نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

الاشعري. ثم انصرف فقال : ردوا على! ردوا على! فجاء فقال : يا أبا موسى! ما ردّك؟ كنّا في شغل ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : الاستيذان ثلاثا فان اذن والا فارجع ، قال : لتأتينى على هذا ببينة والا فعلت وفعلت! ، فذهب أبو موسى. قال عمر : ان وجد بيّنة تجدوه عند المنبر عشية وان لم يجد بيّنة فلم تجدوه ، فلما ان جاء بالعشي وجدوه قال : يا أبا موسى ما تقول؟ أقد وجدت؟ قال : نعم! أبي بن كعب ، قال : عدل ، قال : يا ابا الطفيل! ما يقول هذا؟ قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك يا ابن الخطاب ، فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قال سبحان الله! انما سمعت شيئا. فأحببت أن أتثبت! ». وقال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتاب ( مشكل الآثار ) : « حدثنا يونس بن عبد الاعلى. ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو ابن الحارث عن بكير بن الاشجّ أن بسر بن سعيد حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : كنا في مجلس عند أبي بن كعب فجاء ابو موسى الاشعري مغضبا حتى وقف فقال : أنشدكم الله! هل سمع منكم أحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : الاستيذان ثلاث فان أذن لك فادخل وإلا فارجع؟ فقال أبي : وما ذاك؟ فقال : استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئته أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت ، فقال : قد سمعنا ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك؟ قال : استأذنت كما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : فقال : والله لأضربن بطنك وظهرك أو لتأتينّي بمن يشهد لك على هذا! فقال أبيّ بن كعب : فو الله لا يقوم معك أحد الا أحدثنا سنّا الذي بجنبك ، قم يا أبا سعيد! فقمت حتى أتيت عمر فقلت : قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول هذا ».

وقال : « حدثنا ابراهيم بن مرزوق حدثنا أبو عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمير أن أبا موسى استأذن على عمرو كان مشغولا في

١٦١

بعض الأمر فلما فرغ قال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ، قالوا : رجع ، قال : ردوه! فجاء فقال : كنا نؤمر بمثل هذا في الاستيذان ثلاثا ، قال : لتأتينى على هذا ببينة أو لأفعلن ، فجاء الى مجلس الأنصار فأخبرهم فقالوا : لا يقوم معك الا أصغرنا فقام أبو سعيد الخدري ، فجاء فقال : نعم! فقال عمر : خفى على هذا من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشغلني التسويف بالأسواق ، قال ابراهيم : وجدت على ظهر كتابي : وشغلني شغلي بالأسواق ».

وقال : « حدثنا فهد بن سليمان ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ثنا عبد السلام ابن حرب عن طلحة بن يحيى القرشي عن ابى بردة عن أبي موسى قال : جئت باب عمر رضي‌الله‌عنه فقلت : السلام عليكم ، يدخل عبد الله بن قيس؟ فلم يؤذن ، فرجعت فأنتبه عمر فقال : علي بأبي موسى فأتيت قال : أنى ذهبت؟ فقلت استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليستأذن الرجل المسلم على أخيه ثلاثا ، فان أذن له ، والا رجع فقال : لتجيئني على ما قلت بشاهد أو لينالنك مني عقوبة ، قال : فخرجت فلقيت أبي ابن كعب فأخبرته فقال : نعم! فجاء فأخبره ، فقال له عمر : يا أبا الطفيل! سمعت ما قال أبو موسى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : نعم! وأعوذ بالله عز وجل أن تكون عذابا على أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : وأعوذ بالله من ذلك ».

وقال البغوي في ( معالم التنزيل ) : « أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا : أبو الحسن على بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أن إسماعيل بن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن سعيد الحريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : قال : سلم عبد الله بن قيس على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع ، فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت؟ قال : اني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع ، قال : لتأتين على ما تقول ببينة والا لأفعلن بك كذا وكذا ، غير أنه قد أوعده ، قال : فجاء أبو موسى ممتقعا لونه

١٦٢

وأنا في حلقة جالس فقلنا : ما شأنك؟ فقال : سلمت على عمر ، فأخبرنا خبره ، فهل سمع منكم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا كلنا قد سمعه. قال : فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره بذلك ».

وقال برهان الدين عبيد الله بن محمد الفرغاني العبري في ( شرح منهاج البيضاوي ) :

« قال أبو علي في بيان اشتراط العدد : ان الصحابة طلبوا العدد فان أبا بكر (رض) لم يقبل خبر مغيرة بن شعبة في الجدة حتى رواه محمد بن مسلمة الانصاري ، ولم يعمل عمر (رض) بخبر أبي موسى الاشعري في الاستيذان حتى رواه أبو سعيد الخدري ، ورد أبو بكر وعمر خبر عثمان في رد الحكم بن العاص. وأمثال ( ذلك. صح. ظ ) كثيرة ، وطلب العدد منهم في الروايات الكثيرة دليل اشتراطه. قلنا في الجواب عنه انهم انما طلبوا العدد عند التهمة لا مطلقا ، ونحن انما ندعى أن خبر العدل الواحد حيث لا تهمة في روايته مقبول ، فلا يرد ما ذكرتم من الصور نقضا ».

وقال ابن حجر العسقلاني في ( فتح الباري ) : « واحتج من رد الخبر الواحد : بتوقفه صلّى الله عليه وسلّم في قبول خبر ذي اليدين ، ولا حجة فيه لأنه عارض علمه وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل ، وبتوقف أبي بكر وعمر في حديثي المغيرة في الجدة وفي ميراث الجنين حتى شهد بهما محمد ابن مسلمة ، وبوقف عمر في خبر أبي موسى في الاستيذان حتى شهد له أبو سعيد ، وبتوقف عائشة في خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء الحي ، وأجيب بأن ذلك انما وقع منهم اما عند الارتياب كما في قصة أبي موسى فانه أورد الخبر عند انكار عمر عليه رجوعه بعد الثلاث وتوعده ، فأراد عمر الاستثبات خشية أن يكون دفع بذلك عن نفسه ، وقد أو ضحت ذلك بدلائله في كتاب الاستيذان ، واما عند معارضة الدليل القطعي كما في انكار عائشة حيث استدلت بقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ).

١٦٣

نهى عمر أبا موسى وأبا هريرة عن الحديث

بل ان أبا موسى كان متهما في حديثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقا ، لا في حديث الاستيذان فحسب ، ولذا نهاه وابا هريرة عمر بن الخطاب عن الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نص عليه الغزالي حيث قال :

« ثم اعلم أن المخالف في المسأله له شبهتان : الشبهة الاولى قولهم : لا مستند في اثبات خبر الواحد الا الإجماع ، فكيف يدعى ذلك؟ وما من أحد من الصحابة الا وقد رد الخبر الواحد ، فمن ذلك توقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قبول خبر ذي اليدين حيث سلم عن اثنتين حتى سأل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وشهدا بذلك وصدقاه ، ثم قبل وسجد للسهو ، ومن ذلك رد أبي بكر رضي‌الله‌عنه خبر المغيرة بن شعبة من ميراث الجد [ ة ] حتى أخبره معه محمد بن مسلمة ، ومن ذلك : رد أبي بكر وعمر خبر عثمان رضي الله عنهم فيما رواه من استئذانه الرسول في الحكم بن أبي العاص وطالباه بمن يشهد معه بذلك. ومن ذلك : ما اشتهر من رد عمر رضي‌الله‌عنه خبر أبي موسى الاشعري في الاستيذان حتى شهد له أبو سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه ومن ذلك : رد علي رضي‌الله‌عنه خبر أبي سنان الأشجعي في قصة بروع بنت واشق وقد ظهر منه أنه كان يحلف على الحديث ، ومن ذلك : رد عائشة رضي الله عنها خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ، وظهر من عمر نهيه لابي موسى وأبي هريرة عن الحديث عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم! وأمثال ذلك مما يكثر ، وأكثر هذه الاخبار تدل على مذهب من يشترط عددا في الراوي ، لا على مذهب من يشترط التواتر فإنهم لم يجتمعوا فينتظروا التواتر » (١).

__________________

(١) المستصفى في علم الأصول ٢ / ١٣٥.

١٦٤

٢ ـ في سنده ابو بردة وهو فاسق

وفي رجال حديث مسلم « أبو بردة بن أبي موسى » وهو ممن عرف واشتهر بالجرائم الموبقة ، فقد كان له يد في قتل الصحابي العظيم « حجر بن عدي » وأصحابه إذ شهد عليهم زورا.

قال الطبري : « ثم بعث زياد الى أصحاب حجر ، حتى جمع منهم اثنى عشر رجلا في السجن ، ثم انه دعا رءوس الارباع فقال : اشهدوا على حجر بما رأيتم منه ، وكان رءوس الارباع يومئذ عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة ، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان ، وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة وكندة ، وأبو بردة بن أبي موسى على مذحج وأسد ، فشهد هؤلاء الأربعة أن حجرا جمع اليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا الى حرب أمير المؤمنين ، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح الا في آل أبي طالب ووثب بالمصر ، وأخرج عامل أمير المؤمنين وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه ، وان هؤلاء النفر الذين معه هم رءوس أصحابه وعلى مثل رأيه وأمره » (١).

وهذا نص شهادة أبي بردة : « بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين : شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا الى الحرب الفتنة ، وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء.

فقال زياد : على مثل هذه الشهادة فاشهدوا ، أنا [ أما ] والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق ، فشهد رءوس الارباع على مثل شهادته وكانوا أربعة ، ثم ان زيادا دعا الناس فقال : اشهدوا على مثل شهادة رءوس الارباع » (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ١٩٩.

(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٢٠٠.

١٦٥

ابو بردة من المنحرفين عن امير المؤمنين

وذكره ابن أبي الحديد في المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال : « ومن المبغضين القالين : أبو بردة بن أبي موسى الاشعري ، يرث البغض [ البغضة ] له لا عن كلالة ، [ و ] روى عبد الرحمن بن جندب قال : قال أبو بردة لزياد : اشهد ان حجر بن عدي قد كفر بالله كفرة صلعاء [ أصلع ]. قال عبد الرحمن : انما عنى بذلك نسبة الكفر الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام لأنه كان أصلع.

قال : وقد روى عبد الرحمن المسعودي عن ابن عياش المنتوف قال : رأيت ابا بردة قال لابي الغادية الجهني قاتل عمار بن ياسر : أأنت قتلت عمار ابن ياسر؟ قال : نعم ، قال : فناولني يدك ، فقبلها وقال : لا تمسك النار أبدا!!

وروى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة عن الغضبان بن يزيد قال : رأيت ابا بردة قال لابي الغادية قاتل عمار : مرحبا بأخي هاهنا هاهنا ، فأجلسه الى جانبه » (١).

دلالة حديث مسلم

وأما دلالة فان حديث مسلم هذا لا يفيد مطلوبهم ـ وهو جواز الاقتداء بالصحابة ـ لان معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون » هو : ان الاصحاب لا يبقون بعده صلّى الله عليه وسلّم على ما كانوا عليه في عهده ، فتقع بينهم الفتن والحروب ، وتختلف آراؤهم وأهواؤهم وقلوبهم ، ويتشاجرون فيما بينهم ، مما يؤدي الى ارتداد بعض العرب فهذا معنى الحديث وهو يفيد الذم :

قال النووي بشرحه : « وقوله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أمنة لاصحابي فإذا

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٩.

١٦٦

ذهبت اتى أصحابي ما يوعدون ، أي : من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الاعراب واختلاف القلوب ، ونحو ذلك مما انذر به صريحا ، وقد وقع كل ذلك » (١).

وقال الطيبي : « والاشارة في الجملة الى مجيء الشر عند ذهاب اهل الخير فانه لما كان صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرهم كان يبين ما يختلفون فيه ، فلما توفي صلّى الله عليه وسلّم حالت الآراء واختلفت الأهواء » (٢).

وقال القاري : « فإذا ذهبت أنا اتى أصحابي ما يوعدون. أي من الفتن والمخالفات والمحن » (٣).

هذا وإذا دل هذا الحديث على ما سمعت فلا مجال لان يذكر بصدد تأييد حديث النجوم ، وأن يعد من فضائل الصحابة.

التحريف في حديث النجوم

وبعد ، فقد ظهر لدى التحقيق أن لأصحاب الخدع والضلال وأولى الأيدي الاثيمة تحريفا عظيما في هذا الحديث ، وذلك لان أصله هكذا : « وأهل بيتي أمان لامتي ، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون » فجعل « أصحابي » في مكان « أهل بيتي » ... وهذا نص الحديث : « حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحسن القاضي بهمدان من أصل كتابه ، ثنا محمد ابن المغيرة اليشكري ، ثنا القاسم بن الحكيم [ الحكم ] العرني ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة ، حدثني محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم انه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال : ما تنظرون؟ فقالوا : ننتظر الصلاة ، فقال : انكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال : أما

__________________

(١) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ٩ / ٤٢٤.

(٢) الكاشف ـ مخطوط.

(٣) المرقاة ٥ / ٥١٩.

١٦٧

انها صلاة لم يصلها احد ممن قبلكم من الأمم ، ثم رفع رأسه الى السماء فقال : النجوم أمان لأهل السماء فان طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون ، وأنا أمان لأصحابي فإذا قبضت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأهل بيتي أمان لامتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون » (١).

فليلاحظ ممن هذا التحريف؟ أمن أبي موسى؟ من ولده أبي بردة؟ من غيرهما من المحرفين المنحرفين؟

سيأتي إن شاء الله تعالى ان اهل البيت عليهم‌السلام هم كالنجوم في هداية الامة ، وهم الذين يمتنع الاختلاف والهلاك باتباعهم ... كل ذلك من أحاديث عديدة بطرق وسياقات متكاثرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وفي كل ذلك ما يرغم آناف أولي البغي والعناد ، ويوضح للسالكين محجة الصواب والرشاد.

حديث النجوم باطل

وحديث النجوم ... باطل من جهة متنه ودلالته كذلك ... ولنوضح ذلك في وجوه :

١ ـ مخالفته للإجماع والضرورة

ان حديث النجوم يدل على صلاح جميع اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وهذا باطل بالإجماع.

ويدل على أنهم جميعا هادون للامة. وهذا باطل أيضا ، لان طائفة كبيرة منهم أضلت كثيرا من الناس.

ويدل على أهلية جميع الصحابة لاقتداء الامة بهم ، وهذا ايضا ظاهر البطلان إذ لا يصلح كثير منهم ـ بل أكثرهم ـ لذلك.

__________________

(١) المستدرك ٣ / ٤٥٧.

١٦٨

وإذا ثبت بطلان ذلك كله ثبت بطلان الحديث من أصله.

٢ ـ اقتراف بعض الصحابة للكبائر

لقد اقترف جماعة كبيرة من الصحابة كبائر الذنوب ، مثل الزنا وقتل النفس المحترمة وشهادة الزور ونحو ذلك مما هو مشهور ومعروف لمن نظر في أحوالهم ، فهل يعقل أن يجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل واحد منهم قائدا للامة وهاديا للملة؟

٣ ـ مخالفته للكتاب

لقد وردت آيات في كتاب الله عز وجل صريحة في سوء حال جم غفير من الصحابة ، ولا سيما الآيات في سورة الأنفال ، وسورة البراءة ، وسورة الأحزاب ، وسورة الجمعة ، وسورة المنافقين.

أفيصح ان ينصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع الصحابة قادة للامة والحال هذه؟

٤ ـ مخالفته للأحاديث الأخرى

لقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث كثيرة تفيد ذم الصحابة والحط من شأنهم ... تجدها في الصحاح والمسانيد المعتبرة ، ومنها :

حديث الحوض.

وحديث الارتداد.

وحديث : لا ترجعوا بعدي كفارا.

وحديث : الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل.

وحديث : لا ادري ما تحدثون بعدي.

وحديث : اتباع سنن اليهود والنصارى.

وحديث : التنافس.

١٦٩

وحديث : ان من أصحابي من لا يراني بعدي ولا أراه.

وحديث : ان في أصحابي منافقين.

وحديث : قد كثرت علي الكذابة.

الى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في ذم الصحابة مجتمعين وفرادى. وقد جاوزت حد الحصر ، ويكفيك منها ما ذكر في كتاب ( تشييد المطاعن ).

وهذه الأحاديث تعارض حديث النجوم ـ ان صح ـ فلا يجوز العمل به.

٥ ـ نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاقتداء بهم

لقد جاء في كتب القوم أحاديث تدل بصراحة على منع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاقتداء بالصحابة ، وفيها « ان من اقتداهم في النار ».

قال العاصمي : « وقال عليه‌السلام إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ، يعني عن الوقيعة فيهم ، عن ذكر زلاتهم وما كان منهم في مقاماتهم ، وأي عبد من عباد الله لم يزل ولو بطرفة!!. فليحذر العاقل في هذا الموضوع عن الوقيعة فيهم وذكر زلاتهم ومساويهم.

وأخبرني جدي احمد بن المهاجر رحمه‌الله قال اخبر أبو على الهروي قال أخبرنا المأمون قال أخبرنا عطية عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب قال قال رسول الله صلّى الله عليه : يكون من أصحابي احداث بعدي ، يعني الفتنة التي كانت بينهم ، فيغفرها الله لهم لسابقتهم ، ان اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله في نار جهنم.

قال ابن لهيعة : هذا رأيي منذ سمعت هذا الحديث » (١).

وقال المتقي : « تكون بين أصحابي فتنة يغفر الله لهم لسابقتهم ، ان

__________________

(١) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ـ مخطوط.

١٧٠

اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله تعالى في نار جهنم. نعيم عن [ ابن ] يزيد ابن أبي حبيب ، مرسلا » (١).

٦ ـ اعترافهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم

ان في كتب أهل السنة أحاديث كثيرة فيها اعتراف الصحابة أنفسهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم ، ويكفي من أقوال أبي بكر بن أبي قحافة :

قوله : ان لي شيطانا يعتريني.

ـ لست بخير من أحدكم فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني ، وإذا رأيتموني زغت فقوموني.

ـ أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.

ـ أفتظنون أنى أعمل بسنة رسول الله ، إذا لا أقوم بها؟.

ومن أقوال عمر بن الخطاب :

قوله : يا حذيفة بالله أنا من المنافقين.

ـ لولا علي لهلك عمر ( في قضايا كثيرة ).

ـ لولاك لافتضحنا ( قاله لعلي عليه‌السلام ).

ـ امرأة خاصمت عمر فخصمته ( في مسألة المهر ).

ـ امرأة أصابت ورجل أخطأ.

ـ ألا تعجبون من امام أخطأ ومن امرأة أصابت؟ ناضلت امامكم فنضلته.

ـ تسمعوننى أقول مثل هذا فلا تنكرونه ، حتى تردّ علي امرأة ليست من أعلم النساء؟

ـ كل أحد أفقه مني.

ـ كل أحد أفقه من عمر.

__________________

(١) كنز العمال ٢٢ / ١٧٤.

١٧١

ـ كل أحد أعلم من عمر.

ـ كل أحد أعلم وأفقه من عمر.

ـ كل أحد أعلم منك حتى النساء.

ـ كل أحد أفقه من عمر حتى النساء.

ـ كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال.

ـ كل الناس أعلم من عمر حتى العجائز.

وهذه كلها موجودة في كتب أهل السنة كما لا يخفى على من راجع ( تشييد المطاعن ) وغيره.

فهل يصح تشبيه هكذا أناس بالنجوم؟!

١٧٢

تفنيد كلام الدّهلوى

في حاشية التّحفة

١٧٣
١٧٤

ومن الغريب قول ( الدهلوي ) في حاشية ( التحفة ) في هذا المقام :

فان قلت : اجتهاد بعض الصحابة خطأ بيقين ، فكيف وعد الهداية في اتباعهم جميعا؟.

قلنا : محل اتباعهم ما كان غير منصوص في الكتاب والسنة ، ولا شبهة ان تيقن الخطأ انما يكون في المنصوصات ، وهي ليست محلا لاتباعهم.

والحاصل : ان اتباعهم دليل الهداية ما لم يظهر خطؤهم بمقتضى الكتاب والسنة ، فلا إشكال. شرح الإرشاد.

أقول : وهذا الكلام مردود بوجوه :

١ ـ المخطئ لا يكون هاديا

من كان اجتهاده خاطئا بيقين لا يجوز ان يكون هاديا.

٢ ـ الخطأ في غير المنصوصات أكثر

إذا كان بعضهم يخطأ في اجتهاده فيخالف منصوصات الكتاب ، فانه

١٧٥

يكون خطؤه في غير المنصوصات أكبر وأكثر.

٣ ـ لا يجوز متابعة المخطئ مع وجود المعصوم

انه لا ريب في عصمة أئمة اهل البيت عليهم‌السلام عن الخطأ ، لدلالة آية التطهير وحديث الثقلين وغيرهما من الآيات والروايات على ذلك ـ ومع وجود هؤلاء لا يعقل ان يجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخاطئين بمنزلة النجوم ..

على ان في أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تتلو مرتبتهم مرتبة الأئمة عليهم‌السلام. أمثال أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار رضي الله عنهم أجمعين فترك هؤلاء واتباع الخاطئين ظلم عظيم. تعالى الله عن ذلك ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤ ـ الاختلاف بين الاصحاب في الاحكام

انه لا شك في وقوع الاختلاف بين الصحابة في الاحكام الشرعية ـ المنصوصة منها وغيرها ـ وهو موضوع كتاب ( الإنصاف في بيان سبب الاختلاف لشاه ولى الله والد الدهلوي ) وجعل هؤلاء قادة للامة وتشبيههم بالنجوم من حيث الهداية قبيح في الغاية ، يجل عنه كل عاقل فضلا عن خاتم النبيين واشرف الخلائق أجمعين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥ ـ تخطئة الاصحاب بعضهم لبعض

لقد كان باب التخطئة مفتوحا لدى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قد تجاوزت تخطئة بعضهم البعض حد الاعتدال وبلغت التكذيب والتجهيل التكفير ، وتلك قضاياهم مدونة في كتب أهل السنة وأسفارهم ، فكيف يصدق عاقل ان يكونوا جميعا ـ والحالة هذه ـ أئمة في الدين وقادة المسلمين؟!

١٧٦

٦ ـ استعمالهم القياس

لقد كان في الاصحاب من يستعمل القياس ويتبع في ذلك سبيل أول من قاس ... ومن كان مخطئا بيقين في المنصوصات ومستعملا للقياس في غيرها لا يستحق ان يكون نجم هداية.

٧ ـ جهلهم بالاحكام

لقد كان في الاصحاب ـ ومنهم المشايخ الثلاثة ـ من يرجع في الحوادث الواقعة الى غيره ملتمسا الحكم الشرعي فيها ، بل كان فيهم من يعترف بأن « كل الناس أفقه منه حتى المخدرات في الحجال ».

ومن المستحيل ان ينصب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هؤلاء الجهال مراجع للامة في الاحكام وغيرها ...

بل كان فيهم من يحكم ـ لفرط جهله ـ احكاما مختلفة متناقضة في الواقعة الواحدة ...

بل كان فيهم من لم يعرف معنى « الكلالة » رغم وجودها في القرآن الكريم وتفسير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها ، وقد روي عن أبي بكر انه قال : « انى قد رأيت في الكلالة رأيا ، فان كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له وان يكن خطأ فمني والشيطان ، والله بريء منه » (١).

وقد روي في هذا المقام عن عمر بن الخطاب عجائب ، رواها الطبري في تفسيره ، وقد ذكرت بالتفصيل في ( تشييد المطاعن ).

والأعجب أنه كان الخليفة متى قرأ قوله تعالى : ( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ* تَضِلُّوا ) قال : « اللهم من تبينت له الكلالة فلم تتبين لي ».

ولقد كان يقول « ما أراني أعلمها أبدا ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال » يشير الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحفصة : « ما أرى أباك يعلمها

__________________

(١) راجع تفسير الطبري ٤ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

١٧٧

أبدا ».

بل روي عنه أنه كان يقول « ثلاث لان يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهن لنا أحبّ الىّ من الدنيا وما فيها : الخلافة والكلالة والربا ».

٨ ـ اقدام بعضهم على معاملة محرمة

لقد أقدم بعض كبار الصحابة في بعض معاملاته على أمر محرّم باطل ، سبب بطلان حجّه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على حدّ تعبير عائشة بنت أبي بكر.

وقد روى هذا الأثر كبار المحدثين في كتب المحدثين ، وأئمة الفقه في كتبهم ومشاهير العلماء في التفسير وعلم الأصول في مؤلفاتهم ، وإليك نصوص عبارات طائفة من هؤلاء الاعلام :

قال عبد الرحمن بن القاسم المالكي في كتاب ( المدوّنة الكبرى ) : « وأخبرني ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن أم يونس أن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم ، قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم الانصاري : يا أم المؤمنين! أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت : نعم! قالت : فاني بعته عبدا الى العطاء بثمان مائة ، فاحتاج الى ثمنه فاشتريته منه قبل الأجل بستمائة. فقالت بئس ما شريت وبئس ما اشتريت ، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب. قالت : فقلت : أفرأيت ان تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت : فنعم! من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال عبد الرزاق بن همام الصنعاني في ( المصنف ) « أخبرنا معمر والثوري عن أبي اسحق السبيعي ، عن امرأة دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت : يا أم المؤمنين! كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتب عليه ثمان مائة فقالت عائشة : بئس ما اشتريت وما بئس ما اشترى! أخبري زيد بن

١٧٨

أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الا أن يتوب ، فقالت المرأة لعائشة : أرأيت ان أخذت رأس مالي ورددت اليه الفضل! فقالت : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال أحمد بن حنبل الشيباني في ( مسنده ) « حدّثنا محمد بن جعفر : حدّثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن امرأة ( امرأته. ظ ) أنها دخلت على عائشة ـ هي وأم ولد زيد بن أرقم ـ فقالت أم ولد زيد بن أرقم لعائشة : اني بعت من زيد غلاما بثمان مائة درهم نسية واشتريت بستمائة نقدا ، فقالت عائشة : أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الا أن تتوب! بئس ما اشتريت وبئس ما شريت! ».

وقال أبو بكر أحمد بن محمد المعروف بالجصاص الرازي الحنفي في كتاب ( أحكام القرآن ) في شرح أحكام آية الربا : « ومن الربا المراد من الآية شرى ما يباع بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن. والدليل على أن ذلك ربا حديث يونس ابن إسحاق ( أبى اسحق. ظ ) عن أبيه عن أبي العالية قال ( العالية ، قالت. ظ ) كنت عند عائشة فقالت لها امرأة : اني بعت زيد بن أرقم جارية لي الى عطائه بثمان مائة درهم وأنه أراد أن يبيعها فاشتريتها منه بستمائة ، فقالت : بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغى زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب! فقالت : يا أم المؤمنين! أرأيت ان لم آخذ الا رأس مالي فقالت : ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) ، فدلّت تلاوتها لاية الربا عند قولها « أرأيت ان لم آخذ الا رأس مالي » أن ذلك كان عندها من الربا ، وهذه التسمية طريقها التوقيف ».

وقال أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي في كتاب ( تأسيس النظر ) في مسائل مبحث تقديم قول الصحابي على القياس : « ومنها إذا اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن لا يجوز ، أخذنا بحديث عائشة رضي الله عنها وحديث زيد بن أرقم فحكمنا بفساد البيع وتركنا القياس ،

١٧٩

وعند الامام أبي عبد الله الشافعي : البيع جائز ، وأخذ فيه بالقياس ».

وقال شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي في كتاب ( المبسوط ) : « وإذا باع رجل شيئا بنقد أو بنسية فلم يستوف ثمنه حتى اشتراه بمثل ذلك الثمن أو أكثر منه جاز ، وان اشتراه بأقل من ذلك الثمن لم يجز ذلك في قول علمائنا رحمهم‌الله استحسانا ، وفي القياس يجوز ذلك وهو قول الشافعي ، لان ملك المشتري قد تأكد في المبيع بالقبض فيصح بيعه بعد ذلك بأي مقدار من الثمن باعه ، كما لو باعه من غير البائع ، ألا ترى أنه لو وهبه من البائع جاز ذلك ، فكذلك إذا باعه منه بثمن يسير ، ولأنه لو باعه من انسان آخر ثم باعه ذلك الرجل من البائع الاول بأقل من الثمن الاول جاز ، فكذلك إذا باعه المشتري منه.

الا أنّا استحسنا لحديث عائشة ، رضي الله عنها ، فان امرأة دخلت عليها وقالت : اني بعت من زيد بن أرقم جارية لي بثمان مائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها منه بستمائة درهم قبل محل الأجل. فقالت عائشة رضي الله عنها : بئسما اشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم شريت وبئس أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان لم يتب فأتاها زيد بن أرقم معتذرا ، فتلت قوله تعالى : ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ).

فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفا بينهم ، وأنها سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لان أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي ، وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد ، فعرفنا من ذلك كالمسموع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعتذار زيد رضي‌الله‌عنه إليها دليل على ذلك لانّ في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضا ، وما كان يعتذر أحدهم الى صاحبه فيها ».

وقال ملك العلماء علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي في كتاب ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ) في مسألة « شراء ما باع بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن » : « ولنا ما روي أن امرأة جاءت الى سيدتنا عائشة

١٨٠