني ، بوجهين آخرين. ـ

٣٠٨

الأربعة محل اشكال.

(أما الوجه الأول فمع بعده عن مقام ترجيح احد الخبرين) ومساق اخبار العلاج (المبنى اعتبارهما) أي الخبرين (على الكشف النوعي) لأن العدالة مقتض لترك المعصية ، ولا تكون علة تامة ، فالمخبر العادل يمكن أن لا يكون صادقا.

وعلى هذا (ينافيه) أي ينافي الكشف النوعي (التعليل المذكور في الأخبار المستفيضة المتقدمة) من كون بنائهم على مخالفة أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما يقول ، وإن الرشد والحق في خلافهم.

__________________

ـ أحدهما : أن الموافقة والمخالفة على الأول دليل على ورود الموافق تقية والمخالف لبيان الواقع ، وعلى الثاني أن الموافقة أمارة لبطلان مضمون الخبر في الواقع والمخافة لحقيته كذلك.

وثانيهما : أن الموافقة والمخالفة على الأول دليلان على ورود الموافق تقية ، والمخالف لبيان الواقع مطلقا ، سواء كان الاحتمال في المسألة عند الخاصة منحصرا في اثنين ، أم كان أزيد؟ بان كانت المسألة عندهم ذات قولين ، أو أقوال ، وكانت العامة متفقين على أحد القولين ، أو الاقوال ، وكان أحد الخبرين موافقا لهم والآخر مخالفا لهم وأما على الثاني فمع انحصار الاحتمال في المسألة في اثنين تكون المخالفة امارة لحقية مضمون الخبر في الواقع والموافقة امارة لبطلانه كذلك ، وأما مع تكثر الاحتمال ، فالموافقة وأن كانت امارة لبطلان مضمون الموافق في الواقع إلّا ان المخالفة لا تكون أمارة لحقية مضمون الخبر المخالف ، لان الفرض حينئذ أن الحق انما هو بين الاحتمالات المخالفة لهم لا انحصاره في مضمون المخالف الذي يوافق أحد الاحتمالات المذكورة.

نعم : يكون المخالف حينئذ ابعد من الباطل بالنسبة الى الموافق لا ان تكون المخالفة أمارة الرشد والحقية.

وبهذا الوجه يفترق الأول عن الرابع أيضا (أوثق الوسائل ص ٦٢٦).

٣٠٩

ووجه الاستبعاد : أن المناسب لترجيح أحد الخبرين المتعارضين بكون اعتبار كل منهما في نفسه من باب الطريقية والكشف ، إنما هو جعل المرجح لأحدهما مما يقوي ذا المزية في جهة اعتباره بأن يقوي جهة كشفه عن الواقع ، لا جعل الأمور التعبدية من مرجحاته ، فلا يناسب جعل المرجح من الأمور غير المفيدة لذلك ، بل المناسب إنما هو جعل المرجح لأحدهما ما يكون مقويا لجهة الكشف في مورده.

(ومنه) أي ومما ذكرنا من أن نفس المخالفة مطلوب للشارع وحسن وقلنا أن هذا لا ربط له بمقام الكشف عن الواقع (يظهر ضعف الوجه الثالث) بل معنى الخبر : أن موافقة العترة الطاهرة ومخالفة اعدائهم مطلوبة ، وهذا الكلام غير ناظر إلى رجحان الأخذ بالخبر المخالف للعامة فليس هذا في مقام ترجيح الخبر بل في مقام حسن اطاعتهم وقبح مخالفتهم ، فهذا الخبر كقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) والعترة «ع» هم أولوا الأمر حتى في الموضوعات ، فليس بناظر إلى صورة تعارض الخبرين ، وكاشفية ذي المزية عن الواقع ، فالمراد وجوب كون افعال الشيعة مطابقا لأفعال الامام «ع» لا لافعال المخالفين ، وأين هذا من مسئلتنا؟ (مضافا إلى صريح رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : ما أنتم والله على شيء مما هم فيه ، ولا هم على شيء) من الأحكام (مما أنتم فيه فخالفوهم) (٢) أي العامة (فانهم ليسوا من الحنفية) أعني الحنيفيّة (٣) (على شيء فقد فرع) الامام عليه‌السلام (الأمر

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) ومن هنا كانت العبارة في الوسائل هكذا : فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء. الجزء : ١٨ ص : ٨٥ الرواية : ٣٢.

(٣) ولا يخفى : أن قريش لم يكن كلهم وثنيين (بت پرست) بل بعضهم كانوا موحدين ويسمون حنفاء آخذين باحكام ابراهيم الخليل على نبينا وآله وعليه‌السلام ، وسبب ـ

٣١٠

بمخالفتهم على مخالفة أحكامهم للواقع) بمعنى : أن أحكامهم مخالفة للواقع (لا مجرد حسن المخالفة) العملية (فتعين) الوجهان الآخر ان ، أي (الوجه الثاني لكثرة ما يدل عليه من الأخبار ، والوجه الرابع للخبر المذكور) ما سمعته مني ، إلى آخره (وذهاب المشهور) إليه (إلا أنه يشكل الوجه الثاني ، بأن التعليل المذكور في الأخبار) (١) (بظاهره غير مستقيم) يعني أن مقتضى ظاهر التعليل أن

__________________

ـ تتمة الهامش من الصفحة ٣١٠

اشراك العرب ان عمرو بن لحى ذهب الى الشام وكانت الشام مستعمرة لدولة الرومان ، وهم كانوا يعبدون الاوثان ، ويستشفعون بصنم كبير يسمى هبل ويتبركون به ، وكان لعمرو ولد مريض استشفع بهبل فطاب الولد ، فعزم على تبليغ الوثنية ، وتبعه كثير من قريش ، وأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآبائه (ع) كانوا باقين على ملّة ابراهيم الخليل (ع) ويرشد اليه الآية الكريمة : الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين (الشعراء : ٢١٩) والمراد من الساجدين آبائه الحنيفيون ، والمراد من التقلب الانتقال من صلب الى صلب ، فتسمى هذا الدين في الجاهلية بالحنيفية قبال الوثنية.

ونظير ما قلناه نقل عن بعض العامة ايضا راجع بحار الانوار ج ـ ١٥ (الطبعة الحديثة) ص ـ ١١٨ (الى) ١٢٢.

(١) اقول : التعليل الواقع في الاخبار أنما هو كون الرشد في خلافهم ، بذكر لفظه :

في ، المفيدة للظرفية لا كون الرشد هو خلافهم ، والاشكال الذي ذكره قده انما يتجه على تقدير كون العلة فيها هو الثاني لا الأول ، فالتعليل المذكور وهو كون الرشد في خلافهم ، لا يستدعى أن يكون خلافهم حكما واحدا كي لا يستقيم بظاهره ، بل غاية ما يستدعي أنه لو كان الاحتمال المخالف لهم منحصرا في واحد؟ كان هو الحق والرشد ، وإلّا ففي صورة تعدد الاحتمال كون الرشد في جملة تلك الاحتمالات المخالفة لهم ، والغاء الاحتمال الموافق لهم من بين الاحتمالات ، فان المعاملة مع الاحتمال الموافق للعامة معاملة العدم من الفوائد المهمة لاختلاف حكم عدم الغائه مع الغائه بالنظر الى الرجوع في الاصول والقواعد بالنسبة الى غيره من الاحتمالات ـ

٣١١

كون الرشد في خلافهم امارة على صدق الخبر المخالف ، وليس كذلك لتعدد محتملات خلافهم وعدم انحصاره في الخبر المخالف (لأن خلافهم) أي العامة (ليس حكما واحدا حتى يكون هو الحق وكون الحق والرشد فيه) «واحد» (بمعنى) في صورة انحصار الاحتمال المخالف لهم في واحد كون الرشد هو ذلك الاحتمال ، وفي صورة تعدده كونه في جملة تلك الاحتمالات المخالفة لهم.

وأيّ فائدة في التعبد بالأخذ بتلك الاحتمالات ، فإن الأخذ بها لا يترتب عليه ازيد مما يترتب على صورة عدم الاخذ بها فلا يمتاز الغي من الرشد حتى يتبع كعدم امتيازه منه على تقدير عدمه.

__________________

ـ تتمة الهامش من الصفحة ٣١١

كما لا يخفى ، فظهر بان الفائدة لا تنحصر في ذلك حتى يبقى التعبد بالاخذ بها لفرض انتفاء تلك الفائدة.

فقوله قده : وكون الحق والرشد فيه ، بمعنى وجوده في محتملاته لا ينفع في الكشف عن الحق.

أن أريد به عدم نفعه في الكشف عن وجوده فيما بين تلك المحتملات؟ فهو يناقض فرضه كون الرشد في خلافهم على معنى كونه في محتملاته.

وأن أريد به عدم نفعه في تشخيص الحق من بين تلك المحتملات كما هو الظاهر منه؟ فهو مسلم ، لكن اعتبار الكشف على هذا الوجه غير لازم في مقام الترجيح ، لكفاية الكشف على الوجه الأول فيه ، بل يكفي ما دونه وهو كون المرجح موجبا لا بعدية مورده عن الباطل على تقدير الدوران بينه وبين فاقده مع احتمال بطلان كليهما كما اعترف به قده في مواضع من كلامه فضلا عن مثل المرجح في المقام فانه يوجب كون كل من هذه الاحتمالات المخالفة اقرب الى الحق والرشد من ذاك الاحتمال الموافق لهم ، هذا ملخص ما ذكره صاحب الكفاية قده بزيادة توضيح منافي حاشيته على الفرائد (درر الفوائد ص ـ ٢٨٧).

٣١٢

وبعبارة أخرى : هذا إنما يتصور في ثنائي الاحتمال ، أحدهما موافق للعامة والآخر مخالف لهم ، كما إذا دار الأمر بين نقيضين ، مثلا رواية الجواز ورواية عدم الجواز ، أو من باب الضدين لا ثالث لهما ، كالحلال والحرام ، فحينئذ يمكن أن يقال : أن الأخذ بخلاف العامة يكشف عن الواقع ، ولكن إذا تعدد احتمال الموافق للواقع ، كما إذا ورد رواية في وجوب شيء وكانت العامة يفتون بما يوافق مضمونها ، واحتمل في الواقع أحد الاحتمالات الأربعة أعني الحرمة ، والاباحة ، والكراهة والاستحباب ، فإذا أخذنا الخبر المخالف فمن أين يحرز الواقع وهو مردد بين أربعة أحكام؟ فلا معنى لكونها من المرجحات المضمونية التي توجب رجحان مضمون الخبر ، لأن كلا من الاحتمالات الأربعة خلاف الوجوب.

وعلى هذا (وجوده) أي وجود الراجح (في محتملاته) أي في المحتملات الواقعية (لا ينفع في الكشف عن الحق) لأن الحق مستور بينها ، والمخالف للعامة مثلا أمور أربعة ، فمن أين يتعين الواقع؟

(نعم) خلاف العامة انما (ينفع في الابعدية عن الباطل ، لو علم او احتمل غلبة الباطل على أحكامهم) أي العامة (وكون الحق فيها) أي في أحكامهم (نادرا) لأن غلبة البطلان توجب صيرورة المخالف أقرب إلى الحق وأبعد عن الباطل ، بمعنى أن المحتملات الأربعة بالنسبة إلى رواية الوجوب ، أبعد من البطلان ، وهذا مشروط على أن نبني على كثرة مخالفتهم للواقع للعلم بأن جميع أحكام العامة ليست مخالفة للحق فلا بد من حمله على الغلبة فانها غير منكرة ، فالريب الذي يحصل في الموافق لهم أكثر بالنسبة إلى ما عداه من المحتملات فيكون الخبر المخالف من هذه الجهة أبعد عن الباطل.

(ولكنه) أي ولكن كون مخالفة احكامهم غالبا (خلاف الوجدان ، ورواية أبي بصير المتقدمة) الدالة على ذلك (وان) وقع النكرة في قولة «ع» : على شيء ، في سياق النفي ، وهو يفيد العموم ، مضافا بأنه (تأكد مضمونها) أي

٣١٣

الرواية (بالحلف ، لكن لا بد من توجيهها) بعد كونها مخالفة للوجدان ، لأن التعليل المذكور على عمومه واطلاقه غير مستقيم.

كيف ومن جملة ما يقولون به التوحيد والنبوة وكثير من الفروع ، فليس المراد مخالفتهم في كل حكم من أحكامهم (فيرجع الأمر) في رواية : أن الرشد في خلافهم (إلى التعبد بعلة الحكم) لأنه كما ذكرنا أن بقي العلة بحالها من العموم فهي خلاف الوجدان فلا يصح هذا التعليل إلّا تعبدا (وهو) أي التعبد بعلة الحكم أوهن ، و (أبعد من التعبد بنفس الحكم) أي وجوب الأخذ بما خالف العامة ، لأن التعبد بنفس الحكم أمر معقول واقع في الشرع ، بخلاف التعبد بالعلل فإن فيه نوع من الاستهجان فيمكن أن الامام عليه‌السلام تعبّدنا بوجوب الأخذ بمخالف العامة من الخبر ، ولكن تعليله «ع» بأكثرية المخالفة الذي هو خلاف الوجدان أبعد ، كما قيل : ان استدلال الامام عليه‌السلام وتعليله جواز المسح ببعض الرأس بقوله «ع» بعد سؤال زرارة من أين عرفت أن المسح ببعض الرأس؟ أجاب الامام عليه‌السلام لمكان الباء (١).

وقد استشكل بعض بأنّ مجيء الباء ـ في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(٢) ـ للتبعيض ، أنكره الامام النحوي سيبويه (٣) ولم يدر أن الامام عليه‌السلام ما نص بكون الباء للتبعيض ، بل يمكن أن يكون الباء للالصاق ويكفي صدق الالصاق بمسح بعض الرأس فنحن نتكلم على الفرض والتقدير بأنه إذا كان واقعا أراد الامام «ع» أن الباء للتبعيض ، وكان قول سيبويه مطابقا للعربية ، فهذا التعليل باطل وبطلانه أكثر من التعبد بوجوب مسح بعض الرأس.

(و) يشكل (الوجه الرابع) أيضا من حيث عدم استفادته من الأخبار الا رواية

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١ (ص ـ ٢٩٠) الرواية : ١.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) راجع كتاب : املاء ما من به الرحمن ج ١ (ص ـ ٢٠٨) ط ـ مصر.

٣١٤

عبيده بن زرارة المضعفة ، وهي قوله عليه‌السلام : ما سمعته مني يشبه قول الناس الخ ، وبعد انجبار ضعفها بالعمل (بأن دلالة الخبر المذكور عليه) أي على المطلوب (لا يخلو عن خفاء ، لاحتمال أن يكون المراد من شباهة أحد الخبرين) المتعارضين (بقول الناس كونه) أي شباهة الخبر بقول العامّة هو ما يكون (متفرعا على قواعدهم الباطلة مثل تجويز الخطأ على المعصومين من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام عمدا ، أو سهوا ، أو) تجويز (الجبر والتفويض) على الله سبحانه وتعالى (ونحو ذلك) من القياس والاستحسان التي فرعوا عليها أحكاما فيكون الاحكام المترتبة على هذه المباني باطلة وان وافقنا في بعضها ، لأنا نعتمد على المدرك الصحيح لا على القياس والاستحسان فيمكن موافقتنا معهم في الحكم ، ولكن حيث كان مبنى حكمهم غير حجة فالحكم باطل (وقد أطلق الشباهة على هذا المعنى) المذكور (في بعض الأخبار العرض على الكتاب والسنة ، حيث قال : وان اشبههما) أي أشبه الخبر بالكتاب والسنة ، ولو في غير مورد التعارض (فهو حق وان لم يشبههما) أي الكتاب والسنة (فهو باطل) فالحكم المبتنى عليه أيضا باطل ، وليس للمجتهد أن يعتمد على مثل هذه الأحكام المتولدة من تلك المدارك الباطلة كرواية أبي هريرة ، ونحو ذلك (وهذا الحمل) أي حمل القضية على استنباط احكام يبتنى على مدارك باطلة (أولى من حمل القضية) المذكورة في الرواية (على الغلبة ، لا الدوام بعد تسليم الغلبة) فإنا لو لم نسلم الغلبة فأولوية الحمل وجوبية ، ولأنه على الحمل المذكور لا يختص بصورة التعارض ، بل تكون القضية المستفادة من هذا الحمل صادقة ولو عند عدم التعارض ، فلو ورد خبركما ينقل عن مولانا الرضا عليه‌السلام ، بأن اكل آدم «ع» من حنطة كان قبل نبوته ، فهذه الرواية صدرت تقية لاجماع أهل الحق على عدم صدور المعصية من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، حتى قبل النبوة والامامة.

٣١٥

(ويمكن دفع اشكال في الوجه الثاني عن التعليل في الأخبار) وهو أن وجه وجوب الأخذ بالخبر المخالف كون الرشد في خلافهم (بوروده على الغالب من انحصار الفتوى في المسألة) عند الشيعة (في الوجهين) أي ذات وجهين ، أحدهما موافق للعامة والآخر مخالف لهم (لأن الغالب أن الوجوه في المسألة إذا كثرت) عند الشيعة (كانت العامة) أيضا (مختلفين) بأن اختلفوا فيها كالشيعة على أقوال ، فكما أن الشيعة اختلفوا في صيغة الأمر في أنها حقيقة في الوجوب أو الندب ، أو للقدر المشترك كذلك عند العامة ، وفي هذه الصورة لا تتحقق الموافقة ، والمخالفة (و) لكن (مع اتّفاقهم) أي العامّة على وجه واحد منها (لا يكون في المسألة وجوه متعدّدة) عند الشيعة ايضا ، لأجل نادر الاتّفاق لأنّهم إذا اختلفوا فالشيعة أيضا يختلفون.

وحاصل ما ذكر المصنّف قده أنّ الصور ثلاثة.

الصّورة الأولى : أن يكون الخاصّة مختصّين بحكم ، والعامّة متّفقين على حكم مخالف.

الصّورة الثانية : اختلاف كليهما.

الصّورة الثالثة : الاختلاف عند العامّة والوجه يكون واحدا عند الخاصة لا مصير إلى الصّورة الثانية ، لعدم تحقّق الموافقة والمخالفة لأنّه موافق من جهة ومخالف من جهة والصّورة الثالثة نادرة الوقوع ، كما أشار قده بأنّه إذا اختلفوا وكانت الوجوه عندهم متعدّدة كان في الأغلب الوجوه متعدّدة عند الخاصة أيضا ، فالحمل على الصّورة الثالثة حمل الضابطة الكلية على الفرد النادر ، فتعيّنت الصّورة الأولى (ويمكن أيضا الالتزام بما ذكرنا سابقا من غلبة الباطل في أقوالهم) أي العامة (على ما صرّح به في رواية) أبي إسحاق (الأرجاني المتقدّمة واصرح منها) أي من هذه الرواية من حيث غلبة البطلان في أحكام العامة (ما حكى عن ابي حنيفة) (١) (من قوله خالفت جعفرا) عليه‌السلام (في كلّ ما

__________________

(١) راجع كتاب زهر الربيع (ج ـ ١ ص ـ ٣٣٢) ط ـ الحديثة.

٣١٦

يقول ، إلّا أنّي لا أدري أنّه يغمض) ـ يغضّ خ ـ ل ـ (عينيه في الركوع أو السجود ، أو يفتحهما) ولذا قد حكى أنّه كان يغمض احدى عينيه ، ويفتح الأخرى ليحصل المخالفة (١) (وحينئذ فيكون خلافهم ابعد من الباطل) وأقرب إلى الحق وعلى هذا فيكون المراد من كون الرشد في خلافهم ، كون خلاف العامة في معرض الحق من حيث كثرة البطلان في أحكامهم لحصول الاطمئنان أنّ المخالف من الخبرين لم يصدر تقية فهو أبعد من الباطل.

(ويمكن توجيه الوجه الرابع ، بعدم انحصار دليله في الرواية المذكورة) وهو قوله «ع» : ما سمعته منّي الخ (بل) لو طرحنا هذه الرواية يمكن أن يستدل عليه بجواز الترجيح بكلّ مزيّة بوجهين.

أحدهما : ظاهر العلماء في باب الترجيح ومرجعه إلى مرجّح الجهة.

ثانيهما : استفادته من النصوص ، ومرجعه إلى مرجّح المضمون.

وأشار إليهما بقوله (الوجه فيه) أي في مستند الوجه الرابع (هو ما تقرّر في باب التراجيح) من ذهاب المشهور إليه (واستفيد من النصوص والفتاوى من حصول الترجيح بكلّ مزية في احد الخبرين ، يوجب كونه) أي كون أحد الخبرين (أقلّ أو أبعد احتمالا لمخالفة الواقع من الخبر الآخر) كما يستفاد من التعليل المذكور في قوله «ع» : فإنّ المجمع عليه ممّا لا ريب فيه ، فيتعدّى إلى كلّ مزية ، يكون الريب فيها ، بالاضافة إلى الخبر الآخر أقلّ ، لأنّ عدم الريب المطلق يجعله مقطوع الصدور ، فلا يدخل في موضوع الاخبار.

(ومعلوم أنّ الخبر المخالف) للعامّة (لا يحتمل فيه التقيّة كما يحتمل) التقيّة (في الموافق على ما تحقّق من المحقّق قدس‌سره).

__________________

(١) ولكن هذا الرّجل اراد القطع بمخالفة الامام الصادق عليه‌السلام ، ومن الممكن أنه (ع) يفتح عينا ويغضّ اخرى فلا يكون هذه مخالفة ذكر هذا استاذنا دام ظله من باب المطايبة.

٣١٧

فقوله قده : يحتمل التقيّة اقرار بأنّ فيه الريب ، أي في الخبر الموافق ، فلو كان اللاريب في طرف المخالف حقيقيا فلا ريب في صدور الآخر تقيّة ، وهو قال يحتمل التقيّة فلم يأت المحقّق قده بالقطع بصدور المخالف ، فيشير أيضا بأنّ عدم الريب إضافي.

وبالجملة (فمراد المشهور من حمل الخبر الموافق) للعامة (على التقيّة ليس) اثبات المرجّح المضموني من حيث قرب مضمون احد الخبرين الى الواقع و (كون الموافقة امارة) ومفيدة للظن (على صدور الخبر) الموافق (تقيّة) فقط (بل المراد) أي مراد المشهور إثبات المرجّح للجهة الصدوري ، وان لم يحصل الظن بصدور المخالف بل مجرّد أنّ الاحتمال في الخبر الموافق دون الاحتمال في الخبر المخالف أي الخبر المخالف أقل ريبا ، لا أنه مظنون الصدور ، و (ان الخبرين) المتعارضين (لما اشتركا في جميع الجهات المحتملة لخلاف الواقع) لأن فرض الكلام في صورة التساوي من ساير المرجّحات.

مثلا : إذا احتملنا في أحدهما النقل بالمعنى نحتمل في الآخر أيضا وإذا كان أحدهما ظنّي الدّلالة فالآخر أيضا ظني الدّلالة والّا ففي الصّورة الأولى يكون الترجيح لما لا يحتمل في حقّه النقل بالمعنى ، وفي الثّاني لا ينتهي الأمر إلى الترجيح ، لأنّ النص مقدّم على الظاهر ، فاحتمال الخطأ أو عدم الجدّ فيهما على حدّ سواء (عدا احتمال الصدور تقيّة المختصّ بالخبر الموافق) للعامة دون المخالف ، ولذا (تعيّن العمل بالمخالف ، وانحصر محمل الخبر الموافق المطروح في التقيّة وأمّا ما أورده المحقّق قده) من دليلين للترجيح بمخالفة العامّة.

أحدهما : المروي عن الصادق عليه‌السلام وأجاب عنه أوّلا بأنّه اثبات مسئلة علميّة بخبر واحد ، وثانيا بطعن الفضلاء من الشيعة فيه.

وثانيهما : انّ الابعد عن التقيّة لا يحتمل إلّا الفتوى ، والموافق للعامّة يحتمل التقيّة فأجاب المحقّق قده عنه (من معارضة احتمال التقيّة في الموافق

٣١٨

باحتمال الفتوى على التأويل) أي التأويل في الخبر المخالف مثلا : إذا ورد خبر على وجوب شيء ، والآخر على استحبابه وكان الأخير موافقا للعامة ، فلا داعي لطرحه فيحتمل صدوره عن الامام عليه‌السلام ، وأمّا الخبر المخالف فيحتمل التأويل بحمل الوجوب على الاستحباب المؤكّد ، كما ورد في الخبر : العقيقة واجبة ، وبالاجماع : العقيقة ليست بواجبة ، بل هي مستحب مؤكّد ، ولكن ما أجابه المحقّق قده (ففيه) أي لا يخلو عن تأمّل ، إذ : (أنّ الكلام فيما إذا اشتركا الخبران) المتعارضان (في جميع الاحتمالات) الّتي ذكرناها آنفا (المتطرقة) بالفارسية ؛ راه پيدا مى كند ـ (في السند والمتن والدّلالة ، فاحتمال الفتوى على التأويل مشترك) أيضا بينهما ، فكما أنّه يحتمل أن يراد من الوجوب استحباب المؤكّد ، كذلك يحتمل أن يراد من الاستحباب الوجوب ، فإنّ الله يحبّ الفرائض ، والمراد من الاستحباب معناه اللّغوي فاحتمال التأويل مشترك بين الخبرين (كيف) لا يكون كذلك (ولو فرض اختصاص الخبر المخالف) للعامّة (باحتمال التأويل وعدم تطرّقه) أي تطرّق التأويل (في الخبر الموافق) للعامّة فيكون من قبيل النصّ والظاهر ، ولا يحتمل التأويل في النص (كان اللّازم ارتكاب التأويل في الخبر المخالف) فقط (لما عرفت) فيما سبق (من أنّ النّص والظاهر لا يرجع فيهما) أي في النص والظاهر (إلى المرجّحات) فإنّ القابل للتأويل هو الظاهر ، وغيره هو النّص ، فإذا فرض اختصاص المخالف بقوله للتأويل فيكون الموافق للعامة نصّا فلا بدّ من الجمع بحمل الظاهر على النص ، لا الترجيح ، وهذا خارج عمّا نحن فيه ، لأنّ الكلام في المقام بعد الفراغ عن عدم امكان الجمع من جهة الدّلالة.

(وأمّا ما أجاب به صاحب المعالم قده ، عن الايراد) أي عن إيراد المحقّق قده على شيخ الطائفة قده (بأنّ) إرادة الاستحباب من الوجوب في المثال المذكور ، يعني أنّ الافتاء بما يحتمل التأويل وإن كان محتملا الّا أنّ (احتمال

٣١٩

التقيّة) في الخبر الموافق على ما هو المعلوم من أحوال الأئمّة عليهم الصلاة والسّلام (في كلامهم) «ع» (أقرب وأغلب) وذلك كاف في الترجيح ، فكلام الشيخ قده عندي هو الحقّ (١) فكأنّه أمضى صاحب المعالم قده بانحصار احتمال التأويل في المخالف دون الموافق إلّا أنّه أجاب بما ذكر فمعارضة احتمال التقيّة مع احتمال التأويل من باب أنّ الأغلب في كلمات الأئمّة «ع» هو التقيّة ، فاختيار شيخ الطائفة قده حمل الموافق على التقيّة يساعده الاعتبار من غلبة التقيّة (ففيه ـ مع اشعاره) أي إشعار كلام صاحب المعالم قده (بتسليم ما ذكره المحقّق قده من معارضة احتمال التقيّة في) الخبر (الموافق باحتمال التأويل) في المخالف (مع ما عرفت من خروج ذلك عن محلّ الكلام) من جهة رجوع الأمر حينئذ إلى الجمع الدّلالي لا الترجيح السندي (ـ منع أغلبيّة التقيّة في الأخبار من التأويل) لكثرة موافقة المذهب لفتاويهم وعلى كل حال فكلام شيخ الطائفة قده لا يخلو عن قوة.

(ومن هنا) (٢) يعني وممّا ذكرنا من أنّه إذا كان الخبر المخالف قابلا للتأويل ، دون الموافق ، وذلك لا يكون إلّا بأن يكون المخالف ظاهرا والموافق نصّا ، فلا بدّ من الجمع والتأويل دون الترجيح ، لما تقدّم من أنّه لا تعارض بين النّص والظاهر (يظهر أنّ ما ذكرنا من الوجه في رجحان الخبر المخالف مختصّ بالمتباينين) اللّذين لا يمكن الجمع بينهما (وأمّا فيما كان من قبيل العامين من وجه ، بأن كان لكلّ واحد منهما) أي من الخبرين المتعارضين (ظاهر يمكن الجمع بينهما) بتأويل احدهما (بصرفه عن ظاهره دون الآخر ، فيدور الأمر بين حمل الموافق منهما على التقيّة) وطرحه (و) بين (الحكم بتأويل أحدهما) أي أحد الظاهرين (ليجتمع مع) الظاهر (الآخر) فإذا تعارض : أكرم العلماء ، مع :

__________________

(١) راجع آخر بحث التعادل والترجيح في المعالم.

(٢) من قوله ومن هنا يظهر الى قوله قده فتلخّص ممّا ذكرنا مذكور في بعض النسخ.

٣٢٠