الرسائل التسع

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

الرسائل التسع

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


الموضوع : الفقه
الناشر: انتشارات زهير
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8076-27-8
الصفحات: ٣١٥

المسألة الاولى :

جواز الجمع بين قصد القراءة والدعاء

(الاجتزاء بالقراءة مع ارادة المعنى من اللفظ)

مسألة : اختلف الأصحاب ، في أنّه هل يجوز الجمع في قراءة القرآن ، الواجبة في الصّلاة بين قصد القراءة وقصد الدّعاء ، ومثاله ، أن يقصد عند قراءة قوله تعالى :

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) جزء الفاتحة إنشاء الدّعاء بهذا الكلام ، أم لا؟ وكذا عند قراءة قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بقصد كونه جزءاً للقراءة ، اظهار الخضوع والعبوديّة بهذا اللّفظ ، إلى غير ذلك.

القول الاول

فذهب جماعة ، منهم العلّامة قدس‌سره في التّذكرة ، على ما حكاه الاستاذ العلّامة قدس‌سره عنهم إلى عدم الجواز (١).

القول الثاني

وذهب آخرون منهم الشّهيد قدس‌سره في الذّكرى (٢) ، إلى الجواز ، والّذي اختاره شيخنا الاستاذ العلّامة دام ظلّه ، الأوّل.

__________________

(١) تذكرة ٣ : ١٦٢.

(٢) الذكرى : ١٩٤ ط ق.

٢٦١

تعزيز محل النزاع

ثمّ إنّ الكلام في المسألة ، حسبما علم من عنوانها ، في احتساب المقروّ ، من القراءة الواجبة وكفايته ، في امتثال الأمر ، بالقراءة وعدمه. وأمّا إبطال ما يقصد به الدّعاء ، للصّلاة ونحوها من آيات القرآن ولو في غير القراءة الواجبة ، فهو من جهة كونه كلاماً آدميّاً ، فهو كلام آخر لا دخل له بما نحن في صدده. وسنتكلّم فيه إن شاء الله تعالى بعد الفراغ عن المسألة.

دليل القول بعدم الجواز

واستدلّ شيخنا لعدم الجواز والكفاية وفاقاً لموافقيه ؛ بأنّ قراءة القرآن المأمور بها في الصّلاة ، كقراءة كلّ كلام للغير ، ليس معناها إلّا حكاية كلامه أي التّلفّظ بالقرآن ، من حيث أنّه كلام من الله ، أو التلفّظ بغير القرآن في قراءة غيره ، من حيث أنّه من غير الله عزوجل ، كقراءة عبارة القوانين مثلاً.

ومن هنا ذكر جماعة ممّن تأخّر من المحقّقين إنّ لفظ الحكاية موضوع للّفظ لا للمعنى ، فإذا كان معنى قراءة كلام الغير ما ذكر ، فلا يمكن الجمع بينه ، وقصد الدّعاء مثلاً من الكلام بمعنى إنشاء الدّعاء وإرادة المعنى من اللّفظ ، من حيث كونه متكلّماً به.

وبالجملة الجمع بين عنوان القراءة والدّعاء ، وكون الشّخص قارئاً وتالياً لكلام الغير ، وداعياً ومنشأً للدّعاء ، ممّا لا يمكن عقلاً ، فلا بدّ إمّا أن يدّعى أنّ قراءة كلام الغير ليس معناه ما ذكر ، أو يدّعى عدم التّنافي بينه وبين إنشاء الدّعاء ، والاوّل مخالف للوجدان وصريح كلمات الاعلام ، والثّاني مخالف لضرورة العقل.

نعم لا نمنع التّنافي بين قراءة كلام الغير والإلتفات إلى معناه ، بل إنشاء المعنى وإرادته في النّفس ، بل جعل التّكلّم بكلام الغير ، كاشفاً عنه وإمارة له ، من غير أن ينشأه بهذا الكلام ، وعليه يحمل جميع ما ورد من الأخبار (١) في باب إظهار الخضوع

__________________

(١) عيون اخبار الرضا ٢ : ٢٦٩ / ٥٩ ، الامالي للشيخ الطوسي : ٢٣٩ ح ٢٥٣ / ١ ، بحار

٢٦٢

والعبودية عند قراءة قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وطلب هداية الصّراط المستقيم عند قراءة قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).

وما ورد في جملة من الأخبار ، من أنّ فاتحة الكتاب نصفها لله تعالى ونصفها للعبد ، إلى غير ذلك ، فإنّ المراد منها إرادة معنى القضايا المذكورة في النّفس ، لا باستعمال اللّفظ فيها.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر ، الفرق بين قراءة القرآن والدّعاء والزّيارة ، فإنّ ما ورد من الائمّة عليهم‌السلام في باب الدّعاء والزّيارات من الأخبار ، إنّما هو في بيان تلقين كيفيّة الدّعاء مطلقاً ، أو في الأوقات المخصوصة أو الزّيارة مطلقاً ، أو في الأوقات المخصوصة ، وليس الغرض منها وقراءة ما قرأه الإمام بعنوان الحكاية ، فهو نظير بيان العالم صيغ العقود والإيقاعات للجاهل بها.

وبالجملة قد يتعلّق الامر بقراءة كلام الغير وحكايته وقد يتعلّق بإنشاء المعاني بألفاظ مخصوصة ، وامتثال الأمر مع الاوّل لا يمكن بإنشاء المعنى من اللّفظ وإرادته منه ، كما إنّ امتثال الثّاني لا يمكن بالحكاية ، فهذا كلّه يكشف ، عن استحالة كون الشّخص قارئاً لكلام الغير وداعياً به ، والأمر بقراءة القرآن من قبيل الاوّل ، وما ورد في بيان الزّيارات من قبيل الثّاني.

ولأجل ما ذكرنا ادّعى بعض مشايخنا المتأخّرين ، الضّرورة في تنافي القراءة وقصد المعنى من اللّفظ ، ومن هنا نحكم بصحّة الصّلاة فيما إذا أراد معنى إحدى التّسليمات من ألفاظها من دون أن يقصد منها الحكايات ، فإنّا فهمنا من الدّليل ، إنّ المطلوب فيها ليس خصوص وجودها الحكايتي وهذا بخلاف قراءة الفاتحة والتّوحيد مثلاً ، فانّ المطلوب في القراءة هو وجودها الحكايتي لا الادعائي.

هذا ثمّ انّه استدلّ ثاني الشّهيدين في الرّوضة (١) على ذلك بدليل آخر ، وهو استلزام

__________________

الأنوار ٨٩ : ٢٢٦ و ١١٠ : ٢٦٣.

(١) اللمعة الدمشقية ١ : ١٢٧ ، تروك الصلاة.

٢٦٣

الجمع بين القصدين ، استعمال اللّفظ في أكثر من معنى ، وهو بظاهره كما ترى ، ممّا لا معنى له ؛ فانّ القارئ لكلام الغير ، من حيث هو قارئ لا يستعمل اللّفظ في معنى ، بل ينقل كلام الغير ، فلا يلزم من استعمال اللّفظ في معنى ، وانشاء الدّعاء ونحوها به ، استعماله في معنيين ، بل الوجه في عدم الجواز ، وإن قلنا بجواز استعمال اللّفظ في معنيين ، ما ذكرنا : من عدم إمكان الجمع عقلاً بين عنوان الحكاية الحقيقيّة واستعمال اللّفظ في المعنى على ما عرفت بيانه.

ومن هنا التجأ بعض المحقّقين من محشي الرّوضة إلى توجيه كلامه وقال :

إنّ المراد ، عدم إمكان الجمع بين عنوان الثاني وعنوان قصد المعنى من اللّفظ. وان كان هذا التّوجيه في كمال البعد من كلامه كما لا يخفى. وبالجملة الجمع بين الحكاية الحقيقيّة واستعمال الحاكي اللّفظ في المعنى بنفسه ممّا لا يمكن عقلاً. نعم لا منافاة بين الحكاية الحقيقيّة وارادة المعنى في القلب ، لا من اللّفظ ، بل وارادة إفهام الغير بطريق اللّزوم ، بجعل الحكاية إمارة له ، ويسمّى إنشاء كما انّ عكسه ، وهو استعمال لفظ الغير من جهة كمال لطفه وفصاحته في المعنى يسمّى اقتباساً ، كما إنّه لا منافاة بين الحكاية المجازيّة وإرادة المعنى من اللّفظ ، كما يسمّى متابعة المؤذن في أذانه حكاية الأذان مع إنّه لا حكاية حقيقة فيه قطعاً ، بل ولا ذكر اللّفظ من جهة كونه لفظ المؤذّن ومثله ، وأولى بالتّسمية ما إذا استعمل لفظ الغير في المعنى ، من جهة إنّه لفظ الغير ، كما أنّه لا إشكال في جواز الجمع بينهما كما هو المعاين بالوجدان.

لكن هذا كلّه لا يجدي ، في باب قراءة القرآن في الصّلاة ؛ لأنّ المعتبر فيها الحكاية الحقيقيّة لا المجارية ، بل ربما يكون الجمع بينهما مؤدّياً إلى الكفر كما في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ونحوه ، ممّا يكون نسبته إلى غير الله كفراً كما لا يخفى.

دليل القول بالجواز

هذا واستدلّ القائلون بجواز الجمع بأمرين :

أحدهما : المنع من اعتبار المعنى المذكور للحكاية في نقل كلام الغير وصدق

٢٦٤

القرآنيّة ، بل يكفي فيه مجرّد ذكر اللّفظ بقصد أنّه لفظ القران.

وفيه ما لا يخفي ؛ إذ صدق القراءة على الموجود من القارئ في الخارج ، لا يستلزم صدق قراءة القرآن في حقّه ، بحيث يوجب صدق الامتثال ، كما ستقف على تفصيل القول فيه في المسألة الثّانية.

ثانيهما : ما ورد من الأخبار في الأمر بتأكيد الخضوع عند قراءة قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وطلب الهداية عند قراءة قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وما ورد ، في أنّ نصف الفاتحة لله ونصفها للعبد ، وما ورد عند قراءة قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ومن قوله الله تعالى : للملائكة انّ عبدي حمدني ، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المساق.

هذا وفيه ما عرفت في طيّ كلماتنا السابقة ، من إنّ المراد من الأخبار المذكورة ، ليس هو استعمال اللّفظ في المعنى بحيث يخرجه عن عنوان الحكاية.

هذا ملخّص ما افاده شيخنا دام ظلّه في تحقيق المقام وتنقيح المرام.

تعيين البسملة قبل القراءة

وفرّع عليه وجوب تعيين البسملة عند قراءة السّورة في الصّلاة ، حيث أنّها جزء للسّورة ، على مذهب الإماميّة ، وأنّ كلّ سورة نزلت مع البسملة على النّبي ، فانّما هي بعنوان الجزئية ، فلو لم يعيّن البسملة عند قراءتها لم تقع للسّورة الّتي يقرءها بعدها ، فتكون السّورة ناقصة ، فضلاً عن أن يقصد البسملة لسورة ثمّ بدا له بعد قراءتها ، أن يقرء سورة أخرى ، فانّه أولى بعدم الأجزاء.

حكم ما لو غفل عن تعيين السورة

نعم في صورة عدم الالتفات عند قراءتها ، يمكن القول بالاجزاء وعدم وجوب إعادة البسملة ، لأنّ اختياره سورة مخصوصة بعدها يكشف ، عن قصده اليها إجمالاً

٢٦٥

عند قراءة البسملة ، كما ذكره الشّهيد ، في محكي الذّكرى (١) ، سيّما إذا كانت عادته على قراءة سورة خاصّة ، فانّ هذا الفرض أولى بالإجزاء لوضوح تحقّق القصد إجمالاً في نفسه وان لم يكن ملتفتاً إليه عند القراءة.

ثمّ ذكر دام ظلّه بعد ما ذكره ، أنّه يمكن التّفصيل فيما ذكرنا بالنّسبة إلى الآيات فكلّ آية لا معنى لاستعماله في معناه بالنّسبة إلى الله عزوجل كما في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فيقال انّ المراد من الأمر بقراءته هو ما ذكرنا من الحكاية المسامحيّة ، الّتي ذكرنا أنّها أولى بتسميتها حكاية ، وكلّ آية لم تكن من هذا القبيل ، تعتبر فيها الحكاية الحقيقيّة هذا مجمل ما افاده دام ظلّه.

ثمّ ذكر إنّ مقتضى الاحتياط ، عند قراءة القسم الاوّل ، عدم ارادة المعنى من اللّفظ أيضاً.

أقول مقتضى ما افاده دام ظلّه كون الاحتياط في ارادة المعنى من اللّفظ ، لفرض عدم المستعمل فيه للّفظ بالنّسبة إلى الله عزوجل فأمره بقراءته نظير التّلقين أو الاحتياط بالنّسبة إلى أحد الطّرفين فالحكم ، بأنّ الاحتياط ، في عدم قصد المعنى من اللّفظ ، لا يخلو عن إشكال ، فتأمّل. هذا مجمل القول في المسألة الاولى ، وهي الاجتزاء بالقراءة مع ارادة المعنى من اللّفظ.

المسألة الثانية :

حكم قراءة القرآن في الصلاة لإفهام معنى آخر (قصد المعنى دون الحكاية)

وامّا الكلام في المسألة الثّانية : وهي بطلان الصّلاة بما قصد المعنى منها على تقدير عدم كفايته ، عن القراءة الواجبة ، كما لو بنى على تكرار الآية الّتي قصد بها المعنى في القراءة الواجبة ، أو قراءة في غير حالة القراءة لإرادة تفهيم المعنى على طبق غرضه ، أو

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٣٥٥.

٢٦٦

في حالها من غير الآيات الواجبة كقراءة قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) الخ ، لبيان إفهام خلع النّعل لمن يدخل البيت وقراءة قوله تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) ، لبيان الاذن في دخول الدّار ونحوهما بحيث استعمل اللّفظ فيه ولم يكن مقصوده من القراءة الحكاية أصلاً ، فملخّص القول فيها إنّ الظّاهر من جماعة ، بطلان الصّلاة بها منهم العلّامة قدس‌سره في محكيّ التّذكرة (١) ، وظاهر آخرين ، بل صريحهم ، عدم بطلان الصّلاة ، منهم ثاني المحقّقين (٢) واختاره شيخنا دام ظلّه (٣) ، واستشكل في محكي جامع المقاصد (٤).

واستدلّ الأوّلون (٥) ، بكونه كلام الادميّ ، فتبطل به الصّلاة.

أمّا الصّغرى : فلاعتبار قصد الحكاية والقرآنيّة في تحقّق القرآن ، فاذا لم يقصد ذلك ، بل قصد الانشاء من اللّفظ واستعمله فيه ، خرج عن القرآنيّة ودخل في كلام الادميّ ، إذ لا فرق فيه بين العربيّ وغيره ، ومجرّد مشابهة لفظه ، للقرآن لا يغني من شيء.

وامّا الكبرى : فلما استفيد من الأخبار (٦) الكثيرة والاجماع ، من بطلان الصّلاة ، بكلام الادمي إذا صدر ، عن عمد ، كما هو مفروض البحث.

واستدلّ الآخرون ، بمنع خروج الموجود خارجاً ، عن صدق القرآنيّة بمجرّد الانشاء وارادة المعنى من اللّفظ ، فانّا وإن منعنا عن تحقّق الامتثال ، إذا قصد غير الحكاية من قراءة القرآن إلَّا أنّه لا ملازمة بينه وبين عدم صدق القرآنيّة على الموجود الخارجي من الكلام المماثل لكلام الله عزوجل ، توضيح ذلك ، وبيان عدم الملازمة والفرق : هو أنّ المتكلّم والقارئ ، شروعه في القراءة إذا قصد غير الحكاية من القراءة ، صدق في حقّه عدم بنائه على امتثال الأمر بقراءة القرآن في الصّلاة ، لأنّ

__________________

(١) التذكرة ٣ : ١٦٢ مسألة ٢٤٥.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٤٤.

(٣) كشف الغطاء ٣ : ١٩٣.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٤٣.

(٥) التذكرة ٣ : ١٦٢ مسألة ٢٤٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٤ / ٢٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٦.

٢٦٧

المفروض ، عدم قصد الحكاية عند التكلّم ، بل قصد أمراً آخراً من التّكلّم باللّفظ ، وامّا إذا وجدت الالفاظ منه في الخارج على أسلوب القرآن فيصدق عليه انّه قرآن ، من حيث مماثلته لما نزّله روح الامين على قلب سيّد المرسلين ، وقرأه عليه ، كما إنّه إذا أمر الشّخص بإيجاد مركّب خارجيّ كالسّرير مثلاً ، لم يصدق في حقّه عند شروعه في كلّ جزء منه بقصد غير السّرير ، إنه يشتغل بتركيب السّرير ويبني على امتثال الأمر بإيجاده وامّا إذا بدا له بعد إيجاد أجزائه بقصد غيره ، أن يوجد السّرير فإذا أوجده يقال على الوجود الخارجي إنّه سرير ، لماله من الامتياز من بين المركّبات الخارجيّة ، غاية الامر إنّه يسقط عنه الامر. إذا فرض كونه توصّليّاً ، بعد التيامه الاجزاء ، بعد ايجاد كلّ جزء منها بقصد غير السّرير ، فالامر في المقام أيضاً من هذا القبيل ، هذا ملخّص ما افاده دام ظلّه.

ولكّنك خبير بانّه على فرض تماميّته لا يجري إلّا بالنّسبة إلى ما يكون مختصّاً بالقرآن ، وامّا ما يكون مشتركاً كالحمد لله ونحوه فلا يجري ما ذكره فيه ، كما صرّح به بعض مشايخنا المتأخّرين أيضاً. وممّا ذكرنا كلّه يعلم وجه إشكال جماعة من الاصحاب في المسألة قال في الذّكرى (١) في المسألة وجهان : البطلان والصحة بناءً على إنّ القرآن هل يخرج عن اسمه بمجرّد القصد ، أم لا؟ انتهى كلامه. والمسألة لا تخلو عن اشكال. هذا آخر ما اردنا ايراده من حكم ما يتعلّق بالمسألة على سبيل الايجاز والاجمال. والله العالم بحقيقة الحال والحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة على محمّد وآله الطّاهرين ، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين من الاوّلين والاخرين إلى يوم الدّين.

وكان اتمامها في العشر الاوّل من جمادي الآخرة سنة اربع عشر وثلاثمائة بعد الالف من هجرة خير البشر عليه من التّصلية ازكاها ومن التّزكية انماها.

__________________

(١) الذكرى : ٢١٦ التروك الواجبة.

٢٦٨

الفصل السابع

رسالة نكاح المريض

٢٦٩
٢٧٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين من الاوّلين والاخرين إلى يوم الدّين.

صحة وجواز نكاح المريض

مسألة : لا اشكال ، بل لا خلاف ، في صحّة نكاح المريض وإن مات في مرضه قبل الدّخول ، وتدلّ عليها عمومات الكتاب ، والسّنة وخصوصات الأخبار المستفيضة كما ستقف عليها ، بل يمكن الاستدلال عليها ، بالإجماع فانّ النّسبة إلى الرّواية في الشّرائع (١) ، وإلى الشّهرة في الدّروس (٢) مع عدم دلالتها على المخالفة ، سيّما مع ملاحظة جز مهما بالمسألة في النّافع (٣) واللّمعة (٤) لا تدلّ على التّأمّل في هذه المسألة ، فلعلّهما متأمّلان فيما دلت عليه الرّوايات وأطبقت عليه الفتاوى ظاهراً ، من عدم استحقاق المهر ، والميراث والعدّة ، فيما لو مات المريض قبل البرء والدّخول.

وإن كان التّأمّل فيها أيضاً في غاية الضّعف والسّقوط ، كما ستقف عليه ، وإن حكي عن نصير الدّين ، أنّه قال بعد نقل ذلك : وفيه كلام.

وبالجملة لا ينبغي الكلام في أصل جواز نكاح المريض وصحّته وترتيب جميع أثار العقد الصّحيح عليه وإن مات في مرضه قبل الدّخول عدا ما عرفت من الآثار ،

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٨٣٥.

(٢) الدروس ٢ : ٣٥٨.

(٣) النافع : ٢٦٤.

(٤) شرح اللمعة ٦ : ٤٨ ٤٩.

٢٧١

بل عدم إمكان توقّف صحّته على الدّخول على ما جزم به بعض الاصحاب أيضاً ؛ نظر إلى لزوم الدّور ، وإن منعه بعض مشايخنا ؛ نظراً إلى كون الدّخول كاشفاً عن صحّة النّكاح من حين وقوعه ؛ لأنّ الكشف الحقيقي غير معقول والحكمي إنّما يمكن بالنّسبة إلى غير الاثر المذكور ، كما هو ظاهر ؛ فانّه نظير التّصرّفات فيما بيع فضولاً ، من حيث الحكم التّكليفي ، حيث انّها لا تنقلب إلى الاباحة بعد إجازة المالك ، بل يكفى في ثبوت الحرمة لها ، عدم تملّك المشتري في مرحلة الظّاهر ، ومن هنا يمكن الالتزام بحرمتها في مسألة الفضولي ، وبلزوم الدّور في المقام على القول بالكشف الحقيقى أيضاً فتأمّل.

اشترط العدة والمهر والتوريث بالدخول

انّما الكلام : في أنّه لو مات قبل البرء ، وقبل الدّخول هل يحكم بترتيب خصوص استحقاق المهر ، والتّوريث ، والاعتداد من الاحكام أم لا؟ ظاهر الفتاوى ، بل صريح جملة منها : عدم ثبوت هذه الأحكام ، وهو المراد ببطلان النّكاح في الاخبار ، واشتراط نكاح المريض بالدّخول في كلماتهم ، كما في الشّرائع (١) وغيره ، فيكون ترتيب خصوص هذه الآثار على النّكاح مراعى بالبرء أو الدّخول كاستحقاق تمام المهر ، المراعى بالدّخول في نكاح الصّحيح ، وإلّا فقد عرفت كون صحّته ممّا اطبقت عليها النّصوص والفتاوى.

ويدلّ على انتفاء هذه الأحكام والآثار الخاصّة فيما لو مات في مرضه قبل الدخول ، جملة من الرّوايات.

منها : ما عن محمّد بن عليّ بن الحسين باسناده ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولّاد الخيّاط ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن رجل تزوّج في مرضه ، فقال : إذا دخل

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٨٣٥.

٢٧٢

بها فمات في مرضه ، ورثته ، وإن لم يدخل بها لم ترثه ، ونكاحه باطل (١).

ومنها : ما عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض أله ان يطلّق؟ قال : لا ، ولكن له أن يتزوّج إن شاء ، فان دخل بها ورثته ، وان لم يدخل بها فنكاحه باطل (٢).

ومنها : ما عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٣) ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة ، عن احدهما عليهما‌السلام قال : ليس للمريض ان يطلّق وله ان يتزوّج ، فإن هو تزوّج ودخل بها فهو جائز ، وإن لم يدخل بها حتّى مات في مرضه ، فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث. ورواه الشّيخ رحمه‌الله باسناده عن الحسن بن محبوب ، إلى غير ذلك.

المراد من بطلان النكاح بالموت قبل الدخول

والمراد ببطلان النّكاح قبل الدّخول في هذه الاخبار ، هو ما عرفت من عدم تأثيره في خصوص الأحكام الخاصّة ، أي البطلان الحكمي لا الحقيقي ، كما هو المراد من نفي الطّلاق للمريض ؛ فانّ الطّلاق في حال المرض لا يوجب نفي الارث في الجملة ، وهو المراد ببطلانه في بعض الأخبار ، وإن امكن حمله على الكراهة ، والحاصل : أنّ التّصريح بجواز النّكاح للمريض في تلك الاخبار مع الحكم بالبطلان ، فيما لو مات قبل الدّخول ، من اقوى القرائن والشّواهد على ما ذكرنا ، من إرادة البطلان الحكمي وإلّا فلا بدّ من أن يجعل الجواز والصحّة مراعي بالدّخول وهو كما ترى.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٣١١ / ٥٦٦٧ باب توارث الرجل والمرأة يتزوجها ويطلقها في مرضه. نشر جامعة المدرسين ١٤٠٤ ه‍ ط الثانية ، قم.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ : ٧٧ ح ٢٥٩ / ١٧٨ باب احكام الطلاق.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٣ / ١٢ باب طلاق المريض ونكاحه ، نشر دار الكتب الاسلامية طهران ط الثالثة ١٣٦٧.

٢٧٣

الوجه في عدم التعرض لنفي العدة

ثمّ إنّ عدم التّعرض لنفي العدّة في تلك الاخبار مع ثبوته ، بل وضوحه ، وإن أهمل ذكره في كلمات اكثرهم في باب العدّة ، والنّكاح والطّلاق ، من حيث سوق كلماتهم في باب العدّة ؛ لبيان العدّة ، للعقد الصّحيح حقيقة وحكماً على كلّ تقدير ، لا ما كان باطلاً في الجملة ، إنّما هو من جهة دلالة الحكم بالبطلان عليه ، فلا يحتاج إلى الذّكر فتأمّل.

وبالجملة : لا ينبغي اتعاب النّظر في المسألة في نظري ، لا في اصل جواز نكاح المريض وصحّته ، ولا في عدم ترتيب الاحكام الثّلاثة ، فيما لو مات في المرض قبل الدّخول وإن أهمل غير واحد ذكر سقوط العدّة في بابها من جهة الملاحظة المذكورة.

فروع :

ثمّ إنّ هنا فروعاً ، ينبغي التّعرّض لها :

الفرع الاول : في المراد من الدخول

الاوّل : إنّ المراد من الدّخول في المقام هل هو خصوص ما يوجب الغسل قبلاً ، أو دبراً ، أو مسمّاه وإن لم يوجب الغسل.

وجهان : صريح بعض من تعرّض للمسألة الثّاني ، وهو الأوجه ، بالنّظر إلى الاطلاق ؛ إذ لا قرينة لصرفه إلى خصوص ما يوجب الغسل فضلاً عن خصوص الدّخول في القبل ، ودعوى الانصراف لا شاهد لها في المقام.

الفرع الثاني : كون الموت في مرض النكاح

(حكم بقاء نوع المرض وتبدل شخصه) الثّاني إنّه لا إشكال في اعتبار ترتب الموت على المرض الّذي وقع فيه النّكاح

٢٧٤

وعدم البرء منه فيما عرفت من الأحكام ، بل لا خلاف فيه أصلاً وهو ظاهر الأخبار أيضاً ثمّ إنّ المعتبر هو المرض النّوعي ولو تبدل شخص المرض الّذي وقع فيه النّكاح بمرض آخر ولو استند الموت إليه ، وإن استشكل فيه بعض مشايخنا.

وهل يعتبر استناد الموت إلى نوع المرض أو يكفي مقارنته معه ولو لم يستند إليه ، فالمريض المقتول بالسّهم ، أو السّم أو غيرهما ممّا يكون خارجاً ، عن عنوان المرض خارج عن موضوع المسألة على الاوّل ، وداخل فيه على الثّاني.

وجهان :

أوجههما الاوّل ، بالنّظر إلى ما يظهر من الأخبار عند التّأمّل وان استشكل فيه بعض مشايخنا ، في شرحه على الشّرائع ، من حيث ظهور كلمة ، في ، في الظّرفيّة لا السّببية ، وعلى تقدير عدم الظّهور يرجع إلى العمومات المثبتة للآثار والآحكام المذكورة ؛ نظراً إلى كون الاجمال في المخصّص المنفصل ، وان كان مقتضى الاصول ، نفيها في الجملة كما هو واضح فتدبّر.

الفرع الثالث : حكم ما لو مات بعد موت الزوجة بمرض السابق

الثّالث : إنّه لا إشكال في ثبوت ما عرفت ، فيما لو مات في مرضه قبل موت الزّوجة ، بل هو المتيقّن من الأخبار وكلمات الأصحاب ، وامّا لو مات بعد موت الزّوجة ، فهل يلحق بالصّورة الاولى ، فيحكم بنفي الآثار المذكورة أو لا يلحق بها فيحكم بارثه منها في الفرض؟ وجهان : بل قولان : صريح بعض مشايخنا وظاهر جماعة الاوّل ؛ نظراً إلى عموم روايات المسألة ، أو اطلاقها ، وصريح المحكيّ عن غير واحد الثّاني ، نظراً إلى كون الحكم على خلاف القواعد ، فيقتصر على المتيقّن والاقوى هو الاوّل ، نظراً إلى أنّ الرّجوع إلى القواعد إنّما هو مع اجمال روايات المسألة لا مع ظهورها.

٢٧٥

الفرع الرابع : في الحاق مرض الزوجة بمرض الزوج وعدمه

الرّابع : إنّه هل يلحق مرض الزّوج مرض الزّوجة ، فيحكم بنفي ارث الزّوج منها ، وبطلان المهر إذا ماتت قبل البرء والدّخول ، أو لا يلحق به؟ وجهان : صريح كلّ من تعرّض للمسألة هو الثّاني ؛ لكون الحكم على خلاف الاصول والقواعد فيقتصر على مورد الرّوايات ، وربما يقال بالالحاق نظراً إلى استنباط المناط ، وهو كما ترى قياس باطل عندنا.

الفرع الخامس : في مدة المرض

الخامس : إنّه هل يحكم بثبوت ما عرفت فيما لو طال المرض بكثير ، كخمس سنين مثلاً أو لا؟ وجهان : ظاهر الأخبار وكلماتهم الاوّل ، وربما استشكل فيه بعض مشايخنا في شرحه على الشّرائع من حيث امكان دعوى انصراف أخبار المسألة إلى غيره ، وكون الحكم على خلاف الاصول والقواعد.

الفرع السادس : هل يشترط في المرض الأزمان أم يكفي الادواري

السّادس : إنّه هل يحكم بشمول الحكم وعموم المسألة ، لما كان من المرض من قبيل الأدوار ، كالنّوبة مثلاً ، فيما لو استند الموت اليه.

وجهان : أوجههما الاوّل ، نظراً إلى صدق المرض وعموم الأخبار ، واستشكل بعض مشايخنا فيه أيضاً لما عرفت في الفرع الخامس.

٢٧٦

الفرع السابع : في وقوع النزاع في الدخول وعدمه

السّابع : إنّه لو وقع النّزاع في الدّخول وعدمه ، فالحكم من حيث تقديم قول من يدّعي الدّخول ، فيما إذا تحقّقت هناك خلوة بينهما ، أو قول من يدّعي عدمه ، ما تعرّضوا له في باب النّكاح ، وإن كان الأوفق بالقواعد تقديم قول من ينكر الدّخول ، ولو وقع النّزاع في البرء عن المرض الّذي وقع فيه النّكاح ، فهل يحكم بتقديم قول من يدّعيه ، أو قول من ينكره.

وجهان :

أوجههما : بالنّظر إلى الاستصحاب وإن كان الثّاني ، إلَّا إنّ الاشكال في جريانه ، من حيث رجوعه إلى الاصول المثبتة ، ولا يجوز الرّجوع إلى العمومات ولا إلى أخبار المسألة في النّزاعين ؛ لكون الشك فيهما من الشّبهة الموضوعيّة ، فلا بدّ من الرّجوع إلى الاصول العمليّة بالنّسبة إلى نفس الآثار.

هذا اخر ما اردنا بيانه فيما يتعلّق بالمسألة عاجلاً والحمد لله أوّلاً وآخراً وله الشّكر دائماً سرمداً والصّلاة على نبيّه وآله الطّاهرين أبداً.

بسعي واهتمام اينجانب أقلّ السّادات محمّد علي الموسوي الشّيرازي اصلاً والطّهراني موقفاً ومسكناً انطباع يافت وبقلم شكسته بنده گناه كار احمد تفرشي در شهر رجب تحرير شد في سال ١٣١٤.

٢٧٧
٢٧٨

الفصل الثامن

رسالة رد السلام اثناء الصلاة

٢٧٩
٢٨٠