نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

رضي‌الله‌عنه الى الكوفة ـ واللفظ للأول : « فأقبلا حتى دخلا المسجد ، فكان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع ، فسلم عليهما وأقبل على عمار فقال : يا أبا اليقظان على ما قتلتم عثمان رضي‌الله‌عنه؟ قال : على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا ، فقال : والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لكان خيرا للصابرين » (١).

وفي ( النهاية ) و ( تاج العروس ) و ( لسان العرب ) في مادة « صبر » : « وفي حديث عمار حين ضربه عثمان ، فلما عوتب في ضربه إياه قال : هذي يدي لعمار فليصطبر. معناه : فليقتص ».

رسول الله : من عادى عمارا عاداه الله

إذا عرفت ذلك وأحطت خبرا بصنيع عثمان فلنورد طرفا من الأحاديث الواردة في ذم بغض عمار رضي‌الله‌عنه :

قال ابن عبد البر « ومن حديث خالد بن الوليد ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : من أبغض عمارا أبغضه الله تعالى. قال خالد : فما زلت أحبه من يومئذ » (٢).

وقال الحافظ ابن حجر : « عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له ، فشكاني الى النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فجاء خالد فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه فقال : من عادى عمارا عاداه الله ومن ابغض عمارا أبغضه الله » (٣).

وفي ( اسد الغابة ٤ / ٤٥ ) عن أحمد بن حنبل و ( المشكاة ٥ / ٦٤١ هامش المرقاة ) واللفظ للأول : « عن علقمة عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له في القول ، فانطلق عمار يشكوني الى النبي

__________________

(١) الطبري ٣ / ٤٩٧ ، الكامل ٣ / ١١٦.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٣٨.

(٣) الاصابة ٢ / ٥٠٦.

٢١

صلّى الله عليه وسلّم ، فجاء خالد وهو يشكوه الى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال فجعل يغلظ له ولا يزيده الا غلظة والنبي ساكت لا يتكلم فبكى عمار فقال : يا رسول الله ألا تراه؟ فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه وقال : من عادى عمارا عاداه الله ومن ابغض عمارا أبغضه الله.

قال خالد : فخرجت فما كان شيء أحب الي من رضى عمار فلقيته فرضي ».

وروى المتقي الهندي : « كف يا خالد عن عمار ، فانه من يبغض عمارا يبغضه الله ومن يلعن عمارا يلعنه الله. ابن عساكر عن ابن عباس.

من يحقر عمارا يحقره الله ، ومن يسب عمارا يسبه الله ، ومن يبغض عمارا يبغضه الله. ع. وابن قانع. طب ض عن خالد بن الوليد.

يا خالد : لا تسب عمارا ، انه من يعادي عمارا يعاديه الله ، ومن يبغض عمارا يبغضه الله ، ومن يسب عمارا يسبه الله ومن يسفه عمارا يسفهه الله ، ومن يحقر عمارا يحقره الله. ظ وسمويه ، طب. ك. عن خالد بن الوليد » (١).

وانظر ايضا ( كنز العمال ١٦ / ١٤٢ ).

وقال نور الدين الحلبي : « وفي الحديث : من عادى عمارا عاداه الله ومن ابغض عمارا أبغضه الله ، عمار يزول مع الحق حيث يزول ، [ عمار ] خلط الايمان بلحمه ودمه ، عمار ما عرض عليه أمران الا اختار الأرشد منهما. وجاء : ان عمارا دخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : مرحبا بالطيب المطيب ، ان عمار بن ياسر حشي ما بين اخمص قدميه الى شحمة اذنه ايمانا ، وفي رواية : ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه. وتخاصم عمار مع خالد بن الوليد في سرية كان فيها خالد أميرا ، فلما جاء اليه صلّى الله عليه وسلّم استبا عنده ، فقال خالد : يا رسول الله أيسرك ان

__________________

(١) كنز العمال ١٣ / ٢٩٨ ، ١٦ / ١٤٢.

٢٢

هذا العبد الأجدع يشتمني؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا خالد لا تسب عمارا فان من سب عمارا فقد سب الله ومن ابغض عمارا أبغضه الله ومن لعن عمارا لعنه الله ، ثم ان عمارا قام مغضبا ، فقام خالد فتبعه حتى أخذ بثوبه واعتذر اليه فرضي عنه » (١).

٦ ـ مخالفة عبد الرحمن بن عوف لعمار

لقد خالف عبد الرحمن بن عوف عمارا ، ولم يهتد بهداه فضل وأضل ...

فقد روى الطبري ( التاريخ ٣ / ٢٩٧ ) وابن الأثير ( ٣ / ٣٧ ) وابن عبد ربه ( العقد الفريد ٢ / ١٨٢ ) في قصة الشورى واللفظ للأول ما نصه : « فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث الى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار والى أمراء الأجناد ، فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله فقال : ايها الناس ، ان الناس قد أحبوا ان يلحق أهل الأمصار بأمصارهم ، وقد علموا من أميرهم ، فقال سعيد بن زيد : انا نراك لها أهلا فقال : أشيروا عليّ بغير هذا ، فقال عمار : ان أردت ان لا يختلف المسلمون فبايع عليا ، فقال المقداد بن الأسود : صدق عمار ، ان بايعت عليا قلنا سمعنا واطعنا. قال ابن أبي سرح : ان أردت ان لا تختلف قريش فبايع عثمان ، فقال عبد الله ابن أبي ربيعة : صدقت ان بايعت عثمان قلنا سمعنا واطعنا ، فشتم عمار ابن أبي سرح وقال : متى كنت تنصح المسلمين ، فتكلم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار : أيها الناس ان الله عز وجل أكرمنا بنبيّه واعزّنا بدينه ، فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟! ».

٧ ـ بغض سعد بن ابى وقاص لعمار

ان هذا الحديث دليل على ضلال سعد بن أبي وقاص ، لما ذكروا من

__________________

(١) السيرة الحلبية ٢ / ٢٦٥.

٢٣

أنه كان مهاجرا لعمار بن ياسر ، وقد روى ابن قتيبة وابن عبد ربه انه : « قال له سعد : ان كنا لنعدك من أفاضل أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا لم يبق من عمرك الا ـ ظأم الحمار أخرجت ربقة الإسلام من عنقك ، ثم قال له : أيما أحب إليك مودة على دخل أو مصارمة جميلة؟ بل مصارمة جميلة ، فقال : عليّ ان لا أكلمك أبدا » (١).

٨ ـ ترك المغيرة نصيحة عمار

ان هذا الحديث دليل ساطع على ضلال المغيرة بن شعبة ، فقد روى ابن قتيبة ما هذا نصه : « ثم دخل المغيرة بن شعبة ، فقال له علي : هل لك يا مغيرة في الله؟ قال : فأين هو يا أمير المؤمنين؟ قال : تأخذ سيفك فتدخل معنا في هذا الأمر فتدرك من سبقك وتسبق من معك ، فاني أرى أمورا لا بد للسيوف ان تشحذ لها وتقطف الرءوس بها.

فقال المغيرة : فاني والله يا أمير المؤمنين ما رأيت قاتل عثمان مصيبا ولا قتله صوابا ، وانها لمظلمة تتلوها ظلمات فأربد يا أمير المؤمنين ان أذنت لي ان أضع سيفي وأنا في بيتي حتى تنجلي الظلمة ويطلع قمرها فنسري مبصرين نقفوا آثار المهتدين ونتقي سبيل الجائرين ، قال علي : قد أذنت لك فكن من أمرك على ما بدا لك.

فقام عمار فقال : معاذ الله يا مغيرة تقعد أعمى بعد ان كنت بصيرا يغلبك من غلبته ويسبقك من سبقته ، انظر ما ترى وتفعل ، وأما أنا فلا أكون الا في الرعيل الاول.

فقال له المغيرة : يا ابا اليقظان إياك أن تكون كقاطع السلسلة فر من الضحل فوقع في الرمضاء.

فقال علي لعمار : دعه فانه لن يأخذ من الآخرة الا ما خالطته الدنيا ،

__________________

(١) المعارف ٥٥٠ ، العقد الفريد ٢ / ١٨٨.

٢٤

وأما والله يا مغيرة انها للوثبة المودية تؤدي من قام فيها الى الجنة ولها اختان بعدها فإذا غشيتاك فنم في بيتك.

فقال المغيرة : أنت والله يا أمير المؤمنين اعلم مني ولئن لم أقاتل معك لا أعين عليك ، فان يكن ما فعلت صوابا فإياه أردت ، وان خطأ فمنه نجوت ، ولي ذنوب كثيرة لا قبل لي بها الا الاستغفار منها » (١).

٩ ـ تخلف كبار الاصحاب عما دعاهم عمار اليه

ان هذا الحديث دليل واضح على ضلالة عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة ، فإنهم لم يتبعوا عمارا ولم يهتدوا بهداه ، فقد ذكر ابن قتيبة : « اعتزل عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة عن مشاهد علي وحروبه ، قال : وذكروا ان عمار بن ياسر قام الى علي فقال يا أمير المؤمنين ائذن لي آتي عبد الله بن عمر فأكلمه لعله يخف معنا في هذا الأمر ، فقال علي : نعم ، فأتاه فقال له : يا ابا عبد الرحمن انه قد بايع عليا المهاجرون والأنصار ومن ان فضلناه عليك لم يسخطك وان فضلناك عليه لم يرضك ، وقد أنكرت السيف في أهل الصلاة ، وقد علمت ان على القاتل القتل وعلى المحصن الرجم ، وهذا يقتل بالسيف وهذا يقتل بالحجارة ، وان عليا لم يقتل أحدا من اهل الصلاة فيلزم حكم القاتل.

فقال ابن عمر : يا ابا اليقظان ان أبي جمع اهل الشورى الذين قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض ، فكان أحقهم بها علي ، غير انه جاء معه امر فيه السيف ولا أعرفه ، ولكن الله ما أحب ان لي الدنيا وما عليها واني أظهرت أو أضمرت عداوة علي.

قال : فانصرف عنه ، فأخبر عليا بقوله ، فقال لو أتيت محمد بن مسلمة الانصاري ، فأتاه عمار فقال له محمد : مرحبا بك يا أبا اليقظان على فرقة ما

__________________

(١). الامامة والسياسة ١ / ٥٠.

٢٥

بيني وبينك ، والله لولا ما في يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبايعت عليا ولو ان الناس كلهم عليه لكنت معه ، ولكنه يا عمار كان من النبي أمر ذهب فيه الرأي.

فقال عمار : كيف؟ قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيت المسلمين يقتتلون أو إذا رأيت أهل الصلاة ، فقال عمار : فان كان قال لك : إذا رأيت المسلمين فو الله لا ترى مسلمين يقتتلان بسيفهما ابدا ، وان كان قال لك أهل الصلاة فمن سمع هذا معك؟ انما أنت أحد الشاهدين ، فتريد من رسول الله قولا بعد قوله يوم حجة الوداع : دماؤكم وأموالكم عليكم حرام الا بحدث فتقول يا محمد لا تقاتل المحدثين ، قال : حسبك يا أبا اليقظان.

قال : ثم أتى سعد بن أبي وقاص فكلمه فأظهر سعد الكلام القبيح ، فانصرف عمار الى علي.

فقال له علي : دع هؤلاء الرهط ، أما ابن عمر فضعيف ، وأما سعد فحسود وذنبي الى محمد بن مسلمة اني قتلت قاتل أخيه يوم خيبر مرحب اليهودي » (١).

١٠ ـ مخالفة ابى موسى الأشعري لعمار

ويقتضى هذا الحديث ان يعتقد أهل السنة بضلالة أبي موسى الاشعري ، فانه عوضا عن الاهتداء بهدى عمار خالفه وعانده ، فقد روى الطبري في ( التاريخ ٣ / ٤٩٧ ) وابن الأثير في ( الكامل ٣ / ١١٦ ) وابن خلدون في ( التاريخ ٢ / ١٥٩ ) في قصة مجيء الحسن وعمار سلام الله عليهما الى الكوفة وقد كان أبو موسى الوالي عليها ( واللفظ للأول ) :

« فخرج أبو موسى فلقى الحسن فضمه اليه ، وأقبل على عمار فقال : يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار؟

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ٥٣.

٢٦

فقال لم افعل ولم يسؤني ».

وروى البخاري في ( الصحيح ٩ / ٧٠ ) والحاكم في ( المستدرك ٣ / ١١٧ ) وابن الأثير في ( جامع الأصول ١٠ / ٤٣١ ) وسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ٦٩ ) وجماعة عن أبي وائل انه قال ـ واللفظ للبخاري ـ. « دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث بعثه علي الى أهل الكوفة يستنفرهم فقالا : ما رأيناك أتيت أمرا اكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت ، فقال عمار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا اكره عندي من ابطائكما عن هذا الأمر ، وكساهما حلة حلة ، ثم راحوا الى المسجد ».

١١ ـ مخالفة ابى مسعود الأنصاري لعمار

ان هذا الحديث يبين ضلالة أبي مسعود الانصاري ، فانه اقتفى اثر أبي موسى في التخلف عن هدى عمار وإنكاره الاستنفار لنصرة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما علم مما تقدم في الوجه السابق.

وأخرج البخاري بعد الحديث المتقدم : « حدثنا عيدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق بن سلمة ، قال : كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار ، فقال ابو مسعود : ما من أصحابك أحد الا لو شئت لقلت فيه غيرك وما رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي صلّى الله عليه وسلّم اعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر.

قال عمار : يا أبا مسعود وما رأيت منك ومن صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما النبي صلّى الله عليه وسلّم أعيب عندي من ابطائكما في هذا الأمر.

فقال أبو مسعود ـ كان موسرا ـ يا غلام هات حلتين ، فاعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارا ، وقال : روحا فيهما الى الجمعة » (١).

والجدير بالذكر تستر اليافعي على الرجلين لفرط فظاعة معاملتهما مع

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ / ٧٠.

٢٧

عمار رضي‌الله‌عنه في تاريخه وقوله : « وعاتبه رجلان جليلان ممن توقف عن القتال لما التقى الفريقان في كلام معناه : ما رأينا منك قط شيئا نكرهه سوى إسراعك في هذا الأمر ، يعني في القتال مع علي ، أو نحو ذلك من المقال » (١).

ومثل هذا عندهم كثير ، ولكن « لن يصلح العطار ما أفسده الدهر ».

١٢ ـ خروج طلحة والزبير على على وعمار معه

ويتضح من هذا الحديث ضلالة طلحة والزبير ، إذ لم يهتديا بهدى عمار يوم الجمل ، على ان الزبير كان يعلم وجوده في جيش امير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الطبري : « قال قرة بن الحارث : كنت مع الأحنف بن قيس وكان جون بن قتادة ابن عمي مع الزبير بن العوام ، فحدثني جون بن قتادة قال : كنت مع الزبير فجاء فارس يسير ـ وكانوا يسلمون على الزبير بالامرة ـ فقال : السلام عليك أيها الأمير. قال : وعليك السلام ، قال : هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا ولم أر قوما أرث سلاحا ولا أقل عددا ولا أرعب قلوبا من قوم أتوك ، ثم انصرف عنه. قال ثم جاء فارس فقال : السلام عليك أيها الأمير ، فقال : وعليك السلام ، قال : جاء القوم حتى أتوا مكان كذا وكذا فسمعوا بما جمع الله عز وجل من العدد والعقدة والحد ، فقذف في قلوبهم الرعب فولوا مدبرين. قال الزبير : أيها عنك الآن ، فو الله لو لم يجد ابن أبي طالب الا العرفج لدب إلينا فيه ، ثم انصرف.

ثم جاء فارس وقد كادت الخيول أن تخرج من الرهج فقال : السلام عليك أيها الأمير. قال : وعليك السلام ، قال : القوم قد أتوك ، فلقيت عمارا فقلت له فقال لي : فقال الزبير : انه ليس فيهم ، فقال : بلي والله انه لفيهم ، قال : والله ما جعله الله فيهم ، فقال : والله لقد جعله الله فيهم ، قال : والله ما

__________________

(١) مرآة الجنان ـ حوادث ٨٧.

٢٨

جعله الله فيهم ، فلما رأى الرجل يحالفه قال لبعض أهله : اركب فانظر أحق ما يقول؟ فركب معه فانطلقا وأنا انظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلا ثم رجعا إلينا ، فقال الزبير لصاحبه ما عندك؟ قال : صدق الرجل. قال الزبير : يا جدع أنفاه ، أو يا قطع ظهراه. قال محمد بن عمارة قال عبيد الله قال فضيل : لا ادري أيهما قال. قال : ثم أخذه أفكل فجعل السلاح ينتقض.

قال : فقال جون : ثكلتني أمي ، هذا الذي كنت أريد ان أموت معه أو اعيش معه ، والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما ارى الا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته ، ثم ذهب ، فانصرف جون فجلس على دابته فلحق بالأحنف ، ثم جاء فارسان حتى أتيا الأحنف وأصحابه فنزلا فأتيا فأكبا عليه فناجياه ساعة ثم انصرفا ، ثم جاء عمرو بن جرموز الى الأحنف فقال : أدركته في وادي السباع فقتلته ، فكان يقول : والذي نفسي بيده ان صاحب الزبير الأحنف » (١).

١٣ ـ كلمات عائشة القارصة

ويدل الحديث على ضلال عائشة بنت أبي بكر ، قال الطبري : « كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا : أمر علي نفرا بحمل الهودج من بين القتلى ، وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث انزلاه عن ظهر البعير ، فوضعناه الى جنب البعير فأقبل محمد بن أبي بكر اليه ومعه نفر فادخل يده فيه ، فقالت : من هذا؟ قال : أخوك البر ، قالت : عقوق ، قال عمار بن ياسر : كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه؟ قالت : من أنت؟ قال : انا ابنك البار عمار ، قالت : لست لك بأم. قال : بلي وان كرهت ، قالت :

فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل ما نقمتم ، هيهات والله لن يظفر من كان هذا

__________________

(١) الطبري ٣ / ٥٢٠.

٢٩

دأبه » (١).

وانظر ( مروج الذهب ٢ / ٣٦٢ ) وغيره من التواريخ.

١٤ ـ سرور معاوية بمقتل عمار

ان هذا الحديث من أوضح الأدلة والبراهين على ضلالة معاوية بن أبي سفيان ، رئيس الفئة الباغية .. فلقد اعرض عن هدى عمار ثم فرح بمقتله بصفين فلما ذكر بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له « ويحك يا ابن سمية ، تقتلك الفئة الباغية » قال : « انما قتله الذين جاءوا به ».

راجع للوقوف على ذلك :

١ ـ الطبقات ٣ / ٢٥٣ ، ٢٥٩

٢ ـ المسند ٢ / ١٦٤ ، ٢٠٦

٣ ـ تاريخ الطبري ٤ / ٢ ـ ٣ و ٤ / ٢٨ ـ ٢٩

٤ ـ الكامل ٣ / ١٤٨ ، ١٥٧ ، ١٥٨

٥ ـ الامامة والسياسة ١ / ١٢٦

٦ ـ المستدرك ٣ / ٣٧٨

٧ ـ العقد الفريد ٢ / ٢٠٣ ، ٢٠٤

٨ ـ الروض الأنف ٤ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٩ ـ تفسير ابن العربي ٢ / ٥١٩ بتفسير قوله تعالى : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ..

١٠ ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ / ٢٦

١١ ـ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ٢٤ / ١٩٢

١٢ ـ شرح صحيح مسلم لابي عبد الله السنوسي

١٣ ـ الرياض المستطابة لعماد الدين العامري ـ ترجمة عمّار.

__________________

(١) الطبري ٣ / ٥٣٨.

٣٠

١٤ ـ وفاء الوفاء ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٢

١٥ ـ المصنف لابن أبي شيبة ٥ / ٨١.

١٦ ـ كنز العمال ١٦ / ١٤٣

١٧ ـ المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٤٤٧

١٨ ـ الخميس في تاريخ النفس النفيس ٢ / ٢٧٧

١٩ ـ نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض ٣ / ١٦٦

٢٠ ـ الخصائص للنسائي ١٣٣ ـ ١٣٥

وغيرها من مصادر التاريخ والاخبار ..

رسول الله : عمار تقتله الفئة الباغية

وإليك نصوص بعض عبارات أعلام القوم في هذا الباب :

قال محمد بن سعد البصري المعروف بكاتب الواقدي بترجمة عمار عليه الرحمة : « أخبرنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : اني لاسير مع معاوية في منصرفه عن صفين بينه وبين عمرو بن العاص ، قال : فقال عبد الله بن عمرو : يا أبة! سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية. قال : فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا؟ قال : فقال معاوية : ما نزال تأتينا بهنة تدحض بها في بولك ، أنحن قتلناه؟ انما قتله الذين جاءوا به.

قال : أخبرنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب ، قال : حدثني أسود بن مسعود ، عن حنظلة بن خويلد العنزي قال : بينا نحن عند معاوية إذ جاء رجلان يختصمان في رأس عمار ، يقول كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال عبد الله بن عمرو : ليطب به أحد كما نفسا لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتله الفئة الباغية. قال : فقال معاوية : ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا؟ قال : ان أبي شكاني الى رسول الله

٣١

صلّى الله عليه وسلّم فقال : أطع أباك حيا ولا تعصه ، فأنا معكم ولست أقاتل ».

وقال أيضا « أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الحارث بن الفضيل ، عن أبيه ، عن عمارة بن خزيمة بمن ثابت ، قال : شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفا وشهد صفين وقال : أنا لا أسل ابدا حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله ، فانى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتله الفئة الباغية. قال فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة : قد بانت لي الضلالة واقترب ، فقاتل حتى قتل ، وكان الذي قتل عمار بن ياسر ابو غادية المزني طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل في محضة فقتل يومئذ وهو ابن اربع وتسعين سنة ، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول : أنا قتلته.

فقال عمرو بن العاص والله ان يختصمان الا في النار ، فسمعها منه معاوية فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص : ما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما : انكما تختصمان في النار فقال عمرو : هو والله ذاك والله انك لتعلمه ، ولوددت أني مت قبل هذه بعشرين سنة ».

وقال أبو بكر ابن أبي شيبة العبسي في مصنفه : « حدثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرنا العوام بن حوشب ، قال : حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنزي ، قال : اني الجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار ، كل واحد منهما يقول : أنا قتلته قال عبد الله بن عمرو : ليطب به أحد كما نفسا لصاحبه ، فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتله الفئة الباغية فقال : معاوية : الا تغني عن مجنونك يا عمرو فما بالك معنا؟ قال : اني معكم ولست أقاتل ، ان أبي شكاني الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال صلّى الله عليه وسلّم أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه ، فأنا معكم ولست أقاتل ».

٣٢

وقال احمد بن حنبل الشيباني في مسنده في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص « حدثنا أبو معاوية ، ثنا : الأعمش ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : اني لاسير مع معاوية في منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص ، قال فقال عبد الله بن عمرو بن العاص : يا أبت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية. قال : فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية : لا تزال تأتينا بهنة أنحن قتلناه؟ انما قتله الذين جاءوا به. حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن أبي زياد مثله أو نحوه ».

وقال أيضا : « حدثنا يزيد. أنا : العوام ، حدثني أسود بن مسعود ، عن حنظلة ابن خويلد العنبري ، قال : بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل منهما : أنا قتلته فقال عبد الله بن عمرو : ليطب به أحد كما نفسا لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتله الفئة الباغية. قال معاوية : فما بالك معنا؟ قال : ان أبى شكاني الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه فأنا معكم ولست أقاتل ».

وقال : « حدّثنا الفضل بن دكين ، ثنا : سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الرحمن ابن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : اني لا ساير عبد الله ابن عمرو بن العاص ومعاوية فقال عبد الله بن عمرو لعمرو : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول تقتله الفئة الباغية ، يعني عمارا فقال عمرو لمعاوية : اسمع ما يقول هذا! فحدّثه فقال : أنحن قتلناه؟ انما قتله من جاء به. حدّثنا أبو معاوية ، ثنا : الأعمش ، عن عبد الرحمن بن أبي زياد ، فذكر نحوه ».

وقال : « حدّثنا أسود بن عامر : ثنا يزيد بن هارون ، أنا : العوام : حدثني أسود بن مسعود ، عن حنظلة بن خويلد العنبري ، قال : بينما أنا عند

٣٣

معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما : أنا قتلته. فقال عبد الله : ليطب به أحد كما نفسا لصاحبه فانى سمعت ، يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتله الفئة الباغية. فقال معاوية ألا تغني عنّا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا؟! قال : ان أبي شكاني الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه. فأنا معكم ولست أقاتل ».

وقال أحمد في مسند عمرو بن العاص : « ثنا عبد الرزاق ، قال ثنا : معمر ، عن طاوس ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، قال لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال قتل عمار وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : تقتله الفئة الباغية. فقام عمرو بن العاص فزعا يرجع حتى دخل على معاوية ، فقال له معاوية : ما شأنك؟ قال : قتل عمار! فقال معاوية : قد قتل عمار فما ذا؟ قال عمرو : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتله الفئة الباغية فقال له معاوية : دحضت في بولك؟ أو نحن قتلناه؟! انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا ، أو قال : بين سيوفنا ».

وقال أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب ( الخصائص ) في مقام سياق طرق حديث الفئة الباغية : « أنبأنا أحمد بن سليمان ، قال : ثنا : يزيد ، قال : أنبأنا العوام عن الأسود بن مسعود ، عن حنظلة بن خويلد ، قال : كنت عند معاوية فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما : أنا قتلته! فقال عبد الله ابن عمرو : ليطب به نفسا أحدكما لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتلك الفئة الباغية.

قال [ أبو عبد الرحمن ] : خالف شعبة فقال : عن العوام ، عن رجل ، عن حنظلة بن سويد ، أخبرنا محمد بن المثنى ، [ حدثنا محمد ] ، أخبرنا شعبة ، عن العوام بن حوشب ، عن رجل من بني شيبان ، عن حنظلة بن سويد ، قال : جيء برأس عمار فقال عبد الله بن عمرو : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

٣٤

يقول : تقتلك الفئة الباغية.

أخبرني محمد بن قدامة ، قال : ثنا : جرير ، عن الأعمش [ عن عبد الرحمن ] عن عبد الله بن عمرو ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : يقتل عمارا الفئة الباغية [ قال أبو عبد الرحمن ] : خالفه أبو معاوية فرواه عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، أخبرنا عبد الله بن محمد قال [ حدثنا ] أبو معاوية : حدثنا الأعمش ، عن عبد الرحمن ابن أبي زياد وأخبرنا عمرو بن منصور الشيباني ، أخبرنا [ أبو نعيم ، عن سفيان ] ، عن عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث : قال : اني لا ساير عبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية فقال عبد الله ابن عمر : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : عمار تقتله الفئة الباغية. قال عمرو : يا معاوية اسمع ما يقول هذا! فجذبه فقال : نحن قتلناه؟! انما قتله من جاء به ، لا تزال داحضا في بولك ».

وقال ابن قتيبة الدينوري « ثم حمل عمار وأصحابه فالتقى عليه رجلان فقتلاه وأقبلا برأسه الى معاوية يتنازعان فيه كل يقول : أنا قتلته. فقال لهما عمرو بن العاص : والله ان تتنازعان الا في النار ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتل عمارا الفئة الباغية. فقال معاوية قبّحك الله من شيخ! فما تزال تتزلق في بولك! أو نحن قتلناه؟! انما قتله الذين جاءوا به. ثم التفت الى أهل الشام فقال : انما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان ».

وقال الطبري في خبر رسل الامام عليه‌السلام الى معاوية « وتكلم يزيد ابن قيس ، فقال : انا لم نأنك الا لنبلغك ما بعثنا به إليك ولنؤدي عنك ما سمعنا منك ، ونحن على ذلك لن ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما ظننا أن لنا عليك به حجة ، وانك راجع به الى الالفة والجماعة ، ان صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنه يخفى عليك أن أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعلي ولن يمثلوا بينك وبينه ، فاتق الله يا معاوية ولا تخالف عليا فانا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع

٣٥

لخصال الخير كلها منه. فحمد الله معاوية وأثنى ، ثم قال : أما بعد! فإنكم دعوتم الى الطاعة والجماعة ، فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي ، وأما الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها ، ان صاحبكم قتل خليفتنا وفرّق جماعتنا وآوى ثارنا وقتلتنا وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون انهم اصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به. ثم نحن نجيبكم الى الطاعة والجماعة.

فقال له شبث : أيسرّك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله؟ فقال معاوية : وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان رضي‌الله‌عنه ولكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان! فقال له شبث : واله الأرض واله السماء ما عدلت معتدلا ، لا والذي لا اله الا هو لا تصل الى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقوام وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها! فقال له معاوية : انه لو قد كان ذلك كان الأرض عليك أضيق ».

وقال في خبر عن عبد الرحمن السلمي في مقتل عمار : « فلما كان الليل قلت لا دخلن إليهم حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا؟ وكنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم فركبت فرسي وقد هدأت الزجل ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون : معاوية وأبو الأعور السلمي وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو وهو خير الأربعة ، فأدخلت فرسي بينهم مخافة ان يفوتني ما يقول احد الشقين فقال عبد الله لأبيه : يا أبة! قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا؟ وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم ما قال؟ قال : وما قال؟ قال : ألم تكن معنا ونحن نبني المسجد والناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين ، فغشي عليه فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر ، وأنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية! فدفع عمر وصدر فرسه ثم جذب معاوية اليه فقال : يا معاوية!

٣٦

أما تسمع ما يقول عبد الله؟ قال : وما يقول؟ فأخبره الخبر ، فقال معاوية : انك شيخ أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك! أو نحن قتلنا عمارا؟! انما قتل عمارا من جاء به. فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : انما قتل عمارا من جاء به ، فلا أدري من كان أعجب هو أوهم ».

وقال أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي « مقتل عمار بن ياسر العتبى : قال لما التقى الناس بصفين نظر معاوية الى هاشم بن عتبة الذي يقال له المرقال لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم : أرقل يا ميمون! وكان أعور والراية بيده وهو يقول : أعور يبغى نفسه محلا :

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بدّ أن يفل أو يفلا

فقال معاوية لعمرو بن العاص : يا عمرو! هذا المرقال والله لئن زحف بالراية زحفا انه ليوم أهل الشام الأطول ولكني أرى ابن السوداء الى جنبه ، يعنى عمارا وفيه عجلة في الحرب وأرجو أن تقدمه الى الهلكة ، وجعل عمار يقول : يا عتبة تقدم! فيقول : يا أبا اليقظان! أنا أعلم بالحرب منك ، دعني أزحف بالراية زحفا! فلما أضجره وتقدم أرسل معاوية خيلا فاختطفوا عمارا فكان يسمى أهل الشام قتل عمار « فتح الفتوح ».

وقال أيضا : « أبو ذر ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم ، قالت : لم بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج اليه ، ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوضع ردائه ، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعلمون :

لئن قعدنا والنبي يعمل

ذاك إذا لعمل مضلل

قالت : وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفا متنظفا فكان يحمل اللبنة ويجافي بها عن ثوبه ، فإذا وضعه نفض كفيه ونظر الى ثوبه فإذا أصابه شيء من التراب نفضه! فنظر اليه علي رضي‌الله‌عنه فأنشد :

٣٧

لا يستوي من يعمر المساجدا

يدأب فيها راكعا وساجدا

وقائما طورا وطورا قاعدا

ومن يرى عن التراب حائدا

فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها وهو لا يدري من يعني ، فسمعه عثمان فقال : يا بن سمية! ما أعرفني بمن تعرض؟ ومعه جريدة ، فقال : لتكفن أو لاعترضن بها وجهك! فسمعه النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في ظل حائط ، فقال : عمار جلدة ما بين عيني وألفي ، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ منى وأشار بيده فوضعها بين عينيه ، فكف الناس عن ذلك وقالوا لعمار : ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا قرآن! فقال : أنا أرضيه كما غضب ، فأقبل عليه فقال : يا رسول الله! ما لي ولأصحابك؟ قال ومالك ولهم؟ قال : يريدون قتلي يحملون لبنة ويحملون علي لبنتين ، فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول : يا بن سمية! لا يقتلك أصحابي ولكن تقتلك الفئة الباغية. فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال معاوية : هم قتلوه لأنهم أخرجوه الى القتل. فلما بلغ ذلك عليا قال : ونحن قتلنا أيضا حمزة لأنا أخرجناه ».

وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري بترجمة عمار : « أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني. ثنا : اسحق بن ابراهيم بن عباد. أنبأ : عبد الرزاق عمر معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، أخبره قال : لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال : قتل عمار وقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : تقتله الفئة الباغية. فقام عمرو فزعا حتى دخل على معاوية فقال له معاوية : ما شأنك؟ فقال : قتل عمار بن ياسر! فقال : قتل عمار فما ذا؟ فقال عمرو : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : يقتله الفئة الباغية. فقال له معاوية : أنحن قتلناه؟ انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا ، أو قال : سيوفنا. صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة.

٣٨

أخبرنا أبو زكريا الغبري ثنا : محمد بن عبد السلام ، ثنا : اسحق ثنا ، عطاء ابن مسلم الحلبي ، قال : سمعت! لاعمش بقول : قال أبو عبد الرحمن السلمى : شهدنا صفين فكنا إذا توادعنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء في عسكر هؤلاء ، فرأيت أربعة يسيرون معاوية بن أبي سفيان وابو الأعور السلمى وعمرو بن العاص وابنه ، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو : وقد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه ما قال. قال. أي الرجل؟ قال عمار بن ياسر ، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين ، فمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : أتحمل لبنتين لبنتين وأنت ترحض؟! أما انك ستقتلك الفئة الباغية وأنت من أهل الجنة. فدخل عمرو على معاوية فقال : قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال. فقال : أسكت فوالله ما تزل تدحض في بولك! أنحن قتلناه؟! انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا! ».

وقال أبو المؤيد الموفق بن احمد الخوارزمي : « وكان الذي قتل عمارا أبو غادية المزني طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو ابن أربع وتسعين ، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاجتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول : أنا قتلته! فقال عمرو بن العاص : والله ان يختصمان الا في النار ، فسمعها معاوية فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو : ما رأيت مثل ما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما : انكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو : هو والله ذلك انك لتعلمه ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة ».

قال : « في اليوم السادس والعشرين من حروب صفين قتل أبو اليقظان عمار ابن ياسر وأبو الهيثم بن التيهان نقيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنهما. روي أن الحرث بن باقور أخا ذي الكلاع برز الى عمار وضربه عمار فصرعه وكان من برز اليه قتله فينشد :

نحن ضربنا كم على تنزيله

واليوم نضربكم على تأويله

٣٩

ضربا يزيل الهام عن مقيله

وبذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق الى سبيله!

واستسقى عمار فأتى بلبن في قدح فلما رآه كبر ثم شربه وقال : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي : آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن ، ويقتلك الفئة الباغية! فهذا آخر أيامي من الدنيا ثم حمل وأحاط به أهل الشام واعترضه أبو الغادية الفزاري وابن جوفي السكسكي ، فأما أبو الغادية فطعنه وأما ابن جوفي فاجتز رأسه الشريف ، وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار بن ياسر : يا بن سمية! تقتلك الفئة الباغية. قال ذو الكلاع ، وتحت أمره ستون ألفا من الفرسان يقول لعمرو بن العاص : ويحك أنحن الفئة الباغية؟! وكان في شك من ذلك ، فيقول عمرو : انه سيرجع إلينا ، واتفق أنه أصيب ذو الكلاع يوم أصيب عمار ، فقال عمرو : لو بقي ذو الكلاع لمال بعامة قومه ولا فسد علينا جندنا.

وقتل أبو الهيثم وجماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما رأى ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص قال لأبيه : أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، يقول لعمار : تقتلك الفئة الباغية فقال عمرو لمعاوية : صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أنحن قتلنا عمارا؟ انما قتله الذي جاء به فألقاه تحت رماحنا وسيوفنا.

وفرح بقتل عمار أهل الشام ، وقال معاوية : قتلنا عبد الله بن بديل وهاشم بن عتبة وعمار بن ياسر ، فاسترجع النعمان بن بشير وقال : والله انا كنا نعبد اللات والعزّى ، وعمار يعبد الله ولقد عذّبه المشركون بالرمضاء وغيرها من ألوان العذاب ، فكان يوحد الله ويصبر على ذلك ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : صبرا آل ياسر! موعدكم الجنة. وقال له : ان عمارا يدعو الناس الى الجنة ويدعونه الى النار ، وقال ابن جوفي من أهل الشام : أنا قتلت عمارا. فقال عمرو بن العاص : ما ذا قال حين ضربته؟ قال : قال اليوم ألقى

٤٠