نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

كما أنه كتم الشهادة عند ما ناشده امير المؤمنين عليه‌السلام في جماعة عن حديث الغدير ، فكتم الشهادة ، معتذرا بالنسيان كاذبا ، فدعا عليه الامام عليه‌السلام وسرعان ما ظهر عليه اثر دعوته.

وفي كتاب ( الأربعين ) لا سعد بن ابراهيم الاربلي عن شيخه ابن دحية الكلبي ، عن سالم بن أبي الجعد قال : « حضرت مجلس انس بن مالك ـ وهو مكفوف البصر وفيه وضح ـ فقام اليه رجل من القوم ـ وكأنه كان بينه وبين انس إحنة ـ وقال له : يا صاحب رسول الله ، ما هذه السمة التي أراها بك؟ فو الذي بعث محمدا نبيا لقد حدّثني أبي عن النبي ان الله قد بين ان البرص والجذام ما يبتلى به مؤمنا ونرى بك وضحا ، فأطرق انس بن مالك الى الأرض وعيناه تذرفان بالدمع وقال : أما الوضح فإنها من دعوة دعاها امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقام اليه جماعة فسألوه ان يحدثهم بالحديث قال :

لما أنزلت سورة الكهف سأل الصحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم ان يريهم اصحاب الكهف فوعدهم ذلك ، فبينما هو جالس في بعض الأيام وقد اهدي له بساط من قرية يقال لها هندف من قرى الشام وحضرت الصحابة وذكروه بوعدهم فقال : احضروا عليا ، فلما حضر قال لي : يا انس أبسط البساط وأمر أصحابه ان يجلسوا عليه. فلما جلسوا رفع يديه الى السماء ساعة وسأل الله تعالى وأمر عليا ان يكنف القوم ويسأل الله معه كما يسأل ان يبعث له ملائكة أربعة يحملون البساط وعليه الصحابة لان ينظروا اهل الكهف ، فما كان الاّ ساعة وارتفع البساط قال انس : وانا معهم وسرنا في الهواء الى الظهر فوقف البساط ثم وقعنا على الأرض ، فشاهدنا اهل الكهف.

وكان علي يأمر البساط ان يمضي كما يريد ، فكأنه كان يعرف الكهف وقال انزلوا نصلي ، فنزلنا وأم بنا وصلينا وتقدمنا إليهم فرأينا قوما نياما تضيء وجوههم كالقناديل وعليهم ثياب بيض وكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ فملئنا منهم رعبا فتقدم علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فقال : السلام

٢٤١

عليكم ، فردوا عليه‌السلام فتقدمت الجماعة فسلموا فلم يردوا عليهم‌السلام ، فقال لهم علي : لم لم تردوا على اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أحدهم : سل ابن عمك ونبيك ثم قال علي للجماعة : خذوا مجالسكم ، فلما أخذوا قال علي رضي‌الله‌عنه : يا ملائكة الله ارفعوا البساط ، فرفع فسرنا في الهواء ما شاء الله ، ثم قال : ضعونا لنصلي الظهر ، فإذا بأرض ليس بها ماء يشرب ولا يتوضأ ، فركض برجله الأرض فنبع ماء عذب ، فتوضأنا وصلينا وشربنا فقال : ستدركون صلاة العصر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وسار بنا الى العصر فإذا نحن على باب مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلما رآنا هنأنا بالسلم وأقبل يحدثنا كأنه كان معنا وقال : يا علي لمّا سلمت عليهم ردّوا السلام وسلّم أصحابي فلم يردّوا ، فسألتهم عن ذلك قالوا : سل ابن عمك ونبيك ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يردّون السلام الاّ على نبي أو وصي نبي ، ثم قال : اشهد لعلي يا انس.

فلما كان يوم السقيفة استشهدني علي وقال : يا أنس اشهد لي بيوم البساط قلت له : اني نسيت ، قال : فان كنت كتمتها بعد وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرماك الله ببياض في عينك ووجهك ولظى في جوفك وأعمى بصرك فبصرت وعميت.

وكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا في غيره من حرارة بطنه ، ومات بالبصرة ، وكان يطعم كل يوم مسكينا ».

وفي ( شرح نهج البلاغة ) : « وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أنّ عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه‌السلام قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة ، فمنهم أنس بن مالك ، ناشد علي عليه‌السلام الناس في رحبة القصر ـ أو قال : رحبة الجامع ـ بالكوفة من [ أيكم ] سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من كنت مولاه [ فعلي مولاه ]؟ فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها وأنس بن مالك في القوم لم يقم فقال له : يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد

٢٤٢

فلقد حضرتها؟! فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت ، فقال : اللهم ان كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة. قال طلحة بن عمير : فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

وروى عثمان بن مطرف : ان رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال : [ اني ] آليت ان لا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة ، ذلك [ ذاك ] رأس المتقين يوم القيامة ، سمعته والله من نبيكم » (١).

ولقد علم فيما تقدم طعن أبي حنيفة في جماعة من الصحابة منهم أنس ابن مالك.

٧ ـ زيد بن أرقم

وزيد بن أرقم أيضا ممن كتم الشهادة بحديث الغدير ، قال ابن المغازلي « أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله بن شوذب قال حدثني [ أبي قال حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني حدثني ] أحمد بن يحيى بن عبد الحميد حدثني [ أبو ] إسرائيل الملائي عن الحكم بن [ عن ] أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال : نشد علي الناس في المسجد [ قال ] : انشد [ الله ] رجلا سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فكنت [ وكنت ] انا فيمن كتم ، فذهب بصري » (٢).

ورواه الحلبي في ( السيرة ٣ / ٣٣٧ ).

والجامي في ( شواهد النبوة ) في كرامات الامام عليه‌السلام.

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ٧٤.

(٢) مناقب أمير المؤمنين : ٢٣.

٢٤٣

٨ ـ البراء بن عازب

وهو أيضا ممن كتم الشهادة بذلك ، قال المحدث الشيرازي في حديث الغدير : « ورواه زر بن حبيش فقال : خرج علي من القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف عليهم العمائم حديثي عهد بسفر ، فقالوا : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا مولانا.

فقال علي بعد ما رد السلام : من هاهنا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقام اثنا عشر رجلا منهم خالد بن زيد أبو أيوب الانصاري وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وثابت بن قيس بن شماس وعمار بن ياسر وأبو الهيثم ابن التيهان وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وحبيب بن بديل بن ورقاء ، فشهدوا انهم سمعوا رسول الله يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ... الحديث.

فقال علي لانس بن مالك والبراء بن عازب : ما منعكما أن تقوما فتشهدا ، فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال : اللهم ان كانا كتماها معاندة فأبلهما ، فأما البراء فعمي ، فكان يسأل عن منزله فيقول كيف يرشد من أدركته الدعوة ، وأما أنس فقد برصت قدماه ... » (١).

وسيأتي هذا عن البلاذري أيضا.

٩ ـ جرير بن عبد الله

وهو أيضا ممن كتمها ، قال البلاذري : « قال علي على المنبر : أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، إلا قام فشهد ، وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله [ البجلي ] ، فأعادها فلم يجبه احد ، فقال : اللهم من كتم هذه الشهادة ـ وهو يعرفها ـ فلا نخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية

__________________

(١) الأربعين للمحدث الشيرازي ـ مخطوط.

٢٤٤

يعرف بها قال : فبرص أنس وعمي البراء ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته ، فأتى السراة فمات في بيت أمه [ بالسراة ] » (١).

١٠ ـ سمرة بن جندب

وقد باع سمرة بن جندب دينه بدنياه وآثر العاجلة على الآخرة ، إذ ارتكب الكذب الصريح وأتى بالبهتان العظيم ، قال ابن أبي الحديد « قال أبو جعفر : وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ * وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) وان الآية الثانية [ ا ] نزلت في ابن ملجم وهي [ قوله تعالى ] ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) فلم يقبل.

فبذل له مائتي ألف [ درهم ] فلم يقبل.

فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل.

فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك » (٢).

وفي ( شرح النهج ) أيضا : « وروى شريك قال أخبرنا عبيد [ عبد ] الله ابن معد [ سعد ] عن حجر بن عدي قال : قدمت المدينة فجلست الى أبي هريرة فقال ممن أنت؟ قلت : من أهل البصرة ، قال : فما فعل سمرة بن جندب؟ قلت : هو حي ، قال : ما [ احد ] أحب الي طول حياة منه ، قلت : ولم ذاك؟ قال : ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لي وله ولحذيفة بن اليمان : آخركم موتا في النار فسبقنا حذيفة ، واني الآن اتمنى ان أسبقه ، قال : فبقي سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين [ بن علي ].

__________________

(١) انساب الاشراف ٢ / ١٥٦.

(٢) شرح النهج ٤ / ٧٣.

٢٤٥

وروى احمد بن بشير عن مسعر بن كدام قال : كان سمرة [ ابن جندب ] أيام مسير الحسين عليه‌السلام الى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد ، وكان يحرض الناس على الخروج الى الحسين عليه‌السلام وقتاله » (١).

ولقد علم فيما تقدم طعن أبي حنيفة في سمرة بن جندب.

١١ ـ المغيرة بن شعبة

لقد اتهم أبو بكر المغيرة بن شعبة إذ ردّ خبره في ميراث الجدة حتى أخبره معه محمد بن مسلمة ، ذكر ذلك جماعة منهم الغزالي في ( المستصفى ١ / ١٥٣ ).

وتقدم عن أبي جعفر الاسكافي : ان المغيرة كان يضع الأحاديث القبيحة في أمير المؤمنين عليه‌السلام بترغيب من معاوية بن أبي سفيان.

واتهمه عمر بن الخطاب إذ رد خبره في دية الاملاص فقد جاء في [ تذكرة الحفاظ ] : « وروى هشام عن أبيه المغيرة بن شعبة : ان عمر استشارهم في املاص المرأة ـ يعني السقط ـ فقال له المغيرة : قضى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغرة ، فقال له عمر : ان كنت صادقا فآت أحدا يعلم ذلك. قال : فشهد محمد بن مسلمة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى به » (٢).

١٢ ـ عمرو بن العاص

وكان عمرو بن العاص من الصحابة الذين حرضهم معاوية بن أبي سفيان على وضع الأحاديث القبيحة في مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما مر فيما سبق في عبارة الاسكافي.

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ٨٧.

(٢) تذكرة الحفاظ ـ ترجمة عمر بن الخطاب.

٢٤٦

وكان قد تعود الكذب ، حتى أنه كذب في خطبة له على رءوس الاشهاد ، الأمر الذي اضطر بعضهم الى تكذيبه علانية فيما رواه البخاري في ( التاريخ الصغير ) وأحمد في ( المسند ) والطبري في ( التاريخ ).

قال الطبري : « لما اشتعل الوجع قام ابو عبيدة في الناس خطيبا فقال : ايها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم محمد صلّى الله عليه وسلّم وموت الصالحين قبلكم ، وان أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه ، فطعن فمات.

واستخلف على الناس معاذ بن جبل قال : فقام خطيبا بعده فقال : اما أيها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم ، وان معاذا يسأل الله أن يقسم لان معاذ منه حظهم ، فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ فمات ، ثم قام فدعا به لنفسه فطعن في راحته ، فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول : ما أحب ان لي بما فيك شيئا من الدنيا.

فلما مات استخلف [ على ] الناس عمرو بن العاصي ، فقام خطيبا في الناس فقال : ايها الناس ان هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبّلوا منه في الجبال. فقال أبو واثلة الهذلي : كذبت والله لقد صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت شر من حماري هذا ، قال : والله ما أرد عليك ما تقول وأيم الله لا نقيم عليه » (١).

١٣ ـ معاوية بن أبى سفيان

ولقد كان معاوية بن أبي سفيان يحمل أصحابه الذين باعوه دينهم بدنياه على الكذب والافتراء ووضع الأحاديث ، وقد كتب نسخة الى عماله بعد ما يسمى بـ « عام الجماعة » يأمرهم بقتل شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٦٢ ـ ١٦٣.

٢٤٧

ورواة فضائله ، وبلعنه على المنابر ووضع الأحاديث في ذمه والثناء على مناوئيه ... ذكر ذلك كافة المؤرخين.

على ان معاوية نفسه كان يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج أحمد وأبو داود باسنادهما عن أبي شيخ الهنائي ـ واللفظ للأول : « ان معاوية قال لنفر من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم : أتعلمون ان رسول الله نهى عن لباس الذهب الا مقطعا؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : وتعلمون انه نهى عن جلود النمور أن يركب عليها؟ قالوا : اللهم نعم ، قال وتعلمون انه نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : وتعلمون انه نهى عن المتعة ـ يعني متعة الحج ـ؟ قالوا : اللهم لا » (١).

وكذب معاوية على قيس بن سعد ، روى ذلك المؤرخون كالطبري وابن الأثير وابن تغرى بردي ، قال ابن الأثير :

« فلما قرأ قيس كتابه ورأى انه لا يفيد معه المدافعة والمماطلة أظهر له مات في نفسه ، فكتب اليه : أما بعد فالعجب من اغترارك بي وطمعك في واستسقاطك إياي ، أتسومني الخروج عن طاعة أولى الناس بالامارة ، وأقولهم بالحق ، وأهداهم سبيلا ، وأقربهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيلة ، وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم بالزور ، وأضلهم سبيلا ، وأبعدهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيلة ، ولد ضالين مضلين ، طاغوت من طواغيت إبليس؟!

وأمّا قولك « اني مالئ عليك مصر خيلا ورجالا » فو الله ان لم أشغلك بنفسك حتى تكون أهم إليك انك لذو جد. والسلام.

فلما رأى معاوية كتابه أيس منه وثقل عليه مكانه ولم تنجع حيلة فيه ، فكاده من قبل علي فقال لأهل الشام : لا تسبوا قيس بن سعد ولا تدعوا الى غزوة فانه لنا شيعة ، قد تأتينا كتبه ونصيحته سرا ، ألا ترون ما يفعل

__________________

(١) المسند ٤ / ٩٥.

٢٤٨

بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا؟ يجري عليهم اعطياتهم وأرزاقهم ويحسن إليهم.

وافتعل كتابا عن قيس اليه بالطلب بدم عثمان والدخول معه في ذلك وقرأ على أهل الشام.

فبلغ ذلك عليا ـ أبلغه ذلك محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب وأعلمته عيونه بالشام ـ فأعظمه وأكبره ، فدعا ابنيه وعبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك ، فقال ابن جعفر : يا أمير المؤمنين دع ما يريبك الى مالا يريبك ، اعزل قيسا عن مصر. فقال علي : اني والله ما أصدق بهذا عنه » (١).

* ولقد كذب على جماعة فيهم سيدنا الامام الحسين السبط عليه‌السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وعائشة ، في قضية إقامة يزيد ابنه مقامه وأخذ البيعة له ، إذ وكل بكل رجل منهم رجلين ـ بعد أن سبهم وهدّدهم بالقتل ـ وقام خطيبا فقال : « ان عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر بايعوا له ... ».

فكذبوه قائلين « لا والله ما بايعنا ولكن فعل بنا معاوية ما فعل » (٢).

* ولقد ذمه وطعن فيه جماعة من أصحاب علي عليه‌السلام في وجهه ، روى المسعودي بإسناده قال : « حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله ابن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي عليه‌السلام مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوما فقال : نشدتكم بالله الا [ ما ] قلتم حقا وصدقا ، أي الخلفاء رأيتموني؟

فقال ابن الكواء : لو لا انك عزمت علينا ما قلنا ، لأنك جبار عنيد ، لا تراقب الله في قتل الأخيار ، ولكنا نقول : انك ما علمنا واسع الدنيا ، ضيق الآخرة قريب الثرى ، بعيد المرعى ، تجعل الظلمات نورا والنور

__________________

(١) الكامل ٣ / ١٣٨.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي ١ / ٣٦ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٩٧ وغيرهما.

٢٤٩

ظلمات. فقال معاوية ان الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه ، ولم يكونوا كأمثال اهل العراق المنتهكين لمحارم الله المحلين ما حرم الله والمحرمين ما أحل الله ، فقال عبد الله بن الكواء : يا ابن أبي سفيان ، ان لكل كلام جوابا ، ونحن نخاف جبروتك ، فان كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم ، والا فانا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه ، قال : والله لا يطلق لك لسان.

ثم تكلم صعصعة فقال : تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ، ولم تقصر عما أردت ، وليس الأمر على ما ذكرت ، انى يكون الخيفة من ملك الناس قهرا ودانهم كبرا واستولى بأسلوب الباطل كذبا ومكرا ، أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى ، وما كنت فيه الا كما قال القائل : « لا حلي ولا سيرى » ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وانما أنت طليق ابن طليق ، اطلقكما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية : لولا اني أرجع الى قول أبي طالب حيث يقول :

قابلت جهلهم حلما ومغفرة

والعفو عن قدرة ضرب من الكرم

لقتلكم » (١).

* ولقد وصفه سيدنا امير المؤمنين عليه‌السلام ـ وهو الصديق الأكبر ـ بـ « الكذاب » بصراحة ، فقد جاء في ( ينابيع المودة ) ما نصه : « وفي المناقب عن الحسن بن ابراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن آبائه ان أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب الى أهل مصر لما بعث محمد بن أبي بكر إليهم كتابا فقال فيه : « وإياكم دعوة ابن هند الكذاب ، واعملوا أنه لا سواء امام الهدى وامام الهوى ووصي النبي وعد والنبي » (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٤٠ ـ ٤١.

(٢) ينابيع المودة ٨٠.

٢٥٠

ومن العجائب تكذيب معاوية بعض الاصحاب في خبر رواه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج مسلم والنسائي والطحاوي وابن الأثير وغيرهم عن عبادة بن الصامت انه قال : « انى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد او ازداد فقد أربى ، فرد الناس ما أخذوا.

فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال : [ ألا ] ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحاديث؟ قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه ، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ، ثم قال : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وان كره معاوية ـ او قال وان رغم ـ ما أبالي ان لا أصحبه في جنده ليلة سوداء » (١).

* وأخرج احمد في مسند معاوية والبخاري في « كتاب الاحكام » و « كتاب المناقب » عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث انه بلغ معاوية ـ وهو عنده في وفد من قريش ـ ان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث انه سيكون ملك من قحطان ـ فغضب معاوية فقام فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال : أما بعد فانه بلغني ان رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أولئك جهالكم ، فإياكم والاماني التي تضل أهلها ، فانى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان هذا في قريش لا ينازعهم أحد الا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ».

١٤ ـ الذين جاؤا بالافك

قال الله تعالى : ( ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ، لكل امرىء منهم ما اكتسب من الاثم والذبن

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ٤٦٥.

٢٥١

تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ * لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ * بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ * يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ * وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ * فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ * وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ * عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١).

أليس « الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ » من الصحابة والصحابيات وتلك اسماؤهم مسجلة في الكتب؟ فهل كلهم ثقة مؤتمن؟.

١٥ ـ الوليد بن عقبة

لقد نص القرآن الكريم على فسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط ـ أخي عثمان لامه ـ وعلى عدم جواز الاعتماد على خبره بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (٢).

قال ابن عبد البر بترجمته : « ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن ـ فيما علمت ـ ان قوله عز وجل : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) نزلت في الوليد بن عقبة » (٣).

كما يشهد قوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٤) على فسقه كذلك ، قال ابن عبد البر : « ومن حديث الحكم عن

__________________

(١) سورة النور ١٢ ـ ١٨.

(٢) سورة الحجرات ٦.

(٣) الاستيعاب ٤ / ١٥٥٣.

(٤) سورة السجدة ١٨.

٢٥٢

سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة في قصة ذكرها : أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ... » (١).

وقد ذكر ابن طلحة الشافعي تلك القصة عن أبي الحسن الواحدي وأبي إسحاق الثعلبي ، وأورد قصيدة حسان بن ثابت التي ضمنها إياها ، وتكلم على القصة بالتفصيل ، فليراجع (٢).

ومن عجائب الأمور : ان يخرج له أبو داود في سننه ، ويعدوه من رجال الصحاح ويروي جماعة عنه ، كما لا يخفى على من راجع كتب رجال الحديث.

١٦ ـ بعض الاصحاب

لقد كذب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من الاصحاب في قصة أهل هجرة الحبشة فيما رواه المتقى : « عن الشعبي قال : لما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل جعفر بن أبي طالب ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأته اسماء بنت عميس حتى فاضت عبرتها فذهب بعض حزنها ، ثم أتاها فعزاها ودعا بني جعفر فدعا لهم ودعا لعبد الله بن جعفر ان يبارك له في صفقة يده ، فكان لا يشتري شيئا الا ربح فيه ، فقالت له اسماء : يا رسول الله ان هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين ، فقال : كذبوا ، لكم الهجرة مرتين ، هاجرتم الى النجاشي وهاجرتم الي. ش » (٣).

* وكذب جماعة منهم في قصة عمل عامر بن الأكوع في حديث أخرجه الشيخان في غزوة خيبر عن سلمة بن الأكوع ـ واللفظ لمسلم ـ قال : « فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه ، قال : فلما قفلوا قال سلمة

__________________

(١) الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤.

(٢) مطالب السؤل ٥٧.

(٣) كنز العمال ١٥ / ٢٩٤.

٢٥٣

ـ وهو آخذ بيدي ـ قال : فلما رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساكنا قال : مالك؟ قلت له : فداك أبي وأمي زعموا ان عامرا حبط عمله. قال : من قاله؟ قلت : فلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري ، فقال : كذب من قاله ، ان له لاجرين ـ وجميع بين إصبعيه ـ انه لجاهد مجاهد قل عربي مشي بها مثله ».

* وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة له بعد نزول : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ... الآية ) ـ رواها شهاب الدين أحمد « قال : اتقوا الله ايها الناس حتى تقاته ولا نموتن الا وأنتم مسلمون ، واعلموا ان الله بكل شيء محيط ، وانه سيكون من بعدي أقوام يكذبون علي فيقبل منهم ، ومعاذ الله ان أقول على الله الا الحق ، أو انطق بأمره الا الصدق وما آمركم الا ما أمرني به ، ولا أدعوكم الا الى الله ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فقام اليه عبادة بن الصامت فقال : ومتى ذاك يا رسول الله؟ ومن هؤلاء؟ عرفناهم لنحذرهم.

قال : أقوام قد استعدوا لنا من يومهم وسيظهرون لكم إذا بلغت النفس مني هاهنا ـ وأومأ صلّى الله عليه وبارك وسلّم الى حلقه ـ.

فقال عبادة : إذا كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟

فقال صلّى الله عليه وبارك وسلّم : عليكم بالسمع والطاعة للسابقين من عترتي والآخذين من نبوتي ، فإنهم يصدونكم عن الغي ويدعونكم الى الخير وهم اهل الحق ومعادن الصدق ، يحيون فيكم الكتاب والسنة يجنبونكم الإلحاد والبدعة ويقمعون الحق أهل الباطل ، لا يميلون مع الجاهل » (١).

فهل كلهم ثقة مؤتمن؟

* لقد صرح أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في كلام له ـ بكذب بعض الاصحاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى ذلك سبط ابن الجوزي

__________________

(١) توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل ـ مخطوط.

٢٥٤

حيث قال : « ومن كلامه في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وبه قال الشعبي : حدثني من سمع عليا عليه‌السلام وقد سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث ، فقال عليه‌السلام : الناس أربعة ، منافق مظهر للايمان [ و ] مضيع للإسلام [ وقلبه يأبى الايمان ] لا يتأثم ولا يتحرج ، كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلو علم الناس [ حاله ] لما أخذوا عنه ولكنهم قالوا « صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم!! » فأخذوا بقوله ، وقد أخبر الله عن المنافقين بما اخبر ووصفهم بما وصف ، ثم انهم عاشوا بعده فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والبهتان فولوهم الاعمال وجعلوهم على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا ، وانما الناس تبع للملوك الا من عصمه الله عز وجل ...

هذه رواية الشعبي ، وفي رواية كميل بن زياد عنه انه قال :

ان في أيدى الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا وو هما ، وقد كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عهده حتى قام خطيبا فقال : من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، وانما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس ، وذكرهم.

قلت : وقد روى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الحديث ـ وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ـ مائة وعشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابي المترجم بـ « حق اليقين » ، وأما طريق على عليه‌السلام فأخبرنا غير واحد عن عبد الاول الصوفي أنبا [ نا ] ابن المظفر الداودي ، أنبأ [ نا ] ابن أعين السرخسي ، أنبأ [ حدثنا ] الفربري ثنا البخاري ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن خراش قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

أخرجاه في الصحيحين وأخرجه احمد في المسند ، والجماعة » (١).

__________________

(١) تذكرة خواص الامة ١٤٢.

٢٥٥

فكيف يكون كلهم ثقة ..؟

* ولقد كان عمر بن الخطاب يخوف الناس في عهده في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذا لم يعتمد معاوية ـ مع كونه من أكذب الناس ـ على كثير من الأحاديث المروية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا ما كان منها في عهد عمر ، قال الذهبي بترجمة عمر : « ابن علية عن رجاء ابن أبي سلمة : قال : بلغني ان معاوية كان يقول : عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر ، فانه قد أخاف الناس في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » (١).

وقال عمر لأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما رواه ابن عبد البر بإسناده ـ : « أقلوا الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا شريككم. قال ابن عبد البر : وهذا يدل على ان نهيه عن الإكثار وأمره بالاقلال من الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انما كان خوف الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

* وكذّب عوف بن مالك الصحابي قوما من الصحابة فكذبهم عمر كذلك فقد روى ابن أبي الحديد في سيرة عمر : « حضر [ ت ] عند عمر قوم من الصحابة ، فأثنوا عليه وقالوا : والله ما رأينا يا أمير المؤمنين رجلا أقضى منك بالقسط و [ لا ] أقول ، ولا أشد على المنافقين منك ، انك لخير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عوف بن مالك كذبتم والله ، أبو بكر بعد رسول الله خير منه [ أمته ] ، رأينا أبا بكر ، فقال عمر صدق عوف والله وكذبتم ، لقد كان أبو بكر والله أطيب من ريح المسك وأنا أضل من بعير أهلي » (٣).

* وكذبت جماعة من الصحابيات في قضية زفاف عائشة ، فقد أخرج

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ـ ترجمة عمر.

(٢) جامع بيان العلم ٤٠٠.

(٣) شرح النهج ١٢ / ٣٦.

٢٥٦

أحمد قائلا : « ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن ابن أبي الحسين عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : كنا فيمن جهز عائشة وزفها ، قالت : فعرض علينا النبي صلّى الله عليه وسلّم لبنا ، فقلنا : لا نريده ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : لا تجمعن جوعا وكذبا » (١).

* ومما استفاض نقله : ان بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمن إحدى زوجاته ـ حسدا منهن لها وعنادا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أن تستعيذ بالله منه حين يدخل عليها ، كي ينتهي ذلك الى تطليق النبي إياها.

وممن روى ذلك ابن سعد والحاكم والطبري ، وجماعة من شراح البخاري ، وابن عبد البر وابن الأثير ... ونحن نكتفي برواية ابن سعد حيث قال : « أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال : تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسماء بنت النعمان وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبّه ( أشبّهم. ظ ) ، قال : فلما جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتزوج الغرائب قالت عائشة قد وضع يده في الغرائب ، يوشكن أن يصرفن وجهه عنا ، وكان خطبها حين وفدت كندة عليه الى أبيها فلما رآها نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم حسدنها فقلن لها : ان أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك ، فلما دخل وألقى الستر مد يده إليها فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : أمن عائذا لله ، الحقي بأهلك.

أخبرنا هشام بن محمد ، حدثني ابن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه ـ وكان بدريا ـ قال : تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان الجونية ، فأرسلني فجئت بها ، فقالت حفصة لعائشة ـ أو عائشة لحفصة ـ اخضبيها أنت وأنا أمشطها ، ففعلنا [ ففعلن ] ثم قالت لها إحداهما : ان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول : أعوذ بالله منك ، فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مديدة إليها ، فقالت : أعوذ

__________________

(١) المسند ٦ / ٤٥٩.

٢٥٧

بالله منك ، فقال بكمه على وجهه فاستتر به وقال : عذت معاذا ـ ثلاث مرات ـ.

قال أبو أسيد : ثم خرج علي فقال : يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين ـ يعني كرباستين ـ فكانت تقول : ادعوني الشقية.

أخبرنا هشام بن محمد السائب ، حدثني زهير بن معاوية الجعفي : انها ماتت كمدا » (١).

١٧ ـ معقل بن سنان

لقد رد أمير المؤمنين عليه‌السلام خبر معقل بن سنان الأشجعي في المفوضة فيما رواه جماعة كالغزالي والآمدي وأبي الوليد الباجي وعبد العزيز البخاري وابن الهمام وغيرهم ، قال المتقى : « عن علي انه قال في المتوفى عنها ولم يفرض لها صداقا : لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها ، وقال : لا يقبل قول اعرابي من أشجع على كتاب الله. ص ق » (٢).

١٨ ـ هشام بن حكيم

وكذّب عمر بن الخطاب هشام بن حكيم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج البخاري قائلا : « حدثنا سعيد بن عفير [ قال ] حدثني الليث [ قال ] حدثني عقيل عن ابن شهاب قال : حدثني عروة بن الزبير ان المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فكدت اساوره في الصلاة فتصبرت حتى

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٨ / ١٤٥.

(٢) كنز العمال ١١ / ٢٩.

٢٥٨

سلم فلببته بردائه فقلت : من أقرئك هذه السورة التي [ سمعتك ] تقرأ؟ قال : أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقلت كذبت ، فان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أقرأنيها على غير ما قرأت.

فانطلقت به أقوده الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت : اني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أرسله ، اقرأ يا هشام ، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك أنزلت. ثم قال اقرأ يا عمر ، فقرأت القراءة التي أقرأني ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك أنزلت ، ان هذا القرآن أنزل [ على ] سبعة أحرف ، فاقرؤا ما تيسر منه » (١).

١٩ ـ رجل من الصحابة

كذبه الشعبي ـ وهو من كبار التابعين ـ قال الذهبي : « قال الحاكم في ترجمة الشعبي : ثنا ابراهيم بن مضارب العمري [ القمري ] ثنا محمد بن اسماعيل ابن مهران نا عبد الواحد بن نجدة الحوطي نا بقية نا سعيد بن عبد العزيز حدثني ربيعة بن يزيد قال : قعدت الى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك. فحدث رجل من الصحابة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه قال : اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الأمراء ، فان كان خيرا فلكم ، وان كان شرا فعليهم وأنتم منه براء.

فقال له الشعبي : « كذبت » (٢).

٢٠ ـ طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير

لقد كذب هؤلاء ـ وهم من مشاهير الصحابة ـ في حرب الجمل في

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ / ٢٢٧.

(٢) تذكرة الحفاظ ـ ترجمة الشعبي ـ.

٢٥٩

قضية « الحوأب » وحملوا الناس على أن يشهدوا زورا ... في قصة معروفة رواها المؤرّخون بأجمعهم ، كابن قتيبة والطّبري وأبناء الأثير وخلدون والوردي والشحنة ، وأبي الفداء والمسعودي والسمعاني والحموي ....

قال الطبري : « شراء الجمل لعائشة رضي الله عنها وخبر كلاب الحوأب :

حدثني اسماعيل بن موسى الفزاري قال : نا علي بن عابس الأزرق قال : ثنا ابو الخطاب الهجري عن صفوان بن قبيصة الاحمسي قال : حدثني العرني صاحب الجمل قال : بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال : يا صاحب الجمل [ أ ] تبيع جملك؟ قلت : نعم ، قال : بكم؟ قلت : بألف درهم. قال : مجنون أنت؟ جمل يباع بألف درهم؟ قال قلت : نعم جمل [ جملي ] هذا. قال : ومم ذلك؟ قلت : ما طلبت عليه أحدا قط الا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد قط إلا فته. قال : لو تعلم لمن نريده لا حسنت بيعنا. قال قلت : ولمن تريده؟ قال : لامك. قلت : لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا. قال : انما أريده لام المؤمنين عائشة ، قلت : فهو لك ، خذه بغير ثمن ، قال : لا ولكن ارجع معنا الى البرحل فلنعطك ناقة مهريّة ، وزادوني أربعمائة أو ستمائة درهم.

فقال لي : يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قال قلت : نعم انا من أدرك [ أدل ] الناس قال : فسر معنا ، فسرت معهم فلا امر على واد ولا ماء الا سألوني عنه حتى قرطنا ماء الحوأب ، قال : فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ، ثم قالت : وانا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا ، ردوني ، تقول ذلك ثلاثا ، فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك ، وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد. قال : فجاءها ابن الزبير فقال : النجاء فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب. قال : فارتحلوا. وشتموني فانصرفت » (١).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٤٧٥.

٢٦٠