الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

باب

ذكرالإمامِ بعدَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ

وتاريخَ مولدِه ، ودلائل إمامتهِ ، ومدّةِ خلافتِه ، ووقتِ

وفاتِه ، وموضعِ قبرِه ، وعددِ أولادِه ، وطرفٍ من أخبارِه

والإمامُ بعدَ أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام ابنهُ الحسنُ ابنُ سيدةِ نساءِ العالمينَ فاطمةَ بنتِ محمّد سيدِ المرسلينَ صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرينَ.

كنيتُه أبومحمّدٍ. ولدَ بالمدينةِ ليلةَ النِّصفِ من شهر رمضانَ سنةَ ثلاثٍ منَ الهجرة ، وجاءتْ به فاطمةُ إلى النّبيِّ عليه وآلهِ السلام يومَ السابعِ من مولدِه في خرقةٍ من حريرِالجنّةِ كانَ جَبْرَئِيْل عليه‌السلام نزلَ بها إِلى رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمّاه حسناً وعَقَّ عنه كبشاً ، روى ذلكَ جماعةٌ ، منهم أحمدُ بنُ صالحٍ التميميّ ، عن عبدِاللهِ بنِ عيسى ، عن جعفرِبنِ محمّدٍ عليهما‌السلام (١).

وكانَ الحسنُ أشبهَ الناسِ برسولِ اللهِ صلّى الله عليهِما خَلْقاً (٢) وسُؤدداً وهَدياً. روى ذلكَ جماعةٌ منهم معمر ، عنِ الزُّهريِّ ، عن أنسِ ابن مالكٍ قالَ : لم يكنْ أحدٌ أشبهَ برسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣ : ٢٦ / ٢٥٠.

(٢) في هامش «ش» و «م» : خُلُقاً.

٥

منَ الحسنِ بنِ عليٍّ عليهما‌السلام (١).

وروى إِبراهيمُ بنُ عليِّ الرافعي (٢) ، عن أبيه ، عن جدّتِه زينبَ بنتِ أبي رافعٍ قالَ (٣) : أتتْ فاطمَةُ بابنيها الحسنِ والحسينِ إِلى رسولِ اللّهِ

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٣٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٥٩ / ٣٧٧٦ ، تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام ـ : ٢٨ / ٤٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣ : ٣٣٨ / ١٠.

(٢) في «ش» و «م» : الرافقي ، واضاف في هامش «ش» : « الرافقة بلدة مما يلي المصر» وفيه دلالة على التفات الناسخ الى هذهِ الكلمة واختياره لها. الا ان الصواب ما في «ح» وهوما اثبتناه في المتن. فقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله (١٤٦ / ٦٥) قائلاً : ابراهيم بن علي بن الحسن بن علي بن ابي رافع المدني. وفي تاريخ بغداد (٦ : ١٣١) : ابراهيم بن علي بن حسن بن علي بن ابي رافع المدني حدّث عن ابيه علي .. روى عنه ابراهيم بن حمزة الزبيري. وهذا الخبرمذكور في عدة مصادر مع بعض الاختلاف ، ففي الخصال (١ : ٧٧) ذكره باسناده عن ابراهيم بن حمزة الزبيري عن ابراهيم بن علي الرافعي عن ابيه عن جدته بنت ابي رافع ، وبهذا الاسناد في تاريخ ابن عساكرمسنداً الى ابن منده ، وكذا في اُسد الغابة (١ : ٤١) عن ابن مندة وابي نعيم ، الا انه اسقط منه (عن ابيه) ، لكن اورد الخبر في الاصابة وقال : اخرجه ابن مندة من رواية ابراهيم بن حمزة الزبيري عن ابراهيم بن حسن بن علي الرافعي عن ابيه ، ونظيره في كفاية الطالب عن حلية الاولياء. والظاهر وقوع التحريف فيه اما بسقوط (بن علي ) بعد ابراهيم او بتقديم وتاخير. فتأمل.

(٣) النسخ ههنا مشوشة غاية التشويش ، ففي «ش» : عن جدّته زينب وشبيب بن أبي رافع قال ... وجعل فوق (وشبيب) علامة الزيادة ، فيصير المتن : عن جدّته زينب بن ابي رافع قال .. وفيه اشكال من ناحية تذكيركلمتي (بن ) و (قال ) ، وفي هامش «ش» أشار الى ثلاث نسخ احداهن : جدهّ وشبيب ، والثانية : زينب بنت أبي ، والثالثة :عمّن حدثه ، وبعد هذه النسخة علامة : ج. ونسخة «م» أكثرتشويشاً ، ففيها قد غيرت العبارة وذكر في هامشها نسخاً وكأنّ فيها نفس النسخ أيضاً ، وفي هامشها : صوّب نسخة ( عن جده وشبيب بن أبي رافع قال .. ) وهذه النسخة هي الموجودة في «ح » وعلى أي حال فالنسخ متفقة على اثبات كلمة قال بصيغة التذكير ويمكن توجيهه بارجاع الضمير الى أبي رافع ، وان كان الاظهر غفلة النساخ عن تصحيح هذه الكلمة بعد تصحيح اسم الراوي. وفي بعض

٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله في شكواه الّتي تُوفِّيَ فيها فقالتْ : «يا رسولَ اللّهِ ، هذانِ ابناكَ ورِّثْهما (١) شيئاً» فقالَ : «أمّا الحسنُ فإنّ له هَدْيي وسؤددي ، وأمّا الحسينُ فإِنّ له جودي وشَجاعتي » (٢).

وكانَ الحسنُ بنُ عليٍّ وصيَّ أبيهِ أمير المؤمنينَ صلواتُ اللهِ عليهما على أهلِه وولده وأصحابِه ، ووصّاه بالنّظرِ في وُقُوفه وصَدَقاتِه ، وكتبَ له (٣) عهداً مشهوراً ووصيّةً ظاهرةً في معالمِ الدِّينِ وعُيونِ الحكمةِ والادابِ ، وقد نقلَ هذهِ الوصيّةَ جمهورُ العلماءِ ، واستبصرَ بها في دينهِ ودنياه كثيرٌ منَ الفقهاءِ.

ولمّا قُبضَ أميرُ المؤمنينَ عليه‌السلام خطبَ النّاسَ الحسنُ عليه‌السلام وذكرَحقَّه ، فبايَعَه أصحابُ أبيه على حرب مَنْ حارَبَ وسِلْمِ مَنْ سالَمَ.

وروى أبو مخنف لوطُ بنُ يحيى قالَ : حدّثَني أشعثُ بنُ سوّار(٤) ، عن أبي إِسحاقَ السَّبيعي وغيرِه قالوا : خطبَ الحسنُ بنُ عليٍّ عليهما‌السلام صبيحةَ اللَيلةِ الّتي قُبِضَ فيها أميرُ المؤمنينَ عليهِ

__________________

النسخ المعتبرة والبحار: زينب بنت أبي رافع ، ثم ان مصادر الحديث مختلفة أيضاً ، وذكر الخبر في ترجمة زينب بنت أبي رافع لا يرفع الاشكال في المسألة.

(١) في هامش «ش» و «م» : فورّثهما.

(٢) ذكره الصدوق في الخصال : ٧٧ / ١٢٢ ، والخوارزمي في مقتل الحسين عليه‌السلام ١ : ١٠٥ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ضمن ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام : ١٢٣ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٤٢٤ ، وابن حجر في الاصابة ٤ : ٣١٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٤ : ٢٦٣ / ١٠.

(٣) في « ش » وهامش « م » : اليه.

(٤) كذا في «م» و «ح » ، وفي «ش» : سوّاد ، وهو تصحيف.

٧

السّلامُ فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه ، وصلّى على رسولِ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال : «لقد قُبِضَ في هذِه الليلةِ رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلونَ بعملٍ ، ولا يُدرِكُه الآخِرونَ بعملٍ ، لقد كانَ يُجاهِدُ معَ رسولِ اللهِّ فَيقِيهِ بنفسِه ، وكانَ رسولُ اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يُوجِّههُ برايتهِ فيَكنُفُه جَبْرَئيْلُ عن يمينهِ وميكائيلُ عن يسارِه ، فلا يَرجعُ حتّى يفتحَ اللهُ على يديهِ. ولقد تُوُفِّيَ عليه‌السلام في الليلةِ الّتي عُرِجَ فيها بعيسى بن مريم عليه‌السلام ، وفيها قُبِضَ يُوْشَعُ بنُ نونٍ وصيُّ موسى ، وما خلّفَ صفراءَ ولا بيضاءَ إلاّ سبعمائةِ دِرْهمٍ فضلَتْ من عطائه ، أرادَ أنْ يبتاعَ بها خادِماً لأهلِه » ثمّ خنقتْه العبرةُ فبكى وبكى النّاسُ معَه.

ثمّ قالَ : «أنا ابنُ البشيرِ ، أنا ابنُ النّذيرِ ، أنا ابنُ الدّاعي إِلى اللهِ بإِذنهِ ، أنا ابنُ السِّراجِ المنيرِ ، أنا من أهلِ بيتٍ أذهبَ اللهُ عنهم الرِّجسَ وطهّرَهم تطهيراً ، أنا من أهلِ بيتٍ افترضَ اللهُ حبَّهم في كتابهِ فقالَ عزّ وجلّ : (قُلْ لا أسْثَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرَاً إلا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرف حَسَنَةً نَزِدْ لهُ فِيْهَا حُسْنَاً ) (١) فالحسنةُ مودَّتُنا أهلَ البيتِ ».

ثمّ جلسَ فقامَ عبدُاللهِ بن عبّاسٍ رحمة اللهِّ عليهما بينَ يديه فقالَ : معاشرَ النّاسِ ، هذا ابنُ نبيِّكم ووصيُّ إِمامِكم فبايعُوه. فاستجابَ له النّاسُ وقالوا : ما أحبَّه إِلينا! وأوجبَ حقَّه عَلينا!

__________________

(١) الشورى ٤٢ : ٢٣.

٨

وتَبادَروا إِلى البيعةِ له بالخلافةِ (١) ، وذلكَ في يومِ الجمعةِ الحادي والعشرينَ من شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ منَ الهجرةِ. فرتّبَ العُمآَلَ وأمر الامراءَ ، وأنفذَ عبدَاللّه بن العبّاسِ رضيَ اللهُّ عنه إِلى البصرةِ ، ونظرَ في الأمورِ.

ولمّا بلغَ معاويةَ بنَ أبي سُفيانَ وفاةُ أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام وبيعةُ النّاسِ الحسنَ عليه‌السلام دَسَّ رجلاًَ من حِمْيَر إِلى الكوفةِ ، ورجلاً من بَلقَين (٢) إِلى البصرةِ ، ليكتُبا إِليه بالأخبارِ ويُفسِدا على الحسنِ عليه‌السلام الأمورَ. فَعرَفَ ذلكَ الحسنُ عليه‌السلام فأمرَ باستخراجِ الحِميريِّ من عندِ حَجّامٍ بالكوفةِ فأُخرِجَ فأمرَ بضربِ عنقهِ ، وكتبَ إِلى البصرةِ فاستخرج القَيْنيّ من بني سُلَيْم وضرِبَتْ عنقه.

وكتبَ الحسنُ عليه‌السلام إِلى معاويةَ :

«أما بعد فإنكَ دسست الرجال للاحتيال والاغتيال ، وأرصدت العيون كأنك تُحب اللقاء ، (وما أوشَكَ ذلك (٣)! فتوقّعه إن شاء الله. وبلغني أَنّك شمّتَ بما لا يشمت به ذوو الحجى ، وإنما مثلك في ذلك كما قال الاوّل :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٥١ ، شرح ابن ابي الحديد ١٦ : ٣٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣ : ٣٦٢ ، وأخرج قطعاً منه اكثرأهل السير.

(٢) بلقين : أصله بنوالقين والنسبة قيني احدى قبائل العرب. انظر «القاموس المحيط ـ قين ـ ٤ : ٢٦٢».

(٣) في هامش «ش» : وما اشك في ذلك.

٩

فقُلْ للذِي يَبْنِيْ خِلاَفَ الّذِي مَضـىَ

تَجَهَزْ لأخْرَى مِثْلِهَا فَكَأنْ قَدِ

فإِنّا وَمَنْ قَدْ مَاتَ مِنَّا لَكَالَّذِيْ

يَرُوْحُ َفيُمسِي في المَبِيْتِ لَيَغْتَدِيْ »

فأجابَه معاويةُ عن كتابِه بما لا حاجةَ بنا إِلى ذكرِه (١).

وكانَ بينَ الحسنِ عليه‌السلام وبينَه بعدَ ذلكَ مُكاتباتٌ ومُراسلاتٌ واحتجاجاتٌ للحسنِ عليه‌السلام فِى استحقاقِه الأمرَ ، وَتَوَثُّب من تقدَّمَ على أبيه عليهما‌السلام وابتزازِه سُلطان ابنِ عمِّه رسولِ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتحقُقِّهم به دونَه ، وأشياء يطولُ ذكرُها.

وسارَ معاويةً نحوَ العراقِ ليَغلِبَ عليه ، فلمّا بلغَ جسرَ مَنْبِجَ (٢) تحرّكَ الحسنُ عليه‌السلام وبعثَ حُجْرَ بنَ عَدِيٍّ فأمَر العُمّالَ بالمسيرِ ، واستنفرَ النّاسَ للجهادِ فتثاقلوا عنه ، ثمّ خفَّ معَه أخلاطٌ منَ النّاسِ بعضُهم شيعةٌ له ولأبيه عليهما‌السلام ، وبعضُهم ُمحكِّمةٌ (٣) يُؤثرونَ قتالَ معاويةَ بكلِّ حيلةٍ ، وبعضُهم أصحابُ فتنِ وطمعٍ في الغنائمِ ، وبعضُهم شُكّاكٌ ، وبعضُهم أصحابُ عصبيّةٍ اتَّبعوا رؤساءَ قبائلِهم لا يَرجعونَ إِلى دين.

__________________

(١) رواه ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين : ٥٣ وكذا ما بعده مفصلاً الى آخر الفصل ، وابن أبي الحديد في شرحه ١٦ : ٣١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ٤٥ / ٥.

(٢) منبج : بلد بالشام. «معجم البلدان ٥ : ٢٠٥ ».

(٣) المحكمة : الخوارج. انظر «الملل والنحل ١ : ١٠٦ » و «القاموس المحيط ـ حكم ـ ٤ : ٩٨».

١٠

فسارَ حتّى أتى حَمّامَ عُمرَ(١) ، ثمّ أخذَ على دَيرِكَعْبٍ ، فنزلَ سَاباط دون القَنطرةِ وباتَ هناكَ ، فلمّا أصبحَ أرَادَ عليه‌السلام أن يَمتحِنَ أصحابَه ويَستبرئَ أحوالَهم في الطّاعةِ له ، ليتميّزَ بذلكَ أولياؤه من أعدائه ، ويكونَ على بصيرِة في لقاءِ معاويةَ وأهلِ الشّامِ ، فأمرَ أن يُناديَ في النّاسِ بالصّلاةِ جامعةً ، فاجتمعَوا فصعدَ المنبرَ فخطبَهم فقالَ : «الحمدُ للهِّ بكلِّ ما حَمِدَه حامِدٌ ، وأشهدُ أن لا إِلهَ إِلاّ اللهُ كلَّما شهدَ له شاهدٌ ، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسولُه ، أرسلَه بالحقِّ وائتمنَه على الوحيِ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا بعدُ : فوَاللهِ إِنِّي لأرجو أن أكونَ قد أصبحتُ ـ بحمدِ اللهِ َومنِّهِ ـ وأنا أنصحُ خلقِ اللهِ لخلقهِ ، وما أصبحتُ محتملاً على مسلم ضغِيْنةً ولا مُريداً له بسوءٍ ولا غَائلةٍ ، ألا واِنَّ ما تَكرهُونَ في الجماعةِ خير لكم ممّا تحبُّونَ في الفُرقةِ ، ألا وَانِّي ناظرٌ لكم خيراً من نَظرِكم لأنفسِكم فلا تُخالِفوا أمري ، ولا تَرُدُّوا عليَّ رأيي ، غفرَ اللهُ لي ولكم وأرشَدَنِي ِوايّاكم لما فيه المحبّةُ والرِّضا» (٢).

قالَ : فنظرَ النّاسُ بعضُهم إِلى بعض وقالوا : ما تَرَوْنَه يرُيدُ بما قالَ؟ قالوا : نَظُنُّه ـ واللهِّ ـ يرُيدُ أن يُصالحَ معاويةَ ُويُسَلِّمَ الأمر إليه ، فقالوا : كفرَ ـ واللهِ ـ الرّجلُ ، ثمّ شدُّوا على فُسْطَاطِه فانتهبوه ، حتّى أخذوا مُصلاّه من تحتهِ ، ثمّ شدَّ عليه عبدُ الرحمن بن عبدِاللّهِ بنِ جِعَالٍ الأزْديّ فنزعَ مِطْرَفَه (٣) عن عَاتِقهِ ، فبقيَ جالساً متقلِّداً السّيفَ بغير

__________________

(١) حَمّام عمر: هي قرية ، كذا في هامش «ش» و «م».

(٢) مقاتل الطالبيين : ٦٣.

(٣) المطرف : رداء من خز. «الصحاح ـ طرف ـ ٤ : ١٣٩٤».

١١

رداءٍ.

ثمّ دَعَا بفرسِه فرَكِبَه ، وأحْدَقَ به طَوَائفُ مِن خاصّتِه وشيعتِه ومنعوا مِنه مَنْ أرادَه ، فقالَ : «ادعُوا إِليَّ (١) رَبيْعةَ وهَمْدانَ » فدُعُوا له فأطافوا به ودفعوا النّاسَ عنه. وسارَو معَه شوبٌ (٢) منَ النّاسِ ، فلمّا مرَّ في مُظلمِ ساباط بَدَرَ إِليه رجلٌ من بني أسد يُقالُ له : الجَرّاحُ بنُ سِنان ، فأخذَ بلجامِ بغلتهِ وبيدِه مِغْوَلٌ(٣) وقالَ : اللهُ أكبرُ ، أشركتَ ـ يا حسنُ ـ كما أشركَ أبوكَ من قبلُ ، ثمّ طعنَه في فخذِه فشقَّه حتّى بلغَ العظمَ ، فاعتنقَه الحسنُ عليه‌السلام وَخَرّا جميعاً إِلى الأرضِ ، فوثبَ إِليه رجلٌ من شيعةِ الحسنِ عليه‌السلام يقُالُ له : عبدُالله بن خَطَلٍ الطّائي ، فانتزعَ المغولَ من يدِه وخَضْخَضَ به جوفَه ، وأكبَ عليهِ آخر يُقالُ له : ظَبْيَانُ بنُ عُمارةَ ، فقطعَ أنفَه ، فهلكَ من ذلكَ. وأُخِذَ آخرُ كانَ معَه فقُتِلَ.

وحُمِلَ الحسنُ عليه‌السلام على سريرٍ إِلى المدائنِ ، فاُنزلَ به على سعدِ بنِ مسعودٍ الثّقفيّ ، وكانَ عاملَ أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام بها فأقرَّه الحسنُ عليه‌السلام على ذلكَ ، واشتغلَ بنفسِه يعُالِجُ جُرْحَه.

وكتبَ جماعةٌ من رؤساءِ القبائلِ إِلى معاويةَ بالطّاعةِ له في السِّرِّ ، واستحثّوه على السّيرِ نحوَهم ، وضَمِنُوا له تسليمَ الحسنِ عليه‌السلام إِليه عندَ دُنُوِّهم من عسكرِه أو الفتكَ به ، وبلغَ الحسنَ ذلكَ. ووردَ

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : لي.

(٢) الشوب : الخليط ـ من الناس ـ. « الصحاح ـ شوب ـ ١ : ١٥٨ ».

(٣) المغول : سيف دقيق له قفا يكون غمده كالسوط. «الصحاح ـ غول ـ ٥ : ١٧٨٦ ».

١٢

عليه كتابُ قيسِ بنِ سعدٍ رضيَ اللهُ عنه وكانَ قد أنفذَه مع عُبيدِاللهِ بنِ العبّاسِ عندَ مسيرِه منَ الكوفةِ ، ليَلقى معاويةَ فيَرُدَّه عنِ العراق ، وجعلَه أميراً على الجماعةِ وقالَ : «إِنْ أُصبتَ فالأميرُ قيسُ بنُ سعدٍ» فوصلَ كتابُ ابنِ سعدٍ يُخبِرهُ أنّهم نازَلوا معاويةَ بقريةٍ يُقالُ لها الحَبُونيّة ُ (١) بإزاءِ مَسْكِنَ (٢) ، وأنّ معاويةَ أرسلَ إِلى عبيدِاللهِ بنِ العبّاس يُرَغِّبًه في المصيرِ إليه ، وضَمِنَ له ألفَ ألفِ دِرْهمٍ ، يُعجِّلُ له منها النًّصفَ ، يُعطيه النِّصفَ الآخرَ عندَ دخوله الكوفةَ ، فانسلّ عُبيدُالله بن العبّاسِ في الليلِ إِلى مُعسكر (٣) معاويةَ في خاصّتِه ، وأصبجَ النّاسُ قد فَقَدُوا أميرَهم ، فصلّى بهم قيسٌ رضيَ اللهُ عنه ونظر َفي أُمورِهم.

فازدادتْ بصيرةُ الحسنِ عليه‌السلام بخذلانِ القوم له ، وفسادِ نيّاتِ المُحكِّمةِ فيه بما أظهروه له من السّبَّ والتكفيرِ واستحَلالِ دمِه ونهب أموالهِ ، ولم يبقَ معَه من يَاْمَنُ غوائلَه إِلاّ خاصّة من شيعتهِ وشيعَةِ أبيه أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام ، وهم جماعةٌ لا تقومُ لأجنادِ الشّام.

فكَتبَ إِليه معاويةُ في الهُدْنةِ والصُّلحِ ، وأنفذَ إِليه بكُتُبِ أصحابِه التّي ضَمِنوا له فيها الفتكَ به وتسليمَه إِليه ، واشترط له على نفسِه في إِجابتهِ إِلى صلحِه شروطاً كثيرةً وعقدَ له عُقوداً كانَ في الوفاءِ بها مصالحٌ

__________________

(١) كذا وردت في النسخ والصحيح : «الأخنونية» كما في تاريخ بغداد ١ : ٢٠٨ ، وقال في معجم البلدان ١ : ١٢٥ : موضع من أعمال بغداد ، قيل هي حَرْبى ، وفي ج ٢ : ٢٣٧ حَرْبى : بليدة في أقصى دُجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة.

(٢) مسكن : موضع قريب من أوانا على نهر دُجيل «معجم البلدان ٥ : ١٢٧».

(٣) في «م» و «ح » وهامش «ش» : عسكر.

١٣

شاملةٌ ، فلم يَثِقْ به الحسنُ عليه‌السلام وعلمَ احتيالَه بذلكَ واغتيالَه ، غيرَ انّه لم يَجِدْ بدّاً من إِجابتهِ إِلى ما التمسَ ( من ترك ) (١) الحربِ وِانفاذِ الهدنةِ ، لمِا كانَ عليه أصحابُه ممّا وصفْناه من ضعفِ البصائرِ في حقِّه والفسادِ عليه والخُلْفِ منهم له ، وما انطوى كثيرٌ منهم عليهِ في استحلالِ دمِه وتسليمهِ إِلى خصمِه ، وما كانَ في خذلانِ ابن عمِّه له ومصيرهِ إِلى عدوِّه ، وميلِ الجُمهورِمنهم إِلى العاجلةِ وزهدِهم في الآجلةِ.

فتوثّقَ عليه‌السلام لنفسِه من معاويةَ لتأكيدِ الحجّةِ عليه ، والإعذارِ فيما بينَه وبينَه عندَ اللهِ عزّ وجلّ وعند كافَّةِ المسلمينَ ، واشترطَ عليه تركَ سبِّ أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام والعدولَ عنِ القُنوتِ عليه في الصّلواتِ ، وأنْ يُؤمنَ شيعتَه رضيَ اللهُ عنهم ولايتعرّضَ لأحدٍ منهم بسوءٍ ، ويُوصِلَ إِلى كلِّ ذي حقٍّ منهم حقَّه. فأجابَه معاويةُ إِلى ذلكَ كلِّه ، وعاهدَه عليه وحَلفَ له بالوفاءِ به.

فلمّا استتمّتِ الهُدنةُ على ذلكَ ، سارَ معاويةُ حتّى نزلَ بالنُّخَيْلةِ (٢) ، وكانَ ذلكَ يومَ جمعةٍ فصلّى بالنّاسِ ضحى النّهارِ ، فخطَبَهُم وقالَ في خطبتهِ : إِنِّي واللهِّ ما قاتلتُكم لتُصلُّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكُّوا ، إِنّكم لتفعلونَ ذلكَ ، ولكنِّي قاتلتُكم لأتأمّرَ عليكم ، وقد أعطاني اللهُّ ذلكَ وأنتم له كارِهونَ. ألا ِوانِّي كنتُ منَّيتُ الحسنَ وأعطيتُه أشياءَ ، وجَمِيعُها تحتَ قَدَمَيَّ لا أفي بشيءٍ منها له.

__________________

(١) في «ش» : منه وترك.

(٢) النخيلة : موضع قرب الكوفة «معجم البلدان ٥ : ٢٧٨».

١٤

ثم سار حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاماً ، فلما استتمّت البيعة له من أهلها ، صعد المنبر فخطب النّاس ، وذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام فنال منه ونال من الحسن ، وكان الحسن والحسين صلوات الله عليهما حاضرين ، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن فأجلسه ثمّ قام فقال : « أيّها الذاكر عليّاً ، أنا الحسن وأبي عليّ ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمّي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك حرب ، وجدّتي خديجة وجدتك قتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكراً ، وألأمنا حسباً ، وشرنا قدماً ، وأقدمنا كفراً ونفاقاً» فقال طوائف من أهل المسجد : آمين آمين.

ولمّا استقرّ الصلح بين الحسن صلوات الله عليه وبين معاوية على ما ذكرناه ، خرج الحسن عليه‌السلام إلى المدينة فأقام بها كاظماً غيظه ، لازماً منزله ، منتظراً لأمر ربّه جل ّ اسمه ، إلى أن تمّ لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد ، فدسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس ـ وكانت زوجة الحسن عليه‌السلام ـ من حملها على سمّه ، وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد ، وأرسل إليها مائة ألف درهم ، فسقته جعدة السّمّ ، فبقي عليه‌السلام مريضاً أربعين يوماً ، ومضى عليه‌السلام لسبيله في صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان وأربعون سنة ، فكانت خلافته عشر سنين ، وتولّى أخوه ووصيّه الحسين عليه‌السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم ٍ بن عبد منافٍ رحمة الله عليها بالبقيعِ.

١٥

فصل

فمن الأخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسن عليه‌السلام وما ذكرناه من سمّ معاوية له ، وقصّة دفنه وما جرى من الخوض في ذلك والخطاب :

ما رواه عيسى بن مهران قال : حدّثنا عبيدالله بن الصّباح قال : حدّثنا جرير ، عن مغيرة قال : أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس : أنّي مزوّجك (يزيد ابني ) (١) ، على أن تسمّي الحسن ، وبعث إليها مائة ألف درهم ، ففعلت وسمّت الحسن عليه‌السلام فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد ، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها ، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا : يا بني مسمّة الأزواج (٢).

وروى عيسى بن مهران قال : حدّثني عثمان بن عمر قال : حدّثنا ابن عون ، عن عمر بن إسحاق قال : كنت مع الحسن والحسين عليهما‌السلام في الدّار ، فدخل الحسن عليه‌السلام المخرج (٣) ثم خرج قال : « لقد سقيت السّمّ مراراً ، ما سقيته مثل هذه المرة ، لقد لفظت قطعة من كبدي ، فجعلت أقلّبها بعود معي » فقال له الحسين

__________________

(١) في هامش «ش» : من ابني يزيد.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٧٣ ، شرح ابن ابي الحديد ١٦ : ٤٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ١٥٥ / ٢٥.

(٣) المخرج : الكنيف أو المرحاض. «مجمع البحرين ٢ : ٢٩٤».

١٦

عليه‌السلام : «ومن سقاكَه؟» فقالَ : «وما تُريدُ منه؟ أتريدَ قتلَه ، إن يكنْ هوهو فاللّهُ أشدُّ نقمةً منكَ ، وِإن لم يكنْ هو فما أحِبُّ أن يُؤخذَ بي بريءٌ » (١).

وروى عبدُاللّهِ بن إبراهيمَ عن زيادٍ المخارقي قالَ : لمّا حضرتِ الحسنَ عليه‌السلام الوفاةُ استدعى الحسينَ بنَ عليٍّ عليهما‌السلام فقالَ : «يا أَخي ، إنِّي مُفارقًكَ ولاحق بربِّي جلّ وعزّ وقد سُقيتُ السّمَّ ورَمَيْتُ بكبدي في الطّستِ ، وِإنّي لَعارفٌ بمن سقاني السّمَّ ، ومن أينَ دُهِيْتُ ، وأنا أُخاصِمُه إِلى اللهِ تعالى ، فبحقّي عليكَ إِن تكلّمتَ في ذلكَ بشيءٍ ، وانتظِرْ ما يُحدِثُ اللهُ عزّ ذكرُه فيَّ ، فإذا قضيتُ فَغمِّضْني وغَسِّلني وكفَنِّي واحمِلْني على سريري إِلى قبر ِجدِّي رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأجدِّدَ به عهداً ، ثمّ رُدَّني إِلى قبرِ جَدَّتي فاطمةَ بنتِ أسدٍ رحمةُ اللهِ عليها فادفنِّي هناكَ.

وستعلمُ يا ابنَ أُمّ أنّ القومَ يظنُّون أنّكم تريدونَ دفني عندَ رسوِلِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فَيُجْلِبُونَ في منعِكم عن ذلكَ ، وباللهِ أُقسمُ عليكَ أن تُهريقَ في أمري مِحجمةَ دمٍ » ثمّ وصّى عليه‌السلام إِليه باهلهِ وولدِه وتركاتِه ، وما كانَ وصّى به إِليه أميرُ المؤمنينَ عليه‌السلام حينَ استخلفَه وأهَّلَه لمقامِه ، ودلَّ شيعتَه على استخلافِه ونصبِه لهم عَلَماً من بعدِه.

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٧٤ ، شرح ابن ابي الحديد ١٦ : ٤٩ ، وذكره المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٤٢٧ باختلاف في الفاظه ، وانظر ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام ضمن تاريخ دمشق : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ١٥٦.

١٧

فلمّا مضى عليه‌السلام لسبيلِه غسّلَه الحسين عليه‌السلام وكفّنَه وحملَه على سريرِه ، ولم يَشُكَّ مروانُ ومن معَه من بني أُميّةَ أنَّهم سيدفنونَه عندَ رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فَتَجَمَّعوا له ولبسوا السِّلاحَ ، فلمّا توجّهَ به الحسينُ بنُ عليٍّ عليهما‌السلام إلى قبرِ جدِّه رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليُجدِّدَ به عَهداً أقبلوا إليهم في جمعِهم ، ولَحِقَتْهم عائشةُ على بغلٍ وهي تقولُ : مالي ولكم تُريدونَ أن تُدخِلوا بيتي من لا أُحِبُّ. وجعَل مروانُ يقولُ :

يَارُبَّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَة

أيدفَنُ عثمانُ في أقصى المدينةِ ، ويُدفَنُ الحسن معَ النّبي؟! لا يكونُ ذلكَ أبداً وأنا أحْمِلُ السّيفَ.

وكادتِ الفتنةُ تقعُ بينَ بني هاشمٍ وبني أُميَّةَ ، فبادرَ ابنُ عبّاسٍ إِلى مروانَ فقالَ له : ارجعْ يا مروانُ من حيثُ جئتَ ، فإنّا ما نريدَ (أنْ نَدفِنَ صاحبَنا ) (١) عندَ رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله لكِنَّا نريدُ أن نُجدِّدَ به عهداً بزيارتِه ، ثم نَردَّه إِلى جدّتِه فاطمَة عليها‌السلام فنَدفِنَه عندَها بوصيَّتهِ بذلكَ ، ولوكانَ وصَّى بدفنِه معَ النّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلمتَ أنّكَ أقصرُ باعاً من رَدِّنا عن ذلكَ ، لكِنَّه عليه‌السلام كانَ أعلمَ باللهِ ورسوله وبحرمةِ قبرِه من أن يُطَرِّقَ عليه هَدْماً كما طَرّقَ ذلكَ غيرُه ، ودَخَلَ بيتَه بغيرِ إِذنِه.

ثمّ أقبلَ على عائشةَ فقالَ لها : واسوأتاه! يوماً على بغلٍ ويوماً على جملٍ ، تريدينَ أن تُطفِئي نورَ اللهِ ، وتُقاتلينَ أولياءَ اللهِ ، ارجِعي

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : دفن صاحبنا.

١٨

فقد كُفِيْتِ الّذي تَخافينَ وبلغتِ ما تُحبِّينَ ، والله تعالى مُنتصر لأهلِ هذا البيتِ ولوبعدَ حينٍ (١).

وقالَ الحسينُ عليه‌السلام : «واللهِ لَولا عهدُ الحسنِ إِليَّ بحقن الدِّماءِ ، وأن لا أُهريقَ في أمرِه محجمةَ دمِ ، لَعلمتُم كيفَ تَأْخذُ سُيوفُ اللهِّ منكم مَأْخذَها ، وقد نَقَضْتُمُ العهَدَ بَينَنا وبينَكم ، وأبطلتُم ما اشترطْنا عليكم لأنفسِنا».

ومَضَوا بالحسنِ عليه‌السلام فَدَفَنُوه بالبقيعِ عندَ جدّتِه فاطمةَ بنتِ أسدِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنافٍ رضيَ اللهُ عنها وأسكنَها جنّاتِ النعيمَ (٢).

__________________

(١) في هامش «ح » : فقال لها ايضاً :

تجملت تبغلت

ولو عشت تفيلت

لك الثمن من التسع

وفي الكل تطمعت

وفي الخرائج والجرائح : قال ابن عباس لعائشة : واسوأتاه! يوماً على بغل ويوماً على جمل ، وفي رواية : يوماً تجملت وبوماً تبغلت وان عشت تفيلت ، فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال :

يا بنتَ أبي بكر

لاكانَ ولاكُنتِ

لِك التسع من الثُمن

وبالكلّ تملّكت

تجملتِ تبغّلتِ

وان عشتِ تفيّلت

(٢) هذا الخبر روته العامة والخاصة بتغير ببعض عباراته كل بحسب مذهبه ، انظر دلائل الامامة : ٦١ ، ومقاتل الطالبيين : ٧٤ ، شرح النهج الحديدي ١٦ : ٤٩ ـ ٥١ ، والخرائج والجرائح ١ : ٢٤٢ / ٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ١٥٦.

١٩

باب

ذكر ولد الحسنِ بنِ عليّ عليهما

السّلامُ وعددِهم وأسمائهم وطرفٍ من أخبارِهم

أولادُ الحسنِ بنِ عليٍّ عليهما‌السلام خمسةَ عشرَ ولداً ذكراً وأُنثى : زيدُ بنُ الحسنِ وأُختاه أّمّ الحسنِ وأُمّ الحسينِ أُمُّهم أُمُّ بَشيرٍ بنتُ أبي مسعودٍ عُقْبة بن عمرو بنِ ثعلبةَ الخزرجيّةُ.

والحسنُ بنُ الحسنِ أُمُّه خَوْلةُ بنتُ منظورٍ الفَزاريّةُ.

وعَمْرُو بنُ الحسنِ وأخَواه القاسمُ وعبدُاللهِ ابنا الحسنِ أمُّهم أُمُّ ولدٍ.

وعبدُ الرحمن بن الحسنِ أُمُّه أُمُّ ولدٍ.

والحسين بنُ الحسنِ الملقّب بالأثرم وأخوه طلحةُ بنُ الحسنِ وأُختُهما فاطمةُ بنتُ الحسن ، أُمهم أُمُّ إِسحَاقَ بنتُ طلحةَ بن عبيدِاللهِ التّيميِّ.

وأُمُّ عبدِاللهِ وفاطمةُ وأُمُّ سَلَمَةَ ورُقيّةُ بناتُ الحسنِ عليه‌السلام لأمهاتِ أولادٍ شتّى.

فصل

فأمّا زيدُ بنُ الحسنِ رضيَ اللّه عنه فكانَ على صدقاتِ رسولِ اللهِ

٢٠