نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

وفي ( الكامل ) : « فقال لها عبد الله بن الزبير : انه كذب ، ولم يزل بها وهي تمتنع ، فقال لها : النجاء النجاء! قد أدرككم علي بن أبي طالب ، فارتحلوا نحو البصرة » (١).

ولم يسم ابن خلدون القائل ، فقال : « فقالت عائشة ردوني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ـ وعنده نساؤه ـ ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وأقامت بهم يوما وليلة الى ان قيل : النجا النجا قد أدرككم علي ، فارتحلوا نحو البصرة » (٢).

وفي ( مروج الذهب ) « فقال [ ابن ] الزبير : بالله ما هذا الحوأب ولقد غلط فيما أخبرك به ، وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها فأقسم ان ذلك ليس بالحوأب ، وشهد معهما خمسون رجلا ممن كان معهم ، فكان ذلك اول شهادة زور أقيمت في الإسلام » (٣).

وقال ابن قتيبة .. « وأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفتيه اول الليل ، وأتاها ببينة زور من الاعراب فشهدوا بذلك ، فزعموا انها اول شهادة زور شهد بها في الإسلام » (٤).

وفي ( شرح النهج ) « فقال لها الزبير : مهلا يرحمك الله ، فانا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة ، فقالت : أعندك من يشهد بأن هذه الكلاب النابحة ليست على ماء الحوأب؟ فلفق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابيا جعلا لهم جعلا فحلفوا لها وشهدوا ان هذا الماء ليس [ ب ] ماء الحوأب ، فكانت هذه اول شهادة زور في الإسلام ، فسارت عائشة لوجهها » (٥).

__________________

(١) الكامل ٣ / ١٠٧.

(٢) تاريخ ابن خلدون المجلد ٢ / ١٠٦٥.

(٣) مروج الذهب ٢ / ٣٥٨.

(٤) الامامة والسياسة ١ / ٦٣.

(٥) شرح النهج ٩ / ٣١١.

٢٦١

٢١ ـ زوجة رفاعة

لقد كذبت هذه الصحابية على زوجها الثاني بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيما أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب الثياب الخضر من [ صحيحه ] ورواه البغوي والرازي والخازن والسيوطي والشربيني والزمخشري كلهم بتفسير قوله عز وجل « فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ » (١).

قال الزمخشري : « روى عن عائشة رضي الله عنها : ان امرأة رفاعة جاءت الى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت : ان رفاعة طلقني فبت طلاقي وان عبد الرحمن ابن الزبير تزوجني ، وانما معه مثل هدبة الثوب ، وانه طلقني قبل ان يمسني ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أتريدين ان ترجعى الى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.

وروى انها لبثت ما شاء الله ثم رجعت فقالت : انه كان قد مسني ، فقال لها كذبت في قولك الاول فلن أصدقك في الآخر ، فلبثت حتى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فأتت ابا بكر رضي‌الله‌عنه فقالت : أأرجع الى زوجي الاول؟ فقال : قد عهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال لك ما قال ، فلا ترجعي اليه.

فلما بعض ابو بكر رضي‌الله‌عنه قالت مثله لعمر رضي‌الله‌عنه فقال : ان أتيتيني بعد مرتك هذه لأرجمنك ، فمنعها » (٢).

٢٢ ـ الغميصا ـ أو الرميصا

وقد كذبت هذه الصحابية على زوجها الثاني عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد اخرج النسائي ما نصه : « أخبرنا علي بن حجر قال أخبرنا

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٠.

(٢) الكشاف ١ / ٢٧٥.

٢٦٢

هشيم قال أخبرنا يحيى عن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس ان الغميصا ـ أو الرميصا ـ أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم تشتكي زوجها انه لا يصل إليها ، فلم تلبث ان جاء زوجها فقال : يا رسول الله هي كاذبة وهو يصل إليها ، ولكنها تريد أن ترجع الى زوجها الاول ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس ذلك لها حتى تذوق عسيلته » (١).

٢٣ ـ فاطمة بنت قيس

لقد كذّبها عمر بن الخطاب في حديثها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه لم يجعل للمطلقة ثلاثا سكنى ولا نفقة ، وقد روى ذلك من الفقهاء الطحاوي في ( معاني الآثار ) والسرخسي في ( المبسوط ) والكاساني في ( بدائع الصنائع ) والمرغيناني في ( الهداية ) في « كتاب الطلاق » ومن الأصوليين الآمدي في ( الاحكام ) والغزالي في ( المستصفى ) والبخاري في ( كشف الأسرار ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت ) وغيرهم.

بل لقد كذبها جماعة من الاصحاب فيما ذكروا. قال العيني : « وحديث فاطمة لا يجوز الاحتجاج به من وجوه ، الاول : ان كبار الصحابة رضي الله عنهم أنكروا عليها كعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وعائشة رضي الله عنهم ، حتى قالت لفاطمة فيما رواه البخاري الا تتقي الله. وروى انها قالت لها : لا خير لك فيه. ومثل هذا الكلام لا يقال الاّ لمن ارتكب بدعة محرمة » (٢).

٢٤ ـ بسرة بنت صفوان

ولقد كذّب جماعة من الصحابة والصحابيات هذه الصحابية المهاجرة

__________________

(١) السنن للنسائى ٢ / ٩٧.

(٢) شرح كنز الدقائق للعينى ١ / ٢٣٣.

٢٦٣

في حديثها ، فيما رواه الطحاوي في ( معاني الآثار ) والعيني في ( شرح الهداية ) في كتاب الطهارة ، وعبد العزيز البخاري في ( كشف الأسرار ) في « تقسيم الراوي ».

قال عبد العزيز البخاري : « وكذلك حديث بسرة أي وكحديث فاطمة في المبتوتة حديث بسرة بنت صفوان الذي تمسك به الشافعي في ان مس الفرج نفسه او غيره بباطن الكف بلا حائل حدث ، من هذا القسم وهو المستنكر ، فان عمر وعليا وابن مسعود وابن عباس وعمارا وابا الدرداء وسعد بن أبي وقاص وعمران بن الحصين رضي الله عنهم لم يعملوا به ، حتى قال علي رضي‌الله‌عنه لا أبالي أمسسته ام ارنبة أنفي ، وكذا نقل عن جماعة من الصحابة ، وقال بعضهم : ان كان نجسا فاقطعه.

وتذاكر عروة ومروان الوضوء من مس الفرج ، فقال مروان : حدثتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر بالوضوء من مس الفرج ، فلم يرفع عروة بحديثها رأسا ، وروى ابن زيد عن ربيعة انه كان يقول : هل يأخذ بحديث بسرة أحد ، والله لو أن بسرة شهدت على هذه النعل لما أجزت شهادتها ، انما قوام الدين الصلاة ، وانما قوام الصلاة الطهور ، فلم يكن في صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يقيم هذا الدين الا بسرة!! قال ابن زيد : على هذا أدركنا مشايخنا ، ما منهم أحد يرى في مس الذكر وضوءا.

وعن يحيى بن معين انه قال : ثلاثة من الاخبار لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها : خبر مس الذكر.

ووقعت هذه المسألة في زمن عبد الملك بن مروان ، فشاور الصحابة ، فأجمع من بقي منهم على انه لا وضوء فيه وقالوا : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت. يعنون بسرة بنت صفوان » (١).

__________________

(١) كشف الأسرار ٢ / ٧١١.

٢٦٤

٢٥ ـ عائشة وحفصة

لقد ادعتا باطلا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فردهما النبي فيما أخرجه الحاكم وابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر العسقلاني ، وهذا نص ما جاء في ( المستدرك ) قال : « أخبرنا دعلج بن أحمد السجزي ثنا عبد العزيز ابن معاوية البصري ثنا شاذ بن فياض أبو عبيدة ثنا هاشم بن سعيد عن كنانة عن صفية رضي الله عنها قالت : دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي ، فقال : يا بنت حي ما يبكيك؟ قلت : بلغت [ بلغني ] ان حفصة وعائشة ينالان مني ويقولان نحن خير منها ، نحن بنات عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه.

قال : ألا قلت : كيف تكونون [ تكونان ] خيرا مني وأبي هارون وعمي موسوى زوجي محمد » (١).

* وقصة تواطئهما في أمر العسل مشهورة ، وقد نزل بها القرآن ورويت في الصحاح والمسانيد ، فأخرجها البخاري في كتاب التفسير ، وكتاب الايمان والنذور ، ومسلم في كتاب الطلاق. ورواه جلال الدين السيوطي في ( الدر المنثور ) بتفسير سورة التحريم عن ابن سعد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه ....

قال البخاري في كتاب الطلاق : « حدثني الحسن بن محمد بن [ ال ] صباح حدثنا حجاج عن ابن جريح قال : زعم عطاء انه سمع عبيد بن عمير يقول : سمعت عائشة رضي الله عنها ان النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا ، فتواصيت أنا وحفصة ان أيتنا دخل عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم فلتقل : اني [ ل ] أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له ، فنزلت ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما

__________________

(١) المستدرك ٤ / ٢٩.

٢٦٥

أَحَلَّ اللهُ لَكَ ) الى : « إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ » لعائشة وحفصة « وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً » لقوله : بل شربت عسلا » (١).

* وكذبت عائشة عند ما أرسلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتطلع على امرأة من كلب خطبها ... روى ذلك جماعة منهم ابن قتيبة والخطيب بترجمة ( محمد بن أحمد أبي بكر المؤدب ) من [ تاريخه ] وابن القيم في ( أخبار النساء ص ٩ ) ، وهذه رواية ابن قتيبة : « عن عائشة رضي الله عنها قالت خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها ، فقال لي : كيف رأيت؟ فقلت : ما رأيت طائلا ، فقال : لقد رأيت خالا بخدها اقشعر كل شعرة منك على حدة ، فقالت : ما دونك سر » (٢).

* وكذبت عائشة في كلام لها رواه أحمد حيث قال : « ثنا محمد بن عبيد ثنا وائل [ حدثني وائل بن داود ] قال : سمعت البهي يحدث ان [ عن ] عائشة قال : ما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيد بن حارثة في جيش قط الا أمره عليهم ، وان [ لو ] بقي بعده استخلفه » (٣).

فقولها « وان بقي بعده استخلفه » كذب صريح لدى عامة المسلمين ، لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن ليستخلف زيدا أبدا ، لأنه ليس من قريش ، ولأنه مفضول اجماعا ....

* وكذبت عائشة حيث أنكرت « ان عليا كان وصيا » فيما رواه أحمد في [ المسند ] قائلا : « ثنا اسماعيل عن ابن عون عن ابراهيم عن الأسود قال : ذكروا عند عائشة ان عليا كان وصيا ، فقالت : متى أوصى اليه؟ فقد كنت مسندته الى صدري ، أو قالت في حجري ، فدعا بالطست ، فلقد انخنث في حجري وما شعرت انه مات ، فمتى أوصى اليه؟ ».

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ / ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) عيون الاخبار لابن قتيبة. كتاب النساء : ١٩.

(٣) المسند ٦ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

٢٦٦

ولو أردنا ذكر وجوه فساد إنكارها وصاية أمير المؤمنين عليه‌السلام لطال بنا المقام ، فلنكتف بكلمة موجزة لابن روزبهان اعترف فيها هذا المكابر العنيد بوصاية علي عليه‌السلام ، فانه قال في [ إبطال الباطل ] في الرد على العلامة الحلي رحمه‌الله « أقول : ما ذكره المصنف من علم أمير المؤمنين فلا شك في أنه من علماء الامة والناس محتاجون اليه فيه ، كيف لا وهو وصي النبي صلّى الله عليه وسلّم في إبلاغ العلم وبدائع حقائق المعارف ، فلا نزاع فيه لاحد ».

وقولها : « فقد كنت مسندته الى صدري ... » كذب آخر ، ومن العجيب اعترافها هي بذلك كما في بعض الأحاديث ، فقد قال الحافظ الكنجي : « أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن الحسن الصالحي ، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي ، أخبرنا أبو غالب بن البنا ، أخبرنا أبو الغنائم بن المأمون ، أخبرنا امام أهل الحديث أبو الحسن الدارقطني ، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد ابن بشر الجبلي ، حدثنا علي بن الحسين بن عبيد بن كعب حدثنا اسماعيل بن ريان ، حدثنا عبد الله بن مسلم الملائي ، عن أبيه عن ابراهيم عن علقمة والأسود عن عائشة قالت :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو في بيتها لما حضره الموت ـ ادعوا لي حبيبي ، فدعوت له أبا بكر ، فنظر اليه ثم وضع رأسه ، ثم قال : ادعوا لي حبيبي ، فدعوت له عمر ، فلما نظر اليه وضع رأسه ، ثم قال : ادعوا لي حبيبي فقلت : ويلكم! ادعوا له عليا ، فو الله ما يريد غيره ، فلما رآه فرج [ أفرج ] الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه [ منه ] ، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه » (١).

* ولقد خانت عائشة حين كتمت اسم علي عليه‌السلام في حديثها عن خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه متوكأ على رجلين ، وذلك لأنها ـ كما قال ابن عباس ـ « لا تطيب له نفسا ».

__________________

(١) كفاية الطالب ٢٦٢.

٢٦٧

وقد أخرج ذلك الشيخان وأحمد وهذا لفظه : « ثنا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت : لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت ميمونة ، فاستأذن نسائه أن يمرض في بيتي فأذن له ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتمدا على العباس وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطان في الأرض ، وقال عبيد الله [ ف ] قال ابن عباس : أتدري من ذلك رجل؟ هو علي بن أبي طالب ولكن عائشة لا تطيب له [ لها ] نفسا » (١).

وأضاف شراح البخاري : العيني وابن حجر والقسطلاني في شرحه ما يلي بلفظ الاول : « قلت : وفي رواية الاسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر : ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير. وفي رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري : ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ، وقال بعضهم : وفي هذا رد على من زعم انها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة ولا معظمها قلت : أشار بهذا الى الرد على النووي ولكنه ما صرح باسمه لاعتنائه به ومحاماته له » (٢).

ثم قال ابن حجر : « ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة ، وفي هذا رد على من تنطع فقال : لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة ، ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة ، إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على علي ، وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس ، واختص بذلك إكراما له.

وهذا توهم ممن قاله ، والواقع خلافه ، لان ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي فهو المعتمد والله أعلم » (٣).

* ولقد اتهم الزهري ـ وهو من مشاهير التابعين والمنحرفين عن

__________________

(١) المسند ٦ / ٣٤.

(٢) عمدة القاري في شرح البخاري ٥ / ١٩٢.

(٣) فتح الباري في شرح البخاري ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤.

٢٦٨

أهل البيت عليهم‌السلام ـ عائشة في حديثين ، فقد قال أبو جعفر الإسكافي في ( التفضيل ) على ما نقل عنه ابن أبي الحديد المعتزلي : « روى الزهري عن [ أن ] عروة بن الزبير حدثه قال : حدثتني عائشة ، قالت : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي ، أو قال : ديني.

وروى عبد الرزاق عن معمر قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليه‌السلام ، فسألته عنهما يوما فقال : ما نصنع بهما وبحديثهما؟ [ و ] الله أعلم بهما ، انى لاتهمهما في بنى هاشم.

قال : فأما الحديث الاول فقد ذكرناه.

وأما الحديث الثاني فهو : ان عروة زعم ان عائشة حدثته قالت : كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل العباس وعلي فقال : يا عائشة ان سرك ان تنظري الى رجلين من أهل النار فانظري الى هذين قد طلعا ، فنظرت فإذا العباس وعلى بن أبي طالب » (١).

أقول : ولما كانت وجوه اثبات كذب وفسق كثير من الصحابة والصحابيات كثيرة لا تحصى ، فاننا نقف هنا ونمسك عن ذكر البقية ونختم البحث بما ذكره أبو الفداء الايوبى عن الحسن البصري والشافعي وهذا نصه :

« قال القاضي جمال الدين ابن واصل : وروى ابن الجوزي بإسناده عن الحسن البصري انه قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه الا واحدة لكانت موبقة وهي : اخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه ابنه يزيد وكان سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، فيا ويلا له من حجر واصحاب حجر.

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ٦٣.

٢٦٩

وروى عن الشافعي رحمة الله عليه أنه أسر الى الربيع : [ انه ] لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد » (١).

والشافعي شيخ المزني ...

فثبت بطلان قول المزني « كلهم ثقة مؤتمن » والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) المختصر في اخبار البشر ١ / ١٨٦.

٢٧٠

تفنيد كلام ابن عبد البر

حول حديث النجوم

في توجيه معناه

٢٧١
٢٧٢

وأورد ابن عبد البر عن البزار قوله : « والكلام أيضا منكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بإسناد صحيح : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين [ المهديين ] بعدي ، فعضوا عليها بالنواجذ وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت؟

والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه.

ثم اعترض عليه بقوله :

« وليس كلام البزار بصحيح على كل حال ، لان الاقتداء بأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم منفردين ، انما هو لمن جهل ما يسأل عنه ، ومن كانت هذه حاله فالتقليد لازم له ، ولم يأمر أصحابه أن يقتدي بعضهم ببعض إذا تأولوا تأويلا سائغا جائزا ممكنا في الأصول ، وانما كل واحد منهم نجم جائز ان يقتدي به العامي الجاهل ، بمعنى ما يحتاج اليه من دينه ، وكذلك سائر العلماء من [ مع ] العامة. والله أعلم » (١).

__________________

(١) جامع بيان العلم ٣٥٨.

٢٧٣

أقول : واعتراضه على كلام البزار غير وارد ، وقد نشأ من عدم فهمه مرامه ، فان معنى كلامه هو : ان حديث النجوم يقتضي جواز اختلاف الصحابة في الاحكام الشرعية ، وان الناس من أيهم أخذوا كانوا على الهدى ، لكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبيح الاختلاف من بعده منهم ، فالحديث منكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

هذا اصل استدلال البزار على نكارة هذا الحديث من جهة معناه بعد ان أبطله من جهة سنده ، واما كلام ابن عبد البر فغير متوجه عليه ، إذ لو سلمنا قوله بأن الأمر بالاقتداء في الحديث متوجه الى جهال الامة ، وان النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر باقتداء بعض الاصحاب ببعض فان الاشكال ـ وهو لزوم إباحة الاختلاف ـ باق على حاله.

وذلك : لان حديث النجوم يدل بوضوح على ان كل واحد من الصحابة اهل للاقتداء به ، وان اختلافهم غير مانع عن ذلك ، فيجوز الاقتداء بكل واحد من المختلفين ، وهذا الأمر يجوّز الاختلاف والتفرق في الدين ويؤدي الى اختلاف الامة لا محالة.

وباختصار : أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامة بالاقتداء بالاصحاب ـ وهم مختلفون فيما بينهم أشد الاختلاف ـ يستلزم :

١ ـ جواز اختلاف الاصحاب في المسائل الشرعية والاحكام الدينية.

٢ ـ إباحة وقوع الاختلاف في الامة.

ولكن الاختلاف منهي عنه كتابا وسنة « فالحديث منكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وإليك بعض كلمات ابن عبد البر نفسه في هذا الشأن فانه قال ما نصه : « وقد ذكر المزني رحمه‌الله في هذا حججا أنا أذكرها هنا ان شاء الله. قال المزني : قال الله تبارك وتعالى : ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) فذم الاختلاف ، وقال ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ... )

٢٧٤

الآية. وقال : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) وعن مجاهد وعطاء وغيرهما في تأويل ذلك قال : الى الكتاب والسنة.

قال المزني : فذم الله الاختلاف وامر [ عنده ] بالرجوع الى الكتاب والسنة فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه ، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده الى الكتاب والسنة.

قال : وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه قال : احذروا زلة العالم. وعن عمر ومعاذ وسلمان مثل ذلك في التخويف من زلة العالم.

قال : وقد اختلف اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطأ بعضهم بعضا ، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقبها ، ولو كان قولهم كله صوابا عندهم لما فعلوا ذلك ، وقد جاء عن ابن مسعود في غير مسألة انه قال : أقول فيها برأيي فان يك صوابا فمن الله وان يك خطأ فمني [ و ] استغفر الله ....

وقال ابن عبد البر ايضا : أخبرني قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا محمد بن وطيس قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت اشهب يقول : سئل مالك عن اختلاف اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : خطأ وصواب ، فانظر في ذلك.

وذكر يحيى بن ابراهيم بن حزين قال حدثني اصبغ قال قال ابو القاسم : سمعت مالكا والليث يقولان في اختلاف اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ليس كما قال ناس فيه توسعة ، ليس كذلك ، انما هو خطأ وصواب.

قال يحيى : وبلغني ان الليث بن سعد قال : إذا جاء الاختلاف أخذنا فيه بالأحوط ...

قال اسماعيل القاضي : انما التوسعة في اختلاف اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توسعة في اجتهاد الرأي ، فأما ان تكون توسعة لان يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير ان يكون الحق عنده فيه فلا ، ولكن

٢٧٥

اختلافهم يدل على انهم اجتهدوا فاختلفوا.

قال ابو عمرو : كلام اسماعيل هذا حسن جدا.

وفي سماع اشهب : سئل مالك عمن أخذ بحديث حدثه ثقة عن اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتراه من ذلك في سعة؟ فقال : لا والله حتى يصيب الحق ، ما الحق الا واحد ، قولان يكونان صوابين جميعا؟ ما الحق والصواب الا واحد.

وقال : وكذلك اختلاف اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتابعين ومن بعدهم من المتخالفين ، وما رد فيه بعضهم على بعض لا يكاد يحيط به كتاب فضلا عن ان يجمع في باب ، وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتنا.

وفي رجوع اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعضهم الى بعض دليل واضح على ان اختلافهم عندهم خطأ وصواب ، ولولا ذلك كان يقول كل واحد منهم : جائز ما قلت أنت وجائز ما قلت أنا ، وكلانا نجم يهتدى به ، فلا علينا شيء من اختلافنا.

قال ابو عمرو : والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد ، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضا في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم ، والنظر يأبى ان يكون الشيء وضده صوابا ، ولقد أحسن القائل : اثبات ضدين معا في حال أقبح ما يأتي من المحال » (١).

قلت : أليس هذا تصريحا بنكارة حديث النجوم وهو ما ذكره الحفاظ البزار؟

ثم ذكر موارد من رجوع بعض الصحابة الى قول بعض ... ومع هذا كيف يكون كل واحد منهم نجما؟!

__________________

(١) جامع بيان العلم ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

٢٧٦

دحض المعارضة بقول الأمير عليه السلام

انّما الشورى للمهاجرين والأنصار

٢٧٧
٢٧٨

قوله : وإذا دلّ هذا الحديث على امامة العترة ، فكيف يصح الحديث الصحيح المروي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام بصورة متواترة عند الشيعة يقول فيه : انما الشورى للمهاجرين والأنصار.؟

أقول : هذا مردود بوجوه.

الاول :

لقد أثبتنا دلالة حديث الثقلين على امامة الأئمة الاثني عشر من العترة الطاهرة ، بالدلائل القاهرة والبراهين الساطعة التي لا تبقى ريبا ولا تذر شكا في ذلك ، فتشكيك ( الدهلوي ) فيه واه.

الثاني : تعبيره عن « انما الشورى للمهاجرين والأنصار » بـ « الحديث المروي » تخديع وتضليل ، لأنه انما ورد عنه ذلك في بعض كتب السير والتواريخ وفي ضمن كتاب له الى معاوية بن أبي سفيان ، على سبيل الإلزام له به.

الثالث : دعوى تواتره عند الشيعة باطلة.

الرابع : ان هذا الكلام لا ينافي دلالة حديث الثقلين على امامة الأئمة عليهم‌السلام ، لان المهاجرين والأنصار مأمورون بأجمعهم باتباع الثقلين ، فلو

٢٧٩

أجمعوا على رجل مع الاهتداء بهدى الكتاب والعترة صحت إمامته ، ومن الواضح ان ذلك لن يتحقق الا بالنسبة الى رجل من أهل بيت العصمة ، ومنه يظهر بطلان خلافة غيره.

الخامس : ان ما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار كلهم حق ، لان أهل البيت عليهم‌السلام من « المهاجرين » بل هم سادتهم بلا نزاع.

وعلى هذا يكون التمسك بهكذا اجماع عين التمسك بالعترة المأمور به في حديث الثقلين ، وعين التمسك بالكتاب بمقتضى الحديث المذكور ، فلا تنافى.

السادس : ان هذا الكلام يدل على لزوم المشورة من جميع المهاجرين والأنصار ، ولا ريب في ان بيعة أبي بكر لم تكن عن مشورة ، بل كانت ـ على حد تعبير عمر ـ « فلتة وقى الله شرها ، فمن دعا الى مثلها فاقتلوه » ثم قال : « من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا ».

قال البخاري : « حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني ابراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس ، قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع الى عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لي قد مات عمر لقد بايعت فلانا فو الله ما كانت بيعة أبي بكر الا فلتة فتمت.

فغضب عمر ثم قال اني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغضبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن : فقلت يا أمير المؤمنين! لا تفعل فان الموسم يجمع رعاء الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها ،

٢٨٠