نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

النار ، فيموت وهو من أهل النار ، وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار فينقلب ـ لعلم الله ـ فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة ، فان كنتم لا بدّ فاعلين فبالاموات لا بالاحياء » (١).

وظاهر أن المرتد لا يهتدى به ، ولا ينجو من اقتدى به أبدا ، ونحن ننزه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يأمر بالاقتداء بكل صحابي من صحابته ....

__________________

(١) جامع بيان العلم ٣٩٠.

٢٢١
٢٢٢

تفنيد كلام المزني

حول حديث النّجوم

٢٢٣
٢٢٤

وإذ فرغنا من تفنيد الاستدلال ( الدهلوي ) بحديث النجوم بابطاله سندا ودلالة ، كان من المناسب أن نذكر كلام المزني في معنى الحديث المذكور ، ونتكلم عليه بما يبيّن بطلانه وفساده :

قال ابن عبد البر : « قال المزني رحمه‌الله في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أصحابي كالنجوم ... قال : ان صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه ، فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به ، لا يجوز عندي غير هذا ، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضا ، ولا أنكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم أحد الى قول صاحبه. فتدبر ».

نوادر من سير الاصحاب

أقول : هذا المعنى لا يصح ، لأنه لو كان كلهم ثقة مؤتمنا ـ على ما جاء به ـ لما طعن بعضهم في بعض ولما كذب بعضهم بعضا ... ولو أردنا استقصاء ذلك لاحتجنا الى سفر كبير برأسه ... ولكننا نذكر هنا بعض الصحابة وما واجهوه من الذم والطعن ، وما قيل فيهم من الاصحاب

٢٢٥

وغيرهم :

١ ـ ابو بكر وعمر

لقد كذّب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وسيدنا العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه أبا بكر وعمر في رواية حديث « لا نورث ، ما تركناه صدقة » وأبطلا امتناعهما عن دفع ما تركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أهله ، بالاستناد الى هذا الحديث المزعوم ، ووصفا أبا بكر وعمر بالكذب والإثم والغدر والخيانة. أخرج ذلك مسلم في ( الصحيح ) (١) وتجده في غيره من كتب الحديث ، وقد فصّلنا البحث عن ذلك في مجلد حديث ( مدينة العلم ).

* ورووا ان عمرا قد أقسم بالله كاذبا في قضية الناقة ، فقد ذكر الحافظ ابن حجر بترجمة عبد الله بن كيسبة : « وهو القائل لعمر بن الخطاب ـ واستحمله فلم يحمله :

أقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسها من لقب ولا دبر

فاغفر له اللهم ان كان فجر وكان عمر نظر الى راحلته لما ذكر انها وجعت فقال : والله ما بها من علة [ قلبة ] فرد عليه ، فعلاه بالدرة وهرب وهو يقول ذلك ، فلما سمع عمر آخر قوله حمله وأعطاه ... » (٢).

وفي ( شرح النهج ) في سيرة عمر : « أتى أعرابي عمر فقال : ان ناقتي بها نقبا ودبرا فاحملني ، فقال [ له ] : والله ما ببعيرك نقب ولا دبر ، فقال : اقسم بالله ...

فقال عمر : اللهم اغفر لي ، ثم دعاه فحمله » (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ٥٤.

(٢) الاصابة ٣ / ٩٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٢ / ٦٢.

٢٢٦

وروى القصة عبد القادر البغدادي (١).

* وقال عمر لأهل الحبشة : « نحن أحق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم » فكذبه النبي صلّى الله عليه وسلّم ... أخرجه الشيخان ، وهذا لفظ مسلم : حيث قال :

« حدثنا عبد الله بن براد الأشعري ومحمد بن العلاء الهمداني قالا : نا أبو أسامة ثنى بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال : بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين اليه أنا واخوان لي أنا أصغرهما أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم. اما قال : بعضا واما قال ثلاثة وخمسين ، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي ، قال : فركبنا في سفينة ، فألقتنا سفينتنا الى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، فقال جعفر : ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثنا هاهنا وأمرنا بالاقامة فأقيموا معنا ، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا ، قال ، فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر فأسهم لنا ـ أو قال : أعطانا منها ـ وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا الا لمن شهد معه الا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم.

قال : فكان ناس من الناس يقول لنا ـ يعني لأهل السفينة ـ نحن سبقناكم بالهجرة ، قال فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم زائرة ، وقد كانت هاجرت الى النجاشي فيمن هاجر اليه ، فدخلا عمر على حفصة ـ وأسماء عندها ـ فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس ، قال عمر : الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء : نعم ، فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم.

فغضبت وقالت كلمة : كذبت يا عمر ، كلا والله كنتم مع رسول الله

__________________

(١) خزانة الأدب ٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٢٢٧

صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار ـ أو في أرض ـ البعداء البغضاء في الحبشة ، وذلك في الله وفي رسوله ، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن كنا نؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك.

قال : فلما جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت : يا نبي الله ، ان عمر قال كذا وكذا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم ـ أنتم أهل السفينة ـ هجرتان.

قالت فلقد رأيت ابو موسى وأصحاب السفينة يأتونني إرسالا يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح وأعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قال أبو بردة : فقالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى وانه ليستعد هذا الحديث مني » (١).

أقول : ولقد قال ذلك لأسماء جماعة من الاصحاب تبعا لعمر بن الخطاب فكذبهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك ، فقد روى المتقي : « عن الشعبي ، قال : لما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل جعفر بن أبي طالب ، ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأته أسماء بنت عميس حتى فاضت عبرتها ، فذهب بعض حزنها ، ثم أتاها فعزاها ودعا بنى جعفر فدعا لهم ودعا لعبد الله بن جعفر أن يبارك له في صفقة يده ، فكان لا يشتري شيئا الا ربح فيه.

فقالت له أسماء : يا رسول الله ان هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين ، فقال : كذبوا ، لكم الهجرة مرتين ، هاجرتم الى النجاشي وهاجرتم الي [ ش ] (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ٢٦٤.

(٢) كنز العمال ١٥ / ٢٩٤.

٢٢٨

٢ ـ عثمان بن عفان

لم يصدق أبو بكر وعمر عثمان فيما زعم روايته من استئذانه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رد طريد الرسول الحكم بن أبي العاص الى المدينة. وقد ذكر ذلك كبار علماء أهل السنة في كتبهم كالغزالي في ( المستصفى ١ / ١٥٣ ) والعبري في ( شرح المنهاج ).

٣ ـ أبو موسى الأشعري

وكان أبو موسى الاشعري متهما في الحديث لدى عمر بن الخطاب ، كما تقدم في هذا الكتاب.

٤ ـ أبو هريرة

لقد كذب عمر بن الخطاب أبا هريرة واتهمه وأنكر عليه ، حتى ضربه بالدرة وهدده بإخراجه من المدينة المنورة ... قال السرخسي : « ولما بلغ عمر ان أبا هريرة يروى [ بعض ] ما لا يعرف قال : لتكفن عن هذا أو لا لحقنك بجبال دوس » (١).

وقال ابن عبد البر : « وعن أبي هريرة أنه قال : لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة » (٢).

وفي ( كنز العمال ) : « عن السائب بن يزيد قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لابي هريرة : لتتركن الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لا لحقنك بأرض دوس. وقال لكعب : لتتركن أولا لحقنك بأرض القردة كر » (٣).

ورواه ابن كثير وفيه أيضا : « وقال صالح بن أبي الأخضر عن

__________________

(١) الأصول ١ / ٣٤١.

(٢) جامع بيان العلم ٣٩٩.

(٣) كنز العمال ١٠ / ١٧٩.

٢٢٩

[ الزهري عن ] أبي سلمة سمعت أبا هريرة يقول : ما كنا نستطيع أن نقول « قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قبض عمر » (١).

وفي ( تذكرة الحفاظ ) بترجمة عمر : « عن أبي سلمة عن أبي هريرة قلت له : [ أ ] كنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال : لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته » (٢).

وقال ابن قتيبة : « وأما ما طعنه « يعني النظام » على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فان أبا هريرة صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحوا من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه ، وعمّر بعده نحوا من خمسين سنة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ـ وفيها توفيت أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم وتوفيت عائشة رضي الله عنها قبلها بسنة ـ فلما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الأولين اليه اتهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم إنكارا عليه ، لتطاول الأيام بها وبه ، وكان عمر أيضا شديدا على من أكثر الرواية أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه ، وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية ، يريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والاعرابي » (٣).

وفي ( شرح نهج البلاغة ) عن الاسكافي : « وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية ، ضربه عمر بالدرة وقال [ له ] : قد أكثرت الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

* وكان عثمان أيضا يكذب أبا هريرة ، وكذا سيدنا أمير المؤمنين

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٠٦ ـ ١٠٧.

(٢) تذكرة الحفاظ ١ / ٧.

(٣) تأويل مختلف الحديث ٣٨.

(٤) شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧.

٢٣٠

عليه‌السلام كما مضى في عبارة ابن قتيبة ، وفي ( شرح المنهج ) عن أبي جعفر الاسكافي : « وقد روي عن علي عليه‌السلام أنه قال : ألا ان أكذب الناس ـ أو أكذب الاحياء ـ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو هريرة الدوسي » (١).

* وكان عائشة « المجتهدة!! » أشد الناس انكار على أبي هريرة ، كما نص عليه ابن قتيبة في عبارته الماضية ، وقد اوردنا طرفا من قضاياها معه في القسم الاول من مجلد ( حديث الغدير ).

* وقد كذبه الزبير بن العوام ـ وهو احد العشرة المبشرة كما يقولون ـ فقد ذكر ابن كثير : « قال ابن [ أبي ] خيثمة ثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن [ أبي ] سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن عمر ـ او عثمان ـ ابن عروة عن أبيه ـ يعني عروة بن الزبير بن العوام ـ قال : قال لي أبي الزبير : ادنني من هذا [ اليماني ] ـ يعني ابا هريرة ـ فانه يكثر الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : فأدنيته منه ، فجعل ابو هريرة يحدث وجعل الزبير يقول صدق كذب صدق كذب. قال قلت : يا أبت ما قولك صدق كذب؟ قال : يا بني امّا ان يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا اشك ، ولكن منها ما وضعه [ يضعه ] على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه » (٢).

من كلمات التابعين وكبار العلماء في ابى هريرة

ابراهيم بن يزيد التيمي

قال أبو جعفر الاسكافي على ما نقل عنه ابن أبي الحديد : « وروى سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم التيمي قال : كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة الا ما كان من ذكر جنة أو نار.

وروى أبو أسامة عن الأعمش قال : كان ابراهيم صحيح الحديث

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٨.

٢٣١

فكنت إذا سمعت [ من أحد ] الحديث أتيته فعرضته عليه ، فأتيته يوما بأحاديث من أحاديث [ حديث ] أبي صالح عن أبي هريرة فقال : دعني من أبي هريرة ، انهم كانوا ينكرون [ يتركون ] كثيرا من أحاديثه [ حديثه ] » (١).

ابراهيم بن يزيد النخعي

قال ابن كثير : « وقال شريك عن مغيرة عن ابراهيم قال : كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة ، وروى الأعمش عن ابراهيم قال : ما كانوا يأخذون من كل [ بكل ] حديث أبي هريرة.

[ و ] قال الثوري عن منصور عن ابراهيم قال : كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة أشياء [ شيئا ] ، وما كانوا يأخذون من حديثه [ بكل حديث أبي هريرة ] الا ما كان من صفة جنة أو نار ، أو حث على عمل صالح أو نهى عن شيء [ شر ] جاء القرآن به » (٢).

بسر بن سعيد

قال ابن كثير : « وقال مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مروان الدمشقي عن الليث بن سعد حدثني بكير بن الأشج قال قال بسر بن سعيد : اتقوا الله وتحفظوا [ من ] الحديث فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث حديث [ عن ] رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [ ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي رواية : يجعل ما قاله كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما قال [ قاله ] رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن كعب ، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث » (٣).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

٢٣٢

شعبة بن الحجاج

قال ابن كثير : « وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : كان أبو هريرة يدلس ، أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يبين [ يميز ] هذا من هذا. ذكره ابن عساكر.

وكان شعبة بهذا يشير الى حديثه : من أصبح جنبا ، فلا صيام له ، فانه لما حوقق [ عليه ] قال أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » (١).

أبو حنيفة

قال الاسكافي على ما جاء في ( شرح النهج ) : « وروى أبو يوسف قال قلت لابي حنيفة يجيء الخبر [ الخبر يجيء ] عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخالف قياسنا ما نصنع به؟ قال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي [ ف ] قلت : ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ فقال : ناهيك به [ بهما ] ، فقلت : علي وعثمان؟ فقال : كذلك ، فلما رآني أعد الصحابة قال : الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك » (٢).

أقول : ولعمري ان أبا حنيفة النعمان وان سلك في تعديل قاطبة الاصحاب مسلك المجازفة والعدوان الا انه أحسن غاية الإحسان في استثناء أبي هريرة وغيره من أولي البغي والطغيان.

وقال أبو حنيفة ـ كما ذكر الكوفي نقلا عن الصدر الشهيد ـ : « أقلد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأي الا ثلاثة نفر : أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب ، فقيل له في ذلك فقال أما أنس فقد بلغني أنه

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

٢٣٣

اختلط عقله في آخر عمره ، وكان يستفتي من علقمة ، وأنا لا أقلد علقمة فكيف أقلد من يستفتي من علقمة؟ وأما أبو هريرة فكان يروي كلما بلغه وسمع من غير تأمل في المعنى » (١).

محمد بن الحسن الشيباني

قال ابن حزم في مسألة أحقية البائع بالمتاع إذا أفلس التي خالف فيها الحنفية ـ : « روينا من طريق أبي عبيد انه ناظر في هذه المسألة محمد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أن قال : هذا حديث أبي هريرة. قال أبو محمد : نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق ، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبد الله بن المبارك : من أفقه ، أبو يوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال : قل أيهما أكذب؟ » (٢).

عيسى بن أبان البصري الحنفي

قال علي بن يحيى الزندويستي : « قال عيسى بن أبان أقلد جميع الصحابة الا ثلاثة منهم : أبو هريرة ووابصة بن معبد وأبو سنابل بن بعكك » (٣).

ابو جعفر محمد بن عبد الله الهندواني

قال الزندويستي : « واختلفوا ان تقليد قول الصحابة حجة تقبل بغير معرفة المعنى ويعمل به ، حتى روى عن أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه انه سئل فقيل له : إذا قلت قولا وكتاب الله يخالف قولك؟ قال أترك قولي بكتاب الله ، فقيل له : إذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟ قال : أترك قولي بقول

__________________

(١) كتائب أعلام الأخيار من علماء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.

(٢) المحلى لابن حزم.

(٣) روضة العلماء.

٢٣٤

الصحابي ، فقيل له : إذا كان قول التابعي يخالف قولك؟ قال : لا يترك قولي بقوله ، قال : إذا كان التابعي رجلا فأنا رجل ، ثم قال : أترك قولي بجميع قول الصحابة الا ثلاثة منهم : أبو هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب رضي الله عنهم.

قال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه‌الله : انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون ، أما أبو هريرة فانه روى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال من أصبح جنبا فلا صوم له ، قالت عائشة رضي الله عنها : أخطأ أبو هريرة ، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصبح جنبا من غير احتلام ثم يتم صومه وذلك في رمضان ، قال أبو هريرة : هي أعلم ، كنت سمعته من الفضل ابن العباس ، والفضل كان يومئذ ميتا ، فقد أحال خبره الى ميت ، فصار مطعونا ... » (١).

ابو بكر الجصاص

قال الجصاص ما نصه : « وقد روى أبو هريرة خبرا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : من أصبح جنبا فلا يصومن يومه ذلك ، الا أنه لما أخبر برواية عائشة وأم سلمة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : لا علم لي بهذا ، أخبرني الفضل بن العباس ، وهذا مما يوهن خبره لأنه قال بديا ما أنت قلت ـ ورب الكعبة ـ من أصبح جنبا فقد أفطر ، محمد قال ذلك ورب الكعبة ، وأفتى السائل عن ذلك بالإفطار ، فلما أخذ [ أخبر ] برواية عائشة وأم سلمة تبرأ من عهدته وقال : لا علم لي بهذا ، انما أخبرني به الفضل ... » (٢).

عمر بن عبد العزيز الصدر الشهيد

وقد تقدم ما يفيد طعنه في أبي هريرة عن كتاب ( كتائب أعلام

__________________

(١) روضة العلماء.

(٢) أحكام القرآن ١ / ١٩٥.

٢٣٥

الأخيار ).

الحنفية

وأبو هريرة مطعون لدى فقهاء الحنفية ، وذلك مشهور عنهم ، قال ابن حجر العسقلاني في كتاب البيوع : « قال الحنابلة : واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار [ شتى ] ، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة ، فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي ، وهو كلام آذى به قائله [ قائله به ] نفسه ، وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه ، وقد ترك أبو حنفية القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك.

وأظن [ أن ] لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة ، إشارة منه الى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة ، فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك.

وقال ابن السمعاني في الاصطلام : التعرض الى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله ، بل هو بدعة وضلالة ، وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له ، يعني المتقدم في كتاب العلم وفي أول البيوع » (١).

شيوخ المعتزلة

وتقدم قول أبي جعفر الاسكافي : « وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضي الرواية ، ضربه عمر رضي‌الله‌عنه بالدرة وقال له : قد أكثرت الرواية

__________________

(١) فتح الباري ٤ / ٢٩٠.

٢٣٦

وأخرتك [ وأحر بك ـ ظ ] أن تكون كاذبا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ».

أبو جعفر الإسكافي

وقد طعن فيه أبو جعفر الاسكافي كما سمعت ، وقال أيضا ( شرح النهج ) « ان معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية قبيحة في علي رضي‌الله‌عنه تقتضي الطعن والبراءة منه ، وجعل لهم جعلا يرغب في مثله ، فاختلفوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير.

قال : وأما أبو هريرة : فروي عنه الحديث الذي معناه ان عليا رضي‌الله‌عنه خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسخطه ، فخطب على المنبر وقال : لاها الله ، لا يجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله ، ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ، فان كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد ، أو كلاما هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي ».

أقول : بل يتبين عدم اعتماد الصحابة والتابعين على حديثه من كلام أبي هريرة نفسه ، فقد أخرج عنه الحميدي أنه قال : « ألا انكم تحدثون أني أكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... » (١).

وفي ( المرقاة ) : « وعنه » أي أبي هريرة قال : « انكم » أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين ـ « تقولون : أكثر أبو هريرة » أي الرواية « عن النبي صلّى الله عليه وسلّم والله الموعد » أي : موعدنا ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب ، لان الأسرار تنكشف هنالك.

وقال الطيبي : أي لقاء الموعد ، ويعني به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد وأنقص ، لا سيما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد قال : من كذب

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين ـ مخطوط.

٢٣٧

عليّ معتمدا فليتبوأ مقعده من النار » (١).

وقال الاسكافي على ما نقل عنه : « روى الأعمش قال : لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء الى مسجد الكوفة ، فلما كثر [ فلما رأى كثرة ] من استقبله من الناس جثى على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال : يا أهل العراق ، أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار والله لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ان لكل نبي حرما و [ ان ] حرمي المدينة [ بالمدينة ] ما بين عير الى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد [ بالله ] ان عليا أحدث فيها ، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه امارة المدينة.

قال ابن أبي الحديد : قلت : [ أما قوله ] ما بين عير الى ثور [ فالظاهر انه ] غلط من الراوي لان ثورا بمكة وهو جبل يقال له ثور أطحل ، وفيه الغار الذي دخله رسول الله [ النبي ] صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر [ رضي‌الله‌عنه ] ...

فأما قول أبي هريرة ان عليا عليه‌السلام أحدث [ في المدينة ] ، فحاش لله ، كان علي عليه‌السلام أتقى لله من ذلك ، و [ والله ] لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له الا مثله » (٢).

وقال العيدروس اليمني : « وقال أبو هريرة يوم دفن الحسن بن علي : قاتل الله مروان قال والله ما كنت لادع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد دفن عثمان بالبقيع ، فقلت : يا مروان اتق الله ولا تقل لعلي الا خيرا ، فأشهد لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم خيبر لأعطينّ الراية رجلا يحب الله ورسوله ليس بفرار ، وأشهد لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في الحسن : اللهم اني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.

قال مروان : انك والله لقد أكثرت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

__________________

(١) المرقاة ـ شرح المشكاة ٥ / ٤٥٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧.

٢٣٨

الحديث فلا نسمع منك ما تقول ، فهلم غيرك يعلم ما تقول ، قالت قلت : هذا أبو سعيد الخدري ، فقال مروان : لقد ضاع حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين لا يرويه الا أنت وأبو سعيد الخدري ، والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الا غلام ، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيسير ، فاتق الله يا أبا هريرة.

قال قلت : نعما أوصيت به ، وسكت عنه » (١).

٥ ـ أبى بن كعب

لقد اتهم عمر بن الخطاب أبي بن كعب وأهانه قولا وفعلا ، قال السمهودي « وقال ابن سعد أنا يزيد بن هارون أنا أبو أمية بن يعلى عن سالم أبي النضر قال : لما كثر المسلمون في عهد عمر رضي‌الله‌عنه وضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور الا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين ، فقال عمر للعباس يا أبا الفضل ان مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم الا دارك وحجر أمهات المؤمنين ، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم فقال العباس : ما كنت لأفعل ، قال فقال له عمر : اختر مني إحدى ثلاث أما أن تبيعنيها بما شئت من بيت المال ، وأما أن أحظك [ أخطك ] حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين ، وأما أن تصدق بها على المسلمين فتوسع في مسجدهم فقال : لا ولا واحدة منها ، فقال عمر : اجعل بيني وبينك من شئت ، فقال : أبي بن كعب.

فانطلقا الى أبي فقصا عليه القصة ، فقال أبي : ان شئتما حدثتكم بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالا : حدثنا ، فقال : سمعت

__________________

(١) العقد النبوي ـ مخطوط.

٢٣٩

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : ان الله أوحى الى داود ان ابن لي بيتا أذكر فيه ، فخط لي [ له ] هذه الخطة خطة بيت المقدس ، فإذا تربيعها بزاوية بيت رجل من بني إسرائيل ، فسأله داود أن يبيعه إياها فأبى ، فحدث داود نفسه أن يأخذه منه ، فأوحى الله اليه يا داود أمرتك أن تبني لي بيتا أذكر فيه ، فأردت أن تدخل في بيتي الغصب؟ وليس من شأني الغصب ، وان عقوبتك أن لا تبنيه ، قال : يا رب فمن ولدي؟ قال : فمن ولدك.

فأخذ [ عمر ] بمجامع ابى بن كعب فقال : جئتك بشيء فجئت بما هو أشد منه؟ لتخرجن مما قلت ، فجاء يقوده حتى دخل المسجد فأوقفه على حلقة من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم أبو ذر ، فقال أبي : نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر حديث بيت المقدس حين امر الله داود ان يبنيه الا ذكره ، فقال أبو ذر : انا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وقال آخر : انا سمعته يعني من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فأرسل أبيا ، قال فأقبل أبي على عمر فقال : يا عمر أتتهمني على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال عمر : والله يا ابا المنذر ما اتهمتك عليه ولكن أردت ان يكون الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظاهرا. قال : وقال عمر للعباس : اذهب فلا أعرض لك في دارك ، فقال العباس اما إذ [ ا ] قلت ذلك فاني قد تصدقت بها على المسلمين أوسع عليهم في مسجدهم فأمّا وأنت نخاصمني فلا ، قال : فخط له عمر داره التي هي اليوم وبناها من بيت مال المسلمين » (١).

٦ ـ أنس بن مالك

لقد كذب انس بن مالك في قضية الطير المشوي ، كما هو ظاهر كل الظهور على من راجع مجلد ( حديث الطير ) من كتابنا.

__________________

(١) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ١ / ٤٨٢.

٢٤٠