دفاع عن القرآن ضد منتقديه

الدكتور عبد الرحمن بدوي

دفاع عن القرآن ضد منتقديه

المؤلف:

الدكتور عبد الرحمن بدوي


المترجم: كمال جاد الله
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الدار العالميّة للكتب والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٩٩

الكلمة العبرية"HELEQ " والكلمة العربية خلاق لهما أصل مشترك ومعناها نصيب هذا كل ما فى الأمر.

ثانيا ـ «بعير» :

قال الله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ)(١).

قال الله تعالى : (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)(٢).

وهذا نفس الحال بالنسبة لكلمة «بعير» سورة يوسف ، آيات (٦٥ ، ٧٢) ، يزعم المستشرق دفوراك Dvorak فى كتابه «تقارير الاجتماعات الأكاديمية فى فيينا ـ قسم الفلسفة والتاريخ المجلد ١٠٩ صفحة (٥٢٢)» أن كلمة بعير مشتقة من الكلمة العبرية بعير الموجودة فى سفر التكوين (٤٥ : ١٧) ، وزايد هورفيتز قائلا : «بناء على هذا الرأى فإن الكلمة الموجودة فى النص العبرى أو الترجوم أو المشنا طرقت أذن محمد ثم ظلت محفورة فى ذاكرته ، ولكنه خلال هذه العملية أعطاها المعنى العربى بعير بمعنى جمل بدلا من أن يستخدم الكلمة جمل أو ناقة فى القرآن ... أن استخدام بعير بدلا من جمل على عكس حمار مثلا ، لأنه سهل التفسير حسب الاعتبار التالى : وهو أن الحمار فى نظر العرب لم يكن يحظى بمكانة المطايا مثل تلك الجمال أو الإبل صفحة (١٩٢ ـ ١٩٣) (٤٨ ـ ٤٩) تاخدروك.

فى سفر التكوين (١٧ : ٤٥) قال فرعون ليوسف : «قل لإخوتك أن يضعوا الأحمال على دوابهم ويذهبوا بها إلى أرض كنعان» وبالنسبة لكلمة دوابهم فالأصل العبرى بعيرهم.

__________________

(١) سورة يوسف ، آية (٦٥).

(٢) سورة يوسف ، آية (٧٢).

٤١

بينما فى لسان العرب تحت كلمة بعير نجد أن الكلمة تعنى :

أ ـ الجمل القوى.

ب ـ تعنى معنى الحمار.

ويسوق فى هذا الموضوع مجادلة بين الفيلسوف الكبير ابن خالويه ومنافسة الشاعر الكبير المتنبى فى حضور الأمير سيف الدولة.

فقد سأل ابن خالويه المتنبى ما هو معنى كلمة بعير فى القرآن الكريم؟

تحير المتنبى ... وهنا شرح له ابن خالويه كلمة بعير فقال : «إن كلمة بعير تعنى الحمار لأن يعقوب وابنه يوسف كانوا يعيشون فى أرض كنعان ولم تكن فى أرض كنعان إبل وكانوا يحملون أثقالهم على حمير ، وقد قال الله عزوجل : (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)(١).

والمعنى حمل حمار ، ولذلك قال مقاتل بن سليمان فى تفسيره : قد جاء فى مزامير داود البعير بمعنى كل الدواب جملة وجاء فى حديث جابر استغفر لى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالليل خمسا وعشرين مرة ليلة البعير ، كان الوقت ليلا حينما اشترى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جابر جملا حينما كانا فى رحلة.

مقاتل بن سليمان توفى سنة (١١٥ ه‍ ـ ٧٦٧ م) ، كتب تفسيرا للقرآن فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى يبدو أن له مخطوطة فى المتحف البريطانى برقم (٦٣٣٣) ، فسر كلمة بعير بمعنى حمار.

ومن ناحية أخرى يذكر لسان العرب بيتا من الشعر لأحد لصوص البادية زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضى الله عنه (٢٣ ـ ٣٥ هجريا) واسمه يزيد بن الصقيل العقيلى وذكرت فى بيت شعر كلمة بعير بصيغة الجمع.

ومن ناحية ثالثة فإن حديث جابر يشتمل على كلمة بعير «ليلة البعير».

هذه الحجج الأدبية الثلاثة تؤكد أن كلمة بعير عربية وجدت قبل الإسلام وكانت مشهورة وتعنى : إما الجمل أو الحمار.

__________________

(١) سورة يوسف ، آية (٧٢).

٤٢

إذا ما جدوى أن ندعى أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقتبسها من سفر التكوين (١٧ ـ ٤٥).

إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن أول من استعمل هذه الكلمة فى العرب.

ثالثا ـ «بهيمة» :

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ)(١).

قال الله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ)(٢).

قال الله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)(٣).

يزعم هورفيتز فى كتابه «الأسماء اليهودية» صفحة (١٩٣ ، ١٩٤) «ناخدروك» أنه ربما كانت كلمة بهيمة مشتقة من الكلمة العبرية «بهيمة» ويقول على ما يبدو فإن كلمة بهيمة لم تكن موجودة فى الشعر الجاهلى.

ونلاحظ على العكس من هذه الافتراضات ما يلى :

(أ) أن كلمة «بهيمة» تأتى فى القرآن الكريم دائما مصاحبة لكلمة «الأنعام» فلو كانت كلمة بهيمة مشتقة من العبرية بمعنى الأنعام ، لكان ذلك تكرارا لا فائدة منه ولا جدوى ... ولكن فى الحقيقة كلمة بهيمة فى اللغة العربية تعنى ذات لون واحد وليس مختلطا به أى لون آخر ، ويمكن أن يكون هذا اللون أسود أو أبيض ولكن الكلمة عامة تطلق على الأنعام ذات اللون الأسود «انظر لسان العرب».

__________________

(١) سورة المائدة ، آية (١).

(٢) سورة الحج ، آية (٢٨).

(٣) سورة الحج ، آية (٣٤).

٤٣

كما تستخدم الكلمة استعارة بمعنى «خالص ـ نقى» كما فى أحاديث كثيرة ساقها لسان العرب.

(ب) حتى لو لم تكن هذه الكلمة موجودة فى الشعر الجاهلى وهو ما لم نتحقق منه بعد وللأسف فإن قاموس فيشر لم يطبع بعد بسبب خطأ الجهلاء والحمقى الذين كانوا وما يزالون أعضاء فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة ... لم يعد ذلك مفيدا على أى حال ، فإن الكلمة استعملت مرات كثيرة فى أحاديث النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمعنى «خالصا» أو ذو لون واحد أى أنها صفة وليست أبدا موصوفا.

رابعا ـ «سورة» :

قال الله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ)(١).

قال الله تعالى : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ)(٢).

قال الله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)(٣).

قال الله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(٤).

قال الله تعالى : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(٥).

__________________

(١) سورة التوبة ، آية (٦٤).

(٢) سورة التوبة ، آية (٦٨).

(٣) سورة التوبة ، آية (١٢٤).

(٤) سورة التوبة ، آية (١٢٧).

(٥) سورة النور ، آية (١).

٤٤

قال الله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ)(١).

نولدكه «تاريخ القرآن» صفحة (٢٤) ، «مساهمة جديدة» صفحة (٢٦).

كان المستشرق نولدكه أول من ادعى أن كلمة «سورة» مشتقة من الكلمة العبرية «شورة» (Shura) ، ولكن هذه الكلمة تعنى : خط ، نسق ، سطر ، صف ولا تعنى جزءا من كتاب.

إذا فافتراض نولدكه مزيف وخيالى بالكلية.

وهناك افتراض آخر وهو افتراض هيرشفيلد «أبحاث جديدة» صفحة (٢) ملحوظة (٦) ، صفحة (١١٣) ، ملحوظة (٨) ، الذى يدعى أن كلمة سورة هى قراءة «محرفة» للكلمة الآرامية سيدراSIDRA وهو افتراض رفضه هورفيتز نفسه بقوله : «لا يمكن أن يعتبر ذلك صحيحا» ... هناك اختلاف بين علماء اللغة العربية حول أصل كلمة «سورة».

ـ فمنهم من قال إن سورة بمعنى فاصل.

ـ ومنهم من قال إن سورة بمعنى منزلة عالية ، ولكن كل هذه التفسيرات ليست كافية ، وهكذا تظل المشكلة بلا حل من جانب العلماء الأوروبيين ومن جانب العلماء العرب القدامى.

خامسا ـ «مثانى» :

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(٢).

قال الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ)(٣).

__________________

(١) سورة محمد ، آية (٢٠).

(٢) سورة الحجر ، آية (٨٧).

(٣) سورة الزمر ، آية (٢٣).

٤٥

كذلك كلمة «مثانى» تبقى مشكلتها بلا حل ... يزعم المستشرق د. ه مولر فى كتابه «الأنبياء وأوجه مصداقيتهم» صفحة (٤٢ ، ٤٦) ، ملحوظة (٢) أن المثانى هى الأساطير والسبع مثانى هى السبع أساطير : لموسى ، إبراهيم ، نوح ، صالح ، لوط ، وشعيب.

ولكن من الملاحظ عكس هذا الافتراض وهو أن القرآن الكريم يحتوى على قصص كثير عن الأنبياء السابقين ، فلما ذا تقيد مولر بهؤلاء؟

وحتى نولدكه نفسه رفض هذا التفسير وطابق رأيه التفسير الشائع عند المفسرين المسلمين وهو أن السبع المثانى هى السبع آيات لسورة الفاتحة «إضافات وتنقيحات» ، صفحة (٢٦١) (Newe Beitrage).

وقد بحث جيجر (Geiger) عن أصل كلمة مثانى فى الكلمة اليهودية «مثنيا» بمعنى «سنه» فى الجمع حسب اللغة العربية ، ولكن هذا لا يفسر السبع المثانى حتى يمكن أن يتفق مع رأى د. ه مولر الذى بينا خطأه قبل ذلك.

وليس هناك اتفاق بين المفسرين المسلمين حول معنى أو اشتقاق كلمة مثانى ، ويلخص لسان العرب هذه الآراء كما يلى : «المثانى فى القرآن هى التى تتكرر مرة بعد أخرى. ويقال أيضا : إنها فاتحة الكتاب التى تشتمل على سبع آيات ، وقد سميت مثانى لأنها تتكرر فى كل ركعة. ويقال أيضا : إن المثانى هى سبع سور أولاها البقرة ، وأخرها براءة (التوبة). وقيل أيضا : هى السور التى تشتمل على أقل من مائتى آية ، ويقال المثانى هى القرآن كله ويثبت ذلك بيت من الشعر لحسان ابن ثابت.

فمن للقوافى بعد حسان وابنه

ومن للمثانى بعد زيد بن ثابت

ويقول أبو عبيد : إن المثانى فى كتاب الله عزوجل ثلاثة أشياء :

١ ـ الله سبحانه وتعالى سمى القرآن كله مثانى فى الآية : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ).

٤٦

٢ ـ وسمى فاتحة الكتاب مثانى فى الآية : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).

٣ ـ يسمى القرآن مثانى لأن القصص والأخبار تتكرر فيه مرتين والقرآن يسمى أيضا مثانى لأن كل آية من آيات الرحمة مصحوبة بآية من آيات العذاب «لسان العرب مادة ثنى».

وهكذا نرى كم هى متباينة تلك التفسيرات التى قالها مفسرو القرآن وعلماء اللغة المسلمون.

وفى هذا الصدد أشير إلى أن التصويب المقترح من نولدكه لشطر بيت أبى الأسود الدؤلى فى قصيدته التى يرثى فيها الإمام عليا «نولدكه ZDNG مجلد (١٨) صفحة (٢٣٦)» هو تصويب خاطئ.

وشطر البيت ومن قرأ المثانى والمئينا ، ويقترح نولدكه تصحيح الكلمة الأخيرة إلى «مبينا» بطريقة يقترحها فى كل آيات القرآن المشتملة على لفظ المثانى. ولكن كما رأينا فى الاستشهاد الذى سقناه من «لسان العرب» فإن الكلام عن «مئين» وليس «مبين» وكل التفسيرات المتعلقة بكلمة «مئين» تعنى «مائتين».

رابعا : «هاينريش سبيير» :

كان هاينريش سبيير تلميذا لجوزيف هورفيتز وأراد أن يواصل بحوث أستاذه القرآنية لأنه أدرك أن القرآن يحتوى على أكثر مما كان يجب اعتقاده وذلك فى مجلد بعنوان «المقدمة».

ولذلك قام بدراسة واسعة تقع فى (٥٠٩) صفحة عنوانها «القصص الإنجيلية فى القرآن» ، الطبعة الأولى سنة (١٩٣١ م) ، والطبعة الثانية سنة (١٩٦١ م) حيث زعم أننا لا يهمنا إلا ذلك الموضوع الأخير فقط.

وسوف نسوق بعضا من فرضيات سبيير فى هذا الصدد حتى نبين إلى أى مدى كان بعيدا عن الحقيقة ويعتمد على المبالغة ويفتقر إلى الدقة تماما مثل هارفيج هيرشفيلد.

٤٧

(أ) مثل الجنتين :

قال الله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً* كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً* وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً* وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً* قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً* لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً* وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً* فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً* أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً* وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً* وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً)(١).

يؤكد سبيير أنه عثر على أصل هذا المثل فى جزء من كتاب التلمود المتعلق بسفر اللاويين السفر الثالث من العهد القديم ، ولنثبت أنه ليس هناك علاقة بين هذا النص القرآني والميدراش المذكور ، نقدم لكم النص الكامل لهذا الأخير كما جاء فى الترجمة الإنجليزية Midrash Rebbah Leviticus, trper judah. J Slatki, London ـ Soncino press, ١٥٩١, PP ٣٩٢ ـ ٤٩٢ «الربىّ عزريا باسم ر. جودا ابن سيمسون قال : يمكن مقارنة هذا بذلك الملك الذى امتلك بستانا يتخلله صف من شجر التين وصف من العنب وصف من الرومان وصف من التفاح ، فأجره لشخص ورحل ، بعد زمن عاد الملك ليزور بستانه ويفرح بما طرحه من ثمار فوجده مكسوا بالأشواك ... أحضر مقصلة ليزيل كل هذا ، وإذ هو كذلك وجد وردة وردية اللون شم رائحتها فهدأ مزاجه ، وقال الملك : «سينجو البستان بفضل هذه الوردة» مثلما ينجو العالم كله بفضل التوراة.

__________________

(١) سورة الكهف ، الآيات (٣٢ ـ ٤٣).

٤٨

بعد ستة وعشرون جيلا نظر القديس إلى عالمه ليرى ما طرحه من ثمار ، فلم يجد إلا ماء فى ماء جبل إينوش Enosh كان فى ماء ، وجبل الطوفان كان ماء فى ماء ، وجبل الشتات كان ماء فى ماء ، فأحضر مقصلة لقطعها كما قيل «الرب بالطوفان جلس ويجلس الرب ملكا إلى الأبد» فرأى وردة وردية واحدة ... إسرائيل أخذها وشم رائحتها فأعطى الوصايا العشر وهدى مزاجه لما قالوا «كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له» الخروج ٢٤ : ٧ ، فرد الرب قائلا : إن البستان سينجو ومن أجل التوراة وإسرائيل سينجو العالم».

كما نرى فليست هناك علاقة مطلقا بين التشبيه القرآنى وهذه الميدراش لا فى التعبير ولا فى المحتوى ولا فى الفائدة التى نخرج بها منهما.

إن العنصر الوحيد المشترك بين الاثنين هو كلمة «جنة ـ بستان» وبقية النصين مختلف تماما.

إنه لمن العبث أن نفترض أن النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقتبس من نص يؤكد أن العالم محمى بفضل التوراة وإسرائيل.

إن النص القرآنى يؤكد فكرة الثقة المطلقة ، فالمؤمن الحقيقى يجب أن يؤمن بقضاء الله والخضوع بينما يزعم شعب إسرائيل أن إسرائيل ستحمى بقية شعوب العالم.

أى تذبذب فى دفع هاينريش سبيير إلى إيجاد تشابه أو بمعنى أصح اقتباسا بين النصين؟

إن حالته مثل حالة هيرشفيلد تحتاج إلى علاج نفسى.

وعلى نفس المنوال يسير فى الجزء المخصص للمثل فى القرآن صفحة (٤٢٦ ـ ٤٣٨) ... فرانس بول الذى لم يكن أسعد حظا فى تصفحه لإنجيل لوقا الإصحاح الثانى عشر ، (١٦) ليوضح مصدر التمثيل القرآنى.

ولكن ما ذا يوجد فى إنجيل لوقا؟ يوجد المثل الآتى :

«كان هناك رجل غنى أنبت أرضه بوفرة (١٧) وتساءل فى نفسه ما ذا سوف

٤٩

أفعل؟ هذا ما سأفعله : سوف أهدم هذه الصوامع وأبنى بدلا منها صوامع أكبر وسوف أجمع كل غلالى وثروتى (١٩) وسأقول لنفسى : يا نفسى إنك تمتلكين ثروة تكفيك لسنوات عديدة. اهدئى يا نفسى وكلى واشربى واحتفلى (٢٠) فقال له الرب : أيها الأحمق فى هذه الليلة سوف تعيد التساؤل مع نفسك وتقول عن كل ما جمعته أين سيذهب (٢١) ، وهكذا كان يكنز المال لنفسه بدلا من أن يغتنى من أجل الرب».

فى هذا المثل من الإنجيل ليست هناك جنة وليس هناك إشارة إليها حتى فى الآية الأخيرة أنها تدين البخل واكتناز المال وتحض على الصدقة والبر ، وهذا ليس موجود فى معنى المثل القرآنى.

ولهذا يجب أن نتساءل لما ذا يفترض أشخاص مثل هيرشفيلد أو سبيير أو بول هذا التقارب الذى يبدو زيفه واضحا لمن يتصفحه عن قرب؟

ونعطى كذلك بعض الأمثلة الأخرى على هذه الخزعبلات هاينريش سبيير.

(ب) سورة فاطر :

قال الله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(١).

وحتى يجد مصدرا مزعوما لهذه الآيات القرآنية الكريمة ساق سبيير تسع آيات من العهد القديم وخمس آيات من العهد الجديد ملتقطا كلمة «من» كل هذه الآيات الأربعة عشر مختلفة تماما فى مصادرها وبعيدة جدا عن بعضها البعض وجمعها كلها ليشكل ما يزعم أنها أصل! لا يمكن أن يكون هناك أكثر سخفا وشططا منه.

فما ذا تقول الآيات الإنجيلية التى أشار إليها :

ـ سفر التكوين ، الإصحاح ٨ ، الآية ٢٢ : «مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ، ونهار وليل لا تزال».

__________________

(١) سورة فاطر ، الآيات (١٩ ـ ٢٢).

٥٠

ـ سفر الخروج ، الإصحاح ٤ ، الآية ١١ : «فقال له الرب من صنع الإنسان فما أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى أما هو أنا الرب».

ـ سفر المزامير ، الإصحاح ١٢ ، الآية ٤ : «نور أشرف فى الظلمة للمستقيمين هو حنان ورحيم وصديق».

ـ سفر المزامير ، الإصحاح ١٥ ، الآية ١٧ ـ ١٨ : «ليس الأموات يسبّحون الربّ ولا من ينحدر إلى الأرض السكوت (١٨) ، أما نحن فنبارك من الأرض إلى الدهر».

ـ سفر يوئيل ، الإصحاح الثاني ، الآية ٣١ : «تتحول الشمس إلى الظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف».

ـ سفر إشعياء ، الإصحاح ٥ ، الآية ٢٠ : «ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما».

جمع سبيير كلمات متناثرة من هذه المقاطع التسعة وهى الظلمات ، النور ، الأموات ، الأحياء ، وأعتقد أنه توصل إلى أصل الآية ١٩ من سورة فاطرة ، يا له من غبا ويا لها من إهانة موجعة للعلم.

(جـ) سورة الزمر :

قال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(١).

يرجع سبيير إلى المشنا آبوت (الآباء) (١١ ، ١٣ ، ١٤) : «كلمهم قائلا : ارحلوا وانظروا أى طريق مستقيم يجب أن يسلكه الإنسان ... فقال وسنا رفيق صالح وقال يوشع : جار صالح. فقال لهم : ارحلوا أو انظروا أى طريق ضال يجب أن يتجنبه الإنسان فأجابه يوسنا : قرين السوء ، وأجابه يوشع : جار السوء.

ولكن ليست هناك علاقة بين النصين! فالمثل القرآنى يعنى «الرجل الذى

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية (٢٩).

٥١

يعبد آلهة عديدة تتنازع فيه هل يمكن أن نقارنه بالمؤمن الذى يعبد الله وحده كما أوضح بلاشير (ترجمة القرآن ـ باريس ١٩٥٧ م ص ٤٩٢) إذا فالمثل القرآنى يتناول الفرق الجوهرى بين المؤمن الموحد وبين من يؤمن بتعدد الآلهة ... بينما تتناول المقطوعة المأخوذة من (الآباء) (١١ ـ ١٣ ، ١٤) الأخلاق وليست لها علاقة بأصول الدين. إذا ليس هناك أى علاقة بين المثل القرآنى والنص المشنانى ويبدو أن سبيير لم يفهم المعنى القرآنى على الإطلاق.

(د) نشير أخيرا إلى الجدل المثار حول عبارة «محمد هو خاتم النبيين» :

قال الله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(١).

وحتى يشرح هذا التعبير «خاتم» يعود هيرشفيلد إلى الإصحاح سفر حجى الأصحاح (٢) ، آية (٢٣) ، ويقول فى تفسيره فى المرتبة الثانية والعشرين (٢٤٢) (أبحاث جديدة ص ٢٣).

ما ذا يقول السفر (٢) ، الآية (٢٣)؟.

«فى ذلك اليوم يقول رب الجنود أخذك يا زر بابل عبدى ابن سألتيئيل يقول الرب وأجعلك كخاتم ، لأنى قد اخترتك يقول رب الجنود».

ويضيف هيرشفيلد أن كلمة خاتم وردت كذلك فى سفر الملوك الأول فى الإصحاح ٢١ الآية ٨ «ثم كتبت رسائل باسم آخاب وختمتها بخاتمه» أى بمعنى الختم ، أما فى سفر التكوين الإصحاح ٣٨ الآية ٨ ، فجاءت بمعنى الختم المعلق بعناية فى الصدر وذكرت كذلك فى سفر إرميا الإصحاح ٢٢ الآية ٢٤ بمعنى الختم الذى يحمل فى اليد من شدة الحرص عليه.

«حتى أنا ، يقول الرب : ولو كان كنياهو بن يهوياقيم ملك يهوذا خاتما على يدى اليمنى فإنى من هناك أنزعك» وهو نفس المدلول الذى ورد فى سفر حجى ، فالمقصود بكلمة خاتم هو أن الله قال لحجى أنه اختار زر بابل كخادم قيم».

ويشرح هورفيتز فى كتابه «دراسات قرآنية» صفحة (٥٣) ، أن تعبير خاتم

__________________

(١) سورة الأحزاب ، آية (٤٠).

٥٢

النبيين معناه «المصدق للنبيين» مثل الخاتم الذى يشهد بصحة مكتوب أو وثيقة.

وعلى هذا التفسير تكون مهمة محمد هو التصديق مثل الموثق ... فيصدق فقط ويشهد بصحة الرسالات المنزلة على الرسل الذين سبقوه.

وفى هذه الحالة كيف يستطيع محمد أن يشهد ويصدق لرسل مختلفين وكتب مقدسة متباينة وأحيانا محرفة؟

ومع ذلك فاسبيير يوافق الرأى السابق لهورفيتز (سبيير : الخطابات التوراتية» صفحة (٤٢٢ ، ٤٢٣).

ولكن كلا التفسيرين «أثيرا» ، «شاهدا» غير مقبولين.

والتفسير الوحيد المقبول أو المتفق مع استعمال اللغة العربية وهو أن «خاتم» معناها «الأخير» نقول : خاتم القوم أو خاتمتهم ومعناها أخرهم ، والخاتم من كل شىء أخر أجزائه «لسان العرب ، مادة ختم».

وأحد أسماء النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخاتم أى أنه خاتم النبيين الذين أرسلوا ويجب أيضا أن ننظر إلى النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى يؤكد بكل ثقة :

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)(١).

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(٢)

فمن المنطق إذا أن يعتبر محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) خاتم النبيين لأن الإسلام عند الله هو الدين الحق.

ذلك المفهوم الذى يقرر أن النبى محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) نبى الإسلام ورسالته خاتمة الرسالات تقرره أحاديث مختلفة يؤكد فيها أنه أخر الأنبياء حيث يقول عليه أفضل الصلاة والسلام «أنا خاتم النبيين».

ـ البخارى ـ كتاب المناقب ـ الحديث ١٨.

ـ مسلم ـ كتاب الفضائل ـ الحديث ـ ٢٢.

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية (١٩)

(٢) سورة آل عمران ، آية (٨٥)

٥٣

ـ أبو داود ـ كتاب الفتن.

ـ الترمذى ـ كتاب الفتن ـ الحديث ٤٣.

ـ الدارمى ـ كتاب المقدمة ـ الحديث ٨.

ـ ابن حنبل ـ الباب الثانى (٣٩٨ ـ ٤١٢) ، والباب الثانى (٧٩ ـ ٢٤٨) ، والباب الرابع (٨١ ، ٨٤ ، ١٢٧ ، ١٢٨) ، والخامس (٢٧٨).

إن أكثر حديث مشترك فى الصيغة بين هذه الأحاديث هى «مثلى ومثلى الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنه فجعل الناس يزرونه ويعجبون به ويقولون لو وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين». إذا فبالنسبة لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) نفسه ما من شك فى أنه يعتبر خاتم وأنه لن يأتى نبى بعده لأن صرح النبوة قد اكتمل به.

٥٤

الفصل الثالث

معنى كلمة «فرقان»

٥٥
٥٦

كلمة أخرى من كلمات القرآن الكريم حاول كثير من المستعربين المتحيزين ضد الإسلام إثبات أصل يهودى ومسيحى لكلمة «فرقان» التى ذكرت فى القرآن الكريم ست مرات فى الست آيات التالية.

١ ـ قال الله تعالى : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(١).

٢ ـ قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ)(٢).

٣ ـ قال الله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ* مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ)(٣).

٤ ـ قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤).

٥ ـ قال الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ)(٥).

٦ ـ قال الله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً)(٦).

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية (٥٣).

(٢) سورة البقرة ، الآية (١٨٥).

(٣) سورة آل عمران ، الآية (٣ ، ٤).

(٤) سورة الأنفال ، الآية (٤١).

(٥) سورة الأنبياء ، الآية (٤٨).

(٦) سورة الفرقان ، الآية (١).

٥٧

وقد ترجم بلاشير كلمة فرقان فى الآيات الستة بمعنى «إنقاذ» ، وهناك ثلاثة من المستشرقين اليهود وهم : جيجر فى كتابه «ما ذا اقتبس محمد من اليهودية» صفحة (٩٩) سنة (١٩٠٢ م) ، وهيرشفيلد فى كتابه «بحوث جديدة فى القرآن» صفحة (٦٨) سنة (١٩٠٢ م) ، وهورفيتز فى كتابه «بحوث القرآن» صفحة (٧٦ ، ٧٧) سنة (١٩٢٦ م) ، وقد تخيل هؤلاء الثلاثة أن كلمة «فرقان» هى الكلمة العبرية المعربة وأصلها بيركى» Prike «ويؤكد مرجليوث» MARGOLIOTH «فى كتابه «موسوعة الدين والأخلاق» حين يقول : إن «بيركى» ـ أبوت مقتبسة من كتاب الآباء ، وهو كتاب من المشنا يحتوى على الأمثال والحكم الدينية والأخلاقية للحكماء والعلماء اليهود والآباء من عهد سمعون العادل» Simeanle Just «نحو (٣٣٠) قبل الميلاد وحتى كتابه المشنا (٢٢٠ م) «إبراهام المالح ـ القاموس الجديد الكامل عبرى ـ فرنسى» ويقع فى خمسة فصول يختلف الفصل الأخير عن الأربعة السابقين شكلا ومضمونا.

فالحكم التى فيه مجهولة المؤلف فيما عدا المقطوعات الأخيرة بينما فى الفصول الأربعة نجد الحكم مزيلة بأسماء قائليها ، وإن أعظم شىء فى هذه المقالة أنها تتحدث عن اليهودية بشكل واضح انطلاقا من حقيقة أنها متضمنة فى كتاب الصلوات القديم كجزء من شعائر خدمة الرب بعد ظهيرة يوم السبت خلال شهور الصيف «الموسوعة اليهودية» المجلد الأول صفحة (٨١ ، ٨٢) نيويورك ولندن سنة (١٩٠١ م).

ومن خلال هذه المعلومات نجد أنه من المستحيل كما هو واضح أن تكون كلمة فرقان تعنى الحكم المسماة «بيركه» وذلك للأسباب الآتية :

(أ) مؤلفى الحكم معرفون بالاسم وليس من بينهم موسى ولا هارون فكيف إذن استطاع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينتحل هذه (البيركى) من موسى أو من هارون عليهما‌السلام.

(ب) محتوى (البيركى) لا يمكن أبدا أن يعتبر كتابا مقدسا مثل التوراة أو الإنجيل أو بالأحرى القرآن.

٥٨

(جـ) اعتراف هورفيتز نفسه أنه لو كانت كلمة (بيركى)» Pirke «تنطبق على الآيات (١ ، ٤) فإنها لا تنطبق على الآيات الأربع الأخرى ولذلك فإن كل من اعتقد أن كلمة (فرقان) تعنى (بيركى) عندهم حماقة نادرة وهوس مرضى جعلهم يتخيلون أنها جاءت من العبرية أو اليهودية.

ونستعرض الآن بعض المستشرقين المسيحيين الذين تناولوا هذه القضية ومن بينهم :

* نولدكه فى كتابه «إسهامات جديدة فى العلوم اللغوية السامية» صفحة (١٠) سنة (١٩١٠ م).

* ليدسبارسكى فى» Z.S «صفحة (٩٠ ، ٩٢) سنة (١٩٢٢ م).

* شفالى فى» Z.D.M.C «صفحة (١٣٤) سنة (١٨٩٨ م).

وكذلك كتاب «تاريخ القرآن» صفحة (٣٤) ملحوظة (١).

* أ. ى فنسنك فى «دائرة المعارف الإسلامية» الطبعة الأولى.

* ر. بيل «أصول الإسلام فى بيئته المسيحية» صفحة (١١٨) سنة (١٩٢٦ م) ، «مدخل إلى القرآن» صفحات (٢٢٥ ، ٢٢٩) سنة (١٩٣٨ م).

* آرثر جيفرى «الألفاظ الأجنبية فى القرآن» باردوا صفحة (٢٢٥ ، ٢٢٩) سنة (١٩٥٣ م) ، والقاسم المشترك فى ترجمتهم هو أن كلمة «فرقان» هى : الشكل العربى للكلمة السريانية «فرقانا»» Furqana «، والكلمة اليهودية الآرامية «فرقان»» naqruf «التى تعنى إنقاذ بالمعنى المسيحى ، ولقد ترجم بلاشير» Blachere «نفسه أن كلمة فرقان بمعنى «إنقاذ» ، وكذلك رودى باريت فى ترجمته للقرآن «القرآن ـ شتوتجارت» سنة (١٩٦٢ م) حيث ترجمها بمعنى «إنقاذ»» reidong «ومن المفيد أن نلاحظ أن ر. بيل فى ملاحظته عن كلمة «فرقان» فى كتابه الذى نشره بعنوان «مدخل إلى القرآن» صفحة (١٣٦ ، ١٣٨) أدنبرج سنة (١٩٥٣ م) يخلط بين التفسير الذى ساقه المفسرون المسلمون وهو فرقان بمعنى : تفرقة ، وتفسير الكتاب المسيحى الذى

٥٩

يدعى أن كلمة فرقان جاءت من الكلمة السريانية فرقانا بمعنى «إنقاذ» ، وهذا الخلط غير اللائق يصيب بحثه بالغموض حيث يقول : «ربما يكون مصدر الكلمة قد اشتق من المصادر المسيحية ولكن محمدا كان يجب أن يوفق بينها وبين الجذر العربى (فرق) ومعناه ببساطة التفرقة بين جماعة المتدينين وبين الكافرين وكذلك الأمر أيضا فى حالات الوحى إذ لليهود التوراة وللمسيحيين الإنجيل ، وكذلك للمسلمين كتابهم وهو القرآن» ولذلك فقد فسر الآية (٤١) سورة الفرقان هكذا : أن نصر «بدر» لم يكن فقط خلاصا لفئة قليلة من المسلمين الذين خرجوا مع محمد لاعتراض القافلة ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الجيش ولكنه كان تفرقة نهائية بين اتباع محمد وكفار مكة ، ولقد صار الفريقان بعد سفك الدماء أعداء.

ومن العبث فى هذا التفسير أنه يدعى أن النبى محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) استعار الكلمة السريانية (بوركانا)» Purkana «ولكنه غير معناها إلى الكلمة العربية (فرق) ، لما ذا لا يأخذ مباشرة المصدر العربى إذا كان يقصده؟ ثم هل هناك أية وثيقة توضح أن الكلمة السريانية (بوركانا) كانت مشهورة أو حتى معروفة فقط فى الوسط الذى عاش فيه النبى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، وخالطه حتى يستعيرها ويغير معناها حسب اللفظ العربى المشابه لها فى النطق؟.

إن هذه الأسباب كافية لدحض أطروحة المستشرق ريتشارد بيل وخطأ الذين ساروا على نهجه م. وات «محمد فى المدينة» صفحة (١٦٠) ، رودى باريت «موسوعة الإسلام» الطبعة الثانية.

تفسيرنا

أولا : أنه من الغباء نسبة كلمة «فرقان» إلى الكلمة العبرية (Pirke) التى تعنى فصول.

ثانيا : أن الآراء التى ترد كلمة «فرقان» إلى الكلمة السريانية بوركانا (Purkana) : الإنقاذ تعد هى الأخرى ضربا من الغباء.

٦٠