الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

باب

ذِكْرِ طَرَفٍ من دلائلِ أبي الحسن عليِّ بن

محمد عليهما السلامُ وأخبارِه وبراهينهِ وبيّناتِه

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن خَيران الأسباطي ، قالَ : قَدِمْتُ على أَبي الحسن عليَ بن محمّد عليهما‌السلام المدينةَ فقالَ لي : «ما خَبَرُ الواثق عندك؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فداك خَلفْتُه في عافيةٍ ، أَنا مِنْ أقْرَب الناس عهداً به ، عَهْدي به مُنْذُ عشرةِ أَيّام. قالَ : فقالَ لي : «إنَ أَهلَ المدَينة يَقولونَ : إِنه ماتَ » فقُلْتُ : أَنا أقْرَبُ الناسِ به عَهْداً. قالَ : فقالَ لي : «إِنَ الناسَ يَقولون :إِنّه ماتَ» فلمّا قالَ لي : إِنَّ الناسَ يَقُولونَ ، عَلِمْتُ أَنَّه يَعْني نَفْسَه.

ثم قالَ لي : «ما فَعَلَ جعفر؟» قُلْتُ تَرَكْتُه أسْوأ الناسِ حالاً في السجنِ ، قالَ : فقالَ : (أَما إِنه صاحبُ الأمْرِ ، ما فَعَلَ ابنُ الزيّات؟» قُلْتُ : الناسُ معه والأمْرُ أَمْرُه ، فقالَ : «أَما إِنَّه شُؤْمٌ عليه ».

قالَ : ثمَّ سَكَتَ وقالَ لي : «لا بُدّ أَنْ تَجْرِيَ مقاديرُ اللهِ وأَحكامُه ، يا خَيرانُ ماتَ الواثقُ ، وقد قَعَدَ المتوكلُ جعفرُ ، وقد قُتِلَ ابنُ الزيّات» قُلْتُ : متى جُعِلْتُ فداك؟ قالَ : «بَعْدَ خُروجِكَ بستّةِ أَيّامٍ » (١).

__________________

(١) الكافي ١ : ٤١٦ / ١ ، اعلام الورى : ٣٤١ ، ونقله باختلاف يسير ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ٤١٠ ، والراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ٤٠٧ / ١٣ ، وابن الصباغ في الفصول المهمة :

٣٠١

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن (عليّ بن محمد ، عن إِبراهيم بن محمد الطاهري ) (١) قالَ : مَرِضَ المتوكّلُ من خراج (٢) خَرَجَ به فأَشْرَفَ منه على الموت ، فلم يَجْسُرْ أَحدٌ أَن يَمَسَّه بحديدةٍ ، فنَذَرَتْ أُمّه إِن عُوفيَ أَنْ تَحمِلَ إِلى أَبي الحسن عليّ بنِ محمّد مالاً جليلاً من مالها.

وقالَ له الفتحُ بن خاقان : لَوْ بَعَثْتَ إِلى هذا الرجلِ ـ يَعْني أَبا الحسن ـ فسأَلته فإنَّه ربّما كانَ عِنْدَه صفةُ شيءٍ يُفرج اللهُ به عنك. فقالَ : ابْعَثُوا إليه. فمَضىَ الرسولُ ورَجَعَ فقالَ : خُذُوا كُسْبَ (٣) الغَنَم فديفُوه بماء وَرْدٍ ، وضُعوه على الخُراجِ ، فإنَّه نافعٌ بإذن الله. فجَعَلَ مَنْ بحَضْرة المتوكّل يَهزَأ من قوله ، فقالَ لهم الفتحُ : وما يضُر من تَجْرِبة ما قال ، فواللهِ إنّي لأرْجُو الصلاحَ به ، فاُحْضِرَ الكُسْبُ وديفَ بماءِ الوَرْدِ ووُضِعَ على الخراجِ ، فانْفَتَحَ وخرَجَ ما كان فيه.

__________________

٢٧٩ ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ١٥٨ / ٤٨.

(١) كذا نقل العلامة المجلسي في البحار عن نسخة الارشاد ، وهو الموجود في الكافي الذي هو مصدر الحديث ، والنسخ هنا مشوشة ، فقد ورد في «ش» و «م» : علي بن ابراهيم بن محمد ، وفي «ح » : علي بن ابراهيم عن ابراهيم بن محمد ، والظاهر صحة ما أثبتناه فقد يأتي في متن الحديث : قال ابراهيم بن محمد.

ثم ان عمدة الاختلاف في النسخ في لقب ابراهيم بن محمد ، ففي «ش» : الطاهي وكتب في ذيله : هكذا ، وفي هامش «ش» : الطائفي ع صح ، وأيضاً في هامش «ش» نسخة اخرى : الطاهري وجعل فوقه علامة التصحيح وكتب تحته : لا غير ، وفي «م» : الطائفي وفوقه علامة التصحيح وجعل (الطاهري ) في هامشه نسخة ، وفي «ح » غير واضحة مردّدة بين الطاهي والطائفي.

(٢) الخُراج : ما يخرج في البدن من القروح. «الصحاح ـ خرج ـ ١ : ٣٠٩».

(٣) في هامش «ش» و «م» : يعني الكُسْبَ الذي يُعلِفه الغنم.

٣٠٢

فبُشرِّتْ أُمّ المتوكّل بعافيتهِ فحَمَلَتْ إِلى أَبي الحسن عليه‌السلام عشرةَ آلاف دينار تحتَ خَتْمها ، واسْتَقَلَّ المتوكّلُ من عِلّتهِ.

فلمّا كانَ بعدَ أَيام سَعى البَطْحاني بابي الحسن عليه‌السلام إِلى المتوكلِ وقالَ : عندَه سِلاحٌ وأمْوالٌ ، فتَقَدَّمَ المتوكّلُ إِلى سعيد الحاجب أَنْ يَهْجُمَ ليلاً عليه ، وياْخُذَ ما يَجِدُ عِنْدَه من الأمْوالِ والسِلاحِ ويحْمِلَه إِليه.

قالَ إِبراهيمُ بن محمّد : فقالَ لي سعيدُ الحاجب : صِرْتُ إِلى دارِ أَبي الحسن عليه‌السلام بالليل ، ومَعي سُلَّمٌ فصَعِدْتُ منه إِلى السَطْحِ ، ونَزَلْتُ من الدَرَجةِ إلى بَعْضِها في الظلمة ، فلم أَدْرِ كَيْفَ أَصِلُ إلى الدارِ ، فناداني أَبو الحسن عليه‌السلام من الدارِ: «يا سعيدُ ، مكانَك حتى يَاْتُوكَ بشَمْعةٍ» فلَمْ أَلْبثْ أَنْ أَتَوْني بشَمْعَةٍ ، فَنزَلْتُ فوَجَدْتُ عليه جُبَّة صُوفٍ وقَلَنسُوَة منها وسَجّادَتُه على حصير بين يديه وهو مُقْبِلٌ على القِبْلَة. فقالَ لي : «دونَك البيوتَ» فدَخَلْتُها وفَتّشْتًها فلم أَجِدْ فيها شيئاً ، ووَجَدْتُ البَدْرَة مختومةً بخاتَم أُمِّ المتوكل وكِيْساً مَخْتوماً معها ، فقالَ لي أَبو الحسن عليه‌السلام : «دونكَ المصلّى» فرَفَعْتُه فوَجَدْتُ سَيْفاً في جَفْنٍ مَلْبوسٍ.

فاَخَذْتُ ذلك وصِرْتُ إليه ، فلمّا نَظَرَ إِلى خاتَمِ أُمِّهِ على البَدْرَة بَعَثَ إِليها فَخرَجَتْ إِليه ، فسَألَها عن البَدْرَة. فاَخْبَرَني بعضُ خَدَم الخاصّة أَنّها قالَتْ : كُنْتُ نَذَرْتُ في عِلَّتِك إنْ عُوفيتَ أَن أحملَ إِليه من مالي عشرةَ آلاف دينار ، فحَمَلْتُها إليه ، وهذا خاتَمُك (١) على الكِيس ما حَركَه ، وفَتَحَ الكيسَ

__________________

(١) هكذا في النسخ الخطية ونقل العلامة المجلسي عنه ، والظاهر ان الصحيح : خاتمي ، كما في الكافي واعلام الورى.

٣٠٣

الآخَرَ فإِذا فيه أَربعُمائة دينارٍ ، فأمَرَ أَنْ يُضَم إِلى البَدْرَة بَدْرةٌ أُخْرى ، وقالَ لي : اِحْملْ ذلك إِلى أَبي الحسن ، واردُدْ عليه السيفَ والكيسَ بما فيه.

فحَمَلْتُ ذلك إليه واسْتَحْيَيْتُ منه ، فقُلْتُ له : يا سيدي ، عزَّ عليّ بدخولِ دارِك بغير إذْنِك ولكنّي مَأْمورٌ ، فقالَ لي : ( سَيَعْلمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أيّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) » (٢).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن المعلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن عليّ بن محمد النوفلي قالَ : قالَ لي محمدُ بن الفرج الرُخَّجي : إِنَّ ابا الحسن عليه‌السلام كَتَبَ إِليه : «يا محمد ، أَجمِعْ أَمْرَكَ وخُذْ حِذْرَكَ ».

قالَ : فأَنا في جَمْعِ أَمْري لَسْتُ أَدْري ما المرادُ (٣) بما كَتَبَ به إِلَيَّ ، حتى وَرَدَ عَلَيَّ رسولُ حَمَلَني من مصرمُصَفداً بالحديد ، وضَرَبَ على كُلِّ ما أمْلِكُ ، فمَكَثْتُ في السجنِ ثمانيَ سنين ثم وَرَد عَلَيَّ كتابي منه وأَنا ني السجنِ : «يا محمَدَ بن الفَرَج ، لا تَنْزِلْ في ناحية الجانب الغَربيّ » فقَرَأْتُ الكتابَ وقُلْتُ في نفسي : يَكْتُبُ أَبو الحسن إِليٌَ بهذا وأَنا في السجنِ! إِنَ هذا لعَجَبٌ. فما مَكَثْتُ إلا أَيّاماً يَسيرةً حتى أُفْرِجَ عنّي وحُلتْ قُيودي وخلّيَ سبيلي.

__________________

(١) الشعراء ٢٦ : ٢٢٧.

(٢) الكافي ١ : ٤١٧ / ٤ ، اعلام الورى : ٣٤٤ ، دعوات الراوندي : ٢٠٢ / ٥٥٥ ، الخرائج والجرائح ١ : ٦٧٦ / ٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ١٩٨ / ١٠ ، وذكره باختلاف يسير ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٨١ ، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ٤١٥.

(٣) في «م» وهامش «ش» : ما الذي أراد.

٣٠٤

قالَ : فكَتَبْتُ إِليه بعد خُروجي أَسْأَلُه أَنْ يَسْأَلَ اللّهَ أَنْ يَردّ علي ضِياعي ، فكَتَبَ إِلَيَّ : «سوف تُرَد عليك ، وما يَضُرُّك أَلّا تُرَدّ عليك ».

قالَ عليُّ بن محمّد النوفلي : فلمّا شَخَصَ محمّدُ بن الفرج الرُخَّجِي الى العَسْكَر ، كُتِبَ له بردِّ ضياعِه ، فلم يَصِلِ الكتابُ حتى ماتَ (١).

قالَ : عليُّ بن محمد النَوْفَليّ : وكَتَبَ عليُّ بن الخصيب (٢) إِلى محمّد بن الفَرَج بالخروجِ إِلى العَسْكَرِ ، فكَتَبَ إِلى أَبي الحسن عليه‌السلام يُشاوِرُه ، فكَتَبَ إِليه أَبو الحسن عليه‌السلام : «أُخْرُجْ فإِنَّ فيه فَرَجَك إِن شاءَ اللهُ » فخرَجَ فلَمْ يَلْبثْ إلّا يسيراً حتى ماتَ (٣).

ورَوى (أحمدُ بن عيسى ) (٤) قالَ : أَخْبَرَني (أَبويعقوب ) (٥) قالَ : رَأَيْتُ

__________________

(١) الكافي ١ : ٤١٨ / ٥ ، اعلام الورى : ٣٤١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ١٤١ ، وذكره بحذف آخره المسعودي في اثبات الوصية : ١٩٦ ، والقطب الراوندي في الخرائج والجرائح ٢ : ٦٧٩ / ٩ ، وابن شهرآشوب في مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤١٤.

(٢) كذا في النسخ وفي ما نقله الطبرسي في اعلام الورى عن الكافي ، وقد جعله العلامة المجلسي في البحار عن الارشاد : نسخة ، وفي مطبوعة الكافي : أحمد بن الخضيب وفي بعض نسخه المعتبرة: أحمد بن الخصيب ، وهو الوارد في متن البحار ، والظاهر صحته. فقد ذكره في اصحاب الامام الهادي عليه‌السلام الشيخ في رجاله : ٤٠٩ / ٥ ، والبرقي : ٦٠ وفيه وفي بعض نسخ رجال الشيخ : الخضيب ، ثم انّه يأتي ذكرأحمد بن الخصيب في بعض الأحاديث الآتية ، وهو الوزير أبو العباس وزير المنتصر وبعده للمستعين ، ثم نفاه المستعين الى المغرب ، وتوفي سنة ٢٦٥ ، انظر ترجمته في سير اعلام النبلاء ١٢ : ٥٥٣ / ٢١١ ومصادره.

(٣) الكافي ١ : ٤١٨ / ذيل الحديث ٥ ، اعلام الورى : ٣٤٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار٥٠ : ١٤١.

(٤) كذا في النسخ ، لكن ذكرالخبر وما بعده الطبرسي في اعلام الورى عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، وكذلك حكاه العلامة المجلسي في البحار عنه وعن الارشاد ، وسند الكافي للخبرين : الحسين بن محمد عن رجل عن أحمد بن محمد قال أخبرني أبو يعقوب.

(٥) نقل في هامش «ش» عن نسخة : ابن يعقوب.

٣٠٥

محمّدَ بن الفَرَج قَبْلَ مَوْته بالعَسْكرِ في عَشِيَّةٍ من العشايا ، وقد اسْتَقْبَلَ أَبا الحسن عليه‌السلام فنَظَرَ إِليه نظراً شافياً ، فاعْتَلَّ محمّدُ بن الفَرَج من الغدِ ، فدَخَلْتُ عليه عائداً بَعْدَ أَيّامٍ من عِلَّته ، فحدَّثَني أَنَّ أَبا الحسن عليه‌السلام قد أَنْفَذَ إِليه بثوبٍ وأَرانيه مدْرَجاً تَحْتَ رَأْسِه ، قالَ : فكُفِّنَ فيه والله (١).

وذَكَرَ أَحمد بن عيسى قالَ : حَدَّثَني أَبو يعقوب قالَ : رَأَيْتُ أَبا الحسن عليه‌السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران ، وقد قَصَرَأَبو الحسن عليه‌السلام عنه ، فقالَ له ابنُ الخصيب : سِرْ جُعِلْتُ فداك ، فقالَ أَبو الحسن : «أًنتَ المقدَّمُ » فما لَبِثْنا إِلّا أَربعةَ أَيّامٍ حتى وُضِعَ الدهقُ (٢) على ساق ابن الخصيب (وقُتِل ) (٣).

قالَ : وأَلَحَّ عليه ابنُ الخصيب في الدارِ التي كان قد نَزَلها وطاَلبَه بالانتقالِ منها وتَسْليمِها إِليه ، فبَعَثَ إِليه أَبو الحسن عليه‌السلام : «لأقعُدَنَّ بك من اللهِ مَقْعَداً لا يَبْقى لك معه باقيةٌ» ، فأَخَذَه اللهُ في تلك الأيامِ (٤).

__________________

(١) الكافي ١ : ٤١٩ / ٦ ، باختلاف يسير ، اعلام الورى : ٣٤٢ ، ومختَصرَاً في مناقب آل ابي طالب ٤ : ٤١٤.

(٢) الدهق : نوع من التعذيب « الصحاح ـ دهق ـ ٤ : ١٤٧٨.»

(٣) كذا في نسخة «ش» و «م» وهو الموجود في اعلام الورى ، وفي الكافي بدله : ثم نُعيَ ، وقد خلت نسخة «ح » منه وهو الصواب ، فان أحمد بن الخصيب مات سنة٢٦٥ أي بعد وفاة الامام الهادي عليه‌السلام باحدى عشرة سنة ، والظاهر ان الخبر ناظر الى نفيه فقط. فقد نفاه المستعين الى المغرب في جمادى الآخرة سنة ٢٤٨ والظاهر انّه المراد من : (فاخذه الله) في الخبر الآتي أيضاً.

(٤) الكافي ١ : ٤١٩ / ذيل الحديث ٦ ، باختلاف يسير ، اعلام الورى : ٣٤٢ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٨١ / ١١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ١٣٩ / ٢٣.

٣٠٦

ورَوى الحسينُ بن الحسن الحسني قالَ : حَدَّثَني أَبو الطيب يعقوبُ ابن ياسر ، قالَ : كانَ المتوكّلُ يقولُ : َويحكُم قد أَعْياني أَمرُ (ابن الرضا ) (١) وجَهَدْتُ أَنْ يَشْرَبَ معي وأَنْ يُنادِمَني فامْتَنَع ، وجَهَدْتُ أَنْ اَجِدَ فُرصةً في هذا المعنى فلَمْ أَجِدْها. فقالَ له بَعْضُ مَنْ حَضَرَ : إِنْ لم تجِدْ من ابن الرضا ما تريدُه من هذه الحال ، فهذا أَخوه موسى قَصّاف عَزّاف (٢) يأَكلُ ويَشْرَبُ ويَعْشَقُ ويَتَخالَعُ فأَحْضِرْه واشْهَره ، فإِنَّ الخبَرَ يَشيعُ عن ابن الرضا بذلك ولا يُفَرِّقُ الناسُ بَيْنَه وبين أَخيه ، ومَنْ عَرَفَه اتَّهَمَ أَخاه بمثل فَعاله.

فقالَ : اكْتُبُوا بإِشْخاصِه مكْرَماً. فأُشْخِصَ مُكْرَماً فتَقَدَّمَ المتوكلُ أَنْ يَتَلَقّاه جميعُ بني هاشم والقوّادُ وسائرُ الناسِ ، وعَمِلَ على أَنّه إِذا وافى أَقْطَعَه قطيعةً وبنى له فيها وحَوَّل إِليها الخمّارين والقِيان (٣) ، وتَقَدَّمَ بصلَتِه وبِرِّه ، وأَفْرَدَ له منزلاً سَرِيّاً (٤) يَصْلَحُ أَنْ يَزُورَه هو فيه.

فلمّا وافى موسى تَلَقّاه أَبو الحسن عليه‌السلام في قَنْطرة وصيفٍ ـ وهوموضعٌ يُتَلَقّى فيه القادمون ـ فسَلَّمَ عليه ووَفّاه حَقَّه ثم قال له : «إِنَّ هذا الرجل قد أحْضَرَك ليَهْتِكَك ويَضَعَ منك ، فلا تُقِرّ له أَنّك شَربْتَ نبيذاً قطّ ، واتَقِ اللهَ يا أَخي أَنْ تَرْتَكِبَ محظوراً» فقالَ له موسى : إِنّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قالَ : «فلا تَضَعْ من قَدْرِك ، ولاتَعْصِ رَبَك ، ولا

__________________

(١) المراد به أبو الحسن الثالث عليه‌السلام ، واطلاقه على أبي جعفر الجواد وابي محمد العسكري عليهما‌السلام صحيح ايضاً.

(٢) في هامش «ش» : القصف : اللهو واللعب ، والعزف : أيضاً اللعب.

(٣) القيان : الاماء المغنيات. «مجمع البحرين ـ قين ـ ٦ : ٣٠١».

(٤) في هامش «ش» : السرو: الكرم ، سرياً : كريماً.

٣٠٧

تَفْعَلْ ما يَشِينك ، فما غَرَضه إِلا هَتْكُك ». فأبى عليه موسى ، فكرّرَعليه أَبو الحسن عليه‌السلام القولَ والوَعْظَ ، وهو مُقيمٌ على خلافه ، فلمّا رَأَى أَنه لا يُجيبُ قالَ له : أَما إِنّ المجلسَ الذي تُريدُ الاجتماعَ معه عليه لا تَجْتَمعُ عليه أَنت وهوأَبداً.

قالَ : فاَقامَ موسى ثلاثَ سنين يُبَكِّر كلّ يوم إِلى باب المتوكّلِ ، فيُقالُ له : قد تَشاغلَ اليوم ، فيَرُوحُ ، فيقالُ له : قد سَكِرَ ، فيُبَكِّرُ فيقالُ له : قد شَرِبَ دواءً. فما زالَ على هذا ثلاث سنين حتى قُتِلَ المتوكّل ، ولم يَجْتَمِعْ معه على شراب (١).

ورَوى محمّدُ بن عليّ قالَ : أَخْبَرَني زيدُ بن عليّ بن الحسين بن زيد قالَ : مَرِضْتُ فدَخَلَ الطبيبُ عَلَيَّ ليلاً ووَصَفَ لي دواءً آخُذُه في السحرِ كذا وكذا يوماً ، فلم يُمكنٌي تحصليهُ من الليل ، وخَرَجَ الطبيبُ من الباب ، ووَرَدَ صاحبُ أَبي الحسن عليه‌السلام في الحال ومعه صُرّةٌ فيها ذلك الدواءُ بعينه ، فقالَ لي : أَبو الحسن يُقْرِئُك السلامَ ويَقولُ : «خُذْ هذا الدواءَ كذا وكذا يوماً» فأَخَذْتُه فشرِبْتُ فَبرَأْتُ.

قالَ محمّدُ بن عليّ : فقالَ لي زيدُ بن عليّ : يا محمد ، أَين الغلاةُ عن هذا الحديثِ (٢)؟!

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٢٠ / ٨ ، باختلاف يسير وكذا اعلام الورى : ٣٤٥ ، ومختصراً في مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٠٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٣ / ٦.

(٢) الكافي ١ :٤٢٠ / ٩ ، باختلاف يسير ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٠٦ / ١٢ ، وذكره الخصيبي في الهداية : ٣١٤ بتفصيل ، وبحذف آخره في مناقب ال ابي طالب ٤ : ٤٠٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ١٥ / ٣٦.

٣٠٨

باب

ذِكْرِ ورود أبي الحسن عليه السلامُ

من المدينة إِلى العسكرِ ، ووفاتِه بها

وسببِ ذلك ، وعَدَدِ أولادِه ، وطَرَفٍ من أخبارِه

وكانَ سَبَبُ شخوص أبي الحسن عليه‌السلام إلى سُرّ مَنْ رأى : أنّ عبدالله بن محمّد كانَ يتولىَّ الحَرْبَ والصلاةَ في مدينةِ الرسول عليه‌السلام فسَعى بأَبي الحسن عليه‌السلام إِلى المتوكّلِ ، وكانَ يَقْصُدُه بالأذى ، وبَلَغَ أَبا الحسن سِعايتُه به ، فكَتَبَ إِلى المتوكّل يَذْكُرُ تَحافلَ عبدِالله بن محمّد ويكذٌبه فيما سعى به ، فتَقَدَّمَ المتوكل بإجابتهِ عن كتابه ودُعائه فيه إِلى حُضور العسكرِعلى جَميلٍ من الفِعْلِ والقَوْلِ ، فخَرَجَتْ نُسخة الكتاب وهي :

بسم الله الرحمن الرحيم

أَمّا بعدُ : فإِنَّ أَميرَ المؤمنينَ عارفٌ بقَدْرِكَ ، راعٍ لِقَرابتكَ ، موُجِبٌ لحقِّكَ ، مُؤْثرٌ من الأمور فيك وفي أَهل بيتك ما يُصْلِحُ اللهُ به حالَك وحالَهم ، ويُثبِتُ به عِزَّك وعِزَّهم ، ويُدْخِلُ الأمْنَ عليك وعليهم ، يَبْتَغي بذلك رضى ربِّه وأداءَ ما اْفتُرِضَ عليه فيك وفيهم ، وقد رَأى أميرُالمؤمنين صَرْفَ عبدلله بن محمد عمّا كان يَتَوَلاّه من الحربِ والصلاةِ بمدينةِ الرسولِ صلى‌الله‌عليه‌وآله إِذ كانَ على ما ذَكَرْتَ من جَهالتهِ بحقِّك

٣٠٩

واستخفافهِ بقَدْرك ، وعندما قَرَفَك (١) به ونسبكَ إِليه من الأمر الذي عَلِمَ أَميرُ المؤمنين براءَتك منه ، وصِدْقَ نِيَّتك في بِرِّك وقَوْلك ، وأنّكَ لم تُؤَهِّلْ نَفْسَك لما قُرِفْتَ بطَلَبِه ، وقد وَلّى أَميرُالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّدَ ابن الفَضْل ، وأَمَرَه بإِكرامِك وتَبْجيلِكَ والانتهاءِ إِلى أَمْرِك ورأيِك ، والتقرّب إِلى اللهِ والى أميرِ المؤمنين بذلك.

وأَميرُ المؤمنين مُشْتاقٌ إِليك ، يُحِبُّ إِحْداثَ العَهْدِ بك والنظَرَ إليك ، فإِنْ نَشِطْتَ لزيارته والمُقام قِبَلَه ما أَحْبَبْتَ شَخَصْتَ ومَن اخْتَرْتَ من أَهْل بيتك ومَواليك وحَشَمِك ، على مُهلَةٍ وطُمَأْنينَةٍ ، تَرْحَلُ إِذا شِئْتَ وتنزِلُ إذا شِئْتَ وتَسيرُ كيف شِئْتَ ، وإنْ أحْبَبْتَ أنْ يَكُونَ يحيى بن هَرْثَمةَ مولى أَمير المؤمنين ومن معه من الجُنْدِ يَرْتَحِلونَ برَحيلكَ ويَسيرونَ بسَيْرك فالأمرُ في ذلك إِليك ، وقد تَقَدَّمْنا إِليه بطاعَتِك ، فاسْتَخرِ اللهَ حتى تُوافيَ أميرَ المؤمنين ، فما أَحَدٌ من إِخوته وولدِه وأَهلِ بيته وخاصّتهِ أَلْطَفَ منه مَنْزِلةً ، ولا أحْمدَ لَه أثَرة ، ولا هو لهم أَنْظَرَ ، وعليهم أشْفَقَ ، وبهم أبَرَّ ، وإليهم أَسْكَنَ ، منه إِليك. والسلامُ عليك ورحمة الله وبركاته.

وكَتَبَ إِبراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة ثلاث وأَربعين ومائتين (٢).

فلمّا وَصَلَ الكتابُ إِلى أَبي الحسن عليه‌السلام تَجَهَّزَ للرحيل ،

__________________

(١)قرفك : اتهمك «الصحاح ـ قرف ـ ٤ : ١٤١٥ ».

(٢) الكافي ١ : ٤١٩ / ٧ ، عن محمد بن يحيى ، عن بعض اصحابنا قال : اخذت نسخة كتاب المتوكل الى ابي الحسن الثالث عليه‌السلام من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث واربعين ومائتين ....

٣١٠

وَخَرَجَ معه يحيى بن هرثمة حتى وَصَلَ إلى سُرَّ من رأى ، فلمّا وَصَلَ إليها تَقَدَّمَ المتوكّلُ بأَن يُحْجَبَ عنه في يومه ، فنَزَلَ في خانٍ يُعْرَفُ بخانِ الصَعاليك وأَقامَ فيه يومَه ، ثم تَقَدَّمَ المتوكّلُ بإِفرادِ دارٍ له فانْتًقَلَ إِليها.

أَخْبَرَني جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله ، عن محمد بن يحيى ، عن صالح بن سعيد قالَ : دَخَلْتُ على أَبي الحسن عليه‌السلام يومَ وُروده فقلت له : جُعِلْت فداك ، في كلِّ الأمور أرادوا إِطْفاءَ نورك والتقصيرَ بك ، حتى أَنْزَلوكَ هذا الخانَ الأشْنعَ خانَ الصَعاليك. فقالَ : «هاهنا أَنْتَ يا بْنَ سعيد!» ثم أَوْمَأَ بيده فإِذا بَرْوضاتٍ أُنُفاتٍ (١) ، وأَنهارٍ جارياتٍ ، وجِنانٍ فيها خيراتٌ عَطِراتٌ ، ووِلْدانٌ كاَنَّهُنَّ اللؤلؤُ المكنونُ ، فحارَ بَصَري وكثُرَ تَعَجُّبي ، فقالَ لي : «حيثُ كُنّا فهذا لنا ـ يا ابن سعيد ـ لَسْنا في خانِ الصعاليك » (٢).

وأقامَ أبو الحسن عليه‌السلام مُدّةَ مقامه بسُرّ مَنْ رأى مُكْرَماً في ظاهرحاله ، يَجْتَهِدُ المتوكّل في إِيقاعِ حيلةٍ به فلا يَتَمَكَّنُ من ذلك. وله معه أحاديثٌ يَطولُ بذكرها الكتابُ ، فيها آياتٌ له وبيّناتٌ ، إِنْ قَصَدْنا لإيراد ذلك خَرَجْنا عن الغرض فيما نحوناه.

وتُوُفِّي أبو الحسن عليه‌السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، ودُفِنَ في داره بسُرَّمَنْ رأَى ، وخَلَّفَ من الولد أَبا محمد الحسنَ ابنَه وهو

__________________

(١) في هامش «ش» : أنيقات.

الروض الأنُف : هو الروض الذي لم يَرْعَه أحد. «الصحاح ـ انف ـ ٤ : ١٣٣٢ ».

(٢) الكافي ١ : ٤١٧ / ٢ ، اعلام الورى : ٣٤٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٠٢.

٣١١

الإمام من بَعْدِه ، والحسينَ ، ومحمّداً ، وجعفراً ، وابنَته عائشة.

وكان مُقامه بسُرَّ مَنْ رَأى إلى أنْ قُبِضَ عَشْرَ سنين وأشهراً. وتوفِّيَ وسِنُّه يومئذٍ على ما قَدَّمناه إحدى وأربعون سنة.

* * *

٣١٢

باب

ذِكْرِ الإمام القائمِ بَعْدَ أبي الحسن عليِّ

ابن محمد عليهماَ السلامُ وتاريخِ مَوْلِدِه ، ودلائِل

إمامتِه ، والنصِّ عليه من أبيهِ ، ومَبْلَغِ سنَه ومُدَّةِ

خلافتِه ، وذِكْرِ وفاتِه ومَوْضِعِ قَبْرِه ، وطَرَفٍ من أخْبارِه

وكانَ الأمامُ بعد أَبي الحسن عليِ بن محمد عليهما‌السلام ابْنَه أَبا محمد الحسن بن عليّ لاجْتماعِ خِلالِ الفَضْلِ فيه ، وتَقَدُّمِه على كافّةِ أَهلِ عَصْرِه فيما يُوجِبُ له الإمامةَ ويَقْتَضي له الرئاسةَ ، من العلمِ والزهدِ وكمالِ العقلِ والعِصْمَةِ والشُجاعةِ والكَرَمِ وكَثْرَةِ الأعْمالِ المُقَربَة إلى اللهِ ، ثمَّ لِنَصِّ أَبيه عليه‌السلام عليه وإشارته بالخلافةِ إِليه.

وكانَ مَوْلدُه بالمدينة في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

وقُبِضَ عليه‌السلام يَوْمَ الجمعةِ لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة ، ودُفِنَ في دارِه بسُرَّمَنْ رأى في البيت الذي دُفِنَ فيه أَبو عليه‌السلام.

وأُمُّه أُمُّ ولدٍ يُقالُ لها : حَدِيث.

وكانت مدَّةُ خلافتِه ستَّ سنين.

* * *

٣١٣

باب

ذِكْرِ طَرَفٍ من الخبرِ

الواردِ بالنصِّ عليه من أبيه عليهما

السلامُ والإشارةِ إِليه بالإمامةِ من بَعْدِه

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن (يحيى بن يسار الَعنبري ) (١) قالَ : أَوْصى أَبو الحسن عليُّ بن محمّد إِلى ابنه الحسن عليهما‌السلام قَبْلَ مُضيِّه بأَربعة أشهر ، وأَشارَ إِليه بالأمْرِ من بعده ، وأَشْهَدَني على ذلك وجماعةً من الموالي (٢).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد ، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن (يسار بن أحمد البصري ) (٣) ، عن عليِّ بن عمرو (٤) النوفلي قالَ : كُنْت مع أَبي الحسن عليه‌السلام في صحن داره فَمرَّ بنا محمّدُ ابنُه فقُلْتُ : جُعِلْتُ فداك ، هذا صاحِبُنا

__________________

(١) في مطبوعة الكافي واعلام الورى : القنبري ، لكن في عدة من النسخ المعتبرة من الكافي : العنبري ، وكذا في نسخ الارشاد ، وفي غيبة الطوسي : بشار بدل يسار.

(٢) الكافي ١ : ٢٦١ / ١ ، غيبة الطوسي : ٢٠٠ / ١٦٦ ، اعلام الورى : ٣٥١ ، الفصول المهمة : ٢٨٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٦ / ٢١.

(٣) في الكافي واعلام الورى هنا وفي السند الآتي : بشار ، لكن في بعض النسخ المعتبرة من الكافي في السند الآتي : يسار ، وفي غيبة الطوسي : سيار بن محمد البصري.

(٤) في مطبوعة الكافي : عمر ، وفي بعض نسخه : عمرو كما هنا.

٣١٤

بَعْدَك؟ فقالَ : «لا ، صاحِبُكم بعدي الحسنُ » (١).

وبهذا الاسنادِ عن يسار بن أحمد ، عن عبدالله بن محمد الأصبهاني قالَ : قالَ أَبو الحسن عليه‌السلام : «صاحِبُكم بعدي الذي يُصَلِّي عَلَيَّ » قالَ : ولم نكُنْ نَعْرِفُ أَبا محمّد قَبْلَ ذلك ، قالَ : فَخَرَجَ أَبو محمّد بَعْدَ وفاتِه فصَلَّى عليهِ (٢).

وبهذا الإسنادِ عن (يسار بن أَحمد ) (٣) ، عن موسى بن جعفر بن وهب ، عن عليِّ بن جعفر قالَ : كُنْتُ حاضراً أبا الحسن عليه‌السلام لَمّا تُوُفِّيَ ابْنُه محمّدُ فقالَ للحسن : «يا بني ، أَحْدِثْ للهِ شُكراً فقد أحْدَثَ فيك أمْراً» (٤).

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٢ ، وعنه اعلام الورى : ٣٥٠ ، غيبة الطوسي : ١٩٨ / ١٦٣ ، ونقله ١٣ / العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٣٤٣ / ١٣.

(٢) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٣ ، وعنه اعلام الورى : ٣٥٠ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٢٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ١٤ / ٢٤٣.

(٣) أورد الخبرمع الخبرين المتقدمين في الكافي ١ : ٢٦٢ / ٢ و ٣ و ٤ ، ونص سند الحديث ٢ : علي ابن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي عن بشار بن أحمد البصري .. وسند الحديث ٣ : عنه ، عن بشار (يسارخ ل) بن أحمد عن عبدالله بن محمد الاصفهاني .. وسند الحديث ٤ : عنه ، عن موسى بن جعفر بن وهب ... وكان المصنف (قده) أرجع الضميرالى يساربن أحمد ، والى مثله ذهب الطبرسي في اعلام الورى ، لكن الظاهر وحدة مرجع الضمير في السندين ٣ و ٤ ، وأنّه جعفر بن محمد الكوفي.

وقد وقع نظيرالسند في الكافي ١ : ٣٤١ / ٢٢ وصورته : علي بن محمد عن جعفر بن محمد عن موسى بن جعفر البغدادي ، وروى جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن موسى بن جعفر ابن وهب في غيبة النعماني : ٢٥٢.

(٤) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٤ ، اعلام الورى : ٣٥٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٤ / ١٥ ، ونحوه في الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠٣ / ١٧٠.

٣١٥

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله بن مروان الأنباري قالَ : كُنْتُ حاضراً عند مُضِيِّ أَبي جعفر محمّد بن عليّ عليه‌السلام ، فجاءَ أَبوالحسن عليه‌السلام فوُضِعَ له كُرْسِيٌّ فجَلَسَ عليه ، وحَوْله أَهلُ بيته وأَبومحمّد ابنُه قائمٌ في ناحية ، فلمّا فَرَغَ من أَمْرِ أَبي جعفر الْتَفَتَ إِلى أَبي محمد عليه‌السلام فقالَ : «يا بُنَيّ ، أحْدِثْ للهِ شُكْراً ، فقد أحْدَثَ فيك أَمْراً» (١).

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد ، عن محمد بن أحمد القلانسي ، عن عليّ بن الحسين بن عمرو ، عن عليّ بن مهزيار ، قالَ : قُلْتُ لأبي الحسن عليه‌السلام : إِن كانَ كَوْنٌ ـ وأَعُوذُ بالله ـ فإِلى مَنْ؟ قالَ : «عَهْدي إِلى الأكْبَرِ من ولدي» يعني الحسن عليه‌السلام (٢).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ بن محمد الأسترابادي (٣) ، عن عليّ بن عمرو العطّار ، قالَ : دَخَلْتُ على أَبي الحسن عليه‌السلام وابْنُه أَبوجعفر يُحيّا وأَنا أَظُنُّ أَنّه هو الخَلَفُ من بَعْدِه ، فقُلْتُ له : جُعِلْتُ فداك ، مَنْ أَخُصًّ من ولدك؟ فقالَ : «لا تَخُصُّوا أحَداً حتى يَخْرجَ إليكم أمْري » قال : فكَتَبْتُ إليه بَعْدُ : في مَنْ يكُونُ

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٤٩٢ / ١٣ ، الكافي ١ : ٢٦٢ / ٥ ، اعلام الورى : ٣٥٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤١ / ٦.

(٢) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٦ ، اعلام الدين : ٣٥٠ ، ونقله العلامه المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٤ / ١٦.

(٣) كذا في نسخة الكتاب ، وفي المطبوعة السابقة واعلام الورى : عن علي بن محمد عن أبي محمد الاسترآبادي ، وكذا حكاه العلامة المجلسي (قده) عن الارشاد.

٣١٦

هذا الأمرُ؟ قالَ : فكَتَبَ إِلَيَّ : « في الأكْبَرِمن ولدي » قالَ : وكان أَبو محمد عليه‌السلام أكبرمن جعفر (١).

أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، وغيره ، عن سعد بن عبدالله ، عن جماعة من بني هاشم منهم (الحسن بن الحسين الأفطس ) (٢) : أَنَهم حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفَيَ محمّدُ بن عليّ بن محمّد دارَ

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٧ ، اعلام الورى: ٣٥٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٤ / ١٧.

(٢) في الكافي : الحسن بن الحسن الافطس ، والأفطس هو الحسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على المشهور في كتب الانساب ، لكن البخاري قال : وبعض الناس يقول : إنّ الأفطس هو الحسين بن الحسن بن علي لا الحسن بن علي والحسن الافطس أراد قتل الصادق عليه‌السلام ، وقد جزّاه عليه‌السلام بإِيصاء شيء له صلة للرحم ، وله أولاد :

منهم الحسين المعروف بابن الافطس : ظهر بمكة أيام أبي السرايا وأخذ مال الكعبة (المجدي : ٢١٣ ، عمدة الطالب : ٣٣٧ ، مروج الذهب ٣ : ٤٤٠ )

ومنهم الحسن المكفوف : غلب على مكة أيام ابي السرايا وأخرجه من مكة الى الكوفة ورقاء ابن يزيد ، كذا ذكره في المجدي : ٢١٥ ، وعمدة الطالب : ٣٣٨ ، لكن خروج أبي السرايا في سنة ١٩٩ وقتله في سنة ٢٠٠ ، ويبعد في النظر ظهور كلا الأخوين في هذه المدة القصيرة في مكة ، ويحتمل وقوع خلط هنا ، فليحقق.

وكيف كان ، يبعد بقاء هذين الأخوين الى ان يروي عن احدهما سعد بن عبدالله (المتوفى في حدود سنة ٣٠٠ ) ولا يبعد كون الصواب الحسين بن الحسن الافطس وقد وقع في نسبه اختصار ، وهو أبو الفضل الحسين بن الحسن بن الحسين بن الحسن الافطس ، وقد ذكر في ترجمة تاريخ قم : ٢٢٨ : أن أبا الفضل الحسين جاء من الحجاز الى قم وتوفي بها وكان من الفقهاء الذين رووا عن الحسن بن علي عليه‌السلام.

فيناسب رواية سعد بن عبدالله القمي عنه وهو قد هنّأ الامام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام بولادة ابنه المهدي عجل الله تعالى فرجه كما في تاريخ قم : ٢٠٥ ، وغيبة الشيخ : ٢٣٠ وفيه : أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي ، وص ٢٥١ وفي نسبه سقط. اكمال الدين باب ٤٣ وفيه : أبو الفضل الحسن بن الحسين العلوي ، وهوتصحيف ، وقد ذكره في المنتقلة : ٢٥٥ وأخوه علي الدينوري ذكره في عمدة الطالب : ٣٣٨ وقال : كان أبوجعفر محمد الجواد قد

٣١٧

أبي الحسن عليه‌السلام وقد بُسِطَ له في صَحْنِ دارِه ، والناسُ جُلوسٌ حَوْلَه ، فقالُوا : قَدٌرْنا أَنْ يَكُونَ حَوْلَه من آل أَبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مَواليه وسائرِ الناسِ ، إِذْ نَظَرَ إِلى الحسن بن عليّ عليهما‌السلام وقد جاءَ مشقوقَ الجَيْب حتى قامَ عن يمينه ونَحْنُ لا نَعْرِفُه ، فَنَظَرَ إِليه أَبو الحسن عليه‌السلام بَعْدَ ساعةٍ من قيامِهِ ، ثمَّ قالَ له : «يا بُنَيَّ ، أَحْدِثْ للهِ شُكْراً ، فقد أَحْدَثَ فيك أَمرْاً» فبَكَى الحسنُ عليه‌السلام واسْتَرْجَعَ فقالَ : « الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، وإيّاه أَسأَلُ تمامَ نِعَمه علينا ، إنا لله وإنّا إليه راجعونَ ».

فسَألْنا عنه ، فقيلَ لنا : هذا الحسنُ ابنُه ، فقَدَّرْنا له في ذلك الوقتِ عشرين سنة ونَحْوها ، فيَوْمئِذٍ عَرَفْناه وعَلِمْنا أَنّه قد أَشارَ إِليه بالإمامةِ وأَقامَه مقامَه (١).

أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن محمد بن يحيى قالَ : دَخَلْتُ على أَبي الحسن عليه‌السلام بعد مُضِيِّ أَبي جعفر ـ ابْنِه ـ فعَزَّيْتُه عنه ، وأَبو محمّد جالسٌ ، فبَكى أَبو محمّد ، فأَقْبَلَ عليه أَبو الحسن عليه‌السلام فقالَ : « إِنَ الله تعالى قد جَعلَ فيك خَلَفاً منه فاحْمدِ اللهَ عزَّ وجل» (٢).

أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن إِسحاق بن محمد ، عن أَبي هاشم الجعفري قالَ : كُنْتُ عند أَبي الحسن

__________________

أمره ان يحلّ بالدينور ، ففعل.

(١) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٨ ، اعلام الورى : ٣٥١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار٥٠ : ٢٤٥ / ١٨.

(٢) الكافي ١ : ٢٦٣ / ٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٦ / ٢٠.

٣١٨

عليه‌السلام بعدما مَضى ابْنُه أَبوجعفر ، وانّي لاُفكّرُ في نفسي أُريدُ أَنْ أَقولَ : كأنّهما ـ أعني أَبا جعفر وأَبا محمد ـ في هذا الوقتِ كأَبي الحسن موسى وِاسماعيل ابنَيْ جعفرِ بن محمّد عليهما‌السلام وِانَّ قِصَّتَهما كقِصَّتِهما ، فاَقْبَلَ عَلَيَّ أَبو الحسن قَبْلَ أَنْ أنْطِقَ فقالَ : «نعَمْ ـ يا أبا هاشم ـ بدا للهِ في أَبي محمّد بعد أَبي جعفر ما لم يَكنْ يُعْرَفُ له ، كما بَدا له في موسى بعد مُضِيِّ إِسماعيل ما كُشِفَ به عن حالِه ، وهوكما حَدَّثَتْكَ نَفْسُك وِانْ كَرِهَ المُبْطِلونَ؛ أَبومحمّد ـ ابني ـ الخَلَف من بعدي ، عنده عِلْمُ ما يُحْتاجُ إِليه ، ومعه آلةُ الإمامةِ» (١).

وبهذا الإسنادِ عن إِسحاق بن محمد ، عن محمد بن يحيى بن رئاب (٢) ، عن أَبي بكرٍ الفَهْفَكي قالَ : كَتَبَ إِلَيَّ أبو الحسن عليه‌السلام : «أَبو محمّد ابني أَصحُّ آلِ محمد غريزةً ، وأَوْثَقُهُمْ حجّةً ، وهو الأكبرُ من ولدي وهو الخَلَفُ ، وِاليه تنْتهي عُرَى الإمامةِ وأحكامُها ، فما كنْتَ سائِلي عنه فاسْأَلْه عنه ، فعِنْدَه ما تَحتْاجُ إِليه » (٣).

وبهذا الإسناد عن إِسحاق بن محمد ، عن شاهوية (٤) بن عبدالله

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٦٣ / ١٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤١ / ٧ ، وذكره باختلاف الشيخ الطوسي في غيبته : ٢٠٠ / ١٦٧.

(٢) هكذا في النسخ ، وفي الكافي هنا وفي الحديث الاسبق محمد بن يحيى بن درياب وبه ذكره الشيخ في رجاله في باب أصحاب الامام الهادي عليه‌السلام : ٤٢٤ / ٣٠.

(٣) الكافي ١ : ٢٦٣ / ١١ ، اعلام الورى : ٣٥١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٥ / ١٩.

(٤) قد وضعت نقطتان على الهاء في النسخ الثلاث بوضوح ، لكن الموجود في الكافي والمعهود من امثال هذا التركيب كسيبويه ونفطويه وقولويه هو الهاء لا التاء.

٣١٩

قالَ : كَتَبَ إِلَيَ أَبو الحسن عليه‌السلام في كتاب : «أَرَدْتَ أنْ تَسْأَلَ عن الخَلَفِ بَعْدَ أَبي جعفر وقَلِقْتَ لذِلك ، فلا تَقْلَقْ فإِنَّ اللهَ لا يُضِلُّ قوماً بَعْدَ إِذْ هَداهمْ حتّى يُبَيِّنَ لهم ما يَتَّقونَ ، صاحِبك أَبي محمّد ابني ، وعِنْدَه ما تَحتاجُونَ إِليه ، يقدِّمُ اللهُ ما يشاء ويؤخرُ مايشاء و ( مَانَنْسَخْ مِنْ ايَةٍ اوننْسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْمِثْلِهَا ) (١) » (٢).

وفي هذا بيانٌ وِاقْناع لذي عَقْلٍ يَقْظان.

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد ، عن رجل ذَكَرَه ، عن محمد بن أحمد العلوي ، عن داود بن القاسم الجعفري قالَ : سَمِعْتُ أَبا الحسن عليه‌السلام يَقُولُ : «الخَلَفُ من بعدي الحسنُ ، فكيف لكم بالخَلَفِ من بَعْدِ الخَلَفِ!» فقُلْتُ : ولم؟ جَعَلَني الله فداك!؟ فقالَ : «إِنّكم لا تَرَوْنَ شَخْصَه ، ولا يَحِلُّ لكم ذِكْرُه باسْمِه » فقلْتُ : فكيف نَذْكُرُه؟ فقالَ : «قولوا الحجَّةُ من الِ محمّد عليه‌السلام وعليهم » (٣).

والأخْبارُ في هذا الباب كثيرةٌ يَطولُ بها الكتابُ.

* * *

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٠٦.

(٢) الكافي ١ : ٢٦٣ / ١٢ ، غيبة الطوسي : ٢٠٠ / ١٦٨ ، ومختصراً فِى اعلام الورى: ٣٥١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٣.

(٣) الكافي ١ : ٢٦٤ / ١٣ ، إكمال الدين : ٣٨١ / ٥ و ٦٤٨ / ٤ ، علل الشرائع : ٢٤٥ / ٥ ، اثبات الوصية : ٢٢٤ ، كفاية الأثر: ٢٨٨ ، غيبة الطوسي : ٢٠٢ / ١٦٩ ، اعلام الورى : ٣٥١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤٠ / ٥. إلأ أنّه في العلل واثبات الوصية وكفاية الأثر وإكمال الدين : والخلف من بعدي «ابني» الحسن.

٣٢٠