الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

باب

ذِكْرِ طرفٍ من أخْبارِ

أبي محمد عليه السلامُ ومَناقِبه واياتِه ومُعْجزاتهِ

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين (١) بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما ، قالُوا : كانَ أحمدُ ابن عبيداللهّ بن خاقان على الضياعِ والخَراجِ بـ (قُمْ ) فَجَرى في مَجْلِسِه يوماً ذكرُ العَلَويٌةِ ومذاهبِهم ، وكان شديدَ النَصْب والانحرافِ عن أَهلِ البيتِ عليهم‌السلام فقالَ : ما رَأيتُ ولا عَرَفْتُ بسُرّ مَنْ رأى من العلويةِ مِثْلَ الحسنِ بن عليّ بن محمد بن الرضا في هَدْيِه وسُكونه وعَفافِه ونبلِه وكِبْرَتِه عنْدَ أهْلِ بَيْتِه وبني هاشمٍ كافّة ، وتَقْديمِهِمْ إِيّاه على ذوي السنِّ منهم والخَطَرِ ، وكذلك كانَتْ حالهُ عند القُوّادِ والوُزَراءِ وعامّةِ الناسِ.

فأَذكُرُ أَنّني كُنْتُ يوماً قائماً على رَأْس أَبي وهو يَوْمُ مَجْلِسهِ للناس ، إِذ دَخَلَ حُجّابُه فقالُوا : أَبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقالَ بصَوْتٍ عالٍ : ائْذَنُوا له ، فَتَعَجَّبْتُ ممّا سَمِعْتُ منهم ومن جَسَارَتِهمْ أَنْ يُكَنُّوا رجلاً بحضرة أَبي ، ولم يَكُنْ يُكَنّى عنده إِلا خليفةٌ أَو وَليُّ عهدٍ أَو مَنْ أمَرَ السلطانُ أَنْ يُكَنّى. فدَخَلَ رَجُلٌ أَسمر حسنُ القامةِ جميلُ الوجه جَيِّدُ البدنِ حَدِيثُ السِنِّ ، له جلالة وهيئة حسنةٌ ، فلمّا نَظَرَ إِليه أَبي قامَ فمَشى إِليه خُطىً ، ولا أَعْلَمُهُ فَعَلَ هذا بأَحدٍ من بني هاشمٍ والقُوّادِ ، فلمّا

__________________

(١) كذا في« ح » ، وفي «ش» و «م» : الحسن ، وهوتصحيف.

٣٢١

دَنا منه عانَقَه وقَبَّلَ وَجْهَه وصَدْرَه ، وأَخَذَ بيدِه وأَجْلَسَه على مُصلاّه الذي كانَ عليه ، وجَلَسَ إِلى جَنْبِه مُقْبِلاً عليه بوَجْهِه ، وجَعَلَ يُكَلِّمُه ويُفَدِّيه بنفسهِ ، وأَنا متَعجّبٌ مما أَرى منه ، إِذ دَخَلَ الحاجِبُ فقالَ : الموفقُ (١) قد جاءَ ، وكانَ الموفَّقُ إِذا دَخَلَ على أَبي يَقْدُمُه حُجّابُه وخاصّةُ قُوّادِه ، فقامُوا بينَ مَجْلسِ أَبي وبين باب الدار سِماطَيْن إِلى أَنْ يَدْخُلَ ويَخْرُجَ. فلمْ يَزَلْ أَبي مُقْبِلاً على أَبي محمّد يُحدِّثُه حتى نَظَرَ إِلى غلْمان الخاصّةِ فقالَ حينَئذٍ له : إِذا شِئْتَ جَعَلَني اللهُ فداك ، ثم قال لحُجّابِه : خُذُوا به خَلْفَ السِماطَيْن لا يَراهُ هذا ـ يَعْني الموفّق ـ فقامَ وقامَ أبي فعانَقَه ومضى.

فقُلْتُ لحُجّاب أَبي وغِلْمانه : ويْلَكمُ مَنْ هذا الذي كَنَّيتُموه بحَضْرَة أَبي وفَعَلَ به أَبي هذاَ الفِعْلُ؟ فقالوُا : هذا عَلَويٌّ يُقالُ له : الحسنُ بن عليّ يُعْرَفُ بـ : ابن الرضا ، فازْدَدْتُ تَعَجُّباً ، ولمْ أَزَلْ يَوْمي ذلك قَلقاً مُفَكّراً في أَمْرِه وأَمرِ أَبي وما رَأَيْتُه منه حتى كانَ الليلُ ، وكانَتْ عادَتُه أَنْ يُصَلِّيَ العتمةَ ثم يَجْلِسُ فَينَظُرُ فيما يَحْتاجُ إِليه من المؤامَرات وما يَرْفَعُه إِلى السلطانِ.

فلمّا صَلَّى وجَلَسَ جئْتُ فجَلَسْتُ بين يدَيْه ، وليسَ عنْدَه أحَد ، فقالَ لي : يا أَحمدُ ، أَلك حاجةَ؟ فقُلْتُ : نعَمْ يا أَبه ، فإِنْ أَذِنْتَ سَأَلْتُك عنها ، فقالَ : قد أَذِنْتُ ، قُلْتُ : يا أَبه ، مَنِ الرجلُ الذي رَأَيْتُك بالغَداةِ فَعَلْتَ به ما فَعَلْتَ من الإجْلالِ والكَرامةِ والتبجيلِ وفدٌَيتَه بنَفْسِك وأبَوَيك؟ فقالَ : يا بُنَيّ ذاك إِمامُ الرافِضَةِ الحسنُ بن عليّ ، المعروف بـ : ابن الرضا ، ثم سَكتَ ساعةً وأَنا ساكِتٌ ، ثم قالَ : يا بُنيَ ، لو زالَت الإمامَةُ عن خُلفائِنا بني العباس مَا اسْتَحقَّها أحَدٌ من بني هاشمِ غَيْرُه ، لِفَضْلِه وعَفافِه وهَدْيِه

__________________

(١) هو أبو أحمد بن المتوكل العباسي وأخو الخلفاء المعتزّ والمهدي والمعتمد.

٣٢٢

وصِيانتِه وزُهْدِه وعِبادتِه وجميلِ أَخلاقِه وصَلاحِه ، ولو رَأَيْتَ أَباه رَأَيْتَ رجلاً جَزْلاً نَبيلاً فاضلاً.فازْدَدْتُ قلقاً وتَفَكُّراً وغَيْظاً على أَبي وما سمعتُ منه فيه ، ورَأَيْتُ من فِعْلِه به ، فلم يَكُنْ لي هِمَّةٌ بعد ذلك إِلّا السؤالَ عن خَبَرِه والبَحْثَ عن أَمْرِه.

فما سَأَلْتُ أَحَداً من بني هاشم والقُوّادِ والكُتّاب والقُضاةِ والفُقهاءِ وسائرِ الناسِ إلا وَجدْتُه عِنْدَه في غاية الإجلالَِ والإعظامِ والمحلِّ الرفيعِ والقولِ الجميلِ والتقديمِ له على جميع أَهل بيتهِ ومشايخه ، فعَظُمَ قَدْرُه عندي إِذْ لم أَرَ له وَلِيّاً ولا عَدُوّاً إلا وهو يحسِنُ القَوْلََ فيه والثناءَ عليه.

فقالَ له بعضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَه من الأشعريّينَ : فما خبرُ أَخيه جعفرٍ ، وكيفَ كانَ منه في المحلِّ؟

فقالَ : ومَنْ جعفرُ فيُسْأَلَ عن خبره أويُقْرَنَ بالحَسَن؟! جعفرمُعلِنُ الفُسوقِ (١) فاجرٌ شِرّيب للخُمور ، أَقلُّ مَنْ رأَيْتُه من الرجالِ وأَهْتَكُهُم لنَفْسِه ، خفيفٌ قليلٌ في نَفْسِهِ ، ولقد وَرَدَ على السلطان وأَصحابه في وقتِ وفاةِ الحسنِ بن عليّ ما تَعَجَّبْتُ منه ، وما ظَنَنْتُ أَنّه يكونُ ، وذلك أًنّه لمّا اعْتَلَّ بُعِثَ إِلى أَبي : أَنَّ ابنَ الرضا قد اعْتَل ، فرَكِبَ من ساعتِه إِلى دارِ الخلافةِ ، ثَم رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً ومعه خمسة من خَدَمِ أَمير المؤمنينَ كُلهم من ثقاتِه وخاصّتِه ، فيهم نِحرير ، وأَمَرَهم بلزوم دارِ الحسن وتَعَرُّفِ خَبَرِه وحالهِ ، وبعثَ إلى نَفَرٍ من المتَطَبِّبينَ فأَمَرَهُم بالاخْتلافِ إِليه وتَفَقُده صَباحَ مساء.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : الفسق.

٣٢٣

فلمّا كانَ بعد ذلك بيومين أَو ثلاثة أُخْبرَ أَنّه قد ضَعفَ ، فأَمَرَ المُتَطبَبينَ بلزومِ دارِه ، وبعَثَ إِلى قاضي القُضاةِ فَاَحْضَرَه مَجْلِسَه وأَمَرَه أَنْ يَخْتارَ عَشرةً ممّن يُوثَقُ به في دينِهِ ووَرَعِهِ وأمانَتِهِ ، فأَحْضَرهم فبَعَثَ بهم إِلى دارِ الحسن وأَمَرَهم بلزومِه ليلاً ونهاراً ، فلم يَزالُوا هناك حتّى تُوُفَيَ عليه‌السلام ، فلما ذاعَ خَبَرُ وفاتِه صارَتْ سُرّ مَنْ رأى ضَجّة واحِدَةً ، وعُطِّلتِ الأسْواقُ ، ورَكِبَ بنو هاشمٍ والقُوّادُ وسائرُ الناسِ إِلى جَنازتِه ، فكانَتْ سُرّ مَنْ رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة ، فلمّا فَرَغوا من تَهْيئتِهِ بَعَثَ السلطانُ إلى أبي عيسى بن المتوكل يأْمُرُه بالصلاةِ عليه ، فلمّا وُضعَتِ الجَنازةُ للصلاةِ عليه دَنا أَبو عيسى منه فكَشَفَ عن وَجْهِهِ ، فعَرَضَه على بني هاشم من العَلَويٌةِ والعبّاسيةِ والقُوّادِ والكُتّابِ والقُضاةِ والمعدٌلينَ ، وقالَ : هذا الحسنُ بن علي ابن محمّد بن الرضا ماتَ حَتْفَ أَنْفِه على فِراشِهِ ، وحَضَرَه من خَدَم أَمير المؤمنينَ وثِقاتِه فلانٌ وفلانٌ وفلان ، ومن القُضاةِ فلانٌ وفلانٌ ، ومن المُتًطَببينَ فلانٌ وفلانٌ ، ثم غَطّى وَجْهَه وصَلّى عليه وأَمَرَ بحَمْلِه.

ولمّا دُفِنَ جاء جعفرُ (١) بن علي أَخوه إِلى أَبي فقالَ : اجْعَلْ لي مَرْتبةَ أَخي وأَنا أُوصِلُ إِليك في كلّ سنة عشرينَ أَلف دينارٍ ، فزَبرَه أَبي وأَسْمَعَه ما كَرِهَ ، وقالَ له : يا أَحمقُ ، السلطانُ ـ أَطالَ اللهُّ بقاءه ـ جَرَّدَ سَيْفَه في الذين زَعَموا أَنَ أَباك وأَخاك أَئمَّةً ، ليَرُدَّهم عن ذلك فلم يَتَهَيأ له ذلك ، فإِنْ كُنْتَ عند شيعةِ أَبيك وأَخيك إِماماً فلا حاجة بك إِلى السلطانِ لِيُرَتِّبَكَ مراتِبَهم ولا غيرِ السلطانِ ، واِن لم تَكُنْ عندَهم بهذهِ المنزلةِ لم تَنَلْها بنا ، فاسْتَقَلَه أَبي

__________________

(١) في هامش «ش» و «م» : جعفر هذا يلقب بالكذاب ويلقب أيضاً بزق الخمر لانهماكه فيها وكان يسعى بأخيه ابي محمد عليه‌السلام الى المتوكل.

٣٢٤

عند ذلك واسْتَضْعَفَه وأَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عنه ، فلم يَأْذَنْ له في الدخولِ عليه حتى ماتَ أَبي. وخَرَجْنا وهو على تلك الحالِ ، والسلطانُ يَطْلُبُ أَثراً لولدِ الحسن بن عليّ إلى اليومِ وهو لا يَجِدُ إِلى ذلك سبيلاً ، وشيعتُه مُقيمونَ على أَنّه ماتَ وخَلّفَ وَلَداً يقومُ مَقامَه في الإمامةِ (١).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد ، عن محمد بن إِسماعيل بن إِبراهيم بن موسى بن جعفر قالَ : كَتَبَ أَبو محمد إِلى أَبي القاسم إِسحاق بن جعفر الزُبيريّ قَبْلَ مَوْتِ المُعْتَزّ بنحوٍ من عشرين يوماً : «إِلزَمْ بَيْتَك حتى يَحْدُثَ الحادثُ لما فلمّا قُتِلَ تُرُنجة (٢) كَتَبَ إِليه : قد حَدَثَ الحادِثُ ، فما تَأْمُرُني؟ فكَتَبَ إِليه : «ليس هذا الحادثُ ، الحادثُ الأخَر» فكانَ من المعتزّ ما كان.

قالَ : وكَتَبَ إِلى رجلٍ آخَرَ : «بقتلِ [ ابن ] (٣) محمد بن داود» قَبْلَ قَتْلِه بعشرة أيّامٍ ، فلمّا كانَ في اليومِ العاشِر قُتِلَ (٤).

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٢١ / ١ ، اعلام الورى : ٣٥٧ ، وذكره باختلاف يسير الصدوق في إكمال الدين : ٤٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٣٢٩ / ٢.

(٢) كذا في النسخ ، وفي الكافي ونقل العلامة المجلسي عن الارشاد : بريحة ، والظاهر ان الصحيح : ابن أترجة ، وهو عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي بن أُترجة من ندماء المتوكل والمشهور بالنصب والبغض لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد قتل بيد عيسى بن جعفر وعلي بن زيد الحسنيين بالكوفة قبل موت المعتز بايام. انظر: الكامل لابن الأثير ٧ : ٥٦ ، تاريخ الطبري ٩ : ٣٨٨.

(٣) في النسخ الخطية من الارشاد ونسخة البحار: محمد بن داود ، والظاهر ان الصحيح : ابن محمد ابن داود ـ كما في الكافي ـ وهو عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بـ(ابن أُترجة) المشار اليه في صدر الحديث.

(٤) الكافي ١ : ٤٢٣ / ٢ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤٣٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٧٧ / ٥١.

٣٢٥

أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن (عليّ بن محمد بن إبراهيم ، المعروف بابن الكردي ) (١) ، عن محمد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفرقالَ : ضاقَ بنا الأمرُفقالَ لي أبي : امْضِ بنا حتى نصيرُ إِلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمّد ـ فإِنّه قد وُصِفَ عنه سماحَةٌ ، فقُلْتُ : تَعْرِفُه؟ قالَ : ما أَعْرِفُه ولا رأتيه قطُّ ، قالَ : فقَصَدْناه فقالَ لي أبي وهو في طريقه : ما أحْوَجَنا إلى أنْ يَأْمُرَ لنا بخَمْسِ مائة درهم : مائتَيْ درهم للكِسْوَة ، ومائتيْ درهم للدقيقِ ، ومائةِ درهمٍ للنفقةِ. وقُلْتُ في نفسي : لَيْتَه أمَرَ لي بثلاث مائة درهمٍ : مائة أشتري بها حماراً ، ومائة للنفقةِ ، ومائة للكِسوة ، فأخْرُجَ إِلي الجبلِ (٢).

قالَ : فلمّا وافَيْنا البابَ خَرَجَ إِلينا غلامُه فقالَ : يَدْخُلُ عليٌ بن إبراهيم ومحمد ابنُه ، فلمّا دَخَلْنا عليه وسَلَّمْنا قالَ لأبي : «يا عليّ ، ما خَلَّفَك عنّا إِلى هذا الوقت؟» قالَ : يا سيدي ، اسْتَحْيَيْتُ أنْ ألقاكَ على هذه الحال.

فلمّا خَرَجْنا من عنده جاءنا غلامُه ، فناوَلَ أبي صُرّة وقالَ : هذه خمسمائة درهم : مائتانِ للكِسوةِ ، ومائتانِ للدقيقِ ، ومائة للنفقةِ. وأعْطاني صُرّةً وقالَ : هذه ثلاث مائة درهم : فاجْعَلْ مائة في ثمن حمار ، ومائةً

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي البحار: علي بن ابراهيم المعروف بابن الكردي ، والظاهر ان الصواب ما في الكافي حيث رواه عن علي بن محمد عن محمد بن ابراهيم المعروف بابن الكردي ، فقد يأتي في ذيل الحديث : قال محمّد بن ابراهيم الكردي.

(٢) في «م» وهامش «ش» : الخيل.

الجبل والجبال اسم علم لعراق العجم ، وهي ما بين اصفهان الى زنجان وقزوين وهمدان والدينور وقرميسين (كرمانشاه ) والري وما بين ذلك. «معجم البلدان ٢ : ٩٩».

٣٢٦

للكِسوة ، ومائةً للنفقةِ ، ولا تَخْرُجْ إِلى الجبلِ (١) وصِرْ إِلى سوْراء (٢).

قالَ :فصارَ إِلى سُوْراء. وتَزوَّجَ امْرَاة منها ، فدَخْلُه اليومَ ألفا دينار ، ومع هذا يقولُ بالوقفِ.

قالَ محمّدُ بن ابراهيم الكردي : فقُلْتُ له : وَيحَكَ أتُريدُ أمْراً أبْيَنَ من هذا؟!

قالَ : فقالَ : صَدَقْتَ ، ولكنا على أمرٍ قد جَرَيْنا عليه (٣).

أخْبَرَني أبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ ابن محمد ، عن محمد بن علي بن إِبراهيم قالَ : حَدَّثَني أحمدً بن الحارث القزويني قالَ : كُنْتُ مع أبي بسُرَّمَنْ رأى ، وكانَ أبي يتعاطى البَيْطرة في مربطِ أبي محمّد عليه‌السلام ، قالَ : وكانَ عند المستعين بَغْلٌ لم يُرَمثلُه حُسْناً وكِبَراً ، وكانَ يَمْنَعُ ظَهْرَه واللِجامَ ، وقد كان جَمَعَ عليه الرُوّاضُ فلم يَكُنْ لهم حيلةٌ في ركوبهِ ، قالَ : فقالَ له بعضُ ندمائِه : يا أميرَ المؤمنين ، ألا تَبْعَثُ إِلى الحسن بن الرضا حتى يجيء فإمّا أنْ يَرْكبَه وِامّا أنْ يَقْتُلَه.

قال : فبعَثَ إلى أبي محمّد ومَضى معه أبي.

قالَ : فلمّا دَخَلَ أبومحمّد الدارَ كُنْتُ مع أبي ، فنَظَرَ أبومحمّد إِلى البَغْلِ واقِفاً في صحنِ الدارِ فعَدَلَ إِليه فوَضَعَ يَدَه على كَفَلِه (٤).

__________________

(١) في «ش» و «م» : الخيل ، وما أثبتناه من هامشهما.

(٢) سوراء : موضع بالعراق من أرض بابل ، قريبة من الحلة «معجم البلدان ٣ : ٢٧٨ ».

(٣) الكافي ١ : ٤٢٤ / ٣ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤٣٧ بحذف آخره ، وكذلك ثاقب المناقب : ٥٦٩ / ٥١٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٧٨ / ٥٢.

(٤) في هامش «ش» : كتفه.

٣٢٧

قالَ : فنَظَرْتُ إِلى البَغْلِ وقد عَرِقَ حتى سالَ العرَقُ منه.

ثم صارَ إِلى المستعين فسَلَّمَ عليه ، فرَحَّبَ به وقَرَّبَ وقالَ : يا أبا محمد ، ألجْمْ هذا البَغْلَ. فقالَ أبومحمد لأبي : «ألجمه يا غلام » فقالَ له المستعينُ : ألْجمْه أنْتَ ، فوَضَعَ أبو محمد طَيْلَسانَه ثم قامَ فألْجَمَه ، ثم رَجَعَ إِلى مَجلَسِهِ وجَلَسَ ، فقالَ له : يا أبا محمد ، أسرجْهُ ، فقالَ لأبي : «يا غلامُ أسرجْهُ» فقالَ له المستعينُ : أسْرِجْهُ أنت ، فقامَ ثانيةً فأسْرَجَهَ ورَجَعَ ، فقالَ له : ترى أنْ تَرْكبَه؟ فقالَ أبو محمد: «نعَمْ » فرَكِبَه من غَيْر أنْ يَمْتَنِعَ عليه ، ثم رَكَضَه في الدارِ ، ثم حَمَلَه على الهَمْلجَة (١) فمَشى أحْسَنَ مشي يَكُونُ ، ثم رَجَعَ فنزل. فقالَ له المستعينُ : يا أبا محمد ، كيفَ رأيته؟ قالَ : «ما رَأيت مِثْلَه حُسْناً وفراهةً» فقالَ له المستعينُ : فإِنَّ أميرَالمؤمنينَ قد حمَلَكَ عليه ، فقالَ أبو محمد لأبي : «يا غلامُ خُذْه فأخَذه أبي فقادَه (٢).

ورَوى (أبو عليّ بن راشد ) (٣) ، عن أبي هاشم الجعفري قالَ : شَكَوْتُ إِلى أبي محمد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام الحاجةَ ، فحكَّ

__________________

(١) الهَمْلَجَة : مشي شبيه الهرولة. «مجمع البحرين ـ هملج ـ ٢ : ٣٣٧».

(٢) الكافي ١ : ٤٢٤ / ٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٣٢ / ١١ ، ثاقب المناقب : ٥٧٩ / ٥٢٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٦٦.

قال العلامة المجلسي رحمه‌الله في مرآة العقول ٦ : ١٥١ تعليقاً على هذا الحديث : يشكل هذا بأن الظاهر ان هذه الواقعة كانت في أيام امامة أبي محمد بعد وفاة أبيه عليهما‌السلام وهما كانتا في جمادى الأخرة سنة ٢٥٤ كما ذكره الكليني وغيره ، فكيف يمكن ان تكون هذه في زمان المستعين.

فلابد اما من تصحيف المعتز بالمستعين ، وهما متقاربان صورة ، أو تصحيف أبي الحسن بالحسن ، والاول اظهر للتصريح بابي محمد في مواضع ، وكون ذلك قبل امامته عليه‌السلام في حياة والده وان كان ممكناً ، لكنه بعيد.

(٣) كذا في «ش» و «م» والبحار ، وفي «ح » : علي بن راشد ، ورواه في الكافي عن علي عن أبي أحمد ابن راشد.

٣٢٨

بسَوْطِهِ الأرْضَ فأخَرَجَ منها سبيكة فيها نحو الخمس مائة دينارٍ ، فقالَ : «خُذْها يا أبا هاشم وأعْذِرْنا» (١).

أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن أبي عبدالله بن صالح ، عن أبيه ، عن أبي عليّ (المطهّري ) (٢) : أنّه كَتَبَ إِليه من القادِسيّةِ يُعْلِمُه انْصِرافَ الناسِ عن المضيُّ إِلى الحجِّ ، وأنه يَخافُ العَطَشَ إِنْ مَضى ، فكَتَبَ عليه‌السلام : «اِمضوا فلا خَوْفَ عليكم إنْ شاءَ اللهُّ » فمَضى مَنْ بَقِيَ سالمينَ ولم يِجِدُواعطَشَاً (٣).

أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن عليّ بن الحسن بن الفضل اليماني قالَ : نَزلَ بالجعفري من آل جعفر خَلْقٌ كثيرُ لا قِبَلَ له بهم ، فكَتَبَ إِلى أبي محمد عليه‌السلام يَشْكُو ذلك ، فكَتَبَ إِليه : «تَكْفُونَهم إِنْ شاءَ الله ». قالَ : فخَرجً إِليهم في نفرِ يسيرٍ ـ والقومُ يزيدونَ على عشرين ألف نفسٍ ، وهو في أقلِّ من أَلفٍ ـ فاسْتَباحَهُمْ (٤).

وبهذا الإسنادِ ، عن محمد بن إِسماعيل العلوي قالَ : حُبسَ أبومحمد عليه‌السلام عند (عليِّ بن اوتامِش ) (٥) ـ وكانَ شديدَ العَدَاوةِ في لآل محمّد

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٢٥ / ٥ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٣١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٧٩ / ٥٣.

(٢) في الكافي : المطهّر.

(٣) الكافي ١ : ٤٢٥ / ٦ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤٣١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٧٩ / ٥٤.

(٤) الكافي ١ : ٤٢٥ / ٧ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤٣١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٨٠ / ٥٥.

(٥) في الكافي : علي بن نارمش (نارش خ. ل) ، وفي اعلام الورى : علي بن اوتاش.

٣٢٩

عليه وعليهم السلامُ غليظاً على الِ أبي طالبٍ ـ وقيلَ له : اِفعَلْ به وافعَلْ. قالَ : فما أقامَ إلاّ يَوْماً حتى وَضَعَ خَدَّيه له ، وكانَ لا يَرْفَعُ بَصَرَه إليه إجْلالاً له وإعْظاماً ، وخَرَجَ من عنده وهو أحسَنُ الناسِ بصيرةً وأحْسَنهم قولاً فيه (١).

ورَوى إسحاقُ بن محمد النخعي قالَ : حَدَّثَني أبو هاشمِ الجعفري قالَ : شَكَوْتُ إلى أبي محمّد عليه‌السلام ضيْقَ الحَبْس وكَلَبَ القَيْدِ ، فكَتَبَ إليَّ : «أنتَ مُصَلّي اليومَ الظهرَ في منزلك » فأخرِجْتُ وَقْتَ الظهرِ فصَلَيْتُ في مَنْزلي كما قالَ. وكُنْتُ مُضِيقاً فأرَدْتُ أنْ أطْلُبَ منه معونةً في الكتاب الذي كَتَبْتُه فاسْتَحْيَيْتُ ، فلمّا صِرْتُ إلى مَنْزِلي وَجهَ لي بمائة دينارٍ وكَتَب إلَيَّ : «إذا كانَتْ لك حاجةٌ فلا تَسْتَحي ولا تَحْتَشمْ ، واطْلُبْها تَأتِك على ما تُحِبُّ إن شاءَ الله » (٢).

وبهذا الإسنادِ ، عن أَحمدَ بن محمد الأقرع قالَ : حَدَّثَني (أَبو حمزة نصير الخادم ) (٣) قالَ : سَمِعْتً أَبا محمد عليه‌السلام غَيْرَ مَرّةٍ يُكلّمُ

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٢٥ / ٨ ، اعلام الورى ٣٥٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٣٠٧ / ٤.

(٢) الكافي ١ : ٤٦٢ / ١٠ ، اعلام الورى : ٣٥٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٣٥ / ١٣ ، وذكر صدره ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ٤٣٢ ، وذيله في ٤ : ٤٣٩ ، وذكرقطعاً منه المسعودي في اثبات الوصية : ٢١١ ، وعماد الدين الطوسي في ثاقب المناقب ٢٧٦ / ٥٢٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٦٧ / ٢٧.

(٣) كذا في النسخ ، ونسخ الكافي هنا مختلفة بين نصر ونصير ، رقد ورد في الفقيه ٢ : ١٨٤ / ٨٢٧ ، وفي نسخه اختلاف أيضاً ، وهو من شهود وصية أبي جعفر الثاني عليه‌السلام الى ابنه علي عليه‌السلام ، وكتب شهادته بيده (الكافي ١ : ٢٦١ / ٣ والموجود هنا نصر لا غير) وفي الغيبة للشيخ؟ ٢٤٥ / ٢١٣ : روى محمد بن علي الشلمغاني في كتاب الاوصياء قال :حدثني حمزة بن نصر غلام أبي الحسن عليه‌السلام عن أبيه قال : لمّا ولد السيد عليه‌السلام تباشر أهل الدار

٣٣٠

غِلْمانَه بلُغاتِهم ، وفيهم تُرْكٌ ورومٌ وصَقالبة ، فتَعجبْتُ من ذلك وقُلْتُ : هذا وُلدَ بالمدينة ، ولم يَظْهَرْ لأحَدٍ حتى مَض أَبو الحسن عليه‌السلام ولا رَآه أَحَدٌ ، فكيفَ هذا؟! أُحدِّثُ نَفْسي بذلك ، فاَقَبَلَ عليٌ فقالَ : «إن اللهَ جَلَّ ذِكْرُه أَبانَ حجٌتَه من سائرِ خَلْقِه ، وأَعْطاه مَعْرِفَةَ كُلِّ شيءٍ ، فهو يَعْرفُ اللغات والأسباب والحوادثَ ، ولولا ذلك لم يكُنْ بين الحجّةِ والمحجوجَ فرقُ » (١).

وبهذا الإسنادِ قالَ : حَدَّثَني الحسنُ بن طريف قالَ : اخْتَلَجَ في صَدْري مسألتان أَرَدْتُ الكتابَ بهما إلى أَبي محمد عليه‌السلام ، فكَتَبْتُ أَسْأَلهُ عن القائمِ إذا قامَ بمَ يَقْضي ، وأَيْنَ مَجْلِسُه الذي يَقْضي فيه بين الناس؟ وأَرَدْت (أَنْ أَسْألَه ) (٢) عن شيءٍ لحُمّى الرِبع فاَغْفَلْتُ ذِكرَ الحمّى ، فجاءَ الجوابُ : «سَأَلْتَ عن القائمِ ، واذا قامَ قَضى بين الناسِ بعِلمِه كقَضاءِ داود لا يَسْأل البَيِّنةَ ، وكُنْتَ أَرَدْتَ أنْ تَسْألَ عن حُمّى الربع فاُنسيتَ ، فاكتُبْ في َورَقةٍ وعَلِّقْه على المحموم : ( يَا نَارُكُوني بَرْدَاً وسلاماً على اِبْراهِيم ) (٣) » فكَتَبْتُ ذلك وعَلَّقْتهُ على المحَمومِ (٤) فاَفَاقَ وبرىء (٥).

__________________

بذلك الخبر ، والظاهر ان نصر والد حمزة في هذا السند هو أبو حمزة نصر الخادم الذي نبحث عنه ، فحينئذٍ الاظهر صحة نصر وكون نصيرتصحيفاً.

(١) الكافي ١ : ٤٢٦ / ١١ ، اعلام الورى : ٣٥٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٣٦ / ١٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٦٨ / ٢٨ ، وذكره مختصراً المسعودي في اثبات الوصية : ٢١٤ ، وابن شهرآشوب ني المناقب ٤ : ٤٢٨.

(٢) في «م» وهامش «ش» : ان اكتب اليه اسأله.

(٣) الانبياء ٢١ : ٦٩.

(٤) في «م» :محموم لنا.

(٥) الكافي ١ : ٤٢٦ / ١٣ ، دعوات الراوندي : ٢٠٩ / ٥٦٧ ، اعلام الورى : ٣٥٧ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٣١ / ١٠ ، ومختصراً في مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤٣١ ، ونقله العلامة المجلسي

٣٣١

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ ابن محمد ، عن إسحاق بن محمد النخعي قالَ : حَدَّثَني إسماعيلُ بن محمد ابن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبدالله بن العباس قالَ : قَعَدْتُ لأبي محمّد عليه‌السلام على ظَهْرِ الطريقِ ، فلمّا مَرَّ بي شَكَوْتُ إليه الحاجَةَ ، وحَلفْتُ أَنّه ليس عندي درهمٌ فما فوقَه ولا غداءَ ولا عَشاءَ ، قالَ ، فقالَ : «تَحْلِفُ بالله كاذباً! وقد دَفَنتَ مائتي دينارٍ ، وليس قَوْلي هذا دفعاً لك عن العطّيةِ ، أَعْطِه يا غلامُ ما معك » فأَعْطاني غلامُه مائةَ دينارٍ ، ثمّ أقْبَلَ عليّ فقالَ لي : «إنَّكَ تحْرَمُ الدنانيرَ التي دَفَنْتَها أحْوَجَ ما تَكُونُ إليها» وصَدَقَ عليه‌السلام ، وذلك أَنَّني أَنْفَقْتُ ما وَصَلَني به واضْطررْتُ ضرورةً شديدةً إلى شيءٍ أُنْفقُه ، وآنغَلَقَتْ عَلَيَّ أَبْوابُ الرِزْقِ ، فنَبَشْتُ عن الدنانيرِالتي كُنْتُ دَفَنْتُها فلم أجِدْها ، فَنَظَرْتُ فإذا (ابنُ عمٍّ لي ) (١) قد عَرَفَ مَوْضِعها فأخَذَها وهَرَبَ ، فما قَدَرْتُ منها على شيءٍ (٢).

وبهذا الإسنادِ ، عن إسحاقِ بن محمد النخعي قالَ : حَدَّثَنا عليُّ بن زيد بن عليّ بن الحسين قالَ : كانَ لي فرسُ وكُنْتُ به مُعْجَباً أُكْثِرُذِكْرَه في المجالسِ ، فدَخَلْتُ على أَبي محمد عليه‌السلام يوماً فقالَ : «ما فَعَلَ فرسُك؟» فقُلْتُ : هو عندي ، وهُو ذا ، هو على بابك ، الآن نَزَلْتُ عنه ، فقالَ لي : «اسْتَبْدِل به قبلَ المساء إِنْ قَدَرْتَ على مُشْتٍر ولا تُؤَخَرْ ذلك »

__________________

في البحار ٥٠ : ٢٦٥.

(١) في «م» وهامش «ش» : ابن لي.

(٢) الكافي ١ : ٤٢٦ / ١٤ ، اعلام الورى : ٣٥٢ ، ثاقب المناقب : ٥٧٨ / ٥٢٧ ، الفصول المهمة : ٢٨٦ ، وذكره مختصراً المسعودي في اثبات الوصية : ٢١٤ ، والراوندي في الخرائح والجرائح ١ : ٤٢٧ / ٦ ، وابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ٤٣٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٨٠ / ٥٦.

٣٣٢

ودَخَلَ علينا داخلٌ فانْقَطَعَ الكلامُ ، فقُمْتُ مُفكِّراً ومَضَيْتُ إِلى مَنْزلي فأخْبَرْتُ أخي فقالَ : ما أدْري ما أقُولُ في هذا ، وشَحَحْتُ به ونَفِسْتُ على الناسِ ببيعهِ ، وأمْسَيْنا فلمّا صَلَّيْتُ العَتَمةَ جاءني السائس فقالَ : يا مولاي ، نَفَقَ فَرَسُك الساعةَ ، فاغْتَمَمْتُ وعَلِمْتُ أنَّه عَنى هذا بذلك القولِ. ثَم دَخَلْتُ على أبي محمد عليه‌السلام بعدَ أيام وأنا أقولُ في نفسي : لَيْتَه أخْلَفَ عليًٌ دابّةً ، فلمّا جَلَسْتُ قالَ قَبْلَ أنْ أُحَدِّثَ (١) بشيء : «نعَمْ نُخْلف عليك ، يا غلامُ أعْطِهِ برذوني الكميت » ثمَّ قالَ : اهذا خَيْرٌ من فرسِك وأوْطَأ وأطْوَلُ عُمراً» (٢).

وبهذا الإسنادِ قالَ : حدَثَني محمدُ بن الحسن بن شمّون قالَ : حدَثَني أحمدُ بن محمد قالَ : كَتَبْتُ إِلى أبي محمد عليه‌السلام حينَ أخَذَ المهتدي في قَتْلِ الموالي (٣) : يا سيدي ، الحمدُ للهِ الذي شَغَلَه عنّا ، فقد بَلَغَني أنّه يَتَهدَدُك ويقولُ : واللهِ لأجلِّيَنَّهم عن جَدَد (٤) الأرضِ. فوَقَّعَ أبومحمد عليه‌السلام بخطٌه (٥) : «ذلك أقْصَرُ لعُمرِه ، عُدَّ من يومِك هذا خمسةَ أيّامٍ ، ويقتَلُ في اليوم السادس بَعْدَ هَوانٍ واستخفافٍ يَمرٌ به » وكانَ كما قالَ عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : اتحدث.

(٢) الكافي ١ : ٤٢٧ / ١٥ ، اعلام الورى : ٣٥٢ ، الخرائج والجرائح : ١ : ٤٣٤ / ١٢ ، ثاقب المناقب : ٥٧٢ / ٥١٦ ، وذكره مختصراً المسعودي في اثبات الوصية : ٢١٥ ، وابن شهرآشوب في مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤٣٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٦٧.

(٣) في هامش «ش» : أي موالي نفسه.

(٤) في «م» وهامش «ش» : جديد. وفي «ش» هامش آخر: جديد الارض أي ظهرها.

(٥) قتل المهتدي يوم الثلاثاء لاربع عشر بقين من رجب سنة ٢٥٦ ، فتوقيع الامام كان في ٨ رجب سنة ٢٥٦.

(٦) الكافي ١ : ٤٢٧ / ١٦ ، اعلام الورى : ٣٥٦ ، ومختصراً في مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤٣٦ ،

٣٣٣

أخْبَرَني أبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد ، عن محمد بن إِسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر(١) قالَ : دَخَلَ العباسيونَ على (صالح بن وصيف ) (٢) عندما حُبسَ أبو محمد عليه‌السلام فقالُوا له : ضَيِّقْ عليه ولا تُوَسِّعْ ، فقالَ لهم صالَح :ما أصْنَعُ به؟! قد وَكلْتُ به رجلين شرَّ مَنْ قَدَرْتُ عليه ، فِقد صارا من العبادة والصلاةِ والصيام إِلى أمْرٍ عَظيمٍ. ثم أمَرَ بإحضارِ الموَكَّلَينِ فقالَ لهما : ويَحْكما ما شأْنكما فيَ أمْرِ هذا الرجلِ؟ فقالا له : ما نقولُ في رجلٍ يَصومُ النهار َويَقُومُ الليلَ كُلَّه ، لا يَتَكلَّمُ ولا يَتَشاغَلُ بغيرِ العبادةِ ، فإذا نَظَرَ الينا ارْتَعَدَتْ (٣) فرائصُنا وداخَلَنا ما لا نَمْلِكُه من أنْفُسِنا. فلمّا سَمِعَ ذلك العباسيون انْصَرَفوا خاسِئين (٤) ، (٥).

أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليٌ بن محمد ، عن جماعةٍ من أصْحابنا قالوا : سلمَ أبو محمد عليه‌السلام إلى نِحْريرٍ (٦) وكانَ يُضَيِّقُ عليه ويُؤْذيه ، فقالَتْ له امْرَاته : اتقِ اللهَ ، فإنَك لا تَدْري مَنْ في مَنْزِلك ، وذَكَرَتْ له صَلاحَه وعبادَته ، وقالَتْ : إِنّي أخافُ عليك منه ، فقالَ : واللهِ لأرْمِيَنَّه بين السباعِ. ثم اسْتأْذَنَ في ذلك فاُذِنَ له ، فرَمى به إليها ، ولم

__________________

ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٣٠٨ / ٥.

(١) كذا في النسخ والبحار ، وفي الكافي زيادة : عن علي بن عبد الغفار هنا.

(٢) صالح بن وصيف رئيس الامراء في خلافة المهتدي قتل سنة ٢٥٦. «دول الاسلام : ١٤١ ».

(٣) في «م» و «ح» وهامش «ش» : اُرْعِدَت.

(٤) في هامش «ش» : خائبين.

(٥) الكافي ١ : ٤٢٩ / ٢٣ ، باختلاف يسير ، اعلام الورى : ٣٦٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٣٠٨ / ٦.

(٦) هو نحرير الخادم من خواص خدم بني العباس.

٣٣٤

يَشُكُّوا في أكْلِها له ، فَنظَروُا إلى الموضعِ ليَعْرِفوا الحالَ ، فوَجَدُوه عليه‌السلام قائماً يُصَلِّي وهي حَوْلَه ، فاُمِرَ بإخْراجِه إلى دارِه (١).

والرواياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ ، وفيما أثْبَتْناه منها كفايةٌ فيما نَحَوْناه إِنْ شاءَ اللهُ تعالى.

* * *

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٣٠ / ٢٦ ، باختلاف يسير ، اعلام الورى : ٣٦٠ ، ثاقب المناقب : ٥٨٠ / ٥٣٠ ، ومختصراً في المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٣٠ ، وفيه : انه سلم الى يحيى بن قتيبة ، عوض «نحرير». ونقله العلامة المجلسي فى البحار ٥٠ : ٣٠٩ / ٧.

٣٣٥

فصل

ذكْرِ وفاةِ أبي محمدٍ الحسن بن عليٍّ
عليهما السلامُ ومَوْضِعِ قَبْرِه وذِكْر ولدِهِ

ومَرِضَ أبو محمد عليه‌السلام في أول شهر ربيع الأول سنةَ ستين ومائتين ، وماتَ في يوم الجمعة لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من هذا الشهر في السنةِ المذكورةِ ، وله يَوْمَ وفاته ثمانٌ وعشروَنَ سنة ، ودُفِنَ في البيت الذي فيه أبوه من دارِهما بسُرَّ مَنْ رأى.

وخَلَّفَ ابْنَه المنتَظَرَ لدولةِ الحقِّ. وكانَ قد أخْفى مَوْلدَه وسَتَرَأمْرَه ، لصُعوبة الوَقْتِ ، وشِدَّةِ طَلَب سُلْطانِ الزمانِ له ، واجْتهادِه في البَحْثِ عن أمْرِه ، ولمِا شاعَ مِنْ مَذْهَب الشيعةِ الإمامية فيه ، وعُرِفَ من انتظارِهم له ، فلم يُظْهِرْ وَلَدَه عليه‌السلام في حياتِه ، ولا عَرَفَه الجُمْهورُ بعد وَفاتِه.

وتولىّ جعفرُ بن عليّ أخو أبي محمد عليه‌السلام أخْذَ تَركَتِه ، وسَعى في حَبْسِ جواري أبي محمد عليه‌السلام واعْتقالِ حلائِلهِ ، وشنٌعَ على أصحابه بانْتِظارِهم وَلَدَه وقَطْعِهِمْ بوجودِه والقولِ بإِمامتِه ، وأغْرى بالقوم حتى أخافَهم وشرّدَهم ، وجَرى على مخلَّفي أبي محمد عليه‌السلام بسببَ ذلك كُلّ عظيمةٍ ، من اعتقالٍ وحَبْسٍ وتَهْديدٍ وتَصْغيرٍ واسْتِخْفافٍ وذُلٍّ ، ولم يَظْفَرِ السلطانُ منهم بطائلٍ.

وحازَ جعفرُ ظاهِرَ تَركةِ أبي محمد عليه‌السلام وَاجْتَهَدَ في القيام عند الشيعةِ مَقامَه ، فلم يَقْبَلْ أحدٌ منهم ذلك ولا اعْتَقَدَه فيه ، فصارَ إِلى

٣٣٦

سُلطانِ الوقْتِ يَلْتَمِسُ مَرْتَبَةَ أخيه ، وبَذَلَ مالاً جليلاً ، وتقّرب بكل ما ظَنَ أنّه يتقرب به فلم يَنْتَفِعْ بشيءٍ من ذلك.

ولجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى ، رأيتُ الإعْراضَ (١) عن ذكرِها لأسبابَ لا يَحْتَمِل الكتابُ شَرْحَها ، وهي مشهورةٌ عند الإماميَّةِ ومَنْ عرَفَ أخْبارَ الناسِ من العامة ، وبالله اسْتَعينُ.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : الإضراب.

٣٣٧
٣٣٨

باب

ذِكْرِ الإِمام القائمِ بعد أبي محمد عليه

السلام وتاريخِ مَوْلدِه ، ودلائلِ إِمامتِه ، وذِكْرِ طَرَفٍ

من اخْبارِه وغَيْبتِه ، وسيرتِه عند قيامِه ومُدَّةِ دولتِه

وكانَ الإمامُ بعد أبي محمد عليه‌السلام ابْنَه المسمّى باسمِ رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المكنَى بكُنْيته ، ولم يُخَلِّفْ أبوه ولَداً غَيْرَه ظاهراً ولا باطناً ، وخلفَه غائباً مُسْتَترا ً(١) على ما قَدَّمنا ذِكْرَه.

وكانَ مولده عليه‌السلام ليلةَ النصفِ من شعبان ، سنةَ خمسٍ وخمسين ومائتين.

وأُمُّه أُمُّ ولدٍ يُقال لها : نَرْجِس.

وكانَ سِنُّه عِنْدَ وفاةِ أبي محمد (٢) خمسَ سنين ، آتاه الله فيها الحِكْمةَ وفَصْلَ الخطاب ، وجَعَلَه آيةً للعالمين ، وآتاه الحكمةَ كما آتاها يحيى صبيّاً ، وجَعَله إِمامَاً في حال الطُفوليّةِ الظاهرةِ كما جَعَلَ عيسى بن مريم عليه‌السلام في المَهْدِ نَبياً.

وقد سَبَقَ النصُّ عليه في ملّةِ الإسلام من نبيّ الهُدى عليه‌السلام ثمَّ مِنْ أميرِ المؤمنينَ عليِّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، ونَصٌَ عليه الأئمةُ عليهم‌السلام واحداً بعد واحدٍ إِلى أبيه الحسن عليه

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : مستوراً.

(٢) في « م » وهامش « ش » : أبيه.

٣٣٩

السلامُ ، ونَصٌَ أبوه عليه عِنْدَ ثِقاتِه وخاصّةِ شيعتِه.

وكانَ الخبرُ بغَيبتِه ثابتاً قبل وُجوده ، وبدَوْلتِه مُستفيضاً قَبْل غَيْبتِه ، وهو صاحبُ السيفِ من أئمَّةِ الهُدى عليهم‌السلام ، والقائُم بالحقِّ ، المُنتَظَرُ لدولةِ الإيمانِ ، وله قَبْلَ قيامِه غَيْبَتان ، إِحْداهما اطْوَلُ من الأخْرى ، كما جاءَتْ بذلك الأخْبارُ ، فأمّا القصرى منهما فمُنذ وَقْتِ مَوْلدِه إلى انقطاعِ السَفارةِ بَيْنَه وبينَ شيعتِه وعَدَم السفراءِ بالوفاةِ. وأما الطُولى فهي بَعْدَ الأولى وفي آخرها يَقُومُ بالسَيْفِ.

قالَ الله تعالى : ( وَنُريدُ أنْ نَمُن عَلَى الذين استُضعِفوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَرْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهمُا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (١) وقالَ جلّ ذِكْرُه : وَلَقَدْ كَتَبْنَا في ألزٌبورِ مِنْ بَعْدِ ألذِّكْر أنَ الأرْضَ يَرثُها عِبَادِيَ ألصالِحُونَ ) (٢).

وقالَ رَسولُ ِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لَنْ تَنْقَضِيَ الأيام والليالي حتى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلاً من أهل بيتي ، يُواطِن اسْمُه اسْمي ، يَمْلَؤُها عدلاً وقسطاً كما مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً ) (٣).

وقالَ عليه‌السلام : «لولَمْ يَبْقَ من الدنيا إِلّا يوم واحد لَطَوٌَلَ اللهً ذلك اليومَ حتّى يَبْعَثَ الله فيه رَجلاً من ولدي ، يُواطىءِ اسْمُه اسْمي ، يَمْلَؤُها

__________________

(١) القصص ٢٨ : ٥ ـ ٦.

(٢) الأنبياء ٢١ : ١٠٥.

(٣) وردت قطعة منه في مسند أحمد ١ : ٣٧٦ ، وتاريخ بغداد ٤ : ٣٨٨ ، ونقله ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٩١.

٣٤٠