دفاع عن القرآن ضد منتقديه

الدكتور عبد الرحمن بدوي

دفاع عن القرآن ضد منتقديه

المؤلف:

الدكتور عبد الرحمن بدوي


المترجم: كمال جاد الله
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الدار العالميّة للكتب والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٩٩

عيسى فترة طويلة من الزمن وهو شىء لا يهم أحدا في المدينة في هذه الفترة وقد كان اليهود على الأقل هناك ليعرفوا كل الناس بذلك.

ومن جانبنا يمكن أن نضيف إلى الأمثلة التى ذكرها الطبرى لشرح معنى هذا التعبير «يا أخا فلان يا أخت فلان» الأمثلة الآتية :

١ ـ فى القرآن نقرأ فى سورة هود آية ٥٠ (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) ، ولهذا يترجم بلاشير كلمة أخاهم بمعنى «ابن قبيلتهم» (ج ، ص ٤٤١) ، وهذا مثال واضح مأخوذ من القرآن نفسه ليوضح أن كلمة أخ أو أخت يمكن أن تستعمل بمعنى «عضو فى القبيلة ـ أو واحد منهم».

٢ ـ وفى خطبة مشهورة لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه فى كتاب نهج البلاغة يذكر بيتنا من الشعر مصدرا بقوله «كما قال أخو هوازن» ويقصد به دريد بن الصمة والذى كان من قبيلة هوازن.

٣ ـ ويقال أحيانا عن الحجاج بن يوسف الثقفى «أخو ثقيف» لأنه من قبيلة ثقيف.

٤ ـ ومن الشائع اليوم أيضا حتى فى مقالات الصحف والمجلات حين تعنف أحدا بهذه الألفاظ : «يا أخا العرب» بمعنى يا أحد أعضاء الأمة العربية.

ويمكن أن نجد الكثير والكثير من الأمثلة من هذا فى أعمال العرب فى كل العصور ، ولهذا أكدنا فى بداية هذا الفصل أنه ليس هناك أسهل من أن تشرح تعبير «يا أخت هارون» بمعنى «يا منحدرة من سلالة هارون» لأن هذا التفسير لغوى واضح جدا لمن يعرف اللغة العربية جيدا ويعتاد على مصطلحاتها.

ولكن يمكن أن يثور هنا اعتراض قوامه : لما ذا ينادى القرآن الكريم مريم فى هذا الموضوع بيا أخت هارون؟ والإجابة أن الأمر يستلزم توبيخا يوجه إلى مريم لأنها وضعت طفلا دون أن تتزوج وهذا التوبيخ يكون أكثر قسوة إذ كانت من عائلة مقدسة فكلمة «هارون» هنا جاءت لتذكرها بخطورة ما اقترفت من

١٨١

الإثم ، وهذا التوبيخ معبر جدا وبليغ جدا وهذا يتطابق مع البلاغة القرآنية والتى يعد الإيجاز أهم عناصرها.

إذا فنحن نؤيد أنه فى زمن النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يثر قول «يا أخت هارون» أى مشكلة لا من جانب اليهود ولا النصارى ولا المسلمين من باب أولى لأنهم فهموه بهذا المعنى «أى يا منحدرة من نسل هارون»!

والذى يثير الدهشة حقا أنه لا الطبرى ولا فخر الدين الرازى أيدا هذا التفسير فالأول لا يؤكد هذا الرأى والثانى يفضل عليه الرأى الثالث وهو أن مريم كان لها أخ حقيقى يسمى هارون وكان رجلا تقيا من أتقياء بنى إسرائيل ووجه التعنيف إلي مريم مصحوبا باسمه «ليكون التوبيخ أكثر إيلاما لأن من كانت لها تلك القرابة وأخ مثل هذا الأخ تكون خطيئتها أكثر خطرا (١).

«الرأى الغريب للقرظى» :

ولكن ما لم يقله أحد من المفسرين وهو أغرب الآراء ما قاله محمد بن كعب القرظى وهو ينحدر من قبيلة يهودية بالمدينة طردها وشردها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم بنو قريظة وهذا الأصل يشرح رأيه ، ومحمد بن كعب القرظى هذا يزعم أن مريم هى «أخت هارون أما وأبا وهى أخت موسى وقد اتبعت نهج موسى وأتت بشريعته» وينهض ابن كثير (مج ٣ ص ١١٩) للرد بقوة على هذا الرأى ويقول : «هذا الرأى بين الفساد لأن الله يقول فى كتابه أنه أرسل عيسى بعد الرسل مما يعنى أن عيسى كان آخر المرسلين وليس بعده إلا محمد وقد ثبت فى صحيح البخارى عن أبى هريرة أن نبى الله قال «أنا أولى من غيرى بعيسى ابن مريم فليس بينى وبينه نبى «وإن صح ما ادعاه محمد بن كعب القرظى فلن يكون بعده من الأنبياء إلا محمد ويكون قبل سليمان بن داود لأن الله قال : إن داود كان بعد موسى فى هذه الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ثم

__________________

(١) فخر الدين الرازى ـ التفسير (مفاتيح الغيب) سورة مريم آية (٢٨ ص ٣٧١ طبعة. بولاق ـ القاهرة).

١٨٢

قص القصة حتى قوله تعالى : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ)(١) ، ومما شجع القرظى على هذا الرأى ما وجد مكتوبا فى التوراة بعد خروج موسى وبنى إسرائيل من البحر وغرق فرعون وقومه فيقول القرظى «عندئذ قامت مريم ابنة عمران وأخت موسى وهارون النبيين بالضرب على الدف هى ونساء أخريات معها يسبحون الله ويشكرونه على فضله الذى أولاه بنى إسرائيل ، ويعنى القرظى إذا أن مريم هذه أم عيسى ، وهذا خطأ خطير جدا.

فى الحقيقة أن أم عيسى تسمى مريم وكانت هذه عادتهم وهى أن يسموا بأسماء أنبياءهم وصالحيهم.

ونص ابن كثير هذا هام فى كشفه لنا عن كاتب هذا الخلط بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى وهذا الكاتب ليس إلا محمد بن كعب القرظى ، وهو يقتبس قصة مريم من سفر الخروج ، صحاح ١٥ آيات ٢ ، ٢١ ، ونقرأ فيه :

«أخذت مريم النبيه أخت هارون وموسى الدف فى يدها وخرجت كل النساء فى أثرها بالدفوف يرقصن ومريم تنشد لهم «غنوا ليا والذى بعظمته قذف الفارس والفرسان فى البحر».

ولكن إذا كان القرظى على علم تام بالتوراة فكيف ينخدع بهذه الصورة ويخلط بين مريم أخت هارون وموسى ومريم أم عيسى؟ هذا ما لا يمكن فهمه.

ويمكن أن نتساءل هنا إذا لم يجب أن تفترض فى هذا الصدد أن القرظى ليس مصدر الرأى الذى عرضه رولاند في اتهامه بزعم وجود خلط بين المريمين (مريم ومريم) فإنه لا الطبرى ولا الفخر الرازى ذكرا هذا الرأى المنسوب إلى محمد بن كعب القرظى وهو المصدر الوحيد الذى وجدناه فيه ولد فى (٧٠١ ه‍ / ١٣٠١ م) توفى (٧٧٤ ه‍ / ١٣٧٣ م) ، وبالطبع فهو متأخر جدا ،

__________________

(١) سورة البقرة ، الآيات (٢٤٦) ـ (٢٥١).

١٨٣

ولكننا لا نجد عنده التفسير بالمعجزة وهى امكانية أن تكون المريمان مريم واحدة هى أخت هارون والتى عاشت كمعجزة حتى الزمن الذى يجب أن يولد فيه عيسى ويرويه رولاند عن جاد جنولو فى كتابه «تقريظ الدين المسيحى ضد أحمد بن زين العابدين بن الفارس (ص ٢٧٩) فيليب جاد جنولو (ماجليانو أبردز ١٥٩٦ ، حوالى ١٦٥٦) ، وهو مستشرق إيطالى كان مدرسا للغة العربية فى جامعة روما وألف كتابا فى النحو العربى عنوانه «الأساسيات المختصرة للغة العربية» نشر فى ١٦٤٢ وقاموسا عربيا بعنوان «نظريات فى المعاجم العربية» وهو ما يزال مخطوطا ، وقد كتب أيضا كتبا دفاعية مثل : الدفاع عن الدين المسيحى ١٦٣١ ، وملاحظات ضد الدين المحمدى ١٦٤٩ وساهم فى ترجمة التوراة إلى العربية (التوراة العربية ١٦٧١).

وما يهمنا هو «الدفاع عن الديانة المسيحية» والذى كتبه ردا على شخص يسمى أحمد بن زين العابدين الفارسى الأصفهانى ، والذى كتب بالفارسية كتابات بعنوان «صاقل المرآة» ، والذى كان بدوره حضا لكتاب بعنوان «مرآة مرئية الحق» ، وقد نشره فى روما عام ١٦٣١ وفى سنة ١٦٣٧ نشره متنوعا بترجمة عربية تحت هذا العنوان «إجابة القسيس الحقير فيليبس كورانولوس الراهب من رهبانية» يقال لها بلغه الفرنجى كلريكوس مينور ، إلى أحمد الشريف بن زين العابدين الفارسى الأصفهانى.

والجزء الذى يهمنا فى الطبعة اللاتينية هو الآتى :

بعد أن عرض الطعن بوجود خلط بين المريمين (مريم ومريم) ، ساق إجابة المسلمين فى هذه الكلمات :

«لقد وجدت عند المحمديين إجابة على هذه المفارقة التاريخية نقول إنها ليست مريمين ولكن مريم واحدة ظلت كمعجزة من زمن موسى حتى زمن عيسى المسيح لتحمل بالمسيح ويستشهدون فى ذلك بمصادر مسيحية حتى وقتنا هذا بهذه الطريقة على المفارقة التاريخية بالخلط بين المريمين ، وحسب ألفاظه نفسها فإنه حتى لم يجد هذه الإجابة للمسلمين عند أحمد بن زين العابدين

١٨٤

الأصفهانى خصمه فهل وجدها فى مرجع عربى (أو فارسى) ، أيا كان الأمر يمكن تأكيد ذلك لأنه لم يعطنا أى معلومات فى هذا الصدد ، هل قرأ تفسير ابن كثير فى الموضع الذى ذكرناه؟ ولكن هذا الموضع لا يخبرنا عن بقاء إعجازى لمريم أخت هارون حتى زمن عيسى ، هل كان هذا خلاصة لرأى ابن كعب القرظى؟ ولكن عمن أخذه؟ لا بد أنه أخذه عن مؤلف مسلم ، لأن جاد جنولى يعزوه إلى المسلمين يجب علينا إذا أن نبحث فى جانب المؤلفين المسلمين لا سيما الذين كانوا يجادلون النصارى المدافعين عن دينهم.

وقد ظن أن جاد جنولى نفسه أحد المجادلين الأوربيين قد اخترع هذه الاستشهادات فهى لا تبعد عن الروح التى كتب بها دفاعه ، وفى الحقيقة لا نجد عنده إلا قليلا من المراجع من مصادر المسلمين : فهو مثلا يذكر (ص ٩٧) من النص اللاتينى (ص ٥٥٧) من الترجمة العربية كتابين غير معتمدين بعنوان «كتاب هاجر وكتاب تاريخ الإمام» ، ويعزو إلي محمد كتابا بعنوان «تاريخ الأنوار» (ص ٥٦٠ ت عربية ٣٠٣٠ ـ أصل لاتينى) ، ويزعم بطريقة أكثر عبثا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألف كتابا يحتوى على ١٢ ألف حديث فسأله بعض المسلمين إذا كانت كل أحاديث الكتاب صحيحة فأجاب أن ثلاثة آلاف فقط هى الصحيحة (ص ٥٨٣ ع ـ ٢٨١ لات) ، فهو يخلط الأوراق هنا ويعتقد أن كتب السنة ألفها محمد بنفسه وأنها كانت موجودة ككتب مؤلفه فى زمن النبى نفسه.

إن جادينولو أستاذ اللغة العربية بجامعة روما كان جاهلا كما كان سيئ النية ولا يمكن أن نستخرج من كتابه «الدفاع عن الدين المسيحى» شيئا ذا بال.

(ج) ابن كثير وحجته اللغوية التاريخية :

لنقل بعض الكلمات عن القرظى صاحب الرأى الفريد الذى خلط بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى.

ويسمى أبا حمزة محمد بن كعب بن القرظى ، وقد ذكر السمعانى نسبه

١٨٥

الكامل وهو محمد بن كعب بن سليم بن عمرو بن إياس بن حيان بن قرظه ابن عمران بن عمير بن قريظة بن حارث ، وهو من المدينة ، وقد روى الأحاديث عن ابن عباس وابن عمرو وزيد بن الأرقم وكان من أعظم رجال المدينة فى علمى الحديث والفقه ، ومات بالمدينة سنة ١٠٨ أو ١١٧ (١) ، ولم يمكنا جمع مزيد من المعلومات عنه ، وحتى نتعرف بدقة على اتجاهاته يجب أن ندرس الأقوال المنسوبة إليه فى تفسير القرآن حتى نرى إذا ما كانت هذه التفسيرات القرآنية مصطبغة بما يسمى «الإسرائيليات» ، وهى القصص المأخوذة من التوراة أو من الأجادا أو من التلمود.

على أى حال فإن رأيه فى مريم (مريام) ، فند على الأقل من قبل ابن كثير كما أوضحنا آنفا لأنه يعتمد على مخالفة تاريخية واضحة حيث يعنى أن داود وسليمان جاءا بعد عيسى وهو ما يتعارض مع القرآن نفسه لأن القرآن يؤكد أن داود وسليمان جاءا بعد موسى كما أكده بن كثير فى الآيات ٢٤٦ ـ ٢٥١ من سورة البقرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) حتى (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) ترجمة بلاشير.

وحجة ابن كثير هذه والتى ساقها استنادا على القرآن نفسه ساقها أيضا جورج سال فى ملحوظة (٢) حول سورة آل عمران بهذه الكلمات «إن عمران أو عمران اسم لشخصين مختلفين حسب مصادر المسلمين أحدهما كان والد موسى وهارون ، والثانى كان والد مريم العذراء (الزمخشرى ـ البيضاوى) ، ولكن بعض الكتابات المسيحية تسميه يواقيم والمفسرون يعتقدون أنه أما الأول وإما الثانى هو المقصود بيواقيم فى هذا الموضع وعلى أى حال

__________________

(١) أنظر السمعانى ـ الأنساب. ط. د ـ س مرجليوث ـ ليدن ١٩١٢ (بدون ترقيم).

(٢) القرآن والمسمى جملة «قرآن محمد» ترجم إلى الإنجليزية حديثا من الأصل العربى مع ملاحظات توضيحية مأخوذة من أكثر التفاسير اعتمادا تأليف جورج سال (ص ٣٨) (من الترجمة) لندن ١٧٣٤.

١٨٦

فإن الشخص المقصود فى النص هو الثانى باتفاق وهو المذكور مع مريم أم عيسى والتى جاء اسمها مصحوبا بهارون (القرآن سورة مريم) وبنت أخرى كانت تسمى اشيا أو اليصابات تزوجت زكريا وكانت أم يوحنا المعمدان إذا فحسبما يقول المسلمون يكون عيسى ويحيى أو يوحنا المعمدان أولاد وخاله.

ومن شخصية الأسماء التى تخيلها الكتاب المسيحيون بصفة عامة وهى أن القرآن خلط بين مريم أم عيسى ومريم أو مريم أخت موسى وهارون فلو كانت هذه المفارقة التاريخية صحيحة لكفت وحدها لهدم الادّعاء بصحة هذا الكتاب (١) ولكن لأن محمدا قد يكون جاهلا بالتاريخ القديم وتسلسل أحداثه فقد ارتكب هذا الخطأ الفادح وحتى الآن لا أرى كيف يمكن أن نخرج ذلك من إطار كلمات القرآن.

ولا يتبع ذلك لأن شخصين لهما نفس الأسماء ليس بالضرورة أن يكونا نفس الشخص وعلاوة على ذلك فإن هذا الخطأ الذى لم يتأكد بعدد آخر من الأخطاء فى مواضع أخرى من القرآن فينتج من ذلك أن محمد كان يعرف جيدا بل ويتأكد أن موسى سبق عيسى بعصور عديدة ـ ويؤكد المفسرون ذلك حيث يقولون بفاصل جعلوهما أتباع أشخاص مختلفين الأول ابن شيار إزهار (٢) بن كاحاث بن لاوا ، والثانى ابن ماثان (٣) ، ولكنهم عرضوا نسبه بطريقة غير دقيقة من لدن داود حتى كروم (٤).

يمكن أن نلاحظ أن مريم العذراء تسمى فى القرآن (٥) أخت هارون ولم

__________________

(١) أنظر رولاند : محمد الحقيقى (ص ٢١١) ـ مراكشى (ص ١١٥).

(٢) الخروج ٦ ، ١٨.

(٣) الزمخشرى ـ البيضاوى.

(٤) رولاند (السابق ٢١١).

(٥) سورة مريم.

١٨٧

تسم أخت موسى التى قد تكون ظلت حية بمعجزة منذ زمنه حتى زمن يسوع المسيح بغية أن تصبح أم عيسى (١).

هذا الرأى الحكيم فى مجمله والحافل بالمعلومات هو أكثر الآراء موضوعية ونجاحا من الناحية العلمية أكثر مما وجدنا بأقلام جريم وهورفيتز وفنسنك وجود فرواديمومبين وباريت ومستعربين آخرين كثيرين بعد قرنين من الزمان إن كاتب هذا النص حقق نجاحا إذا قسناه برولاند لأنه يتخذ موقفا ويدافع عن رأيه بحجج صحيحة منطقيا ولغويا مستفيدا من رولاند والمفسرين المسلمين أمثال «الزمخشرى فى الكشاف والبيضاوى فى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل).

ولا يمكن أن نحدد ما إذا كان سال قد قرأ الحجة الموجودة فى تفسير ابن كثير لأنه هو نفسه لم يذكر ذلك وقد يكون توصل إلى هذه الحجة بطريقة مستقلة.

__________________

(١) ف. جادنيولو (ضد أحمد ـ السابق ص ٢٧٩).

(١) AbedinP. ٩٧٢.

Guadagno ٠١ APologyprorel. Chri. ControlAhmadEbnZ eidei

١٨٨

خاتمة

وبعد هذا الحديث المستفيض نصل إلى الخلاصة :

١ ـ إن العبارة القرآنية (يا أُخْتَ هارُونَ) مريم آية ٢٨ لا يعنى سوى «يا سليلة هارون» فالاتهام بالزنا والذى رمى به اليهود مريم أم المسيح أصبح أكثر شناعة قياسا إلى أنها من عائلة مقدسة ، ويؤكد «لوقا» هذا النسب لأن مريم قريبة الياصبات أم يوحنا المعمدان ، كما يؤكد هيوليت أن اليصابات بنت خالة مريم كما تؤكد المصادر المسيحية هذه القرابة.

٢ ـ وبهذه الطريقة فهمه يهود ونصارى المدينة والجزيرة العربية ، ومن وجهة النظر اللغوية فإن استعمال أخ أو أخت أو يا أخا أو يا أخت وبعدها اسم عشيرة أو قبيلة أو بلد يكون بمعنى يا سليل هذه العشيرة أو هذه القبيلة أو البلد وهو استعمال كان وما يزال شائعا فى تاريخ اللغة العربية ، وقد أشار إليه الطبرى وتبعه كثير من المفسرين المسلمين ، وقد ذكر لذلك أمثلة عديدة ونحن أيضا ذكرنا أمثلة أخرى من القرآن نفسه ومن كلام الكتاب الكبار وهى أمثلة تصل إلى حد الوفاء بالموضوع وأكثر.

٣ ـ نعتقد أيضا أن تعبير «يا أخت هارون» لم يثر أية مشكلة فى حياة النبى وما ذكره مسلم والنسائى والترمذى مع تحفظ لما ذكره الطبرى فى موضوع الحوار الذى دار بين المغيرة بن شعبة الذى أرسله النبى إلى نجران وأهل تلك البلاد هو فى رأينا مختلق لتأييد أن هذا الاعتراض أجاب عنه النبى نفسه.

ومن ناحية أخرى مما ذكره الطبرى وأيده فخر الدين الرازى من أن مريم كان لها أخ يسمى هارون مرفوض لعدم استناده على أى معطيات تاريخية.

٤ ـ ويمكننا أن نتساءل ما الذى جعل الأول يصيغ هذا الاتهام بالمخالفة التاريخية أو الخلط بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم عيسى؟ إن أول كاتب مسيحى ذكر ذلك هو يوحنا الدمشقى (ت ٧٤٩) ، وإذا لم يكن هو صاحب هذا الاتهام فيمكن أن نعزوه إلى مسيحى الشام فى نهاية القرن الأول

١٨٩

الهجرى والسابع الميلادى أو الثلث الأول من القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) ، حيث جمعه يوحنا الدمشقى وأورده فى كتابه Haeresibus.

٥ ـ ومن خلال هذا يصبح هذا الاتهام واحدا من الاتهامات الموجهة دائما إلى القرآن والنبى محمد منذ القرن الثامن حتى يومنا هذا من قبل رجال دين وأيضا بعض العلماء فى مجادلاتهم ضد الإسلام ودراساتهم العلمية وملاحظاتهم.

٦ ـ وحتى نجيب على ذلك بحديث المغيرة بن شعبة مختلق ومنتحل وأورده بعض المنتحلين والمؤرخين.

٧ ـ وحجة أخرى غير الحجة «السنية» نجدها عند ابن كثير وهى حجة عقلية قائمة على النقد التاريخى وهى أنه من المستحيل أن يورد القرآن تلك المفارقة التاريخية وهذا الخلط بينما يحتاط للفارق الزمني فى آيات أخرى وهو الفارق بين زمن هارون وزمن مريم أم عيسى.

وهذه الحجة القاطعة تبعها جورج سال فى ملحوظة فى هذا الموضع من الترجمة الإنجليزية للقرآن والتى ظهرت فى ١٧٣٤ ، ويؤكد أنه من المستحيل أن يقع القرآن فى هذا الخلط بين مريم أم عيسى ومريم أخت موسى وهارون لأن هذه المفارقة تكون حسب هذه الألفاظ متعارضة مع كثير من المواضع القرآنية ويبدوا فيها محمد على دراية تامة بأن موسى يسبق عيسى بعصور عديدة.

٨ ـ إذا فمن الغريب جدا أن نجد جريم وهورفيتز وفنسنك وبلاشير وجود فروا ديمومبين وباريت ، حتى وهم يتحفظون ويستعملون الشرط يكررون نفس الاتهام دون أى دليل ودون أن يتحملوا عناء مناقشة الحلول التى اقترحها المفسرون المسلمون وأيدها بعض الكتاب الأوربيين أمثال رولاند وچورچ سال وعندهم أن هذا الاتهام حكم مسبق لا دليل عليه.

ويمكن أن نفهم مثل هذا الموقف من قساوسة ورجال دين ومبشرين مثل يوحنا الدمشقى ونيكولا دى كوزى NicholasdeCuse وجودنيولوGuodanolo وغيرهم ، لكننا لا نفهمه عند ما يتعلق الأمر بعلماء يفترض فيهم الموضوعية وعدم الانحياز.

١٩٠

الفصل الثالث عشر

«قضية هامان»

١٩١
١٩٢

من أحد المشاكل التى أثارها منتقدو القرآن هى تلك المتعلقة بهامان والذى ذكر اسمه فى القرآن ست مرات كمساعد ووزير لفرعون وهذه هى الآيات التى ذكر فيها اسمه.

١ ـ (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ). (١)

٢ ـ (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ). (٢)

٣ ـ (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ). (٣)

٤ ـ (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ). (٤)

٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ). (٥)

٦ ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً). (٦)

من هذه الآيات يتضح أن هامان لا بد أن يكون وزيرا لفرعون ، ولهذا فإن قدامى مفسرى القرآن أكدوا أن هامان كان وزير فرعون مصر الذى كان له مع موسى قصة ، والمشكلة الوحيدة التى تثور هنا فى هذه الآيات ما إذا كان هامان قد بنى فعلا هذا الصرح ، فالبعض يؤكد أن الصرح قد بنى فعلا ويحكى أن هامان استدعى ٥٠ ألف بناء لإنجاز هذه المهمة حتى تم الصرح.

__________________

(١) سورة القصص ، آية (٦).

(٢) سورة القصص ، آية (٨).

(٣) سورة القصص ، آية (٣٨).

(٤) سورة العنكبوت ، آية (٣٩).

(٥) سورة غافر ، آيتى (٢٣ ، ٢٤).

(٦) سورة غافر ، آيتى (٣٦ ، ٣٧).

١٩٣

وعندئذ صعد فرعون عليه ثم رمى السهم نحو السماء فتحولت إلى بقع من الدم وعندئذ قال فرعون : «لقد قتلت إله موسى» ، بينما يرى بعض المفسرين الآخرين أن فرعون لم يبن هذا الصرح لأنه حسب قول الفخر الرازى أى شخص عاقل يستبعد أن يفكر فى صعود برج أيا كان ارتفاعه ليقترب من السماء ، وفى الحقيقة أن من يصعد جبلا عاليا يرى السماء أبعد مما يراها من على الأرض ، وأى رجل عاقل يعرف تماما أنه لا يمكن عمل سهم يلمس السماء ، وكل من حاول القيام بعمل مثل هذا يعد مجنونا ، فلا يمكن حسب الدين ولا حسب العقل أن نفسر هذه الآيات بطريقة يرفضها العقل بالضرورة ، وكذلك يؤكد الرازى أن التفسير الأكثر تصديقا هو أن نقول أن فرعون أعطى تلميحا ببناء هذا الصرح لكنه لم يبنه فى الحقيقة ، وقول فرعون بهذه الكلمات (يا هامان ابن لى صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السماوات) «كان هذا من باب السخرية ليثبت أنه من المستحيل اثبات وجود إله موسى وإلا سيطلع إلى السماوات ليتأكد إن كان ذلك ممكنا وأى ارتفاع على أي برج حتى أعلى ارتفاع ممكن ، وبهذا التفسير الرائع استطاع فخر الدين الرازى (١) أن يلقى الضوء على عبثية كلام فرعون.

ولكن لا أحد من المفسرين المسلمين أثار أية مشكلة فيما يتعلق بشخصية هامان وهذا يقتضى أنه لا أحد من النقاد المسيحيين أو اليهود للقرآن فكر فى إثارتها وإلا لوجدت إجابة واضحة من المدافعين المسلمين عن القرآن ، وفى الواقع أنه لا أحد من المجادلين المسيحيين من لدن يوحنا الدمشقى حتى عصر النهضة أثار هذه المشكلة فيما يخص هامان (٢) ولكننا نجد ذلك فقط فى المجادلات المسيحية الحديثة.

وحتى لا نذهب بعيدا فى تاريخ المجادلة المسيحية فى هذا الموضوع نكتفى

__________________

(١) فخر الدين الرازى ، تفسير القرآن ـ القاهرة (ج ٢٤ ص ٥٣) ، وتوجد مسودة من أصله عند عبد الجبار ، تنزيه القرآن (ص ٣١٠).

(٢) عادل تيودور خورى Adel ـ TheodreKhoury ـ علماء اللاهوت البيزنطيين والإسلام ، لوقان ١٩٦٩.

١٩٤

بكلام تيودور نولدكه» ThedoreNoldeke «المستشرق الألمانى الشهير فى مقال نشر أولا فى الموسوعة البريطانية الطبعة التاسعة (مج ١٦ ص ٥٩٧ حوالى عام ١٨٨٧) (١) حيث يقول : أكثر جهلاء اليهود لا يمكن أن يخلطوا بين هامان (وزير أحشويروش) وهامان وزير فرعون (لمحات السابق ص ٣٠).

هذا البرهان القاطع لنولدكه يقتضى الملاحظات الآتية :

١ ـ من أى جهة زعم أن هامان فى القرآن هو نفس هامان المذكور فى سفر استر (١٣ ـ ١ ـ ١٥ ، ٧) المقرب من الملك أحشويروش ملك الفرس وزوج استر ، فلا فى التوراة ولا فى الأساطير اليهودية الأجادية (٢) ولا الأخرى فليس لهامان هذا قبله ببناء البرج الشهير ببابل (سفر التكوين الأصحاح ١١ ، ١ ـ ٩) ، والذى يبدو أنه بنى بعد الطوفان بقليل وبعد نزول نوح ومن معه ، ومن ناحية أخرى فإن عاصمة شوشن كانت قلعة شوش فى سوسيانا وهى فى أرض فارس أصلا وليست لها أية علاقة ببابل أو بابليون (سفر استر ١ ، ٢ ـ ٣) ، وهامان هو ابن همداثا من بلاد الأجاجى (أسنير ٤ ـ ١) ، وهى بلاد قديمة مجهولة ، إذا فالتوراة التى زعم أنها مصدر القرآن فى هذه القضية لا تربط هامان لا ببابل ولا ببرج بابل ، من أين يأتى إذا الخلط إن وجد بين هامان وزير الملك أحشويروش وهامان المذكور فى القرآن؟

ولكن نولدكه لا يحاول إثبات قضيته التى لا برهان عليها وهو شىء مدهش من جانب رجل يشعر بأنه «عالم كبير» وأحد أعمدة الاستشراق!

٢ ـ وإذا كان الأمر كما قال من أن أكبر جهلاء اليهود بالمدينة لم يخلط بين هامان وزير أحشويروش وهامان وزير فرعون ومحمد بالتأكيد قد سمع من فم هؤلاء الجهلاء اليهود هذا الاعتراض وصحح هذا الخطأ الكبير المزعوم وهذا الخطأ من المفترض أن لا يبقى فى النص القرآنى المنقول بعد ذلك ، بينما هذا النص موجود فى القرآن منذ نزوله حتى اليوم.

إذا فافتراض نولدكه خطأ محض وعبث.

__________________

(١) مذكور فى كتابه «لمحات من التاريخ الشرقى ١٨٩٢ ص ، ٢١ ، ٥٩».

(٢) هي القسم التاريخى من العهد القديم الذي ينقسم إلى :

(٤) الهالاخاة (العقيدة). (ب) الآجاداة (التاريخ).

١٩٥

وافتراض آخر ليس أقل عبثا من هذا وهو افتراض موريس جودفروا ديمومبين ، فبعد أن ذكر الآيات السابقة على هذا الشكل المختصر الآتى : «وقال فرعون يا هامان أوقد لى على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى» ثم قال هذه ذكرى نورانية ولا تخلو من خلط ، فهامان هذا كان معروفا بأنه عدو لدود لليهود : وفى الآية القرآنية له صلة بفرعون وقارون أغنى رجل فى الأرض وهم ثلاثة مسهم الشيطان كما سجل الشعر العربى القديم (١).

هذا النص ليس واضحا لأنه يخلط بين الشخصيات الثلاثة ولا يحدد فى أى شىء يكون هذا الخلط الذى يتحدث عنه ، وهو أقل وضوحا من نولدكه ، ومن ناحية أخرى فإن القول بأن هامان كان معروفا بأنه عدو لدود لليهود لا يوضح لما ذا اعتبر فى القرآن وزيرا لفرعون ، فلقد كان لليهود أعداء آخرون ألد منه أيضا ومذكورون فى التوراة ولكن القرآن لم يذكر عنهم شيئا ومن باب أولى لم يلحقهم بفرعون.

إذا فكلام جود فرواديمومبين أكثر غباء أيضا وينم عن غموض مطبق فى تفكيره.

بعد أن بينا وجه الحق فى مزاعم نولدكه جود فرواديمومبين الآن ما هى تلك المشكلة الكاذبة فى موضوع هامان :

فى رأينا أن هامان المذكور فى الآيات القرآنية الستة المذكورة آنفا ليس اسم شخص ولكنه لقب للكاهن الأكبر لفرعون ، فلقد علمنا من تاريخ مصر أن الكاهن الأعظم لأمون تقلد بدءا من الأسرة التاسعة عشر سلطة كبيرة من الفرعون انتهت بأنه سيطر على النيل الأعلى وأصبح قائد الجيوش ونائب ملك (كوش) والخازن الأعظم للامبراطورية والمسئول الأعلى عن أبنية الآلهة (٢) فى الواقع أصبح وزير فرعون فى كل الأعمال العامة والأموال (٣) ، ومن بين الألقاب التى أطلقت على الوزير بتاح حتب نذكر «مراقب جميع أعمال الملك» (المرجع السابق) إذا فالكاهن الأعظم لأمون كان يشغل منصب وزير فرعون.

__________________

(١) موريس جودفروا ديمومبين ـ محمد ـ باريس (ص ٣٦٠).

(٢) أنظر أ. ه برشتد ، تاريخ مصر (ص ٥٢٠).

(٣) دوما ـ حضارة مصر الفرعونية باريس ١٩٦٥ ص ١٥٨.

١٩٦

واقترحت الآتى : اسم (هامان) فى القرآن موافق (اسم آمون) ، والتقارب بين الاسمين سهل جدا لأن آمون ينطق أيضا «آمانا» (أنظر الموسوعة البريطانية ج ١ ص ٣٢١ ط ١٩٣٢) ويقصد به اختصارا الكاهن الأعظم كما يعنى لقب «فرعون» ملك مصر فإن لقب هامان يعنى فى المصادر الشفوية وزير فرعون.

وبافتراضات هذا يتضح بجلاء وبسهولة القول بأن الذى فى القرآن وهو وزير فرعون الذى كانت له قصة مع موسى يسمى (هامان) ، ولا توجد أى مشكلة هنا فى هذا الموضوع ، وكل الانتقادات الموجهة فى هذا الصدد فاسدة ومغرضة.

ولكن نولدكه فى هذا الجزء من (لمحات ـ ص ٣٠) يبدو سيّئ الفهم ، فبعد نقده المتعلق بهامان ومريم يقول «بالإضافة إلى هذه الأخطاء فهناك تحريفات متنوعة حسب المزاج وإحداها خطيرة جدا وتتعلق بمحمد نفسه فبناء على جهله بأى شىء خارج الجزيرة العربية فإنه يتكلم عن خصوبة مصر حيث المطر أحيانا لا يرى وأحيانا لا يفتقد ، فالاعتماد على المطر يعد بديلا عن فيضان النيل [يوسف ٤٩].

هذا النقد قبيح وسخيف ويتم على عن جهل مطبق لدى نولدكه ـ الشهير جدا وعن جهل باللغة العربية وكذلك بشئون مصر :

١ ـ أولا الآية التى يستشهد بها هى بالنص هكذا (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(١).

يغاث تعنى يسعف (٢) وليس الكلام هنا صريحا عن المطر ولكن نولدكه وقع فى الخطأ بسبب مترجمين أوربيين للقرآن والذين ترجموا هذه الكلمة على حريتهم بدلا من أن يترجموها اعتمادا على بعض المفسرين المهتمين بشرح وتسهيل فهم النص مثل السيوطى وحتى هؤلاء المترجمين الأوربيين قرأهم نولدكه بشكل سيئ ومتسرع ، فمثلا ترجم چورچ سال هذه الآية هكذا «ثم يأتى بعد ذلك عام سيمطر للناس مطرا غزيرا ويؤدى ذلك إلى أن يصنع الناس الخمر والزيت» ، ثم تسرع فى ملحوظة تحت الصفحة ووجه نقدا من نوع

__________________

(١) سورة يوسف ، آية. ٤٩.

(٢) أنظر تفسير الرازى (مج ١٨ ص ١٢٥ ، وأبو حيان مج ٥ ص ٣١٤)

١٩٧

نقد نولدكه فيقول : «برغم أن بعض الكتاب القدامى كتب عن التناقض (أفلاطون وبوحب) فلو كانت تمطر غالبا فى الشتاء فى الدلتا وأحيانا تلاحظ تلوج تسقط على الإسكندرية مخالفة لما قاله (سنيكا) (Nat Quaest.٤١) ، وفى الصعيد عند شلالات النيل تمطر فى أحيان كثيرة ، ومع ذلك يفترض البعض أن الأمطار المذكورة بقصد بها تلك التى تسقط على الحبشة أثناء فيضان النيل (١).

إن المصريين الذين يعيشون فى الدلتا والوجه البحرى يعرفون تماما أن الجو يمطر بغزارة فى الشتاء خلال شهر إلى أربعة شهور (من ديسمبر إلى مارس) وأن زراعة القمح والشعير والفول .. الخ تعتمد تقريبا على المطر الذى ينزل فى هذا الفصل ، وأعرف تماما أن نولدكه لم يغادر أوربا ولم تطأ قدمة خلال حياته الطويلة (١٨٣٦ ـ ١٩٣١) ، أى بلد عربى أو إسلامى ، فمن أين كانت مصادره للدراسات العربية والاسلامية! ولكن ألم يقرأ ترجمة القرآن لسال والمشهورة جدا فى القرن الثامن عشر ، يبدو أنه يهذى إن خطأ نولدكه هنا مزدوجا : فهو لم يفهم النص العربى للآية (٤٩) من سورة يوسف ، ثم أنه يؤكد أنه فى مصر لا يرى المطر ولا يفتقد وهو خطأ عظيم لا يرتكبه أى طفل مصرى.

__________________

(١) القرآن مترجم على الإنجليزية من الأصل العربى (چورج سال) وظهرت هذه الترجمة عام ١٧٣٤.

متوسط المطر الذى يسقط على الإسكندرية وشمال الدلتا يقدر ب ٢٠٦ ملليمتر (٨ بوصة) ، وعلى القاهرة ٣٣ ملليمتر ، أنظر سوجات ، افريقيا لندن ، هارب ١٩٧٤

١٩٨

المحتويات

مقدمة المؤلف.................................................................... ٥

الفصل الأول : ما ذا يعني الوصف «أمى» الذى يطلق على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.................. ٩

الفصل الثانى : الموازاة الخاطئة بين القرآن والعهد القديم............................... ٢١

الفصل الثالث : معنى كلمة «فرقان».............................................. ٥٥

الفصل الرابع : الافتراضات الخيالية لمرجوليوث...................................... ٦٣

الفصل الخامس : إجناتس جولدتسهير والقياس الخاطئ بين الإسلام واليهودية........... ٧٣

الفصل السادس : الصابئون فى القرآن............................................. ٨٣

الفصل السابع : الرسل فى القرآن................................................. ٩٣

الفصل الثامن : قراءة هللينية خيالية للقرآن......................................... ٩٩

الفصل التاسع : هل للبسملة مصدر فى العهد القديم؟............................. ١٠٥

الفصل العاشر : فشل كل محاولة لترتيب زمانى للقرآن.............................. ١٠٩

الفصل الحادى عشر : مشكلة الألفاظ الأعجمية فى القرآن........................ ١٣١

الفصل الثانى عشر : حول النداء القرآنية «يا أخت هارون»........................ ١٥١

الفصل الثالث عشر : قضية هامان............................................. ١٩١

١٩٩