دفاع عن القرآن ضد منتقديه

الدكتور عبد الرحمن بدوي

دفاع عن القرآن ضد منتقديه

المؤلف:

الدكتور عبد الرحمن بدوي


المترجم: كمال جاد الله
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الدار العالميّة للكتب والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٩٩

الطلاق ، الحج ، النساء ، الأنفال ، محمد ، الحديد ، آل عمران ، الحشر ، النور ، المنافقون ، الأحزاب ، الفتح ، النصر ، الصف ، الممتحنة ، المجادلة ، الحجرات ، التحريم ، التوبة ، المائدة. والمجموع الكلى (٢٣) سورة بينما المجموع عند نولدكه (٢٤) لأنه يضيف إليهم سورة التغابن ، فيما يضعها ويل فى نهاية الفترة المكية الثالثة ، ولكنها فى القائمتين الإسلاميتين «لابن النديم ، وابن عبد الكافى» ضمن السور المدنية ، وحتى الترتيب التاريخى يختلف بين ويل ونولدكه.

٣ ـ كما لاحظ ريتشارد بيل فى «مقدمة فى القرآن ص (١٠٣) إيدنبرج (١٩٥٣ م)(introdu ctiontotheQuranP.٣٠١ ـ Edinburg ٣٥٩١) «إن هذا أمر مشكوك فيه ، أيضا لأنه لو كان استعمال الرحمن كاسم علم كما زعم نولدكه مقتصرا على منتصف العهد المكى ، فإنه حين يقرر ذلك لا يستند إلى شىء موثق ليسقط عمدا فى الخطأ».

وفى الواقع ، ليس هناك أى سبب يبرر عدم ورود اسم الرحمن خلال فترة معينة من إقامة النبى فى مكة. فلا القرآن ولا السنة يتحدثان عن أى سبب يقود محمدا إلى فعل ذلك ، فكون اسم الرحمن ليس موجودا فى عدد معين من السور لا يبرر أبدا أن نجعل منها مجموعة تشكل فترة مكية ثالثة ، ولو كان هناك باعث على تحاشى استعمال اسم «الرحمن» فى الفترة المكية لكان من المفروض أن نجد صدى له فى القرآن أو السنة ، ومعارضه الحزب المكى لاستعمال هذا الاسم فى صلح الحديبية ، فى ذو القعدة من السنة السادسة الهجرية «مارس (٨ ، ٦) ، هذا الاعتراض محمول على البسملة بصفة عامة باعتباره صفة مميزة للإسلام.

٣ ـ فيما يخص الأسلوب ، فلو كان مفيدا فى التمييز بين الفترات الطويلة فلن يفيد فيما يتعلق بالتمييز بين التتابع التاريخى للسور فى فترة قصيرة ، فى الواقع إن كل الفترة المكية لا تعطى إلا (١٢) سنة (٦١٠ ـ ٦٢٢) ، فبأى حق ندعى إذا التمييز بين أسلوب كاتب خلال (١٢) سنة فقط؟ ناهيك عن

١٢١

استطاعتنا التمييز فى تلك الفترة بين ثلاث فترات قصيرة ، فلموضوع التمييز ظروف كثيرة.

إنه من الشطط إن لم يكن من الكذب أن نزعم استطاعتنا ترتيب السور تاريخيا فى الفترة المكية حسب الأسلوب.

٢ ـ ه جريم (H ـ Grimme) :

بعد محاولة نولدكه (١٨٨٠ م) تأتى محاولة ه. جريم فى كتابه «محمد» «مونستر (١٨٩٢ م) (٩٥) ج (٢) ص (٢٥٠ ، ٢٧).

" Mohammed"" Munster ٢٩٨١ ـ ٥٩"

والفكرة الرئيسية لترتيبه هى تطور الموضوعات الدينية : التوحيد ، البعث ، واليوم الآخر .. الخ» وهو يركز خصوصا على العهد المدنى ، ويعتمد أساس ترتيب نولدكه فيما يتعلق بالفترة المكية والمقسمة أيضا إلى ثلاث فترات قصيرة ، ولكنه يختلف عنه فى النقاط الآتية :

(أ) فى الفترة القصيرة الأولى لا يورد سور : الذاريات ، الطور ، النجم ، الرحمن ، الواقعة ، الفاتحة ، القدر ، الكافرون ، الإخلاص» ولكنه يضع السور من الذاريات حتى الواقعة فى الفترة الثانية ، وسور الفاتحة ، والقدر ، والكافرون ، والإخلاص فى الفترة الثالثة.

(ب) يعتبر سورة إبراهيم ضمن الفترة الثانية إلا الآيتين (٣٨ ، ٣٢) فمدنيتان ، وكذلك سور الرعد ، ق ، والقمر.

(ج) سورة الإنسان عنده تنتمى إلى الفترة الأولى.

(د) كل سور الفترة الثانية الأخرى عند نولدكه مدرجة ضمن الفترة الثالثة عند جريم.

(د) يوجد بين الاثنين خلاف فيما يتعلق بتوضيح الآيات الموجودة فى السور المشار إليها على أنها نزلت فى تاريخ متأخر عن بقية السورة.

١٢٢

(ه) عند نولدكه (٩) سور مكية و (٢٤) مدنية ، عند جريم (٩٢) سورة مكية و (٢٢) مدنية.

(ز) الفترة الثالثة مختصرة جدا ، كما رأينا ، عند جريم لأنه حسب رأيه فإنها تتكلم خاصة عن وقوع اليوم الآخر والعذاب الواقع على الكافرين.

٣ ـ المستشرق وليام موير «William Muir» :

فى الجزء الثانى من كتابه «حياة محمد» ص (١٣٢ ، ١٨٣ ، ٣١٨ ، ٣٢٠) وأيضا فى كتابه «القرآن : تكوينه وتعاليمه» (١٨٩٦ م) ص (٧٣ ، ٤٧) يقسم وليام موير السور المكية إلى خمسة مراحل.

(أ) المرحلة الأولى قبل بعثة النبى.

(ب) أقدم السور حتى أول ظهور رسمى لرسالته.

(ج) من أول ظهور رسالته حتى السنة السادسة من البعثة (٦١٦) ميلادية.

(د) من السنة السادسة حتى العاشرة.

(ه) من السنة العاشرة حتى الهجرة (٦٢٢) ميلادية.

وبعد (٩٣) سورة مكية ، و (٢١) سورة مدنية والترتيب التاريخى كالآتى.

١ ـ العهد المكى :

العلق ، العاديات ، الشرح ، الشمس ، قريش ، الفاتحة ، القارعة ، التين ، التكاثر ، الهمزة ، الانفطار ، الليل ، الفيل ، الفجر ، عبس ، الانشقاق ، الطارق ، النصر ، البروج ، المطففين ، النبأ ، المرسلات ، الإنسان ، القيامة ، المعارج ، الكافرون ، الإخلاص ، الرحمن ، الواقعة ، الملك ، النجم ، السجدة ، الزمر ، النازعات ، القمر ، سبأ ، لقمان ، الحاقة ، القلم ، فصلت ، نوح ، الطور ، ق ، الجاثية ، الصافات ، الروم ، النور ، الحجر ، الذاريات ، الأحقاف ، الجن ، فاطر ، يس ، مريم ، الكهف ، النحل ، الشورى ، غافر ، ص ، الفرقان ، طه ، الزخرف ، يوسف ، هود ، يونس ، إبراهيم ، الأنعام ، التغابن ، القصص ، المؤمنون ، الحج ، الأنبياء ، الاسراء ، النحل ، الرعد ، العنكبوت ، الأعراف ، الفلق ، الناس.

١٢٣

٢ ـ العهد المدنى :

البقرة ، محمد ، الحديد ، الأنفال ، المجادلة ، الطلاق ، البينة ، الجمعة ، الحشر ، النور ، المنافقون ، الفتح ، الصف ، النساء ، آل عمران ، المائدة ، الأحزاب ، الممتحنة ، التحريم ، الحجرات ، التوبة.

والفروق بين هذا الترتيب وترتيب نولدكه هى :

(أ) سبع سور من الفترة المكية الأولى عند نولدكه نقلوا إلى الفترة الرابعة عند موير.

(ب) ثمانى سور من الفترة الثانية نقلوا إلى الفترة الخامسة عند موير.

وكما لاحظ كل من «نولدكه ، شفالى ، تاريخ القرآن ص (٧٣) ليبزج (١٩٠٩ م) ، فإن الخطأ الرئيسى لموير هو زعمه تحديد ترتيب نزول السور فى كل مرحلة فيما يعترف بنفسه أنه لم ينجح بصورة تامة فى هذه المحاولة ، وفى الواقع إنه حين قسم العهد المكى كله إلى مراحل بدلا من ثلاث فترات صغرى فإنه يعتبر قد زاد المشكلة تعقيدا ، وعلى العكس يعترف نولدكه أن الترتيب الذى يعرضه ترتيب تقريبى.

٤ ـ ريجيس بلاشير» RegisBlachere «:

يعتمد ريجيس بلاشير فى ترجمته للقرآن «باريس (١٩٤٩ م ـ ١٩٥١ م) نفس ترتيب نولدكه وشفالى فيما عدا نقطتين غير مؤثرتين :

(أ) يضع بلاشير سورة الذاريات وسورة القلم فى بداية الفترة الثانية بينما مكانهما عند نولدكه وشفالى فى نهاية الفترة الأولى.

(ب) سورة يوسف عند بلاشير مدرجة ضمن الفترة الثالثة بينما عند نولدكه وشفالى مدرجة ضمن الفترة الثانية.

(ج) تتابع السور فى الفترة الأولى فى ترجمة بلاشير يختلف عن الهيكل الذى اعتمده المستشرقان الألمانيان «نولدكه ـ شفالى» وشرح بلاشير أن هذا الاختلاف منشؤه أنه وجد بين الناس تقسيم السور إلى مجموعات لكل سورة منها فكرة مشابهة للأخرى ثم وضع سلسلة التتابع بحيث تتسق مع تطور الدعوة الناشئة «والقرآن (٢) ص (٦) باريس (١٩٤٩ م).

١٢٤

ويصل تعسف ريجيس بلاشير إلى ذروته حين يقسم بعض السور إلى أجزاء حسب تواريخ مختلفة دون الاستناد على أى أسباب أو معلومات تاريخية ثانية.

وحسب التقسيم المدقق الذى قام به ، فإننا نجد أن عدد السور عنده يصبح (١٦) سورة بدلا من (١٤) كما هو معلوم لدى العالم الإسلامى والمستشرقين.

ومع أن نفس نص القرآن عند بلاشير هو نص القرآن عند كل العالم ، إلا أنه قسم سورتى «العلق ، والمدثر» كل منهما إلى سورتين.

(أ) سورة العلق من آية (١) إلى (٥) تصبح نص رقم (١) فى ترتيب بلاشير ، ومن (٦ : ١٩) جعل منها نص رقم (٣٢) أى نص مستقل».

(ب) سورة المدثر الآيات من (١) إلى (٧) تصبح نص رقم (٢) ، ومن (٨) إلى (٥٥) نص مستقل تحت رقم (٣٦).

٥ ـ ريتشارد بل :

آخر مستشرق نذكره فى هذا الموضوع هو ريتشارد بل ، فقد ناقش القضية فى الفصل السادس من كتابه «مقدمة فى القرآن ـ ايدنبرج» (١٩٥٣ م) تحت عنوان «الترتيب التاريخى للقرآن» وبعد أن استعرض محاولة نولدكه ، والتى اعتبرها الأكثر قبولا وكذلك محاولة وليام موير ، وجريم ، وه. هيرشفيلد ، وريجيس بلاشير اعترف أنه من الممكن الشك فى امكانية ترتيب كامل للقرآن حسب النزول (١٠٣).

وكذلك يعتقد أن أفضل قرار يمكن اتخاذه هو عرض مبادئ عامة ، ووضع تصور يمكن أن يدمج فيه نظم القرآن.

وأوضح المبادى الآتية :

١ ـ فى غياب المرجعية التاريخية للأحداث فإن الأسلوب يمكن أن يكون معيارا مفيدا لتحديد تاريخ تقريبى ثم يعترف أن هذا المعيار صعب استعماله.

١٢٥

٢ ـ اختيار معيار آخر أكثر صدقا وهو تركيب الجمل ، وهنا يعترف أيضا أن هناك متوافقات ونوادر يمكن أن تقودنا إلى الخطأ.

وبعد أن أضعف بنفسه المعايير التى اقترحها ، يجادل فى أولية سورتى العلق والقلم واللذان يعلم كل الكتاب المسلمين وكذلك المستشرقون أنهما أول وثانى سورتين من سور الوحى وحجته فى ذلك «إن طريقة الحديث فى هاتين السورتين تتفق أكثر مع المفهوم اللاحق لبعثة النبى أكثر ما تتفق مع التصورات البدائية لمحمد حيث أن لم يكن عنده فى البداية أية فكرة عن الملائكة ، ولكن هذا محض خطأ لأن عقيدة الألوهية قبل الإسلام كانت خاصة بفكرة الملائكة وكذلك اليهودية وأيضا المسيحية واللذان كان لهما أتباع فى الجزيرة العربية ، كانوا يستدعون الملائكة بصفة مستمرة ، كيف إذا نقول أن محمدا فى البداية لم يكن عنده أى فكرة عن الملائكة؟ ولنستعرض بعضا من عبث ريتشارد بيل :

(أ) كلمة نبى كلمة مدنية.

(ب) أصبح إبراهيم نبيا فى المدينة فقط.

(ج) إسلام ، مسلم ، والاستعمال الدينى لكلمة أسلم تنتمى إلى العهد المدنى ، ولكن هذه القضايا كاذبة ، لأن كلمة نبى موجودة فى السور المكية الآتية : الأنعام ، الأعراف ، الفرقان ، الزخرف ، مريم ، الروم ، وإبراهيم كنبى مذكور فى السور المكية الآتية : الأنعام ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر ، النحل ، مريم ، الأنبياء ، الشعراء ، العنكبوت ، ص ، الشورى ، الزخرف ، الذاريات ، النجم ، الأعلى ، وكلمات إسلام ـ مسلم «والجمع مسلمون» موجودة فى (٢١) سورة مكية ولو طبقت هذه القواعد نستخلص من العهد المكى (٤٤) سورة نضيفها على العهد المدنى ، وهذا هو العبث بعينه عند كل الباحثين.

١٢٦

الخاتمة

هذه هى المحاولات التى قام بها علماء المسلمين والمستشرقون (١) ، لترتيب سور القرآن حسب النزول ولكنها تعتبر محاولات يشوبها الفشل ، ولكن محاولات الكتاب المسلمين أقل شططا لأنها تكتفى بتقسيم السور إلى عهدين المكى والمدنى ، ومع ذلك فإن ترتيب السور افتراض يفتقر فى كل مرة إلى المصادر التاريخية.

ونعتقد وتؤكد ذلك بعض القصص (٢) ، أن القرآن قد رتب فى كتاب واحد فى حياة النبى لما يأتى :

(أ) أكدت السنة والتفاسير القرآنية على الآيات المدنية الموجودة فى السورة المكية المتقدمة ومن المفروض أن هناك جمعا للسورة مرتب بالفعل وفيه يوضح بعد ذلك الآيات التى نزلت بالمدينة والتى تكمل أو تعدل بعض الأفكار الموجودة فى السور السابقة ، على سبيل المثال سورة الشعراء التى تحتوى فى النهاية على أية (٢٢٧) التى أضيف فى المدنى لتستثنى من إدانة الشعراء المسلمين الذين كانوا يدافعون عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمثال : حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك «انظر تفسير الطبرى ـ أسباب النزول للسيوطى» وكذلك الطبعة المصرية الرسمية توضح فى صدر السورة الآيات المدنية الموجودة فى السور المكية التى نزلت قبل ذلك «انظر ص (١٢٢ ، ١٢٣) الزركشى ـ البرهان ص (١٩٩ ، ٢٦٣)» وفيه يعطينا الإحصاء الكامل لذلك.

(ب) هذا القرآن المجموع خلال حياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا بدّ أنه نقل على جلود ،

__________________

(١) انظر «مقدمة القرآن» ريتشارد بيل ص (١١٠ ، ١١٣) وضع جدول جمع فيه كل هذه المحاولات مقارنة.

(٢) انظر «الزركشى ـ البرهان» ج (١) ص (٢٥٦ ، ١٥١) القاهرة (١٩٥٧ م).

١٢٧

والقرآن يتكلم عن الكتابة المتقوشة (كِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)(١) ، وقد ذكر الشعراء الجاهليون فى مواضع كثيرة الجلود والرقاع التى يكتب عليها ، ويحكى أن المعلقات السبع أو العشر كتبت على الجلود «أو البردى» وعلقت فى جوف الكعبة ، وكل هذا يثبت استعمال الجلود أو «البردى» وأنه كان منتشرا فى مكة والمدينة والجزيرة العربية بصفة عامة.

ولو عارض أحد فى قصة أن زيد بن ثابت قد جمع القرآن من قطع الورق والأحجار ، وسعف النخيل ، وعظام وأكتاف الإبل ، وعظام وأذرع الماشية وجلودها ، فإننى أرد بأن ذلك يشبه الوثائق التى تساعد فى تجميع نص معين حتى لا يندثر ، وهذا بالضبط مشابه لما نفعله اليوم بعمل طبعة محققة على مخطوطات كاملة ، فنجمعها مع الاستشهادات والأوراق المبعثرة .. الخ.

فيما يتعلق بالتقسيم الثلاثى للعهد المكى فيجب أن نشير إلى أن هذا ليس فقط ما ذهب إليه. ح. ويل ثم نولدكه هم أول من زعمه ، ولكنه مقترح أيضا من أحد أقدم علماء المسلمين وهو أبو القاسم الحسن بن محمد ابن حبيب النيسابورى فى كتابه «التنبيه إلى أفضل العلوم القرآن» حيث يقول : «إن احدى أشرف العلوم القرآنية هو نزوله ، ومواضعه وترتيب ما نزل بمكة ابتدائه ووسطه ونهايته ، وترتيب ما نزل بالمدينة «ذكره الزركشى فى البرهان فى علوم القرآن (١) ص (١٩٢) القاهرة (١٩٥٧ م) ط. محمد أبو الفضل إبراهيم» إذا ففضل السبق فى الترتيب الثلاثى لسور العهد المكى يعود لقول أبى القاسم الحسن النيسابورى وليس إلى ويل أو نولدكه ، فقط يبدوا أن أبو الحسن النيسابورى أو الزركشى قد ذكره فى الفصل التالى ولكنه لم يميز فى عده للسور فى الترتيب التاريخى للسور المكية بين الفترات الثلاث التى ذكرها ص (١٩٣) وجاء ترتيبه كالآتى : «أول سورة نزلت بمكة هى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) «العلق» ثم (ن وَالْقَلَمِ) «القلم» ، ثم (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) «المزمل» وهو يعد (٨٥) سورة مكية ثم بعد (٩) سورة مدنية أولها البقرة

__________________

(١) سورة الطور ، آية (٢ ـ ٣).

١٢٨

وترتيبه موافق لترتيب عمر بن محمد بن عبد الكافى المذكور ص (١٢١) يترتب على ذلك أنه لا فايل ولا نولدكه ولا لمن تبعهم أفكار جديدة فى مجال ترتيب سور القرآن الكريم حسب النزول ، فالفصل التاسع من الجزء الأول ص (١٩ ـ ٢٠٩) للزركشى يكفينا لنقتنع بذلك قناعة كافية ، وفى النهاية يجدر بنا أن نتأمل ونتعلم هذا الدرس الجميل فى التواضع والذى بلغه لنا الزركشى ج (١) ص (١٩٢) وهو «لا غبار على الاختلاف بشأن بعض السور مكية هى أم مدنية ، وأن يكون لذلك مردوده ودليله ..».

١٢٩
١٣٠

الفصل الحادى عشر

مشكلة الألفاظ الأعجمية فى القرآن

١٣١
١٣٢

لقد أثيرت مسألة الألفاظ غير العربية فى القرآن منذ القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى) حيث دخل الفقهاء المسلمون فى مجادلات واسعة بين مؤيد ومعارض.

(ا) فمن بين الذين ينفون وجود مثل هذه الكلمات نجد الشافعى (ت ٢٠٤ ه‍ / ٨٢٠ م) ، وهو مؤسس المذهب الفقهى الشافعى ، وأبو عبيدة (ت ٢١٠ ه‍ / ٨٢٥ م) عالم فقه اللغة ، ومحمد بن جرير الطبرى (ت ٣١٠ ه‍ / ٩٢٣ م) ، وهو المؤرخ العظيم وأشهر مفسرى القرآن ، وأبو بكر الطيب الباقلانى (ت ٤٠٣ ه‍ / ١٠١٤ م) ، وهو الفقيه الأشعرى ، وأبو الحسن ابن فارس (ت ٣٩٥ ه‍ / ١٠٠٥ م) عالم فقه اللغة ، وقد بنى هؤلاء قضيتهم على آيتين قرآنيتين هما (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(١) و (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ)(٢).

وقالوا أيضا إنه لو كان العرب غير قادرين على الإتيان بنصوص مشابهة للقرآن فكان من الممكن أن يحتجوا بأن القرآن يحتوى على لغات لا يفهمها العرب.

(ب) ومن بين الذين قالوا بأن القرآن يشتمل على كلمات غير عربية نذكر فى المقام الأول عبد الله بن عباس (ت ٦٨ ه‍ / ٦٨٨ م) ، وتلميذه عكرمة (ت ١٠٥ ه‍ / ٧٢٣ م) ، ثم أبو موسى الأشعرى (ت ٤٢ ه‍ / ٦٦٢ م) ، وقد أثبتوا أن فى القرآن ألفاظا غير عربية ووضعوا لها قائمة.

وقد تقيد المنكرون بشيء بديهى وهو أن هذه الكلمات الموجودة فى تلك القائمة موجودة فى القرآن وفى بعض اللغات الأخرى التى ذكرها مخالفوهم ، والمنكرون يشرحون هذا التوافق قائلين مثل الطبرى هذه الأمثلة جاءت من احتمال توافق لغات أخرى مختلفة فى التعبير عن شىء ما بمحض الصدفة

__________________

(١) سورة يوسف ، آية (٢).

(٢) سورة فصلت ، آية (٤٤).

١٣٣

وتسمية الأشياء بكلمات مشابهة ، وأن العرب والفرس والأحباش (مثلا) يستخدمون نفس اللفظ للتعبير عن نفس الشيء (ذكره الزركشى فى البرهان ج ١ ـ ص ٢٨٩ ـ القاهرة ١٩٥٧) ، ويوافق أبو عبيدة رأى ابن فارس (ذكره الزركشى المرجع السابق ـ ص ٢٨٩).

ولكن ابن عطية (ت ٥٤٦ ه‍ / ١١٥١ م) ، عارض هذا الرأى فى مقدمة كتابه «حول تفسير القرآن» (١) (ص ٢٧٧) حيث يقول : «إن تفسير الطبرى وهو أن اللغتين متوافقتان فى نفس الكلمة بعيد عن الحقيقة ، وفى الواقع إن اللغة الأولى فيها الكلمة «الأصل» ، والثانية فيها الكلمة «المشتقة» فى أغلب الحالات ونحن لا نثبت إمكانية التوافق ، ولكنه يحدث فى قليل من الحالات وبطريقة استثنائية» (ذكره الزركشى فى المرجع السابق ص ٢٩٠).

ويوفق أبو عبيدة القاسم بن سلام (ت ٢٢٤ ه‍ / ٨٣٩ م) بين الرأيين حيث يقول : «وعندى أن الرأى الصحيح هو القول بالرأيين : فالحقيقة أن الكلمات (المتشابهة بين العربية واللغات الأخرى) أصلها أعجمى كما قرر ذلك الفقهاء» ، ولكنها وصلت إلى العرب وهم بدورهم عربوها وحولوها من اللغات الأخرى إلى لغتهم ، وبهذا أصبحت عربية.

وحين نزل القرآن كانت هذه الكلمات قد اختلطت بلغة العرب فمن قال إن هذه الكلمات عربية فهو على حق ومن قال إنها كلمات أعجمية فهو أيضا على حق (ذكره الزركشى ـ المرجع السابق ص ٢٩٠).

ويصل ابن فارس الذى استشهد برأى أبو عبيدة القاسم بن سلام فى كتابه «الصاحبى» (ص ٢٩) إلى نفس التسوية.

على أى حال ، فالرأى الأرجح هو رأى بن عطية والذى يقول فى مقدمة كتابه حول «التفسير القرآنى» (ص ٢٧٧) إن توضيح هذا التوافق بين (الألفاظ

__________________

(١) الجامع المحرر .. الوجيز فى تفسير القرآن العزيز» ٤١٢ ,laG.V «.

١٣٤

العربية وغيرها) يأتى من أن العرب والذين نزل القرآن الكريم بلغتهم كان لهم اختلاط باللغات الأخرى عن طريق التجارة والرحلتين السنويتين للقرشيين ، ورحلات الرحالين مثل رحلة أبى عمر إلى الشام ، ورحلة عمر بن الخطاب ، ورحلة عمرو بن العاص ، وعميرة بن الوليد إلى الحبشة ، ورحلة الأعشى إلى حران واختلاطه بالمسيحيين هناك حيث السيادة للغة العربية ، وبهذه الوسائل اقتبس العرب كلمات أعجمية وغير بعضها بحذف بعض الحروف منها وقد قاموا بتخفيف ثقل عجميتها ، واستعملوا هذه الكلمات فى أشعارهم وأحاديثهم وانتهى الأمر بها أن أصبحت لها نفس السمت العربى الخالص فاستعملوها فى خطبهم ، وبهذه الحالة استعملها القرآن : إذا فالحقيقة أن هذه الكلمات ليست عربية ، ولكن العرب عربوها واستخدموها وأصبحت عربية بهذا المعنى وبهذه الكيفية. (مقتبس أيضا من الزركشى المرجع السابق ١ ـ ص ٢٨٩).

فهذا توفيق سديد ومقبول.

* قائمة الزركشى (ت ٧٩٤ ه‍ / ١٣٩١ م)

نعرض هنا قائمة الزركشى للكلمات الأعجمية والتى ذكرها من غير ترتيب فى كتابه «البرهان» الجزء الأول (ص ٢٨٨ ، ٢٨٩) ، ولكننا نصنفها هنا هكذا :

(أ) من اللغة اليونانية :

١ ـ طفق ـ يفعل الشيء.

٢ ـ قسط وقسطاس ـ العدل

٣ ـ رقيم ـ المائدة.

٣ ـ سرىّ ـ النهر الصغير

(ب) من اللغة الفارسية :

١ ـ استبرق ـ وهى فى الفارسية استبره ـ القماش الغليظ.

١٣٥

٢ ـ سجل ـ الكتاب ، الدفتر.

(ج) من العبرية :

١ ـ هدنا ـ توبنا.

٢ ـ طأها ـ ضع رجلك يا رجل!.

٣ ـ أليم ـ موجع.

(د) من السريانية :

١ ـ طور ـ الجبل.

(ه) من النبطية :

١ ـ سينين ـ الجميل ، الطيب.

(و) من الأمهرية :

١ ـ ناشئة ـ من القيام أثناء الليل.

٢ ـ كفلين ـ مرتين.

٣ ـ قسورة ـ الأسد.

٤ ـ مشكاة ـ طاقة للنور.

٥ ـ درى ـ مضىء.

(ز) من الهندية :

١ ـ سندس ـ ستاره ناعمة.

(ح) من اللغة القبطية :

١ ـ الآخرة (لله الآخرة) ـ الأولى.

٢ ـ وراءهم ـ أمامهم.

٣ ـ يم ـ بحر.

١٣٦

٤ ـ بطائنها ـ خارجها.

(ط) من لغة المغرب :

١ ـ مهل ـ دردى الزيت.

٢ ـ يشار ـ ينضج حتى أخره.

٣ ـ إناه (غير ناظرين إناه) الأحزاب (٥٣) : طهو.

٤ ـ أب ـ عشب*.

ـ المجموع الكلى ـ (٢٥) لفظا غير عربية.

وهذه القائمة تثير عدة تساؤلات أهمها :

أولا : أول سؤال يثور فيما يتعلق بموضوع هذه القائمة هو : ما لغة المغرب هذه؟ فى مناقشة السيوطى لهذه الكلمة «المهل» فى كتابه («الاتقان» ص ٣٢٥ طبعة ١٩٥٢ ـ ٤ : ج أص ١٤٠ القاهرة ، ١٩٣٥) يوضح أن لسان أهل المغرب ـ لغة البربر أو اللغة البربرية («الاتقان» ص ٣٢٣ كالكوتا ١٨٥٢ ـ ٤ ـ ج ١ ص ١٣٩ القاهرة ١٩٣٥).

ويسميها لسان أهل الإفريقية ، ولكن أرثر جيفرى فى كتابه («الكلمات الأجنبية فى القرآن» ص ٣١ بارودا ١٩٣٨) يعتقد أنه من السخف الظن أن بعض عناصر المفردات البربرية قد دخل اللغة العربية فى فترة ما قبل الإسلام أو فى فترة نزول القرآن.

كل ما يمكن أن يقال هو أن هذه الكلمات كانت ألغازا بالنسبة للعلماء فى عصرهم وأن عبارة «بلسان أهل المغرب أو بلغة البربر تعتبر تغطية لإخفاء جهلهم».

ثانيا : والسؤال الثانى هو : لما ذا ساق ابن عباس وعكرمة وأبو موسى الأشعرى وغيرهم هذه القائمة بالألفاظ غير العربية إذا لم يكونوا يعرفون اللغات الأعجمية التى منها اشتق أصل هذه الكلمات؟ هل استعانوا بأناس

١٣٧

يعرفون مثل هذه اللغات الأعجمية؟ يبدو أن الجواب بنعم لأن الجذور التى أعطوها لبعض الكلمات صحيحة مثلا فى المجموعة الأولى الكلمتان «قسط وقسطاس» ، فى الواقع إن قسطاس ومشتقها قسط مأخوذة عن الكلمة اليونانيةDikastes ومعناها : قاض كما أوضح قولرز فى (ZDM ٦) (٦٣٣) ، أو من اليونانيةXestes (المأخوذة من اللاتينيةSexdarius بمعنى مقياس رومانى كما أوضح منجانا «التأثير السريانى على أسلوب القرآن» فى نشره Rylands ١٩٢٧).

ولكن الكلمات الثلاثة الأخرى التى زعموا أنها مشتقة من اليونانية ليس لها أى تفسير جذرى ، ومن العجيب أن هذه الكلمات الثلاثة : طفقا ـ رقيم ـ سرى ليس لها صفات الكلمات البربرية مما قد يدفع إلى اعتبارها أعجمية ، بل على العكس فإن الكلمات الثلاثة لها أوزان عربية خالصة فما ذا دفع هؤلاء العلماء أن يحاولوا إيجاد أصل أعجمى لها؟

فيما يتعلق بكلمة «رقيم» فهل لأنها مستخدمة فى سياق قصة أهل الكهف فعلموا أنها كلمة شائعة فى بلاد الروم (بيزنطه).

وهذا لا ينطبق على الكلمتين الأخريين طفق ـ سرى : فالأولى تتعلق بآدم وحواء بعد أن أخطأ ، والثانية تتعلق بقصة مريم حين كانت على وشك وضع ولدها عيسى.

ثالثا : السؤال الثالث : لما ذا بالتالى نسى هؤلاء العلماء أن يشيروا إلى كلمات لها طابع أعجمى واضح مثل تلك الكلمات التى من أصل يونانى وهى :

ـ دينار (آل عمران ٦٨) Denarion.

ـ درهم (يوسف ٢٠) ـ Drakhme. (دراخمه عملة اليونان).

ـ قنطار (آل عمران ١٤ ، ٧٥ ، النساء ٢٠) ـ Kentenarion.

ـ ابليس (البقرة ٢٢ ، الأعراف ٦١ .. الخ) ـ Diabolos.

١٣٨

ـ سيما (البقرة ٢٧٣ ، الأعراف ٤٦ ، محمد ٣٠ ، الفتح ٢٩ ، الرحمن ٤١): Sema.

ـ صراط (ذكرت ٢٥ مرة فى القرآن) ـ Strata.

ـ قرطاس (الأنعام ٧ ، ٩١) ـ Khartes.

رابعا : السؤال الرابع : (لما ذا لما يدحض فخالفوا القول بوجود كلمات أعجمية فى القرآن قول هؤلاء الذين اثبتوا هذه الكلمات موضحين لهم أن هذه الكلمات التى زعموا أنها من اليونانية أو من غيرها ليست كذلك) وقد كان المترجمون الذين يعرفون اليونانية والسريانية فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى كثيرين وفي متناول علماء اللغة العرب فلما ذا لم يدعهم هؤلاء إلي تقى ودحض قضية معارضيهم الذين يقولون بوجود كلمات أعجمية يونانية وسريانية فى القرآن؟

وإذا تصفحنا بقية المجموعات من ب إلى ط فستلاحظ الآتى :

١ ـ فى المجموعة (ب) اشتقاق الكلمتين صحيح.

٢ ـ فى المجموعة (ح) اشتقاق الكلمات الثلاث خاطئ.

٣ ـ فى المجموعة (د) اشتقاق كلمة طور صحيح.

٤ ـ فى المجموعة (ه) اشتقاق كلمة «سينين» غير صحيح لأنه يبدو أن «سينين» (١) هو تعديل كلمة سينى وهو تعديل اقتضته الفواصل.

٥ ـ كلمة مشكاة هو فقط الصحيح أما الكلمات الأربعة الأخرى فاشتقاقها خاطئ (أنظر جيفرى .. الألفاظ الأجنبية فى القرآن ص ٣٢ ، ٢٦٦).

٦ ـ فى المجموعة (ز) «سندس مشتقة من الفارسية حيث رأى فرايتاج «المعجم» و (دفوراك (الكلمات الأجنبية ٧٢) بينما يرى فرانكل (الكلمات

__________________

(١) سورة التين ، آية (١١).

١٣٩

الأجنبية ٤٠٠) أنها مشابهة للكلمة اليونانيةSindom (الزى الذى كانوا يلبسونه فى التقاليد الباخوسية المتعلقة باخوس إله الخمر).

٧ ـ أما عن المجموعة (ح) المشتقة من القبطية فما يتعلق بالكلمات ١ ، ٢ ، ٤ يدعو إلى السخرية أما كلمة «يم» فهى موجودة فى اللغة المصرية وفى اللغة القبطية (أنظر جفرى ص ٢٩٣).

٨ ـ أما عن المجموعة (أ) المشتقة من لغة المغرب أى البربر فليس هناك ما يقال عنها.

* قائمة السيوطى (ت ٩١١ ه‍ / ١٥٠٥ م) وهى حسب الترتيب الأبجدى :

ـ أباريق ـ من الفارسية.

ـ أب ـ (عشب) لغة المغرب.

ـ ابلعى ـ يبلع بالأمهرية.

ـ أخلد ـ يستريح بالعبرية.

ـ أرائك ـ سرائر بلغة إبراهيم.

ـ آذر (مخطئ) لغة إبراهيم.

ـ أسباط : (قبائل) عبرية.

ـ إستبرق ـ رداء خشن بالفارسية.

ـ أسفار ـ (كتب) سريانية.

ـ إصرى ـ (وصيتي بالنبطية).

ـ أكواب ـ (كئوس بالنبطية).

ـ إل ـ (اسم الله بالنبطية).

ـ أليم ـ (من لغة الزنوج فى رأى ابن الجوزى ، ومن اللغة العبرية فى رأى شيده الله).Shaydhalah

١٤٠