دفاع عن القرآن ضد منتقديه

الدكتور عبد الرحمن بدوي

دفاع عن القرآن ضد منتقديه

المؤلف:

الدكتور عبد الرحمن بدوي


المترجم: كمال جاد الله
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الدار العالميّة للكتب والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٩٩

الفصل الثانى

«الموازاة الخاطئة بين القرآن والعهد القديم»

٢١
٢٢

منذ قرون عديدة والبحث مستمر عن مصادر توراتية أو شبه توراتية فى القرآن (وهى التلمود فيما يتعلق باليهودية والأناجيل فيما يتعلق بالمسيحية) ، ولكن بداية من القرن التاسع عشر أصبح لهذا البحث سمات تبدو علمية وخصصت منشورات وكتب لهذا الموضوع منها ما هو محدود الانتشار ، ومنها ما هو واسع الانتشار ، وتنقسم هذه الدراسات إلى قسمين :

أولا ـ كتب أو دراسات ذات اتجاه يهودى أو متعلقة باليهودية.

ثانيا ـ كتب أو دراسات ذات اتجاه مسيحى أو متعلقة بالمسيحية.

* كتب ذات نزعة يهودية ونذكر منها :

١ ـ إبراهام جيجر : «ما ذا أخذ محمد من النصوص اليهودية؟» بون سنة (١٨٣٣ م) ـ ط ٢ ـ ليبزج سنة (١٩٠٢ م) إعادة طبع (١٩٦٩).

٢ ـ هيرشفيلد : ١ ـ العناصر اليهودية فى القرآن ـ برلين (١٨٧٨ م).

ـ مقالة فى شرح القرآن ـ ليبزج سنة (١٨٨٦ م).

ـ أبحاث جديدة فى فهم وتفسير القرآن ـ لندن سنة (١٩٠٢ م).

٣ ـ سيدرسكى : أصل الأساطير الإسلامية فى القرآن ـ باريس سنة (١٩٣٣ م).

ـ هاينريش سبرنجر : (قصص الإنجيل فى القرآن) ـ باريس ، ط ٥ ، برلين وليبزج (١٩٢٩).

ـ هورفيتز : (بحوث قرآنية) ـ برلين وليبزج سنة (١٩٢٦ م).

ـ الأسماء اليهودية ومشتقاتها فى القرآن ـ حوليات الكلية العبرية ، المجلد الحادى عشر سنة (١٩٢٥ م) ، صفحة (١٤٥ ـ ٢٢٧ م).

٦ ـ إسرائيل شابيرو : الحكايات التوراتية فى أجزاء القرآن ـ برلين (١٩٠٧ م).

* الكتب ذات التوجه المسيحى التى يمكن أن نذكر منها :

١ ـ ريتشارد بيل : ـ أصل الإسلام فى بيئته المسيحية ـ لندن سنة (١٩٢٦ م) ، وأعيد طبعه سنة (١٩٦٨ م).

ـ مقدمة فى القرآن ـ أندنبرج سنة (١٩٥٣ م).

٢٣

٢ ـ تور أندريا : أصل الإسلام والمسيحية ـ أوبسلو سنة (١٩٢٦ م).

وسنقوم الآن بتحليل منهج هذه الكتب.

يؤكد كل هؤلاء الكتاب أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم باعتباره مؤلفا للقرآن اقتبس أغلب القصص وعددا كبيرا من الصور البيانية وكذلك الحكم والأمثال من الكتب المقدسة أو شبه المقدسة لدى اليهود والنصارى.

ولكى نفترض صحة هذا الزعم ، فلا بد أن محمدا كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية ، ولا بدّ أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل نصوص التلمود والأناجيل المسيحية ومختلف كتب الصلوات وقرارات المجامع الكنسية وكذلك بعض أعمال الأدباء اليونانيين وكتب مختلف الكنائس ـ والمذاهب المسيحية.

هل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذ لهؤلاء الكتاب وهو كلام لا برهان عليه.

... إن حياة النبى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قبل ظهور رسالته وبعدها معروفة للجميع على الأقل فى مظاهرها الخارجية ولا أحد قديما أو حديثا يمكن أن يؤكد أن النبى محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان يعرف غير العربية إذا كيف يمكن أن يستفيد من هذه المصادر كما يدعون!

اعتراض ساقط آخر مما قاله هؤلاء الكتاب وهو يعتمد على الصياح بالقول أن فى القرآن انتحالا ويحدث ذلك عند ما يذكر القرآن حقيقة عامة ذكرت فى الكتب المقدسة اليهودية والنصرانية وقبل ذلك ... وكأنه يجب على القرآن الكريم حتى يكون بريئا من أى انتحال أن يقول أشياء مخالفة للعلم العام أو الرشاد.

فى كل مرة يجد هؤلاء الكتاب كلمة أو كلمتين متشابهتين بين القرآن وأى جزء من التوراة ، فإنهم ينتهون إلى المطابقة بين القطعتين ويمكن أن يذهب بهم السخف إلى أبعد من ذلك .... ويعتبر هيرشفيلد أستاذ هذا الاتجاه العقيم العبثى.

٢٤

(مزاعم هيرشفيلد ١٨٥٤ م ـ ١٩٣٤ م).

يرى هيرشفيلد أن هناك بعض المتشابهات بين القرآن والتوراة :

(١)

سورة الرحمن

الآية (٥) : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ).

الآية (٦) : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ).

الآية (٧) : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ).

الآية (٩) : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ).

سفر المزمور (١٣٦)

(العهد القديم)

الآية (٨) «الشمس لحكم النهار» الآية (٩) «والكواكب لحكم الليل».

الآية (٥) : «الصانع السماوات بفهم».

الآية (٦) : «الباسط الأرض على المياه».

إننى أدعو من القارئ أن يتمعن فى النصين ويوضح لى وجه الشبه بينهما ... فى الواقع لا يوجد أى شبه بينهما ، فالقرآن يتحدث هنا عن السمة الدائرية لحركة الشمس والقمر ، بينما لا يذكر المزمور عن ذلك أى كلمة كذلك فالقرآن يؤكد أن الأعشاب والأشجار تسجد لله عزوجل ، وهذه فكرة غائبة بالكلية فى المزمور. أيضا فإن المزمور يتحدث عن الحكمة التى بها خلق الله السموات ، ولكن القرآن لا يتحدث إلا عن فعل الله فى رفع السماء من خلال الآية رقم (٩) أكد القرآن أن الله وضع الأرض لصالح الإنسانية جمعاء ، بينما تتحدث الآية (٦) فى المزمور فقط عن ظاهرة جغرافية بسيطة وهى أن الأرض تتمدد فوق المياه.

إذن أين وجه الشبه بين القرآن والمزامير فى هذا النص ، أى تهيؤات جعلت هيرشفيلد يؤمن بوجود وجه شبه أو ربما اقتباس هنا!

نفس التهيؤات المرضية هى التى جعلت هيرشفيلد يعتقد بوجود تشابه ، سورة النحل والمزمور (١٠٤).

٢٥

(٢)

(أ)

سورة النحل

الآية (٢) : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٤) : «الصانع ملائكته رياحا وخدامه نارا ملتهبة».

تحدث القرآن الكريم فى سورة النحل ، الآية (٢) عن إرادة الله عزوجل المطلقة فى أن يختار من بين الناس من عباده شخصا يؤدى المهمة النبوية الشريفة ، وأن الله ينزل عليه ملكا مثل جبريل عليه‌السلام لينقل له أمر الله فى هذا الموضوع على العكس فإن الآية (٤) فى المزمور (١٠٤) لا تتحدث إلا عن ظواهر جوية وطبيعية!!.

ونواصل رحلتنا مع هيرشفيلد ومع التشابه المزعوم بين سورة النحل والمزمور ١٠٤ :

(ب)

سورة النحل

الآية (٣) : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٢) : «اللابس النور كثوب الباسط السماوات كشقة».

الآية (٥) : «المؤسس الأرض على قواعدها».

أسأل نفسي مرة أخرى بكثير من الدهشة ، كيف استخلص هيرشفيلد وجود علاقة بين النصين اللذين قارن بينهما؟

أن الآية القرآنية تتحدث عن حكمة الله وقدرته فى خلق السموات والأرض فى انسجام تام دون أن تقع الأولى على الثانية مما يثبت أنه لا إله إلا الله واحد أحد لا شريك له.

وفى المقابل لا يتحدث المزمور إلا عن سذاجة نادرة فالسماوات مثل البساط والأرض قائمة على قواعد ثابتة.

٢٦

(جـ)

سورة النحل

الآية (١٠) : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٣) : «المسقف علاليه بالمياه الجاعل السحاب مركبة الماشى على أجنحة الريح».

إنه لمن الواضح أن النصين يتحدثان عن شيئين مختلفين ، فالقرآن يتحدث عن النعمة العظيمة المسداة إلى الناس حتى يستطيعوا أن يعيشوا هم وأنعامهم وتلك النعمة هى المطر الذى ينزله الله عزوجل من السماء ، بينما يتحدث المزمور عن المنازل والوسائل التى يستخدمها الله.

إذن ليس ثمة علاقة بين الموضوعين المتناولين ومن ناحية أخرى فإن آية المزمور مجسمة ومادية ومن المستحيل أن يكون لها صدى فى القرآن ، لأنها صورة شنيعة مخالفة لما عليه المفهوم الإسلامى والقرآن لله عزوجل.

(د)

سورة النحل

الآية (١١) : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (١٤) : «المنبت عشبا للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان لإخراج خير من الأرض».

الآية (١٥) : «وخمر تفرح قلب الإنسان لإلماع وجهه أكثر من الزيت وخبز يسند قلب الإنسان».

يتحدث القرآن الكريم عن المطر الذى ينبت الحبوب والزيتون والنخيل بينما يتحدث المزمور عن الله مباشرة ويؤخر نعمة الخمر ، بينما لم يتحدث القرآن مطلقا عن الخمر تلك التى تحى قلوب البشر وتلمع وجوههم وهو كلام يخالف مخالفة صريحة ما قاله الله عزوجل فى قرآنه الكريم فى سورة البقرة ، الآية (٢١٩) : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).

٢٧

وكذلك فى سورة المائدة ، الآية (٩٠) : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).

إذن فالنصان بمعنى أصح ليس بينهما علاقة ... بل انهما مختلفان تمام الاختلاف ، وعلاوة على ذلك فإن المزمور يتحدث فقط عن النباتات بوجه عام بينما القرآن الكريم يتحدث عن نباتات محددة وهى الزيتون والنخيل والأعناب.

(ه)

سورة النحل

الآية (١٤) : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٢٥) : «هذا البحر الكبير الواسع الأطراف هناك دبابات بلا عدد صغار حيوان مع كبار.

الآية (٢٦) : «هناك تجرى السفن لوياثان هذا خلقته ليلعب فيه.»

أن النصين يتحدثان عن البحر ولكن بطريقة مختلفة تماما ، فالقرآن الكريم يتحدث عن النعم المتعلقة بالبحر كالأسماك ويعدها كنعم منحها الله عزوجل للبشر ، بينما يكتفى المزمور بوصف البحر بالفكاهة فى قوله إن الله خلق التمساح ليلعب فى البحر.

(و)

سورة النحل

الآية (٣٨) : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

الآية (٦٥) : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).

الآية (٧٠) : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٢٩) : «تحجب وجهك فترتاح تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود».

٢٨

أى تهيؤات دفعت هيرشفيلد ليعتقد بأن هذه الآيات الأربعة الغنية بالأفكار إنما هى صدى لهذه الكلمات القليلة من المزمور (١٠٤) ، الآية (٢٩).

إن القرآن الكريم هنا يتناول قضية بعث الموتى ويعلن أن ذلك ممكن ما دامت الأرض تعود حية بعد موتها بفعل نزول المطر بمشيئته سبحانه وتعالى أما المزمور فلا يتحدث إلا عن أن الله يرسل العاصفة على البشر ويموتون ... إن القرآن الكريم يتحدث عن بعث الموتى ، بينما يتحدث المزمور عن الموت مطلقا فالقرآن والمزمور هنا مختلفان كلية أو على الأقل يتحدثان عن أشياء مختلفة كلية.

(ز)

سورة النحل

الآية (٤٢) : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٢٧) : «كلها إياك تترجى لترزقها قوتها فى حينه».

إن النصين لا يتحدثان عن نفس الشيء ... القرآن الكريم يتحدث عن الصبر والإيمان والتوكل على الله سبحانه وتعالى ، بينما يتحدث المزمور عن الأمل الذى عند الناس فى أن يمنحهم الله غذاءهم فى الوقت الذى يريده ويتحدث القرآن عن المثل العليا والفضائل التى يجب أن يتحلى بها المؤمنون ، بينما لا يفكر المزمور إلا فى حاجات البطون.

(ح)

سورة النحل

الآية (٤٩) : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٣٣) : «أغنى للرب فى حياتى أرنم لإلهى ما دمت موجودا».

ليس هناك علاقة بين النصين ، لأن القرآن الكريم هنا يتحدث عن كل المخلوقات فى السموات وفى الأرض وكذلك عن الملائكة ويؤكد أنهم كلهم يسجدون لله عزوجل ، وفى المزمور فرد واحد فقط هو الذى يمدح الله ... بينما فى القرآن كل الخلق يمدحونه سبحانه ... يا لها من فردية فى المزمور ويا لها من عالمية فى القرآن.

٢٩

(ط)

سورة النحل

الآية (٥٠) : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٣٤) : «فيلذ له نشيدى وأنا أفرح بالرب».

نفس الأنانية (فى المزمور) والخشوع والطاعة والتواضع فى القرآن.

(ى)

سورة النحل

الآية (٦١) : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (٣٥) : «لتبد الخطاة من الأرض والأشرار لا يكونوا بعد باركى يا نفس الرب».

هنا يوضح القرآن الكريم لما ذا لا يعاقب الأشرار فى الدنيا ، بينما يطلب المزمور على العكس من ذلك أن يختفى المذنبون من على الأرض وأن يفنى الكافرون حالا إن سياق القرآن مختلف تماما عن سياق المزمور.

(ك)

سورة النحل

الآية (٧٩) : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

المزمور (١٠٤)

الآية (١٢) : «فوقها الماء طيور السماء تسكن».

الآية (١٧) : «حيث تعيش هناك العصافير أما اللقلق فالسرو بيته».

إن القرآن الكريم هنا يتحدث عن آية من آيات الله وهى أن الطير يسبح فى جو السماء بقدرته المطلقة سبحانه وتعالى عكس قانون الجاذبية الأرضية ، بينما يوضح المزمور أن الطيور تتهادى قريبا من مصادر المياه وتعيش بين أوراق الشجر دون أية إشارة إلى تلك القدرة الإلهية التى توجه الطيور فى السماء.

٣٠

هذه الأمثلة تكفى لتوضيح الطريقة التى تصرف بها وفهمها هيرشفيلد فى كتابه «بحوث جديدة فى فهم وتفسير القرآن» لندن سنة (١٩٠٢ م) ... لقد زعم وجود أوجه شبه وتماثل ، بينما فى الحقيقة لا يوجد شىء من ذلك.

وهذا يثبت أنه كان ضحية لهوس مرضى سببه ذلك التعصب الأعمى المختلط بالزهو والغرور ... إنه يصل بهذا السخف إلى نهاية حين يقرر أن القرآن وهو نص الإسلام المكتوب ليس إلا تحريفا للتوراة ، «المرجع السابق» ـ المقدمة صفحة (١١).

إننا نجد أيضا ذلك العمى المرضى فى مقالة «العناصر اليهودية فى القرآن» برلين ـ (١٨٧٨) ، وكذلك فى كتابه «مساهمات حول تفسير القرآن» ليبزج (١٨٨٦ م) ، ولذلك فهذه الكتب لا تستحق أن ندرسها.

ونستعرض الآن رأى بعض العلماء فى أعمال هيرشفيلد.

(أ) قال «سيدرسكى» بعد أن عرض عناوين كتب هيرشفيلد «للأسف ، فإن هذا العالم لم يضف أى شىء يذكر فيما يتعلق بأصل الأساطير القرآنية» «أصول الأساطير الإسلامية» باريس (١٩٣٣ م) صفحة (٢) رقم (١).

(ب) فى الجزء الثانى من كتابه «القرآن تعليق وتحليل» «شتوتجارت» (١٩٧١ م) صفحة (١٢) يحدد «رودى باريت» كتاب هيرشفيلد «بحوث حديثة» صفحة (١٠١ ، ١٠٣) حول الحروف الموجودة فى أوائل بعض السور ، لكن مرجعه ليس دقيقا ، لأنه فى صفحة (١٤١ ـ ١٤٢) ، وليس فى صفحة (١٠١ ، ١٠٣) ، حيث تناول هيرشفيلد قضايا الجذور ، ويذكر رأيا آخر لهيرشفيلد فيما يتعلق بكلمة حطة فى سورة البقرة ، الآية (٥٨) ، (وَإِذْ قُلْنَا : ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).

يقول هيرشفيلد : ربما تكون كلمة حطة مأخوذة من صيغة الاعتراف بالذنب التى تعود إلى المشناة «يوما» ، ولكن باريت لا يعلق على رأى هيرشفيلد ذلك الرأى الخاطئ ، لأن المشناة فى الموضوع الذى استشهد به لا توجد بها

٣١

كلمة حطه أو كلمة لها نفس المعنى أو النطق أو قريبا منه مما يؤكد مرة أخرى أن هيرشفيلد يقول أى شىء دون أدلة أو وثائق يستند إليها. ويدلى «باريت» فى صفحة (١٩ ـ ٢٠) من كتابه «القرآن تعليق وتحليل» بآراء أخرى «لسبير» وهى متعلقة بتفسير كلمة «حطه» والتى ما يزالون يتشبثون بأنها كلمة عبرية أو محرفة عن كلمة عبرية.

وفى التفاسير الإسلامية كلمة «حطة» معناها باعتبارها عربية : اغفر لنا ذنوبنا أو «حط عنا أوزارنا» كما أن «بلاشير» يترجمها صراحة بكلمة «العفو».

إن سبيير يزعم أن كلمة «حطة» هى تحريف للكلمة العبرية «حطنو» ، الآية (٤٠) من الكتاب الرابع لموسى «سفر العدد» حيث يقول .. غدا فى الصباح الباكر ينطلقون نحو قمة الجبل قائلين إننا مستعدون أن ننطلق نحو المكان الذى حدده الله لأننا أذنبنا» ومع أن هذه الآية تطابق المعنى المقصود ، فإن سبيير يقول «إن محمدا ظن أن اليهود الذين رفضوا أن يدخلوا الأرض المقدسة قد قصدوا» بهذه الكلمة معنى ثانويا بمقتضاه عضدوا رأيهم السابق «أرسى حطة» : «الأرض الحنطة» إذا كان يمكن أن يقول الإسرائيليون حطانواHadanu ولكن دون أن يقصدوا المعنى الحقيقى ولكن يقصدون فاكهة تلك الأرض المقدسة وليس أمر الله سبيير «الخطابات التوراتية فى القرآن» صفحة (٧٣٣).

ولكن تفسير «سبيير» هذا متعنت ومعقد ومن الصعب أن يكون حقيقيا إنه يعتمد على القول بأن الإسرائيليين عند ما كانوا فى مواجهة الأرض المقدسة ... كان موسى قد أرسل أناسا يستطلعون تلك البلاد وعند رجوعهم من مهمتهم وصفوا تلك البلاد وأحسوا بالذنب لكذبهم.

«وفى الغد منذ الصباح الباكر سينطلقون نحو قمة الجبل قائلين إننا مستعدون للمسير نحو المكان الذى أراده الرب ، لأننا أخطأنا «حطانو» ولكن بدلا من أن يقصدوا بتلك الكلمة معناها الحقيقى فإنهم قرنوها بمعنى آخر حسب لوم محمد كما يقول سبيير وفكروا فى كلمة «حطة» بمعنى قمح ... يا له من

٣٢

تفسير رائع ذلك الذى يفترض أن محمدا كان عالما ممتازا بالعبرية وإلا من أين له بلوم الإسرائيليين؟

وإذا كان قد أخذه من يهود المدينة ، إذا فما ذا يوضح لنا هذا اللوم فى الأدب اليهودى!! وكل هذه البراعة الكاذبة من أجل توضيح افتراض خاطئ وهو أن كلمة «حطه» ذات أصل عبرى.

إنه يختلق أكذوبة ويصبح ضحية لتلك الأكذوبة وهو مجبر أن يوضح بكل الوسائل حقيقة أكذوبته المزعومة.

هذا هو سلوك العلماء المزعومين ولكنها النتيجة المنطقية لتلك الآراء المبتسرة التى يدلى بها الباحثون اليهود فى محاولة للبحث عن آثار عبرية يهودية فى القرآن الكريم.

وحتى هورفيتز فى كتابه «الأسماء اليهودية الحقيقية» صفحة (٥٤) ، يعترف أن التفسير الذى يعرضه هيرشفيلد وسيدرسكى لا يعد كافيا.

وفى النهاية نؤكد هذه الدراسات الثلاث «لهيرشفيلد» والتى خصصها للعلاقة بين القرآن الكريم والكتاب اليهودى المقدس ليس لها قيمة لأنها قائمة على أوجه شبه فرضية وآراء مبتسرة ومقدمات لا أساس لها وتفتقر كلية إلى الفهم وتعويضا ومكافأة له عن تلك الصفحات أصبح هيرشفيلد أستاذا بجامعة لندن سنة (١٩٢٤ م).

ثانيا : كلير مون جانو

(تشبيه النور ـ [سورة النور الآية ٣٥]).

نتعرض الآن لأوجه شبه أخرى ساقها مجموعة من علماء المستشرقين :

* د. ب ـ ماكدونالد : مادة ـ الله (موسوعة الإسلام) الطبعة الأولى.

* ر ـ بيل : جذور الإسلام صفحة (١١٥).

* كلير مون جانو «المصباح وشجرة الزيتون فى القرآن» مجلة تاريخ الأديان العدد (٨١) سنة (١٩٢٠) ، صفحة (٢١٣ ـ ٢٥٩).

٣٣

* سبيير : «القصص الإنجيلية فى القرآن» صفحة (٦٢ ـ ٦٦ ـ ٤٣٠).

* فر ـ بهل سبيير : حول المقارنات والتشبيهات فى القرآن «المجلة الشرقية» ، العدد (٢) سنة (١٩٢٤ م) ، صفحة (١ ـ ١١).

وهذه الآيات تتحدث عن مثل النور الإلهى الموصوف فى سورة النور ، الآية (٣٥) ، قال الله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

إن هذه الآية هى مرجع معظم الصوفية المسلمين وهى أساس كل مذاهب الإشراق فى الإسلام.

نستعرض كيف شرح العلماء المذكورون آنفا هذه الآية حسب زعمهم.

(أ) ماكدونالد : يقول إنه حسب السياق يبدو أن فى الآية اقتباسا من التقاليد المسيحية فى الكنائس والأديرة وفى هذه الحالة فإن الصورة مأخوذة من الهيكل المغشى بالنور ، وبهذا تكون التعبيرات القرآنية مرتبطة ب «نور العالم» فى الإنجيل ونور النور فى شهادة الإيمان واليقين بالناسوت وما يدل عليه ، وهذا التفسير يستدعى بعض التحفظات.

١ ـ أن الأنوار التى على الهيكل فى الكنيسة كثيرة أما الآية القرآنية فلا تتكلم إلا عن نور واحد عظيم يملأ السموات والأرض.

٢ ـ فى إعلان العقيدة الذى ذكره ماكدونالد كتب : «أن الله نور من نور» أما فى القرآن الكريم فالآية تقول : (نُورٌ عَلى نُورٍ) أى نور خالص وهكذا فالمعنى مختلف بين النصين.

٣ ـ لقد درج شعراء الجاهلية مثل (امرؤ القيس) على وصف مصابيح الرهبان التى يهرب منها النور وكأنه يتسلل من وحدة الاعتكاف والعزلة ، ولم

٣٤

يكن النبى محمد ليستعير هذا التشبيه السائد آنذاك ويصف النور الإلهى ؛ لأن ذلك يكون بمثابة الكفر.

ـ نؤكد لهذه الأسباب الثلاثة أن طرح ماكدونالد خاطئ.

ويزعم «كلير مون جانو» وجود مشابهة بين هذه الآية ومقطوعة من كتاب زكريا «العهد القديم» (٤ / ١ ـ ٣) حيث يقول : «ملك لم يتكلم عاد إلى ليوقظني كما لو كان شخص ينبه شخصا من نومه (٢)» وسألنى ما ذا ترى؟ فأجبته «عندى رؤية ... رأيت مشكاة من الذهب بخزانة فى الجزء العلوى وفى أعلاه سبع مصابيح وسبع أسنة لهذه المصابيح (٣) ومن جانيها زيتونتان الأولى عن يمين الخزان والأخرى عن يساره (٤) وواصلت كلامى سائلا الملك الذى كان يكلمنى ما ذا يعنى ذلك؟ ثم قلت : لا يا إلهى. فقال لى : «هذه المصابيح السبعة تعنى عيون الرب التى تكلأ الأرض» ثم سألته ما ذا تعنى الزيتونتان على يمين وشمال المشكاة؟ (٤) ، فقال : هؤلاء الرجلان الموكلان بالزيت».

ولكننا لا نجد بصراحة علاقة أو تشابه بين مقطوعة كتاب زكريا والآية القرآنية.

ففي كتاب زكريا تتحدث المقطوعة عن مشكاة من الذهب مرفوعة على حامل من سبعة مصابيح ولها زيتونتان إحداهما على اليمين والأخرى على اليسار ، بينما لا يوجد كلمة من هذا الكلام فى الآية القرآنية.

إن مجرد الكلام عن سبعة مصابيح يتعارض كلية مع معنى الآية القرآنية التى تتحدث عن مصباح واحد فقط ، لأن الله واحد وليس سبعة وتتحدث عن زيتونة واحدة وليس عن اثنتين وهذه الزيتونة ليست شرقية ولا غربية ، لأنها روحانية والروحانى لا يحده مكان ولا اتجاه.

لقد شعر «كلير مون جانو» بعد ذلك بالفرق الشاسع بين مقطوعة زكريا والآية القرآنية ، فحاول التخفيف من التقارب المتعسف الذى زعمه بين النصين وذلك بقوله : «إذا كان محمد قد استعار النمط اليهودى المسيحى فى تمثيله ،

٣٥

فإنه يبدو أنه كان بعيدا عن السياق الذى تناول ذلك النمط فيما يتعلق بشكل مصدر الضوء والذى حظى عنده بمكانة مهمة فى التحليل ، فالمشكاة ذات السبعة مصابيح فى رؤية زكريا قد اختفت «المرجع السابق صفحة (٢٣٦) ، ولكن ما ذا يبقى إذا من السبعة مصابيح فى رؤية زكريا؟ لا شىء فيما عدا ذكر المصباح ومجرد ذكر المصباح لا يكفى مطلقا لافتراض علاقة الاستعارة بين مقطوعة زكريا والآية القرآنية.

ثم هذا الاستطراد العقيم الذى يسوقه كلير مون جانو فى موضوع مصادر النور التى توجد فى الكاتدرائيات القبطية وكنائس بيت المقدس ، صفحة (٢٣٨) لا دليل عليه لأنه يعترف بنفسه أن محمدا ما وطئت قدمه بيت المقدس كزائر أو حاج صفحة (٢٤٣) ، ولأنه مجرد من الحجة فإنه يعتمد على القول بأن تميما الدارى قد أعلم محمدا بموضوع التقاليد والكنائس المسيحية وليؤكد هذا الأمر فإنه زعم أن تميما الدارى كان له أثر على نفسية محمد وأفعاله صفحة (٢٤٧) ، وأن تميما الدارى كان بالتأكيد أحد المعلمين الذين استعان بهم محمد ليشرحوا له ليس فقط العقائد ولكن أيضا العادات والتقاليد وخدمة الكنيسة والطقوس المتعلقة بالمسيحية الشرقية صفحة (٢٤٨).

على أى شىء يعتمد كلير مون جانو ليزعم تلك المزاعم الخيالية؟

على لا شىء لأنه لا يعطينا أى مصدر ولا بين لنا أى حجة منطقية.

أن ما قاله جانو مجرد توهمات صنعها خيال تائه.

ثالثا : (هورفيتز ١٨٧٤ ـ ١٩٣١ م):

١ ـ «أيّام الله»

* ـ قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(١).

* ـ قال الله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٢).

__________________

(١) سورة إبراهيم ، الآية (٥٥).

(٢) سورة الجاثية ، الآية (١٤).

٣٦

* تطابق آخر يزعمه هورفيتز فى كتابه «دراسات قرآنية» صفحة (٢٢) بين أيام الله عبارة ميلهامت ياحوا «سفر العدد ٢١ الآية ١٤» ، وفى ذلك يقول كما تذكر السورة رقم ١١٠) ، والآية (١٩) بالتعاليم التى أخذها شعيب عن أسلافه ، فإن سورة إبراهيم الآية (٥) تأمر موسى بأن يذكر قومه بأيام الله وهى تعبير معناه حسب السياق آلاء وعقوبات الله وهذا التعبير يمثل تقريبا لملحمة ياحوا فى «سفر العدد» (١٤٢) ، وهو تعبير جاء فى صيغة «أيام العرب».

كيف توصل هورفيتز إلى هذا التطابق؟ لا أحد يدرى ولا هو نفسه شرح ذلك.

وهذه هى مقطوعة سفر العدد «لهذا ذكرنا فى تاريخ حروب الرب ملحمة يا هواه» V AHEBENFASOETLESA FFLUENATSDEARRON المقطوعة الباقية من مجملها وهى النصوص الملحمية اليهودية.

وهذه المقطوعة تساعد فى توضيح ما نذكره ، الآية (٥) ، وللعلم فإن أرون يمثل حدود مملكة مؤاب من الشمال ، ولا تحكى أى معركة للرب.

إذا فهى لا تتكلم عن أى يوم مفرد من أيام الله.

إذا فكيف يمكن لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يقتبس هذه المقطوعة حسب ما يفترض هورفيتز فى مصطلح وفكرة «أيام الله».

هل كان محمد على علم بمحتوى تاريخ حروب الرب والتى لا يعلم أى عالم يهودى عنها شيئا والتى لم يبق منها سوى هذه المقطوعة البسيطة من الآية (١٤) ، الجزء الحادى والعشرون من سفر العدد؟ يا له من زيغ وضلال ولكن هورفيتز ظل دائما أستاذ هذا الضلال.

فى التفاسير والقواميس العربية «أيام العرب» تعنى الحروب والصراعات والمعارك.

وفى هذا المعنى يقال : عالم متبحر فى أيام العرب تعنى أنه يعرف حروب العرب.

٣٧

أما أيام الله فى الآية (٥) سورة إبراهيم (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) معناها ذكرهم بنعم الله التى منحها لهم فى بعض الأيام ، وبالنقم التى أنزلها لمعاقبتهم كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود.

ويقول الفراء : «هذا يعنى خوفهم وذكرهم بما حدث لقوم عاد وثمود وأقوام أخرى فليحذروا العذاب الذى حل بغيرهم وليطلبوا المغفرة».

بينما يشرح مجاهد الآية هكذا «لم يكونوا يأملون فى نعم الله «أيام الله».

إذا أيام الله هنا بمعنى نعم الله ، وعن أبىّ بن كعب عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وذكرهم بأيام الله هذه الأيام هى نعم الله وابن منظور ... «لسان العرب» ... مادة (يوم) ، إذا فتغير أيام الله لدى علماء المعاجم العرب ليست لها علاقة بأيام العرب ... فأيام الله عندهم هى نعمه ونقمه والتى يقلبها مثل الأيام.

إذا فليست هناك مشابهة لعدم وجود التعاقب فى الحالتين للأيام الكونية من ناحية ونعم ونقم الله عزوجل من ناحية أخرى.

وهذا تفسير واضح وبسيط إذا لما ذا نبحث عن أصل فى كتاب مفقود ومذكور ضمنا فى سفر العدد؟.

٢ ـ الكلمات المشتقة :

فى نشرته الصغيرة التى تقع فى (٨٣) صفحة تحت عنوان «أسماء الأعلام اليهودية والاشتقاقات فى القرآن».

٥٢٩١ Nachdruckolms, Hildeshein ٤٦٩١".

JewishPropersNam esandDexivtivesi nthe" Koran,

يحاول هورفيتز أن يثبت أن الكلمات القرآنية (المؤتفكات ـ أمر ـ أمانة ـ بارك ـ تبارك ـ بهيمة ـ مثانى ـ خلاق ـ درس ـ رب العالمين ـ سكينة ـ صدقة ـ أزر ـ قيوم ـ كفارة ـ ماعون ـ منهاج ـ جبار ـ أحبار ـ ربانيين ـ سفك الدماء ـ قدوس ـ سورة ـ نبوة ـ بعير ـ عبادة ـ بور ـ صديق ـ جنات عدن ـ علييون ـ تزكى) كلمات مشتقة من العبرية ، وأن محمدا تعلمها من اليهود فى مكة وخاصة يهود المدينة.

٣٨

لكننا نلاحظ عكس هذا الاستنباط العشوائى أن :

(أ) كل من العربية والعبرية لغتان ساميتان ونتيجة لذلك فبينهما كثير من الظواهر العامة والمتشابهة.

إذا فوجود ألفاظ فى القرآن الكريم مشتركة بين العربية والعبرية لا يستلزم بالضرورة أن يكون محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اقتبسها من يهود عصره ، بل يمكن أن تكون هذه الألفاظ قد وجدت فى اللغة العربية قبل عهد سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوقت طويل ، وأصبحت جزءا أساسيا من ثروة اللغة العربية.

(ب) وإذا قلنا : إن تاريخ اللغة العربية قبل الإسلام كان مجهولا تقريبا بسبب عدم وجود نصوص أدبية متطورة ، فإنه من المستحيل أن نحدد من اقتبس هذه الألفاظ المشتركة من الآخر العربية أم العبرية؟

ولأننا ليس لدينا من عصور ما قبل الإسلام إلا بعض القصائد التى يثار جدل حول صحتها إن لم يكن مشكوكا فيها وبعض الكتابات القصيرة جدا والتى تتناول موضوعات لا يعتمد عليها. إذا فليس من الممكن أن نقول : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقتبس هذه الألفاظ المشتركة مباشرة من يهود عصره.

تكفى هاتان الحجتان فيما نعتقد لإثبات فشل محاولة هورفيتز.

نتناول الآن بعضا من هذه الكلمات لنوضح إلى أى مدى كان القول بأنها مشتقات عبرية تفسيرا متعسفا.

أولا ـ «خلاق نصيب» :

قال الله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(١).

قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا

__________________

(١) سورة البقرة ، آية (٢٠).

٣٩

خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١).

يزعم هيرشفيلد أن هذا النموذج موجود فى المشناLAOLAM) (ENLAHEMHELEQ أبحاث جديدة صفحة (١١٤).

ويضيف هيرشفيلد «مع أن شكل الكلمة العربية ملفت للنظر ، فالألف الطويلة تجعل احتمال أن تكون هذه الكلمة مشتقة من الآرامية أكثر من احتمال كونها مشتقة من العبرية ، وفى الواقع أن الآرامية عرفت الكلمة فى شكل HULAQ ولذلك يفترض أن يكون محمد قد عرف هذه الكلمة أولا فى أشكالها المركبة مثل (HULaQaLmadete) تارجوم إيستر ٢٥ ـ ٣٤).

HULAKABEALMAHADE N ـ V ـ BE ـ ALMADEATA

. نتيجة لذلك ومن خلال وسيط يهودى تم النقل ـ ففي الواقع كان المسيحى الفلسطينى يعرف كلمةqalah بمعنى نصيب ، ولكن الكلمة لم تكن ساعتها مستخدمة لتدل على أى علاقة بالحياة الآخرة «هورفيتز ـ (أسماء الأعلام اليهودية) ـ صفحة (١٩٨ ـ ١٩٩) صفحة (٥٤ ـ ٥٥) (ناخدروك).

حسب قول هيرشفيلد فإن محمدا كان يعرف المشنا وبالتالى العبرية وحسب قول هورفيتز لا بدّ أن محمدا كان يعرف الترجوم وبالتالى الآرامية!! هل هذا معقول؟

يكفى أن نلقى نظرة على لسان العرب ، مادة «خلق» لنعرف أن الكلمة بمعنى حظ أو نصيب ... وعند حسان بن ثابت الذى نظم قصائد قبل أن يعرف النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمة خلاق كلمة عربية شائعة قبل الإسلام.

لما ذا إذا نذهب بعيدا لنبحث عن الكلمة فى اللغة العبرية فى «المشنا» أو فى الآرامية فى «الترجوم» إن القضية تتلخص فى الآتى :

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية (٧٧).

٤٠