نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة فان في نفسي منها شيئا.

قال لي يونس : قال لنا يحيى ثم قدم علينا علوان بعد وفاة الليث فسألته عن هذا الحديث فحدثني به كما حدثني الليث به سعد حرفا حرفا. وأخبرني أنه هو حدث به الليث بن سعد وسألته عن اسم أبيه وأخبرني أنه علوان بن داود. وحدثني محمد بن إسماعيل المرادي ، قال : ثنا عبد الله بن صالح المصري قال : حدثني الليث عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا بكر الصديق رضي‌الله‌عنه قال : ثم ذكر نحوه ولم يقل فيه عن أبيه » (١).

وقال أبو عمر أحمد بن عبد ربه القرطبي : « قال أبو صالح : أخبرنا محمد ابن وضاح ، قال : حدثني محمد بن زمج بن مهاجر النجيبي ، قال : حدثني الليث بن سعد عن علوان عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أنه دخل على أبي بكر رضي‌الله‌عنه في مرضه الذي توفى فيه فأصابه مفيقا فقال : أصبحت بحمد الله بارئا ، قال أبو بكر : أبرأه الله ( أتراه برءا؟. ظ ) قال : نعم! قال : أما اني علي ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ، اني وليت أمركم خيركم في نفسي فكلكم ورم من ذلك أنفه! يريد أن يكون له الأمر ، ورأيتم الدنيا مقبلة ولما تقبل وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألمون الاضطجاع على الصوف الأذري كما يألم أحدكم الاضطجاع على شوك السعدان! والله لان يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا ، ألا وانكم أول ضال بالناس غدا فتصدونهم عن الطريق يمينا وشمالا! يا هادي الطريق ، انما هو الفجر والبحر.

قال : فقلت له خفض عليك يرحمك الله! فان هذا يهيضك على ما بك ، انما الناس في أمرك بين رجلين : اما رجل رأى ما رأيت فهو معك ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٦١٧ ـ ٦٢٠.

٣٠١

واما رجل خالفك فهو يشير عليك برأيه ، وصاحبك كما تحب ، ولا نعلمك أردت الا الخير ولم تزل صالحا مصلحا ، مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا.

فقال أجل! اني لا آسى على شيء من الدنيا الا على ثلاث فعلتهن ووددت أني تركتهن ، وثلاث تركتهن ووددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهن. فأما الثلاث التي فعلتهن ووددت أني تركتهن : فوددت أني لم أكشف بين فاطمة عن شيء وان كانوا أغلقوه على الحرب! ووددت أني لم أكن حرقت النحام ( الفجاءة. ظ ) السلمي وأني قتلته شديخا أو خليته نجيحا! ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قدمت ( قلدت. ظ ) الأمر في عنق أحد الرجلين ، فكان أحدهما أميرا وكنت له وزيرا. يعني بالرجلين عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح.

وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني فعلتهن : فوددت أني يوم أتيت الأشعث بن قيس أسيرا ضربت عنقه فانه يخيل الي أنه لا يرى شرا الا أعان عليه! ووددت أني يوم سيرت خالد بن الوليد الى أهل الردة أقمت بذي القصة فان ظفر المسلمون ظفروا وان انهزموا كنت بصدد لقاء أو مدد! ووددت أني وجهت خالد بن الوليد الى الشام ووجهت عمر بن الخطاب الى العراق فأكون قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله.

وأما الثلاث التي وددت أني أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهن فاني وددت أني سألته لمن هذا الأمر من بعده؟ فلا ينازعه أحد! وأني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ فلا يظلموا نصيبهم منه! ووددت أني سألته عن بنت الأخ والعمة فان في نفسي منهما شيئا » (١).

وقال أبو بكر الباقلاني : « وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رحمة الله عليه ، قال : دخلت على أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه في علته التي مات فيها ، فقلت : أراك بارئا يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! فقال : أما اني على ذلك

__________________

(١) العقد الفريد ٤ / ٢٦٧.

٣٠٢

لشديد الوجع ، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي! اني وليت أموركم خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه! والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الاذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. والذي نفسي بيده لان يقدم أحكم فتضرب رقبته في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا يا هادي الطريق جرت انما هو وان الفجر أو البحر. قال : فقلت : خفّض عليك يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! فان هذا يهيضك الى ما بك فو الله ما زلت صالحا مصلحا لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا ، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت الا خيرا » (١).

وقال الزمخشري في كتاب ( الفائق ) : « أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه دخل عليه عبد الرحمن بن عوف في علته التي مات فيها فقال : أراك بارئا يا خليفة رسول الله! فقال أما اني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي! وليّت أموركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه ، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الاذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان! والذي نفسي بيده لان يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من ان يخوض غمرات الدنيا يا هادى الطريق جرت انما هو الفجر أو البحر. وروى البحر ، قال له عبد الرحمن : خفض عليك يا خليفة رسول الله! فان هذا يهيضك الى ما بك.

وروي أن فلانا دخل عليه فنال من عمر وقال : لو استخلفت فلانا؟! فقال أبو بكر رضي‌الله‌عنه : لو فعلت ذلك لجعلت انفك في قفاك ولما أخذت من أهلك حقا! ودخل عليه بعض المهاجرين وهو يشتكي في مرضه فقال له : أتستخلف علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له ولو ملكنا كان أعتى

__________________

(١) اعجاز القرآن ـ هامش الإتقان : ١٨٤.

٣٠٣

وأعتى فكيف تقول لله إذا لقيته؟! فقال ابو بكر : اجلسوني! فأجلسوه فقال : أبالله تفرقني فانّي أقول له إذا لقيته : استعملت عليهم خير أهلك! ( بريء ) من المرض وبرأ فهو بارئ ومعناه مزايلة المرض والتباعد منه. ومنه برئ من كذا براءة. ورم الأنف كناية عن افراط الغيظ لأنه يردف الاغتياظ الشديد أن يتورم انف المغتاظ وينتفخ منخراه ، قال :

ولا يهاج إذا ما أنفه ورما

النضائد : الوسائد والفرش ونحوها مما ينضد ، الواحدة نضيدة. الاذربي منسوب الى أذربيجان وروى الاذري. البحر الأمر العظيم. والمعنى : ان انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت الطريق وان خبطت الظلماء أفضت بك الى المكروه ، وقال المبرد فيمن رواه البحر ضرب ذلك مثلا لغمرات الدنيا وتحييرها أهلها. خفّض عليك أي ابق على نفسك وهوّن الخطب عليها. بيض كسر العظم المجبور ثانية ، والمعنى أنه ينكّسك الى مرضك. جعل الأنف في القفا عبارة عن غاية الاعراض عن الشيء ولسّ الرأس عنه لان قصارى ذلك أن يقبل بأنفه على ما وراءه فكأنه جعل انفه في قفاه ، ومنه قولهم للمنهزم عيناه في قفاه لنظره الى ما وراءه دائبا فرقا من الطلب. والمراد لا فرطت في الاعراض عن الحق ، أو لجعلت ديدنك الإقبال بوجهك الى من ورائك من أقاربك مختصا لهم ببرك ومؤثرا إياهم على غيرهم. تفرقني : تخوفني أهلك ، كان يقال لقريش « اهل الله » تفخيما لشأنهم ، وكذلك كل ما يضاف الى اسم الله كبيت الله وكقولهم لله أنت ، وكقول إمرئ القيس :

فلله عينا من رأى من تفرّق

اشتّ وأنأى من فراق المحصّب » (١).

وقال في كتاب ( أساس البلاغة ) : « ومن المجاز : ورم انفه إذا غضب. وفي حديث أبي بكر رضي‌الله‌عنه. كلّكم ورم انفه أن يكون له الأمر من

__________________

(١) الفائق في غريب الحديث ١ / ٤٥.

٣٠٤

دونه » (١).

وقال ابن الأثير : « ومنه حديث أبي بكر : ولّيت أموركم خيركم فكلكم ورم انفه على أن يكون له من دونه. أي امتلاء وانتفخ من ذلك غضبا ، وخص الأنف بالذكر لأنه موضع الانفة والكبر كما يقال : شمخ بأنفه ، ومنه قول الشاعر « ولا يهاج إذا ما أنفه ورما » (٢).

وقال محمد بن مكرم الانصاري : « ورم انفه ، أي غضب ، ومنه قول الشاعر : « ولا يهاج إذا ما انفه ورما » وفي حديث أبي بكر رضي‌الله‌عنه : ولّيت أموركم خيركم ، فكلكم ورم انفه على ان يكون له الأمر من دونه ، أي امتلاء وانتفخ من ذلك غضبا. وخص الأنف بالذكر لأنه موضع الانفة والكبر كما يقال شمخ بأنفه » (٣).

التاسع : لقد كان طائفة من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعتقدون بطلان خلافة أبي بكر واستخلافه لعمر بن الخطاب باعتبار وقوعهما بغير مشورة من المسلمين ، فقد جاء في ( العقد الفريد ) ما نصه : « وقال المغيرة بن شعبة انى لعند عمر بن الخطاب ليس عنده احد غيرى ، إذ [ ا ] أتاه آت فقال : هل لك يا أمير المؤمنين في نفر من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يزعمون أن الذي فعل ابو بكر في نفسه وفيك لم يكن له ، وانه كان بغير مشورة ولا مؤامرة ، وقالوا : تعالوا نتعاهد ان لا نعود الى مثلها ، قال عمر : وأين هم؟ قال : في دار طلحة.

فخرج نحوهم وخرجت معه وما اعلمه يبصرني من شدة الغضب ، فلما رأوه كرهوه وظنوا الذي جاء له ، فوقف عليهم وقال : أنتم القائلون ما قلتم؟ والله لا [ لن ] تتحابوا حتى يتحاب الأربعة : الإنسان والشيطان يغويه وهو يلعنه ، والنار والماء يطفئها وهي تحرقه ، ولم يأن لكم بعد وقد آن ميعادكم

__________________

(١) أساس البلاغة : ورم.

(٢) النهاية في غريب الحديث : ورم.

(٣) لسان العرب : ورم.

٣٠٥

ميعاد المسيح متى هو خارج ، قال : فتفرقوا فسلك كل واحد منهم طريقا.

قال المغيرة قال لي : أدرك ابن ابى طالب فاحبسه علي ، فقلت : لا تفعل يا أمير المؤمنين [ لا يفعل امير المؤمنين ] فو الله ما عدوت ابغضهم ، فقال : أدركه والا قلت لك يا ابن الدباغة ، فأدركته فقلت له : قف مكانك لامامك واحلم فانه سلطان ويندم [ سيندم ] وتندم.

قال : فأقبل عمر فقال : والله ما خرج هذا الأمر الا من تحت يدك ، قال علي : اتق ان لا تكون الذي نطيعك فنفتنك ، قال : وتحب ان تكون هو؟ قال : لا ولكننا نذكّرك الذي نسيت ، فالتفت الي عمر فقال : انصرف فقد سمعت منا عند الغضب ما كفاك ، فتنحيت قريبا وما وقفت الا خشية ان يكون بينهما شيء فأكون قريبا ، فتكلّما كلاما غير غضبانين ولا راضيين ، ثمّ رأيتهما يضحكان وتفرقا ، وجاءني عمر فمشيت معه وقلت : يغفر الله لك أغضبت؟ قال : فأشار الى علي وقال : اما والله لو لا دعابة فيه ما شككت في ولايته وان نزلت على رغم انف قريش » (١).

العاشر : ان هذا الكلام ينص على لزوم المشورة من المهاجرين والأنصار. ولم تكن خلافة عثمان عن مشورة منهم ، بل جعلها عمر بين ستة رجال من المهاجرين ، وهم : أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف. وهل جاءت خلافة عثمان نتيجة الشورى حقيقة؟ كلا ... فلقد كان سعد من بنى عم عبد الرحمن ، وكان يبغض عليا عليه‌السلام ، وعبد الرحمن كان صهرا لعثمان وكان طلحة يميل الى عثمان ، وكان عمر قد أوصى أنه : ان اجتمع خمسة على رأي واحد وأبى واحد ضرب رأسه بالسيف ، وان اجتمع أربعة وأبى الاثنان ضرب رأساهما ، فان رضى ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين.

__________________

(١) العقد الفريد ٤ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.

٣٠٦

فانضم سعد في الرأي الى عبد الرحمن ، وطلحة الى عثمان ، ومال عبد الرحمن الى صهره ... وهكذا تمت البيعة لعثمان على يد عبد الرحمن طبق الخطة المدبرة فأين الشورى؟! هذا إجمال القصة وإليك بعض رواياتهم في ذلك :

قال ابن سعد : « أخبرنا عفان بن مسلم ، نا : حماد بن سلمة عن علي ابن زيد بن جدعان عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب كان مستندا الى ابن عباس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد فقال : اعلموا اني لم أقل في الكلالة شيئا ولم أستخلف بعدي أحدا ، وانه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حرّ من مال الله. قال سعيد بن زيد ، انك لو أشرت برجل من المسلمين أئتمنك الناس.

فقال عمر : قد رأيت من أصحابي حرصا سيئا ، واني جاعل هذا الأمر الى هؤلاء النّفر الستة الذين مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض! ثم قال : لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر اليه لوثقت به سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح.

أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن ابراهيم قال : قال عمر : من استخلف لو كان ابو عبيدة فقال له رجل : يا أمير المؤمنين! فأين أنت من عبد الله بن عمر؟ فقال : قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا. استخلف رجلا لم يحسن يطلق امرأته!؟ » (١).

وروى ابن سعد عن عمرو بن ميمون في خبر طويل : « ثم قال : ادعوا لي عليا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدا فلم يكلم أحدا منهم غير علي وعثمان فقال يا علي! لعل هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك من النبي صلّى الله عليه وسلّم وصهرك وما آتاك الله من الفقه والعلم ، فان وليت هذا الأمر فاتق الله فيه! ثم دعا عثمان فقال : يا عثمان! لعل هؤلاء القوم

__________________

(١) طبقات ابن سعد ـ ترجمة عمر.

٣٠٧

يعرفون لك صهرك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسنّك وشرفك ، فان وليت هذا الأمر فاتق الله ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ثم قال ادعوا لي صهيبا فدعى فقال : صل بالناس ثلاثا ولتخل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه ، فلما خرجوا من عند عمر قال عمر : لو ولوها الأجلح (١) سلك بهم الطريق فقال له ابن عمر : فما يمنعك يا أمير المؤمنين! قال اكره أتحملها حيا وميتا » (٢).

وروى في خبر عن سماك : « وقال للأنصار : أدخلوهم بيتا ثلاثة أيام فان استقاموا والا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم! ».

وقال ابن سعد أيضا : « أخبرنا محمد بن عمر : حدثني محمد بن موسى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك ، قال : أرسل عمر ابن الخطاب الى أبي طلحة الانصاري قبل أن يموت بساعة فقال : يا أبا طلحة! كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النّفر من أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم ، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم ، اللهم أنت خليفتي عليهم ».

وجاء في ما رواه عن عمرو بن ميمون « وقالوا له حين حضره الموت :

استخلف! فقال : لا أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الذين توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض فأيهم استخلف فهو الخليفة ، فسمى عليا عليه‌السلام وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعدا ، فان أصابت سعدا فذاك ، والا فأيهم استخلف فليستعن به فاني لم أعزله عن عجز ولا خيانة ، قال : وجعل عبد الله معهم يشاورونه وليس له من الأمر شيء ، قال فلما اجتمعوا قال عبد الرحمن : اجعلوا أمركم الى ثلثة نفر منكم ، فجعل الزبير أمره

__________________

(١) يعنى عليا عليه‌السلام.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

٣٠٨

الى علي وجعل طلحة أمره الى عثمان ، وجعل سعد أمره الى عبد الرحمن فأتمروا أولئك الثلثة حين جعل الأمر إليهم فقال عبد الرحمن : أيكم يبرأ من الأمر ويجعل اليّ ولكم الله علي الا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين ، فأسكت الشيخان علي وعثمان فقال عبد الرحمن : تجعلانه اليّ وانا اخرج منها! فو الله لا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين ، قالوا : نعم! فخلا بعلي عليه‌السلام فقال : ان لك من القرابة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقدم ، والله عليك لئن استخلفت لتعدلن ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن فقال : نعم! قال : وخلا بعثمان فقال مثل ذلك ، قال فقال عثمان : نعم! قال : فقال ابسط يدك يا عثمان! فبسط يده فبايعه! ».

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في ( المصنف ) في ما رواه عن عمرو بن ميمون في خبر مقتل عمر « فقالوا له حين حضره الموت : استخلف! فقال : لا أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض ، فأيهم استخلفوا فهو الخليفة بعدي ، فسمى عليا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدا ، فان أصابت سعدا فذلك والا فأيهم استخلف فليستعن به فاني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة ، قال : وجعل عبد الله بن عمر يشاور معهم وليس له من الأمر شيء ، قال : فلما اجتمعوا قال عبد الرحمن بن عوف : اجعلوا أمركم يشاورونه ثلاثة نفر ، قال ، فجعل الزبير أمره الى علي وجعل طلحة أمره الى عثمان وجعل سعد أمره الى عبد الرحمن ، قال : فأتمروا أولئك الثلاثة حين جعل الأمر إليهم ، قال : فقال عبد الرحمن ، إياكم يتبرأ من الأمر ويجعل الأمر اليّ ولكم الله على أن لا آلو عن أفضلكم وخيركم للمسلمين؟ قالوا : نعم! فخلا بعلي فقال : ان لك من القرابة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقدم ولي الله عليك لئن استخلفت لتعدلن ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن ، قال : فقال : نعم! قال : وخلا بعثمان فقال مثل ذلك ، فقال له عثمان : نعم! ثم قال : يا عثمان ابسط يدك! فبسط يده وبايعه علي والناس ».

٣٠٩

وفيه : « حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمرو بن الخطاب لما حضر قال : ادعوا الي عليا وطلحة والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعدا ، قال : فلم يكلم أحدا منهم الا عليا وعثمان فقال : يا علي! لعل هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك وما آتاك الله من العلم والفقه ، فاتق الله وان وليت هذا الأمر فلا ترفعن بني فلان على رقاب الناس! وقال لعثمان يا عثمان : ان هؤلاء القوم لعلهم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسنك وشرفك ، فان أنت وليت هذا الأمر فاتق الله ولا ترفع بني فلان على رقاب الناس! فقال : ادعوا لي صهيبا فقال صل بالناس ثلاثا وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا فان أجمعوا على رجل فأضربوا رأس من خالفهم ».

وأخرج البخاري الخبر المذكور وهذا نصه « فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين! استخلف! قال : ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض ، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعد ، وعبد الرحمن ، وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له ، فان أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك والا فليستعن به أيكم ما أمر فاني لم أعزله عن عجز ولا خيانة ».

وفيه : « فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن : اجعلوا أمركم الى ثلثة منكم فقال الزبير : قد جعلت أمري الى علي ، فقال طلحة : قد جعلت أمري الى عثمان ، وقال سعد : قد جعلت أمري الى عبد الرحمن بن عوف ، فقال عبد الرحمن : أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله اليه والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان ، فقال عبد الرحمن : أفتجعلونه الي والله عليّ أن لا آلو عن أفضلكم ، قالا : نعم! فأخذ بيد أحدهما فقال لك قرابة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق قال :

٣١٠

ارفع يدك يا عثمان! فبايعه وبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه ».

وقال اليعقوبي : « وصير الأمر شورى بين ستة نفر من أصحاب رسول الله علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوام وطلحة بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وقال : أخرجت سعيد بن زيد لقرابته مني فقيل له في ابنه عبد الله بن عمر ، قال : حسب آل الخطاب ما تحملوا منها ، ان عبد الله لم يحسن يطلق امرأته ، وأمر صهيبا أن يصلي بالناس حتى يتراضوا من الستة بواحد واستعمل أبا طلحة زيد بن سهل الانصاري وقال ان رضى أربعة وخالف اثنان فاضرب عنق الاثنين! وان رضى ثلثة وخالف ثلثة فاضرب أعناق الثلثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن! وان جازت الثلثة الأيام ولم يتراضوا بأحد فاضرب أعناقهم جميعا! وكانت الشورى بقية ذي الحجة سنة ٢٣ وصهيب يصلي بالناس وهو الذي صلى على عمر ، وكان أبو طلحة يدخل رأسه إليهم ويقول : العجل! العجل! فقد قرب الوقت وانقضت المدة ».

قال : « وكان عبد الرحمن بن عوف الزهري لما توفي عمر واجتمعوا للشورى وسألهم أن يخرج نفسه منها على أن يختار منهم رجلا ففعلوا ذلك فأقام ثلثة أيام وخلى بعلي بن أبي طالب فقال : لنا الله عليك ان وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال : أسير فيكم بكتاب وسنة نبيه ما استطعت. فخلا بعثمان فقال له : لنا الله عليك ان وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال : لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، ثم خلى بعلي فقال له مثل مقالته الاولى فأجابه مثل الجواب الاول ، ثم خلى بعثمان فقال لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، ثم خلى بعلي فقال له مثل مقالته الاولى فأجابه مثل الجواب الاول ، ثم خلى بعثمان فقال له مثل المقالة الاولى فأجابه مثل ما كان أجابه ثم خلى بعلي فقال له مثل المقالة الاولى فقال : ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما الى إجيرى أحد ، أنت مجتهد تزوي هذا الأمر عني. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول فأجابه

٣١١

بذلك الجواب وصفق على يده وخرج عثمان والناس يهنئونه » (١).

قال « ومال قوم مع علي بن أبي طالب وتحاملوا في القول على عثمان ، فروى بعضهم قال : دخلت مسجد رسول الله فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهف تلهف من كانّ الدنيا كانت له فسلبها وهو يقول : وا عجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر على ( عن. ظ ) أهل بيت نبيهم وفيهم اول المؤمنين وابن عم رسول الله ، اعلم الناس وأفقههم في دين الله وأعظمهم غناء في الإسلام وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط المستقيم ، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي ، وما أرادوا إصلاحا للامة ولا صوابا في المذهب ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة ، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين! فدنوت منه فقلت : من أنت؟ يرحمك الله! ومن هذا الرجل فقال : أنا المقداد بن عمرو وهذا الرجل علي بن أبي طالب ، قال فقلت : ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال : يا ابن أخي! ان هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل ولا الرجلان. ثم خرجت فلقيت أبا ذر فذكرت له ذلك فقال : صدق أخي المقداد ».

قال : « وروي أن عثمان اعتلّ علّة اشتدّت به فدعا حمران ابن أبان وكتب عهدا لمن بعده وترك موضع الاسم ثم كتب الى عبد الرحمن بن عوف وربطه وبعث به الى ام حبيبة بنت أبي سفيان فقرأه حمران في الطريق فأتى عبد الرحمن فأخبره ، فقال عبد الرحمن وغضب غضبا شديدا : استعمله علانية ويستعملني سرا! ونمى الخبر وانتشر بذلك في المدينة وغضب بنو أمية ، فدعا عثمان بحمران مولاه فضربه مائة سوط وسيّره الى البصرة ، فكان سبب العداوة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ووجّه اليه عبد الرحمن بن عوف بابنه فقال له قل له : والله لقد بايعتك وان فيّ ثلث خصال أفضلك بهنّ : اني حضرت بدرا ولم تحضرها ، وحضرت بيعة الرضوان ولم تحضرها ، وثبتّ يوم احد وانهزمت! فلما أدّى ابنه الرسالة الى عثمان قال له قل له : أما غيبتي عن

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٢.

٣١٢

بدر فاني أقمت على بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضرب لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم سهمي وأجري.

وأمّا بيعة الرضوان فقد صفق لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيمينه على شماله فشمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من أيمانكم ، وأما يوم أحد فقد كان ما ذكرت الاّ أن الله قد عفا عني. ولقد فعلنا أفعالا لا ندري أغفرها الله أم لا؟! ».

وقال الطبري « حدّثني سلمة بن جنادة ، قال : ثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : ثنا أبي عن عبد الله ابن جعفر عن أبيه عن المسور بن محرمة ، وكانت امّه عاتكة بن عوف ، قال : خرج عمر بن الخطاب يوما يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤ غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا فقال : يا أمير المؤمنين! أعدني على المغيرة بن شعبه فان علي خراجا كثيرا ، قال : وكم خراجك؟ قال : درهمان في كل يوم ، قال وأيش صناعتك قال : نجار نقاش حداد قال : فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الاعمال قد بلغني أنك تقول : لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت ، قال : نعم! قال : فاعمل لي رحى ، قال : لئن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من في المشرق والمغرب ، ثم انصرف عنه.

فقال عمر رضي‌الله‌عنه : لقد توعّدني العبد آنفا! قال : ثم انصرف عمر الى منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له يا أمير المؤمنين! اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام ، قال : وما يدريك! قال : أجده في كتاب الله عز وجل التوراة ، قال عمر : الله! انك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟! قال : اللهم لا ولكني أجد صفتك وحليتك وأنه قد فنى أجلك ، قال : وعمر لا يحسى وجعا ولا ألما ، فلما كان من الغد جاءه كعب فقال : يا أمير المؤمنين! ذهب يوم وبقي يومان ، قال : ثم جاءه من غد الغد فقال : ذهب يومان وبقي يوم وليلة وهي لك الى صبيحتها.

٣١٣

قال : فلما كان الصبح خرج عمر الى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت جاء هو فكبر. قال : ودخل أبو لؤلؤة في الناس وفي يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه ، فضرب عمرست ضربات إحداهن تحت سرّته وهي التي قتلته ، وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه ، فلما وجد عمر حر السلاح سقط وقال : أفي الناس عبد الرحمن بن عوف؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ، هو ذا ، قال تقدم فصلّ بالناس ، قال : فصلى عبد الرحمن بن عوف وعمر طريح ثم احتمل فأدخل داره.

فدعا عبد الرحمن بن عوف فقال : اني أريد أن أعهد إليك ، فقال : يا أمير المؤمنين! نعم ، ان أشرت الي قبلت منك ، قال : وما تريد؟ قال : أنشدك الله أتشير عليّ بذلك؟ قال : اللهم لا! قال : والله لا أدخل فيه أبدا ، قال : فهب لي صمتا حتى أعهد الى النفر الذين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض ، ادع لي عليا وعثمان والزبير وسعدا ، قال : وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثا فان جاء والا فاقضوا أمركم ، أنشدك الله يا علي ان وليت من امور الناس شيئا أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس ، أنشدك الله يا عثمان ان وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ، أنشدك الله يا سعد ان وليت من امور الناس شيئا أن تحمل أقاربك على رقاب الناس ، قوموا فتشاوروا ثم اقضوا أمركم وليصل بالناس صهيب.

ثم دعا أبا طلحة الانصاري فقال. قم على بابهم فلا تدع أحدا يدخل إليهم وأوص الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوؤا الدار والايمان أن يحسن الى محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم ، وأوص الخليفة من بعدي بالعرب فإنها مادة الإسلام أن يؤخذ من صدقاتهم حقها فتوضع في فقرائهم ، وأوص الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفى لهم بعهدهم ، اللهم هل بلغت! تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة ، يا عبد الله بن عمر! اخرج فانظر من قتلني ، فقال : يا أمير المؤمنين! قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قال : الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة

٣١٤

واحدة! يا عبد الله بن عمر! اذهب الى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر. يا عبد الله بن عمر ان اختلف القوم فكن مع الأكثر ، وان كانوا ثلاثة وثلاثة فاتبع الحزب الذي فيه عبد الرحمن. يا عبد الله ائذن للناس. قال : فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه ويقول لهم عن ملا منكم كان هذا فيقولون معاذ الله ، قال ودخل في الناس كعب فلما نظر اليه عمر أنشأ يقول :

فأوعدني كعب ثلاثا أعدّها

ولا شك ان القول ما قال لي كعب

وما بي حذار الموت اني لميت

ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب

قال : فقيل له يا أمير المؤمنين لو دعوت الطبيب؟ قال فدعى طبيب من بني الحارث بن كعب فسقاه نبيذا فخرج النبيذ مشكلا ، قال فاسقوه لبنا قال فخرج اللبن أبيض. فقيل له يا أمير المؤمنين اعهد! قال : قد فرغت.

قال ثم توفى ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ٢٣ قال فخرجوا به بكرة يوم الأربعاء فدفن في بيت عائشة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر ، قال وتقدم صهيب فصلى عليه وتقدم قبل ذلك رجلان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي وعثمان ، قال فتقدم واحد من عند رأسه والآخر من عند رجليه فقال عبد الرحمن : لا اله الا الله ما أحرصكما على الإمرة! أما علمتما أن أمير المؤمنين قال : ليصل بالناس صهيب!؟ فتقدم صهيب؟! فصلى عليه قال : ونزل في قبره الخمسة ».

وروى الطبري خبر عمرو بن ميمون وفيه : « ثم راحوا فقالوا : يا أمير المؤمنين! لو عهدت عهدا. فقال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولى رجلا أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق ، وأشار الى علي ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غصنة ويانعة فيضمه اليه ويصيره تحته ، فعلمت ان الله غالب أمره ومتوف عمر. فما أريد أن أتحملها حيا وميتا. عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انهم من أهل الجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم

٣١٥

ولست مدخله ولكن الستة علي وعثمان ابنا عبد مناف وعبد الرحمن وسعد خلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والزبير بن العوام حواري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمته وطلحة الخير بن عبيد الله ، فليختاروا رجلا منهم ».

وفيه « وقال لابي طلحة الانصاري : يا أبا طلحة! ان الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم ، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم ، وقال للمقداد بن الأسود : إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم ، وقال لصهيب : صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة ان قدم وأحضر عبد الله بن عمر ولا شيء له من الأمر وقم على رءوسهم. فان اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف وان اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رءوسهما. فان رضي ثلاثة رجلا منهم والثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم ، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه الناس فخرجوا ، فقال علي لقوم كانوا معه من بني هاشم : ان أطيع فيكم قومكم لم تؤمرا أبدا ، وتلقاه العباس ، فقال : عدلت عنا! فقال : وما علمك؟ قال : قرن بي عثمان وقال كونوا مع الأكثر فان رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فيوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني بله اني لا أرجو الا أحدهما ».

وفيه : « فلقى علي سعدا فقال : اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا ، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبرحم عمي حمزة منك أن لا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا عليّ فاني ادلى بما لا يدلى به عثمان ».

٣١٦

وفيه : « ودعا عليا فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده ، قال : أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي ، ودعا عثمان فقال له بمثل ما قال لعلي ، قال : نعم ، فبايعه فقال علي : حبوته حبو دهر! ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، والله ما وليت عثمان الا ليرد الأمر إليك والله كل يوم هو في شأن ».

وفيه « فقال المقداد : ما رأيت مثل ما اوتي الى أهل هذا البيت بعد نبيهم اني لا عجب من قريش أنهم تركوا رجلا ما أقول ان أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل ، أما والله لو أجد عليه أعوانا ، فقال عبد الرحمن : يا مقداد! اتق الله فاني خائف عليك الفتنة ، فقال رجل للمقداد : رحمك الله من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل؟ قال : أهل البيت بنو عبد المطلب والرجل علي بن أبي طالب فقال علي : ان الناس ينظرون الى قريش وقريش تنظر الى بينها فتقول ان ولى عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبدا وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم » (١).

وقال أبو عمر ابن عبد ربه القرطبي في بيان قصة الشورى : « يونس بن الحسن وهشام بن عروة عن أبيه قال : لما طعن عمر بن الخطاب قيل له : يا أمير المؤمنين! لو استخلفت؟ قال : ان تركتكم فقد ترككم من هو خير مني وان استخلفت فقد استخلف عليكم من هو خير مني ، ولو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته ، فان سألني ربي قلت : سمعت لنبيك يقول انه أمين هذه الامة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته ، فأن سألني ربي قلت : سمعت نبيك يقول : ان سالما ليحب الله حبا لو لم يخفه ما عصاه قيل له : فلو أنك عهدت الى عبد الله فانه له أهل في دينه وفضله وقديم إسلامه ، قال : بحسب آل الخطاب أن يحاسب منهم رجل واحد عن أمة محمد صلّى الله

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧.

٣١٧

عليه وسلّم ، ولوددت أني نجوت من هذا الأمر كفافا لا لي ولا عليّ.

ثم راحوا فقالوا : يا أمير المؤمنين! لو عهدت؟ فقال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن اولى رجلا أمركم أرجو أن يحملكم على الحق وأشار الى علي ، ثم رأيت لا أتحملها حيا ولا ميتا ، فعليكم بهؤلاء الرهط الذين قال فيهم النبي صلّى الله عليه وسلّم انهم من أهل الجنة منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ولست مدخله فيهم ، ولكن الستة علي وعثمان ابنا عبد مناف وسعد وعبد الرحمن بن عوف خال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والزبير حواري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمته وطلحة الخير ، فليختاروا منهم رجلا ، فإذا ولوكم واليا فأحسنوا موازرته.

فقال العباس لعلي : لا تدخل معهم! قال : أكره الخلاف ، قال إذا ترى ما تكره! فلما أصبح عمر دعا عليا وعثمان وسعدا والزبير وعبد الرحمن ثم قال : اني نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر الا فيكم واني لا أخاف الناس عليكم ، ولكني أخافكم على الناس وقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنكم راض فاجتمعوا الى حجرة عائشة بإذنها لتشاوروا واختاروا منكم رجلا ، وليصل بالناس صهيب ثلاثة أيام ولا يأتي اليوم الرابع الا وعليكم أمير منكم ويحضركم عبد الله مشيرا ولا شيء له من الأمر وطلحة شريككم في الأمر فان قدم في الثلثة أيام فأحضروه أمركم وان مضت الثلاثة أيام قبل قدومه فامضوا أمركم ، ومن لي بطلحة؟ فقال سعد : أنا لك به إن شاء الله.

ثم قال لابي طلحة الانصاري : يا أبا طلحة! ان الله قد أعز بكم الإسلام فاختر خمسين رجلا من الأنصار ، كونوا مع هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم. وقال للمقداد بن الأسود الكندي إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم ، وقال الصهيب : صل بالناس ثلاثة أيام وادخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن وطلحة ان حضر ، وأحضر عبد الله بن عمر وليس له في الأمر شيء وقم على رءوسهم. فان

٣١٨

اجتمع خمسة على رأي واحد وأبي واحد فاشدخ رأسه بالسيف! وان اجتمع أربعة فرضوا وأبى الاثنان فاضرب رأسيهما ، فان رضى ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فحكموا عبد الله بن عمر فان لم يرضوا بعبد الله فكونوا مع الذين فبهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه الناس وخرجوا.

فقال علي لقوم معه من بني هاشم : ان أطيع فيكم قومكم فلن يؤمروكم أبدا ، وتلقاه العباس فقال له : عدلت عنا! قال له : وما أعلمك؟ قال قرن بي عثمان ثم قال : ان رضى رجلان رجلا ورجلا ورجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فلو كان الآخران معى ما نفعانى ، فقال العبّاس : لم أدفعك في شيء الا رجعت الي متأخرا بما أكره. أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الأمر فأبيت. وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت ، فاحفظ عنى واحدة : كلما عرض عليك القوم فأمسك الى أن يولوك واحذر هذا الرّهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا فيه غيرنا.

فلما مات عمر وأخرجت جنازته تصدى علي وعثمان أيهما يصلى عليه فقال عبد الرحمن : كلا كما يحب الأمر! لستما من هذا في شيء! هذا صهب استخلفه عمر يصلى بالنّاس ثلاثا حتى يجتمع النّاس على امام ، فصلى عليه صهيب فلما دفن عمر جمع المقداد بن الأسود أهل الشورى في بيت عائشة بإذنها وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب وأمروا أبا فروة فحجبهم ، وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما وقال : تريدان أن تقولا حضرنا وكنّا في الشورى.

فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهما الكلام كل يرى انه أحق بالأمر ، فقال أبو طلحة ، لا تتدافعوا فاني أخاف أن تناقضوها ، لا والذي ذهب بنفس محمد لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمر بها عمر وأجلس في بيتي ، فقال

٣١٩

عبد الرحمن. أيكم تخرج منها نفسه ويتقلدها على أن وليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحد ، قال : فأنا أتخلع منها ، قال عثمان : أنا أول من رضى فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : عبد الرحمن أمين في السماء أمين في الأرض ، فقال القوم : رضينا وعلي ساكت ، فقال : ما تقول يا أبا الحسن! قال : أعطني موثقا لتوثرن الحق ولا تتّبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألوا لامّة نصحا ، قال : أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معى على من نكل وأن ترضوا بما أخذت لكم.

فتوثق بعضهم من بعض وجعلوها الى عبد الرحمن فخلا بعلى فقال : انك أحق بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك ولم تبعد فمن أحق بها بعدك من هؤلاء؟! قال : عثمان. ثم خلا بعثمان فسأله من مثل ذلك فقال : على. ثم خلا بسعد فقال على ثم خلا بالزبير فقال عثمان : فقال عمار ابن ياسر لعبد الرحمن : ان أردت أن لا يختلف عليك اثنان فولّ عليّا ، وقال ابن أبي سرح : ان أردت أن لا يختلف عليك قرشىّ فولّ عثمان ، وقال عبد الرحمن : والله ما خلعت نفسي وأنا أرى فيه خيرا لاني علمت أنه لا يلي بعد أبي بكر وعمر أحد يرضى الناس أمره. فلما أحدث عثمان ما أحدث من تولية الأحداث من أهل بيته وتقديم قرابته قيل لعبد الرحمن : هذا كله فعلك؟ قال : لم ظن هذا به ولكن لله علي أن لا أكلمه أبدا؟ فمات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان. ودخل عليه عثمان عائدا فتحول عنه الى الحائط ولم يكلمه ».

وقال ابن عبد ربه « فلما أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلة من أصحاب محمد قيل لعبد الرحمن : هذا عملك! قال : ما ظننت هذا! ثم مضى ودخل عليه وعاتبه وقال : انما قدمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين! فقال : ان عمر كان يقطع قرابته في الله ، وأنا أصل قرابتي في الله! قال عبد الرحمن لله على أن لا أكلمك أبدا! فلم يكلمه أبدا حتى مات ودخل

٣٢٠