جواهر العقول في شرح فرائد الأصول

محمّد رضا الناصري القوچاني

جواهر العقول في شرح فرائد الأصول

المؤلف:

محمّد رضا الناصري القوچاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٨

على) عدم وجدان خاص آخر هناك ، والمفروض وروده ؛ وهو : لا تكرم النحويين فلا بد من (علاجه) أي العام (ورفع تخصيصه) أي العام (بلا تكرم النحويين) أيضا وبعد لم يثبت دفع التخصيص.

لأن الدفع أما راجع إلى أمر صغروي وهو أنّ لا تكرم النحاة ليس خاصا ، أو إلى أمر كبروي أن الخاص لا يتقدم على العام ، وكلاهما باطل لكونه خاصا مطلقا مع العام ، والخاص المطلق مخصص للعام فلا يكون العام ظاهرا في تمام الباقي بعد الفساق (وان كان) تعارض العام بعد إخراج الفساق منه مع لا تكرم النحويين (بعد علاجه) وهو لا تكرم النحويين (ودفعه) أي لا تكرم النحويين (فلا دافع له) أي لتخصيص لا تكرم النحويين ، لأنه خاص موجود ليس قابلا للانكار ، وإن الخاص المطلق كما قلنا يقدم على العام (بل هو) أي لا تكرم النحويين (كالدليل الخارجي المذكور) أي ما ثبت بالاجماع أو بالدليل اللبي (دافع عن مقتضى وضع العموم) لأنهما خاصان ، بينهما وبين العام عموم وخصوص مطلق والخاص محكم عرفا على العام فيخرجان معا.

(نعم : لو كان المخصص متصلا بالعام من قبيل الصفة أو الشرط ، وبدل البعض) من الكل (كما في أكرم العلماء العدول ، أو) أكرم العلماء (إن كانوا عدولا ، أو) أكرم العلماء (عدولهم) ثم ورد ايضا لا تكرم النحويين.(صحت) هذا جواب للفظة لو الشرطية (ملاحظة النسبة) بعد تخصيصه بالمتصل (بين هذا التركيب الظاهر في تمام الباقي ، وبين المخصص اللفظي المذكور) أعني لا تكرم النحويين ، إذ : للمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء من القيود واللواحق ، فإذا قال : أكرم العلماء الا الفساق ، وسكت انعقد الظهور في تمام الباقي ، فكان معنى الكلام أكرم العلماء الخارج منهم الفساق ، فهذا ظاهر في تمام الباقي فيكون النسبة بينه وبين لا تكرم النحويين عموم من وجه (وان قلنا بكون العام المخصص بالمتصل مجازا) لأن المجاز أيضا له ظهور مع وجود القرينة ، فقوله : الا الفساق ، قرينة إلى إرادة ما عدا الفساق كائنا من كان ، فتكون النسبة حينئذ

٢٦١

من قبيل العموم من وجه (إلّا انه) أي هذا الظهور في تمام الباقي من جهة الوضع التركيبي (يصير حينئذ من قبيل أسد يرمي) من جهة دلالة هذين اللفظين على الرجل الشجاع ، وهذا من قبيل ظهور المجاز مع القرينة في المعنى المراد (فلو ورد مخصص منفصل آخر) كلا تكرم النحويين (كان مانعا لهذا الظهور) كما أن الدليل المنفصل أيضا مانع عن ظهور العام في تمام الباقي ، فيكون كالعامين من وجه ، في قولنا : أكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، فيكون كل واحد منهما مانعا عن ظهور الآخر ، ففي الحقيقة يكون بينهما تمانع (وهذا بخلاف العام المخصص بالمنفصل فانه) أي الشأن (لا يحكم بمجرد وجدان مخصص منفصل) ولو كان قطعيا كالدليل اللبي (بظهوره) أي العام (في تمام الباقي الا بعد احراز عدم مخصص آخر) ولو بإجراء الأصل ، ولا يمكن اجرائه بعد وجود ما يصلح للتخصيص.

(فالعام المخصص بالمنفصل لا ظهور له) أي العام (في المراد منه) أي العام في تمام الباقي (بل هو) أي العام (قبل احراز جميع المخصصات) المنفصلة (مجمل مردد بين تمام الباقي وبعضه) أي الباقي (وبعده) أي وبعد الاحراز (يتعين ارادة الباقي).

وقوله قده (بعد جميع ما ورد عليه) أي العام (من التخصيص) قيد للباقي ، أي الباقي بعد المخصصين فلم يبق له ظهور ، في تمام الباقي بعد الفساق حتى يتعارضا بالعموم من وجه.

(أما المخصص بالمتصل) من قبيل الوصف أو بدل البعض ونحوهما (فلما كان ظهوره) أي ظهور المخصص المتصل (مستندا إلى وضع الكلام التركيبي على القول بكونه) أي بكون المخصص المتصل (حقيقة) كما هو المختار وفاقا لمذهب سلطان العلماء قده ، على ما مر في مسئلة التخصيص (أو) كان الظهور مستندا (بوضع لفظ القرينة) فكما أن ذكر الحمام المستعمل في معناه في قول القائل رأيت أسدا في الحمام ، قرينة تصرف الأسد عن معنى

٢٦٢

الحقيقي بإفادته التصديق بإرادة غير المفترس ، كذلك المقام ، فإن وضع لفظ القرينة لمعناها كالوصف ونحوه يصير سببا لظهور المقرون بها للمعنى المجازي (بناء على كون لفظ العام مجازا) فيدل رأيت أسدا في الحمام في معنى المراد بلفظ وضع لمعناه الحقيقي واستعمل فيه ، وهو كلمة : في الحمام ، فهذا الظهور المجازي أيضا مستند إلى الوضع.

وبعبارة أخرى : العلماء استعمل في معناه المجازي ، وهو الخاص بقرينة كلمة العدول التي هي استعملت في معناه الحقيقي ، فعلى هذا (صح اتصاف الكلام بالظهور) ولما كان الظهور فوق مرتبة الاجمال ، ودون مرتبة النصوصية ، علل الظهور في مقابل المرتبة الأخيرة باثبات الاحتمال فيكون معنى العبارة : أن الدلالة ليست من جهة النصوصية بل من جهة الظهور (لاحتمال إرادة خلاف ما وضع له التركيب ، أو لفظ القرينة) أي لاحتمال إرادة خلاف الظاهر المجازي ، بمعنى إرادة المعنى المجازي الأضيق.

(والظاهر أن التخصيص بالاستثناء من قبيل) المخصص (المتصل) لأنه قال بعض بأن الاستثناء مخصص منفصل ، ولأجل هذا قال الظاهر فكما أنه إذا كان احدهما متصلا دون الآخر ، فقد ذكرنا أنه يقدم المتصل منهما على غير المتصل نظرا إلى أن المتصل جزء عنوان العام عرفا ، كذلك التخصيص بالاستثناء (لأن مجموع الكلام ظاهر في تمام الباقي ولذا يفيد الحصر) كما إذا قيل جاءني القوم إلا زيدا يستفاد منه مجيء ما بقي بعد زيد (فإذا قال) المولى (لا تكرم العلماء الا العدول ، ثم قال أكرم النحويين ، فالنسبة عموم من وجه) فمادة الافتراق من الطرف الأول العالم الفاسق غير النحوي ، ومن الطرف الثاني العادل النحوي ، ومادة الاجتماع الفاسق النحوي (لأن اخراج غير العادل من النحويين) أعني إخراج فساقهم الذي هو مادة الاجتماع ، ومحل التعارض عن عموم العلماء في الكلام الأول ، وهو قوله : لا تكرم العلماء إلا العدول (مخالف

٢٦٣

لظاهر) ذلك (الكلام الأول) بعد إخراج مطلق العدول ، لأن مقتضاه افادة تمام الباقي.

وبعبارة أخرى : أن ظاهر الكلام الأول حرمة إكرام العلماء غير العدول ، وهم الفساق منهم ، سواء كانوا من النحويين ، أو غيرهم؟ فيكون الحكم بوجوب إكرام النحويين مطلقا ، ولو الفساق منهم على ما هو ظاهر قوله : أكرم النحويين ، والالتزام باخراج مطلق النحويين عن قوله : لا تكرم العلماء مخالف له فحينئذ يبقى التعارض بينهما بالعموم من وجه لأنه لو كان خاصا مطلقا وكان العام عاما مطلقا ، لا يعد الخاص المطلق معارضا لعموم العام عفا ، بل يكون قرينة المراد فلا يقال أن لفظة : في الحمام ، معارض لظهور لفظ : الأسد ، في الحيوان المفترس ، فنسبة القرينة مع ذي القرينة نسبة المفسر والمفسر ولا تعارض بينهما ، فكون اكرم النحويين مخالفا لظهور العام بعد التخصيص يعني لا تكرم العلماء إلا العدول دليل على أن بينهما عموم من وجه.

(ومن هنا) أي من جهة أن التخصيص بالاستثناء من قبيل المتصل والمستثنى منه ظاهر في تمام الباقي (يصح أن يقال : أن النسبة بين قوله ليس في العارية ضمان الا الدينار والدرهم ، وبين ما دل على ضمان الذهب والفضة عموم من وجه) (١)

__________________

(١) والاوفق بمذاق المصنف قده جعل المخصص المنفصل موجبا لاجمال العام أن يعلل عدم رجوع النسبة على تقدير التخصيص بالمنفصل الى العموم من وجه ، بان المنفصل يوجب رفع الظهور الاول للعام ولا يحدث معه ظهور آخر في تمام الباقي الذي يكون النسبة بينه وبين دليل الضمان في الذهب والفضة هي العموم من وجه ، لانه لو قال ليس على مستعير عارية ضمان ، ثم بمخصص منفصل قال : في الدرهم والدينار ضمان ، فهذا المخصص المنفصل لا يعطي ظهورا للجملة السابقة في تمام الباقي إلّا اذا لم يكن مخصص آخر ، ولو باصل العدم ، والحال رواية الذهب والفضة تثبت الضمان فيكون ما بقي بالعام بعض الباقي لاتمام الباقي بعد استثناء الدرهم والدينار.

٢٦٤

وذلك لأنه لو خصص دليل نفى الضمان عن العارية بمنفصل ، كان يقال : يضمن في استعارة الدرهم والدينار ، لكان ذلك الدليل ، وهو قوله : ليس في العارية ضمان ، ظاهرا في عموم نفى الضمان بالنسبة إلى أيّ عارية ، فكان النسبة بينه بعد التخصيص بالمنفصل أيضا ، وبين دليل الضمان في الذهب والفضة هي العموم المطلق ، لكن تخصيصه بالاستثناء الذي هو من قبيل المتصل أوجب ظهوره في نفي الضمان عن ما عدا الدرهم والدينار ، وبين ما عدا الدرهم والدينار وضمان الذهب والفضة عموم من وجه ، فيكون نظير ما ذكرنا من قولنا : لا تكرم العلماء إلا العدول الخ لتصادقهما في المصوغ من الذهب والفضة كالحلى ، وافتراق الأول في غير الذهب والفضة كعارية الكتاب ، وافتراق الثاني في الدرهم والدينار المستثنيين من العام ، لأنه ليس بما عدا.

وبعبارة أوضح يكون الأول بمنزلة أن العارية غير الدرهم والدينار غير مضمونة ، وأما الدرهم والدينار فمضمونتان.

والثاني بمنزلة أن الذهب والفضة يضمنان في العارية لأنه يستفاد من قوله : لا ضمان في العارية إلا الذهب والفضة ، بقاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات ، فكأنما قال : الذهب والفضة مضمونان في العارية ، وهذه الجملة المستفادة من المستثنى معارض مع جملة المستثنى منه في قوله ليس على مستعير العارية ضمان الا الدرهم والدينار الذي معناه ما عدا الدرهم والدينار غير مضمون.

والحاصل : يقع التعارض بين قوله : الذهب والفضة مضمونان ، مع قوله : غير الدرهم والدينار ليس بمضمون ، عموم من وجه فيجتمعان في غير المسكوك من الجنسين مثل الخلخال (كما قواه غير واحد من متأخري المتأخرين) ولا بد أما من تخصيص عموم العقد السلبي في رواية الدرهم والدينار بما عدا الذهب والفضة غير المسكوكين ، وأما من تقييد اطلاق العقد الايجابي في رواية الذهب والفضة بخصوص المسكوكين (فيرجح الأول) أي حفظ عموم الأول أعني ليس

٢٦٥

على مستعير عارية ضمان مقدم على اطلاق الذهب والفضة ، فلا بد من تقييد الذهب والفضة بالدرهم والدينار ، لأن العام بيان ، فتقييد الاطلاق أولى من تخصيص العموم إذا دار الأمر بينهما (لأن دلالته) أي الخبر الأول أعني ليس في العارية ضمان الا الدرهم والدينار ، على نفي الضمان في عارية الحلى (بالعموم) لأن النكرة في سياق النفي يفيد العموم الوضعي (ودلالة) الخبر (الثاني) أعني المستفاد من جملة المستثنى في قوله : ليس في العارية ضمان إلا الذهب والفضة (بالاطلاق) فيصير بمنزلة أن يقال : الذهب والفضة مضمونان ، وهو مطلق ، والعموم حاكم على المطلق ، كما بيناه مرارا (أو يرجع) أي أن لم نقبل كون النكرة في سياق النفي يفيد العموم ، وقلنا : بأن دلالتها أيضا بالاطلاق ، فيتعارض الاطلاقان ويتساقطان ويرجع (إلى عمومات نفي الضمان).

وبعبارة أخرى : إذا قلنا أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم الاطلاقي لا الوضعي ، فيتعارضان ويتساقطان ، ويرجع إلى الأصل العملي ، وهو أصل عدم الضمان ، أي استصحاب العدم (خلافا لما ذكره بعضهم) حكى أنه المحقق الثاني ره (من أن تخصيص العموم بالدرهم أو الدينار ، لا ينافي تخصيصه أيضا بمطلق الذهب والفضة :) فيثبت الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة ، بورود الخاصان على العام دفعة واحدة لا تدريجا ، كان قيل : لا ضمان في العارية في غير الدرهم والدينار ، وفي غير الذهب والفضة ، لفهم العرف عدم التنافي بين المخصصات ، خصوصا بعد ملاحظة أن كلامهم عليهم‌السلام بمنزلة كلام واحد ، وأنهم بمنزلة متكلم واحد ، وأن المستثنى منه في جميع الأخبار متحد المفاد ، وهو عدم الضمان في العارية ، فيكون الاخبار بمنزلة أن يقال : أكرم العلماء الا زيدا ، وإلّا عمرا ، وإلّا الطائفة الفلانية إذا كان زيد وعمرو منهم ، فإنّ العرف يفهمون أن المقصود من التنصيص على زيد وعمرو هو التأكيد ،

٢٦٦

ومثله : ما إذا قال أكرم العلماء إلا زيدا ، ثم قال أكرم العلماء الا عمرا ، ثم قال : أكرم العلماء الا الطائفة الفلانية ، فيكون الحصر اضافيا بالنسبة إلى زيد وعمرو ، وهذا هو الذي أراده المحقق الثاني قده (وذكره) أي ما ذكره بعضهم (صاحب المسالك) الشهيد الثاني قدة ، (وأطال الكلام في توضيح ذلك) عند قول المحقق قدة في كتاب العارية (فقال ما لفظه : لا خلاف في ضمانهما يعني الدراهم والدنانير عندنا ، وإنما الخلاف في غيرهما) أي في غير الدراهم والدنانير (من الذهب والفضة كالحلى المصوغة) (١) لأنه من باب تولد علم تفصيلي من علم اجمالي ، لأنا إذا قلنا بأن الذهب والفضة مضمونان أي الجنسين فالجنس يصدق على الدرهم والدينار ، وإذا قلنا خصوص الدرهم والدينار ، مضمونان فكذلك ، فنعلم تفصيلا بضمان الدرهم والدينار ، وإنما الخلاف في الحلى (فإن مقتضى الخبر الأول) الذي جعله المصنف قدة الثاني في عبارته (ونحوه دخولها) أي دخول الحلى المصوغة في الضمان (ومقتضى تخصيص) الخبر (الثاني) الذي يكون في عبارة المصنف قده الأول (بالدراهم والدنانير خروجها) أي خروج الحلى المصوغة عن قاعدة الضمان.

وحاصل ما أفاده الشهيد الثاني ره هو أن النسبة بينهما العموم المطلق فإن ما يدل بعمومه على عدم الضمان أعم مطلقا مما دل على الضمان في الدرهم والدينار ، ومما دل على الضمان في مطلق الذهب والفضة وبينهما والعام المذكور عموم وخصوص مطلق فيقدم الخاص المطلق على العام ، والنتيجة استثناء الذهب والفضة أيضا ، والكلام فيما تقدم من أنه لو ورد عام وخاصان يجب تخصيص

__________________

(١) هو بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع حلى بفتح الحاء وتخفيف الياء ، اسم لكل ما يتزين به من الذهب والفضة ويقال بالفارسية (زيور).

٢٦٧

العام بكل من الخاصين ولو كانت النسبة بين الخاصين عموم مطلق كقوله اكرم العلماء ولا تكرم النحويين ، ولا تكرم الفساق من النحويين وروايات الباب تكون كذلك ، فإن منها عاما ينفي الضمان عن عموم العارية ، وفيها خاصان احدهما إثبات الضمان في عارية الدراهم والدنانير ، وثانيهما اثبات الضمان في مطلق الذهب والفضة ، فتكون النتيجة ثبوت الضمان في العارية الذهب والفضة مطلقا ، سواء كانا مسكوكين ، أو غير مسكوكين؟ (ومن الأصحاب) كالمحقق الثاني قدة (من نظر إلى أن الذهب والفضة مخصصان من عدم الضمان) وقوله قدة (مطلقا) قيد لقوله : عدم الضمان ، سواء كانتا مسكوكتين ، أم لا؟ (ولا منافاة بينهما) أي بين الذهب والفضة (وبين الدراهم والدنانير ، لأنهما) أي الدراهم والدنانير (بعض افرادهما) أي الذهب والفضة (ويستثنى الجميع ، ويثبت الضمان في مطلق الجنسين) أعني الذهب والفضة مسكوكين أم غيرهما؟ (ومنهم من التفت إلى أن الذهب والفضة مطلقان) كما يقوله الأكثر (أو عامان بحسب افادة ـ الجنس المعرف ـ العموم) يعني بناء على أن المفرد المعرف يفيد العموم عند عدم العهد (وعدمه) أي وعدم الافادة لأنه اختلف في المفرد المحلي بال ، هل هو دال على الجنس فقط ، أو أن اللام فيه للاستغراق؟ بدليل أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر (والدراهم والدنانير مقيدان) بناء على كون النكرة في سياق النفي لا يدل على العموم وضعا ، بل هي مطلق : فعلى هذا يكون الدراهم والدنانير مقيدان بالكسر (أو مخصصان) بناء على كون النكرة في سياق النفي للعموم وضعا (فيجمع بين النصوص بحمل المطلق على المقيد أو العام على الخاص).

(والتحقيق في ذلك) أي في بيان النسبة بين ادلة ضمان العارية (أن نقول

٢٦٨

أن هنا) أي في باب العارية (نصوصا على ثلاثة اضرب) ووجوه.

(أحدها : عام في عدم الضمان) في العارية مطلقا (من غير تقييد) بالدرهم والدينار وبالذهب والفضة (كصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن) (١) ومن المعلوم أن الأمين لا يضمن الا بالتعدي أو التفريط (وقريب منها) أي من هذه الصحيحة (صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام) قال : سألته عن العارية يستعيرها الانسان ، فتهلك أو تسرق ، فقال : أن كان أمينا فلا غرم عليه (٢).

(وثانيها : بحكمها) أي بحكم صحيحة الحلبي في عدم الضمان (إلا أنه استثنى مطلق الذهب والفضة) وهي حسنة زرارة ، قال قلت : لابي عبد الله عليه‌السلام العارية مضمونة؟ فقال : جميع ما استعرته ، فتوى ؛ توى ونوى كرضى أي فهلك ـ فلا يلزمك تواه ـ اي الاضمان ـ إلا الذهب والفضة ، فإنهما يلزمان إلا أن تشترط عليه أنه متى توى لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع ما استعرت ، فاشترط عليك لزمك ، والذهب والفضة لازم لك ، وإن لم يشترط عليك (٣).

(وثالثها : بحكمها ، إلا أنه استثنى الدنانير والدراهم ، وحينئذ) أي حين ورود الأدلة في هذا الباب على اصناف (فلا بد من الجمع) بينها (فاخراج الدراهم والدنانير لازم) قطعا وثبوت الضمان فيهما (لخروجهما) أي الدراهم والدنانير (على الوجهين) المذكورين في الخبرين (الاخيرين) من استثناء مطلق الجنسين ، واستثناء خصوص الفردين اعني الدرهم والدينار (فإذا خرجا) أي الدرهم والدينار (من العموم) أي عموم عدم الضمان (بقي العموم) الذي دلت عليه صحيحة الحلبي (فيما عداهما) أي الدرهم والدينار (بحالة وقد عارضه) أي

__________________

(١ و ٢) الوسائل : الجزء ١٣ ص ـ ٢٣٧ (الرواية ٦ و ٧).

(٣) الوسائل الجزء ١٣ ص ٢٣٩. (الرواية : ٢).

٢٦٩

العام (التخصيص بمطلق الجنسين) أي الذهب والفضة (فلا بد من الجمع بينهما) أي بين العام ومطلق الجنسين (بحمل العام على الخاص) يعني نحمله على غير الذهب والفضة ، لأن الذهب والفضة خاصان وبينهما وبين العام عموم وخصوص مطلق ، فتأتي قاعدة التخصيص.

(فإن قيل : لما كان الدراهم والدنانير أخص من الذهب والفضة) إذ ليس كل ذهب وفضة بدرهم ودينار (وجب تخصيصهما) أي الذهب والفضة (بهما) أي بالدرهم والدينار (عملا بالقاعدة) أي بقاعدة تخصيص العام بالخاص لانقلاب النسبة ، ويصير النسبة بين الموضوعين أي بين الضمان في الذهب والفضة ، وهما العامان وضمان الدراهم والدنانير ، وهما الخاصان فيحمل الذهب والفضة على الدراهم والدنانير ، فليس هنا إلا مخصص واحد وهو الدراهم والدنانير ، فالذهب والفضة غير المسكوكتين يدخلان في عدم الضمان (فلا تبقى المعارضة إلا بين العام الأول) أعني : ليس على مستعير عارية ضمان (والخاص الأخير) فقط ، وهو الثالث أعني الدراهم والدنانير ، ومقتضى القاعدة تخصيص العام بالخاص.

(قلنا : لا شك أن كلا منهما) أي من الخاصين أعني الذهب والفضة والدرهم والدينار (مخصص لذلك العام) الذي دلت عليه صحيحة الحلبي فتخصيص العموم بالدرهم والدينار ، لا ينافي تخصيصه أيضا بمطلق الذهب والفضة (لأن كلا منهما مستثنى) من ذلك العام ، كما إذا قلنا : أكرم العلماء ، ثم قلنا : لا تكرم النحويين ، وأيضا قلنا : لا تكرم النحويين الفساق ، فلا منافاة أن يخرج الثاني والثالث من الأول (وليس هنا) مانع (إلا أن أحد المخصصين) يعني الذهب والفضة (أعم من الآخر) أي من الدراهم والدنانير (مطلقا ، وذلك) أي كون أحد الخاصين أخص من الآخر (غير مانع) عن خروجهما عن تحت العام (فيخصص العام الأول بكل منهما) أي بكل من الخاصين المخصصين (أو يقيد

٢٧٠

مطلقه) بكل منهما على الخلاف السابق في أن النكرة في سياق النفي دلالتها على العموم بالوضع أو بالاطلاق.

ويمكن أن يقال : أن العموم بالنظر إلى الفقرة الأولى أعني قوله عليه‌السلام : ليس على مستعير عارية ضمان من صحيحة الحلبي ، والاطلاق بالنظر إلى الفقرة الثانية منها أعني قوله عليه‌السلام : صاحب العارية والوديعة مؤتمن ، فالمحصّل بعد ملاحظة النصوص كلها أنه ليست العارية مضمونة الا الدرهم والدينار ، وإلّا الذهب والفضة ، فإنه لا ريب أنه لو أدّى الشارع الحكم بالعبارة المزبورة يفهم العرف كون عارية كل من الدرهم والدينار والذهب والفضة مضمونة (لا أن أحدهما) أي الذهب والفضة (يخصص بالآخر) أي بالدراهم والدنانير (لعدم المناة بين اخراج الذهب والفضة) عن عموم العام (في لفظ) أي في رواية (والدراهم والدنانير في لفظ) أي في رواية أخرى (حتى يوجب الجمع بينهما بالتخصيص ، أو التقييد).

فعلى هذا : التقدير ليس التعارض الا بالعموم والخصوص المطلق ويثبت ضمان مطلق الذهب والفضة (وأيضا فإن العمل بالخبرين الأخصين) أحدهما ما استثنى فيه الدنانير فقط ، والآخر الخبر الذي استثنى فيه الدراهم فقط ، وتخصيص خبر عدم الضمان مطلقا بخبر الدرهم والدينار بعد تخصيص خبر الذهب والفضة بهما (لا يمكن) إذ انكم خصصتم العام وهو عدم ضمان المطلق بالذهب والفضة ، ولكن تقييد الذهب والفضة بالدرهم والدينار غير صحيح ، لأنهما ما وردا في رواية واحدة بل في روايتين ، إحداهما أن الضمان منحصر في الدينار ومعناه أنه ليس في الدرهم ضمان ، والأخرى انحصار الضمان في الدرهم ، ولازمه أن لا يكون في الدينار ضمان ، فلا تثبت المقيد بالكسر حتى يقيّد الذهب والفضة ، نظير هذا : إذا قال : اعتق رقبة ، وجاء في رواية إنما يجزى الرقبة المؤمنة ، وفي رواية اخرى إنما يجزي الرقبة الكافرة ، فهاتين الروايتين يتكاذبان فلا يوجد هناك مقيد حتى نقيد : اعتق رقبة كما قال قدة (لان احدهما)

٢٧١

أي أحد الخاصين (لم يخص) ولم يستثن (الا الدنانير) كصحيحة عبد الله بن سنان ، قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تضمن العارية إلا أن يكون قد اشترط فيها ضمان إلا الدنانير فإنها مضمونة ، وإن لم يشترط فيها ضمانا (١) (وابقى الباقي) حتى الدراهم (على حكم عدم الضمان صريحا) قضاء للحصر (و) الخبر (الآخر لم يستثن) ولم يخص (الا الدراهم) كصحيحة عبد الملك بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط صاحبها الا الدراهم ، فإنها مضمونة اشترط صاحبها ، أو لم يشترط؟ (٢) (وابقى الباقي) حتى الدنانير (على حكم عدم الضمان كذلك) أي صريحا (فدلالتهما) أي دلالة خبر الدراهم والدنانير على المطلوب بتقييد الذهب والفضة بهما (قاصرة) ذكرنا وجه القصور لأن المقصود أن الدرهم والدينار كلاهما مضمونان ، فلو قيدنا الفضة والذهب بهما لم يدل على المقصود ، إذ المقصود ثبوت الضمان فيهما والحال ان كل واحد من الروايتين تدل على عدم ضمان الأخرى ، فبتصديق الدلالتين يلزم نفي الضمان عنهما ، وهو غير المطلوب (والعمل بظاهر كل منهما) أي من خبري الدرهم والدينار وحده (لم يقل به احد).

قال في الأوثق (٣) بل لا يمكن كما أنه يقال اجتماع النقيضين لم يقل به احد ، فينبغي أن يقال : لا يمكن (بخلاف الخبر المخصص بالذهب والفضة) لأنه لو لم نعمل بخبر الدرهم والدينار ، وقلنا بثبوت الضمان في مطلق الجنسين يكفي فيه الاقتصار في تخصيص عدم الضمان مطلقا على العمل بخبر الذهب

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٣ ص ٢٣٩ (الرواية : ١).

(٢) الوسائل : الجزء ١٣ ص ٢٤٠ (الرواية : ٣).

(٣) ص ـ ٦٢٣.

٢٧٢

والفضة ، لعدم التفريق في الرواية فيخصص به خاصة.

(فان قيل : التخصيص) يعني تحصيص الخبر المخصص بالذهب والفضة (إنما جعلناه) أي التخصيص (بهما) أي بالخبرين الأخصين خبر الدينار وخبر الدرهم (معا) بعد تنزيلهما منزلة خبر واحد ، فلا قصور في الدلالة حينئذ ، إذ مفاده أن المجموع مستثنى والضمان منحصر في المجموع ، و (لا) نجعل التخصيص (بكل واحد منهما) أي من خبري الدرهم والدينار مستقلين وبالانفراد حتى يرد ما ذكر (فلا يضر عدم دلالة احدهما) أي أحد الخبرين الواردين في الدرهم والدينار (على الحكم المطلوب منه) أي من احدهما ، فإن الدليل على المطلوب كلاهما معا لأكل واحد منهما مستقلا.

(قلنا : هذا) التوجيه (أيضا لا يمنع قصور كل واحد من) الخبرين الأخصين عن (الدلالة لأن) استثناء (كل واحد) من الدرهم والدينار وقع في خبر مستقل مباين للآخر ، و (مع قطع النظر عن صاحبه قاصر) عن الدلالة على المطلوب (وقد وقعا في وقتين في حالتين مختلفتين) كما في صحيحتي عبد الله بن سنان ، وعبد الملك بن عمرو المتقدمتين (فظهر) مما ذكرنا (ان ارادة الحصر من كل منهما) أي من الدراهم والدنانير (غير مقصود) بل استثنى كل من الدرهم والدينار في الجملة ، وذلك لا ينافي مع استثناء الذهب والفضة أيضا من غيرهما حتى تكون النتيجة ثبوت الضمان في مطلق الذهب والفضة (وانما) مرجع (المستثنى فيهما) أي في خبري الدرهم والدينار اغماضا عن عدم ارادة ما يفيدان بظاهرهما من الحصر إلى كون كل منهما (من جملة الافراد المستثناة) لاتمام المستثنى ، فكما أن الدراهم والدنانير فردان منه ، كذلك غير المسكوك من الذهب والفضة ايضا فرد (وعلى تقدير الجمع) يكون الحصر غير مراد ، بل المراد ثبوت الضمان فيهما فقط بلا حصر (بينهما) أي بين خبري الدرهم والدينار (بجعل المستثنى مجموع ما استفيد منهما) حتى يصير بمنزلة استثنائهما

٢٧٣

في خبر واحد (لا يخرجان عن المقصود في الدلالة على المطلوب) وهو ثبوت الضمان في الدراهم والدنانير فقط دون مطلق الجنسين (إذ لا يعلم منهما) أي من خبري الدرهم والدينار (إلّا أن الاستثناء ليس مقصورا) ومنحصرا (على ما ذكر في كل واحد) منهما ، بل يمكن باستثناء الذهب والفضة في خبر آخر ، فينتج ثبوت الضمان في الدرهم والدينار بلا حصر ، واثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، فليكن الحلى أيضا مضمونا.

(فان قيل اخراج) الخاص أعني (الدراهم والدنانير خاصة ينافي اخراج جملة) أي كل من (الذهب والفضة) أعني العام (فلا بد من الجمع بينهما) أي بين الدراهم والدنانير ، وبين الذهب والفضة (بحمل الذهب والفضة على الدراهم والدنانير ، كما يجب الجمع بين عدم الضمان لمطلق العارية) وهو العام الأول الذي دلت عليه صحيحة الحلبي (و) بين ثبوت (الضمان لهذين النوعين) أعني الذهب والفضة (لتحقق المنافاة بين الأمرين) أي التنافي جاء من جهة سعة موضوع احد الدليلين أعني : الذهب والفضة مضمونان ، وضيق موضوع الآخر أعني : الدرهم والدينار مضمونان.

ففي مقام اعطاء الضابطة يتنافى الدليلان ، فما استفيد من هذه العبارة أن لنا كبرى كلية ، وهو : أن العام والخاص المتنافيين يجب حمل العام فيهما على الخاص ، فكما تقول أن الجملة الأولى أي العام بلا استثناء ليس على مستعير العارية ضمان عام ، وما أشتمل على الذهب والفضة خاص ، فقاعدة حمل العام على الخاص تجري ، وبهذا بنيت خروج الذهب والفضة من العام الأول أي تخصيصه بهما ، فقل ذلك في المستثنيين ، أي الا الذهب والفضة وإلّا الدرهم والدينار.

إذ الموضوع في المستثنى الأول عام وهو الذهب والفضة لصدقهما على الحلى وعلى الدرهم والدينار ، بخلاف الدينار والدرهم فلا بد أن يحمل العام

٢٧٤

أي الذهب والفضة على الدرهم والدينار فالذي استثنى هو الدينار والدرهم فقط ، فالذهب والفضة المصوغتين يدخلان في عموم عدم الضمان.

(قلنا) جوابان.

الأول : أنا (نمنع تحقق المنافاة بين الأمرين ، فان استثناء الدراهم والدنانير) من العام الأول (اقتضى بقاء العموم في حكم عدم الضمان فيما عداهما) أي فيما عدا الدراهم والدنانير (وقد عارضه) أي العموم (الاستثناء الآخر) أي استثناء الذّهب والفضّة (فوجب تخصيصه) أي العموم (به) أي بهذا الاستثناء الآخر (أيضا ، فلا وجه لتخصيص أحد المخصصين) كخبر الذهب والفضة (بالآخر) أي بخبر الدرهم والدينار ، بل كلا المخصصين يخرجان من تحت عموم العام دفعة واحدة ، ويثبت ضمان مطلق الذهب والفضة.

وحاصل الجواب هو : أنه لا تعاند بين المستثنيين ، فلسان حال الدرهم والدينار : نحن اخص فينبغي أن نتقدم على العام ، أي على : ليس على مستعير العارية ضمان ، ورواية الذهب والفضة لا يكذبه في ذلك بل يؤكده ، ويقول بلسان حاله أنا أيضا أخص فأتقدم على العام ، فالذهب والفضة والدرهم والدينار جميعا تخرج من العام.

ثم أشار إلى الجواب الثاني بقوله : (وأيضا فإن حمل العام على الخاص) بأن يراد من الذهب الدينار ومن الفضة الدرهم (استعمال مجازي وابقائه) أي ابقاء العام الثاني (على عمومه) بإرادة مطلق الذهب والفضة سواء كانا مسكوكين ، أو غيرهما؟ (حقيقة) بناء على أن المجاز على خلاف الأصل (ولا يجوز العدول) حينئذ من المعنى الحقيقي (إلى المجاز ، مع إمكان الاستعمال على وجه الحقيقة ، وهو) أي الاستعمال على وجه الحقيقة (هنا) أي في المقام (ممكن في) بقاء (عموم الذهب والفضة) على حاله إذا خصص عموم العام الأول به (فيتعين) ذلك المعنى ، لأن حمل اللفظ على الحقيقة أولى من حمله

٢٧٥

على المجاز.

(وانما صرنا إلى التخصيص في) العام (الأول) أعني : ليس على مستعير عارية ضمان (لتعينه) أي التخصيص ، فيه (على كل تقدير) لأنه مخصص لا محالة أما بالدراهم والدنانير فقط ، أو بهما وبالذهب والفضة أيضا.

وأما العام الثاني فلا موجب لتخصيصه بالدراهم والدنانير ، فيجب ابقائه على حقيقته والحكم بثبوت الضمان في مطلق الجنسين فالذي استثنى ليس خصوص الدرهم والدينار ، بل الفضة والذهب بالمعنى العام الذي يشمل الحليّ خارج عن العموم الأوّل.

وحاصل الفرق بينهما ، أن الجواب الأول : من طريق عدم المنافاة بين الخاصين في أنفسهما بل هما معارضان للعام وخاصان ، فيخصصان العام.

والجواب الثاني : ان حمل الذهب والفضة على خصوص الدرهم والدينار مجاز مرسل بعلاقة العموم والخصوص ، والأصل الحقيقة.

(فإن قيل : إذا كان التخصيص يوجب المجاز) في العام (وجب تقليله) أي المجاز (ما أمكن ، لأن كل فرد يخرج) من تحت عموم العام (يوجب زيادة المجاز في الاستعمال ، حيث كان حقه) أي العام (ان يطلق على جميع الأفراد ، وحينئذ فنقول : قد تعارض هنا مجازان ، أحدهما ، في تخصيص الذهب والفضة) أعني العام الثاني (بالدنانير والدراهم و) المجاز (الثاني في زيادة تخصيص العام الأول بمطلق الذهب والفضة على تقدير عدم تخصيصهما) أي عدم تخصيص الذهب والفضة (بالدنانير والدراهم).

إذ : على التقدير المزبور يلزم ارتكاب التخصيصين أعني ارتكاب المجازين في العام الأول ، أحدهما : التخصيص بالدراهم والدنانير وثانيهما : التخصيص بمطلق الذهب والفضة ، والتخصيص الأول لا بدّ منه على كلّ تقدير ؛ فيدور الأمر بين ارتكاب التخصيص الثاني أيضا وبين ارتكاب التخصيص

٢٧٦

في الذهب والفضة حتى لا يرد على العام الأول الا مجاز واحد ، ولا مرجح لأحدهما على الآخر.

(فترجيح أحد المجازين على الآخر ترجيح من غير مرجح ، بل يمكن) بالتزام (ترجيح تخصيص الذهب والفضة) بالدنانير والدراهم (لأن فيه) أي في هذا الترجيح (مراعاة قوانين التعارض بينه) أي بين الذهب والفضة (وبين ما هو أخص منه) أي الدنانير والدراهم ، بحمل العام على الخاص.

(قلنا : لا نسلم التعارض بين الأمرين) أي بين المجازين (لأنّ استعمال العام الأول على وجه المجاز) بتخصيصه بالدراهم والدنانير (حاصل على كل تقدير اجماعا) سواء خصص العام الثاني بالدرهم والدينار؟ أو لم يخصص ، (وزيادة التجوز في الاستعمال) أي في استعمال العام الأول بكثرة افراد المخرجة (لا يعارض به) أي بهذه الزيادة (أصل التجوز) وارتكابه (في المعنى الآخر) وهو العام الثاني باستعمال الذهب والفضة في معنى الدراهم والدنانير ، بمعنى : إذا دار الأمر بين ارتكاب التجوز في العام الثاني ، وبين زيادة التجوز في العام الأول ، فالأخير أولى (فإن ابقاء الذهب والفضة على عمومهما استعمال حقيقي ، فكيف يكافيه) أي يتساوى معه (مجرد تقليل التجوز مع ثبوت أصله) أي التجوز.

وبعبارة أخرى : لا بد من ارتكاب المجازين على كلا القولين ، ولكن ارتكابهما في العام الأول أولى من التزام أحد المجازين في العام الأول والمجاز الآخر في العام الثاني ، لأن ظهور العام الثاني في تمام الموضوع له ، أقوى من ظهور العام المخصص في تمام الباقي ، فلا يمكن رفع اليد عن الأقوى بسبب الأضعف.

(وبذلك) أي وبأولوية ابقاء الذهب والفضة على عمومهما (يظهر بطلان) قول الخصم بأن (الترجيح) لأحد المجازين على الآخر ترجيح (بغير مرجح لأن

٢٧٧

المرجح حاصل في جانب الحقيقة ، هذا ما يقتضيه الحال من الكلام في هذين الوجهين) المذكورين في عنوان كلامه ، حيث قال قده : ومن الأصحاب من نظر ، ومنهم من التفت إلى آخرهما.

(وبقي فيه) أي في الكلام السابق (مواضع يحتاج إلى تنقيح) أي اختصار اللفظ مع وضوح المعنى (انتهى) كلام الشهيد الثاني قده في المسالك (١).

(أقول : الذي يقتضيه) دقيق (النظر) هو (أن النسبة بين روايتي الدرهم والدينار بعد جعلهما كرواية واحدة) وككلام واحد متضمنة لاستثناء الدراهم والدنانير معا ، بمعنى افادتهما ما يفيد من كون موضوع نفي الضمان فيهما هو تمام ما بقي بعد استثناء الدرهم والدينار ، فيكونان حينئذ بمنزلة قوله : ليس في غير الدرهم والدينار من العارية ضمان.

ومن المعلوم أن النسبة بين هذا (وبين ما دل على استثناء الذهب والفضة من قبيل العموم من وجه).

وبعبارة أوضح : لنا جملتان سلبيتان ، في غير الذهب والفضة : لا ضمان ، وفي غير الدرهم والدينار : لا ضمان ، وجملتان ايجابيتان في الفضة والذهب : ضمان ، وفي الدرهم والدينار : ضمان ، ولا منافاة بينهما ، وإنما المنافاة بين العقد السلبي وهو : لا ضمان ، فيما عدا الدرهم والدينار ، والعقد الايجابي وهو : الضمان ، في الفضة والذهب ، وبينهما عموم من وجه لتصادقهما على الحلى لأنه مصداق لما عدا الدرهم والدينار ، فليس فيه ضمان ، كما أنه أيضا مصداق للذهب والفضة ففيهما ضمان ، والعقد السلبي عام من باب النكرة في سياق النفي ، والذهب والفضة مطلقان والعام حاكم على المطلق (لأن التعارض) وقع (بين العقد السلبي من) الرواية (الأولى و) بين (العقد الايجابي من) الرواية (الثانية ، إلّا أن الأول عام) لأن العقد السلبي في رواية الدراهم والدنانير بعمومه

__________________

(١) كتاب العارية : ج ١ ـ ص ٣١٨ ط ـ (١٣١٠ ه‍).

٢٧٨

يدل على عدم ضمان الذهب والفضة غير المسكوكين ، كالحلى (والثاني مطلق) لأن العقد الايجابي في رواية الذهب والفضة باطلاقه يدل على ضمان الذهب والفضة غير المسكوكين.

(و) إذا دار الأمر بين تخصيص العام وتقييد المطلق فإن (التقييد) أي تقييد اطلاق رواية الذهب والفضية بخصوص المسكوك منهما (أولى من التخصيص) أي من تخصيص عموم ما دل على عدم الضمان بما عدا الحلى غير المسكوك.

(وبعبارة أخرى : يدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر الحصر) أي حصر الضمان (في الدرهم والدينار) بثبوت الضمان في مطلق الذهب والفضة (و) بين (رفع اليد عن اطلاق الذهب والفضة) بتقييدهما بالدرهم والدينار.

(و) لا ريب بأن (تقييدهما) أي تقييد الذهب والفضة بثبوت الضمان في الدرهم والدينار فقط (أولى) من رفع اليد عن ظاهر حصر الضمان في الدراهم والدنانير ، لأن المطلق والمقيد ليس بمجاز على مسلك سلطان العلماء قده ، لتعدد الدال والمدلول.

اللهم (إلا أن يقال : أن الحصر في كل من روايتي الدرهم والدينار مرهون من حيث اختصاصهما) أي اختصاص الروايتين (بأحدهما) أي بأحد الدرهم ، والدينار لأن الروايات التي سبق ذكرها ما عدا الخبر الذي يدل على عموم عدم الضمان في العارية مطلقا قد اشتملت على عقد سلبي ، وعقد إيجابي.

فرواية الدراهم تنفي ـ بعموم عقدها السلبي ـ الضمان عما عدا الدراهم ، حتى الدنانير.

ورواية الدنانير تنفي ـ بعموم عقدها السلبي ـ الضمان عما عدا الدنانير ، حتى الدراهم.

فلا يمكن العمل بظاهر كليهما معا ، ولا بواحدة منهما فقط أيضا ، لكونه مخالفا للاجماع ، فلا بد من التأويل في ظاهر كل منهما ، إذ : العقد السلبي : لا ضمان على مستعير عارية ، ورواية الدرهم تقول : في الدرهم ضمان ، وهكذا

٢٧٩

رواية الدينار ، وليس فيه حصر ، وإنما هو إثبات الضمان للدرهم واثبات الضمان للدينار ، واثبات الشيء لا ينفي ما عداه فيمكن أن يكون الحلى المصوغ من الذهب أو الفضة أيضا مضمونا.

نعم : لو كان الحصر ملحوظا ، فرواية الدرهم تنفي الضمان عما عداه ومن أفراد ما عداه الحلى فينبغي أن لا يكون ضمانا فيه ، وكذا نقول في الرواية الأخرى : فإذا كان لسانه لسان ثبوت الشيء لموضوع ، وذلك لا ينفي ثبوت ذلك المحمول لموضوع آخر (فيجب اخراج الآخر) أي اخراج الحلى (عن عمومه) أي عن عموم ما عدا الدرهم ، وعموم ما عدا الدينار (فان ذلك) أي تخصيص كل رواية أما بالدرهم أو الدينار ـ حيث أنه مخالف للاجماع ـ (يوجب الوهن في الحصر).

فكما أنه إذا تعارض قوله : أعتق رقبة مؤمنة ، مع قوله : اعتق رقبة كافرة ، تساقطا ، ويبقي قوله : اعتق رقبة ، سليما عن المعارض ، كذلك المقام ، فإن ثبوت التنافي بين حصر الضمان في الدرهم في رواية ، وحصره في الدينار في أخرى ـ بناء على كون الحصر حقيقيا ـ موجب لسقوطهما ، ويثبت الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة.

اللهم إلّا أن يقال : بأن المتعذر من جهة التنافي بينهما إنما هو حمل كل منهما على الحصر الحقيقي ، وأما حمله على الاضافي بمعنى أن رواية الدرهم جعل الحصر في الدرهم بالنسبة إلى المتاع ، وأشياء أخر غير الذهب والفضة ، وكذا رواية الدينار ، فلا ينافي أن يكون الذهب والفضة غير المسكوكتين ايضا داخلا في الضمان برواية استثناء الذهب والفضة ، وهذا كما نقول : إذا دار الأمر بين أبي ذر «رض» وخالد بن الوليد ، نقول ليس الزاهد الا أبا ذر ، معناه أن خالد ليس بزاهد لا أن ما عدا أبي ذر «رض» «ليس بزاهد ، فلا ينافي أن يكون مثل سلمان «رض» ومقداد «رض» زاهدين (وان لم يكن الأمر كذلك في مطلق العام) أي ليس هذا كسائر العمومات التي خصت بواحد ، مثل قولنا : أكرم العلماء الا

٢٨٠