الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

لذلك ودَعا مَسْرُوراً الخادمَ فقالَ له : اُخْرُجْ على البريدِ (١) في هذا الوقتِ إِلى بغداد ، وادْخُلْ من فَوْرك على موسى بن جعفر ، فإِنْ وَجَدْتَه في دَعَةٍ ورَفاهيةٍ فأَوْصِلْ هذا الكتابَ إِلى العبّاسِ بن محمّد ومُرْهُ بامْتِثالِ ما فيه. وسَلَّمَ إليه كتاباً آخرَ إِلى السِنْدي بن شاهَك يَأْمُرُه فيه بطاعةِ العباس بن محمد.

فقَدِمَ مَسْرُورٌ فَنَزَلَ دارَ الفضل بن يحيى لا يَدْري أَحَدُ ما يُريد ، ثَم دَخَلَ على موسى بن جعفر عليه‌السلام فَوَجَدَه على ما بَلَغَ الرَّشيدَ ، فَمضَى مِنْ فَوْرِه الى العبّاس بن محمّد والسنديّ بن شاهَكَ فَأَوْصَلَ الْكتابَيْنِ إِليْهِما ، فلم يَلْبث الناسُ أَنْ خَرَجَ الرسُولُ يَرْكُضُ إِلى الفضل بن يحيى ، فَرَكِبَ معه وخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حتى دَخَلَ على العباس بن محمد ، فدَعا العباسُ بِسِياط وعقَابَينِ (٢) وأَمَرَ بالْفَضْل فجُرِّدَ وضرَبَه السِندي بين يَدَيْه مائةَ سَوْطٍ ، وخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اللوْنِ خِلافَ ما دَخَلَ ، وجَعَلَ يُسلِّمُ على النّاس يَميناً وشِمالاً.

وكَتَبَ مَسْرُورٌ بالخبرِ إِلى الرشيدِ ، فأمَرَ بتسليم موسى عليه‌السلام إِلى السِنديّ بن شاهَكَ ، وجَلَسَ الرَّشيدُ مَجْلِساً حافِلاً وقالَ : أَيُّها النّاسُ ، إِنّ الفضلَ بن يحيى قد عَصاني وخالَفَ طاعَتي ، ورأَيْتُ أَنْ أَلعَنَه فالْعنُوه لَعَنَه اللهُّ. فَلَعَنَه النّاسُ مِنَ كُلِّ ناحيةٍ ، حتى ارتجَّ البَيْتُ والدارُ بلَعْنِهِ.

وبَلَغَ يحيى بن خالد الخَبَرُ ، فَركِبَ إِلى الرشيدِ فَدَخَلَ من غَيْر

__________________

(١) في هامش «ش» : حُمل فلان على البريد ، وخرج على البريد: اذا كان رُتّب له في كل مرحلة مركوب فينزل عن المعييٌ الوجع ويركب القارّ المتودع ، وكذا في جمع المنازل.

(٢) في هامش «ش» : العقابان : آلة من آلات العقوبة لها طرفان اذا شال احدهما نزل الآخر وبالعكس حتى تأتيا على روحه.

٢٤١

الباب الذي تَدْخُلُ الناسُ منه ، حتى جاءهُ مِنْ خَلْفِهِ وهو لا يَشْعُرُ ، ثمَّ قالَ لَه : الِتفتْ ـ يا أَميرَ المؤمنين ـ إِليٌ ، فأَصْغى إِليه فَزِعاً ، فقالَ له : إِنَّ الْفَضْلَ حَدَثٌ ، وأَنا أَكْفيكَ ما تريد ، فانْطَلَقَ وَجْهُهُ وسُرَّ ، وأَقبَلَ على النّاسِ فقالَ : إِنَّ الفَضْلَ كانَ قد عَصاني في شيءٍ فَلَعَنْتُه ، وقد تابَ وأَنابَ إِلى طاعَتي فَتَوَلّوْهُ. فقالُوا : نَحْنُ أَولياءُ مَنْ والَيْتَ ، وأَعداءُ مَنْ عادَيْتَ وقد تَوَليناه.

ثمَّ خَرَجَ يحيى بن خالد على البريدِ حتّى وافى بغداد ، فماجَ النّاسُ وأَرجَفُوا بكلِّ شيءٍ ، وأَظْهَرَ أَنّه وَرَدَ لتعديِل السَّوادِ والنَّظَرِ في أمْرِ العُمّال ، وتَشاغَلَ ببعضِ ذلك أَيّاماً ، ثم دَعا السِندي فأَمَرَه فيه بأَمْرهِ فامْتَثَله.

وكانَ الذي تَوَلّى به السِندي قَتْلَهُ عليه‌السلام سمّاً جَعَلَهُ في طعامِ قَدَّمَه إِليه ، ويقال: انَّه جَعَلَه في رُطَبِ أَكَلَ منه فأَحَسَّ بالسُّمِّ ، ولَبثَ ثلاثاً بَعْدَه مَوْعُوكاً منه ، ثم ماتَ في اليًوْمِ الثالثِ (١).

وَلمّا ماتَ موسى عليه‌السلام أَدْخَلَ السندي بن شاهَك عليه الفقهاءَ ووُجُوهَ أَهْل بغداد ، وفيهم الهَيْثَم بن عَدِيّ وغَيْرُه ، فنَظَرُوا إِليه لا أَثَرَ به من جَراحٍ ولا خَنْقٍ ، وأَشْهَدَهُم على أَنّه ماتَ حَتْفَ أَنفِهِ فَشَهدُوا على ذلك.

وأُخْرِجَ ووُضعَ على الجسرِ ببغداد ، ونُودِيَ : هذا موسى بن جعفر قد ماتَ فَانْظُرُوا إِليه ، فَجَعَلَ النّاسُ يَتَفَرَّسُونِ في وَجْهِهِ وهو

__________________

(١) في هامش «ش» : روي انه أذاب الرصاص فصبّه في حلق الكاظم عليه‌السلام فكان سببَ موته.

٢٤٢

ميِّتٌ ، وقد كانَ قَوْمٌ زَعَمُوا في أَيّامِ موسى أَنّه القائمُ المُنْتَظَرُ ، وجَعَلَوا حَبْسَه هو الغيبةَ المذكورةَ للقائمِ ، فأَمَرَ يحيى بن خالد أَنْ ينادى عليه عِنْدَ مَوْتِه : هذا موسى بن جعفر الذي تَزَعَمُ الرّافِضَةُ أَنّه لا يَمُوتُ فَانْظُرُوا إِليه ، فَنَظَرَ النّاسُ إِليه ميِّتاً. ثم حُمِلَ فدُفِنَ في مَقابِرِ قُرَيْشٍ (١) في باب التّبن (٢) ، وكانَتْ هذهِ المَقْبَرةُ لبني هاشمٍ والأشرافِ مِنَ النّاسِ قَديماً.

ورُوِيَ : أنٌه عليه‌السلام لمّا حَضَرَتْهُ الوفاةُ سَأَلَ السنديَّ بن شاهَكَ أَنْ يحُضِرَه مَوْلىً له مَدَنيّاً يَنْزِلُ عِنْدَ دارِ العباسِ بن محمّد في مَشرعَةِ القَصَب (٣) ، ليتوَلّى غُسْلَه وتَكْفينَه ، ففَعَلَ ذلك. قالَ السِّنْدي بن شاهَك : وكُنْتُ أَسْأًلُه في الإذْنِ لي في أَنْ أُكَفِّنَهُ فأَبى ، وقالَ : «إنّا أَهْلُ بَيْتٍ ، مُهورُ نسائنا وحَجُّ صرُورَتِنا وأَكْفانُ موتانا مِنْ طاهِر أَمْوالِنا ، وعِنْدي كَفَنٌ ، وأُريدُ أَنْ يَتَوَلّى غُسْلي وجَهازي مولايَ فلان » فَتَوَلّى ذلك منه (٤).

* * *

__________________

(١) مقابر قريش: هي مدينة الكاظمية الحالية.

(٢ ، ٣) باب التبن ومشرعة القصب من مناطق بغداد في تلك الايام.

(٤) رواه ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين : ٥٠١ ، وقد سقطت منه بعض الفقرات ، والشيخ الطوسي في الغيبة : ٢٦ / ٦ مثل ما في الارشاد ، وذكره مختصراً الطبرسي في اعلام الورى : ٢٩٩ ، وابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٣٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨ : ٢٣٤ / ٣٩.

٢٤٣

باب

عَدَدِ أَولادِهِ وطرفٍ مِنْ أخْبارِهِمْ

وكانَ لأبي الحسن موسى عليه‌السلام سَبْعَةٌ وثلاثونَ وَلَداً ذَكَراً وأنثى مِنْهم : عليُّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، وابراهيمُ ، والعباسُ ، والقاسمُ ، لأمهاتِ أَولادٍ.

وإسماعيلُ ، وجعفرُ ، وهارونُ ، والحسينُ ، لأمّ ولدٍ.

وأَحمدُ ، ومحمدُ ، وحمزةُ ، لأمّ ولدٍ.

وعبدُ اللّهِ ، وإسحاقُ ، وعُبَيْدُ الله ، وزيد ، والحسنُ ، والفضلُ ، وسليمانُ ، لأمَّهاتِ أَولادٍ.

وفاطمةُ الكبرى ، وفاطمةُ الصغرى ، ورُقَيّةُ ، وحَكيمةُ ، وأُمّ أَبيها ، ورُقيّةُ الصُغرى ، وكلثم ، وأمّ جعفرٍ ، ولُبابَةُ ، وزينبُ ، وخديجةُ ، وعُلَيّةُ ، وآمِنة ، وحَسَنَةُ ، ، وبريهةُ ، وعائشةُ ، وأُمُّ سلمة ، وميمونةُ ، وأُمُّ كلثوم ، لأمّهات أَولادٍ.

وكانَ أَفضلَ ولد أَبي الحسن موسى عليهم‌السلام وأنبَهَهُم وأَعْظَمَهُم قَدْراً وأَعلَمَهُمْ وأَجْمعَهم فَضْلاً أَبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام.

وكانَ أحمدُ بن موسى كريماً جليلاً وَرِعاً ، وكانَ أَبو الحسن موسى عليه‌السلام يُحِبّه ويُقَدِّمه ، وَوَهَبَ له ضَيْعَتَه المعروفةَ بالْيَسيرةِ. ويُقالُ : إِنّ

٢٤٤

أحمد بن موسى رَضِيَ اللّهُ عنه أَعْتَقَ أَلفَ مَمْلوك.

أخْبَرَني الشريفُ أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى قالَ : حَدَّثَنا جَدِّي قالَ : سمعت إِسماعيلَ بن موسى يَقُولُ : خَرَجَ أبي بوَلَدِه إِلى بَعْض أَمْوالِه بالمدينةِ ـ وأَسْمى ذلك المالَ إلا أَنَّ أَبا الحسين يحيى نَسِيَ الاسْمَ ـ قالَ : فكُنَّا في ذلك المكانِ ، وكانَ مع أَحمد بن موسى عشرونَ من خَدَمِ أَبي وحَشَمِهِ ، إِنْ قامَ أَحمدُ قاموا معه ، وان جَلَسَ جَلَسُوا معه ، وأَبي بعد ذلك يَرْعاهُ بِبَصَرِهِ ما يَغْفُلُ عنه ، فما انْقَلَبْنا حتى انْشَجّ (١) أحمد بن موسى بيننا (٢).

وكانَ محمدُ بن موسى من أهلِ الفضلِ والصَّلاحِ. أَخْبَرَني أَبو محمد الحسن بن محمّد بن يحيى قالَ : حَدَّثني جدِّي قالَ : حَدَّثَتْني هاشميةُ مولاة رُقَيَّة بنت موسى قالَتْ : كان محمَّدُ بن موسى صاحبَ وُضوء وصَلاةٍ ، وكانَ لَيْلَهُ كلَّه يتوضأ ويُصَلِّي فَنَسْمَعُ سَكْبَ الماءِ والوُضوء ثمَّ يُصَلِّي لَيْلاً ثمَّ يَهْدَأ ساعَةً فيَرقُدُ ، ويَقُومُ فَنَسْمَعُ سَكْبَ الماءِ والوضوء ثَم يُصَلِّي ثمَّ يَرْقُد سًويعةً ثمَّ يَقُومُ فَنَسمَعُ سكْبَ الماءِ والوُضوء ، ثمَّ يصّلِّي فلا يَزالُ ليلَه كذلك حتى يُصبِحَ ، وما رَأيْتهُ قَطُّ إِلا ذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ تعالى : ( كَانُوا قَليلاً مِنَ اللَيْلِ مَا يَهْجَعًونَ ) (٣) ، (٤).

وكان إِبراهيمُ بن موسى سَخِيّاً شجاعاً كَريماً ، وتَقَلَّد الإمْرَةَ على

__________________

(١) في هامش «ش» و «م» : أي اصابته مع تلك المراعاة العظيمة اصابته شجٌة.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨ : ٢٨٧ / ٢.

(٣) الذاريات ٥١ : ١٧.

(٤) ذكره مختصراً ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٤٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨ : ٢٨٧ / ٣.

٢٤٥

اليمن في أَيّام المأمونِ من قِبَلِ محمد بن زيد (١) بن عليّ بن الحسين بن عليِّ ابن أبي طالبَ الذي بايَعَهُ أَبو السرايا بالكوفةِ ، ومَضى إِليها فَفَتَحَها وأَقامَ بها مدّةً إِلى أَنْ كانَ مِنْ أمرِ أَبي السرايا ما كان ، فأُخِذَ له الأمانُ مِنَ المَأمونِ.

ولكلِّ واحدٍ من ولد أَبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام فَضْلٌ ومَنْقَبَةٌ مشهورةٌ ، وكانَ الرضا عليه‌السلام المقدَّمَ عليهم في الْفَضْلِ حَسَبَ ما ذَكَرْناهُ.

* * *

__________________

(١) هذا نسبة الى الجدّ ، وهو محمد بن محمد بن زيد كما صرّح به الطبري في تاريخه ٨ : ٥٢٩ ، والنجاشي في ترجمة علي بن عبيد اللّه بن حسين العلوي : ٢٥٦ / ٦٧١.

٢٤٦

بابُ

ذِكْرِ الإِمام القائم

بَعْدَ أَبي الحسن موسى عَليه السلامُ مِنْ ولده ،

وتاريخِ مَوْلِدِه ودلائلِ إِمامتهِ ، ومَبْلَغِ سِنِّهِ ،

ومُدَّة خِلافَتِهِ ، ووَقْتِ وَفاتِهِ وسَبَبِها ، ومَوْضِعِ

قَبْرِه ، وعَدَدِ أَوْلادِهِ ، ومُخْتَصَرٍ مِنْ أَخْبارِهِ

وكانَ الإمامُ بَعْدَ أَبي الحسن موسى بن جعفر ابنَه أَبا الحسن عليَّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام لِفَضْلهِ على جماعةِ إِخْوَتهِ وأَهْلِ بَيْتِهِ ، وظُهورِ عِلْمِهِ وحِلْمِهِ ووَرَعِهِ واجْتهادِهِ ، واجْتماعِ الخاصّةِ والعامّةِ على ذلك فيه ومَعْرِفَتِهِمْ به منه ، وبِنَصِّ أَبيهِ على إِمامَتِهِ عليه‌السلام من بَعْده وأشارته إِليه بذلك دونَ جَماعَةِ إِخْوَتهِ وأَهْلَ بَيْتِهِ.

وكانَ مَوْلدُهُ بالمدينةِ سنةَ ثمانٍ وأَربعينَ ومائة. وقًبضَ بطوسٍ من أَرْضِ خُراسان ، في صفر من سنة ثلاثٍ ومائتين ، وله يومئذٍ خمسٌ وخمسونَ سنة ، وأمُّه أُمُ ولدٍ يُقالُ لها : أُمّ البنين. وكانَتْ مُدَّةُ إِمامَتِهِ وقِيامِهِ بَعْدَ أَبيه في خِلافتهِ عشرين سنةً.

فصل

فممَّنْ رَوَى النَصَّ على الرضا عليِّ بن موسى عليهما‌السلام بالإمامة

٢٤٧

من أَبيه والإشارةِ اليه منه بذلك ، من خاصّتهِ وثِقاتِهِ وأَهلِ الوَرَعِ والعِلْمِ والفِقْهِ من شيعته : داودُ بن كَثير الرَقّي ، ومحمّدُ بن إِسحاق بن عمّار ، وعليُّ ابن يَقْطينَ ، ونُعَيمُ القابوسيّ ، والحسينُ بن المختار ، وزيادُ بن َمروان ، والمخَزومي ، وداودُ بن سليمان ، ونَصر بن قابوس ، وداود بن زرَبْيّ ، ويزيد ابن سَليط ، ومحمّد بن سِنان.

أَخْبَرَني أَبُو القاسم جعفرُ بن محمد بن قولويه ، عن محمدِ بن يعقوب ، عن أَحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن سنان وإسماعيل بن غياث القصري جميعاً عن داود الرَقّي قالَ : قُلْتُ لأبي إِبراهيم عليه‌السلام : جُعِلْتُ فِداكَ ، إِنّي قَدْ كَبُرت سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي وأنقِذْني ِمن النارِ ، مَنْ صاحِبُنا بَعْدَكَ؟ قالَ : فأَشارَ إِلى ابْنِهِ أَبي الحسن فقالَ : «هذا صاحِبُكم مِنْ بَعْدي » (١).

أَخْبَرَني أَبُو القاسم ُ جعفر بن محمد ، عن محمد يعقوب الكليني ، عن الحسين (٢) بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أَحمد بن محمد بن عبد الله ، عن الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن إسحاق بن عمّار قالَ : قُلْتُ لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : أَلا تَدُلني على مَنْ آخُذُ

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٣ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣ / ٧ ، غيبة الطوسي : ٣٤ / ٩ ، الفصول المهمه لابن الصباغ : ٢٤٣ ، اعلام الورى : ٣٠٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٢٣ / ٣٤.

(٢) في «م» : ظاهره الحسن بن محمد ، وهو الموجود في «ش» ، وفي «ح » :الحسين ، وهو الصواب وفقاً للكافي وهو متكرر في اسناد الكافي ، وهو الحسين بن محمد بن عامر الأشعري الذي يروي كتب معلى بن محمد البصري كما في رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧ ، وفهرست الشيخ : ١٦٥ / ٧٣٢ ، ونظيرهما في رجال الشيخ ٥١٥ / ١٣٢ ، ومشيخة الصدوق ٤ : ١٣٦.

٢٤٨

عنه ديني؟ فقالَ : «هذا ابني علي ، إنّ أبي أخَذ بيدَي فأدْخَلَني إلى قبر رَسُول اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالَ لي : يا بُنَيَّ ، إِنَّ اللهَّ جَلَ وعَلا قالَ : ( إِنْي جَاعِلٌ في الأرْضِ خَليفَةً ً ) (١) وإنَّ اللّهَ إذا قالَ قَوْلاً وَفى بِهِ » (٢).

أَخْبرَني أَبوُ القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أَحمدَ بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسين (٣) بن نُعَيمْ الصحّاف قالَ : كُنْتُ أَنا وهُشامُ بن الحكم وعليّ ابن يقطين ببغداد ، فقالَ عليُّ بن يقطين : كُنْتُ عند العبدِ الصالحِ فقالَ لي : «يا عليَّ بن يقطين ، هذا علي سيدُ ولدي ، أما إنّي قد نَحَلْتُهُ كنيتي » وفي روايةٍ أُخْرى «كًتُبي » فَضَرَب هشامُ براحَتِهِ جَبْهَتَه ، ثمَّ قالَ : وَيْحَكَ ، كَيْفَ قُلْتَ؛ فقالَ عليُّ بن يقطين : سمعتُهُ واللّهِ منه كما قُلْتُ ، فقالَ هُشامُ : إِنَّ الأمْرَ واللّهِ فيه من بَعْدِهِ (٤).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدّةٍ من أَصْحابهِ ، عن أحمدَ بن محمد بن عيسى ، عن معاوية بن حكيم ، عن نُعَيْم القابوسي ، عن أَبي الحسن موسى عليه‌السلام قالَ : «ابْني علي أَكْبَرُ ولدي ، وأثرهُم عندي ، وأَحَبُّهُمْ إِليَّ ، وهو يَنْظُر معي في الجَفْرِ ، ولم

__________________

(١) البقرة ٢ : ٣٠.

(٢) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٤ ، غيبة الطوسي : ٣٤ / ١٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٢٤ / ٣٥.

(٣) كذا في «م» وهو الموجود في الكافي ، وفي «ش» و «ح » : الحسن ، وهو تصحيف كما يعلم من رجال النجاشي : ٥٣ / ١٢٠ ، وفهرست الشيخ : ٥٦ / ٢١٧ ، ورجال الشيخ : ٤٦٣ / ١١.

(٤) ‎الكافي ١ : ٢٤٨ / ١ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢١ / ٣ ، غيبة الطوسي : ٣٥ / ١١.‎‎

٢٤٩

يَنْظُرْ فيه إِلا نبيٌّ أَووَصِيُّ نبيٍّ » (١).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن أحمدَ ابن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن سنان ، وعليّ بن الحكم ـ جميعاً ـ عن الحسين بن المختار قالَ : خَرَجَتْ إِلينا أَلْواحٌ من أبي الحسن موسى عليه‌السلام وهو في الحبس : «عهدي إِلى أكبر ولدي أَن يَفْعَلَ كذا وأَنْ يَفْعَلَ كذا ، وفلانٌ لا تُنِلْه شَيْئاً حتى أَلقاكَ أَويَقْضيَ اللهُّ عَلَيَّ الموتَ » (٢).

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن (زياد ابن مروان القندي (٣) ، قال : دَخَلت على أَبي إبراهيم وعنده أَبو الحسن ابنُه عليهما‌السلام فقالَ لي : «يا زياد ، هذا ابني فلان ، كتابُه كتابي ، وكلامه كلامي ، ورسولُه رسولي ، وما قالَ فالقَوْلُ قَوْلي » (٤).

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن الفُضَيْل قالَ : حَدَّثَني المخزومي ـ وكانَتْ أُمُّه من ولد جعفر بن أبي طالب ـ ، قالَ : بَعَثَ إِلينا أَبو الحسن موسى فَجَمَعَنا ثم قالَ : «أَتَدْرونَ لِمَ

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٢ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣١ / ٢٧ ، وفيه «واسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري »بدل : «وآثرهم عندي واحبهم الي » غيبة الطوسي : ٣٦ / ١٢ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٣٦٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٢٤ / ٣٦.

(٢) الكافي ١ : ٢٥٠ / ٨ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٠ / ٢٣ ، مختصراً ، غيبة الطوسي : ٣٦ / ١٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٢٤ / ٣٧.

(٣) قال الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ان زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم انكره بعد مضي موسى عليه‌السلام ، وقال بالوقف وحبس ما كان عنده من مال موسى بن جعفر عليه‌السلام.

(٤) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٦ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣١ / ٢٥ ، غيبة الطوسي : ٣٧ / ١٤ ، الفصول المهمة : ٢٤٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ١٩ / ٢٣.

٢٥٠

جَمَعُتكُمْ؟ » فقلُنْا : لا ، قال : «اشْهَدُوا أَنَّ ابني هذا وَصِّي ، والقَيِّمُ بأَمْريَ ، وخليفتي من بعدي ، مَنْ كان له عندي دَيْنٌ فَلْيَأْخذْه من ابني هذا ، ومَنْ كانَتْ له عندي عِدَةٌ فَلْيَتَنَجزْها منه ، ومَنْ لم يَكُنْ له بدٌ من لقائي فلا يَلْقَني إلّا بِكتابهِ » (١).

وبهذا الإسناد عن محمد بن علي ، عن أَبي علي الخزاز ، عن داود بن سليمان قالَ : قُلْتُ لأبي إبراهيم عليه‌السلام : إنّي أَخافُ أنَ يَحْدُثَ حَدَثٌ ولا أَلقاك ، فأَخْبِرْني مَن الإمامُ بعدك؟ فقالَ : «ابني فلانٌ » يعني أَبا الحسن عليه‌السلام (٢).

وبهذا الإسناد عن ابن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن سعيد بن أَبي الجهم ، عن نصر بن قابوس ، قالَ : قُلْتُ لأبي إبراهيم عليه‌السلام : إِنّني سَأَلْتُ أَباك : مَن الذي يكون من بعدك؟ فأَخْبَرَني أَنَّكَ أَنْتَ هُو ، فَلَمّا تُوفَي أَبو عبد الله عليه‌السلام ، ذهب الناسُ يميناً وشمالاً ، وقُلْتُ بك أَنا وأَصحابي ، فأَخْبرْني مَن الذي يكون بعدك من ولدك؟ قالَ : «ابني فلانٌ » (٣).

وبهذا الإسناد عن محمد بن علي ، عن الضحّاك بن الأشعث ، عن

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤٩ / ٧ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٧ / ١٤ ، غيبة الطوسي : ٣٧ / ١٥ ، الفصول المهمة : ٢٤٤ ، ونقله المجلسي في البحار ٤٩٩ : ١٦ / ١٢.

(٢) الكافي ١ : ٢٥٠ / ١١ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣ / ٨ ، باختلاف يسير ، غيبة الطوسي : ٣٨ / ١٦ ، ونقله المجلسي في البحار ٤٩ : ٢٤ / ٣٨.

(٣) الكافي : ١ : ٢٥٠ / ١٢ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣١ / ٢٦ ، وفيه : ابني علي ، رجال الكشي : ٤٥١ / ٨٤٩ ، غيبة الطوسي : ٣٨ / ١٧ ، ونقله المجلسي في البحار ٤٩ :٢٥ / ٣٩.

٢٥١

داود بن زَربِيّ قالَ : جِئْتُ إِلى أَبي إِبراهيم عليه‌السلام بمالٍ ، فأَخَذَ بَعْضَه وتَرَكَ بَعْضَه ، فقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّهُ لأيِّ شيءٍ تَرَكْتَه عندي؟ فقالَ : «إِنَّ صاحبَ هذا الأمر يَطْلُبه منك » فَلَمّا جاءَ نَعْيُه بَعَثَ إِليَّ أَبو الحسن الرضا عليه‌السلام فَسَأَلَني ذلكَ المالَ فَدَفَعْتُه إِليه (١).

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن إِبراهيم بن عليّ بن عبد الله بن جعفر بن أَبي طالب ، عن يزيد بن سليط ـ في حديث طويل ـ عن أَبي إِبراهيم عليه‌السلام أَنّه قالَ في السنة التي قُبِضَ عليه فيها : «إِنّي أؤخَذُ في هذه السنة ، والأمرُ إِلى ابني عليٍّ سَمِيُّ عليِّ وعليٍّ ، فأَمّا علي الأوٌلُ فعَليًّ بن أَبي طالب ، وأَمّا علي الآخر فعليّ بن الحسينَ ـ صلوات اللهّ عليهم ـ أُعْطِيَ فَهْمَ الأوَّلِ وحِلْمَه ونَصْرَه ووَرَعَه ووِرْدَه ودينَه ، ومِحْنَةَ الآخرَ وصَبْرهَ على ما يَكْرَه » (٢) في الحديثِ (٣) بطولهِ.

أَخْبَرَني أَبُو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن علي وعُبَيْدِالله بن المرْزبان ، عن ابن سنان قالَ : دَخَلْتُ على أبي الحسن موسى عليه‌السلام من قبل أَن يقْدَمَ العراقَ بسنةٍ ، وعلي ابنهُ جالسٌ بين يديه ، فنَظَر الَىّ وقالَ : «يا محمّد ، إِنّه سَيَكُون في هذه السنة حَرَكَةٌ فلا تَجْزَعْ لذلكَ ».

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٥٠ / ١٣ ، غيبة الطوسي : ٩٣ / ١٨ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٦٨ ، وذكره بإختلاف يسير الكشي في رجاله : ٣١٣ / ٥٦٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ :٢٥ / ٤٠.

(٢) الكافي ١ : ٢٥٢ / ذيل الحديث ١٤ ، غيبة الطوسي : ٤٠ / ١٩.

(٣) في هامش «ش» : يعني المَروي أو الموُرد.

٢٥٢

قال : قلت : وما يكونُ جَعَلَني اللهُ فداك فقد أَقْلَقْتَني؟

قالَ : «أَصيرُ إِلى هذه الطاغية ، أَما إِنّه لا يَنْداني (١) منه سوء ، ولامِن الذي يكون من بعده ».

قال : قلت : وما يكون ، جَعَلَني اللهُ فداك؟

قالَ : ( يُضِلُّ اللّهُ الظّاِلمينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) (٢).

قالَ : قُلْتُ : وما ذاك ، جَعَلَني اللهُ فداك؟

قالَ : «مَنْ ظَلَمَ ابني هذا حَقَّه وجَحَدَه إِمامَته من بعدي ، كانَ كمن ظَلَم عليَّ بن أَبي طالب عليه‌السلام إمامَته وجَحَدَه حقَّه بعد رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

قالَ : قُلْتُ : واللهِ لئن مَدَّ اللهّ لي في العمر لأسَلَمَنَّ له حقَّه ولأقِرنّ بإمامته.

قالَ : «صَدَقْتَ ـ يا محمّد ـ يَمُدُّ اللهُ في عُمْركَ ، وتُسَلّم له حقَّه ، وتُقِرّ له بإِمامته وإمامة مَنْ يكونُ من بعده ».

قالَ : قُلْتُ : ومَنْ ذاك؟

قالَ : «ابنُه محمّد».

قالَ : قُلْتُ : له الرّضى والتسليم (٣).

__________________

(١) في هامش «ش» : لا ينداني : أي لا يصيبني ، وهومن حرّ الكَلام.

(٢) ابراهيم ١٤ : ٢٧.

(٣) الكافي ١ : ٢٥٦ / ١٦ ، غيبة الطوسي : ٣٢ / ٨ ، وأورده الصدوق في عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٢ / ٢٩ ، باختلاف ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٢٢ / ٢٧.

٢٥٣

باب

ذكر طرف من دلائله واخباره

أَخْبَرَني جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوبِ ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن أَحمر قالَ : قالَ لي أبو الحسن الأوّلُ عليه‌السلام : « هل عَلِمتَ أحداً من أَهل المغرب قَدِمَ؟ » قُلْتُ : لا ، قالَ : «بلى ، قد قَدِمَ رَجُلٌ من أَهلِ المغرب المدينَة ، فانَطلِقْ بنا» فرَكِبَ ورَكِبْتُ معه حتى انتهينا إِلى الرجل ، فإِذا رجلٌ من أَهلِ المغرب معه رقيقٌ ، فقُلْتُ له : إِعرِضْ علينا ، فعَرَضَ علينا سبْعَ جَوارٍ كلُّ ذلكَ يَقُولُ أَبو الحسن عليه‌السلام : «لا حاجةَ لي فيها» ثم قالَ : «اعرِضْ علينا» فقالَ : ما عندي إِلا جاريةٌ مريضةٌ ، فقالَ له : «ما عليك أن تَعْرِضَها؟» فأَبى عليه ، فانْصَرفَ.

ثم أرْسَلَني من الغدِ فقالَ لي : «قُلْ له : كمْ كانَ غايَتُك فيها؟ فإِذا قالَ لك : كذا وكذا ، فقُلْ : قد أَخَذْتها» فأَتَيْتُه فقالَ : ما كُنْتُ أُريدُ أَنْ أَنْقُصَها من كذا وكذا ، فقُلْتُ : قد أَخَذْتُها. قالَ : هي لك ، ولكن أَخْبِرْني مَنْ الرجل الذي كانَ معك بالأمْس؟ قُلْتُ : رَجلٌ من بني هاشم ، قال : من أَيّ بني هاشم؟ فقُلْتُ : ما عندي أَكثرمن هذا. فقالَ : أُخْبرك أَنّي اشْتَرَيْتُها من أَقصى المغرب ، فلقِيَتْني امرأةٌ من أَهلِ الكتاب فقالَتْ : ما هذه الوصيفةُ معك؟ قُلْتُ : اشتَرَيتُها لنفسي ، فقالَتْ : ما يَنْبغيَ أَن تكونَ هذه عند مِثْلِك ، إِنَّ هذه الجارية ينبغي أَن تَكُونَ عند خَيْر أَهْلِ

٢٥٤

الأرِضِ ، فلا تَلبثُ عنده إلّا قليلاً حتى تَلِدَ غُلاماً لم يوُلَدْ بشرق الأرض ولا غَرْبها مِثلُه. قالَ : فَأَتَيْتُه بها فلم تَلْبثْ عنده إلّا قليلاً حتى وَلَدَتْ الرضا عليه‌السلام (١).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أَحمدَ بن محمد (٢) ، عن صفوان بن يحيى قالَ : لمّا مَضى أَبو إِبراهيم عليه‌السلام وتَكَلَّمَ أَبو الحسن الرضا عليه‌السلام خِفْنا عليه من ذلك ، فقيلَ له : إِنّك قد أَظْهَرْتَ أَمْراً عظيماً ، وِانّا نخاف عليك هذا الطاغيةَ ، فقالَ : «ليَجْهَدْ جَهْدَه فلا سبيلَ له عَلَيَّ » (٣).

أخْبَرَني أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن ابن جمهور ، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن (أحمد بن عبيد الله ) (٤) ، عن الغفاري قالَ : كانَ لرجلٍ من الِ أبي رافع ـ مولى رسول اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقالُ له : فلان ، عَلَيَّ حق فتقاضاني وألحَّ علَيّ ، فلمّا رَأَيْتُ ذلك صَلّيْتُ الصُبحَ في مسجدِ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تَوَجهْتُ نَحْوَ الرضا عليه‌السلام ـ وهويومئذٍ بالغرَيْضِ (٥) ـ فلمّا قَربْتُ من

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٦ / ١ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٧ / ٤ ، دلائل الامامة :١٧٥ ، اثبات الوصية : ١٧٠ ، عيون المعجزات : ١٠٦ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٥٣ / ٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٨ / ١١.

(٢) في الكافي هنا زيادة : عمّن ذكره ... ، وما هنا أوفق بسائر الاسناد.

(٣) الكافي ١ : ٤٠٦ / ٢ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٢٦ / ٤ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٣٤٠ ، الفصول المهمة : ٢٤٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ١١٤ / ٣.

(٤) كذا في النسخ الثلاث والبحار ، وفي الكافي : أحمد بن عبدالله.

(٥) ذكر صاحب تاريخ قم نقلاً عن بعض الرواة : أنّ العُرَيْض من قرى المدينة على بُعد فرسخ منها ، وكانت القرية ملكاً للامام الباقر عليه‌السلام ، وأوصى الامام الصادق عليه‌السلام بهذه القرية الى ولده علي العريضي. تاريخ قم : ٢٢٤.

٢٥٥

بابه إِذا هو قد طَلَعَ على حمارٍ وعليه قَميص ورِداءٌ ، فلَمّا نَظَرْتُ إِليه اسْتَحْيَيْتُ منه ، فلمّا لَحِقَني وَقَفَ ونَظَرَ إِلَيَّ فسَلَّمْت عليه ـ وكانَ شهرُ رمضانَ ـ فقُلْتُ : جعْلْتُ فداك ، إِنَّ لمولاك فلان عَليَّ حقّاً ، وقد واللهِ شَهَرَني؛ وأَنا أَظُنُّ في نفسي أَنّه يَأْمُرُه بالكفِّ عنّي ، وواللّهِ ما قُلْتُ له كَمْ له عليٌ ولا سَمَّيْتُ له شيئاً ، فأَمَرَني بالجلوسِ إِلى رجوعِه.

فَلمْ أَزَلْ حتى صَلَّيْتُ المغربَ وأَنا صائمٌ ، فضاقَ صَدْري وأَرَدْتُ أَن أَنصرِفَ ، فإِذا هو قد طَلَعَ عَلَيَّ وحوله الناسُ ، وقد قَعَدَ له السؤّالُ وهو يتصدق عليهم ، فمضى فدَخَلَ بَيْتَه ثم خَرَجَ ، ودعاني فقُمْتُ إِليه ودَخَلْتُ معه ، فَجَلَسَ وجَلَسْتُ معه فجَعلْتُ أحَدِّثُهُ عن ابن المسيّب (١) ـ وكانَ كثيراً ما أُحَدِّثه عنه ـ فلمّا فَرَغْت قالَ : «ما أظُنُّك أَفْطَرْتَ بعدُ» قُلْتُ : لا ، فدَعا لي بطعامٍ فوضعَ بين يَدَيَ ، وأَمَرَ الغلامَ أَن يَاْكُلَ معي ، فأَصَبْتُ والغلام من الطعام ، فلمّا فَرَغْنا قالَ : «ارفَع الوسادةَ وخذْ ما تحتها» فرَفَعْتُها فإِذا دنانير فأَخَذْتُها ووَضَعْتُها في كُمّي.

وأمر أربعةً من عَبيده أن يكونوا معي حتى يَبْلغوا بي منزلي ، فقُلْتُ : جعلت فداك إِنَّ طائفَ (٢) ابن المسيب يَقْعُدُ وأَكْرَهُ أَنْ يَلْقاني ومعي عَبِيدُك ، فقالَ لي : «أَصَبْتَ ، أَصابَ اللّهُ بك الرشادَ» وأَمَرهُم أَنْ يَنْصَرِفوا إِذا رَدَدْتُهم.

فلمّا قربت من منزلي وأَنِسْتُ رَدَدْتًهم وصِرْتُ إِلى منزلي ودَعَوْتُ السِراجَ ونَظَرْتُ إِلى الدنانير ، فإذا هي ثمانيةٌ وأَربعونَ ديناراً ، وكانَ حَقُّ الرجلِ عَلَيَّ ثمانيةً وعشرين ديناراً ، وكانَ فيها دينارٌ يَلُوحُ فأَعْجَبَني حُسْنُه فأَخَذْتُه

__________________

(١) هو هارون بن المسيب كان والي المدينة.

(٢) الطائف : العاسّ بالليل. «العين ـ طوف ـ ٧ : ٤٥٨».

٢٥٦

وقَرَّبته من السراجِ فإِذا عليه نقشٌ واضحٌ : «حقّ الرجلِ ثمانيةٌ وعشرونَ ديناراً ، وما بقي فهولك » لا واللّه ما كُنْتُ عَرَّفْت ما لَهُ عَلَيَّ على التحديد (١).

أَخْبرني أَبو القاسمِ جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ ابن إِبراهيم ، عن أَبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أَبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنّه خَرجَ من المدينةِ ـ في السنة التىِ حجََّ فيها هارونَ ـ يُريد الحجّ فانتهى الِى جبل على يسار الطريق يُقال له : فارعٌ ، فنَظَرَ إِليه أبو الحسن عليه‌السلام ثمّ قالَ : «يا فارع (٢) ، وهادِمُه يًقَطَّعُ اِرْباً ارباً» فلمْ نَدْرِ ما مَعْنى ذلك. فلمّا بَلَغَ هارونُ ذلك المكان (٣) نَزَلَه وصعد جعفرُ بن يحيى الجبَلَ وأَمَرَ أَن يُبْنى له فيه مجلسٌ ، فلمّا رَجَعَ من مكة صَعِدَ إِليه وأَمَرَ بهَدْمِه ، فلمّا انْصرَفَ إِلى العراقِ قُطِّعَ جعفرُ بن يحيى إِرْباً إرْبا (٤).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن أَحمدَ ابن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عيسى ، عن (محمد بن حمزة ابن الهيثم ) (٥) ، عن إِبراهيم بن موسى قالَ : أَلْححْتُ على أبي الحسن

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٧ / ٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٩٧ / ١٢.

(٢) في الكافي والمناقب : باني فارع.

(٣) في «م» وهامش «ش» : الموضع.

(٤) الكافي ١ : ٤٠٧ / ٥ ، مناقب ال ابي طالب ٤ : ٣٤٠ ، ونقله العلّامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٥٦ / ٧٠.

(٥) كذا في النسخ ، والظاهر انّ الصواب محمد بن حمزة بن القاسم ، كما في الكافي والاختصاص والبصائر ، وفيه : محمد بن حمزة بن القاسم أو عمّن أخبره عنه قال : أخبرني ابراهيم بن موسى ، ولا يبعد اتحاده مع محمد بن حمزة بن القاسم الذي عده الشيخ (قده) في اصحاب الامام الرضا عليه‌السلام : ٣٩٢ / ٦٧ ، والموجود في نقل دلائل الامامة للخبر: محمد بن حمزة الهاشمي ، فيحتمل قوياً كونه محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن علي بن أبي طالب ، وقد أورد اسمه في المجدي : ٢٢ ، وذكر ان ابناءه قتلوا مع الكوكبي ، والحسين

٢٥٧

الرضا عليه‌السلام في شيءٍ اطلبه منه فكانَ يَعِدُني ، فخَرَجَ ذاتَ يوم يَسْتَقْبِلُ والي المدينة وكُنْتُ معه ، فجاءَ إِلى قُرْب قَصْرِ فلانٍ فَنَزَلَ عنده تحتَ شَجَراتٍ ، ونَزَلْتُ معه وليسَ معنا ثالثٌ فقُلْتُ : جُعِلْتُ فداك ، هذا العيدُ قد أظَلَّنا ، ولا واللهِّ ما أَمْلِكُ درهماً فما سواه ، فحَكَّ بسَوْطِه الأرضَ حَكّاً شديداً ، ثم ضرَبَ بيده فتناوَلَ منه سَبيكةَ ذهبٍ ثم قالَ : «اسْتَنْفِعْ بها واكتُمْ ما رَأيْتَ » (١).

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلِّى بن محمد ، عن مسافر قالَ : كُنْتُ مع أَبي الحسن الرضا عليه‌السلام بمنى فمرَّ يحيى بن خالد فغَطّى وَجْهَه من الغبار ، فقالَ الرضا عليه‌السلام : «مساكينُ لا يَدْرُونَ ما يحلُّ بهم في هذه السنة» ثم قالَ : «وأَعْجَبُ من هذا ، هارون وأَنا كهاتين » وضَمَّ إِصْبَعَيْه ، قالَ مُسافر: فواللهِّ ما عَرَفْت معنى حديثهِ حتّى دَفَنّاه معه (٢).

__________________

الكوكبي خرج سنة ٢٥٠ كما في مروج الذهب ، فيناسب كون والد المقتولين معه من اصحاب الرضا عليه‌السلام.

(١) بصائر الدرجات : ٣٩٤ / ٢ ، الكافي ١ : ٤٠٨ / ٦ ، دلائل الامامة : ١٩٠ ، الاختصاص : ٢٧٠ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٧ / ٢ ، بتفصيل ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٤٨.

(٢) الكافي ١ : ٤١٠ / ذيل الحديث ٩ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ :٢٢٥ / ٢ و ٢٢٦ / ١ و ٢ ، اعلام الورى : ٣١٢ ، مناقب آل ابي طالب ٤ : ٣٤٠ الى قوله : اصبعيه ، الفصول المهمة : ٢٤٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ٤٤ / ٥٦.

٢٥٨

فصل

وكانَ المأمونُ قد أَنْفَذَ إِلى جماعةٍ من آل أَبي طالب ، فحَمَلَهم إِليه من المدينةِ وفيهم الرضا عليُّ بن موسى عليهما‌السلام ، فأُخِذَ بهم على طريقِ البصرةِ حتى جاؤوه بهم ، وكانَ المتولّي لإشْخاصِهم المعروف بالجَلودي (١) ، فقَدِمَ بهم على المأمون فأَنْزَلَهم داراً ، وأنزَلَ الرضا عليَّ بن موسى عليهما‌السلام داراً ، وأَكْرَمَه وعَظّمَ أَمْرَه ، ثم أنْفَذَ إِليه :إِنّي أُريدُ أَنْ أَخْلَعَ نفسي من الخلافةِ وأُقَلِّدك إِيّاها فما رَأيُك في ذلك؟ فأَنْكَرَ الرضا عليه‌السلام هذا الأمرَ وقالَ له : «اُعيذك بالله ـ يا أمير المؤمنين ـ من هذا الكلامِ ، وأَنْ يَسْمَع به أَحَدٌ « فرَدَّ عليه الرسالةَ : فإِذ أَبَيْتَ ما عَرَضْتُ عليك فلا بُدّ من ولايةِ العهد من بعدي ، فأَبى عليه الرضا إِباءاً شديداً ، فاسْتَدْعاه إِليه وخَلا به ومعه الفَضْلُ بن سَهْل ذو الرئاستين ، ليس في المجلسِ غَيْرهم وقالَ له : إِنّي قد رَأَيْتُ أَنْ أُقَلِّدك أَمْرَ المسلمين ، وأَفْسَخَ ما في رَقَبَتي وأَضَعه في رَقَبَتِكَ ، فقالَ له الرضا عليه‌السلام : «اللّهَ اللّهَ ـ يا أمير المؤمنين ـ إِنّه لا طاقةَ لي بذلك ولا قوّة لي عليه » قالَ له : فأني مُولّيك العهدَ من بعدي ، فقالَ له : «أَعْفِني من ذلك يا أَميرَ المؤمنين » فقالَ له المأمون كلاماً فيه كالتهدُّدِ له على الامتناعِ عليه ، وقالَ له في كلامه : إِنَّ عمرَ بن الخطّابِ جَعَلَ الشورى في ستّةٍ أحَدهم جَدُّك أَميرُ المؤمنين عليُّ بن أَبي طالب وشَرَطَ فيمن خالَفَ منهم أَن تُضْرَبَ عُنُقُه ، ولا بُدَّ من قبولك ما أُريدُه منك ،

__________________

(١) هو عيسى بن يزيد الجلودي.

٢٥٩

فإِنَّني لا أجدُ مَحيصاً عنه ، فقالَ له الرضا عليه‌السلام : «فإِنّي أجيبُك (١) إِلى ما تُريدُ من ولايةِ العَهْدِ ، على أَنّني لا آمُر ولا أَنهى ولا اُفْتي ولا أَقْضي ولا أُوَلّي ولا أَعْزلُ ولا أُغَيِّرُ شَيْئاً ممّا هو قائم » فأَجابَه المأَمونُ إِلى ذلك كلِّه.

أَخْبَرني الشريفُ أبو محمد الحسنُ بن محمد قالَ : حدَّثنا جَدِّي قالَ : حدَّثني (٢) موسى بن سلمة قالَ : كُنْتُ بخراسان مع محمّد بن جعفر ، فسَمِعْتُ أَنَّ ذا الرئاستين خَرَجَ ذاتَ يَوْمِ وهو يقولُ : وا عجباه وقد رَأَيْتُ عَجَباً ، سَلُوني ما رَأَيْتُ؛ فقالوا : وما رَأَيْت أَصلَحكَ اللهُّ؟ قالَ : رَأَيْتُ المأمون أَميرَ المؤمنينَ يَقولُ لعليّ بن موسى الرضا : قد رَأَيْتُ أَنْ اقلدك أُمورَ المسلمينَ ، وأَفْسَخَ ما في رقَبتي وأَجْعَلَه في رَقَبَتِك ، ورأَيْتُ عليَّ بن موسى يَقُولُ : «يا أَميرَ المؤمنين لا طاقَة لي بذلك ولا قوّة» فما رَأَيْتُ خلافة قَطُّ كانت أَضْيَعَ منها ، إِنّ أَميرَ المؤمنينَ يَتَفَصّى (٣) منها ويَعْرِضُهَا على عَليِّ بن موسى وعَليُّ بن موسى يَرْفُضُها ويأبى (٤).

وذَكَر جماعةٌ من أَصحاب الأخْبارِ ورُواة السِيَر والآثارِ وأيامِ الخُلفاءِ : أَنَّ المأمون لمّا أَرادَ العقدَ للرضاَ عليِّ بن موسى عليه‌السلام وحَدَّثَ نَفْسَه بذلك ، أَحْضَر الفَضْلَ بن سهل فأَعْلَمَه ما قد عَزَمَ عليه من ذلك وأَمَرَه بالاجتماعِ مع أَخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففَعَلَ واجْتَمعا بحضرته ،

__________________

(١) في «م» :مجيبك.

(٢) في هامش «ش» : حدثنا ، وكان في جنبه علامة التصحيح.

(٣) في هامش «ش» و «م» : يتفصّى : اي يتنصّل.

(٤) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٤١ / ٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩ : ١٣٦ / ١١.

٢٦٠