محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
فَجَعَل الحسن يُعَظِّمُ ذلك عليه ويُعَرِّفه ما في إِخْراجِ الأمْرِ منِ أهْله عليه ، فقالَ له المأمون : إِنّي عاهَدْتُ اللّهَ أَنَّني إِنْ ظَفِرْتُ بالمَخْلوع (١) أَخْرَجْتُ الخلافَةَ إِلى أَفَضَلِ آل أَبي طالب ، وما أَعْلَمُ أَحَداً أَفْضَلَ من هذا الرجل على وَجْهِ الأرْضَ.
فلمّا رأَى الحسنُ والفضلُ عزيمتَه على ذلك أَمسَكا عن مُعارَضَته فيه ، فاَرْسَلَهما إِلى الرضا عليهالسلام فعَرَضا ذلك عليه فامْتَنَعَ منه ، فلم يَزالا به حتى أَجابَ ، ورَجَعا إِلى المأمونِ فعَرَّفاه إِجابتَه فَسُرَّ بذلك وجَلَسَ للخاصّة في يوم خميسٍ ، وخَرَجَ الفَضْلُ بن سهل فأَعْلَمَ الناسَ برأي المأمون في عليّ بن موسى ، وأنٌه قد ولاّه عَهْدَه وسمّاه الرضا ، وأَمَرَهم بلبْس الخُضْرةِ والعَوْدِ لبيعته في الخميس الآخر ، على أَنْ يَأْخُذُوا رِزْقَ سَنَةٍ.
فلمّا كانَ ذلك اليوم رَكِبَ الناسُ على طبقاتهم من القُوّادِ والحُجّابِ والقُضاة وغيرهم في الخُضْرة ، وجَلَسَ المأمون ووَضَعَ للرضا وسادتين عظيمتين حتى لَحِقَ بمجلسه وفَرْشِه ، وأَجْلَسَ الرضا عليهالسلام عليهما في الخُضْرة وعليه عمامةٌ وسَيْف ، ثم أَمَرَ ابنَه العبّاس بنَ المأمون يُبايعُ له أَوّلَ الناس ، فرَفَعَ الرضا عليهالسلام يَدَه فتَلَقّى بها وجهَ نَفْسِهِ وبِبَطْنِها وجوههم ، فقالَ له المأمون : اُبسُط يَدَك للبيعة ، فقالَ الرضا عليهالسلام : «إِنَّ رسولَ اللهّ صلىاللهعليهوآله ، هكذا كان يبايعُ » فبايَعَه الناسُ ويَدُه فوقَ أَيْديهم ، ووُضِعَت البدَر (٢) وقامَتِ الخطباءُ والشعراء فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ فَضْلَ الرضا عليهالسلام ، وَما كانَ من المأمونِ في أَمره.
__________________
(١) المخلوع : هو محمد بن هارون الامين.
(٢) البِدَر: جمع بدرة ، وهي عشرة آلاف درهم. «الصحاح ـ بدر ـ ٢ : ٥٨٧».
ثم دَعا أبو عَبّاد بالعباس بن المأمون ، فوَثَبَ فدَنا من أَبيه فَقبَّلَ يَدَه ، وأَمَرَه بالجلوسِ ، ثم نُودِيَ محمّدُ بن جعفر بن محمد وقالَ له الفَضْلُ بن سهل : قُمْ ، فقامَ فمشى حتى قَرُبَ من المأمونِ فوَقَفَ ولم يُقبِّل يَدَه ، فقيل له : امْضِ فخُذْ جائِزَتَك ، وناداه المأمون : ارْجِعْ يا أباجعفر إِلى مَجْلِسِك ، فرَجَعَ ، ثم جَعَلَ أَبو عبّادٍ يَدْعُو بعَلَوِيّ وعَبّاسِيٍّ فيَقْبضان جوائزَهما حتى نَفِدَت الأموالُ ، ثم قالَ المأمون للرضا عليهالسلام : اُخطُب الناسَ وتَكَلَّمْ فيهم ، فحَمدَ اللّهَ واثْنى عليه وقالَ : «إِنَّ لنا عليكم حقّاً برسولِ اللّه ، ولكم علينا حقّاً به ، فإِذا أَدَّيْتُمْ إِلينا ذلك وَجَبَ علينا الحقُّ لكم » ولم يُذْكَرْ عنه غير هذا في ذلك المجلس.
وأَمَرَ المأمونُ فضُرِبَتْ له الدراهم وطُبِعَ عليها اسمُ الرضا عليهالسلام ، وزَوَّجَ إِسحاقَ بن موسى بن جعفر بنتَ عمِّه إسحاق بن جعفر ابن محمّد ، وأَمَرَه فحجّ بالناس (١) ، وخُطِبَ للرضا عليهالسلام في كلِّ بلد بولايةِ العَهْدِ (٢).
فرَوى أَحمدُ بن محمد بن سعيد قالَ : حَدَّثَني يحيى بن الحسن العلوي قالَ : حَدَّثَني من سَمِعَ (عَبْدَ الجبار بن سعيد ) (٣) يَخْطُبُ في تلك السنةِ على منبرِ رسولِ اللّه صلىاللهعليهوآله ، بالمدينةِ ، فقالَ في الدعاء له : وليُّ عهد المسلمينَ عليُّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن
__________________
(١) في هامش «ش» : فحج بالناس : أي صار أمير الحاج.
(٢) مقاتل الطالبيين : ٥٦٢ ـ ٥٦٥ ، الفصول المهمة : ٢٥٥ ، اعلام الورى : ٣٢٠ ، ونقله العلاّمة المجلسي في البحار ٤٩ :١٤٥ / ١٣.
(٣) كذا في النسخ ، وفي العيون : عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي ، وفي البحار عن ألارشاد: عبد الحميد بن سعيد.
أبي طالب عليهمالسلام.
ستة اباءٍ هُم ما همُ |
|
أَفضَلُ مَنْ يَشربُ صَوْبَ الغَمامِ (١) |
وذَكَر المدائني عن رجاله قالَ : لمّا جَلَسَ الرضا عليُّ بن موسى عليهالسلام ، في الخِلَعِ بولايةِ العَهْدِ ، قامَ بين يديه الخُطباءُ والشُعراءُ وخَفَقَتِ الألوِلَةُ على رَأْسِهِ ، فذُكِرَعن بَعْضِ مَنْ حَضَرَممَّن كانَ يَخْتَصُّ بالرضا عليهالسلام ، أنّه قال : كُنْتُ بين يديه في ذلك اليوم ، فنَظَرَ إِليَّ وأَنا مستبشر بما جَرى ، فاَوْمَأ إِليَّ أَنْ أدْنُ منّي فدَنَوْتُ منه ، فقالَ لي من حيث لا يَسْمَعُه غيري : « لا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بهذا الأمْرِولا تَسْتَبْشِرْ به ، فإِنّه شيءٌ لا يَتُمُّ » (٢).
وكانَ فيمَنْ وَرَدَ عليه من الشُعراءِ دِعْبلُ بن عليِّ الخُزاعيّ ، فَلمّا دَخَلَ عليه قالَ : إِنّي قد قُلْتُ قَصيدةً وجَعَلْتُ على نفسي ألّا اُنشِدَهَا أَحَداً قبلَك ، فأمَرَه بالجلوسِ حتى خفًّ مَجْلِسُه ، ثم قالَ له : «هاتِها» قال : فأَنْشَدَه قصيدَتَه التي أَوَّلهُا :
مَدارسُ آياتٍ خَلَتْ مِن تِلاوة |
|
فِي ومَنْزِلُ وَحي مُقْفَرُالعَرَصاتِ |
حتى أَتى على اخِرها (٣) ، فَلمّا فَرَغَ من إِنشاده قامَ الرضا عليهالسلام فدَخَلَ إِلى حُجْرَتِه وبَعَثَ إِليه خادِماً بخِرْقَةِ خَزٍّ فيها ستمائةُ دينارٍ ،
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٥٦٥ ، عيون اخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٤٥ / ١٤ ، وفيه : سبعة آباء هم ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٣٦٤ ، الفصول المهمة : ٢٥٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ١٤٦ ، كما ان الشعر هو للنابغة الذبياني ، راجع ديوانه : ١١٧ ، وفيه :خمسة آباء هم ، وانظر خزانة الادب ١ : ٢٨٨ ، وفيه : من يثرب صفو المدام.
(٢) الفصول المهمة : ٢٥٦ ، اعلام الورى : ٣٢١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ١٤٧.
(٣) انظر القصيدة في الديوان : ١٢٤.
وقالَ لخادِمه : «قُلْ له : اسْتَعِنْ بهذه على سَفَرِك واعذِرْنا» فقال له دِعْبل : لا واللهِّ ما هذا أَرَدْتُ ولا له خَرَجْتُ ، ولكن قُلْ له : أكسني ثوباً من أَثوابك ، وردها عليه ، فردها عليه الرضا عليهالسلام وقالَ له : «خُذْها» وبَعَثِ إِليه بِجُبَّةٍ من ثيابه.
فخَرَجَ دِعْبِلُ حتى وَرَدَ «قُم » فلما رأَوا الجُبّةَ معه أَعْطَوه بها أَلفَ دينارٍ فأَبى عليهم وقالَ : لا واللّهِ ولا خِرْقَةَ منها بألفِ دينارِ ، ثم خَرَجَ من «قُم » ، فاتَّبَعوه وقَطَعوا عليه وأَخَذوا الجُبَّةَ ، فرَجَعَ إِلى «قُم » وكلَمَهم فيها فقالُوا : ليس إِليها سبيلٌ ، ولكن إِنْ شِئْتَ فهذه أَلفُ دينار ، قالَ لهم : وخِرقَةٌ منها ، فأَعْطَوْه أَلفَ دينار وخِرْقَةً من الجبَّةِ (١).
وروى عليُّ بن إِبراهيم ، عن ياسر الخادم والريّان بن الصَلْت جميعاً قالا : لمّا حَضَرَ العيد وكانَ قد عُقِدَ للرضا عليهالسلام الأمرُ بولايةِ العهدِ ، بَعَثَ اليه المأمونُ في الركوب إِلى العيدِ والصلاةِ بالناسِ والخُطبةِ بهم ، فبَعَثَ إِليه الرضا عليهالسلام : «قد عَلِمْتَ ما كانَ بيني وبينَك من الشروط في دخول الأمرِ ، فاعْفني من الصلاةِ بالناسِ » فقالَ له المأمون : إِنّما أريدُ بذلك أَنْ تَطْمَئنَّ قُلوبُ الناس ويَعْرِفُوا فَضْلَكَ ، ولم تَزَل الرُسلُ تَرَدّدَ بينهما في ذلك ، فلمّا أَلحَّ عليه المَأمونُ أَرْسَلَ إِليه : «إِنْ أعْفَيْتَني فهوأحَبُّ إِليّ ، وإنْ لم تُعْفِني خَرَجْتُ كما خَرَجَ رسولُ اللّهِ صلىاللهعليهوآله وأَميرُ المؤمنين عليُّ بن أَبي طالب عليهالسلام » فقالَ له المأمونُ : أُخرُجْ كيف شِئْتَ. وأَمَرَ القُوّادَ والناسَ أَن يُبَكِّرُوا إِلى بابِ الرضا عليهالسلام.
قالَ : فقَعَدَ الناسُ لأبي الحسن عليهالسلام في الطُرُقاتِ والسُطوحِ ،
__________________
(١) رجال الكشي: ٥٠٤ / ٩٧٠ ، عيون اخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٦٣ ـ ٢٦٥.
واجْتَمَعَ النساءُ والصبيانُ يَنْتَظِرونَ خُروجَه ، وصارَ جميعُ القوّادِ والجُنْدِ إِلى بابه ، فوَقَفُوا على دَوابِّهِمْ حتى طَلَعَتِ الشمسُ.
فاغْتَسَلَ أَبو الحسن عليهالسلام ولَبسَ ثِيابَه وتَعَمَّمَ بعَمامةٍ بيضاءٍ من قُطْنٍ ، أَلقى طَرَفاً منها على صَدْرِه وطَرَفاً بين كَتِفَيهِ ، ومَسٌَ شَيْئاً من الطيبِ ، وأَخَذَ بيدِه عُكّازةً ، وقال لمواليه : «إِفْعَلوا مثْلَ ما فَعَلْتُ » فَخَرجُوا بين يديه وهو حافٍ قد شَمَّر سَراويلَه إِلى نصفِ الساقِ وعليه ثيابٌ مشمّرة ، فمشى قليلاً ورَفَعَ رَأْسَهُ الى السماءِ وكَبّرَ وكَبَّرَمواليه معه ، ثم مَشى حتى وقَفَ على البابِ ، فلمّا رآه القُوّاد والجُنْدُ على تلك الحال (١) سَقَطُوا كُلُّهم عن الدوابّ إِلى الأرضِ وكانَ أَحْسَنَهم حالاً من كان معه سِكّينٌ قَطَعَ بها شرّابةَ جاَجيلتهِ ونَزَعَها وتَحَفّى.
وكَبَّرَ الرضا عليهالسلام على الباب وكَبَّرَ الناسُ معه ، فخُيِّل إِلينا أَنّ السماءَ والحيطانَ تُجاوِبُهُ ، وتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بالبكاء والضجيج لمّا رَأوْا أَبا الحسن عليهالسلام وسَمِعوا تَكْبيرهُ.
وبَلَغَ المأمونَ ذلك فقالَ له الفضلُ بن سهل ذو الرئاستين : يا أَميرَ المؤمنينَ ، إِنْ بَلَغَ الرضا المُصلّى على هذا السبيل افْتَتَنَ به الناسُ وخِفْنا كلُّنا على دمائِنا ، فأَنفذ إِليه أَنْ يَرْجِعَ ، فبَعَثَ إِليه المامونُ : قد كَلَفْناك شَطَطاً وأتعَبْناك ، ولَسْنا نحِبُّ أَن تَلْحَقَك مَشقَّةٌ فَارْجِعْ وَليصَلِّ بالناس مَنْ كان يُصلّي بهم على رَسْمِه. فدَعا أَبو الحسن عليهالسلام بخُفَه فَلبسَه ورَكِبَ ورَجَعَ ، واخْتَلَفَ أَمْرُ الناس في ذلك اليومِ ، ولَمْ يَنْتَظِمَْ في
__________________
(١) في هامش «ش» و «م» : الصورة.
صلاتهِم (١).
أخْبرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ ابن إبراهيم ، عن ياسر قالَ : لمّا عَزَمَ المأمونُ على الخروجِ مِنْ خراسان إِلى بغداد ، خَرَجَ وخَرَجَ معه الفَضْلُ بن سَهْل ذو الرئاستين ، وخَرَجْنا مع أَبي الحسن الرضا عليهالسلام فوَرَدَ على الفَضْلِ بن سَهْل كتابٌ من أَخيه الحسنِ بن سهل ونحنُ في بعض المنازلِ : إنّي نَظَرْت في تحويلِ السنةِ فوَجَدْتُ فيه أَنَّك تَذوقُ في شهرِ كذا وكذا يومَ الأربعاء حَرَّ الحديدِ وحر النارِ ، وأَرى أَنْ تَدْخُلَ أَنت وأَمير المؤمنين والرضا الحمّامَ في هذا اليومِ وتَحْتَجِمَ فيه وتصُبَّ على بدنك الدمَ ليزولَ عنك نَحْسُه.
فكَتَبَ ذو الرئاستين إِلى المأمونِ بذلك ، فسَألَه أَنْ يَسْأَلَ أَبا الحسن عليهالسلام ذلك ، فكَتَبَ المأْمونُ إِلى أَبي الحسن عليهالسلام يَسْأَلُه فيه ، فأَجابَه أَبو الحسن : «لَسْتُ بداخلِ الحمّام غداً» فأَعادَ عليه الرُقْعَةَ مرّتين فكَتَبَ إِليه أَبو الحسن عليهالسلام : «لَسْتُ داخلاً الحمّامَ غداً ، فإِنّي رَأَيْتُ رسولَ اللّهِ صلىاللهعليهوآله في هذه الليلةِ فقالَ لي : يا عليّ ، لا تَدْخلِ الحمّامَ غَداً ، فلا أرى لَكَ ـ يا أميرَ المؤمنين ـ ولا للفضلِ أَنْ تَدْخلا الحمامَ غدا» فكَتَبَ إليه المأمونُ : صَدَقْتَ ـ يا أَبا الحسن ـ وصَدَقَ رَسولُ اللّهِ صلىاللهعليهوآله ، لَسْتُ بداخلِ الحمّام غداً ، والفضلُ أَعْلَمُ.
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٠٨ / ٧ ، وباختلاف يسير في عيون اخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٥٠ ، والفصول المهمة : ٢٦١ ، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ٣٧١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ١٣٦.
قالَ : فقالَ ياسرُ : فلمّا أَمْسَيْنا وغابَتِ الشمسُ ، قالَ لنا الرضا عليهالسلام : «قوُلوا : نَعوُذ باللهِّ مِنْ شَرِّ مايَنْزِلُ في هذه الليلةِ» فلَم نَزَلْ نَقُولُ ذلك ، فلمّا صلّى الرضا الصُبحَ قالَ لي: «اِصْعَد السطحَ ، استَمِعْ هل تَجِدُ شَيْئاً؟» فلما صعِدْتُ سَمعتُ الضّجّةَ وكَثُرَت وزادَتْ فلم نَشْعُرْ بشيءٍ فإِذا نحنُ بالمأمونِ قد دَخَلَ من الباب الذي كانَ مِنْ دارهِ إِلى دارِ أَبي الحسن عليهالسلام وهو يَقُولُ : يا سيدي ، يا أًبا الحسن ، آجَرَك اللّه في الفَضْل ، فإِنَّه دَخَلَ الحمّامَ ودَخَلَ عليه قومٌ بالسُّيوفِ فقَتَلُوه ، وأُخِذَ ممَّن دَخَلَ عليه ثلاثةُ نفرٍ ، أَحَدُهم ابن خاله الفَضْلُ بن ذي القلمين.
قالَ : واجْتَمَعَ الجُنْدُ والقُوّادُ ومَنْ كانَ مِن رجالِ الفَضْل على باب المأمون فقالُوا : هو اغْتالَه ، وشَغَبوا (١) عليه وطَلِبوا بدَمِهِ ، وجاؤوا بالنيرانِ ليحْرِقوا البابَ ، فقالَ المأمونُ لأبي الحسن عليهالسلام : يا سيدي ، نَرى أَنْ تَخْرُجَ إِليهم وتُرفق بهم حتى يتفرقوا ، قالَ : «نعم » ورَكِبَ أَبو الحسن عليهالسلام وقالَ لي : «يا ياسرُ اركَبْ » فرَكِبْتُ فلمّا خَرَجْنا من باب الدارِ نَظَرَ إِلى الناسِ وقد ازْدَحَموا عليه ، فقالَ لهم بيده : «تَفَرَّقوا» قالَ ياَسرُ : فأَقْبَلَ الناسُ واللهِّ يَقَعُ بَعْضمهُمْ على بعضٍ ، وما أَشارَ إِلى أحَدٍ إِلا رَكَضَ ومَضى لوجهِه (٢).
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُبن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن معلّى ابن محمد ، عن مسافر قالَ : لمّا أَراد هارونُ بن المسيّب أَنْ يواقعَ محمّدَ بنَ
__________________
(١) في هامش «ش» و «م» : وشَنّعُوا.
(٢) الكافي ١ : ٤٠٩ / ٨ ، وباختلاف يسير في عيون اخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٥٩ / ضمن حديث ٢٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ١٧٠ / ٦.
جعفر قالَ لي أَبو الحسن الرضا عليهالسلام : «اِذْهَبْ إِليه وقُلْ له : لا تَخْرُجْ غَداً ، فإنك إِنْ خَرَجْتَ غداً هُزمْتَ وقُتِلَ أَصحابُك ، فإِن قالَ لك : مِنْ أَينَ عَلِمتَ هذا؟ فقُلْ : رأَيْتُ في النومِ » قالَ : فاَتَيْتُهُ فقُلْتُ له :جُعِلْتُ فداك ، لا تَخْرُجْ غداً ، فإِنَك إِنْ خَرَجْتَ هُزِمْتَ وقتِلَ أَصحابُك ، فقالَ لي : من أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قُلْتُ في النوم ، فقالَ : نامَ العبدُ ولم يَغْسِل اسْتَه ، ثم خَرَجَ فانْهَزَم وقُتِلَ أَصحابُه (١).
* * *
__________________
(١) الكافي ١ : ٤١٠ / ٩ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٣٣٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٥٧ / ٧١.
باب
ذِكْرِ وفاةِ الرضا عليِّ بن موسى
عليه السلامُ وسببها ، وطَرَفٍ من الأخبارِ في ذلك
وكانَ الرضا عليُّ بن موسى عليهماالسلام يَكْثُرُ وَعْظَ المأمونِ إِذا خَلا به ويُخَوِّفُه باللهِ ويقَبِّحُ له ما يَرْتَكِبه من خِلافِه ، فكانَ المأموُنُ يظهرُ قَبولَ ذلك منه ويبطِنُ كراهَتَه واستثقالَه.
ودَخَل الرضا عليهالسلام يوماً عليه فرآه يَتَوَضَّأُ للصلاةِ والغلامُ يَصُبُّ على يدِه الماءَ ، فقالَ : «لا تُشْرِكْ ـ يا أميرَ المؤمنينَ ـ بعبادةِ ربِّك أحداً» فصَرَفَ المأمونُ الغلامَ وتَوَلّى تمامَ وُضوئه بنفسِهِ وزادَ ذلك في غَيْظِهِ ووَجْدِه.
وكانَ عليهالسلام يُزْري (١) على الحسنِ والفضلِ ـ ابنَي سهلٍ ـ عند المأمونِ إذا ذَكَرَهما ويَصِفُ له مَساوِئهما ويَنْهاه عن الإصغاءِ إِلى قولهما ، وعَرَفا ذلك منه فجَعَلا يَحْطِبانِ (٢) عليه عند المأمونِ ويَذْكُرانِ له عنه ما يُبْعِده منه ويخَوِّفانِه من حَمْلِ الناسِ عليه ، فلم يَزالا كذلك حتى قَلَبا رَأيَه ، وعَمِلَ على قَتْلِهِ عليهالسلام ، فاتَّفَقَ أَنّه أَكَلَ هو والمأمونُ يوماً طعاماً ، فاعْتَلَّ منه الرضا عليهالسلام (٣) وأَظْهَرَ المأمونُ تمارضاً.
__________________
(١) الازراء : التهاون بالشيء. « الصحاح ـ زرى ـ ٦ : ٢٣٦٨».
(٢) في هامش «ش» : حطب فلان واحتطب : جذب عليه شراً.
(٣) في مقاتل الطالبيين : ٥٦٦ بعده : ولم يزل الرضا عليلاً حتى مات.
فَذَكَرَ محمدُ بن علي بن حمزة ، عن منصور بن بشير ، عن أخيه عبدالله بن بشير قالَ : أَمَرَني المأمونُ أَنْ أُطوِّلَ أَظْفاري عن العادةِ ولا أُظْهرُ لأحدٍ ذلك ففَعَلْتُ ، ثم اسْتَدْعاني فأَخْرَجَ إِليَّ شيئأ شبْهَ التمرِ الهِنْدي وقالَ لي : اعْجِن هذا بيدَيْك جميعاً ففَعَلْت ، ثم قامَ وتَرَكَني فدَخَلَ على الرضا عليهالسلام فقالَ له : ما خَبَرك؟ قالَ : «أَرْجُوأَنْ أَكونَ صالحاً» قالَ له : أَنا اليومَ بحمدِ اللهِ أيضاً صالحٌ ، فهل جاءك أحدٌ من المترَفّقِين في هذا اليوم؟ قالَ : «لا» فغَضِبَ المامونُ وصاحَ على غِلْمانِه ، ثم قالَ : خُذْ ماءَ الرمانِ الساعةَ ، فإِنَّه مما لا يُسْتَغْنى عنه ، ثم دَعاني فقالَ : ائْتِنا برُمّانٍ ، فأَتَيْتُه به ، فقالَ لي : اِعْصرْه بيديك ، ففَعَلْتُ وسَقاهُ المأمونُ الرضا عليهالسلام بيده ، فكان ذلك سبَب وفاتِه ، فَلم يلبثْ إِلّا يومين حتى ماتَ عليهالسلام.
وذُكِرَ عن أَبي الصلْت الهروي أَنه قالَ : دَخَلْت على الرضا عليهالسلام وقد خَرَجَ المأمونُ من عنده ، فقالَ لي : «يا أَبَا الصلت قد فَعَلُوها» وجَعَلَ يُوَحِّدُ اللّهَ ويمُجّدُه (١).
ورُوي عن محمد بن الجهم أَنّه قالَ : كانَ الرضا عليهالسلام يُعْجِبُه العنبُ ، فأُخِذَ له منه شيءٌ فجُعِلَ في موضعِ أقْماعِه (٢) الإبرُ أَيّاماً ثم نُزِعَتْ منه ، وجِيء به إليه فأَكَلَ منه وهو في عِلَّتهِ التي ذكرناها فقَتَلَه ، وذُكِرَ
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٥٦٦ ، اعلام الورى : ٣٢٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٣٠٨ / ١٨ ، وذيل الحديث في مناقب آل ابي طالب ٤ : ٣٧٤.
(٢) في هامش «ش» : اقماع : جمع قمع وقِمَع ، وهوموصل حبة العنب بالعنقود.
أَنَّ ذلك من لطيف السمومِ (١).
ولَمّا تُوفِّي الرضا عليهالسلام كَتَمَ المأمونُ مَوْتَه يوماً وليلة ، ثم أَنْفَذَ إِلى محمّد بن جعفر الصادق وجماعة من آل أَبي طالب الّذين كانوا عنده ، فلمّا حَضَروه نَعاهُ إليهم وبكى وأَظْهَرَ حُزْناً شديداً وتَوَجُّعاً ، وأَراهم إيّاه صحيحَ الجسدِ ، وقالَ : يَعز عَلَيَّ يا أَخي أَنْ أراك في هذه الحال ، قد كُنْتُ آمُلُ أَنْ أُقَدَّمَ قَبْلك ، فأَبَى اللهُ إلّا ما أَرادَ ، ثمّ أَمَرَ بغسْلِه وتكْفينه وتَحْنيطه وخَرَجَ مع جنازته يَحْمِلُها حتى انتهى إلى الموضعِ الذي هو مدفونٌ فيه الآن فدَفَنَه. والموضعُ دارُ حُمَيْد بن قَحْطَبة (٢) في قرية يُقالُ لها : «سناباد» على دعوة (٣) من «نوقان » (٤) بأَرضِ طوسٍ ، وفيها قبرُ هارونِ الرشيد (٥) ، وقَبْرُ أَبي الحسن عليهالسلام بين يديه في قِبْلَتِهِ.
ومَضَى الرضا عليُّ بن موسى عليهالسلام ولم يَتْرُكْ ولَداً نَعْلَمُه إلا ابنَه الإمامَ بَعْدَه أَبا جعفر محمد بن عليّ عليهماالسلام وكانت سنُّه يومَ وفاة أَبيه سبعَ سنين وأَشهراً.
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٥٦٧ ، اعلام الورى : ٣٢٥ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٣٧٤ ، ونقله العلّامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٣٠٨.
(٢) في هامش «ش» : كان قحطبة قد وجهه الخليفة الى بعض الأمور فانجح فقال له : انت قحطبة. فقال : يا أميرالمؤمنين وما معنى ذلك؟ فقال : اردت هبط حق فقلبتُ لئلا يوقف عليه.
(٣) على دعوة: يعني مسافة بلوغ الصوت.
(٤) نوقان : احدى قصبتي طوس ، والاخرى طابران «معجم البلدان ٥ : ٣١١».
(٥) انظر: مقاتل الطالبيين : ٥٦٧.
باب
ذِكْرِ الإمام بعد أبي الحسن عليِّ بن موسى
عليهما السلامُ ، وتاريخ مولدهِ ، ودلائلِ إِمامتهِ
وطَرَفٍ من أخباره ، ومدّةِ إِمامتِه ، ومبلغِ سنه ، وذكرِ وفاتِه
وسببها ، وموضعِ قَبْرِه ، وعددِ أولادِه ، ومختصر من أخبارهم
وكان الإمامُ بعد الرضا علي بن موسى عليهماالسلام ابنَه محمَّدَ بن عليّ المرتضى بالنصِّ عليه والإِشارةِ من أبيه إليه ، وتكاملِ الفَضْلِ فيه ، وكانَ مولده عليهالسلام في شهر رمضان سنةَ خمسٍ وتسعين ومائة ، وقُبِضَ ببغداد في ذي القعدة سنةَ عشرين ومائتين وله يومئذٍ خمس وعشرون سنة ، وكانت مُدَةُ خلافته لأبيه وِإمامتِه من بعده سبعَ عشرة سنة ، وأُمّهُ أُمُّ ولد يُقالُ لها : سَبِيكة ، وكانت نوبيةً (١).
__________________
(١) في هامش «ش» : النوبة : جنس من السمر.
النوب والنوبة ، والواحد نوبي : بلاد واسعة للسودان ، وأيضاً جبل من السودان : «لسان العرب ـ نوب ـ ١ : ٧٧٦».
باب
ذكرِ طَرَفٍ من النصّ على أبي جعفر
محمد بن عليّ عليهما السلامُ بالإمامةِ ،
والإشارةِ بها إليه من أبيه عليهما السلامُ
فممَّن رَوَى النصَّ عن أَبي الحسن الرضا على ابنهِ أَبي جعفر عليهماالسلام بالإمامةِ : عليُّ بن جعفر بن محمّد الصادق ، وصَفوانُ بن يحيى ، ومَعمَرُ بن خَلاَد ، و ( الحسينُ بن يسار (١) ، وابنُ أَبي نَصْر البَزَنطيّ ، ( وابنُ
__________________
(١) كذا في «ش» و «م» وكان اصلهما : بشاراً فصحح بيسار ، وفي «ح » : بشار ، وهذا الاختلاف يوجد عند ذكر روايته أيضاً ، ونسخ الكافي مختلفة هناك أيضاً ، وفي رجال الكشي : الحسين بن بشار.
وفي المصادر اختلاف في اسم هذا الرجل ، فقد أورده البرقي في اصحاب الامام الجواد عليهالسلام : ٥٦ بعنوان الحسن بن بشار ، لكن في نسخة : بسر أويسار ، ويمكن ان يكون الحسن خطأ مطبعياً ، اذ أورده في فهرست الكتاب : الحسين بن بشار ، وأورده في باب اصحاب الامام الكاظم عليهالسلام بعنوان : الحسين بن يسار.
وأورده الشيخ في اصحاب الكاظم عليهالسلام بعنوان الحسين بن بشار ، وفي اصحاب الرضا والجواد عليهماالسلام : الحسين بن يسار على ما في كثيرمن النسخ ، كنسخة ابن سراهنك المؤرخة سنة ٥٣٣ وفي بعضها في كلا البابين : بشار ، وعبارة الشيخ في أصحاب الرضا عليهالسلام بعد عنوانه : مدائني ، مولى زياد ثقة صحيح ، روى عن أبي الحسن موسى عليهالسلام ، وأورده الشيخ في باب اصحاب الجواد عليهالسلام أيضاً : الحسن بن يسار ، فظاهره تغاير الحسين بن يسار مع الحسن بن يسار.
وقد ترجم العلامة الحلي للحسين بن بشار المدائني ، وضبط بشار: بالباء المنقطة تحتها والشين المعجمة المشددة. (الخلاصة ٤٩ / ٦ ) ، وأورده ابن داود بعنوان : الحسن بن بشار ـ بالباء المفردة والشين المعجمة ـ (رجال ابن داود ٧٢ / ٤٠٠ ).
والروايات الواردة عن هذا الرجل مختلفة أيضاً ، فقد ذكر في اكثرها : الحسين بن بشار ، وقد
قياما الواسطِيّ ) (١) ، والحسنُ بن الجَهْم ، وأَبو يحيى الصنعانيّ ، والخَيْرانيّ (٢) ، ويحيى بن حبيب الزَيّات ، في جماعةٍ كثيرة يَطُولُ بذِكْرِهم الكتابُ.
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ ابن إِبراهيم بن هاشم ، عن أَبيه و (٣) علي بن محمد القاساني جميعاً عن زكريا ابن يحيى بن النعمان قالَ : سَمِعْتُ علي بن جعفر بن محمد يُحدِّثُ الحسنَ ابن الحسين بن عليّ بن الحسين فقالَ في حديثه : لقد نَصَرَ اللهُ أَبا الحسن الرضا عليهالسلام لمّا بَغى عليه إِخوتُه وعُمومتُه ، وذَكَرَحديثاً طويلاً حتّى انْتَهى إِلى قوله : فقُمتُ وقَبَضْتُ على يَدِ أَبي جعفرمحمد بن عليِّ الرضا عليهالسلام وقلْتُ له : أَشْهَدُ أَنَّك إِمامٌ (٤) عند اللّهِ ، فبَكَى الرضا عليهالسلام ثم قال: «يا عمّ ، أَلم تَسْمَعْ أَبي وهو يَقوُل : قالَ رَسولُ اللّه صلّى اللّهُ عليهِ
__________________
بدّل الحسين في بعضها أو في بعض نسخها بالحسن ، وكذلك بدّل بشار بيسار ، وقد وصفه في بعض الروايات بالواسطي ، وفي رواية بالمدائني ، انظر: معجم رجال الحديث ٤ : ٢٩٠ ، ٥ : ١١٦ و ٢٠٢ و ٢٠٤ ، ٦ : ١١٥ ، والكشي رقم ٧٤٧ و ٧٦٦ و ٧٨٦ و ٩٤٢ ، بصائر الدرجات : ٧١ و ١٩٣ و ٤٤٧ ، والرجعة : ٢٠٩ ، واكمال الدين : ١٣٦ ، وعيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١١٨ و ٢ : ٢٠٩ ، والتوحيد: ١٣٦.
والظاهر كون الصواب : الحسين بن بشّار ، لكن الجزم به اعتماداً على ضبط العلامة الحلي وتأثره بضبط ابن داود مشكل ، لاحتمال اعتمادهما في الضبط على بعض النسخ المصححة بنظرهما.
(١) اثبتناه من هامش «ش» و «م» ، وفي هامش «ش» عليه علامة النسخة ، ولم يذكروه في متن النسخ ، ولعل وجه عدم الاتيان به في بعض النسخ ـ مع ذكر روايته في ما بعد ـ كونه واقفياً ، والمعهود في الكتاب الاستدلال بروايات الثقات من اصحاب الامام السابق. فتأمل.
(٢) يروي الخيراني النصّ عن أبيه ـ كما ياتي ـ وليس هو الراوي بالمباشرة ، ولا يعلم توصيف والده بالخيراني في كتب الرجال أيضاً. ويأتي في ص ٢٩٨ ، ٢٩٩.
(٣) كذا في «م» و «ح» ، وفي «ش» وهامش «م» : عن ، وهو تصحيف كما يظهر من سائر الاسناد ، ومن كلمة (جميعاً) في نفس السند.
(٤) في هامش «ش» و «م» : امامي.
وآلهِ : بأَبي ابنُ خِيرَةِ الإماء النُوبيّة الطيِّبة ، يكُونُ من ولده الطريدُ الشريدُ ، المَوْتورُ بأَبيه وجدِّه ، صاحبُ الغيبة ، فيُقالُ : ماتَ أَو هَلَكَ أيَّ وادٍ سَلَكَ؟» فقلْتُ : صَدَقْتَ جعِلْتُ فداك (١).
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد ابن يحيى ، عن أَحمدَ بن محمد ، عن صفوان بن يحيى قالَ : قُلْت للرضا عليهالسلام : قد كُنّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنَ يَهَبَ اللّهُ لك أَبا جعفرٍ فكُنْتَ تَقولُ : «يَهَبُ اللهُّ لي غُلاماً» فقد وَهَبهَ اللهُ لك وقَرَّ عُيوُننا به ، فلا أَرانا اللهُّ يومَك ، فإِن كانَ كونٌ فإلى مَنْ؟ فأَشارَ بيده إِلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه ، فقُلْتُ له : جُعِلْتُ فداك ، وهذا ابنُ ثلاث سنين ، قالَ : «وما يَضُرُّ من ذلك! قد قامَ عيسى بالحجةِ وهو ابنُ أَقل من ثلاث سنين » (٢).
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أَحمدَ بن محمد بن عيسى ، عن معمربن خلاد قالَ : سَمِعْتُ الرضا عليهالسلام وذَكَرَ شَيئاً (٣) فقالَ : «ما حاجتكم إِلى ذلك ، هذا أَبوجعفر قد أجْلَسْتهُ مجلسي وصَيَّرْتُه مكاني » وقالَ : «إنّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوارَثُ أَصاغِرُنا عن أَكابِرِنا القُذَّةُ بالقُذَة (٤) » (٥).
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٥٩ / ١٤ ، اعلام الورى : ٣٣٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢١ / ٧.
(٢) الكافي ١ : ٢٥٨ / ١٠ ، اثبات الوصية :١٨٥ ، الفصول المهمة :٢٦٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢١ / ٨ ، وذكر نحوه الخزاز في كفاية الأثر: ٢٧٩.
(٣) قال العلامة المجلسي (ره) في البحار ٥٠ : ٢٢ : وذكر شيئاً أي من علامات الامام وأشباهه وربما يقرأ على المجهول من باب التفعيل.
(٤) يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. «النهاية ـ قذذ ـ ٤ : ٢٨ ».
(٥) الكافي ١ : ٢٥٦ / ٢ ، الفصول المهمة :٢٦٥ ، اعلام الورى : ٣٣١ ، ونقله العلامة المجلسي
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدّةٍ من أصحابنا ، عن أحمدَ بن محمد ، عن جعفربن يحيى ، عن مالك ابن أشيم ، عن الحسين بن يسار (١) قالَ : كَتَبَ ابنُ قياما (٢) إِلى أَبي الحسن الرضا عليهالسلام كتاباً يقولُ فيه : كيف تَكُونُ إِماماً وليس لك ولدٌ؟ فأجابَه أَبو الحسن عليهالسلام : «وما عِلْمُك أَنَّه لا يكونُ لي ولدٌ؟! واللّهِ لا تَمضي الأيّامُ والليالي حتّى يَرْزُقَني اللهُ ذَكَراً يُفرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ» (٣).
حَدٌثَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن بعض أَصحابه ، عن محمد بن عليّ ، عن معاوية بن حكيمِ ، عن ابن أبي نصر البزنطي قالَ : قالَ لي ابنُ النجاشي : مَنِ الإمامُ بعدَ صاحبِك؟ فاُحِبُّ أَنْ تَسْأَله حتى أَعلَمَ. فدَخَلْت على الرضا عليهالسلام فاَخْبَرْته ، قال :فقالَ لي : « الإمام : اِبْني » وليس له ولدٌ ، ثم قالَ : هل يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَن يَقُولَ : اِبْني ، وليسَ له ولد؟! ولم يَكُنْ وُلِدَ أَبوجعفر عليهالسلام ، فلم تَمْضِ الأيامُ حتّى وُلِدَ صلّى اللّهُ عليهِ (٤).
أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن ( أحمدَ بن محمد ) (٥) ، عن محمد بن عليّ ، عن ابن قياما الواسطي ـ وكانَ
__________________
في البحار ٥٠ : ٢١ / ٩ ، وذكر الكليني قطعة منه بطريق آخرعن معمربن خلاد ١ : ٢٥٧ / ٦.
(١)كذا في «ش» و «م» ، وفي «ح» : بشّار ، وقد تقدم الكلام عنه آنفاً.
(٢) في هامش «ش» : ابن قياما الواسطي.
(٣) الكافي ١ : ٢٥٧ / ٤ ، رجال الكشي : ٥٥٣ / ١٠٤٤ ، اعلام الورى : ٣٣١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٢ / ١٠ ، وذكر نحوه الطبري في دلائل الامامة : ١٨٩ ، والمسعوديَ في اثبات الوصية : ١٨٣.
(٤) الكافي ١ : ٢٥٧ / ٥ ، اعلام الورىَ : ٣٣١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٢ / ١١.
(٥) كذا في «م» و «ح » ومثله في السندين الآتيين ، وهو الموجود في هامش «ش» في الموارد الثلاثة
واقِفاً ـ قالَ : دَخَلْتُ على عليّ بن موسى ، فقُلْتُ له : أَيكونُ إِمامان؟ قالَ : «لا ، إلا أَنْ يكونَ أحَدُهما صامتاً» فقُلْتُ له : هو ذا أَنت ، ليس لك صامتٌ؟ فقالَ لي : «واللهِ ليَجْعَلَنَّ اللهُ منّي ما يُثْبِتُ به الحق وأهْلَه ، ويَمْحَقُ (١) به الباطل وأَهْلَه » ولم يَكنْ في الوقت له وَلَدٌ ، فولدَ له أَبو جعفر عليهالسلام بعدَ سنة (٢).
أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن أحمدَ بن محمد (٣) ، عن محمد بن عليّ ، عن الحسن بن الجهم قالَ : كُنْتُ مع أَبي الحسن عليهالسلام جالساً فدعا بابنه وهو صغير فاجْلَسَه في حِجْري وقالَ لي : «جَرِّدْه ، اِنْزَع قَميصَه » فنَزَعْتُه فقالَ لي : «اُنْظرْ بين كَتِفَيْه » : فنَظَرْتُ ، فإِذا في إِحدى كَتِفَيه شبهُ الخاتَم داخلَ اللحم ، ثم قالَ لي : «أَترى هذا؟ مثلُه في هذا الموضعِ كانَ من أَبي عليهالسلام » (٤).
__________________
وقد جعل في جنبه هنا علامة النسخة ، وفي السندين الأتيين علامة التصحيح ، وفي متن «ش» : أحمد بن هارون ، وهو أصل نَسخ «م» ثم غيّر وصحّح بأحمد بن محمد.
وهذه الروايات وردت في الكافي ١ : ٢٥٧ / ٧ و ٨ و ٩ وسند حديث ٦ هكذا : أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن معمر بن خلّاد .. وسند حديث ٧ : أحمد عن محمد بن علي .. وسند حديث ٨ : أحمد عن محمد بن علي .. وسند حديث ٩ : عنه عن محمد بن علي .. وفي بعض النسخ المعتبرة ( عنه ) في السندين ٧ و ٨ أيضاً.
ولعل الموجود في نسخة الكافي التي عند المصنف ( قده ) في سند الحديث ٦ : أحمد بن محمد بدل أحمد بن مهران ، فاخذ المفيد سائر الروايات منها ، وأرجع الضميرإلى مرجعه أو أضاف ( ابن محمد ) بعد أحمد توضيحاً.
(١) في «ش» :يمحو.
(٢) الكافي ١ : ٢٥٧ / ٧ و ٢٨٨ / ١١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٢ / ١٢.
(٣) مرّ آنفاً ما يتعلق به.
(٤) الكافي ١ : ٢٥٧ / ٨ ، اعلام الورى : ٣٣٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ :
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن أحمدَ بن محمد (١) ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي يحيى الصنعاني قالَ : كُنْتُ عند أبي الحسن عليهالسلام فجيءَ بابنه أَبي جعفرٍ عليهالسلام وهو صغيرٌ ، فقالَ : «هذا المولود الذي لم يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ على شيعتنا بركةً منه » (٢).
أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن ( الحسين بن محمد ) (٣) ، عن الخيراني ، عن أَبيه قالَ : كنت واقفاً بين يدَيْ أَبي الحسن الرضا عليهالسلام بخُراسان ، فقآلَ قائلٌ : يا سيّدي إِنْ كانَ كَوْنٌ فإِلى مَنْ؟ قالَ : «إِلى أَبي جعفر ابني » فكأَن القائَل استصْغَرَ سنَّ أَبي جعفر عليهالسلام فقالَ أَبو الحسن عليهالسلام : « إِنَّ اللّهَ سبحانَه بَعَثَ عيسى بَن مريم رسولاً نبيّاً صاحبَ شريعةٍ مُبْتَدَأةٍ في أصْغَرَمن السنِّ الذي فيه أَبوجعفر عليهالسلام » (٤).
أخْبَرَني (أَبو القاسم ) (٥) ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ بن محمد ،
__________________
٢٣ / ١٣.
(١) مرّ آنفاً ما يتعلق به.
(٢) الكافي ١ : ٢٥٨ / ٩ ، اعلام الورى: ٣٣٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٣ / ١٤ ، وذكر المسعودي في اثبات الوصية : ١٨٤ ، نحوه.
(٣) كذا حكاه في البحار عن الارشاد ، وهو الصواب الموافق للكافي وسائر الاسناد. وفي النسخ : الحسن بن محمد.
(٤) الكافي ١ : ٢٥٨ / ١٣ ، اعلام الورى: ٣٣١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٣ / ١٥ ، وذكره باختلاف الطبري في دلائل الامامة : ٢٠٤ ، والمسعودي في اثبات الوصية : ١٨٦.
(٥) في «ش» و «م» و «ح » : جعفر بن محمد ، لكن جعل عليه في «ش» علامة الزيادة ، وضرب عليه خطأ في «م».
عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يحيى بن حبيب الزيات قالَ : أَخْبَرَني مَنْ كانَ عند أَبي الحسن عليهالسلام جالساً ، فلمّا نَهَضَ القَومُ قالَ لهم أَبو الحسن الرضا عليهالسلام : «القَوْا أَبا جعفر فسَلِّمُوا عليه وأَجِدُّوا به عَهْداً« فلمّا نَهَضَ القوم الْتَفَتَ إِليَّ فقالَ : «يَرْحَمُ اللّهُ المُفَضَّلَ ، إِنّه كانَ لَيَقْنَعُ بدون هذا» (١).
* * *
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٥٦ / ١ ، اعلام الورى : ٣٣٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٢٤ / ١٦ ، ورواه الكشي في رجاله ٢ : ٦٢٠ / ٥٩٣ ، بسند آخر ، عن محمد بن حبيب ، باختلاف يسير.