الرسائل التسع

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

الرسائل التسع

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


الموضوع : الفقه
الناشر: انتشارات زهير
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8076-27-8
الصفحات: ٣١٥

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

لو تعدد المسلِّم واتحد المسلَّم عليه

مسألة : إذا سلّمت جماعة على شخص ، فهل يكتفي بجواب واحد بصيغة الجمع ، عن سلامهم بحيث يقصد منها جواب واحد من الجماعة ، كما يكتفي بجواب واحد في عكس المسألة إجماعاً وان قيل باستحباب أجوبة متعددة ، ولو بعد جواب واحد فيما لم يكن المسلّم عليه في الصّلاة ، أو يجب الاتيان باجوبة متعدّدة بعدد رءوس المسلّمين ، من غير فرق بين أن يكون في حالة الصلاة ، أو غيرها؟ وجهان :

الرأي المشهور

ظاهر المشهور فيما اظنّ به ظنّاً قويّاً ، الثّاني.

الرأي المقابل للمشهور

وصريح بعض السّادة الاعلام من مشيختنا في اجوبة مسائلة ، الاوّل ، بل صريحه عدم جواز التّعدد ، فيما قصد ردّ الجميع بصيغة واحدة ، على ما هو مفروض الكلام ، سواء كان المسلّم عليه في الصّلاة ، أو خارجها ، حيث قال : في طيّ حكم صور السّلام ، من حيث تعدّد المسلّم والمسلّم عليه ووحدتهما ، وتعدّد المسلّم ووحدة المسلّم عليه عكس الصّورة ، ما هذا لفظه بالفارسيّة.

٢٨١

سيّم : ان است كه مسلّم متعدّد باشد ومسلّم عليه واحد ، در اين صورت نيز هرگاه قصد همه كند به يك ردّ اكتفا مى تواند نمود ، بلكه اگر در اثناى نماز بوده باشد در صورتى كه به يك صيغه قصد ردّ همه نموده ، اتيان بصيغه سلام متعدّد نمى تواند نمود ، بلكه دور نيست در خارج نماز چنين بوده باشد ؛ نظر باينكه امتثال بردّ واحد كه ، بان قصد همه نموده حاصل شد وحكم برجحان بعد از آن اگر چه بطريق استحباب بوده باشد ، محتاج بدليلست. انتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه ما لا يخفى لظهور الفرق بين المسألة وعكسها ، الّذي حكموا فيه بكفاية الرّد من بعض من سلّم عليهم ؛ حيث انّ التحيّة واحدة في عكس المسألة وان كان المسلّم عليه متعدّداً فيكون الرّد واجباً كفائيّاً ، وهذا بخلاف المسألة ؛ فانّ التّحيّة فيها متعدّدة بتعدّد المسلّمين ، فلا معنى لكفاية ردّ واحد ، ولو كان بصيغة الجمع ، ضرورة عدم تعدّد الرّد مع وحدة الصّيغة.

رأي المصنف

فالقول : بكفاية ردّ واحد يقصد به الجواب عن جميع المسلمين ، نظراً إلى صدق ردّ تحيّتهم بذلك ، ضعيف. ولا فرق في ذلك بين كون المسلّم عليه الواحد في الصّلاة أو خارجها ، فيجب عليه الاتيان بالمتعددة في الصّلاة ، بعدد سلام المسلّمين ، كما يجب عليه في خارجها.

نعم على ما افاده من حصول الامتثال برد واحد قصد به الجواب عن الجميع ، لا مقتضي لجواب آخر في خارج الصّلاة ، فضلاً ، عن الصّلاة ، إلَّا بعنوان الاحتياط ، والخروج عن الخلاف ، فيختصّ بخارج الصّلاة ، ضرورة عدم تحقّق الاحتياط موضوعاً بالنّسبة إلى الصّلاة.

لو حصل الرد من غير المصلي

نعم فيما وجب الرّد كفاية كما في عكس المسألة ، يجوز الاقدام على الرّد بعنوان

٢٨٢

الوجوب ولو كان في الصّلاة ، إذا علم ارادة المصلّي بالسّلام ، ما لم يحصل الرّد من غيره ، بتمامه ، ولو فرض اشتغاله به كما هو مقتضى القاعدة ، في كل واجب كفائي.

حكم رد السلام لو رده غير المصلي

وامّا لو حصل من غيره بتمامه ، فمقتضى القاعدة ، عدم مشروعيّة الاقدام منه مطلقاً بعنوان الورود ، إلّا فيما قام الدّليل عليه.

هل يشترط قصد الجواب عن الجميع في السقوط عنهم

ولا فرق في السّقوط عن غير المجيب ، بين أن يقصد بالجواب الجواب ، عن الجميع ، وعدمه كما هو الشّأن في سقوط جميع الواجبات الكفائية ، بعد قيام من به الكفاية ؛ فانّه لا يعتبر في السّقوط قصد القائم ، الفعل عن الجميع ، بل لا معنى لهذا القصد عند التّحقيق.

هذا ومنه يظهر النّظر ، فيما افاده السّيد المتقدّم ذكره قدس‌سره في حكم عكس المسألة ، في استحباب ردّ الغير بعد الجواب عن البعض ، وفي اعتبار قصد الجواب ، عن الجميع ، في السّقوط عنهم وان كان مفروض كلامه في تعدّد المسلّم والمسلّم عليه ، فانّه لا فرق في الحكم المذكور بين هذه الصّورة ، وعكس المسألة إلّا من حيث لزوم تعدّد الجواب في الصّورة ، بناءً على ما اخترناه في المسألة ؛ فانّ هذه الصّورة جامعة للمسألة وعكسها.

قال قدس‌سره بعد جملة كلام له في حكم الصّورة ، ما هذا لفظه : وامّا اگر بعضى از انها سبقت نمايند در جواب ، ظاهر ان است كه فعل ان مسقط وجوب از ديگران باشد ، در صورتى كه قصد ردّ از همه كرده باشد ، پس در حقّ ديگران ردّ لازم نخواهد بود لكن هرگاه در خارج نماز بوده باشد ، مستحبّست در حقّ هر يك اتيان بردّ. انتهى كلامه رفع مقامه.

فكأنّه قاس الصّورة في اعتبار القصد المزبور في السّقوط ، بالمسألة من حيث اعتبار

٢٨٣

قصد الجميع في الاكتفاء بجواب واحد على ما بنى عليه الامر ، حسبما عرفت منه. ولكنّك خبير بانّه قياس مع الفارق ، حيث انّ اعتبار قصد الجميع في المسألة ، انّما هو من جهة توقّف صدق ردّ الجميع بالقصد المزبور ، وهذا بخلاف الفرض المزبور ؛ فانّ السّقوط ، عن الجميع في عكس المسألة انّما هو من جهة صدور الواجب ، عن بعض من وجب عليه ، من حيث حصول المقصود بفعل البعض من غير حاجة إلى توسيط القصد المزبور كما لا يخفى.

هذا بعض الكلام فيما يتعلّق بحكم المسألة ، والحمد لله أوّلاً وآخراً والصّلاة على نبيّه محمّد وآله الطّاهرين ظاهراً وباطناً ، وقد تشرّف بتحرير هذه الرّسالة الشّريفة مع الرّسائل المتقدّمة عليها ، العبد المذنب الجاني والرّق الآثم الفاني احمد التفرشي في ليلة ميلاد الامام عليه‌السلام سال ١٣١٤ وطبعت باهتمام السّيد السند السيّد محمّد علي الموسويّ الشيرازي دام توفيقه.

٢٨٤

الفصل التاسع

رسالة في تعيّن قضاء الأعلم

٢٨٥
٢٨٦

رسالة في تعيّن قضاء الأعلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين (١).

مسألة : اعلم أنّ فقهاءنا رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اختلفوا في تعيّن قضاء الأعلم كاختلافهم في تعيّن تقليده ، ونحن وإن حرّرنا المسألة فيما حرّرناه في كتاب القضاء والشهادات ملخّصاً إلَّا أنّ التماس جمع من حاضري مجلس البحث في المسألة دعانا إلى تحريرها ثانياً مستقلّاً مفصّلاً.

فنقول بعون الله تعالى وتوفيقه ودلالة أهل الذكر صلوات الله عليهم أجمعين :

إنّه قد يبحث عن حكم المسألة في زمان الحضور ، وقد يبحث عنه بالنسبة إلى زمان الغيبة. والبحث من الحيثية الأولى ليس من حيث التكلّم في بيان تكليف الحجة على

__________________

(١) وليعلم أنّ المؤلف لهذا الكتاب المستطاب قدس‌سره وإن تعرّض فيه لمسألة قضاء الأعلم على نحو الاختصار إلَّا أنّه قدس‌سره لمّا أفرد هذه المسألة بالبحث عنها مفصّلاً في رسالة ألّفها فيها قبيل سنة توفّي فيها بأشهر ، وكانت المناسبة قاضية بنشرها منضمّة إلى هذا الكتاب صدر الأمر من ناحية حضرة الناشر للكتاب دام ظلّه بطبعها تلوه تتميماً للنعمة. ونسأل الله تعالى أن يوفّقه دامت أيام بركاته لنشر سائر مؤلّفاته النفيسة التي منها «كتاب الخلل» و «كتاب الوقف» و «كتاب الإجارة» و «كتاب الرهن» و «كتاب الصيد والذباحة» و «كتاب إحياء الموات» و «كتاب الخمس» ، وغير ذلك من الكتب والرسائل التي ألّفها في الفقه وجملة من المباحث المهمة الأصولية والممتثل لهذا الأمر المبارك المطاع العبد الفاني علي الآشتيانى عفي عنه.

٢٨٧

الخلق صلوات الله عليه حتّى يقال بل قيل : إنّ ساحة شأنه وعلو مقامه وعلمه المطلق وولايته المطلقة وعصمته ومكانته تمنعنا من ذلك ، مع أنّه لا يتعلّق غرض بذلك. بل من حيث جعل ما ورد منه في باب النصب خصوصاً أو عموماً دليلاً على حكم المسألة في الزمانين ، وإن قيل بأنّ نصب المفضول بالنصب الخاص في زمان الحضور لا يصلح دليلاً على الجواز لما ستقف عليه. ثمّ إنّ المذكور في كلام غير واحد ، منهم شيخنا الأفقه في جواهره (١) كون ملاك مسألتنا ومسألة تقليد الأعلم واحداً وكونهما من واد واحد ، قولاً ودليلاً ، لكنّه ليس على ما ينبغي كما ستقف عليه.

وقبل الخوض في المسألة لا بدّ من تقديم مقدّمة مشتملة على أمور توجب الإحاطة على أطراف المسألة والبصيرة بها والوقوف على مدرك القولين أو الأقوال فيها.

الأوّل : أنّه لا خلاف ظاهراً في كون القضاء والحكم اللذين يراد بهما الإلزام بما لا يقتضيه تكليف الملزم في مرحلة تكليفه ولو ظاهراً بحسب جعله الأولي من مناصب خليفة الله على خلقه ومن أغصان ولايته المطلقة العامة ، فلا يجوز التعرّض لغيره له إلَّا بإذنه أو نصبه خصوصاً أو عموماً. ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع الظاهر والمنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة العظيمة ، الكتاب والسنة.

أمّا الأوّل ، فيدلّ عليه منه قوله تبارك وتعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(٢) فإنّ التفريع في الآية الشريفة له دلالة ظاهرة على ذلك ، فتدبّر.

ومثله قوله تبارك وتعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ)(٣) وقوله تعالى : «وإذا (تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ») الآية (٤) ، إلى غير ذلك.

وأمّا الثاني ، فيدلّ عليه منها أخبار كثيرة بالغة حدّ الاستفاضة ، فيها الصحاح

__________________

(١) جواهر الكلام : ٤٠ / ٤٢ ٤٣.

(٢) ص (٣٨) : ٢٦.

(٣) النساء (٤) : ١٠٥.

(٤) النساء (٤) : ٥٩ : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ).

٢٨٨

وغيرها ونحن نذكر شطراً منها ممّا له دلالة واضحة على ذلك بإسقاط السند اختصاراً.

منها : ما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لشريح : «قد جلست مجلساً لا يجلسه إلّا نبي ، أو وصي نبي ، أو شقي» (١) ومنها : ما عن الصادق عليه‌السلام : «اتّقوا الحكومة [فان الحكومة] إنّما هي للإمام والعالم بالقضاء ، العادل بين [في] المسلمين ، كنبي أو وصي [نبي]» (٢) ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة (٣) الآتية. ومنها : رواية أبي خديجة (٤) الآتية. إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في ذلك ، وإن كان أصل سوقها لبيان مطلب آخر كالروايتين الأخيرتين.

فبالجملة : لا إشكال في كون القضاء من توابع الرئاسة العامة الكلية الإلهية عندهم بالنظر إلى ما عرفت. وهذا بخلاف الإفتاء للنّاس وبيان الحق لهم ، أو بيان ما يرجح في نظر المفتي لهم لأخذهم به في مقام العمل ، فإنّها ليست من فروع النبوة والرئاسة الكلية الإلهية ، بل هي واجبة عليه بجعل أوّلي إلهي من غير توقّف على نصب الولي وإن كان أصل ثبوتها في الشّرع ببيانه كثبوت أكثر الأحكام ، والأصل فيها عدم المشروعية فيما شك فيه من جهة خصوصيات المفتي والمحل وغيرهما كما هو الشأن في القضاء أيضاً على ما ستقف عليه. فالإفتاء نظير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الراجعين إلى إلزام النّاس بما يقتضيه تكليفهم عند الخاصة القائلين بعدم كونه من توابع الرئاسة العامة وخصائصها ، فليكن هذا في ذكر منك لينفعك فيما سنورده عليك في مطاوي الكلام في المسألة. نعم ، ربما يستشكل فيما ذكرنا في حكم القضاء وكونه منصباً إلهياً للولي بحيث لا يجوز التصدّي لغيره له إلّا بعد الرجوع إليه والاستيذان منه

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٤٠٦ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٥ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٧ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٧.

(٢) الكافي : ٧ / ٤٠٦ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٥ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٧ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٧ ، وفيها : «اتقوا الحكومة فان الحكومة» ، وفي بعضها : «كنبيّ أو وصيّ نبي».

(٣) الكافي : ١ / ٦٧ ٦٨ و ٧ / ٤١٢ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٨ ١٠ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٨ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٥.

(٤) الكافي : ٧ / ٤١٢ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢ ٣ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٩ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣ ١٤.

٢٨٩

أو نصبه خصوصاً أو عموماً من وجهين :

أحدهما : أنّه ينافي ما تسالموا عليه في ظاهر كلماتهم من ثبوت قاضي التحكيم في أزمنة الحضور في الجملة ، كما استظهر من جملة من الأخبار أيضاً وإن كان في دلالتها نظر ظاهر وأن التجويز في زماني الحضور والغيبة بعد ورود الدليل على النصب بعنوان العموم ، مثل مقبولة (١) ونحوها ، ضرورة أنّ توقّف جواز تصدّي القضاء على الإذن أو النصب ينافي ثبوت مشروعية قاضي التحكيم وجواز الرجوع إليه ونفوذ حكمه ولو في الجملة ، لدلالة مشروعيته على كونه حكماً إلهياً.

والقول بأنّ جواز القضاء للقاضي فيما تراضى الخصمان على الرجوع إليه وفي هذه الصورة الخاصة لا ينافي كون القضاء بحسب الأصل منصباً إلهياً للنبي والوصي بحيث لا يتوقّف نفوذه منهما وممّن نصباه على التراضي من الخصمين أصلاً شطط من الكلام.

ثانيهما : أنّ ما ذكر ينافي ما قضت به كلماتهم ونادى به صريح مقالتهم من كون القضاء واجباً على الكفاية على ما في محكي التحرير (٢) وغيره (٣) من كتب القوم ، بل في الرياض (٤) نفي الخلاف فيه بيننا ضرورة منافاة وجوبه على الكفاية على جميع من اجتمع فيه شرائط القضاء من الأمّة ، لكونه منصباً إلهياً مختصّاً بالخليفة. بل ربما يقال بأنّ اتفاق كلمتهم على وجوب القضاء عقلاً من حيث توقّف حفظ نظام العالم المطلوب لخالقه من باب وجوب اللطف عليه تبارك وتعالى شأنه ينافي كونه منصباً للخليفة ، فإنّ الظلم من شيم النفوس البشرية وإن كان ممّا يستقل العقل بقبحه فلا بدّ من حاكم ينتصف من الظالم للمظلوم.

__________________

(١) الكافي : ١ / ٦٧ ٦٨ و ٧ / ٤١٢ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٨ ١٠ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٨ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٥.

(٢) تحرير الأحكام : ٢ / ١٧٩.

(٣) الوسيلة : ٢٠٨ ؛ شرائع الإسلام : ٤ / ٨٦١ ؛ مسالك الأفهام : ١٣ / ٣٣٦ ؛ جواهر الكلام : ٤٠ / ١٠ ؛ المبسوط : ٨ / ٨٢ ؛ قواعد الأحكام : ٣ / ٤٢٠ ؛ إرشاد الأذهان : ٢ / ١٣٨ ؛ المهذب البارع : ٤ / ٤٥٥ ؛ الروضة البهية : ٣ / ٦١.

(٤) رياض المسائل : ٢ / ٣٨٥.

٢٩٠

وما قيل من أنّ كونه واجباً على الكفاية لا ينافي كونه منصباً ومتوقّفاً على إذن خليفة الله تعالى كما في غسل الميت وتجهيزه حيث إنّهما مع وجوبهما على الكفاية يتوقّفان على إذن ولي الميت ، ربما ينظر فيه بأنّ الخطاب في غسل الميت مثلاً إنّما تعلّق أوّلاً بجميع المكلّفين ، غاية ما هناك كون الاستيذان من الولي عند التمكّن شرطاً لصحّة العمل ممّن يقوم به ، وإن استشكل في اعتبار إذن الولي بل منعه بعض الفقهاء مع الالتزام بالوجوب على الكفاية من جهة التنافي بينهما. وهذا بخلاف المقام ، فإنّ كون القضاء منصباً للخليفة بحسب الجعل الأوّلي لا يجامع كونه على الكفاية. وحمل كلامهم على صورة إذنه عليه‌السلام لعنوان عام أو نصبه عليه‌السلام له بحيث ينطبق على الواجب الكفائي ، كما ترى. كحمله على عدم إرادة الواجب الكفائي بالمعنى المصطلح من إطلاقه في المقام بل ما يشابهه من حيث حصول الغرض منه من السياسة بقيام من به الكفاية ممّن نصبه الخليفة.

ودفع هذا الإشكال كما ترى في غاية الإشكال. وأشكل منه دفع الإشكال الأوّل.

نعم ، ثبوته في حكم العقل من حيث السياسة النوعية لا ينافي كونه منصباً للولي الّذي كان غاية لخلق العالم كما هو ظاهر.

الثاني : أنّه لا إشكال بل لا خلاف في أنّ مقتضى الأصل والقاعدة الأوّلية على القول بكون القضاء منصباً هو البناء على عدم الثبوت عند الشك في أصله أو بعض خصوصياته وضعاً بل تكليفاً أيضاً ، بل الأمر كذلك على القول بعدمه أيضاً بحسب الحكم الوضعي بل التكليفي أيضاً ، لأنّ جواز إلزام النّاس على ما لا يقتضيه تكليفهم نوع سلطنة عليهم ينفى بدليل نفي السلطنة لأحد على أحد إلّا من كان أولى من أنفس النّاس بهم.

كما أنّه لا إشكال بل لا خلاف أيضاً في أنّ مقتضى الأصل الأوّلي عند الشك في التقليد على أحد الوجهين البناء على عدم جوازه من حيث كونه مقتضى الأصل في كلّ ما شك في طريقيته واعتباره شرعاً بالنظر إلى الأدلّة الأربعة حسبما فصّل حقّه في

٢٩١

محلّه ، لكنّه كما ترى لا تعلّق له بالأصل في المقام أصلاً.%

الثالث : أنّك قد عرفت في مطاوي ما ذكرنا في المراد من القضاء والحكم في المقام عدم تعلّق له أصلاً بمسألة التقليد وبيان الحق للنّاس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يجوز التمسّك في شيء من مسائل الباب بما ورد من العمومات والإطلاقات في البابين. فما في كلام بعض مشايخنا في شرحه على الشرائع من التمسّك بما ورد في البابين في المقام لا يخلو عن المناقشة ، فإنّ الإلزام بما لا يقتضيه تكليف النّاس المراد بالقضاء لا تعلّق له بإلزامهم بما يقتضيه تكليفهم الّذي يراد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما أنّه لا تعلّق له بالإخبار عن الحكم الواقعي على وجه الإفتاء للنّاس وبيان الحقّ لهم على وجه النقل عن المعصوم ، ضرورة رجوعهما إلى الإخبار عن الحكم الواقعي الّذي لا ربط له بالحكم بمعنى الإنشاء والإلزام بالحق ، فافهم ولا تغفل.

الرابع : أنّه لا إشكال في أنّ مقتضى عمومات نصب الحكام من الأئمّة عليهم‌السلام فيما كان هناك عموم ، أو إطلاقاته فيما كان هناك إطلاق على ما ستقف على شرح القول فيه ، ثبوت ولاية القضاء للمفضول كثبوتها للفاضل من غير فرق بينهما حتّى فيما إذا اختلفا بحسب الرأي في الشبهات الحكمية ، لأنّ نصب كلّ منهما يجامع الاختلاف والاتّفاق معاً من دون تفاوت بينهما ، حيث إنّه من باب إعطاء الولاية ، بل الأمر كذلك عند التحقيق والنظر الدقيق على القول بكون القضاء للحكام منصباً إلهياً ابتدائياً لهم من دون توسيط نصب الولي فإنّ ما ذكرنا من عدم الفرق بين الفاضل والمفضول مترتّب على كون القضاء بمعنى الولاية الخاصة على ما قضت به كلماتهم في بيان المراد منه في أوّل كتاب القضاء وإن لم يساعده استعمالات المشتقّات منه ، سواء كان بجعل أوّلي إلهي ، أو ثانوي خلقي ، فلا بدّ للقول بالفرق من إقامة برهان عليه. نعم على تقدير عدم عموم أو إطلاق لدليل النصب مع الفراغ عن الثبوت في الجملة يكون القائل بالفرق مستريحاً عن كلفة إقامة الدليل ، لما أسمعناك من مقتضى الأصل الأوّلي في باب القضاء تكليفاً ووضعاً.

٢٩٢

وهذا بخلاف ما يكون مبناه على الطريقية كالأمارات المعتبرة الحكمية والموضوعية والفتوى ، فإنّه لا يمكن شمول دليل اعتباره ولو كان له عموم للمتعارضين المختلفين منه ضرورة ارتفاع مناط الاعتبار عنه عند الاختلاف والتعارض ، بل الأمر كذلك عند التحقيق على القول بالسببية المحضة في الأمارات حتّى على القول بالتصويب ، فضلاً عن التخطئة لعدم تصوّر التزاحم بالنسبة إلى المتعارضين حتّى يقال بكون مقتضى القاعدة الحكم بالتخيير بينهما فيما لم يكن أحدهما أهم لا التوقف والتساقط بالنسبة إلى مورد التعارض ، هذا. وإن أردت الوقوف على شرح القول في ذلك ودليله فارجع إلى ما علّقناه على ما أملاه شيخنا العلّامة قدس‌سره في مسألة تعارض الأدلّة.

فعلى هذا لا فرق بين الفاضل والمفضول في سقوط الاعتبار في باب التقليد عند اختلافهما في المسألة. فالقائل بالتخيير بينهما يحتاج إلى الدليل عليه كالقائل بالترجيح من غير فرق بينهما.

نعم ، لو فرض هناك دليل على الحجيّة الفعلية ولم يكن له إطلاق ودلالة على التخيير كالإجماع ، كان المتيقّن منه اعتبار رأي الفاضل فيرجع بالنسبة إلى رأي المفضول إلى أصالة عدم الحجيّة ، فيكون مقتضى الأصل على التقدير المزبور الترجيح.

ومن هنا حكموا وحكمنا بأنّ مقتضى الأصل لزوم تقليد الأعلم والأعدل عند اختلاف المجتهدين في الرأي وعدم ورود عمومات أدلّة التقليد أو إطلاقاتها عليه.

وهذا بخلاف المقام ، فإنّ عموم دليل النصب على ما أسمعناك عن قريب يمنع من الرجوع إلى الأصل بالنسبة إلى قضاء المفضول ، ومن هنا حكمنا بمغايرة البابين ، خلافاً لشيخنا المقدّم ذكره قدس‌سره (١).

إذا عرفت ما ذكرنا لك من المقدّمة المشتملة على ما سمعت من الأمور فاستمع لما يتلى عليك من الكلام في المسألة ، فنقول : إنّ الكلام في المسألة قد يقع في الشبهات

__________________

(١) راجع جواهر الكلام : ٤٠ / ٤٢ ٤٣.

٢٩٣

الموضوعية ، وقد يقع في الشبهات الحكمية. والكلام في الثاني قد يقع فيما اختلف الفاضل والمفضول في حكم المسألة ، وقد يقع فيما يتّفقان فيه. والكلام في الصورة الأولى إنّما هو فيما إذا لم يختلفا في ميزان القضاء ، وإلّا فيرجع إلى الشبهة الحكمية بالنسبة إلى مورد الاختلاف.

ثمّ إنّ محلّ الكلام ظاهراً إنّما هو فيما إذا تمكّن من رفع الأمر إلى الأعلم ، وإلّا فلا خلاف ظاهراً في جواز الرجوع إلى المفضول ، وليس المقام من قبيل الرجوع إلى العامي العارف بحكم القضايا عن تقليد ، حيث إنّه لا يجوز الرجوع إليه مطلقاً حيث إنّ اعتبار الاجتهاد في المرجع شرط مطلقاً عند المعظم القائلين باعتباره ، وليس شرطاً اختيارياً يسقط بالعجز.

ثمّ إنّ ظاهر كلمات غير واحد بل صريح بعض وإن كان عدم الفرق في حكم المسألة بين الصور المذكورة كما يقتضيه ظاهر كلام جماعة في مسألة تقليد الأعلم ، حيث أطلقوا القول بوجوبه من غير فرق بين اختلافهما في الرأي وبين عدمه ، لكن الّذي يقتضيه التحقيق كما عن بعض المحققين وعليه شيخنا العلّامة قدس‌سره في مجلس البحث عن المسألة والتقليد ، الفرق في الحكم بين صورتي الاتفاق في الرأي والاختلاف فيه في البابين كما أنّ مقتضاه الفرق في المقام بين الشبهة الموضوعية والحكمية.

ونحن نورد أوّلاً ما ذكروه وجهاً للقولين في المقام ، ثمّ نعقّبه بذكر ما يقتضيه النظر الثاقب. ولا بدّ قبل ذكر وجوه القولين ، من نقل ما ورد في الباب من الأخبار وبيان ما يستفاد منها لعلّه تزول ببركتها الشبهات الحادثة في هذا المضمار بل في باب التقليد أيضاً ، فنقول : ما ورد في الباب ممّا له تعلّق بالمقام ويمكن استفادة حكمه منه أخبار.

منها : مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة المروية في الأصول المعتبرة : «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان أو [و] إلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ فقال عليه‌السلام : من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل

٢٩٤

فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، فإذا حكم له (١) فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله تعالى أن يكفر به (٢). قلت : فكيف يصنعان؟ قال عليه‌السلام : ينظران إلى من كان منكم [ممّن] قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضيا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم الله استخف وعلينا ردّ والرادّ علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله. قلت : فإن كان كل واحد [رجل] اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلفا فيما حكما به وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال عليه‌السلام : الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما في الحديث ، وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر. قال فقلت : فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه. قال عليه‌السلام : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه عند [من] أصحابك ، فيؤخذ به من حكمهما ، ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» الحديث (٣).

ومنها : ما عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية أبي خديجة : «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى حكّام [أهل] الجور ، ولكن انظروا إلى رجل [منكم] يعلم شيئاً من قضايانا [قضائنا] فاجعلوه بينكم قاضياً فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه» (٤).

ومنها : ما عن أبي خديجة أيضاً قال : «بعثني أبو عبد الله عليه‌السلام إلى أصحابنا فقال عليه‌السلام : قل لهم : إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء ، أن

__________________

(١) وما يحكم له ، خ ل.

(٢) النساء (٤) : ٦٠ : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُ ، وتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ).

(٣) الكافي : ١ / ٦٧ ٦٨ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠١ ٣٠٣ ، وفيهما ذكر الآية ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ ولم تذكر فيه عدة جملات ؛ وأيضاً الكافي : ٧ / ٤١٢ وتهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٨ ولكن فيهما مذكورة إلى قوله : «وهو على حد الشرك بالله» ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٨ ١٠ وفيه ورد قسماً من المقبولة. وفي كلها اختلافات كثيرة.

(٤) الكافي : ٧ / ٤١٢ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢ ٣ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٩ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣ ١٤.

٢٩٥

تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق. اجعلوا بينكم رجلاً ممّن قد عرف حلالنا وحرامنا فإنّي قد جعلته قاضياً. وإيّاكم أن يتحاكم (١) بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر» (٢).

ومنها : ما عن داود بن الحصين : «في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه اختلاف [خلاف] فرضيا بالعدلين ، واختلف العدلان بينهما ، عن [على] قول أيّهما يمضي الحكم؟ فقال عليه‌السلام : ينظر إلى أفقههما ، وأعلمهما بأحاديثنا ، وأورعهما ، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر» (٣).

ومنها : ما عن النميري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : سئل عن رجل تكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما حكما فاختلفا فيما حكما.

قال عليه‌السلام : وكيف يختلفان؟ قلت : حكم كلّ واحد منهما للذي اختاره من الخصمين.

فقال عليه‌السلام : ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيقضى حكمه» (٤) إلى غير ذلك من الروايات.

ثمّ إنّه لا تأمّل ولا إشكال في دلالتها على نصب كلّ من كان من الإمامية فقيهاً عدلاً للقضاء بين النّاس إلى يوم انقضاء التكليف ، سواء كان في أزمنة حضورهم عليهم‌السلام أو غيبتهم ، فإنّ لهم صلوات الله عليهم ذلك. وهذا معنى قولهم : إعطاء الولاية يشبه إعطاء ولاية الوصاية فلا يرتفع برحلة الإمام عليه‌السلام كما أنّ لهم عليهم‌السلام الإذن والتوكيل في القضاء لشخص أو أشخاص معيّنة فينعزلون بموت الإمام عليه‌السلام كما هو الشأن في كلّ ما كان علّته حدوثاً وبقاء الإذن. ومن هنا قالوا : إذا مات الإمام عليه‌السلام انعزل القضاة أجمع ، فمرادهم القضاة المأذونون للقضاء لا المنصوبون.

كما أنّه لا إشكال في دلالتها على نصب كلّ من الفاضل والمفضول عند عدم

__________________

(١) يخاصم ، خ ل.

(٢) تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠٣ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣٩.

(٣) كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٨ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠١ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠١ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٢٣. مع اختلاف يسير.

٢٩٦

الاختلاف عند التأمّل ، فإنّه إنّما حكم بالترجيح فيها عند الاختلاف. كعدم التأمل والإشكال في دلالتها على الترجيح من حيث الأوصاف في الجملة عند اختلاف الحكام في الرأي.

إنّما الكلام والإشكال في جميعها من حيث كون الترجيح المفروض فيها من جهة الحكم بالمعنى المبحوث عنه في المقام ، أو الحكم بالمعنى المنطبق على الفتوى فتكون دليلاً على لزوم تقليد الأعلم.

ونحن نورد الكلام تارة في فقه المقبولة ، وأخرى في فقه غيرها ممّا فرض فيه تعدّد الحكمين واختلافهما والحكم بالترجيح بينهما ، فنقول : لا إشكال في ظهور المقبولة صدراً بل صراحتها في بيان حكم الحكومة بالمعنى المبحوث عنه في المقام فإنّه الّذي حكم بكون ردّه في حد الشرك بالله مع فرض المورد المنازعة والاختلاف في الدين والميراث من جهة الشبهة الحكمية كما يتّفق كثيراً فيهما كما لا يخفى ، على ما يشهد به فرض السائل استناد اختلاف الحكمين إلى اختلاف الحديث المستند لحكمهما.

إلا أنّ التباني من المتنازعين على الرجوع إليهما إنّما هو بعنوان السؤال عن حكم الواقعة ومعرفة الحكم الشرعي لا المرافعة المعهودة ، فالمراد من اختلاف الحكمين فيما حكما به هو اختلافهما في بيان حكم المسألة من حيث الرأي ، فلا ينطبق على الحكم بالمعنى المبحوث عنه في المقام بل ينطبق على التقليد ، فلا يرد عليها شيء من الإشكالات المعروفة. نعم ، يتوجّه عليه مخالفته لظاهر سياق الرواية ولزوم التفكيك في بادي النظر إلَّا أنّه لا محيص عنه بعد التأمل وإمعان النظر فيها كما لا يخفى ، فلا يمكن استفادة حكم المقام منها إلّا بدعوى عدم القول بالفصل بين القضاء والتقليد ، ودون إثباتها خرط القتاد ، ولمّا جاز للراوي العمل بالروايات كما جاز له التقليد على ما كان تكليف العوام في زمان الحضور بخلاف زماننا وأشباهه من زمن الغيبة وكان الحكم بالتخيير في الرجوع إلى الفقيهين مع التسوية لا يرفع الخصومة بينهما كما هو ظاهر ، فأرجعهما الإمام عليه‌السلام إلى الترجيح من حيث مستند الحكمين ، ومع فقده حكم بالتوقّف

٢٩٧

وإرجاء الواقعة ، لأنّ الحكم بالتخيير الّذي هو حكم تعادل الخبرين كلية ينافي فرض الخصومة والنزاع ، ضرورة اختيار كل واحد ما يفيده من الخبرين فتبقى معه الخصومة. فهذا هو الوجه في الحكم بالإرجاء ، فلا تعارض ما ورد من التخيير فيما تعادل الخبران فيه ولا تنافيه أصلاً حتّى نحتاج إلى العلاج بينه وبين المقبولة بمثل حملها على صورة التمكّن من تحصيل العلم وحمل أخبار التخيير على صورة العجز عنه ونحوه من المحامل المذكورة في كتب القوم.

وحمل المقبولة على صورة العلم باختلاف من له أهلية المرجعية من دون رجوع فعلي فيفيد تعيّن الرجوع إلى الفاضل من الحكمين من أوّل الأمر عند العلم باختلافهما في الرأي قبل الرجوع ، للحكم بالمعنى المبحوث عنه في المقام كما ترى ، كالالتزام بثبوت تقديم حكم الفاضل على حكم المفضول بعد الرجوع الفعلي إليهما واختلافهما في الحكم بالمعنى المبحوث عنه في المقام وإن لم يلتزم بالترجيح عند العلم بالاختلاف من دون رجوع على ما جزم به بعض مشايخنا قدس‌سره في شرحه ، حيث قال بعد كلام طويل في إثبات عدم الفرق بين الفاضل والمفضول في المقام وفي التقليد وأنّ الحكم التخيير في الرجوع إليهما في البابين مع العلم بالاختلاف وعدمه متمسّكاً بعموم أدلّة النصب والتقليد ما هذا لفظه : «نعم ، لو فرض أنّ المتخاصمين قد حكموا رجلين فصاعدا في أمرهم ، فاختلف الحكم الصادر منهم في ذلك رجّح بالمرجّحات المذكورة.

ودعوى اقتضاء ذلك الترجيح في أصل المراجعة [المرافعة] وفي التقليد ابتداءً مع الخلاف أو مطلقاً ، فممنوعة كلّ المنع» (١) انتهى كلامه رحمه‌الله.

وهذا كما ترى يحتمل معنيين : أحدهما : ما عرفت من ثبوت الترجيح بعد الرجوع إلى شخصين في قضية جزئية. وهذا غير الترجيح في كلّي الواقعة من أوّل الأمر وابتداء. ثانيهما : الالتزام بالترجيح في قاضي التحكيم فيما إذا حكّم الخصمان رجلين فصاعداً فاتفق الاختلاف بينهما. وهذا المعنى كما ترى أردأ من سابقه ، لانقطاع

__________________

(١) جواهر الكلام : ٤٠ / ٤٦.

٢٩٨

التحكيم بعد ورود المقبولة وأشباهها من عمومات النصب كما هو واضح.

وأمّا الاحتمال الأوّل فيتوجّه عليه أنّ تعيّن الترجيح عند الاختلاف في كلّي الواقعة أوجب الأخذ بالراجح في شخص الواقعة المختلف فيها لا أنّ الرجوع الفعلي صار سبباً لذلك كما هو ظاهر واضح. ويتوجّه عليه مضافاً إلى ما عرفت ، أنّ سوق التقليد مساق الحكم في الرجوع إلى عمومات البابين والحكم بالتخيير بين الفاضل والمفضول قد أسمعناك ما فيه من الفرق بين عمومات البابين وعدم إمكان التمسّك بعمومات التقليد واعتبار الفتوى لإثبات التخيير بين الرأيين المختلفين في المسألة من المجتهدين ، بل لا بدّ له من التماس دليل من خارج. وهذا بخلاف عمومات نصب القضاة ، فإنّ مقتضاها على ما عرفت حتّى صدر المقبولة نصب كل واحد ممّن اجتمع فيه شرائط النصب حتّى في صورة الاختلاف في الرأي ، هذا.

وهنا معنى ثان للمقبولة تنطبق بملاحظته مع مرفوعة زرارة (١) الواردة في باب تعارض الخبرين صدراً وذيلاً ، وهو حمل الحكم فيها على نقل كلّ منهما الحديث المتضمّن لحكم الواقعة التي اختلف فيها الرجلان وإن اعتقد كلّ من الفقيهين مضمون ما رواه ، إلَّا أنّ الرجوع إليه إنّما هو من حيث كونه راوياً لا مفتياً ولا حاكماً. ويرشد إليه الترجيح بالأصدقية فيها فإنّه لا معنى له إلّا مع هذا المعنى فتكون الأوصاف المذكورة فيها من مرجّحات الرواية كالمرفوعة. وما قيل كما لا يأبى عنه كلام شيخنا العلّامة قدس‌سره في الرسالة التي أملاها في التقليد من عدم منافاة الترجيح بالأصدقية بمعنى شدّة الملكة كشدة سائر الملكات لترجيح الفتوى المستندة إلى الروايات في تلك الأزمنة (٢) ، ضعيف وإن كان ممكناً لعدم التزامهم به في ظاهر كلماتهم في باب التقليد ، فراجع وتدبر. هذا بعض الكلام في فقه المقبولة.

وأمّا غيرها ممّا عرفت من أخبار الباب الظاهرة في التفصيل والترجيح عند

__________________

(١) عوالي اللئالي : ٤ / ١٣٣ ؛ مستدرك الوسائل : ١٧ / ٣٠٣.

(٢) مجموعة رسائل فقهية واصولية (الرسالة في التقليد) : ٧٥.

٢٩٩

اختلاف الحكمين في الرأي ، فالظاهر انطباقها مع المقبولة من حيث كون النزاع من جهة الجهل بالمسألة والرجوع إلى العدلين من جهة رفع الجهل ، فالمراد من الحكم الّذي اختلف فيه العدلان هو المجعول للقضية المنطبق على الفتوى لا الحكم بمعنى الإنشاء والإلزام فلا تنطبق على المقام كالمقبولة. وحمله على بيان المرجع للقضاء فيما إذا علم اختلاف المجتهدين في الرأي بالفحص قبل الرجوع أو بعده بجعله كاشفاً عن تحقّق الاختلاف وعدمه لا أن يكون في نفسه جائزاً حتّى ينافي قواعد القضاء الغير المجامعة لتعدّد الحكومة ، كما ترى. فمفاده كالمقبولة لزوم الترجيح بالأوصاف في باب التقليد لا القضاء. ودعوى عدم الفصل بين البابين قد عرفت ما فيها.

هذا بعض الكلام فيما ورد من الأخبار وبيان المراد منها وإذ قد عرفت ما يستفاد منها فلنصرف العنان إلى ما عاهدنا من ذكر وجوه أقوال المسألة.

فنقول : استدلّ للقول بتعيّن قضاء الأعلم بوجوه : الأوّل : الأصل ، حيث إنّ مقتضاه سيّما على القول بكون القضاء منصباً حسبما يقتضيه كلامهم ودلّ عليه غير واحد من الأخبار (١) على ما أسمعناك عدم جواز قضاء المفضول وعدم نفوذه ولا يزاحمه استصحاب جوازه فيما فرض سبق التفاوت بالفضل بالعلم بالتسوية ، المتمّم بعدم الفصل في غير الفرض ، لعدم جريان الاستصحاب بعد فقد الموضوع. فإن شئت قلت :

الحكم بالتخيير بين المتساوين مترتّب على التساوي ولا أقل من الشك في ترتّبه عليه فلا يجري استصحابه مع ارتفاع التساوي لاشتراط العلم ببقاء الموضوع في التمسّك بأخبار الاستصحاب.

الثاني : قبح التسوية بين الفاضل والمفضول كقبح ترجيح المفضول على الفاضل.

ومن هنا تمسّكوا بهذه القاعدة العقلية في مسألة الخلافة الكبرى على تقدير كون النصب من الخالق.

__________________

(١) راجع الكافي : ١ / ٦٧ ٦٨ ، ٧ / ٤١٢ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢ ٣ ، ٨ ١٠ ؛ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢١٨ ٢١٩ و ٣٠١ ؛ وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣ ١٤ ، ١٠٦ ، ١١٣.

٣٠٠