الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

بشئ من امرك ، فخذ هاهنا ، فتياسر عن طريق العذيب والقادسية ، وسار الحسين عليه‌السلام وسار الحرّ في أصحابه يسايره وهو يقول له : يا حسين اني اذكّرك الله في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، فقال له الحسين عليه‌السلام : ( أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ، وهو يريد نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخوفه ابن عمه وقال :أين تذهب؟ فانّك مقتول ؛ فقال :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرّجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وباعد (١) مجرما

فإن عشت لم اندم وان متّ لم ألم

كفى بك ذلا ان تعيش وترغما »

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه ، فكان يسير بأصحابه ناحية ، والحسين عليه‌السلام في ناحية أخرى ، حتى انتهوا الى عذيب الهجانات (٢).

ثمّ مضى الحسين عليه‌السلام حتّى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به ، فاذا هو بفسطاط مضروب فقال : ( لمن هذا؟ ) فقيل : لعبيد الله بن الحرّ الجعفيّ ، فقال :( ادعوه اليّ ) فلما أتاه الرّسول قال له : هذا الحسين بن عليّ يدعوك ، فقال عبيد الله : انّا لله وانّا اليه راجعون ، والله ماخرجت من الكوفة الّا كراهية أن يدخلها الحسين وانا بها ، والله ما اريد ان اراه ولا يراني ؛ فأتاه الرّسول فأخبره فقام الحسين عليه

__________________

(١) في هامش (ش) و (م) : وخالف.

(٢) عذيب الهجانات : موضع في العراق قرب القادسية (معجم البلدان ٤ : ٩٢ ).

٨١

السّلامُ فجاءَ حتّى دخلَ عليه فسلّمَ وجلسَ ، ثمّ دعاه إِلى الخروج معَه ، فأعادَ عليه عُبيدُ اللهِّ بن الحرِّ تلكَ المقالةَ واستقاله ممّا دعاه إِليه ، فقالَ له الحسينُ عليه‌السلام : « فإِن لم تنصرْنا فاتّقِ اللّهَ أن تكونَ ممّن يُقاتلُنا؛ واللّهِ لا يسمعُ واعيتَنا (١) أحدٌ ثمّ لا ينصرُنا إلاّ هلكَ » فقالَ : أمّا هذا فلا يكونُ أبداً إِن شاءَ اللّهُ ؛ ثمّ قامَ الحسينُ عليه‌السلام من عندِه حتّى دخلَ رحله.

ولمّا كانَ في اخرِ ألليلِ أمرَ فتيانَه بالاستقاءِ منَ الماءِ ، ثمّ أمرَ بالرّحيلِ ، فارتحلَ من قصرِ بني مُقاتلٍ ، فقالَ عُقبةُ بنُ سمعانَ : سِرْنا معَه ساعةً فخفقَ وهوعلى ظهرِفرسِه خفقةً ثمّ انتبهَ ، وهو يقولُ : «إِنّا للّهِ وإنّا إِليه راجعونَ ، والحمدُ للّهِ ربِّ العالمينَ » ففعلَ ذلكَ مرّتينِ أو ثلاثاً ، فأقبلَ إِليه ابنُه علي بنُ الحسينِ عليهما‌السلام على فرسٍ فقالَ : ممَّ حمدتَ الله واسترجعتَ؟ فقاَل : «يا بُنَيَّ ، إِنِّي خفقتُ خَفقةً فعَنَّ لي فارسٌ علىَ فرسٍ وهو يقولُ : القومُ يسيرونَ ، والمنايا تسيرُ إِليهمِ ، فعلمتُ أَنّها أَنفسُنا نُعِيَتْ إِلينا» فقالَ له : يا أبَتِ لا أراكَ اللهُّ سوءاً ، ألسنا على الحقِّ؟ قالَ : «بلى ، والّذي إِليه مرجعُ العبادِ » قال : فإِنّنا إِذاً لا نبالي أَن نموتَ مُحِقِّينَ ؛ فقالَ له الحسينُ عليه‌السلام : «جزاكَ اللّه من ولدٍ خيرَ ما جزى وَلداً عن والدِه ».

فلما أصبح نزل فصلّى الغداة ، ثم عجّل الرّكوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه ، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديدا امتنعوا عليه ، فارتفعوا فلم

__________________

(١) الواعية : الصارخة. « الصحاح ـ وعى ـ ٦ : ٢٥٢٦ ».

٨٢

يزالوا يتياسرونَ كذاك حتّى انتهَوا إِلى نينَوى ـ المكانِ الّذي نزلَ به الحسينُ عليه‌السلام ـ فإِذا راكبٌ على نجيبِ له عليه السِّلاحُ متنكِّبٌ قوساً مقبلٌ منَ الكوفةِ ، فوَقَفُوا جميعاً ينتظَرونَه (١) فلمّا انتهى إِليهم سلّمَ على الحرِّ وأصحابِه ولم يسلِّمْ على الحسينِ وأصحابِه ، ودفعَ إِلى الحرِّ كتاباً من عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ فإِذا فيه :

أمّا بعدُ فَجَعْجِعْ (٢) بالحسينِ حينَ يَبلُغُكَ كتابي ويقدمُ عليكَ رسولي ، ولا تُنْزِلْه (٣) إِلاّ بالعراءِ في غيرِ حصنٍ وعلى غيرِماءٍ ، فقد أمرتُ رسولي أن يَلزَمَك ولا يفُارِقَكَ حتّى يأْتيني بإِنفاذِكَ أمري ، والسّلامُ.

فلمّا قرأ الكتابَ قالَ لهم الحرُ : هذا كتابُ الأَميرِ عُبيدِاللهِّ يأْمرُني أَن أُجَعْجِعَ بكم في المكانِ الّذي يأْتي كتابُه ، وهذا رسولُه وقد أمرَه أَلاّ يفارقَني حتّى أُنَفّذَ أَمْرَه.

فنظرَ يزيد بنُ المهاجرِ الكنانيّ (٤) ـ وكانَ معَ الحسينِ عليه‌السلام ـ إلى رسولِ ابن زيادٍ فعرفَه فقالَ له يزيدُ : ثَكلَتْكَ أُمُّكَ ، ماذا جئتَ فيه؟ قالَ : أَطعتُ إِمامي ووفيتُ ببيعتي ، فقالَ له ابنُ المهاجرِ: بل عصيتَ ربَّكَ وأطعتَ إِمامَكَ في هلاكِ نفسِكَ وكسبتَ العارَ والنّارَ ، وبئسَ الإمامُ إِمامكَ ، قالَ اللّهُ عزَّ من قائلٍ

__________________

(١) في هامش «ش» : ينظرونه.

(٢) في الصحاح ـ جعجع ـ ٣ : ١١٩٦ : كتب عبيدالله بن زياد الى عُمربن سعد: أن جعجع بحسين. قال الأصمعي : يعني احبسه ، وقال ابن الاعرابي : يعني ضيّق عليه.

(٣) في « ش » و « م» : تتركه ، وما في المتن من هامشهما.

(٤) في هامش « ش » و «م» : الكندي.

٨٣

( وَجَعَلنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُوْنَ إِلىَ النًارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصرُوْنَ ) (١) فإِمامُكَ منهم.

وأخذَهم الحرُّ بالنُّزولِ في ذلكَ المكانِ على غيرماءٍ ولا قريةٍ ، فقالَ له الحسينُ عليه‌السلام : « دَعْنا ـ ويحك ـ ننزل في هذه القريةِ أوهذه ـ يعني نينَوَى والغاضِريّةَ ـ أو هذه ـ يعني شِفْنَةَ (٢) ـ » قالَ : لا واللّهِ ما أستطيعُ ذلكَ ، هذا رجل قد بُعِثَ اليّ عيناً عليّ ، فقالَ له زُهَيرُ بنُ القَيْنِ : إِنِّي واللّهِ ما أراه يكونُ بعدَ هذا الّذي تَرَوْنَ إِلا أَشدَّ ممّا تَرَوْنَ ، يا ابنَ رسولِ اللّهِ ، إِنّ قتالَ هؤلاءِ السّاعةَ أهونُ علينا من قتالِ من يأْتينا بعدَهم ، فلعَمْري لَيَاْتيَنا بعدَهم ما لا قِبلَ لنا به ، فقالَ الحسين عليه‌السلام : «ما كنتُ لأَبدأهم بالقتالِ » ثمّ نزل ؛ وذلكَ يومَ الخميسِ وهو اليوم (٣) الثّاني منَ المحرّمِ سنةَ إِحدى وستَينَ.

فلمّا كانَ منَ الغدِ قدمَ عليهم عُمَرُبنُ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ منَ الكوفةِ في أربعةِ آلافِ فارسٍ ، فنزلَ بنينوى وبعثَ إِلى الحسينِ عليه‌السلام ( عُروةَ بنَ قَيْسٍ ) (٤) الأحمسيّ فقالَ له : ائتِهِ فسَلْه ما الّذي جاءَ بكَ؟ وماذا تريدُ؟

وكانَ عُروةُ ممّن كتبَ إلى الحسينِ عليه‌السلام فاستحيا منه أن ياْتيَه ، فعرضَ ذلكَ على الرؤَساءِ الّذينَ كاتبوه ، فكلّهم

__________________

(١) القصص ٢٨ : ٤١.

(٢) في هامش « ش » و «م» : شفَيّنة ، شُفيّة. وكأنها شفاثا. في هامش «م» نسخة اُخرى :

(٣) في« م» و « ش» : يوم ، وما في المتن من «ح » وهامش « ش».

(٤) انظر ص ٣٨ هامش (١) من هذا الكتاب.

٨٤

أبى ذلكَ وكرِهَه ، فقامَ إِليه كَثيرُبنُ عبدِاللهِّ الشَّعْبِيّ وكانَ فارساً شُجاعاً لا يَرُدُّ وجهَه لشيءٌ فقالَ : أنا أذهبُ إِليه ، وواللّهِ لئن شئتَ لأفْتكنَّ به ؛ فقالَ له عُمَرُ : ما أُريدُ أن تَفتكَ به ، ولكنِ ائتِه فسَلْه ما الّذي جاءَ بك؟

فاقبلَ كثيرٌ إِليه ، فلمّا رآه أبو ثمامةَ الصّائديُّ قالَ للحسينِ عليه‌السلام : أصلَحَكَ اللهّ يا أَبا عبدِاللهِّ ، قد جاءَكَ شرُّ أهلِ الأرضِ ، وأجرؤهم على دم ، وأفتكُهم (١). وقامَ إِليه فقالَ له : ضَعْ سيفَكَ ، قالَ : لا ولا كرامة ، إِنّما أنا رسولٌ ، فإِن سمعتم منِّي بلّغتُكم ما أرْسِلْتُ به إِليكم ، وان أبَيتم انصرفتُ عنكم ، قالَ : فإِنِّي آخذُ بقائِمِ سيفِكَ ، ثمّ تكلّم بحاجتِكَ ، قالَ : لا واللهِّ لا تمسَّه ، فقالَ له : أخبرْني بما جئتَ به وأَنا أُبلِّغهُ عنكَ ، ولا أدعُكَ تدنو منه فإِنّكَ فاجرٌ ؛ فاستَبّا وانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأخبرَه الخبرَ.

فدعا عمرُقُرّةَ بنَ قيسٍ الحنظليّ فقالَ له : ويحَكَ يا قُرّةُ ، القَ حسيناً فسَلْه ما جاءَ به وماذا يريد؟ فأتاه قُرّةُ فلمّا رآه الحسينُ مقبلاً قالَ : «أتعرفونَ هذا؟» فقالَ له حبيبُ بنُ مُظاهِرِ: نعم ، هذا رجلٌ من حنظلةِ تميم ، وهو ابنُ أُختِنا ، وقد كنتُ أعرَفه بحسنِ الرٌأي ، وما كنتُ أراه يشهَدُ هذا المشهدَ. فجاءَ حتّى سلَّمَ على الحسينِ عليه‌السلام وأبلغَه رسالةَ عمرِ بنِ سعدٍ إِليه ، فقالَ له الحسينُ : «كَتبَ إِليَّ أهلُ مِصْرِكم هذا أن اقدم ، فأمّا إِذ كرهتموني فأنا أنصرفُ عنكم » ثمّ قالَ حبيبُ بنُ مُظاهِر: ويحَكَ يا قُرّةً أينَ ترجعُ؟! إلى القوم الظّالمينَ؟! انْصُرْ هذا الرّجلَ الّذي بآبائه أيّدَكَ اللّهُ بالكرامةِ ، فقالَ له قُرّةُ : أَرجعُ إِلى صاحبي

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : وأجرأُه على دم وأفتكه.

٨٥

بجواب رسالتِه ، وأرى رأيي. قالَ : فانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأَخبرَه الخبرَ؛ فَقالَ عمرُ : أرجو أن يعافيَني اللهُ من حربه وقتالِه ؛ وكتبَ إِلى عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ :

بسم اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمَ ، أمّا بعدُ : فإِنِّي حينَ نزلتُ بالحسينِ بعثتُ إِليه رسلي ، فسألتُه عمّا اقْدَمَه ، وماذا يطلبُ؟ فقالَ : كتبَ إِليَّ أَهْلُ هذه البلادِ ، واتتْني رُسُلُهم يسألونَني القدومَ ففعلتُ ، فأمّا إِذ كرهوني وبدا لهم غيرُما أتَتْني به رُسُلُهم ، فأَنا منصرفٌ عنهم.

قالَ حسّانُ بنُ قائدٍ العَبْسيّ : وكنتُ عندَ عُبيدِاللهِّ حينَ أَتاه هذا الكتابُ ، فلمّا قرأه قالَ :

ألآنَ إِذْ عَلِقَتْ مَخَالبنَا بِهِ

يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ

وكتبَ إِلى عمربن سعدٍ :

أمّا بعدُ : فقد بلغَني كتابُكَ وفهمتُ ما ذكرتَ ، فاعرِضْ على الحسينِ أَن يُبايعَ ليزيدَ هو وجميعُ أصحابه ، فإِذا فعلَ هو ذلكَ رأينا رأيَنا ، والسّلامُ.

فلمّا وردَ الجوابُ على عمر بن سعدٍ قالَ : قد خشيتُ ألاّ يَقبلَ ابنُ زيادٍ العافيةَ.

ووردَ كتابُ ابنِ زيادٍ في الأثرِ إلى عمر بن سعدٍ : أن حُلْ بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ فلا يَذوقوا منه قطرةً ، كما صُنعَ بالتّقيِّ الزّكيِّ عُثمان بن عفَّان. فبعثَ عمرُبنُ سعدٍ في الوقتِ عَمْرَو بنَ الحجّاجِ في خمسمائةِ فارس ، فنزلوا على الشّريعةِ وحالوا بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ أن يَستَقُوا منه قطرةً ، وذلكَ قبلَ قتل الحسين بثلاثةِ

٨٦

أيّامٍ ، ونادى عبدُاللّه بن الحُصين (١) الأزديّ ـ وكانَ عِدادُه في بَجيلةً ـ بأعلى صوته: يا حسينُ ، ألا تنظرُإِلى الماءِ كأنّه كَبدُ السّماءِ ، واللّهِ لا تَذُوقونَ منه قطرةً واحدةً حتّى تموتوا عطشاً؛ فقالَ الحسينُ عليه‌السلام : «اللّهمَّ اقْتًلْهُ عَطَشاً ولا تَغْفِرْله أبداً».

قالَ حميدُ بنُ مسلمٍ : واللّهِ لَعُدْتُه بعدَ ذلكَ في مرضِه ، فواللّهِ الّذي لا إِلهَ غيرُه ، لقد رأيتُه يَشرَبُ الماءَ حتّى يَبغَرَ (٢) ثمّ يقيئه ، ويصيحُ : العطشَ العطش ، ثمّ يعودُ فيشرَبُ الماءَ حتّى يَبْغَرَثم يقيئه ويتلَظّى عَطَشاً ، فما زالَ ذلكَ دأبه حتّى (لَفَظَ نفسَه ) (٣).

ولمّا رأى الحسينُ نزولَ العساكرِ مع عمرِ بن سعدٍ بنينوى ومدَدَهم لقتالِه أنفذَ إِلى عمر بن سعدٍ : «انِّي أُريدُ أن ألقاكَ (٤) » فاجتمعا ليلاً فتناجيا طويلاً ، ثمّ رجعَ عمرُ بنُ سعدٍ إِلى مكانِه وكتبَ إِلى عُبيَدِاللهِّ بن زيادٍ :

أمّا بعدُ : فإِنّ اللّهَ قد أطْفأ النّائرةَ وجَمَعَ الكلمةَ وأَصَلحَ أَمرَ الأمّةِ ، هذا حسينٌ قد أَعطاني أن يرجِعَ إِلى المكانِ الّذي أتى منه أو أن يسيرَ إِلى ثَغرٍ منَ الثُّغورِ فَيكونَ رجلاًَ منَ المسلمينَ ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أَن يأَتيَ أميرَ المؤمنينَ يزيدَ فيضعَ يدَه في يدِه ، فيرى فيما بينَه وبينَه رأيَه ، وفي هذا[لكم] (٥) رضىً وللأمّةِ صلاحٌ.

__________________

(١) في «م» وهامش « ش » : حِصْن.

(٢) بغر: كثر شربه للماء ، انظر «العين ـ بغر ـ ٤ : ٤١٥».

(٣) في هامش « ش » : مات.

(٤) في هامش « ش » بعده اضافة : واجتمع معك.

(٥) ما بين المعقوفين اثبتناه من تأريخ الطبري ٥ : ٤١٤ ، والكامل لابن الأثير ٤ : ٥٥

٨٧

فلمّا قرأ عُبيدُاللّهِ الكتابَ قالَ : هذا كتابُ ناصحٍ مشفق على قومِه. فقامَ إِليه شِمْرُ بنُ ذي الجَوْشنِ فقالَ : أتَقبلُ هذا منه وقد نزلَ بأرًضِكَ والى جنبكَ؟ واللّهِ لئن رحلَ من بلادِكَ ولم يَضَعْ يدَه في يدِكَ ، لَيكونَنَّ أولى بالقَوّةِ ولتكونَنَّ أولى بالضَّعفِ والعجز ، فلا تُعْطِه هذه المنزلةَ فإِنّها منَ الوَهْنِ ، ولكن لِينَزِلْ على حُكمِكَ هو وأصحابُه ، فان عاقبْتَ فأنت (أَولى بالعقوبةِ ) (١) وإن عفَوْتَ كانَ ذلكَ لك.

قالَ له ابنُ زيادٍ : نِعْمَ ما رأيتَ ، الرأيُ رأيُك ، اخْرجُ ، بهذا الكتاب إِلى عُمَر بن سعدٍ فلْيَعْرِضْ على الحسينِ وأصحابه النًّزولَ على حُكْمِي ، فإِن فَعَلوا فليَبْعَثْ بهم إِليّ سِلماً ، وأن هم أًبَوْا فليقاتلْهم ، فإِن فَعَلَ فاسمعْ له وأطِعْ ، واِن أبى أن يقاتِلَهم فأنتً أَميرُ الجيشِ ، واضرِبْ عُنقَه وابعثْ إِليَّ برأسِه.

وكتبَ إِلى عمر بن سعدٍ :انِّي لم أبعثْكَ إِلى الحسينِ لتكفَّ عنه ولا لتُطاوِلَه ولا لتمنّيَه السّلامةَ والبقاءَ ولا لتَعتَذِرَ له ولا لتكونَ له عندي شافعاً ، انظرْ فإِن نزلَ حسينٌ وأصحابُه على حكمي واستسلموا فابعثْ بهم إِليَّ سِلْماً ، وِان أبوْا فازحَفْ إِليهم حتّى تقتُلَهم وتُمثِّلَ بهم ، فإِنّهم لذلكَ مستحقُّونَ ، وِان قُتِلَ الحسينُ فأوْطئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ، فإِنّه عاتٍ ظلومٌ ، وليس أَرى أنّ هذا يَضُرُّ بعدَ الموتِ شيئاً ، ولكنْ عليّ قولٌ قد قلتُه : لوقتلتُه لفعلتُ هذا به ، فإِن أنتَ مضيتَ لأَمرِنا فيه جزَيْناكَ جزاءَ السّامعِ المطيعِ ، وإن أبيتَ فاعتزلْ عَمَلَنا وجُنْدَنا ، وخلِّ

__________________

والنسخ خالية منه.

(١) في هامش «ش» : وليّ العقوبة.

٨٨

بينَ شمرِ بنِ ذي الجوشنِ وبينَ العسكرِ فإِنّا قد أمرناه بأمرنا ، والسّلام.

فأقبلَ شمرٌ بكتاب عًبيدِاللّهِ إِلى عمربن سعدٍ ، فلمّا قدمَ عليه وقرأَه قالَ له عمرُ : ما لَكَ ويْلَكَ؟! لا قَرَّبَ اللّهُ دارَكَ ، قَبَّح اللهُ ما قَدِمْتَ به عليّ ، واللّهِ إِنِّي لاظنُّكَ أنّكَ نهيتَه (١) أن يَقْبَلَ ما كتبتُ به إِليه ، وأفسدتَ علينا أمْرنَا ، قد كنّا رَجَوْنا أن يصلحَ ، لا يستسلمُ واللّهِ حسينٌ ، إِنَّ نفسَ أبيه لبَيْنَ جنبَيْه. فقالَ له شمرٌ : أخبِرني ما أَنتَ صانعٌ ، أتمضِي لأَمرِ أميرِكَ وتقاتلُ عدوٌه؟ ِوألاّ فخلِّ بيني وبينَ الجندِ والعسكر؛ قالَ : لا ، لا واللّهِ ولاكَرامةَ لكَ ، ولكنْ أنا أتولىّ ذلكَ ، فدونَكَ فكُنْ أنتَ على الرَّجّالةِ. ونهضَ عمرُبنُ سعدٍ إِلى الحسينِ عشيّةَ الخميسِ لتسعٍ مضَيْنَ منَ المحرّمِ.

وجاءَ شِمرٌ حتّى وقفَ على أصحاب الحسينِ عليه‌السلام فقالَ : أينَ بَنُو أُختِنا؟ فخرجَ إِليه العبّاسُ وجَعْفَرٌ (٢) وعثمانُ بنوعليِّ بنِ أبي طالب عليه وعليهم السّلامُ فقالوا : ماتريدً؟ فقلَ : أنتم يابني أُختي امِنونَ ؛ فقالتْ له الفِتْيةُ : لَعَنَكَ اللهّ ولَعَنَ أمانَكَ ، أتؤمِنُنَا (٣) وابنُ رسولِ اللّهِ لا أمانَ له؟!

ثمّ نادى عمرُ بنُ سعدٍ : يا خيلَ اللّهِ اركبي وأبشري ، فركِبَ النّاس ثمّ زحفَ نحوَهمِ بعد العصرِ ، وحسينٌ عليه‌السلام جالسٌ أمامَ بيتِه مُحتب بسيفِه ، إِذ خفقَ برأسِه على ركبتَيْه ، وسمعَتْ أُختُه

__________________

(١) في هامش «ش» ، و « م» : ثنيته.

(٢) في هامش «ش» : وعبدالله ، وفوقه مكتوب : لم يكن في نسخة الشيخ.

(٣) في «م» وهامش «ش» : تؤمنَنا.

٨٩

الصّيحةَ (١) فدنَتْ من أَخيها فقالت : يا أخي أما تسمعُ الأصواتَ قدِ اقتربتْ؟ فرفعَ الحسينُ عليه‌السلام رأسَه فقالَ : «إِنِّي رأيتُ رسولَ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله السّاعةَ في المنام (٢) فقالَ لي : إِنّكَ تَرُوحً إِلينا» فلطمتْ أُختُه وجهَها ونادتْ بالويلِ ، فقَالَ لها : «ليسَ لكِ الويلُ يا أُخيَّةُ ، اسكتي رحمَكِ اللّهُ » وقالَ له العبّاسُ بنُ عليٍّ رحمةُ اللّهِ عليه : يا أخي أتاكَ القومُ ، فنهضَ ثمّ قالَ : «يا عبّاسُ ، اركَبْ ـ بنفسي أنتَ يا أخي ـ حتّى تَلْقاهم وتقولَ لهم : ما لكم وما بَدا لكم؟ وتسألَهم عمّا جاءَ بهم ».

فأتاهم العبّاسُ في نحوٍ من عشرينَ فارساً ، منهم (٣) زُهَيرُ بن القَيْنِ وحبيبُ بنُ مظاهِرٍ ، فقالَ لهم العبّاسُ : ما بدا لكم وما تريدونَ؟ قالوا : جاءَ أًمرُ الأميرِأَن نَعْرضَ عليكم أن تنزلوا على حكمِه أَو نناجِزَكم ؛ قالَ : فلا تعجلوا حتّىَ أَرجعَ إِلى أبي عبدِاللهِّ فأعرِضَ عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا : الْقَه فأعْلِمْه ، ثمّ الْقَنا بما يقولُ لكَ. فانصرفَ العباسُ راجعاً يركضُ إِلى الحسينِ عليه‌السلام يخبرُه الخبرَ ، ووقفَ أَصحابُه يخاطِبونَ القومَ ويَعِظُونَهم ويكفّونَهم عن قتاَلِ الحسينِ.

فجاءَ العبّاسُ إِلى الحسينِ عليه‌السلام فأخبرَه بما قالَ القومُ ، فقالَ : «ارجعْ إِليهم فإِنِ استطعتَ أَن تُؤَخِّرَهم إِلى الغُدْوَةِ (٤) وتَدْفَعَهم

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : الضجّة.

(٢) في «م» وهامثر «ش» : منامي.

(٣) في «م» وهامش «ش» : فيهم.

(٤) في «م» وهامش « ش » : غدوة.

٩٠

عنّا العشيّةَ ، لعلّنا نصلِّي لربِّنا الليلةَ وندعوه ونستغفرُه ، فهو يَعلمُ أَنَي قد أُحبُّ الصّلاةَ له وتلاوةَ كتابِه والدُّعاءَ والاستغفارَ».

فمضى العبّاسُ إِلى القوم ورجعَ من عندِهم ومعَه رسولٌ من قبَل عمر بن سعدٍ يقول : إِنّا قد أجَّلناكم إِلى غدٍ ، فإِنِ استسلمتم سرَّحْناكم إلى أميرِنا عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ ، وإِن أَبيتم فلسنا تاركيكم ، وانصرفَ.

فجمعَ الحسين عليه‌السلام أَصحابَه عندَ قربِ المساءِ. قالَ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَ عليه‌السلام : «فدنوتُ منه لأَسْمَعَ ما يقولُ لهم ، وأَنا إِذ ذاك مريضٌ ، فسمعتُ أَبي يقولُ لأصحابِه : أُثني على اللهِّ أَحسنَ الثّناءِ ، وأَحمده على السّرّاءِ والضّرّاءِ ، اللّهمَّ إِنِّي أحْمَدُكَ على أن أكرمْتَنا بالنُّبُوّةِ وعَلّمتنَا القرآنَ وفَقَّهْتَنَا في الدِّينِ ، وجعلت لنا أسماعاً وأَبصاراً وأَفئدةً ، فاجعلْنا منَ الشّاكرينَ.

أَمّا بعدُ : فإِنِّي لا أَعلمُ أَصحاباً أَوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أَهلَ بيتٍ أَبرَّ ولا أوصلَ من أَهلِ بيتي فجزاكم اللّهُ عنَي خيراً ، أَلا وإِنَي لأَظنَّ أَنّه اخرُ (١) يومٍ لنا من هؤلاءِ ، أَلا وإِنّي قد أَذنت لكم فانطلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منِّي ذِمامٌ ، هذا الليلُ قد غشِيَكم فاتّخِذوه جَملاً.

فقالَ له إِخوتُه وابناؤه وبنوأخيه وابنا عبدِاللهِّ بنِ جعفرٍ : لِمَ نفعلُ ذلكَ؟! لنبقى بعدَكَ؟! لا أَرانا اللهُّ ذلكَ أبداً. بدأهم بهذا القولِ العبّاس بنُ عليٍّ رضوانُ اللهِّ عليه واتّبعتْه الجماعةُ عليه فتكلّموا بمثله ونحوِه.

__________________

(١) في «ش» و «م» : لأَظن يوماً. وما اثبتناه من «ح ».

٩١

فقالَ الحسينُ عليه‌السلام : يا بني عقيلٍ ، حَسْبُكم منَ القتلِ بمسلم ، فاذهبوا أنتم فقد اذِنْتُ لكم. قالوا : سبحانَ اللهِ ، فما يقولُ النّاسُ؟! يقولونَ إِنّا تركْنا شيخَنا وسيِّدَنا وبني عمومتنا ـ خيرِ الأعمامِ ـ ولم نرْمِ معَهم بسهِمٍ ، ولم نطعنْ معَهم برُمحٍ ، ولم نضْرِبْ معَهم بسيفٍ ، ولا ندري ما صنعوا ، لا واللّهِ ما نفعلُ ذلكَ ، ولكنْ ( تَفْدِيكَ أنفسُنا وأموالنُا وأهلونا ) (١) ، ونقاتل معَكَ حتّى نَرِدَ موردَكَ ، فقَبحَ الله العيشَ بعدَكَ.

وقامَ إِليه مسلمُ بنُ عَوْسَجةَ فقالَ : أنُخلِّي (٢) عنكَ ولمّا نُعذِرْإِلى اللهِ سبحانَه في أداءِ حقِّكَ؟! أما واللهِّ حتّى أطعنَ في صُدورِهم برمحي ، وأضربَهم بسيفي ما ثبتَ قائمهُ في يدي ، ولو لم يكنْ معي سلاحٌ أُقاتلُهم به لقَذَفْتهم بالحجارةِ ، واللهِّ لا نُخلِّيكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنْ قد حَفِظْنا غيبةَ رسولِ اللّهِ (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكَ ، واللّهِ لوعلمتُ أنِّي أُقْتَلُ ثمّ أحيا ثم أُحرقُ ثم أحيا ثم أُذَرَّى ، يُفعَلُ ذلكَ بي سبعينَ مرة ما فارقتُكَ حتّى ألقى حِمامي دونَكَ ، فكيفَ لا أفعلُ ذلكَ ِوانّما هي قَتْلةٌ واحدةُ ثمّ هي الكَرامةُ الّتي لا انْقِضاءَ لها أبداً.

وقامَ زُهَيرُ بنُ القَيْن البجليّ ـ رحمةُ اللهِّ عليهِ ـ فقالَ : واللهِ لوَددْتُ أنِّي قُتِلْتُ ثمّ نُشِرْتُ ثمّ قُتِلْت حتّى أًقتلَ هكذا ألفَ مرّةٍ ، وأَنّ الله تعالى يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِكَ ، وعن أنفُسِ هؤلاء الفِتْيانِ من أهل بيتِكَ.

__________________

(١) كذا في «م» وهامش «ش» ، وفي «ش» :(نُفدّيك أنفسنا وأموالنا وأهلينا).

(٢) في «م» وهامش «ش» : أنحن نخلي.

(٣) في هامش «ش» : رسوله.

٩٢

وتكلّمَ جماعةُ أصحابه (١) بكلام يُشبهُ بَعضُه بعضاً في وجهٍ واحدٍ ، فجزّاهم الحسينُ عليه‌السلام خيراً وَانصرفَ إلى مضِربه (٢) ».

قالَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهما‌السلام : «اِنيّ لَجالسٌ في تلكَ العشيّةِ الّتي قُتِلَ أبي في صبيحتِها ، وعندي عمّتي زينبُ تمرّضني ، إِذِ اعتزلَ أبي في خباءٍ له وعندَه جُويْنٌ مولى أبي ذرٍّ الغفار وهويُعالجُ سيفَه ويُصلِحُه وأبي يقولُ :

يَادَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ

كَمْ لكَ بالإشراقِ وَالأصِيْلِ

مِنْ صَاحِبٍ أوْ طَالِبِ قَتِيْلِ

وَالدَّهْرُ لا يَقْنَعُ بالْبَدِيْل

وانَّمَا الأمْرُ إِلى الجَلِيْلِ

وَكلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيْلِيْ

فأعادَها مرّتينِ أو ثلاثاً حتّى فهِمْتُها وعَرفْتُ ما أرادَ ، فخنقَتْني العَبْرةُ فردَدْتُها ولزمتُ السُّكوتَ ، وعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزلَ ، وأمّا عمّتي فإنهّا سَمِعَتْ ماسَمِعْتُ وهيَ امرأةٌ ومن شاْنِ النساءِ الرّقّةُ والجَزعُ ، فلم تَملِكْ نفسَها أنْ وَثَبَتْ تجرُّثوبَها (٣) وأنّها لَحاسرة ، حتّى انتهتْ إِليه فقالتْ : وا ثكْلاه! ليتَ الموتَ أعدمَني الحياةَ ، اليومَ ماتْتْ أُمِّي فاطمةُ وأبي عليّ وأخي الحسنُ ، يا خليفةَ الماضِي وثِمالَ الباقي. فنظرَ إِليها الحسينُ عليه‌السلام فقالَ لها : يا أُخيَّةُ لا يذْهِبَنَ حلمَكِ الشّيطانُ ، وتَرَقْرَقَتْ عيناه بالدُموعِ وقالَ : لو تُرِكَ القَطَا لَنامَ (٤) ؛ فقالتْ : يا ويلتاه!

__________________

(١) في هامش «ش» : من أصحابه.

(٢) المضرب : الفسطاط أو الخيمة «القاموس المحيط ـ ضرب ١ : ٩٥».

(٣) في «م» وهامش «ش» : ذيولها.

(٤) يضرب مثلاًَ للرجل يُستثار فيُظْلَم. انُظر جمهرة الامثال للعسكري ٢ : ١٩٤ / ١٥١٨.

٩٣

أفتُغتصبُ نفسُكَ اغتصاباً؟! فذاكَ أقْرَحُ لِقَلبي وأشدَّ على نفسي. ثمّ لطمتْ وجهَها وهَوَتْ إلى جيبِها فشقّتْه وخرتْ مغشيّاً عليها.

فقامَ إِليها الحسينُ عليه‌السلام فصبّ على وجهها الماءَ وقالَ لها : يا أُختاه! اتّقي اللهَّ وتعَزَيْ بعزاءِ اللّهِ ، واعْلمي أنّ أهَلَ الأرضِ يموتونَ وأهلَ السّماءِ لا يَبْقَوْنَ ، وأنَّ كلَّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وجهَ اللهِّ الّذي خلقَ ألخلقَ بقدرتهِ ، ويبعثُ الخلقَ ويعودونَ ، وهو فردٌ وحدَه ، أبي خيرٌ منِّي ، وأُمِّي خيرٌ منِّي ، وأخي خيرٌ منِّي ، ولي ولكلِّ مسلمٍ برسولِ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُسوةٌ. فعزّاها بهذا ونحوِه وقالَ لها : يا أُخيّةُ إِنِّي أقسمتُ فأبِرِّي قَسَمي ، لا تَشُقِّي عليَّ جيبأً ، ولا تَخْمشي (١) عليَّ وجهاً ، ولا تَدْعِي عليٌ بالويلِ والثّبورِ إِذا أنا هلكتُ. ثمّ جاءَ بها حتّى أجلسَها عنديّ.

ثمّ خرجَ إِلى أصحابه فأمرَهم أَن يُقَرِّبَ بعضُهم بيوتَهم من بعضٍ ، وأن يُدخِلوا الأطنابَ بعضها في بعضٍ ، وأن يكونوا بينَ البيوتِ ، فيستقبلونَ القومَ من وجهٍ واحدٍ والبيوتُ من ورائهم وعن أيْمانِهم وعن شمائِلهم قد حَفّتْ بهم إلاّ الوجهَ الّذي يأْتيهم منه عدوُّهم.

ورجعَ عليه‌السلام إِلى مكانِه فقامَ الليلَ كلَّه يُصلّي ويستغفرُ ويدعو ويتضرّعُ ، وقامَ أصحابُه كذلكَ يُصَلًّونَ ويدعونَ ويستغفرونَ » (٢).

__________________

(١) خمش وجهه : خدشه ولطمه وضربه وقطع عضواً منه. «القاموس ـ خمش ـ ٢ : ٢٧٣».

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥ : ١ ، ٢.

٩٤

قالَ الضحّاكُ بنُ عبدِاللهِّ : ومرَّ بنا خيلٌ لابنِ سعدٍ يحرسُنا ، وِانَّ حسيناً لَيقرأ : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا أنَّمَا نُمْليْ لَهُمْ خَيْرٌ لانفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْليْ لَهُمْ لِيَزْدَادُوْا إِثْمَاً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِين * مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِيْن عَلَى مَا أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيْزَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّب ) (١) فسمعَها من تلكَ الخيلِ رجلٌ يُقالُ له عبداللهّ بن سُميرٍ (٢) ، وكانَ مَضحاكاً وكانَ شجاعاً بطلاًَ فارساً فاتكاً شريفاً فقالَ : نحن وربِّ الكعبةِ الطّيِّبونَ ، مُيِّزْنا منكم. فقالَ له بَرِيرُ بنُ خُضيرٍ : يا فاسقُ أَنتَ يجعلُكَ اللهُّ منَ الطّيِّبينَ؟! فقالَ له : من أنتَ ويلَكَ؟ قال : أنا بَرِيرُ بنُ خُضَيْرِ ، فتسابّا (٣).

وأصبحَ الحسيُن بنُ عليّ عليهما‌السلام فعبّأَ أصحابَه بعدَ صلاةِ الغداةِ ، وكانَ معَه اثنان وثلاثونَ فارساً واربعونَ راجلاًَ ، فجعلَ زُهيرَ بنَ القينِ في مَيْمَنةِ أصحابِه ، وحبيبَ بنَ مُظاهِرٍ في مَيْسَرةِ أصحابه ، وأعطى رايتَه العبّاسَ أخاه ، وجعلوا البيوتَ في ظهورِهم ، وأمرَ بحَطًبِ وقَصَبٍ كانَ من وراءِ البيوتِ أَن يُتركَ في خَنْدَقٍ كانَ قد حُفِرَ هناكَ وَأن يُحرَقَ بالنّارِ ، مخافةَ أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبحَ عمرُ بنُ سعدٍ في ذلكَ اليوم وهو يومُ الجمعةِ وقيلَ يومُ السّبتِ ، فعبّأ أصحابَه وخرجَ فيمن معَه منً النّاسِ نحوَ الحسينِ عليه‌السلام وكانَ على مَيْمَنَتهِ عَمرُو بنُ الحجّاجِ ، وعلى مَيْسَرتَه شِمرُ بنُ ذي الجوشنِ ، وعلى الخيلِ عُروةُ بنُ قَيْسٍ ، وعلى الرّجّالةِ شَبَثُ بنُ رِبعيّ ،

__________________

(١) ال عمران ٣ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) في «م» وهامش «ش» : سميرة.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢١ ، مفصلاً نحوه ، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥ : ٣.

٩٥

واعطى الرّايةَ دُرَيداً (١) مولاه.

فروِيَ عن عَليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدينَ عليه‌السلام أنّه قالَ : «لمّا صبّحتِ الخيلُ الحسينَ رَفَعَ يديه وقالَ : اللّهَمّ أنتَ ثِقَتي في كلِّ كَرْبِ ، ورجائي في كلِّ شدّةٍ (٢) وأنتَ لي في كلِّ أمر نزلَ بي ثقةٌ وعُدَّة ، كمَ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فيه الفؤادُ ، وتَقِلُّ فيه الحيلةُ ، ويخذُلُ فيه الصّديقُ ، ويَشمَتُ فيه العدوُّ ، أنزلتُه بكَ وشكوتُه إِليكَ رغبةً منِّي إِليكَ عمَّن سواكَ ، ففرَّجْتَه وكشفْتَه ، وأنتَ وليُّ كلِّ نعمةٍ ، وصاحبُ كلِّ حسنةٍ ، ومُنتهَى كلِّ رغبةٍ» (٣).

قالَ : وأقبلَ القومُ يَجولونَ حولَ بيوتِ الحسينِ عليه‌السلام فيَروْنَ الخندقَ في ظهورِهم والنّار تَضْطَرِمُ في الحَطَب والقَصب الّذي كانَ أُلقِيَ فيه ، فنادى شمرُ بنُ ذي الجوشنِ عليه الَلعنةُ بأعلَى صوته: يا حسينُ أتعجّلتَ النّارَ قبلَ يوم القيامةِ؟ فقالَ الحسينُ عليه‌السلام : «مَنْ هذا؟ كأنّه شمرُ بنُ ذي الجَوشنِ » فقالوا له : نعم ، فقالَ له : «يا ابنَ راعيةِ المِعْزَى ، أنتَ أولى بها صلِيّاً».

ورَامَ مسلمُ بنُ عَوسَجَةَ أنِ يرميَه بسهمٍ فمنعَه الحسينُ من ذلكَ ، فقالَ له : دعْني حتّى أرميَه فإنّ الفاسقَ من عظماءِ الجبّارينَ ، وقد أمكنَ اللّهُ منه. فقالَ له الحسينُ عليه‌السلام : «لا تَرْمِه ، فإِنِّي أكرهُ أن أبدأهم ».

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»نسختان : ١ / دُوَيداً ، ٢ / ذوَيداً. وكذا في المصادر.

(٢) في هامش «ش» : شديدة.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥ : ٤.

٩٦

ثمّ دعا الحسينُ براحلتهِ فركبَها ونادى بأَعلى صوته : «يا أهلَ ألعراقِ » ـ وجُلّهم يسمعونَ ـ فقالَ : «أَيًّها النّاسُ اسمعَوا قَوْلي ولا تَعجَلوا حتّى أَعِظَكم بما يَحقُّ لكم عليّ وحتّى أعْذِرَ إِليكم ، فإِن أعطيتموني النّصفَ كنتم بذلكَ أسعدَ ، وان لم تُعْطُوني النّصفَ من أنفسِكم فأجمعوا رأيَكم ثمّ لا يَكنْ أمرُكم عليكم غُمّةً ثمّ اقضوا إِليَّ ولا تنظِرونَ ، إِنَّ وَلِيّي اللّهُ الّذي نزّلَ الكتابَ وهو يتولّى الصّالحينَ ». ثم حَمدَ اللّهَ وأثنى عليه وذَكَرَ اللهَّ بما هو أهلُه ، وصَلّى على النّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ملائكةِ اللّهِ وأَنبيائه ، فلم يُسْمَعْ متكلِّمٌ قطُّ قبلَه ولا بعدَه أبلغ في منطقٍ منه ، ثمّ قالَ :

«أمّا بعدُ : فانسبوني فانظروا مَن أنا ، ثمّ ارجِعوا إِلى أنفسِكم وعاتِبوها ، فانظروا هل يَصلُح لكم قتلي وانتهاكُ حرمتي؟ ألست ابنَ بنتِ نبيِّكم ، وابنَ وصيِّه وابن عمِّه وأَوّل المؤمنينَ المصدِّقِ لرسولِ اللّهِ بما جاءَ به من عندِ ربِّه ، أَوَليسَ حمزةً سيدُ الشُهداءِ عمِّي ، أَوَليسَ جعفر الطّيّارُ في الجنّةِ بجناحَيْنِ عَمِّي ، أوَلم يَبْلُغْكم (١) ما قالَ رسولُ اللهِ لي ولأخي : هذان سيِّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ؟! فان صدَّقتموني بما أقولُ وهو الحقُّ ، واللّهِ ما تعمّدْتُ كذِباً منذُ عَلِمْتُ أنّ اللهَّ يمقُتُ عليه أهلَهُ ، وإِن كذّبتموني فإِنّ فيكم (مَنْ لو ) (٢) سأَلتموه عن ذلكَ أخْبَركم ، سَلوُا جابرَ بنَ عبدِاللّهِ الأَنصاريّ وأبا سعيدٍ الخُدْريّ وسَهْلَ بن سعدٍ الساعديّ وزيدَ بنَ أرقَمَ وأنسَ بنَ مالكٍ ، يُخْبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالةَ من رسولِ اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لي

__________________

(١) في هامش «ش» اوما بلغكم.

(٢) في «م» وهامش «ش» : مَن إن.

٩٧

ولأخي ، أمَا في هذا ( حاجز لكم ) (١) عن سَفْكِ دمي؟! ».

فقالَ له شمرُ بنُ ذي الجوشن : هو يَعْبدُ اللّهَ على حَرْفٍ إِن كانَ يدري (ما تقولُ ) (٢) فقالَ له حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ : واللّهِ إِنِّي لأراكَ تَعْبُدُ اللّهَ على سبعينَ حرفاً ، وأنا أشهدُ أنّكَ صادقٌ ما تدري ما يقول ، قد طبَعَ اللّهُ على قلبِكَ.

ثمّ قالَ لهم الحسينُ عليه‌السلام : «فإِن كنتم في شكٍّ من هدْا ، أفتشكّونَ أَنِّي ابن بنتِ نبيِّكمْ! فواللّهِ ما بينَ المشرقِ والمغرب ابن بنتِ نبيٍّ غيري فيكم ولا في غيرِكم ، ويحكم أتَطلبوني بقتيلِ منكم قَتلتُه ، أومالٍ لكم استهلكتُه ، أو بقِصاصِ جراحةٍ؟!» فأخَذوا لا يُكلِّمونَه ، فنادى : «يا شَبَثَ بنَ ربْعيّ ، يا حَجّارَ بنَ أَبجرَ ، يا قيسَ بنَ الأشْعَثِ ، يا يزيدَ بن الحارثِ ، ألم تكتبوا إِليّ أنْ قد أيْنَعَتِ الثِّمارُ واخضَرَّ الجَنابُ ، وانمّا تَقدمُ على جُندٍ لكَ مُجَنَّدٍ؟!» فقالَ له قيسُ بنُ الأَشعثِ : ما ندري ما تقولُ ، ولكنِ انْزِلْ على حُكمِ بني عمِّكَ ، فإِنّهم لن يُرُوْكَ إلا ما تُحِبُّ. فقالَ له الحسينُ «لا واللهِّ لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذّليل ، ولا أَفِرُّ فِرارَ العبيدِ (٣) ». ثمّ نادى : «يا عبادَ اللهِ ، إِنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم أن ترجمون ، أعوذُ بربِّي وربِّكم من كلِّ مُتكبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بيومِ الحسابِ ».

ثمّ إنّه أناخَ راحلتَه وأمرَ عُقبةَ بنَ سَمْعانَ فعقلَها ، وأَقبلوا

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : حاجز يحجزكم.

(٢) هكذا في النسخ الخطية ، لكن الصحيح : ما يقول ، وهوموافق لنقل الطبري والكامل.

(٣) في «م» : العبد ، وفي «ش» : مشوشة ، وهي تحتمل الوجهين ، وفي نسخة العلامة المجلسي : العبيد.

٩٨

يزحفونَ نحوَه ، فلمّا رأى الحرُّ بنُ يزيدَ أَنّ القومَ قد صمَّمُوا على قتالِ الحسينِ عليه‌السلام قالَ لعمر بن سعدٍ : أيْ عُمَر (١) ، أمُقاتِلٌ أنتَ هذا الرّجلَ؟ قالَ : إِيْ واللّهِ قتالاً أيْسَرُه أَن تَسقطَ الرُّؤوسُ وتَطيحَ الأَيدي ، قالَ : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضىً؟ قالَ عمر: أما لو كانَ الأمرُ إِليَّ لَفعلتُ ، ولكنَّ أميرَكَ قد أبى.

فأقبلَ الحرُّحتّى وقفَ منَ النّاسِ موقفاً ، ومعَه رجلٌ من قومِه يُقالُ له : قُرّةُ بنُ قَيْسٍ ، فقالَ : يا قُرّةُ هل سقيتَ فرسَكَ اليومَ؟ قالَ : لا ، قالَ : فما تُريدُ أن تَسقِيَه؟ قالَ قُرّةُ : فظننتُ واللّهِ أنّه يُريد أَن يَتنحّى فلا يشهدَ القتالَ ، ويكرهُ (٢) أن أَراه حينَ يَصنعُ ذلكَ ، فقلتُ له : لم أسقِه وأَنا منطلق فأسقيه ، فاعتزلَ ذلكَ المكان الّذي كانَ فيه ، فواللّهِ لوأَنّه أطْلَعَني على الّذي يُريدُ لخرجتُ معَه إِلى الحسينِ بنِ عليٍّ عليه‌السلام ؛ فأخذَ يَدنو منَ الحسينِ قليلاً قليلاً ، فقالَ له المهاجرُ بنُ أوسٍ : ما تُريدُ يا ابنَ يزيدَ ، أتريدُ أن تَحملَ؟ فلم يُجبْه وأخَذَهُ مثلُ الأفْكَلِ ـ وهي الرِّعدةُ ـ فقالَ له المهاجرُ : إِنّ أمْرَكَ لَمُريبٌ ، واللهِّ ما رأيتُ منكَ في موقفٍ قطُّ مثلَ هذا ، ولو قيلَ لي : مَنْ أشجعُ أَهلِ الكوفِة ما عَدَوْتُكَ ، فما هذا الّذي أرى منكَ؟! فقالَ له الحرُّ : إِنِّي واللّه أُخيِّرُ نفسي بينَ الجنَّةِ والنّارِ ، فواللّهِ لا أختارُ على الجنّةِ شيئاً ولو قُطًّعْتُ وحُرِّقْت.

ثمّ ضربَ فرسَه فلحِقَ بالحسينِ عليه‌السلام فقالَ له : جُعِلْتُ فِداكَ ـ يا ابنَ رسولِ اللهِّ ـ أَنا صاحبُكَ الّذي حبستُكَ عنِ

__________________

(١) في هامش «ش» : يا عمر.

(٢) في «م» وهامش «ش» : فَكَرِه.

٩٩

الرُّجوع ، وسايرْتُكَ في الطَريقِ ، وجَعْجَعْتُ بكَ في هذا المكانِ ، وما ظننتُ انَّ القومَ يَرُدُّونَ عليكَ ماعَرَضْتَه عليهم ، ولايَبلُغونَ منكَ هذه المنزلَة ، واللهِّ لو علمتُ أنّهم يَنتهونَ بكَ إِلى ما أرى ما رَكِبْتُ منكَ الّذي رَكِبْتُ ، وِانِّي تائبٌ إِلى اللهِ تعالى ممّا صنعتُ ، فترى لي من ذلكَ توبةً؟ فقالَ له الحسينُ عليه‌السلام : «نَعَمْ ، يتوبُ اللّهُ عليكَ فانزِلْ » قالَ : فأنا لكَ فارساً خيرٌ منِّي راجلاً ، أقُاتِلهُم على فرسي ساعةً ، والى النُّزول ما يَصيرُ اخرُ أمري. فقالَ له الحسينُ عليه‌السلام : «فاصنعْ ـ يَرحمَكَ اللهُّ ـ ما بدا لكَ ».

فاستقدمَ أمامَ الحسينِ عليه‌السلام ثمّ أنشأ رجلٌ من أصحاب الحسينِ عليه‌السلام يقولُ :

لَنِعْمََ الْحُرُّ حُرّ بَنِيْ رِيَاح

وَحُرّ عِنْد َمُخْتَلَفِ الرِّمَاحِ

وَنِعْمَ الْحُرُّ إِذْ نَادَى حُسَينٌ

وَجَادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصَّبَاحِ

ثمّ قالَ (١) : يا أهلَ الكوفةِ ، لأمِّكم الهَبَلُ والعَبَرُ ، أدَعَوْتُم هذا العبدَ الصّالحَ حتّى إِذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتُم أنّكم قاتلو أنفسِكم دونَه ثمّ عَدَوْتُم عليه لِتقتلوه ، أمسكتم بنفسِه وأخذتم بكظمِه (٢) ، وأحَطْتم به من كلِّ جانبِ لتِمنعوه التّوجُّهَ في بلادِ اللّهِ العريضةِ ، فصارَ كالأسير في أَيديكم لاَ يَملكُ لِنفسِه نفعاً ولا يَدفعُ عنها ضَرّاً (٣) ، وحَلأتمُوه (٤) ونساءه وصِبْيتَه وأهله عن ماءِ الفراتِ

__________________

(١) اي الحر عليه الرحمة.

(٢) يقال : اخذت بكظمه أي بمخرج نفسه «الصحاح ـ كظم ـ ٥ : ٢٠٢٣».

(٣) في «م» وهامش «ش» : ضرراً.

(٤) حلأه عن الماء : طرده ولم يدعه يشرب «الصحاح ـ حلأ ـ ١ :٤٥».

١٠٠