نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

٦ ـ تضعيف الدارقطني إياه

لقد صرح الدارقطني بعدم ثبوت هذا الحديث المنقول عن ابن عمر وضعف راويه ، كما ستعرف ذلك ان شاء الله من عبارة ابن حجر العسقلاني.

ترجمة الدارقطني

وكتب الرجال والتاريخ مشحونة بالثناء على الدارقطني واطرائه ، وإليك بعض مصادر ترجمته :

الأنساب ـ الدارقطني.

الكامل في التاريخ ، حوادث ٣٨٥.

وفيات الأعيان ٢ / ٤٥٩.

تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٩١.

العبر ٣ / ٢٨.

طبقات السبكي ٣ / ٤٦٢.

طبقات الاسنوي ١ / ٥٠٨.

طبقات القراء ١ / ٥٥٩.

طبقات الحفاظ ٣٩٣.

وقد أوردنا طرفا من كلماتهم في مجلد ( حديث الطير ).

٧ ـ إبطال ابن حزم إياه

لقد صرح ابن حزم بعدم صحة حديث الاقتداء ، فقد قال في استخلاف أبي بكر : « وأيضا : فان الرواية قد صحت بأن امرأة قالت يا رسول الله : أرأيت ان رجعت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت قال : فأتي أبا بكر. وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر. وأيضا : فان الخبر قد جاء من الطرق الثابتة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليه‌السلام : هممت أن أبعث الى أبيك وأخيك فأكتب

١٠١

كتابا وأعهد عهدا لكيلا يقول قائل : أنا أحق ، أو يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر ، وروي أيضا ويأبى الله والنبيون الا أبا بكر. فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الامة بعده.

قال أبو محمد : ولو أننا نستجير التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا لاحتججنا بما روي : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. قال أبو محمد : ولكنه لم يصح ، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح » (١).

أقول : وفي هذا الكلام فوائد لا تخفى عليه النبيه.

ولقد ظهر أيضا قدحه في هذا الحديث من عبارة ( فيض القدير ) كما تقدم.

ترجمة ابن حزم

قال السمعاني ما ملخصه : « الحافظ المعروف بابن حزم من أفضل أهل عصره بالأندلس وبلاد المغرب ، له التصانيف والكتب المفيدة ، وكان حافظا في الحديث ، وكان يميل الى مذهب أهل الظاهر » (٢).

وقال الذهبي ما ملخصه : « وكان اليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والأدب والمنطق والشعر ، مع الصدق والامانة والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب ... » (٣).

وقال السيوطي : « ابن حزم الامام العلامة الحافظ الفقيه أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف الفارسي الأصل الترمذي الاموي مولاهم القرطبي الظاهري. كان أولا شافعيا ثم تحول

__________________

(١) الفصل في الملل والنحل ٤ / ٨٨.

(٢) الأنساب ـ اليزيدي.

(٣) العبر ٣ / ٢٣٩ ، دول الإسلام ١ / ٢٠٧.

١٠٢

ظاهريا وكان صاحب فنون وورع وزهد ، واليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم ، أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والاخبار ، له ( المجلى ) على مذهبه واجتهاده ، وشرحه ( المحلى ) و ( الملل والنحل ) و ( الإيصال في فقه الحديث ) وغير ذلك. آخر من روى عنه بالاجازة أبو الحسن شريح بن محمد. مات في جمادى الاولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة » (١).

٨ ـ تنصيص العبرى على أنه موضوع

لقد صرح العبري الفرغاني بوضع حديث الاقتداء حيث قال : « وقيل : اجماع الشيخين حجة لقوله صلّى الله عليه وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، فالرسول أمرنا بالاقتداء بهما ، والأمر للوجوب وحينئذ يكون مخالفتهما حراما ، ولا نعني بحجية اجماعهما سوى ذلك.

الجواب : ان الحديث موضوع لما بينا في شرح الطوالع » (٢).

ترجمة الفرغاني

ولقد قال الاسنوي بترجمة الفرغاني ما نصه : « الشريف برهان الدين عبيد الله الهاشمي الحسيني المعروف بالعبري ـ بعين مكسورة ثم باء موحدة ساكنة ـ كان أحد الاعلام في علم الكلام والمعقولات ، ذا حظ وافر من باقي العلوم ، وله التصانيف المشهورة .. » (٣).

وقال ابن حجر العسقلاني : « كان عارفا بالاصلين وشرح مصنفات ناصر الدين البيضاوي ... وذكره الذهبي في المشتبه في العبري فقال : عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة ، ومات في شهر رجب سنة ٧٤٣.

__________________

(١) طبقات الحفاظ ٤٣٦.

(٢) شرح المنهاج ـ مخطوط.

(٣) طبقات الشافعية ٢ / ٢٣٦.

١٠٣

قلت : رأيت بخط بعض فضلاء العجم انه مات في غرة ذي الحجة منها وهو أثبت ، ووصفه فقال : هو الشريف المرتضى قاضي القضاة ، كان مطاعا عند السلاطين ، مشهورا في الآفاق مشارا اليه في جميع الفنون ، ملاذ الضعفاء كثير التواضع والإنصاف ... » (١).

وقال اليافعي : « الامام العلامة قاضي القضاة عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي البارع العلامة المناظر ، يضرب بذكائه ومناظرته المثل ، كان اماما بارعا متفننا ، تخرج به الاصحاب ، يعرف المذهبين الحنفي والشافعي وأقرأهما وصنف فيهما ، وأما الأصول والمعقول فتفرد فيهما بالامامة ، وله تصانيف ... وكان أستاذ الاستاذين في وقته » (٢).

وبمثل ما تقدم ترجمه الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ٤١١ ) وتقي الدين ابن قاضي شهبة الأسدي في ( طبقات الشافعية ـ ٢ / ١٨٣ ).

٩ ـ تغليط الذهبي إياه

لقد غلط الذهبي حديث الاقتداء المروي عن ابن عمر ، وأظهر بطلانه مرة بعد أخرى ، فقال : « أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر بحديث اقتدوا باللذين من بعدي. وهذا غلط ، وأحمد لا يعتمد عليه » (٣).

وقال : « أحمد بن محمد بن غالب الباهلي غلام خليل عن اسماعيل بن أبي أويس وشيبان وقرة بن حبيب ، وعنه ابن كامل وابن السماك وطائفة ، وكان من كبار الزهاد ببغداد ، قال ابن عدي سمعت أبا عبد الله النهاوندي يقول قلت لغلام خليل : ما هذه الرقائق التي تحدث بها؟ قال : وضعناها لنرقق بها قلوب العامة.

__________________

(١) الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢) مرآة الجنان ٤ / ٣٠٦.

(٣) ميزان الاعتدال ١ / ١٠٥.

١٠٤

وقال أبو داود : أخشى أن يكون دجال بغداد ، وقال الدارقطني متروك.

ومن مصائبه قال : حدثنا محمد بن عبد الله العمري حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فهذا ملصق بمالك ، وقال أبو بكر النقاش وهو واه.

قال أبو جعفر بن الشعيري : لما حدث غلام خليل عن بكر بن عيسى عن أبي عوانة قلت له : يا أبا عبد الله ما هذا الرجل؟ هذا حدث عنه أحمد بن حنبل وهو قديم لم تدركه ، ففكر في هذا ، فقلت : لعله آخر اسمه ذلك؟ فسكت ، فلما كان من الغد قال لي يا أبا جعفر ، علمت اني نظرت البارحة في من سمعت عليه بالبصرة ممن يقال له بكر بن عيسى ، فوجدتهم ستين رجلا » (١).

وقال : « محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري ، ذكره العقيلي وقال لا يصح حديثه ولا يعرف بنقل الحديث.

حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا ابراهيم بن محمد الحلبي حدثني محمد ابن عبد الله بن عمر بن القاسم أنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : اقتدوا باللذين من بعدي.

فهذا لا أصل له من حديث مالك ، بل هو معروف من حديث حذيفة ابن اليمان وقال الدارقطني : البصري هذا يحدث عن مالك بأباطيل ، وقال ابن مندة : له مناكير » (٢).

فظهر أن هذا الحديث مصنوع موضوع.

وقال الذهبي : « عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الزعراء عن ابن مسعود مرفوعا : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ / ١٤١.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ٦١٠.

١٠٥

بهدى عمار ، وتمسكوا بعهد ابن مسعود.

قلت : سنده واه جدا » (١).

وقال المناوي بشرح الحديث برواية ابن مسعود : « ورواه ك‍ عن ابن مسعود باللفظ المذكور. قال الذهبي وسنده واه جدا » (٢).

١٠ ـ إبطال ابن حجر إياه

لقد قال ابن حجر العسقلاني ـ مقتفيا أثر الذهبي ـ « أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : بحديث « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وهذا غلط ، وأحمد لا يعتمد عليه » (٣).

وقال بعد كلام الذهبي المتقدم حول غلام خليل :

« وقال الحاكم سمعت الشيخ أبا بكر بن إسحاق يقول : أحمد بن محمد بن غالب ممن لا أشك في كذبه ، وقال أبو أحمد الحاكم : أحاديثه كثيرة لا تحصى كثرة وهو بيّن الأمر في الضعف ، وقال أبو داود : قد عرض علي من حديثه فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلها ، وروى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضي أحمد بن كامل مع زهده وورعه ، ونعوذ بالله من ورع يقين صاحبه ذلك المقام ... » (٤).

وقال بعد كلام الذهبي في محمد بن عبد الله العمرى : « وقال العقيلي بعد تخريجه : هذا ديث منكر لا اصل له ، وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضمري بسنده ، وساق بسند كذلك ثم قال : لا يثبت ، والعمري هذا

__________________

(١) تلخيص المستدرك ٣ / ٧٥.

(٢) فيض القدير ٢ / ٥٧.

(٣) لسان الميزان ١ / ١٨٨.

(٤) لسان الميزان ١ / ٢٧٢.

١٠٦

ضعيف ... » (١).

١١ ـ إبطال الهروي إياه

لقد قال شيخ الإسلام الهروي ما نصه : « من موضوعات أحمد الجرجاني : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. باطل » (٢).

والخلاصة : قد ثبت بطلان حديث « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وبان وضعه ، وظهر كذب ( الدهلوي ) في زعمه شهرته وتواتره ، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) لسان الميزان ٥ / ٢٣٧.

(٢) الدر النضيد ٩٧.

١٠٧

ثم ان ( الدهلوي ) لم يكتف بإيراد حديث الاقتداء في متن ( التحفة ) فأضاف في حاشيتها :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود ، من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ، وله طرق أخرى.

أقول : وهذا أيضا باطل لوجوه :

الاول : انه لم يعرف سنده حتى ينظر فيه ، فلا يجوز الاستدلال به.

الثاني : انه غير مخرج في الكتب الملتزم فيها الصحة ، فلا يصغى اليه.

الثالث : لقد أخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) على ما في ( كنز العمال ١٢ / ١٧١ ) ، ولكن الطبراني لم يلتزم فيه الصحة كالبخاري ومسلم وأمثالهما ، ولم يصرح بصحة هذا الحديث بالخصوص ، كما لم يقل بصحته أحد من مشاهير حفاظهم الثقات ، بل لم يدع ذلك حتى غير الثقات من علمائهم.

الرابع : لقد جعل ( الدهلوي ) في ( أصول الحديث ) ـ تبعا لوالده ـ

١٠٨

تصانيف الطبراني من جملة الكتب التي لم يلتزم فيها بالصحة ، ونص على أنها لم تبلغ المرتبة الاولى ولا الثانية من مراتب الشهرة والقبول ، واعترف بأنها تضم الأحاديث الضعيفة بل فيها ما رمي بالوضع ، وأن في رواتها المستورين والمجاهيل ، وذكر أن أكثر أحاديث معاجمه غير معمول بها لدى الفقهاء ، بل فيها ما انعقد الإجماع على خلافه.

فإذا كان هذا حال كتب الطبراني حسب تصريحه ، فان مجرد وجود حديث أبي الدرداء في كتاب منها لا يدل على اعتباره ولا يجوز الاعتماد عليه ، والاستناد اليه (١) ... فما الذي دعاه الى أن يحتج بهذا السياق اذن؟

ان الذي دعاه الى ذلك وصف الشيخين فيه بـ « حبل الله الممدود » .. نعم هذا ما دعاه اليه ، وانخدع به ، فأتى به معارضا لحديث « الثقلين ».

ثم قال ( الدهلوي ) قالت الشيعة هذا خبر واحد ، فلا يجوز التمسك به فيما يطلب فيه اليقين.

قلنا : ليس أقل من خبر الطير ولا من خبر المنزلة ، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر وفيما يخالفه الآحاد تحكما ، فلا يكون هذا الادعاء مقبولا .. شرح المواقف.

أقول : لا يخلو نقله عن تصرف ما ، وهذا نص ما جاء في ( شرح المواقف ) : « السادس : قوله عليه‌السلام اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ،أقل مراتب الأمر الجواز. قالت الشيعة : هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين. قلنا : ليس أقل من خبر الطير الذي يعولون به على

__________________

(١) بل اعترف الحافظ الهيثمي بضعف هذا الحديث من هذا الوجه خاصة حيث قال ( مجمع الزوائد ٩ / ٥٣ ) : وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي ابى بكر وعمر ، فإنهما حبل الله المدود ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. رواه الطبرانيّ ، وفيه من لم أعرفهم. وقد بحثنا عن هذا الحديث سندا ودلالة في العدد الثاني من سلسلتنا في الأحاديث الموضوعة.

( الميلاني )

١٠٩

الافضلية كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، ولا من خبر المنزلة الذي مر ، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر ، وفيما يخالفه الآحاد تحكما ، فلا يكون ذلك الادعاء مقبولا.

أقول : وهذا فاسد.

فأما قوله : « قالت الشيعة : هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين » فلا يخلو من تلبيس ، لان من راجع كتب الشيعة علم أنهم يعتبرون هذا الحديث من موضوعات أهل السنة ، ويثبتون فساده وبطلانه سندا ومتنا .. كما في ( الشافي لعلم الهدى ) و ( منهاج الكرامة للعلامة الحلي ) وكيف لا يكون كذلك؟ وقد اعترف بوضعه كبار حفاظ أهل السنة ، ولو جاء في كلام أحد منهم انه خبر واحد فإنما كان على سبيل التنزل وعلى فرض تسليم الصحة.

وأما قوله : « ليس أقل من خبر الطير .. ولا من خبر المنزلة .. » فظاهر الفساد كما لا يخفى على من راجع المجلدين المختصين بهما ، حيث أثبتنا هناك تواترهما على ضوء كلمات أئمة الحديث من أهل السنة.

وأما قوله : « وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر ، وفيما يخالفه الآحاد تحكما » فباطل ، لأنهم لا يدعون تواتر حديث من الأحاديث في الامامة والكلام الا بالاستناد الى كلمات علماء الخصم .. كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية.

ويتجلى للمتتبع عكس ذلك لدى أهل السنة ، فإنهم يدعون التواتر فيما يذكرونه لمعارضة براهين أهل الحق ، وهو لم يبلغ أدنى مراتب الثبوت فضلا عن التواتر.

فنسبة التحكم الى أهل الحق مكابرة ومصادمة للواقع والحقيقة.

وأما قوله : « فلا يكون ذلك الادعاء مقبولا » فمكابرة واضحة : لان الشيعة يبطلون حديث الاقتداء من أصله ، وأما أهل السنة فمنهم من يصرح ببطلانه ووضعه ومنهم من يصرح بأنه من الآحاد ، فليس ادعاء كونه من

١١٠

الآحاد من علماء الشيعة ، ونحن وان كنا في غنى عن ذكر كلمات القائلين بذلك منهم ـ بعد ثبوت وضعه من كلمات كبار أئمتهم وحفاظهم ـ لكنا ننقل في المقام بعض عباراتهم إلزاما لشارح المواقف و ( الدهلوي ) وتبيينا لكذبهما ..

قال الآمدي في الجواب عن مطاعن عمر : « وقد ورد في حقه من النصوص والاخبار ما يدرأ عنه ما قيل من الترهات ، وهي وان كانت أخبار آحاد غير أن مجموعها ينزل منزلة التواتر ، فمن ذلك

قوله عليه‌السلام : ان في أمتي لمحدثين ، وان عمر منهم ، وقوله عليه‌السلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » (١). وقال ابن الهمام في مبحث الإجماع بعد أن ذكر حديث الاقتداء وحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء .. « أجيب : يفيدان أهلية الاقتداء لا منع الاجتهاد وعليه ان ذلك مع إيجابه ، الا أن يدفع بأنه آحاد » (٢).

وقرره ابن أمير الحاج (٣).

وقال نظام الدين السهالوي في ( الصبح الصادق ) في المبحث المذكور بعد الحديثين المذكورين « والجواب : انهما من أخبار الآحاد فلا يثبت به حجية الإجماع القطعي الحجية ».

وفيه أيضا : ويمكن أن يجاب أيضا بأنهما من الآحاد ، وأدلتنا الدالة على حجية الإجماع معممة وهي قطعية ، فلا يعارضانها ».

وكذا قال عبد العلي (٤).

هذا ، ولم يجد الفخر الرازي بدا من الاعتراف بذلك ، فقد قال في الجواب عن الأحاديث المستدل بها على امامة أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١) أبكار الأفكار للآمدي ٢ / ١١٢.

(٢) التحرير لابن الهمام بشرح ابن أمير الحاج ٣ / ٩٨.

(٣) التقرير والتحبير في شرح التحرير ٣ / ٩٨.

(٤) فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ٢ / ٥٠٩.

١١١

« الطريقة الخامسة لهم : التمسك بأخبار آحاد رووها منها قوله عليه‌السلام سلموا على علي بامرة المؤمنين ، ومنها قوله عليه‌السلام : انه سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين ، وقال عليه‌السلام : هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة ، وقال عليه‌السلام لعلي : أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني.

والاعتراض : انها بأسرها معارضة بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم انه قال : ايتوني بدواة وقلم أكتب لابي بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان ، ثم قال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر. وأيضا عيّنه للامامة في الصلاة وما عزله عنها فوجب أن يبقى اماما على الصلاة ، وكل من ثبت إمامته في الصلاة بعد الرسول أثبت إمامته مطلقا ، فوجب القول بإمامته. وروي عن أنس بعد الرسول أثبت إمامته مطلقا ، فوجب القول بإمامته. وروي عن أنس رضي‌الله‌عنه : ان النبي أمره عند اقبال أبي بكر أن يبشره بالجنة وبالخلافة بعده ... وبما روي انه عليه‌السلام قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

والكلام على صحة هذه الأحاديث من الجانبين وفي دلالتها على المطلوب طويل ، ولكنها عن إفادة اليقين بمعزل ، لكونها من أخبار الآحاد عند التحقيق وان كان كل واحد من الفريقين يدعي في خبره كونه متواترا ويطعن فيما يرويه مخالفه ».

أقول : فمن القائل بكون هذا الحديث من أخبار الآحاد اذن؟! وقد ثبت أن القائلين بوضعه منهم أكثر عددا وأجل قدرا ...

قوله : « فاللازم أن يكون هؤلاء كلهم أئمة ».

أقول : انما يلزم ذلك لو كان قد صح ما استدل به شيء من الأحاديث ، ولكن قد ظهر سقوط جميع ما زعمه معارضا لحديث الثقلين سندا ودلالة ومتنا فدعوى لزوم امامة الحميراء وعمار وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب باطلة.

١١٢

دحض المعارضة

بحديث : أصحابى كالنّجوم

١١٣
١١٤

هذا .. وكأن ( الدهلوي ) يعلم بعدم نهوض تلك الأحاديث الموضوعة حجة في مقابلة حديث الثقلين ، فأضاف إليها حديثا آخر ، وهو « حديث النجوم » فقال في حاشية [ التحفة ] : « وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به ، لا عذر لاحد في تركه ، فان لم يكن في كتاب الله فبسنة مني ماضية ، فان لم يكن مني سنة ماضية فما قال أصحابي ، ان أصحابي بمنزلة النجوم في السماء ، فأيما أخذتم به اهتديتم ، واختلاف أصحابي لكم رحمة. أخرجه البيهقي بسنده في المدخل عن ابن عباس ».

حديث النجوم موضوع سندا عند الأئمة

أقول : لكنه أيضا موضوع باطل كما نص على ذلك كبار الأئمة والحفاظ :

١ ـ احمد بن حنبل

لقد كذب أحمد بن حنبل حديث النجوم وحكم بوضعه ، قال ابن أمير

١١٥

الحاج .. « قال أحمد : لا يصح » (١).

وقال نظام الدين في ( الصبح الصادق في شرح المنار ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت ٢ / ٥١٠ ) : « قال ابن حزم في رسالته الكبرى : مكذوب موضوع باطل ، وبه قال أحمد والبزار ».

٢ ـ المزني

لم يصحح أبو ابراهيم المزني ـ صاحب الشافعي ـ هذا الحديث ، وقد ذكر له ـ ان صح ـ معنى هو بعيد عن الصواب بكثير ، قال ابن عبد البر : قال المزني رحمه‌الله في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابي كالنجوم ، قال : ان صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه : فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به ، لا يجوز عندي غير هذا ، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضا ولا أنكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم احد الى قول صاحبه ، فتدبر » (٢).

ترجمة المزني

وترجم له ابن خلكان بما ملخصه : « أبو ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزني صاحب الامام الشافعي هو من أهل مصر ، كان زاهدا عالما مجتهدا محجاجا غواصا على المعاني الدقيقة ، وهو امام الشافعيين وأعرفهم بطرقه وفتاواه وما ينقله عنه ، صنف كتبا كثيرة في مذهب الامام الشافعي ، وقال الشافعي في حقه : المزني ناصر مذهبي.

وكان في غاية الورع ، وبلغ من احتياطه انه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس ، فقيل له في ذلك ، فقال : بلغني انهم يستعملون

__________________

(١) التقرير والتحبير في شرح التحرير ٣ / ٩٩.

(٢) جامع بيان العلم ٢ / ٨٩ ـ ٩٠.

١١٦

السرجين في النيران والنار لا تطهرها ، وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة ، وكان مجاب الدعوة ، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدث نفسه في شيء من الأشياء بالتقدم عليه ، وهو الذي تولى غسل الامام الشافعي ، وقيل : كان معه أيضا حينئذ الربيع.

وذكره ابن يونس في تاريخه ثم قال : صاحب الشافعي ، وقال : كانت له عبادة وفضل ، ثقة في الحديث لا يختلف فيه ، حاذق من أهل الفقه ، وكان أحد الزهاد في الدنيا ، وكان من خير خلق الله عز وجل.

ومناقبه كثيرة. وتوفي لست بقين من شهر رمضان سنة اربع وستين ومأتين بمصر ، ودفن بالقرب من تربة الامام الشافعي » (١).

وقال السبكي : « الامام الجليل أبو ابراهيم المزني ناصر المذهب وبدر سمائه ... كان جبل علم ، مناظرا محجاجا ، قال الشافعي رضي‌الله‌عنه في وصفه : لو ناظر الشيطان لغلبه ، وكان زاهدا ورعا متقللا من الدنيا ، مجاب الدعوة ، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ، ويغسّل الموتى تعبدا واحتسابا ويقول : افعله ليرق قلبي .. قال الشافعي : المزني ناصر مذهبي. » (٢).

وانظر : ( حسن المحاضرة ١ / ٣٠٧ ) و ( مرآة الجنان ٢ / ١٦٧ ـ ١٧٨ ) و ( العبر ٢ / ٢٨ ) وغيرها.

٣ ـ البزار

لقد طعن الحافظ البزار في حديث النجوم ، فقد قال ابن عبد البر : « وعن محمد بن أيوب الرقى قال قال لنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار : سألتم عما يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مما في أيدي

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ١٩٦.

(٢) طبقات الشافعية ٢ / ٩٣.

١١٧

العامة يروونه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم انه قال : أصحابي كمثل النجوم ، أو أصحابي كالنجوم فبأيها اقتدوا اهتدوا. قال :

وهذا الكلام لا يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وربما رواه عبد الرحيم عن أبيه عن ابن عمر. وانما أنى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم بن زيد ، لان أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه.

والكلام أيضا منكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بإسناد صحيح : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي فعضوا عليها بالنواجذ ، وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت ، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه ، والله أعلم. هذا آخر كلام البزار » (١).

وفيه وجوه عديدة في قدح حديث النجوم تقدم بيانها في القسم الثاني من مجلد ( حديث مدينة العلم ) ..

وقد نقل هذا الكلام عن البزار واعتمده جماعة كبيرة من علمائهم منهم : ابن حزم في ( رسالته ) وابن تيمية في ( منهاجه ) وأبو حيان في ( تفسيريه ) وابن مكتوم في ( الدر اللقيط ) وابن القيم في ( اعلام الموقعين ) والزين العراقي في ( تخريج المنهاج ) وابن حجر في ( تخريج المختصر ) و ( تخريج الرافعي الكبير ) وابن أمير الحاج في ( التقرير والتحبير ) والقاري في ( شرح الشفاء ) والمناوي في ( شرح الجامع الصغير ) ونظام الدين في ( الصبح الصادق ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت ).

__________________

(١) جامع بيان العلم ٢ / ٩٠.

١١٨

٤ ـ ابن القطان

لقد أورد الحافظ ابن عدي المعروف بابن القطان هذا الحديث في ( الكامل ) وموضوعه الضعفاء والمقدوحون وموضوعاتهم ، بترجمة جعفر بن عبد الواحد ، وحمزة النصيبي ، كما ستعرف ذلك من كلام الزين العراقي.

ترجمة ابن عدى

وترجم له السمعاني بما ملخصه : « وأبو أحمد عبد الله ابن عدي بن عبد الله ابن محمد الجرجاني المعروف بابن القطان الحافظ ، حافظ عصره ، صنف في معرفة ضعفاء المحدثين كتابا مقدار ستين جزءا سماه ( الكامل ) وكان حافظا متقنا لم يكن في زمانه مثله ، تفرد بأحاديث ، وقد كان وهب أحاديث تفرد بها لبنيه وأبي زرعة ومنصور ، تفردوا بروايتها عن أبيهم.

قال حمزة بن يوسف السهمي : سألت الدارقطني أن يصنف كتابا في ضعفاء المحدثين فقال : أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت : نعم ، قال : فيه كفاية ، لا يزاد عليه.

وكانت وفاته يوم السبت غرة ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائتين » (١).

وقال الذهبي : « قال الخليلي : « كان عديم النظير حفظا وجلالة ، سألت عبد الله بن محمد الحافظ : أيهما احفظ ابن عدي او ابن قانع؟ فقال : زر قميص ابن عدي احفظ من عبد الباقي بن قانع.

قال الخليلي : وسمعت احمد بن أبي مسلم الحافظ يقول : لم أر أحدا مثل أبي احمد ابن عدي ، وكيف فوقه في الحفظ؟. وكان أحمد قد لقي الطبراني وأبا احمد الحاكم وقد قال لي : كان حفظ هؤلاء تكلفا وحفظ ابن عدي طبعا ،

__________________

(١) الأنساب ـ الجرجاني.

١١٩

زاد معجمه على ألف شيخ ... » (١).

وكذا ترجم له في ( العبر ٦ / ٣٣٧ ) واليافعي في ( مرآة الجنان ٢ / ٣٨١ ) وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفاظ ).

٥ ـ الدارقطني

لقد قدح الدارقطني في حديث النجوم ، فقد قال ابن حجر العسقلاني ما نصه : « جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رفعه : ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به ، ولا يسعكم تركه الى غيره ، الحديث ، وفيه : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. أخرجه الدارقطني في غرائب مالك ، والخطيب في الرواة عن مالك من طريق الحسن بن مهدي عن عبدة المروزي عن محمد بن احمد السكوني عن بكر بن عيسى المروزي عن أبي يحيى عن جميل به.

قال الدارقطني : لا يثبت عن مالك ، ورواته مجهولون » (٢).

وسيأتي ذلك عن ( تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر ) أيضا.

٦ ـ ابن حزم

لقد كذب ابن حزم هذا الحديث وأبطله وحكم بوضعه ، فقد قال أبو حيان ما نصه : « قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ما نصه : وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط » (٣).

وتجد كلام ابن حزم هذا في ( النهر الماد ) و ( الدر اللقيط ) و ( تخريج

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٤٠.

(٢) لسان الميزان ٢ / ١٣٧.

(٣) البحر المحيط ٥ / ٥٢٨.

١٢٠