الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

قالتْ فاطمةُ بنتُ الحسينِ عليهما‌السلام : فلمّا جلسنا بينَ يَدَيْ يزيدَ رقَّ لنا ، فقامَ إِليه رجلٌ من أَهلِ الشّام أحمرُ فقالَ : يا أميرَ المؤمنينَ ، هَبْ لي هذه الجاريةَ ـ يَعنيني ـ وكنتُ جَاريةً وَضيئةَ فأُرْعِدْتُ وظَنَنْتُ أنّ ذلكَ جائزٌ لهم ، فأَخذتُ بثيابِ عمّتي زينبَ ، وكانتْ تعلمُ أنّ ذلكَ لا يكونُ.

فقالتْ عمتي للشاميِّ : كَذبْتَ واللّهِ ولؤُمْتَ ، واللهِّ ما ذلكَ لكَ ولا له.

فغَضِبَ يزيد وقالَ : كذبتِ ، إِنَّ ذلكَ لي ، ولو شئتُ أن أفعلَ لَفعلتُ.

قالتْ : كلاٌ واللهِّ ما جعلَ اللّهُ لكَ ذلكَ إلاّ أن تَخرجَ من ملّتنا وتدينَ بغيرها.

فاستطارَ يزيدُ غضباً وقالَ : إِيّاي تَستقبلينَ بهذا؟! إِنما خرجَ منَ الدِّينِ أَبوكِ وأَخوكِ.

قالتْ زينبُ : بدينِ اللهِّ ودينِ أبي ودينِ أخي اهتديتَ أنتَ وجدًّكَ وأَبوكَ إِن كنتَ مسلماً.

قالَ : كذبتِ يا عدوّةَ اللهِّ.

قالتْ له : أنتَ أميرٌ ، تَشتمُ ظالماً وتَقهرُ بسلطانِكَ ؛

فكأنّه استحيا وسكتَ.

فعادَ الشّاميُّ فقالَ : هَبْ لي هذه الجاريةَ.

فقالَ له يزيدُ : اغرُبْ ، وَهَبَ اللّهُ لكَ حَتْفاً قاضياً.

١٢١

ثمّ أَمرَ بالنِّسوةِ أَن يُنْزَلْنَ في دارٍ على حِدَةٍ معهنّ أَخوهُنَ ُ عليّ بنُ الحسينِ عليهم‌السلام ، فأُفرِدَ لهم دارٌ تتّصلُ بدارِ يزيدَ ، فأَقاموا أَيّاماً ، ثمّ ندبَ يزيدُ النُّعمانَ بنَ بشيرٍ وقالَ له : تجهّزْلتخرجَ بهؤلاءِ النِّسوانِ (١) إِلى المدينةِ. ولمّا أَرادَ أَن يُجهِّزَهم ، دعا عليَّ بن الحسين عليهما‌السلام فاستخلاه (٢) ثمّ قالَ له : لعنَ اللهُّ ابنَ مرجانةَ ، أَمَ واللهِّ لو أَنَي صاحبُ أَبيكَ ما سأَلني خَصلةً أَبداً إلاٌ أَعطيتُه إِيّاها ، ولَدفعتُ الحَتْفَ عنه بكلِّ ما استطعتُ ، ولكنً اللّهَ قضى ما رَأَيتَ ؛ كاتِبْني منَ المدينةِ وَأنهِ كلَّ حاجةٍ تكونُ لكَ.

وتقدّمَ بكسوته وكسوةِ أَهلِه ، وأَنفذَ معَهم في جملةِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رسولاً تَقدّمَ إِليه أن يسيرَبهم في الليلِ ، ويكونوا أَمامَه حيثُ لا يفوتونَ طَرْفَه (٣) ، فإِذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّقَ هو وأَصحابُه حولَهم كهيئةِ الحَرَسِ لهم ، وينزل منهم حيثُ إِذا أَرادَ إِنسانٌ من جماعتِهم وضوءاً أَو قضاءَ حاجةٍ لم يَحتشِمْ.

فسارَ معَهم في جملةِ النُّعمانِ ، ولم يَزَلْ يُنازلهُم في الطّريقِ ويَرفقُ بهم ـ كما وصّاه يزيدُ ـ ويرعونهم حتّى دخلوا المدينةَ.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : النسوة.

(٢) في «م» وهامش «ش» : فاستخلى به.

(٣) في «ش» : طرفة عين

١٢٢

فصل

ولمّا أَنفذَ ابنُ زيادٍ برأسِ الحسينِ عليه‌السلام إِلى يزيدَ ، تقدّمَ إِلى عبدِ الملكِ بنِ أَبي الحُدَيثِ السُّلَميِّ فقالَ : انطلقْ حتّى تأْتيَ عَمَرَو بنَ سعيدِ ابنِ العاصِ بالمدينةِ فبَشِّرْه بقتلِ الحسينِ ، فقالَ عبد الملكِ : فركبتُ راحلتي وسرتُ نحوَ المدنيةِ ، فلقيَني رجلٌ من قُريشٍ (١) فقالَ : ما الخبرُ؟ فقلتُ : الخبرُ عندَ الأميرِتسمعُه ، فقالَ : إِنّا للّهِ وإنّا إِليه راجعونَ ، قُتِلَ ـ واللهِ ـ الحسينُ. ولمّا دخلتُ على عمرِو بنِ سعيدٍ قالَ : ما وراءَكَ؟ فقلتُ : ما سَر الأميرَ ، قُتِلَ الحسينُ بنُ عليٍّ ؛ فقالَ : اخرجْ فنادِ بقتلهِ ؛ فناديتُ ، فلم أَسمعْ واللهِّ واعيةً قطًّ مثلَ واعيةِ بني هاشمٍ في دورِهم على الحسينِ ابنِ عليٍّ عليهما‌السلام حينَ سمعوا النِّداءَ بقتلهِ ، فدخلت على عَمرِو بنِ سعيدٍ ، فلمّا رآني تبسّمَ إِليَّ ضاحكاً ثمّ أَنشأَ متمثّلاً بقولِ عمرِو بنِ مَعدي كرب :

عَجَّتْ نِسَاءُ بَنِيْ زِيَادٍ عَجَّةً

كَعَجِيْجِ نِسْوَتنَاغَدَاةَ الأرْنَبِ (٢)

ثمّ قالَ عَمرٌو: هذه واعيةٌ بواعيةِ عُثمانَ. ثمّ صعدَ المنبرَ فأَعلمَ النّاسَ قَتْلَ الحسينِ بنِ عليّ عليهما‌السلام ودعا ليزيد بن معاويةَ ونزلَ.

__________________

(١) في هامش «ش» و «م» : قيس.

(٢) في هامش «ش» و «م» : (قال ابو الندى الاعرابي : الأرنب : ماء ، وروي : الأثأب وهو: شجر). وفي الطبري ٥ : ٤٦٦ ، والكامل ٤ : ٩٨ : الأرنب : وقعة كانت لبني زُبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب.

١٢٣

ودخلَ بعضُ موالي عبدِاللهِّ بن جعفر بن أَبي طالبٍ عليه‌السلام فنعى إليه ابنيه فاسترجعَ ، فقالَ أبوالسلاسِلِ مولى عبدِاللهِّ : هذا ما لَقِيْنا منَ الحسينِ بنِ عليِّ ؛ فحذَفه عبدُاللهّ بن جعفرٍ بنعلِه ثمّ قالَ : يا ابنَ اللَخْناءِ ، أَلِلحسيَنِ تقولُ هذا؟! واللهِّ لو شَهِدْتُه لأحببْتُ ألا أفارقَه حتّى أُقتلَ معَه ، واللّهِ إِنّه لَمِمّا يُسَخِّي بنفسي عنهما ويُعَزِّيني (١) عنِ المُصاب بهما أَنّهما أُصِيبا معَ أَخي وابنِ عمِّي مواسِيَيْنِ له ، صابرَينِ معَه. ثمّ أَقبلَ عَلى جُلسائه فقالَ : الحمدُ للهِّ ، عزّ عليّ مصرع (٢) الَحسين ، إنْ لا أكُنْ (٣) آسيتُ حسيناً بيدي فقد آساه ولدي.

وخرجتْ أمًّ لُقمانَ بنتُ عقيلِ بنِ أبي طالبٍ حينَ سمعتْ نَعْيَ الحسينِ عليه‌السلام حاسرة ومعَها أخواتُها : أمُّ هانئ ، وأَسماءُ ، ورملةُ ، وزينبُ ، بناتُ عقيلِ بنِ أبي طالبٍ رحمة اللّهِ عليهنّ تبكي قتلاها بالطّفِّ ، وهي تَقولُ :

ماذَا تَقُوْلُوْنَ إذْ (٤) قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ :

ماذَا فَعَلتُمْ وَأنتُمْ اخرُ الأممِ

بِعِتْرَتيْ وَبِأَهْليْ بَعْدَ مفْتَقَدِيْ

مِنْهُمْ اسَارَى ومِنهُمْ ضُرِّجُوْا بدَمِ

مَاكَانَ هَذَا جَزَائي إذْنَصَحْتُ لَكُمْ

أَنْ (٥) تَخْلُفُوْنِيْ بِسُوءٍ فِيْ ذَوِيْ رَحِمِي

فلمّا كانَ الليلُ منْ ذلكَ اليومِ الّذي خَطَبَ فيه عَمروبنُ سعيدٍ بقتلِ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما‌السلام بالمدينةِ ، سَمِعَ أَهلُ المدينةِ في جوف الليل مُنادياً ينُادي ، يَسمعونَ صوتَه ولا يَرَوْنَ شخصَه :

__________________

(١) في « م » وهامش « ش » :يعزي.

(٢) في نسخنا : بمصرع ، وما اثبتناه من نسخة العلامة المجلسي في البحار.

(٣) في «ش» و «م» : ألا أكون ، وصحح في هامشهما بما في المتن.

(٤) في «م» :إن.

(٥) في هامش «ش» و «م» : اذ.

١٢٤

ايها القاتلون جهْلاً حُسَيناً

أَبشِرُوا بِالعَذَاب وَالتَنْكِيْلِ

(كُلُّ أَهْلِ ) (١) السَّمَاءِ يَدْعُوْ عَلَيْكُمْ

مِنْ نَبي وَملاك وَقبيْلِ (٢)

قَدْ لُعنْتُمْ على لِسَانِ ابْنِ دَاوُوْ

دَ وَموسَى وَصَاحِبِ الإنْجِيْل

فصل

أَسماء من قُتِلَ معَ الحسينِ بنِ عليٍّ عليه‌السلام من أَهلِ بيتهِ بطفِّ كربلاءَ ، وهم سبعةَ عشرَنفساً ، الحسينُ بنُ علي عليه‌السلام ثامنَ عشرَ منهم : العبّاسُ وعبدُاللّهِ وجعفرٌ وعُثمانُ بنو أَمير المؤمنينَ عليهِ وعليهم السّلامُ ، أُمُّهم أُمُّ البنينَ.

وعبداللهِّ (٣) وأَبو بكرٍ ابنا أَميرِ المؤمنينَ عليهما‌السلام ، أُمهما ليلى بنتُ مسعودِ الثّقفيّةُ.

وعليٌّ وعبدُاللهِّ ابنا الحسينِ بنِ عليٍّ عليهم‌السلام.

والقاسمُ وأَبو بكرٍ وعبدُاللّهِ بنو الحسنِ بنِ عليٍّ عليهم‌السلام.

ومحمّدٌ وعونٌ ابنا عبداللهِ بنِ جعفرِبن أَبي طالبٍ رحمةُ اللهِ عليهم.

وعبدُاِللهّ وجعفرٌ وعبدُ الرّحمنِ بنوعقيلِ بنِ أَبي طالبٍ.

__________________

(١) في هامش «ش» : كل من في.

(٢) في هامش «ش» : وقتيل.

(٣) كذا في«ش» و «م» لكن الصحيح عبيدالله كما مضى من المصنف في أولاد أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وهو الموافق لما في المصادر الاخرى.

١٢٥

ومحمّدُ بنُ أَبي سعيدٍ بنِ عقيلِ بنِ أَبي طالبٍ رحمةُ اللّهِ عليهم أجمعينَ.

فهؤلاءِ سبعةَ عشرَنفساً من بني هاشم ـ رضوانُ اللّهِ عليهم أجمعينَ ـ إِخوةُ الحسينِ وبنو أَخيه وبنو عمّيه جعفرٍ وعقيلٍ ، وهم كلُّهم مدفونونَ ممّا يلي رِجلَي الحسينِ عليه‌السلام في مشهدِه حفِرَ لهم حَفِيرةٌ وأُلقُوا فيها جميعاً وسُوِّيَ عليهم التًّرابُ ، إلا العبّاسَ بنَ عليٍّ رضوانُ اللّهِ عليه فإنَّه دُفِنَ في موضعِ مَقتلِه على المُسَنَّاةِ بطريقِ الغاضِريّةِ وقبرُه ظاهرٌ ، وليسَ لقبورِ إِخوته وأَهلِه الّذينَ سمّيناهم أَثر ، وإنّما يزورُهم الزّائرُ من عندِ قبرِ الحسينِ عليه‌السلام ويومئ إِلى الأرضِ الّتي نحوَ رِجلَيه بالسّلامِ ، وعليُّ بنُ الحسينِ عليهما‌السلام في جملتِهم ، ويقالُ : إِنّه أَقربُهم دفناً إِلى الحسينِ عليه‌السلام.

فأَمّا أَصحابُ الحسينِ رحمةُ اللّهِ عليهم الّذينَ قُتِلوا معَه ، فإِنّهم دُفِنُوا حولَه ولسنا نُحَصِّلُ لهم أَجْدَاثاً على التّحقيقِ والتّفصيلِ ، إلا أَنّا لا نَشُكُّ أَنّ الحائرَ مُحيطٌ بهم رضيَ اللّهُ عنهم وأَرْضَاهم وأَسكنَهم جنّاتِ النّعيمَ.

* * *

١٢٦

باب

طرف من فضائلِ الحسينِ

عليهِ السّلامُ وفضل زيارتِه وذكر مصيبتهِ

روى سعيدُ بنُ راشدٍ (١) ، عن يعلى بن مُرَّةَ قالَ : سمعتُ رسول اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقولُ : «حسينٌ منِّي وأَنا من حسينٍ ؛ أحبَّ اللهُّ من أَحبَّ حسيناً ؛ حسينٌ سبطٌ منَ الأسباطِ » (٢).

ورَوى ابنُ لَهِيْعَةَ ، عن أَبي عَوانَةَ (٣) رفعَه إِلى النّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قالَ : قالَ رسولُ اللّهِ : «إِنّ الحسنَ والحسينَ شَنَفَا (٤) العرشِ ، وِانّ الجنّةَ قالتْ : يا ربّ أسكنْتَني الضُّعَفاءَ والمساكين ؛ فقالَ اللّه لها : ألا تَرْضَيْنَ أنِّي زَيّنْتُ أَركانَكِ بالحسنِ والحسينِ ؛ قالَ : فماست (٥) كما تَمِيْسُ العروسُ

__________________

(١) في بعض المصادر: سعيد بن ابي راشد ، وكلاهما واحد. انظر تهذيب الكمال ١٠ : ٤٢٦ / ٢٢٦٧ ومصادره.

(٢) رواه أحمد في مسنده ٤ : ١٧٢ : ابن ماجة في سننه ١ : ٥١ / ١٤٤ ، والترمذي في سننه ٥ : ٦٥٨ / ٣٧٧٥ ، والحاكم في مستدركه ٣ :١٧٧ ، والذهبي في تلخيصه له ، وابن قولويه في كامل الزيارات : ٥٢ ، ٥٣ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام : ٧٩ / ١٢٢ ، وابن الأثير في اُسد الغابة ٢ : ١٩ ، والحمويني في فرائد السمطين ٢ : ١٣٠ / ٤٢٩ ، والمزّي في تهذيب الكمال ١٠ : ٤٢٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣ : ٢٧١.

(٣) في تاريخ بغداد وكنز العمال : ابو عُشانة.

(٤) الشنف : قرط يلبس في أعلى الأذن ، انظر «الصحاح ـ شنف ـ ٤ : ١٣٨٣ ».

(٥) الميس : التبختر. «الصحاح ـ ميس ـ ٣ : ٩٨٠».

١٢٧

فَرَحاً » (١).

وروى عبدُاللهّ بن ميمون القدّاح ، عن جعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادق عليه‌السلام قالَ : «اصْطَرَعَ الحسنُ والحسينُ عليهما‌السلام بينَ يَدَيْ رسولِ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالَ رسولُ اللّهِ : إِيهاً (٢) حسنُ ، خُذْ حسيناً؟ فقالتْ فاطمةُ عليها‌السلام : يا رسولُ اللّهِ ، أَتَستَنْهِضُ الكبيرَ على الصّغيرِ؟! فقالَ رسول اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا جَبْرئيْلُ عليه‌السلام يقول للحسينِ : إيهاً يا حسينا (٣) ، خُذِ الحسنَ » (٤).

وروى إِبراهيمُ بن الرّافعي (٥) ، عن أَبيه ، عن جدِّه قالَ : رأيتُ الحسنَ والحسين عليهما‌السلام يمشيانِ إِلى الحجِّ ، فلم يَمُرّا براكبٍ إلّا نزلَ يمشي ، فثقلَ ذلكَ على بعضِهم فقالوا لسعدِ بن أبي وَقّاصٍ : قد ثقلَ علينا المشيُ ، ولا نسَتحسنُ أَن نركبَ وهذانِ السّيًّدانِ يَمشيانِ ؛ فقاكَ سعدٌ للحسن عليه‌السلام : يا أبا محمّدٍ ، إِنّ المشيَ قد ثقلَ على جماعةٍ ممن معَكَ ، والنَّاسُ إِذا رأوْكما تَمشيانِ لم تَطِبْ أَنفسُهم

__________________

(١) ذكر قطعة منه الخطيب في تاريخ بغداد ٢ : ٢٣٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢ : ١٢١ ، ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٨٤ قطعة منه بسند آخر ، ورواه ابن شهرآشوب في مناقبه ٣ : ٣٩٥ ونقله العلامة المجلسي في ألبحار ٤٣ : ٢٧٥ / ٤٤.

(٢) كذا في النسخ ، ويلاحظ في ذلك. «لسان العرب ـ أيه ـ ١٣ : ٤٧٤ ».

(٣) في «ش» : حسيناً. وفي «م» : حسين ، وما اثبتثاه من هامش «ش».

(٤) قرب الاسناد: ٤٨ ، مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١٠٥ كتاب سليم بن قيس : ١٧٠ ، امالي الصدوق : ٣٦١ ، امالي الطوسي ٢ : ١٢٧ ، تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام ـ : ١١٦ ـ ١١٧ و ١٥٤ ـ ١٥٦ ، اُسد الغابة ٢ : ١٩ ، الاصابة ١ : ٣٣٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣ : ٢٧٦ / ٤٥.

(٥) في هامش «ش» : من أولاد ابي رافع الصحابي.

١٢٨

أَن يركبوا ، فلو ركبتما؛ فقالَ الحسنُ عليه‌السلام : «لا نَركبُ ، قد جَعلْنا على أَنفسِنا المشيَ إِلى بيتِ اللهِّ الحرامِ على أَقدامِنا ، ولكنّنا نتنكّبُ الطّريقَ » فأَخذا جانباً منَ النّاسِ (١).

وروى الاوزاعيٌُ ، عن عبدِاِللهّ بنِ شدّادٍ (٢) عن أُمِّ الفضلِ بنتِ الحارثِ :أَنّها دخلتْ على رسولِ اللّهِ صلّى لم اللّه عليهِ وآلهِ فقالتْ : يا رسولَ اللهِّ ، رأَيتُ الليلةَ حُلماً مُنكَراً؛ قالَ : «وما هو؟» قالتْ : إِنّه شديدٌ ؛ قالَ : «ما هو؟» قالتْ : رأَيتُ كأنَّ قطعةً من جسدِكَ قُطِعَتْ ووُضِعَتْ في حجْري ؛ فقالَ رسولُ اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيراً رأَيتِ ، تَلِدُ فاطمةُ غلاماً فيكونُ في حجرِكِ » فولدتْ فاطمةُ الحسينَ عليه‌السلام فقالتْ : وكانَ في حجري كما قالَ رسولُ اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت به يوماً على النّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعتُه في حجرِهِ ، ثمّ حانتْ منِّي التفاتة فإِذا عَينا رسولِ اللّهِ عليه وآلهِ السّلامُ تُهراقانِ بالدُّموعِ ، فقلتُ : بأَبي أَنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِّ ، ما لَكَ؟! قالَ : «أَتاني جَبْرئيْلُ عليه‌السلام فأَخبرَني أَنّ أُمّتي ستقتلُ ابني هذا ، وأَتاني بتربةٍ من تربتهِ حمراءَ» (٣).

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٩٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣ : ٢٧٦ / ٤٦.

(٢) وهو أبن ألهاد ، وام الفضل لبانة بنت الحارث الهلالية خالته ، توفيت في خلافة عثمان ، وتوفي هو سنة ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ هـ.

وفي اغلب المصادر والتراجم :ان الأوزاعي يروي عن شداد بن عبدالله ابي عمار مولى معاوية ، ولم يذكروا تاريخ وفاته ، وهو وعبدالله بن شداد من طبقة واحدة.

والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو ، ولد سنة ٨٨ وتوفي سنة ١٥٧ ، وذكره ابن ابي حاتم الرازي فيمن يرسل ، انظر «المراسيل : ١١٢ ، سير اعلام النبلاء ٧ : ١٠٧ ، ٢ : ٣١٤ ، ٣ : ٤٨٨ ، تهذيب الكمال١٥ : ٨١ ، ١٢ : ٣٩٩ ومصادرهما».

(٣) روى الحديث الحاكم في مستدركه ٣ : ١٧٦ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ـ ترجمة

١٢٩

وروى سِماكٌ ، عنِ ابنِ مُخارِقٍ ، عن أمِّ سلمةَ ـ رضيَ اللهُّ عنها ـ قالتْ : بينا رسولُ اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ جالسٌ والحسينُ عليه‌السلام جالسٌ في حجرِه ، إِذ هَمَلَتْ عيناه بالدُّموعِ ، فقلتُ له : يا رسولَ اللّهِ ، ما لي أَراكَ تبكي ، جعِلْت فداك؟! فقالَ : «جاءَني جَبْرَئيْلُ عليه‌السلام فعزّاني بابني الحسينِ ، وأَخبرَني أَنّ طائفةً من أمّتي تقتلُه ، لا أَنالهمُ اللّهُ شفاعتي » (١).

ورُويَ بإِسنادٍ آخرَ عن أُمِّ سلمةَ ـ رضيَ اللهُّ عنها ـ أَنّها قالتْ : خرجَ رسولُ اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من عندِنا ذاتَ ليلةٍ فغابَ عنّا طويلاً ، ثمّ جاءَنا وهو أَشعثُ أَغبرُ ويدُه مضمومةٌ ، فقلتُ : يا رسولَ اللّهِ ، مالي أَراكَ شَعِثاً مُغْبَرّاً؟! فقالَ : «أُسِريَ بي في هذا الوقتِ إِلى موضعٍ منَ العراقِ يقالُ له كربلاءُ ، فأُرِيتُ فيه مَصرعَ الحسينِ ابني وجماعةٍ من ولدي وأَهلِ بيتي ، فلم أَزَلْ ألْقُطُ دماءهم فها هي في يدي » وبسطَها إِليَّ فقالَ : «خُذِيها واحتفظي بها» فأخذتُها فإِذا هي شِبْة ترابٍ أَحمَر ، فوضعتُه في قارورةٍ وسَدَدْت (٢) رأسهَا واحتفظتُ به ، فلمّا خرجَ الحسينُ عليه‌السلام من مكّةَ متوجِّهاً نحوَ العراقِ ، كنتُ أُخرجُ تلكَ القارورةَ في كلِّ يومِ وليلةٍ فأشمُّها وأَنظرُ إِليها ثمّ أَبكي لمصابِه ، فلمّا كانَ في اليومِ (٣)

__________________

الامام الحسين عليه‌السلام ـ : ١٨٣ / ٢٣٢ ، والطبري في دلائل الامامة : ٧٢ ، والتستري في احقاق الحق ١١ :٣٦٣ عن الخصائص ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ٣٣٨ / ٣٠.

(١) اعلام الورى :٢١٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ٢٣٩ / ٣١.

(٢) في «م» وهامش «ش» : شددت.

(٣) في «م» وهامش «ش» : يوم.

١٣٠

العاشرِ منَ المحرّمِ ـ وهو اليومُ الّذي قتِلَ فيه عليه‌السلام ـ أَخرجتُها في أَوّلِ النّهارِ وهي بحالِها ، ثمّ عُدْتُ إِليها آخرَ النّهارِ فإِذا هي دمٌ عبيطٌ ، فصِحْتُ في بيتي وبكيتُ وكظمتُ غيظي مخافةَ أَن يسمعَ أَعداؤهم بالمدينةِ فيُسرعوا بالشّماتةِ ، فلم أَزلْ حافظةً للوقتِ حتى جاءَ النّاعي ينعاه فحقّقَ ما رأَيت (١).

ورُويَ :أَنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانَ ذاتَ يومِ جالساً وحولَه عليٌ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ عليهم‌السلام فقالَ لهمَ : «كيفَ بكم إذا كنتم صَرْعَى وقبورُكم شتّى؟ فقالَ له الحسينُ عليه‌السلام : أَنموتُ موتاً أَو نُقتَلُ؟ فقالَ : بل تقتل يا بُنَيَّ ظلماً ، ويُقتلُ أَخوكَ ظلماً ، وتشَرَّدُ ذراريُّكم فِى الأرض ، فقال الحسينُ عليه‌السلام : ومن يقتلُنا يا رسولَ اللّهِ؟ قالَ : شِرارُ الَنّاسِ ، قالَ : فهل يزورنا بعدَ قتلِنا أحدٌ؟ قالَ : نعم ، طائفةٌ من أمّتي يُريدونَ بزيارتِكم بِرِّي وصِلَتي ، فإِذا كانَ يومُ القيامةِ جئتُهم (٢) إِلى الموقفِ حتّى آخُذَ (بأَعضادِهم فاخَلِّصَهم ) (٣) من أَهوالِه وشدائدِه».

وروى عبدُاللهِ بن شريكٍ العامريّ قالَ : كنتُ أَسمعُ أَصحابَ عليٍّ عليه‌السلام إِذا دخلَ عُمَرُ بنُ سعدٍ من بابِ المسجدِ يقولونَ : هذا

__________________

(١) روى اليعقوبي في تاريخه ٢ :٢٤٥ ـ ٢٤٦ مضمون الخبر ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢ : ٣٤٧ ، وذكره الطبرسي في اعلام الورى : ٢١٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ٢٣٩.

(٢) في هامش «ح » : جئتها.

(٣) في «ش» : باعضادها فاخلصها.

١٣١

قاتلُ الحسينِ بنِ عليٍّ عليه‌السلام وذلكَ قبلَ قتْلِه (١) بزمانٍ (٢).

وروى سالمُ بن أَبي حَفْصَةَ قال : قالَ عمرُ بنُ سعدٍ ِللحسين عليه‌السلام : يا أَبا عبداللهِ إِنَّ قِبَلنَا ناساً سُفَهاءَ ، يزعمونَ أنيِّ أقتلُكَ ، فقالَ له الحسينِ عليه‌السلام : «إِنّهم ليسوا بسفهاءَ ولكنّهم حُلَماءُ ، أَما إِنّه يُقِر عيني ألا تأَكلَ بُرَّ العراقِ بعدي إلّا قليلاًَ» (٣).

وروى يوسفُ بنُ عَبْدَةَ قالَ : سمعت محمّدَ بنَ َسيرينَ يقولُ : لم تُرَ هذه الحُمرةُ في السّماءِ إلا بعدَ قتلِ الحسينِ عليه‌السلام (٤).

وروى سعدُ الاسكاف قالَ : قالَ أَبوجعفرٍ عليه‌السلام: «كانَ قاتلُ يحيى بن زكريّا ولدَ زِناً ، وقاتلُ الحسينِ بنِ عليٍّ عليه‌السلام ولد زِناً ، ولم تَحْمَرَّالسّماءُ إلا لهما» (٥).

وروى سُفيانُ بنُ عيَيْنَةَ ، عن عليِّ بنِ يزيدَ ، عن عليَ بنِ الحسينِ عليهما‌السلام قالَ : «خرجْنا معَ الحسينِ عليه‌السلام فما نزلَ منزلاً ولا ارتحلَ منه إلاٌ ذَكَرَيحيى بنَ زكريّا وقَتْلَه ؛ وقالَ يوماً : ومِن هوانِ الدُّنيا على اللهِّ أَنّ رأسَ يحيى بن زكريّا عليه‌السلام أُهدِيَ إِلى بَغِيّ من بَغايا بني إِسرائيلَ » (٦).

__________________

(١) في «م» وهامش «ش» : أن يقتل.

(٢) نقله العلامة ألمجلسي في البحار٤٤ : ٢٦٣ / ١٩.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ٢٦٣ / ٢٠.

(٤) ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام ـ : ٢٤٥ / ٢٩٨ ، وانظر مصادره.

(٥) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ٧٧ و ٧٩ ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام.

(٦) مجمع البيان ٣ : ٥٠٢.

١٣٢

وتَظاهرتِ الأخبارُ بأَنّه لم يَنْجُ أَحدٌ من قاتلي الحسينِ عليه‌السلام وأَصحابِه ـ رضيَ ّ اللهُ عنهم ـ من قتل أَو بلاءٍ افْتَضَحَ به قبلَ موتِه.

فصل

ومضى الحسينُ عليه‌السلام في يوم السّبتِ العاشرِمنَ المحرّم سنةَ إِحدى وستِّينَ منَ الهجرةِ بعدَ صلاةِ الظُّهرِ منه قتيلاً مظلوماً ظَمآن صابراً مُحتسِباً ـ على ما شرحْناه ـ وسِنه يومئذٍ ثمان وخمسونَ سنةً ، أَقامَ منها معَ جدِّه رسولِ اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعَ سنينَ ، ومعَ أَبيه أَميرِالمؤمنينَ عليه‌السلام ثلاثينَ سنةً ، ومعَ أَخيه الحسنِ عليهما‌السلام عشرَ سنينَ ، وكانتْ مدّةُ خلافتِه بعدَ أَخيه إِحدى عشرةَ سنةً ، وكانَ عليه‌السلام يخضب بالحِنّاءِ والكَتَمِ (١) ، وقُتِلَ عليه‌السلام وقد نَصَلَ الخِضابُ من عارِضيْه.

وقد جاءَتْ رواياتٌ كثيرةٌ في فضلِ زيارتِه عليه‌السلام بل في وجوبها.

فرُوِيَ عنِ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍ عليهما‌السلام أَنّه قالَ : «زيارةُ الحسينِ بنِ عليٍّ عليه‌السلام واجبةٌ على كلِّ من يُقِرُّ للحسينِ بالإمامةِ منَ اللّهِ.عزّ وجلَّ » (٢).

__________________

(١) الكتم: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه «القاموس المحيط ـ كتم ـ ٤ : ١٦٩ »؟ وانظر طبقات ابن سعد٥ : ٢١٧.

(٢) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٢١ و ١٥٠ / ذيل ح ١ ، والصدوق في الفقيه ٢ :

١٣٣

وقالَ عليه‌السلام : «زيارةُ الحسينِ عليه‌السلام تَعْدِلُ مائةَ حجّةٍ مبرورةٍ ، ومائةَ عُمرةٍ مُتَقَبَّلةٍ » (١).

وقالَ رسولُ اللهِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارَ الحسينَ عليه‌السلام بعدَ موته فله الجنّةُ» (٢).

والأخبارُ في هذا البابِ كثيرةٌ ، وقد أَوردْنا منها جملةً كافيةً في كتابِنا المعروفِ بمنَاسِكِ المزَارِ.

__________________

٣٤٨ / ذيل ح ١٥٩٤ ، والامالي : ١٢٣ / ١٠ ، الشيخ في التهذيب ٦ : ٤٢ / ذيل ح ١ ، والمصنف نحوه في المقنعة : ٤٦٨ ، والمزار: ٣٧ / ١.

(١) كامل الزيارات : ١٤٢ ، وامالي الصدوق : ١٢٣ / ١١ ، وتهذيب الاحكام ٦ : ٥١ / ١١٩ ، ومصباح المتهجد : ٦٥٩ ، باختلاف يسيرفيها.

(٢) كامل الزيارات : ١٠ / ١ ، تهذيب الاحكام ٦ : ٤٠ / ٨٤ ، ومزار المفيد : ٣٠ / ذح ١.

١٣٤

باب

ذكر ولدِ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما السّلامُ

وكانَ للحسينِ عليه‌السلام ستّةُ أَولادٍ : عليُّ بنُ الحسينِ الأكبرُ ، كنيتهُ أَبو محمدٍ ، وأمه شاه زنان بنت كسرى يَزدجرد.

وعليُّ بن الحسينِ الأصغرُ ، قُتِلَ معَ أَبيه بالطّفِّ ، وقد تقدّمَ ذكرُه فيما سلفَ ، وأُمُّه ليلى بنت أَبي مُرّة بن عروة بن مسعودِ الثّقفيّةُ.

وجعفرُ بنُ الحسينِ ، لا بقيّةَ له ، وأُمُّه قُضاعيّةٌ ، وكانتْ وفاتُه في حياةِ الحسينِ.

وعبدُاللّهِ بن الحسينِ ، قُتِلَ معَ أَبيه صغيراً ، جاءه سهمٌ وهو في حجرِ أَبيه فذبحَه ، وقد تقدّمَ ذكره فيما مضى.

وسُكَيْنَةُ بنتُ الحسينِ ، وأمها الرَّبابُ بنتُ امرئ القيسِ بنِ عديٍّ ، كلبيّةٌ ، وهي أُمُّ عبداللهِ بنِ الحسينِ.

وفاطمةُ بنتُ الحسينِ ، وأمُّها أُمُّ إِسحاقَ بنتُ طلحةَ بن عُبيدِاللهِّ ، تيميٌةُ.

* * *

١٣٥

١٣٦

باب

ذِكْر الإمام بعدَ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما السلام ،

وتأريخ مولدَه ، ودلائل إِمامتِه ، ومبلغ سنِّه ،

ومدّة خلافتِه ، ووقت وفاتِه وسببها ، وموضع قبرهِ ،

وعدد أَولادِه ، ومختصرٍ من أَخبارِه

والإمام بعد الحسينِ بنِ عليٍّ ابنهُ أَبو محمّدٍ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَ صلواتُ اللّه عليهم ، وكانَ يُكنى أَيضاً أَبا الحسنِ ، وأُمُّه شاه زنان بنتُ يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، ويُقالُ إِنّ اسمَها (شهربانوا ) (١) ، وكانَ أَميرُ المؤمنين عليه‌السلام ولّى حُرَيثَ بنَ جابرٍ الحنفيّ جانباً منَ المشرقِ ، فبعثَ إِليه بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فَنَحلَ ابنَه الحسينَ عليهما‌السلام شاه زنان منهما فاَولدَها زينَ العابدينَ عليه‌السلام ، ونَحلَ الاخرى محمّدَ بنَ أَبي بكرٍ فولدتْ له القاسمَ بنَ محمّدِ ابنِ أَبي بكرٍ ، فهما ابنا خالةٍ.

وكانَ مولدُ عليِّ بنِ الحسينِ عليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ منَ الهجرةِ ، فبقي معَ جدِّه أَمير المؤمنينَ عليه‌السلام سنتين ، ومعَ عمِّه الحسنِ عشرَ سنينَ ، ومعَ أَبيه الحسينِ عليه‌السلام إِحدى عشرةَ سنةً ، وبعد أَبيه أَربعاً وثلاثينَ سنةً. وتُوُفِّيَ بالمدينةِ سنةَ خمسٍ وتسعينَ للهجرةِ ، وله يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنةً.

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي هامش «ش» : نُويْه.

١٣٧

وكانتْ إِمامتُه أَربعاً وثلاثينَ سنةً ، ودُفِنَ بالبقيعِ معَ عمِّه الحسنِ ابنِ عليٍّ عليهما‌السلام ، وثبتتْ له الأمامة من وجوه :

أحدُهما : أَنّه كانَ أَفضلَ خلقِ اللّهِ بعدَ أَبيه علماً وعملاً؛ والأمامةُ للأفضلِ دونَ المفضولِ بدلائلِ العقولِ.

ومنها : أَنّه كانَ أَولى باَبيه الحسينِ عليه‌السلام وأَحقَّهم بمقامِه من بعدِه بالفضلِ والنّسب ؛ والأولى بالإمام الماضي أَحقُّ بمقامِه من غيرِه ، بدلالةِ آيةِ ذوي الأرحامَ وقصّةِ زكريّا عليه‌السلام.

ومنها : وجوبُ الإمامةِ عقلاً في كلِّ زمانٍ ، وفسادُ دعوى كلِّ مدع ِللإمامةِ في أَيّامِ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما‌السلام أَو مُدَّعىً له سواه ، فثبتتْ فيه ، لاستحالةِ خلوِّ الزّمانِ من إِمامِ.

ومنها : ثبوتُ الإمامةِ أَيضاً في العترةِ خاصّةً ، بالنّظرِ والخبرِعنِ النَّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفسادُ قولِ منِ ادّعاها لمحمّدِ بنِ الحنفيّةِ ـ رضيَ اللهُ عنه ـ بتعرِّيه منَ النّصِّ عليه بها ، فثبتَ أَنّها في عليِّ بنِ الحسينِ عليهما‌السلام ، إِذ لا مُدّعى له الإمامةُ منَ العترةِ سوى محمّدٍ رضيَ اللّهُ عنه وخروجه عنها بما ذكرناه.

ومنها : نصُّ رسولِ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإمامةِ عليه فيما رُوِيَ من حديثِ اللوحِ ـ الّذي رواه جابرٌ ـ عنِ النَّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورواه محمّدُ بنُ عليٍّ الباقرُ عليهما‌السلام عن أَبيه عن جدِّه عن فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِّ صلّى اللهُّ عليهم (١) ؛ ونصُّ جدِّه أَميرِ المؤمنينَ عليهِ

__________________

(١) للتحقق من شهرة حديث اللوح انظر: اثبات الوصجة : ١٤٣ ، ٢٢٧ ، ٢٣٠ ، الكافي ١ :

١٣٨

السّلام في حياةِ أَبيه الحسينِ عليه‌السلام بما تضمّنَ (١) ذلكَ منَ الأخبار ، (٢) ووصيةُ أَبيه الحسينِ عليه‌السلام إِليه ، وايداعُه أُمَّ سلمةَ رضيَ اللّهُ عنها ما قبضَه عليٌّ من بعدِه ، وقد كانَ جعلَ التماسَه من أًمِّ سلمةَ علامةً على إِمامةِ الطّالبِ له منَ الأنامِ (٣) ، وهذا باب يعرفُه من تصفّحَ الأخبارَ ، ولم نقصدْ في هذا الكتاب إِلى القولِ في معناه فنستقصيَه على التّمامِ.

__________________

٣ / ٤٤٢ ، أكمال الدين : ٣١١ / ١ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام١ : ٤٠ / ١ ، غيبة النعماني : ٦٢ ، امالي الطوسي ١ : ٢٩٧ ، غيبة الطوسي : ١٤٣ / ١٠٨ ، القاب الرسول وعترته صلّى الله عليه وآله : ١٧٠ ، فرائد السمطين ٢ : ١٣٦ / ٤٣٢ ـ ٤٣٥ ، والمصنف في الاختصاص : ٢١٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٦ : ١٩٢ ـ ٢٠٣.

(١) في «م» :ضَمِنَ.

(٢) حضره الفقيه ٤ : ١٣٩ / ٤٨٤.

(٣) الكافي ١ : ٢٤٢ / ٣ ، غيبة الطوسي : ١٩٥ / ١٥٩.

١٣٩

باب

ذكر طرفٍ منَ الأخبارِ

لعليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ : حدّثَنا جدِّي (١) قالَ : حدّثَني إِدريسُ بنُ محمّدِ بنِ يحيى(٢) بن عبداللهِ بنِ حسنِ بنِ حسنٍ ، وأَحمدُ بنُ عبداللهِ بنِ موسى ، واسماعيلُ بنُ يعقوبَ جميعاً قالوا : حدّثَنا عبدُاللّهِ بن موسى ، عن أَبيه ، عن جدِّه قالَ : كانتْ أُمِّي فاطمةُ بنتُ الحسينِ عليه‌السلام تأْمرُني أَن أَجلسَ إلى خالي عليِّ بنِ الحسينِ عليهما‌السلام ، فما جلستُ إِليه قطُّ إِلا قمتُ بخيرٍ قد أَفدتُه : إِمّا خشيةٍ للّهِ تَحدثُ في قلبي لمِا أَرى من خشيتِه للّهِ تعالى ؛ أوعلمٍ قدِ استفدتُهُ منه (٣).

__________________

(١) هويحيى بن الحسن بن جعفربن عبيداللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أبو الحسين المعروف بالعبيدلي ، العالم الفاضل الصدوق ، صنف كتباً ، منها كتاب نسب آل أبي طالب ، كتاب المسجد ، وقد روى عنه حفيده الحسن بن محمد بن يحيى ، انظررجال النجاشي : ٤٤١ / ١١٨٩.

وستأتي له روايات كثيرة في أبواب أحوال الامامين زين العابدين والباقر عليهما‌السلام وأبواب أحوال الامامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام مصرحة بانها من روايات العبيدلي وبعض ما لم يصرح بالأخذ منه أُخذ منه ـ كما سياتي ذكر موارد منها ـ ولا يبعد أخذه من كتابه نسب ال ابي طالب.

(٢) في «ش» : «بحر» بدل «يحيى» ، وفي هامشها : يحيى ، ولعله تصحيح ، وفي «م» و «ت » : يحيى ، وهو ما اثبتناه.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٣ / ٥٩.

١٤٠