نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

رضي الله عنها وقالت : اني ابتعت خادما من زيد بن أرقم بثمانمائة ثم بعتها بستمائة ، فقالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت ، أبلغي زيدا ان الله تعالى قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب.

ووجه الاستدلال به من وجهين :

أحدهما أنها ألحقت بزيد وعيدا لا يوقف عليه بالرأي ، وهو بطلان الطاعة بما سوى الردة ، فالظاهر أنها قالته سماعا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يلتحق الوعيد الاّ بمباشرة المعصية ، فدلّ على فساد البيع لان البيع الفاسد معصية.

والثاني : أنها رضي الله عنها سمّت ذلك بيع سوء وشراء سوء ، والفاسد هو الذي يوصف بذلك لا الصحيح ».

وقال برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني في ( الهداية ) « قال : ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسية فقبضها ، ثم باعها من البائع بخمس مائة درهم قبل أن ينقد الثمن ، لا يجوز البيع الثاني ، وقال الشافعي : يجوز لانّ الملك قد تم فيها بالقبض فصار البيع من البائع ومن غيره سواء ، وصار كما لو باع بمثل ثمن الاول أو بالزيادة أو بالعوض. ولنا : قول عائشة (رض) لتلك المرأة وقد باعت بستمائة. بعد ما اشترت بثمان مائة : بئس ما شريت واشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم أن الله قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب! ».

وقال مجد الدين مبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشافعي « أم يونس ، قالت : جاءت أم ولد زيد بن أرقم الى عائشة فقالت : بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم أشتريها منه قبل حلول الأجل بستمائة ، وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا أشتريها منك ، فقالت لها عائشة : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب منه. قالت : فما

١٨١

نصنع؟ فتلت عائشة : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فينتقم الله منه ، فلم ينكل أحد على عائشة والصحابة متوفرون. ذكره رزين ولم أجده « في الأصول ».

وقال مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله الحراني في كتاب ( المنتقى ) « باب ان من باع سلعة بنسية لا يشتريها بأقل مما باعها. عن أبى إسحاق السبيعي ، عن امرأته انها دخلت على عائشة فدخلت معها ام ولد زيد بن أرقم ، فقالت : يا ام المؤمنين! اني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسية واني ابتعته منه بستمائة نقدا ، فقالت لها عائشة : بئس ما اشتريت وبئس ما شريت ، ان جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بطل الاّ أن يتوب. رواه الدارقطني ».

وقال ابو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي في ( جامع مسانيد ابو حنيفة ) « ابو حنيفة ، عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبى السفر أن امرأة قالت لعائشة (رض) : ان زيد بن أرقم باعني جارية بثمان مائة درهم ثم استردّها مني بستمائة درهم ، فقالت : أبلغيه عنّي أن الله أبطل جهاده مع رسول الله ان لم يتب ».

وقال أبو البركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسفي في ( كشف الأسرار ـ شرح المنار ) : « وقد اتفق عمل أصحابنا بالتقليد فيما لا يعقل بالقياس كما في أقل الحيض ، أخذا بقول أنس ، وشراء ما باع بأقل مما باع قبل بعد الثمن ، عملا بقول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم ».

وقال علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري في ( كشف الأسرار ـ شرح أصول البزدوي ) : « وأفسدوا شراء ما باع بأقل مما باع ، يعني قبل أخذ الثمن ، مع أن القياس يقتضي جوازه كما قال الشافعي ، لان الملك في المبيع قدتم بالقبض للمشتري فيجوز بيعه من البائع بما شاء كالبيع من غيره وكالبيع بمثل الثمن منه ، عملا بقول عائشة رضي الله عنها ، وهو ما روت أم يونس أن امرأة جاءت الى عائشة رضي الله عنها وقالت : اني بعت من زيد بن أرقم

١٨٢

خادما بثمان مائة درهم الى العطاء فاحتاج الى ثمنه فاشتريته منه قبل محل الأجل بستمائة ، فقالت عائشة رضي الله عنها : بئسما شريت واشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل جهاده وحجه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب. فأتاها زيد ابن أرقم معتذرا ، فتلت قوله تعالى : ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ). فتركنا القياس به لان القياس لما كان مخالفا لقولها تعين جهة السماع فيه. والدليل عليه أنها جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد ، وأجزئة الجرائم لا تعرف بالرأى ، فعلم ان ذلك كالمسموع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، واعتذار زيد إليها دليل على ذلك أيضا ، فان بعضهم كان يخالف بعضا في المجتهدات وما كان يعتذر الى صاحبه ».

وقال حسن بن محمد الطيبي في ( كاشف ـ شرح مشكاة ) في باب الربا في شرح حديث « مح (١) » : احتج أصحابنا بهذا الحديث أن الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلا الى مقصود الربا ليس بحرام ، وذلك أن من أراد أن يعطى صاحبه مائة درهم بمائتين فيبيعه بمائتين ثم يشتري منه بمائة ، لأنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال : بع هذا واشتر بثمنه من هذا ، وهو ليس بحرام عند الشافعي.

وقال مالك وأحمد : هو حرام.

أقول : وينصره ما رواه رزين في كتابه عن أم يونس انها قالت : جاءت أم ولد زيد بن أرقم الى عائشة رضي الله عنها فقالت : بعت جارية من زيد بثماني مائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها منه قبل حلول الأجل بستمائة ، وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا أشتريها منك ، فقالت لها عائشة رضي الله عنها : بئس ما شريت وبئسما اشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب منه. قالت : فما

__________________

(١) أى : قال محيي الدين النووي في « شرح مسلم ».

١٨٣

يصنع : فتلت عائشة رضي الله عنها : ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) تعالى الآية. فلم ينكر أحد على عائشة ، والصحابة متوفرون ».

وقال فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي في ( تبيين الحقائق ـ شرح كنز الدقائق ) : « قال : وشراء ما بالأقل قبل النقد ، ومعناه أنه لو باع شيئا وقبضه المشتري ولم يقبض البائع الثمن فاشتراه بأقل من الثمن الاول لا يجوز ، وقال الشافعي ( رح ) يجوز ، وهو القياس ، لان الملك قد تم بالقبض فيجوز بيعه بأي قدر كان من الثمن ، كما إذا باعه من غير البائع أو منه بمثل الثمن الاول أو بأكثر أو بعرض أو بأقل بعد النقد.

ولنا : ما روى عن أبي إسحاق السبيعي ، عن امرأة انها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم ، فقالت : يا أم المؤمنين اني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم نسيئة واني ابتعته منه بستمائة نقدا ، فقالت لها عائشة : بئسما شرى! ان جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد بطل الا أن يتوب. رواه الدارقطني.

فهذا الوعيد دليل على أن هذا العقد فاسد ، وهو لا يدرك بالرأي فدل على أنها قالته سماعا ، ولا يقال : قد روى أنها قالت : اني بعته الى العطاء ، فلعلها أنكرت عليها لذلك. لأنا نقول : كانت عائشة رضي الله عنها ترى البيع الى العطاء ولان الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه ، فإذا عاد اليه عين ما له بالصفة التي خرج من ملكه وصار بعض الثمن قصاصا ببعض بقي له عليه فضل بلا عوض ، فكان ذلك ربح ما لم يضمن ، وهو حرام بالنص ». وقال أبو الفدا إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي في ( تفسيره ) : « وقال ابن أبي حاتم : قرأ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن أم يونس ـ يعني امرأته العالية بنت أيفع ـ ان عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت لها أم بحنه ( محبة ظ ) : ام ولد زيد بن أرقم : يا أم المؤمنين : أتعرفين زيد بن أرقم :

١٨٤

قالت نعم! قالت : فاني بعته عبدا الى العطاء بثمانمائة فاحتاج الى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة ، فقالت : بئسما شريت وبئسما اشتريت ، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد بطل ان لم يتب. قالت : فقلت أرأيت تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت : نعم! ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ).

وهذا الأثر مشهور وهو دليل لمن حرم مسألة العينة ، مع ما جاء فيها من الأحاديث المذكورة المقررة في كتاب الاحكام ، ولله الحمد والمنة » (١).

قال أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي في ( العناية ) : « وحاصل ذلك أن شراء ما باع لا يخلو من أوجه ، اما ان يكون من المشتري بلا واسطة أو بواسطة شخص آخر والثاني جائز بالاتفاق مطلقا : أعنى سواء اشترى بالثمن الاول أو بأنقص أو بأكثر أو بالعرض ، والاول اما أن يكون بأقل أو بغيره ، والثاني بأقسامه جائز بالاتفاق ، والاول هو المختلف فيه ، الشافعي (ره) جوزه قياسا على الأقسام الباقية وبما إذا باع من غير البائع فانه جائز أيضا بالاتفاق ، ونحن لم نجوزه بالأثر والمعقول.

أما الأثر : فما قال محمد : حدثنا أبو حنيفة يرفعه الى عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها فقالت : اني اشتريت من زيد بن أرقم جارية بثمانية مائة درهم الى العطاء ، ثم بعتها منه بستمائة درهم قبل محل الأجل فقالت عائشة رضي الله عنها : بئسما اشتريت! أبلغي زيد بن أرقم ان الله تعالى قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب ، فأتاها زيد بن أرقم معتذرا ، فتلت عليه قوله تعالى : فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ.

ووجه الاستدلال انها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأجزية الأفعال لا تعلم بالرأي فكان مسموعا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والعقد الصحيح لا يجازى بذلك

__________________

(١) تفسير ابن كثير ١ / ٣٢٧.

١٨٥

فكان فاسدا وان زيدا اعتذر إليها ، وهو دليل على كونه مسموعا لان في المجتهدات كان بعضهم يخالف بعضا ، وما كان أحدهما يعتذر الى صاحبه ، وفيه بحث ، لجواز أن يقال إلحاق الوعيد لكون البيع الى العطاء هو أجل مجهول. والجواب أنه ثبت من مذهبها جواز البيع الى العطاء وهو أجل مجهول. والجواب أنه ثبت من مذهبها جواز البيع الى العطاء وهو مذهب علي رضي الله عنها فلا يكون كذلك ، ولأنها كرهت العقد الثاني حيث قالت : بئسما شريت ، مع عرائه عن هذا المعنى ، فلا يكون لذلك بل لأنهما تطرقا به الى الثاني. فان قيل : القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في المبيع قبل قبضه. أجيب بأن تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض ».

وقال جلال الدين الخوارزمي الكرماني في ( الكفاية ) : « ولنا : قول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة ، وهو أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله تعالى عنها وقالت : اني اشتريت من زيد بن أرقم جارية الى العطاء بثمان مائة درهم ثم بعتها منه بستمائة. فقالت عائشة : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت! أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب عن هذا. فأتاها زيد بن أرقم معتذرا ، فتلت قوله تعالى : فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ.

فهذا الوعيد الشديد دليل على فساد هذا العقد ، وإلحاق هذا الوعيد لهذا الصنع لا يهتدي اليه العقل ، إذ شيء من المعاصي دون الكفر لا يبطل شيئا من الطاعات الا أن يثبت شيء من ذلك بالوحي ، فدل على أنها قالته سماعا ، واعتذار زيد إليها دليل على ذلك ، لان في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضا وما كان يعتذر أحد الى صاحبه فيها. ولا يقال : انما ألحقت الوعيد بن للأجل الى العطاء. لأنا نقول : ان مذهب عائشة رضي‌الله‌عنه جواز البيع الى العطاء ولأنها قد كرهت العقد الثاني بقولها : بئس ما شريت. وليس فيه هذا المعنى وانما ذمت البيع الاول وان كان جائزا عندها ، لأنه صار ذريعة الى البيع الثاني الذي هو موسوم بالفساد ، وهذا كما يقول

١٨٦

لصاحبه : بئس البيع الذي أوقعك في هذا الفساد وان كان البيع جائزا.

فان قيل : يحتمل أنها ذمت البيع الاول لفساده بجهالة الأجل وأنها رجعت عن تجويز البيع الى العطاء والبيع الثاني ، لأنه بيع المبيع قبل القبض إذ القبض لم يذكر في الحديث. قلنا : الرجوع لم يثبت وانما ذمت البيع الثاني لأجل الربا حتى تلت عليه آية الربا ، وليس في بيع المبيع قبل القبض الربا ».

وقال أبو اسحق ابراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبى في كتاب ( الموافقات في أصول الاحكام ) : « والثاني من الاطلاقين أن يراد بالبطلان عدم ترتب آثار العمل عليه في الاخوة وهو الثواب. ويتصور ذلك في العبادات والعادات فتكون العبادة باطلة بالإطلاق الاول فلا يترتب عليها جزاء لأنها غير مطابقة لمقتضى الأمر بها ، وقد تكون صحيحة بالإطلاق الاول ولا يترتب عليها ثواب أيضا ، فالأول كالمتعبد رئاء الناس فان تلك العبادة غير مجزئة ولا يترتب عليها ثواب والثاني كالمتصدق بالصدقة يتبعها بالمن والأذى وقد قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ * وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ ) ، الآية. وقال ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ). وفي الحديث : « أبلغى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب ، على تأويل من جعل الابطال حقيقة ».

وقال بدر الدين محمود بن أحمد العيني في ( شرح الهداية ) : « (ص) : ولنا قول عائشة رضي‌الله‌عنه لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما اشترت بثمان مائة : بئسما شريت! أبلغي زيد بن أرقم ان الله تعالى قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب.

( ش ) : هذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه : أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأة أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألت امرأة فقالت : يا ام المؤمنين! كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة الى العطاء ثم

١٨٧

ابتعتها منه بستمائة فنقدت له الستمائة. فقالت عائشة : بئسما شريت وبئسما اشتريت أخبرى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الا أن يتوب. فقالت المرأة لعائشة رضي الله عنها : أرأيت ان أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت : من جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ. وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما عن يونس بن أبي إسحاق الهمداني عن امه العالية ، قالت : كنت قاعدة عند عائشة رضي الله عنها فأتتها ام محبة فقالت : انى بعت زيد بن أرقم جارية الى العطاء. فذكرا بنحوه.

وقال الدارقطني : ام محبة وام العالية مجهولتان لا يحتج بهما. ( قلت ) : بل العالية امرأة معروفة جليلة القدر ، ذكرها ابن سعد في ( الطبقات ) فقال : العالية بنت أيفع بن شرحبيل. امرأة أبي إسحاق السبيعي : سمعت من عائشة رضي الله عنها. وأم محبة بضم الميم وكسر الحاء. كذا ضبطه الدارقطني في كتاب ( المؤتلف والمختلف ).

ورواه أبو حنيفة في مسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي السفر أن امرأة سألت عن عائشة فقالت : ان زيد بن أرقم باعني جارية بثمان مائة واشتراها مني بستمائة فقالت : أبلغي عن زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده ان لم يتب.

وجه الاستدلال أنها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب ، وأجزية الجرائم لا تعلم بالرأي فكان مسموعا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والعقد الصحيح لا يجازى بذلك فكان فاسدا وان زيدا اعتذر إليها ، وهو دليل على كونه مسموعا ، وفي المجتهدات كان بعضهم يخالف بعضا وما كان أحدهما يعتذر الى صاحبه. فان قلت : يجوز أن يكون إلحاق الوعيد لكون البيع الى العطاء وهو أجل مجهول. ( قلت ) : ثبت من مذهب عائشة رضي الله عنها جواز البيع الى العطاء وهو مذهب علي وابن أبي ليلى وآخرين ولم يكن كذلك. فان قلت : لم كرهت العقد الاول مع أن الفساد من الثاني؟ قلت لأنها تطرق به الى

١٨٨

الثاني ، كالسفر يكون محظورا إذا كان لقطع الطريق وان كان السفر مباحا في نفسه. فان قلت : القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في المبيع قبل القبض. قلت : تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض ».

وقال ابن الهمام السيواسي في ( فتح القدير ) : « ولنا : قول عائشة رضي الله عنها الى آخر ما نقله المصنف عن عائشة ، يفيد أن المرأة هي التي باعت زيدا بعد أن اشترت منه وحصل له الربح لان « شريت » معناه « بعت » ، قال تعالى : شروه بثمن بخس. أي : باعوه ، وهو رواية أبي حنيفة فانه روى في مسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبى السفر أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها ان زيد بن أرقم باعني جارية بثمانمائة درهم ثم اشتراها مني بستمائة. فقالت : أبلغيه أن الله أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب. ففي هذا أن الذي باع زيد ثم استرد وحصل الربح له ، ولكن رواية غير أبي حنيفة من أئمة الحديث عكسه.

روى الامام أحمد بن حنبل ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وام ولد زيد بن أرقم فقالت ام ولد زيد لعائشة : اني بعت من زيد غلاما بثمان مائة درهم نسية واشتريته بستمائة نقدا. فقالت أبلغي زيدا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الا أن تتوب بئسما شريت وبئسما اشتريت وهذا فيه أن الذي حصل له الربح هي المرأة قال ابن عبد الهادي في « التنقيح » : هذا اسناد جيد وان كان الشافعي قال : لا يثبت مثله عن عائشة. وقول الدارقطني في العالية « هي مجهولة لا يحتج بها » فيه نظر ، فقد خالفه غير واحد ، ولو لا أن عند ام المؤمنين علما من رسول الله أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد. وقال غيره : هذا مما لا يدرك بالرأي. والمراد بالعالية امرأة أبي إسحاق السبيعي التي ذكر أنها دخلت مع ام ولد على عائشة.

١٨٩

قال ابن الجوزي : قالوا ان العالية امرأة مجهولة لا يحتج بنقل خبرها. قلنا : هي امرأة جليلة القدر ، ذكرها ابن سعد في « الطبقات » فقال : العالية بنت أنفع بن شراحيل ، امرأة أبي إسحاق السبيعي. سمعت من عائشة. وقولها : بئسما شريت ، أي بعت. قال تعالى : وشروه بثمن بخس. أي باعوه. وانما ذمت العقد الاول لأنه وسيلة ، وذمت الثاني لأنه مقصود بالفساد.

وروى هذا الحديث على هذا النحو عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت : كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة الى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته ستمائة وكتب لي عليه ثمانمائة. فقالت عائشة : ـ الى قولها ـ الا أن يتوب. وزاد : فقالت المرأة لعائشة : أرأيت ان أخذت راس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. لا يقال : ان قول عائشة وردها لجهالة الأجل وهو البيع الى العطاء فان عائشة كانت ترى جواز الأجل الى العطاء ، ذكره في ( الأسرار ) وغيره ».

وقال ابن أمير الحاج الحلبي في كتاب ( التقرير والتحبير ) في مسألة إلحاق قوله الصحابي بالسنة : « وفساد بيع ما اشترى قبل نقد الثمن لقول عائشة لام ولد زيد بن أرقم ـ لما قالت لها : اني بعت من زيد غلاما بثمانمائة درهم نسيئة واشتريته بستمائة نقدا ـ : أبلغى زيدا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الا أن تتوب بئسما اشتريت وبئسما شريت. رواه أحمد. قال ابن عبد الهادي : اسناده جيد ».

وقال عبد اللطيف بن عبد العزيز الحنفي المعروف بابن الملك في ( شرح المنار ) : « وكفساد شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن مع أن القياس يقتضى جوازه عملا بقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة القائلة : اني بعت خادما من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم الى العطاء فاحتاج الى ثمنه فاشتريته منه بستمائة ، قالت : بئسما شريت واشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم

١٩٠

أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله عليه‌السلام ان لم يتب ».

وقال زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المعروف بابن العيني في ( شرح المنار ) : « وشراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن أفسدوه بقوله عائشة للتي قالت : اني بعت من زيد بن أرقم خادما بثمانمائة درهم الى العطاء فاحتاج الى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة : بئسما شريت واشتريت! أبلغى زيد ابن أرقم أن الله أبطل جهاده وحجه مع رسول الله عليه‌السلام ان لم يتب ».

وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره ( الدر المنثور ) : « وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عائشة أن امرأة قالت لها : اني بعت زيد بن أرقم عبدا الى العطاء بثمانمائة فاحتاج الى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة : فقالت : بئسما شريت وبئسما اشتريت ، أبلغى زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب. قلت أفرأيت ان تركت المائتين وأخذت الستمائة! فقالت : نعم! من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ». (١)

وقال في ( عين الاصابة ) : « أخرج عبد الرزاق في ( المصنف ) والدارقطني والبيهقي في ( سننهما ) عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت : يا ام المؤمنين! كانت لنا جارية فبعتها من زيد ابن أرقم بثمانمائة الى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتب عليه ثمانمائة : فقالت عائشة : بئسما اشتريت وبئسما شريت ، أبلغى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الا أن يتوب. فقالت المرأة لعائشة : أرأيت ان أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ قالت : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال عبد الرحمن بن علي الشهير بابن الديبع الشيباني في ( تيسير الوصول ) : « وعن ام يونس ، قالت : جاءت ام ولد زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه

__________________

(١) الدر المنثور ١ / ٣٦٥.

١٩١

الى عائشة رضي الله عنها فقالت : بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها منه قبل حلول الأجل بستمائة درهم وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا اشتريتها منك. فقالت عائشة رضي الله عنها : بئس ما شريت ، وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب منه. قالت فما يصنع؟ فتلت عائشة رضي الله عنها : فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. الآية. فلم ينكر أحد على عائشة رضي الله عنها ، والصحابة رضي الله عنهم متوفرون ».

وقال زين الدين الشهير بابن نجيم المصري في ( البحر الرائق ـ شرح كنز الدقائق ) :

« قوله : وشراء ما باع بالأقل قبل النقد. أي لم يجز شراء البائع ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن ، فهو مرفوع عطفا على البيع لا أنه مجرور عطفا على المجرورات لأنه لو كان كذلك لصار المعنى لم يجز بيع شراء ، وهو فاسد وانما منعنا جوازه استدلالا بقول عائشة (رض) لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما اشترت بثمانمائة : بئس ما شريت واشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب ».

وقال الملا علي القاري في ( المرقاة ـ شرح المشكاة ) في شرح حديث تمر جنيب بعد ذكر الاختلاف في مسألة الاحتيال في الربا : « قال الطيبي رحمه‌الله : وينصر قول مالك وأحمد ما رواه رزين في كتابه عن ام يونس أنها قالت : جاءت ام ولد لزيد بن أرقم الى عائشة رضي الله عنها فقالت : بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها قبل حلول الأجل بستمائة وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا أشتريها منك فقالت لها عائشة رضي الله عنها : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب. قالت : فما يصنع؟ قالت : فقالت عائشة : فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. فلم ينكر أحد على عائشة ، والصحابة متوفرون ».

١٩٢

وقال محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي مفتي حلب الشهباء في كتاب ( الفوائد السنية ـ شرح الفوائد السنية ) :

ومن شرى ما باع بالأقل

من الذي باع به من قبل

والثمن الاول ما كان نقد

فذا شراؤه يقينا قد فسد

أي : ان اشترى جارية مثلا بألف درهم حالة أو نسية فقبضها ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل ان ينقد الثمن الاول لا يجوز البيع الثاني ، لقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة وقد باعت جارية من زيد بن أرقم بثمانمائة الى العطاء ثم ابتاعتها منه بستمائة وكتبت عليه ثمانمائة : بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى اخبرى زيد بن أرقم ان الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب ».

وقال الملا أحمد بن أبى سعيد بن عبيد الله الحنفي في ( نور الأنوار ـ شرح المنار ) « وشراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن الاول فان القياس يقتضى جوازه ، ولكنا قلنا بحرمته جميعا عملا بقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما شرت بثمانمائة من زيد بن أرقم : بئس ما شريت واشتريت أبلغي زيد بن أرقم بأن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب ».

وقال المولوي عبد العلى بن نظام الدين الانصاري في ( فواتح الرحموت ) في مسألة « تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي » « مثال آخر : روى رزين عن ام يونس ، قالت : جاءت ام ولد زيد بن أرقم الى ام المؤمنين عائشة فقالت : بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها قبل حلول الأجل بستمائة وكنت شرطت عليه ان بعتها فأنا اشتريتها منك. فقالت لها عائشة : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلّم ان لم يتب منه. قالت : فما نصنع؟ قال : قالت عائشة : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فينتقم الله منه. والحكم ببطلان الجهاد لا يكون بالرأي فلا بد من السماع ».

١٩٣

٩ ـ بيع بعضهم الخمر

لقد كان في الاصحاب من يقول بجواز بيع الخمر ، وقد ارتكب هذا الذنب الكبير فعلا ، وان ذلك ـ وان كان عن اجتهاد!! ـ قد أزعج عمر ابن الخطاب حتى قال : قاتل الله فلانا باع الخمر؟!

وهذا أيضا من الآثار المشهورة التي اتفق كافة الرواة والعلماء على نقله :

قال الشافعي في ( مسنده ) : « أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : بلغ عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أنّ رجلا باع خمرا فقال : قاتل الله فلانا! باع الخمر؟ أما علم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : قاتل اليهود! حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها ».

وقال ابو بكر بن ابى شيبة البغدادي : « حدثنا هشيم عن مطيع عن الشعبي عن مسروق ، قال : قال عمر : لعن الله فلانا فانه اول من اذن في بيع الخمر ». (١)

وقال احمد بن حنبل : « حدّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس ذكر لعمر رضي‌الله‌عنه ان سمرة ـ وقال مرّة : بلغ عمران سمرة ـ ، باع خمرا ، قال : قاتل الله سمرة ، ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها » (٢).

وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في ( مسنده ) : « حدثنا محمد بن احمد ، ثنا سفيان عن عمرو ـ يعنى ابن دينار ـ عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال : قاتل الله سمرة ، أما علم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. قال سفيان : جملوها أذابوها ».

وقال البخاري في ( الصحيح ) في باب « لا يذاب شحم الميتة ولا يباع

__________________

(١) المصنف ٨ / ١٩٥.

(٢) المسند لأحمد ١ / ٢٥.

١٩٤

ود كه » : « حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار ، قال : أخبرني طاوس أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول : بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال : قاتل الله فلانا! ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن ابن شهاب ، قال : سمعت سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها. قال أبو عبد الله : قاتلهم الله : لعنهم قتل ـ لعن ـ الخراصون ».

وقال في باب « ما ذكر عن بني إسرائيل » : « حدثنا على بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر رضي‌الله‌عنه يقول : قاتل الله فلانا! ألم يعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. تابعه جابر وأبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ».

وقال مسلم في ( الصحيح ) : « حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن ابراهيم ـ واللفظ لابي بكر ـ قالوا : نا : سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس ، قال : بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال : قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. حدثنا أمية بن بسطام ، نا : يزيد بن زريع ، نا : روح ـ يعني ابن القاسم ـ عن عمرو بن دينار بهذا الاسناد مثله ».

وقال ابن ماجة في ( السنن ) في باب « التجارة في الخمر » : « حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ، قال : بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال : قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها ».

١٩٥

وقال النسائي في ( السنن ) : « النهى عن الانتفاع بما حرم الله عز وجل. أخبرنا اسحق بن ابراهيم ، قال : أخبرنا سفيان عم عمرو عن طاوس عن ابن عباس قال : أبلغ عمر أن سمرة باع خمرا ، قال : قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها. قال سفيان : أذابوها ».

وقال الغزالي في ( احياء العلوم ) : « ومن الوقت الذي نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الربا فقال : أول ربا أضعفه ربا العباس ، ما ترك الناس بأجمعهم كما لم يتركوا شرب الخمر وسائر المعاصي حتى روى أن بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم باع الخمر فقال عمر رضي‌الله‌عنه : لعن الله فلانا ، هو أول من سن بيع الخمر ».

وقال عبد الغني بن عبد الواحد بن على بن مسرور الجماعيلي المقدسي الحنبلي في ( عمدة الاحكام ) : « عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال : قاتل الله فلانا ، ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. جملوها : أذابوها ».

وقال ابن الأثير الجزري : « [ خ م س ] ابن عباس ، قال : بلغ عمر بن الخطاب أن فلانا باع خمرا فقال : قاتل الله فلانا ، ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها. هذه رواية البخاري ومسلم ، وأخرجه النسائي قال [ أ ] بلغ عمر أن سمرة بن جندب باع خمرا فقال : قاتل الله سمرة ألم يعلم؟ الحديث ».

وقال علاء الدين علي بن محمد بن ابراهيم البغدادي المعروف بالخازن في تفسيره ( لباب التأويل ) في تفسير الآية : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ) : « أجمعت الامة على تحريم بيع الخمر والانتفاع بها وتحريم ثمنها ، ويدل على ذلك ما روى عن جابر ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول عام فتح مكة ان الله تعالى حرم بيع الخمر والانتفاع بها والميتة والخنزير

١٩٦

والأصنام. أخرجاه في ( الصحيحين ) مع زيادة اللفظ ( ق ). عن عائشة ، قالت : خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : حرمت التجارة في الخمر.

( ق ). عن ابن عباس ، قال : بلغ عمر بن الخطاب أن فلانا باع خمرا فقال : قاتل الله فلانا : ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها ».

وقال عماد الدين اسماعيل بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبي الشافعي في ( احكام الاحكام ـ شرح عمدة الاحكام ) في شرح حديث « قاتل الله فلانا » : « وفلان الذي كنى عنه هو سمرة بن جندب ».

وقال ابن حجر العسقلاني في ( تلخيص الخبير ) : « حديث نهي عن بيع العنب من عاصره. أخرجه الطبرانيّ في الأوسط عن محمد بن أحمد بن أبي خثيمة بإسناده عن بريدة ، مرفوعا : من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة.

وفي ( الصحيحين ) : بلغ عمر بن الخطاب ان فلانا ـ يعنى سمرة بن جندب ـ باع خمرا فقال : قاتل الله فلانا ، الحديث وفي الباب الأحاديث الواردة في لعن بائع الخمر ومبتاعها وحاملها والمحمولة اليه ».

وقال الملا علي المتقى : « عن ابن عباس ، قال : بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال : قاتل لله سمرة! اما علم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : قاتل الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. عب. حم والدارمي والعدني خ. م : ن حب وابن الجارود : وابن جرير. ق » (١).

وقال : « عن عمر ، قال : لعن الله فلانا أول من أذن في بيع الخمر وان التجارة لا تصح فيما لا يحل أكله وشربه. ش. ق. أي أخرجه ابن أبي شيبة في « المصنف » والبيهقي في « السنن ».

* ورووا ان سمرة قد خلط في فيء المسلمين ثمن الخمر والخنزير ، فلما

__________________

(١) كنز العمال ٤ / ٩١.

١٩٧

بلغ ذلك عمر استنكره بشدة ، قال المتقي : « عن ابن عباس قال : رأيت عمر يقلب كفيه وهو يقول : قاتل الله سمرة عويمل لنا بالعراق ، خلط في فيء المسلمين ثمن الخمر والخنزير ، فهي حرام وثمنها حرام عب. ق » (١).

هذا وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ فيما روى عنه الحفاظ ـ « من باع الخمر فليشقص الخنازير » قال الخازن : « أخرجه أبو داود. قال : والمعنى من استحل بيع الخمر فليستحل بيع الخنازير ، فإنهما في التحريم سواء ».

بل انه قد ارتقى في أمر الخمر حتى جعل يدلك جسده بدرديه ، الأمر الذي دعا عمر لان يلعنه على المنبر ، وممن روى ذلك فقيه الحنفية فخر الإسلام السرخسي ، حيث قال : « ويكره شرب دردي الخمر والانتفاع به ، لان الدردي من كل شيء بمنزلة صافيه ، والانتفاع بالخمر حرام فكذلك بدرديه ، وهذا لان في الدردي أجزاء الخمر ، ولو وقعت قطرة من خمر في ماء لم يجز شربه والانتفاع به ، فالدردي أولى ، والذي روي ان سمرة بن جندب رضي‌الله‌عنه كان يتدلك بدردي الخمر في الحمام ، فقد أنكر عليه عمر رضي‌الله‌عنه ذلك حتى لعنه على المنبر لما بلغه ذلك عنه ، وليس لاحد ان يأخذ بذلك بعد ما أنكره عمر رضي‌الله‌عنه » (٢).

* أقول : وقد سبق سمرة بن جندب في هذا الاجتهاد!! خالد بن الوليد ـ وهو أحد كبار مجتهدي الصحابة؟! فقد كان مولعا بالخمر غير مرتدع عنه ، حتى لقد وبخه عمر فلم ينته فعزله عن الامارة ، قال الطبري : « كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة قالا : فما زال خالد على قنسرين حتى غزا غزوته التي أصاب فيها وقسم فيها ما أصاب لنفسه.

__________________

(١) كنز العمال ٤ / ٩١.

(٢) المبسوط ٢٤ / ٢٠.

١٩٨

كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن أبي المجالد مثله.

قالوا : وبلغ عمر ان خالدا دخل الحمام فتدلك بعد النورة بثخين عصفر معجون بخمر. فكتب اليه : بلغني انك تدلكت بخمر وان الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الإثم وباطنه ، وقد حرم مس الخمر الا ان تغسل كما حرم شربها ، فلا تمسوها أجسادكم فإنها رجس ، وان فعلتم فلا تعودوا.

فكتب اليه خالد : انا قتلناها فعادت غسولا غير خمر. فكتب اليه عمر : اني أظن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه. فانتهى اليه ذلك » (١).

وقال ابن الأثير : « وقيل ان خالد بن الوليد حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل حماما بآمد فاطلى بشيء فيه خمر فعزله عمر » (٢).

وقال ابن خلدون : « قيل ان خالد حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل الحمام بآمد فاطلى بشيء فيه خمر » (٣).

وقال : « وشاع في الناس ما أصاب خالد مع عياض بن غنم من الأموال ، فانتجعه رجال منهم الأشعث بن قيس وأجازه بعشرة آلاف ، وبلغ ذلك عمر مع ما بلغه من تدلّكه بالخمر ، فكتب الى أبي عبيدة أن يقيمه في ، المجلس وينزع عنه قلنسوته ويعقله بعمامته ويسأله من اين أجاز الأشعث فان كان من ما له فقد أسرف فاعزله واضمم إليك عمله ».

* قد باع معاوية بن أبي سفيان المجتهد الأعظم!! الخمر على عهد عثمان بن عفان ... قال أبو هلال العسكري : « أخبرنا أبو القاسم بإسناده عن المدائني عن أبي معشر عن محمد بن كعب عن بريدة الاسلمي قال : مر بعبادة بن الصامت عير تحمل الخمر بالشام [ من الشام ] ، فقال : أزيت هذا؟

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٦٦.

(٢) الكامل ٢ / ٣٧٥.

(٣) تاريخ ابن خلدون المجلد الثاني ٩٥٦.

١٩٩

قالوا : [ لا ] بل خمر تباع لمعاوية ، فأخذ شفرة فشق الروايا ، فشكاه معاوية الى أبي هريرة ، فقال له ابو هريرة : مالك ولمعاوية؟ له ما تحمل ان الله تعالى يقول : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ ). فقال : يا ابا هريرة انك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، بايعناه على السمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ وان ] نمنعه مما نمنع نساءنا وأبناءنا ولنا الجنة ، فمن وفي بها لله [ الله ] وفي الله له ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه.

فكتب معاوية الى عثمان يشكوه ، فحمله الى المدينة ، فلما دخل عليه قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : سيلي أموركم رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، وعبادة يشهد ان معاوية منهم. فلم يراجعه عثمان » (١).

١٠ ـ الإفتاء بغير علم

لقد كان في الاصحاب من يفتي بغير علم ، فهل يكون هكذا شخص كالنجم يهتدى من يقتدي به؟

وإليك بعض الشواهد على ذلك :

قال المتقي : « عن عاصم بن ضمرة قال : جاء نفر الى أبي موسى الاشعري فسألوه عن الوتر فقال : لا وتر في الأذان ، فأتوا عليا فأخبروه فقال : لقد أغرق في النزع وأفرط في الفتيا ، الوتر ما بينك وبين صلاة الغداة من أوترت فحسن. عبا. وابن جرير » (٢).

وكلمة أمير المؤمنين عليه‌السلام هذه عن أبي موسى كافية لا ثبات جهله وغباوته ، وكيف لا يكون ابو موسى كذلك؟ والحال ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الأوائل لأبي هلال ١٥٣.

(٢) كنز العمال ٨ / ٤٧.

٢٠٠