الرسائل التسع

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

الرسائل التسع

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


الموضوع : الفقه
الناشر: انتشارات زهير
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8076-27-8
الصفحات: ٣١٥

الذكرى (١) وإن استشهد له بظاهر النبوي «إنما يجرجر في بطنه ناراً» (٢) إلَّا أن المراد منه كونه سبباً لذلك ؛ لتعذّر ارادة الحقيقة ، فعلى ما ذكر لا يجب عليه استفراغ المأكول ، [و] إن أمكن كما يجب في المحرّمات الذّاتيّة.

وامّا ما وجّه به في محكيّ الحدائق (٣) من أن المراد من الأكل المحرّم هو الازدراد فيكون المأكول محرّماً كالحقّ المأخوذ بحكم حاكم الجور الذي ورد فيه ، انّه سحت ، ففيه ما لا يخفى ، إذ بعد تسليم كون المحرّم هو ما ذكره لا مجرّد التناول من الإناء لم يوجب ذلك الحكم بتحريم المأكول أيضاً ، والمراد من السّحت أيضاً على ما بيّناه في باب القضاء ، هو ما يرجع إلى تحريم الفعل لا تحريم العين وإن كان لفظ السحت في بادئ النظر يقتضي تحريم العين.

الامر السابع :

السّابع : إن لازم ما عرفت ، من كون الموضوع المحرّم أوّلاً وبالذات أحد العنوانين ، وعروض الحرمة للأكل والشرب حقيقة ؛ إنّما هو من جهة انطباق العنوان المحرّم وصدقه عليهما ، كون نفس فعل التطهير وهو الوضوء والغسل من حيث إنّهما أفعال يصدق عليهما استعمال الأواني ، أو الانتفاع بها محرّماً كالأكل والشرب من حيث هذين الفعلين.

وهذا بخلاف التطهير من الإناء المغصوب مع إباحة الماء فإنّ المحرّم في باب الغصب ، التصرّف المتحقّق بالاغتراف من الاناء الذي هو مقدّمة للتّطهير ، لا نفسه فالتطهير من آنية الذهب مثلاً مثل التطهير بالماء المغصوب مع إباحة الإناء لا مثل التطهير بالاناء المغصوب مع اباحة الماء.

__________________

(١) الذكرى ١ : ١٤٨.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٢١٠ ، بحار الأنوار ٧ : ٢٢٩.

(٣) الحدائق ٥ : ٥٠٨.

٢٠١

نعم لو كان التطهير بالاناء المغصوب ، بالارتماس مع قصده له حين الإدخال لا الإخراج كان التطهير حراماً كما أنّ التيمّم بالتراب المباح في المكان المغصوب ، يكون حراماً على ما تسالموا عليه ، من كون الضرب جزء من التيمّم ، كالمسح فيكون تصرّفاً في مال الغير أو سبباً له على أبعد الوجهين.

ومن هنا يقال ببطلان الصلاة مع حمل الساعة المغصوبة ولا يقال ببطلانها مع حملها إذا كانت من الذهب أو الفضّة على القول بكونها أو بعض افرادها إناء حيث إنّه على تقدير تسليم صدق الاستعمال ، أو الانتفاع على الحمل ووضعها في الجيب لا تعلّق له بافعال الصّلاة بحيث يتصادق معه فهو ، كالنظر إلى الاجنبيّة في اثناء الصلاة حقيقة.

نعم قد يتأمّل في حمل خصوص السّاعة في الصّلاة وإن لم تكن من احد الجنسين من جهة اشتمالها على الدهن الذي لا يعلم حاله ، لا من حيث الطهارة والنجاسة ، بل من حيث عدم العلم بكونه من المأكول لكنّه لا تعلّق له بالمقام كمالا يخفى.

وقد تكلّمنا في حكمها من الجهة المذكورة فيما عملناه ، في مسألة اللباس المشتبه ومحموله بما لا مزيد عليه ، من اراده فليرجع اليه

إذا عرفت ما قدّمنا لك من الامور ، وإن لم يكن لذكرها كثير ارتباط بالمسألة ومقدّميّة لما نحن بصدده ؛ ومن هنا اجملنا القول فيها ولم نأت بما هو حقّ التحرير فيها ، فاستمع لما يتلى عليك من الكلام في المسألتين ، أعني صورة امتياز الإناء وصورة اشتباهه.

مسألتان :

الاولى : استعمال اناء الذهب أو الفضة في صورة الانحصار في الطهارة وغيرها

امّا المسألة الأولى ، فإن لم يكن للمتطهّر إناء غير إناء الذهب والفضّة فلا اشكال ، بل لا خلاف في عدم جواز التطهير به ، وبطلانه ، وتعيّن التيمّم في حقّه ، وإن لم نقل بصدق العنوان المحرَّم على التطهير ؛ ضرورة امتناع الأمر به والحال هذه ، كما هو الشّأن

٢٠٢

في الغصب أيضاً.

ولكنّ المحكيّ عن كشف اللثام (١) للفاضل الهندي التردّد في أصل حرمة الاغتراف منه للطهارة ، أو صبّ ما فيه على الأعضاء ؛ لأنهّما من الافراغ الذي لا دليل على حرمته.

ولكنّه كما ترى ، لعدم صدق الافراغ عليه قطعاً ؛ إذ ليس هو كلّ نقل ، بل هو من مصاديق الاستعمال جدّاً ، ولو كان مع قصد الافراغ أيضا بالاستعمال المذكور الخاص ؛ ضرورة عدم إيجابه لتغيير العنوان ودفع الحرمة وإلّا أمكن التوصّل إلى تحليل جمع الاستعمالات من [في] الأواني وهو كما ترى.

هذا مع أنّه بناء على ما ذكره يجري في المغصوب أيضا مع فرض الانحصار ، بل هو اولى بالجريان فيه مع أنّ ظاهرهم الاتفاق فيه على الحرمة والفساد ، حتى على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ؛ لانحصار المقدّمة في المحرّمة فيرتفع الأمر ، عن ذيها.

وبالجملة ما أفاده عجيب من مثله.

وإن كان له إناء غيره فقصد التطهير فيما يكون من أحد الجنسين بعنوان الارتماس حالة الادخال فالظاهر أن الأمر كذلك ، بلا اشكال ، وخلاف ، فإن بدا له التطهير حالة الاخراج فلا إشكال في الحكم بالصحة فيما كان الاناء مغصوباً ، إذ هو مأمور به والمفروض عدم إيجابه لزيادة التصرّف ، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وامّا المقام فإن قلنا بأن المجموع من الادخال والاخراج استعمال واحد فيحكم بفساد التطهير ، وان قلنا بكون كلّ منهما استعمالاً مستقلاً وقلنا بحرمة الابقاء ووجوب الاخراج وإن عوقب عليه ، كان الحكم كما في الغصب ، وان لم نقل بحرمة الابقاء ووجوب الإخراج افترق مع الغصب ، فإنّ قَصَدَ التطهير بعنوان الاغتراف فالمحكيّ ، عن المشهور مساواته للغصب في الفرض فحكموا بالصحة في الموضعين ، قال في محكيّ

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٩٤.

٢٠٣

المعتبر (١) : لو تطهّر من آنية الذهب والفضّة ، لم يبطل وضوئه ولا غسله ؛ لأنّ انتزاع الماء ليس جزء الطّهارة ، بل لا يحصل الشروع فيها إلّا بعده ، فلا يكون له اثر في بطلان الطهارة انتهى كلامه. رفع مقامه.

وهو كما ترى يقرب استدلالهم للصحّة في إناء المغصوب في الفرض وعن العلّامة في محكيّ المنتهى (٢) الحكم بالبطلان وتبعه جمع من تأخّر منهم العلّامة الطباطبائي في منظومته (٣) وفقيه عصره في كشف الغطاء (٤) وشيخنا الأجلّ الافقه في عصره في الجواهر (٥).

قال في الكشف بعد جملة كلام له في حكم الأواني ، ما هذا لفظه : وكما يحرم الأكل والشرب منها كذلك يحرم مطلق استعمالها ، ولو توضّأ رامساً لعضوه ، أو اغتسل مرتمساً في غسله ، أو تناول بيده ، أو بآلةٍ من أحدهما بطل ما فعل ، ولو أخرجه بقصد التفريع ثم غسل فلا باس. انتهى كلامه رفع مقامه.

كلام صاحب الجواهر في المقام وفرق مورد المسألة عن الغضب وقال : شيخنا الاجل في الجواهر ، بعد نقل ما عرفته عن كاشف اللّثام وتضعيفه ، ما هذا لفظه :

«بل التحقيق انّ الاكل والطّهارة ونحوهما من الآتية استعمال لها بنفس افعال الطّهارة وبالمضغ والازدراد لا مجرّد النقل كما يشهد لذلك ملاحظة العرف ، ومن هنا حكم العلّامتان في المنظومة (٦) والكشف (٧) بفساد الطهارة ، بل صرّح الثاني بعدم الفرق

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٥٦.

(٢) المنتهى ٣ : ٣٢٥.

(٣) المنظومة : ٦٠.

(٤) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٣.

(٥) جواهر الكلام ٦ : ٣٣٢.

(٦) المنظومة : ٦٠ ٦١.

(٧) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٤.

٢٠٤

بين رمس العضو والاغتسال مرتمساً ، والتناول باليد والآلة.

فما يظهر من الاصحاب ان من المحرّم نفس النقل والانتزاع لا غير ، ليس في محلّه.

فضلاً عما سمعته من كشف اللثام الذي ينبغي التعجّب بصدوره من مثله لما عرفت من وضوح الفرق عرفاً بين التفريغ والاستعمال والنقل هنا من الثاني إذ مبني استعماله في الوضوء ومعناه عرفاً ، ذلك كالأكل فان النقل باليد من الاناء إلى المضغ ليس من التفريغ قطعاً.

نعم قد يقال بالنسبة إلى الشرب إذا كانت الآنية ممّا تستعمل بالشرب من دون نقل منها ، فلو وضع حينئذ ما فيها في يده بقصد التفريغ لا للشرب وان شرب ، لم يكن ذلك الشرب استعمالالها.

فالواجب ملاحظة العرف في صدق استعمالها في الشيء فإنه مختلف جدّاً بإختلاف المستعمل فيه ، بل والمستعمل بالفتح من الابريق ، والقمقمة ونحوهما ، بل والقصد أيضاً فتأمّل.

وما يقال : إنّه ليس في الأدلّة نهي عن الوضوء مثلاً في الانية ، أو عن استعمالها في الوضوء ، حتى يقال : ان المفهوم عرفاً من الوضوء بها واستعمالها فيه ، هو تمام ذلك من الانتزاع وغيره ، بل الموجود في الأدلّة النّهي عن الآنية وهو كما يحتمل ارادة الوضوء بها مثلاً واستعمالها فيه يحتمل إرادة النهي عن نفس نقل ما فيها وانتزاعه للوضوء ، أو غيره فيكون المنهي عنه النقل خاصّة.

يدفعه انه أن وان لم يكن ذلك في الأدلّة صريحاً ، لكنّه المفهوم المتبادر منها خصوصاً بعد اشتمالها على النّهي عن الأكل والشّرب منها : المتفق بين الأصحاب على عدم الفرق بينهما وغيرهما في كيفيّة الحرمة إذ قد سمعت معقد الاجماع المحكيّ ، بل الاجماعات على حرمة غير الأكل والشرب ، فانّها كالصّريح في اتحادهما بذلك كما هو واضح ، فيكون بمنزلة حينئذٍ بمنزلة قوله : ولا تأكل في الآنية ، ولا تشرب منها ولا تتوضّأ فيها ، ولا تغتسل فيها ونحو ذلك ، على انه يكفي في ثبوت المطلوب نفس معقد

٢٠٥

الاجماع المذكور وخصوصاً ما تقدّم من التذكرة فيتجّه التعليل بأنّ معنى استعمالها في الوضوء ذلك.

ولعلّه من هنا يمكن الفرق بين الإناء المغصوب وبين ما نحن فيه وإن ساوى بينهما العلامتان المذكوران في الفساد كما إنّ غيرهما ساوى بينهما في عدمه.

وإن كان التحقيق الفرق على ما عرفت فيحكم بصحّة الوضوء منه دونه لعدم النهي في شيء من الادلّة ، عن استعماله في الوضوء ، أو الانتفاع به فيه ، أو عن الوضوء فيه ليتم ذلك فيه ، بل ليس إلّا حرمة التصرّف في مال الغير ، المعلومة عقلاً ونقلاً وليس من التصرّف في الإناء مثلاً ، غسل الوجه بالماء المملوك المنتزع من الاناء المغصوب قطعاً وإن صدق استعمال الإناء في الوضوء لكن ذلك لا يقتضي فساداً بدون نهي عنه ، فهو حينئذٍ كسقف البيت وسور الدار المغصوبين. إلَّا أن الاحتياط لا ينبغى تركه انتهى كلامه» (١).

والإنصاف أنّه أجاد فيما أفاد من الفرق بين الغصب والمقام ، وبيان عنوان المحرّم الموضوع للحكم الشرعي فيهما ، وقد اسمعناك في طيّ ما مهدنا لك من الامور ما يرجع إلى تصديق ما افاده قدس‌سره من التفرقة بين المسألتين وهذا هو الحقّ الذى لا محيص عنه.

وحاصل وجهه أنّ العنوان المحرّم في الوضوء والغسل من الإناء ، الذهب مثلاً بعد تسرية الحكم إلى غير الأكل والشرب من الافعال ما يصدق عليهما بحكم العرف من الاستعمال ، أو ما يعمّه من الانتفاع ، كما انّه العنوان الاوّلي في حرمة الأكل والشرب منه على ما عرفت في طيّ ما قدّمنا لك من الامور. وهذا بخلاف الوضوء من الإناء المغصوب فإنّ عنوان الحرمة فيه ، التصرّف ، الغير صادق إلّا على نفس الاغتراف من الإناء الذي هو مقدّمة توصّليّة للوضوء ، فإذا كان له إناء غير المغصوب ، كما هو المفروض ، فلا مانع من أمر الشارع قطعاً. وإن توصل المكلّف في إطاعته بفعل المحرّم فهو نظير التوصّل بفعل الحج من الطريق المحرّم مع وجود الطريق المباح ، فالمقام على

__________________

(١) جواهر الكلام ٦ : ٣٣٢ ٣٣٤.

٢٠٦

ما أسمعناك في طيّ الامور نظير الوضوء بالماء في الاناء المغصوب ، بل قد يقال بامكان الفرق بين المقام والوضوء بالمغصوب أيضاً ، مع فرض المندوحة ، إذا قصد فعل الوضوء بعد الصبّ ، على القول بصدق التلف بعد الصّبّ.

ومن هنا حكم غير واحد ، بصحة الوضوء ، بالمسح بالرّطوبة المغصوبة الباقية في اليد ، إذا حصل الالتفات للمكلّف بعد الفراغ عن غسل الاعضاء. وان كان منظوراً فيه عندنا.

نعم ما افاده قدس‌سره في المنتهى (١) في وجه المسألة بقوله : لأنّ الطهارة لا تتم إلَّا بانتزاع الماء المنهي عنه ، فيستحيل الأمر بها لاشتمالها على المفسدة ربما حمل على صورة الانحصار ، وإلَّا لم يتمّ الاستدلال المذكور فيخرج عن مفروض البحث وينطبق على ما ذكره المشهور في الغصب مع الحصر ، فليس مخالفاً لهم في المسألة كما يرشد اليه استدلاله ، حيث إنّه جعل الانتزاع محرّماً ، لا نفس الوضوء والطهّارة على ما هو مبنى الفرق ، على ما عرفت. ومن هنا قال بعد نقل ما عن المنتهي : وهو جيّد ، حيث ثبت التوقف المذكور.

أمّا لو تطهّر منه مع التمكّن من استعمال غيره ، حتّى في أثناء الوضوء ، قبل فوات الموالاة ، فالظاهر الصحة لتوجّه الامر من استعمال الماء ، حيث لا يتوقّف على فعل محرّم وخروج الانتزاع المحرّم عن حقيقة الطهارة انتهى كلامه ، رفع مقامه.

هذا في الوضوء والغسل ، وامّا التيمّم فقد عرفت عدم الفرق ، على القول بدخول الضرب في حقيقته كما هو الحقّ الذي تقتضيه كلماتهم. نعم لو قيل بكونه نفس المسح باليد المضروبة على التراب وجعل الضّرب ، مقدّمة كالاغتراف من الإناء ، صحّ الفرق بما عرفت تفصيله مع عدم الانحصار في مسألة الاناء.

هذا فيما إذا كان الاناء مغصوباً ، وأمّا مع غصب التراب فلا إشكال في بطلان التيمّم مطلقاً كالوضوء بالماء المغصوب على تقدير دخول الضّرب في حقيقته وعلى تقدير

__________________

(١) المنتهى ٣ : ٣٢٥.

٢٠٧

خروجه عنها ، يمكن الفرق بينه وبين الوضوء في صورة عدم الانحصار مع نذف التراب من يده قبل المسح والوجه فيه ظاهر.

هذا كلّه في غير المصب وأمّا لو جعل الاناء مصبّاً لماء الوضوء والغسل ، وقلنا بصدق الاستعمال على الوضوء ، مثلاً والحال هذه كما عرفته في ظرف ماء الوضوء ، فلا اشكال في الحكم بالبطلان ، ولو مع عدم الانحصار ، كما هو الحقّ عندنا في المصبّ المغصوب أيضاً بناءً على حرمة المقدّمة السببيّة للحرام ، حسبما اخترنا وفاقاً للمشهور ، في مسألة المقدّمة في الاصول ؛ ضرورة كون الوضوء سبباً مطلقاً للتصرّف المحرّم وإن زعم شيخنا الاستاد العلّامة قدس‌سره التفصيل في المسألة بين صورتي وجود المندوحة ، وعدمه في رسالته العمليّة ، وان لم نقل بصدق الاستعمال على نفس الوضوء ، وقلنا بإيجابه الاستعمال أو الانتفاع من الاناء ، كان حكمه حكم الوضوء مع غصب المصبّ. وان لم نقل بصدق الاستعمال إلّا بإيجابه تحقّق العنوان المذكور ، حكم بصحّة الوضوء مطلقاً ولو مع الانحصار أيضاً ، فيفارق المصبّ المغصوب مطلقاً كما هو ظاهر ، فما افاده فقيه عصره في كشف الغطاء (١) في المقام بقوله : ولو جعل أحدهما مصبّاً للماء مع قصد الاستعمال فالحكم فيه البطلان. ينزل على القول ؛ بكون نفس الوضوء استعمالاً ، والحال هذه وإن أمكن تنزيله على كونه سبباً كما في الغصب ، لكنّه بعيد احتمالاً ، وان كان قريباً محتملاً على ما عرفت. هذا بعض الكلام في المسألة الاولى ، وهي صورة تميز الإناء وأمّا :

المسألة الثانية : اشتباه الاناء المنهي عنه بغيره في غير صورة العلم الإجمالي

المسألة الثانية : وهي صورة الاشتباه فالحكم مع عدم العلم الإجمالي لا إشكال فيه ، كما في الغصب المردّد فيحكم بالصحة وجواز الوضوء والوجه فيه ظاهر. وأمّا مع العلم الإجمالي وعدم حصر الشبهة ، فالحكم الصحة كما في صورة عدم العلم. وأمّا مع حصر

__________________

(١) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٦.

٢٠٨

الشبهة وعدم إناء آخر فلا إشكال ، في بطلان الوضوء وانقلاب التّكليف إلى التيمّم ، كما هو الشأن في الغصب المردّد مع حصر الشبهة ، وفقدان الاناء المباح ، بل الاهتمام فيه أشدّ والأمر فيه آكد ، ومن هنا يقدّم رعايته على أكثر المحرّمات وليس الأمر فيه وفي المقام مثل ، اشتباه المضاف بالمطلق مع حصر الشبهة وانحصار الماء في المشتبهين ، فإنّه يجب الاحتياط فيه بوضوءين منهما ؛ حيث إن حرمة الوضوء بالمضاف تشريعيّة فلا يمنع من الاحتياط ، بل الاحتياط رافع لموضوعها وهذا بخلاف الحرمة في المقام وفي الغصب ، فانّها ذاتية.

هذا بعض الكلام في المسألتين.

فروع :

وهنا فروع ينبغى التعرّض لها :

الاول : في حكم الجاهل في المقام

الاوّل : إنّ حكم الجاهل في المقام حكماً وموضوعاً بسيطاً ومركّباً ، حكم الجاهل بالغصب ؛ فيحكم بصحّة طهارته في الجاهل بالموضوع مطلقاً وفي الحكم مع المعذوريّة من جهة قصوره حيث إنّ المانع من الامر بالوضوء في الموضعين النهي النّفسي الفعلي ، فإذا ارتفعت الفعليّة لمكان المعذوريّة لم يكن هناك مانع من الأمر.

الثاني : في حكم الناسي

الثّاني : أنّ حكم النّاسي في المقام أيضاً حكم النّاسي للغصب حكماً وموضوعاً ، فيحكم بالصحّة في ناسي الموضوع. وفي ناسي الحكم مع عدم التقصير في الحفظ والضبط والمراجعة ، وبالفساد في ناسي الحكم مع التقصير كما هو الشأن في ناسي الغصب عند الاكثر. وان خالف فيه بعض كالعلّامة والشهيد وبعض المتأخّرين والوجه فيما ذكرنا واضح والتفصيل في باب الغصب.

٢٠٩

الثالث : حكم المكره

الثّالث : المكره في الطهارة فيهما كالمكره في الطهارة من الغصب ، فيما يوجب الإكراه رفع الحرمة ، فيحكم بصحّة الوضوء.

نعم لو اضطرّ إلى الاكل أو الشّرب منهما ، لم يجز له الطهارة منهما كما في الغصب ، فيحكم بفساد الطّهارة ولو مع عدم التّمكّن من التيمّم.

ثم انّ المراد من الجبر في كلام كاشف الغطاء في فروع المسألة هو ما عرفت ، من الاكراه لا بمعنى سلب القدرة ، عن الفعل وإلّا لم يتصوّر الحكم بصحّة الطهارة معه كما هو واضح.

قال (١) قدس‌سره والعالم وجاهل الحكم سيّان في البطلان. وجاهل الموضوع والناسي والمجبور في الصحّة سواء كما في الغصب انتهى كلامه ، رفع مقامه.

ومراده من جاهل الحكم ، المقصّر منه لا مطلقاً كما إنّه المراد من جميع موارد حكمهم بعدم معذوريّة الجاهل بالحكم إلّا في التمام موضع القصر وكلّ من الجهر والإخفات في الموضع الآخر.

الرابع : دوران الامرين استعمالها او المغصوب

الرّابع : إنّه لو دار الامر بين استعمال الإناء من أحد الجنسين في غير الطهارة الحدثية كالأكل والشرب مثلاً ، واستعمال المغصوب قدّم استعمالهما على استعماله ، والوجه فيه واضح وقد عرفت الاشارة اليه فيما تقدّم. ولو دار بين استعمال احدهما واستعمال جلد الميتة فلا مرجّح ظاهر وإن احتمل في الكشف (٢) تقديم استعمالهما أيضاً كما أنّه لو دار الامر بين استعمال الذّهب والفضّة فلا مرجّح ظاهراً أيضاً وإن احتمل في

__________________

(١) كشف الغطاء ١ : ٣٩٤.

(٢) المصدر السابق.

٢١٠

الكشف (١) تقديم الثّاني.

حيث قال قدس‌سره ولو دار بين استعمال أحدهما والمغصوب قدّما عليه وبينهما وبين جلد الميتة أو بين الفضّة والذهب احتمل تقديم الاوّل في الثاني والثّاني في الاوّل ، انتهى كلامه رفع مقامه. ولعلّ الوجه فيما افاده أهمية رعاية جلد الميتة ، عن المقام كأهمّية الذهب عن الفضّة.

ومن هنا قد ورد تجويز حرز الجواد من الفضة دون الذهب. وهذا الوجه على تقدير تسليمه يعين ما احتمله إلَّا أنّ الشأن في إثباته.

الخامس : عدم وجوب الفحص في المقام في مورد الشبهة الموضوعية

الخامس : إنه لا اشكال ، بل لا خلاف ظاهراً في عدم وجوب الفحص ، عن الشبهة الموضوعيّة في المقام وإن علم بالخلط والامتزاج في الجمله ، كما هو الشأن في ساير الشّبهات الموضوعيّة الّتي لا تقتضي الاصول الموضوعيّة فيها الحرمة عند الشكّ والدوران ، من غير فرق فيما ذكرنا ، بين أخذ الإناء من يد المسلم بجميع أقسامه ، أو الكافر وإن أوهمت عبارة الكشف (٢) الاختصاص ، بالأوّل ، حيث قال : وما يتناول من يد المسلم لا يجب البحث عنه مؤالفاً كان أو مخالفاً انتهى كلامه.

والحقّ ، ما عرفت ؛ ضرورة عدم دليل على كون ، يد الكافر ، دليلاً على كون ما في يده من الاناء من أحد الجنسين كما أنه لا دليل على العكس ، في المسلم أيضاً كما هو ظاهر ، وإن كان هناك ما يقتضي بعمومه ، تنزيه فعل المسلم عن القبح ، كما فصّل في محلّه ، فراجع.

السادس : العلم بكون الإناء من المنهى عنه اثناء الوضوء

السّادس : إنّه لو التفت إلى كون الإناء من أجد الجنسين في أثناء الوضوء ، فإن كان

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٦.

٢١١

قبل إتمام الغسل فلا إشكال في تعين القطع عليه كما في المغصوب. وإن كان بعد الفراغ من الغسل وقبل المسح فيحتمل الحكم بالقطع في المقام والمغصوب ، ويحتمل الحكم بعدم القطع فيهما ، نظراً إلى عدم صدق الاستعمال بالنسبة إلى المسح كعدم صدق التصرّف في مال الغير بالمسح على النداوة المغصوبة ؛ لصدق التلف بالغضب ، ويحتمل التفصيل بين المقام ، والغصب بالحكم ، بالبطلان في المقام ، والصحة في الغصب والعكس.

وأوجه الاحتمالات ظاهرة.

السابع : وجوب الاحتياط مع فقد أحد الاطراف

السّابع : لا إشكال في عدم تأثير فقد أحد الإناءين في الشبهة المحصورة إذا كان بعد العلم الإجمالي فيجب الاحتياط عن الباقي كما أنه لا إشكال في تأثيره لو كان قبله أو معه والوجه فيه ظاهر ؛ لرجوع الشكّ حقيقة إلى الشبهة البدويّة في الثاني ، هذا آخر ما أردنا إيراده مع كثرة الاشتغال وتشتت البال والحمد لله أوّلاً وآخراً والصّلاة على نبيّه محمّد وآله الطّاهرين دائماً سرمداً ، وقد وقع الفراغ منه في العشر الثاني من محرّم الحرام ١٣١٣.

٢١٢

الفصل الخامس

رسالة قاعدة نفي

العسر والحرج

٢١٣
٢١٤

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد الله رب العالمين [والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين].

هذه رسالة شريفة ، في قاعدة نفي العسر والحرج ، من تأليفات الشيخ الفقيه المحقّق ، وتصنيفات الوحيد المدقّق فريد الدّهر ووحيد العصر ، برهان الفقهاء والمجتهدين ، حافظ شريعة سيد المرسلين ، خاتم العلماء والمحقّقين ، البحر المتلاطم ، المحيط في المعقول والمنقول ، المتبحّر المتفرّد في الفروع والاصول ، رئيس الملّة والدّين حجة الإسلام والمسلمين المؤيّد بتأييدات السبحان شيخنا ومولانا سمّي الإمام الثّاني الحاج ميرزا محمّد حسن الآشتياني مدّ الله ظله على مفارق الأعالي والأداني.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطّاهرين.

اعلم إنّ من القواعد الشريفة المسلّمة بين الفريقين المتمسّك بها في كثير من الفروع الفقهيّة ، بل المسائل الاصوليّة أيضاً ، قاعدة نفي العسر والحرج.

وهم بين من أفرط فيها فزعم عدم ورود تخصيص عليها أصلاً بل أحاله بعضهم نظراً إلى كونها ممّا يستقل به العقل ، ومن فرّط فيها فزعم كون خارجها أكثر من داخلها ، بل جعلها بعضهم كأصالة الإباحة والبراءة ممّا ينتفع بها فيما لم يكن هناك دليل على الحكم الحرجي ، بل عن الشيخ الحرّ في فصوله (١) ، ترك العمل بالقاعدة كلّية وإنكارها رأساً كما ستقف على كلامه ، وهو عجيب.

__________________

(١) الفصول المهمة ١ : ٦٢٦.

٢١٥

فأردت إعمال رسالة فيها أبحث فيها ، عن معناها ودليل ثبوتها ، وبيان نسبتها مع عمومات التّكاليف المثبتة بعمومها للحكم الحرجي وساير المباحث المتعلّقة بها ، كمشروعيّة العبادة بعد رفع وجوبها من جهة نفي الحرج فيما كانت حرجيّة ، ونحوها ممّا سيمر بك. لعلّه ينتفع بها إخواني من أهل العلم فتنفعني يوم فاقتي ، فانّه قلّ من أفردها بالعنوان وأشبع فيها الكلام.

الدليل على القاعدة

فنقول بعون الله الملك العلّام ودلالة أهل الذّكر عليهم ألف صلاة وسلام : إنّه استدل لها بالأدلّة الأربعة :

الآيات

فمن الكتاب آيات.

منها قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا)(١).

ومنها قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢).

ومنها قوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)(٣).

ومنها قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٤).

وقد يذكر في الآيات الدّالة على القاعدة المذكورة قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٥) وظاهر عند التّأمّل وما تقتضيه الأخبار أيضاً نفي التّكليف بغير المقدور. ومن هنا لم يخصّص نفي التّكليف بالأمّة المرحومة ، وهو خارج عن محلّ الكلام.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) المائدة : ٦.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) البقرة : ٢٨٦.

٢١٦

الروايات

ومن السنّة أخبار كثيرة بالغة حدّ التّواتر المعنوي ، نذكر شطراً منها :

الاوّل : ما عن قرب الاسناد (١) ، عن الصّادق عليه‌السلام مكاتبة ، عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال أعطى الله أمّتي وفضّلهم بي على ساير الامم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها الأنبياء : وذلك إنّ الله تعالى إذا بعث نبيّاً قال له : اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، وإنّ الله تعالى أعطى أمّتي ذلك حيث يقول : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) يقول : من ضيق.

الحديث الثّاني(٣) : ما رواه فضيل بن يسار في الصحيح ، عن أبي عبد الله قال : «في الرجل الجنب يغتسل فينضح من الماء في الاناء ، فقال : لا بأس (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»).

الثّالث (٤) : ما رواه أبو بصير في الصحيح ، عن أبي عبد الله قال : «سألته عن الجنب يجعل الرّكوة أو التّور فيدخل إصبعه فيه قال : إن كانت قذرة فليهرقه ، وان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا ممّا قال الله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

الرّابع (٥) : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وهي طويلة ، وفيها لمّا وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً لأنّه قال : (بِوُجُوهِكُمْ) ثمّ وصل بها «بايدكم» ثمّ قال : (مِنْهُ) أي من ذلك التيمّم لأنّه علم أنّ ذلك لم يجر على الوجه لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولا يعلق ببعضها ثم قال : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). والحرج الضيق.

__________________

(١) قرب الاسناد : ٨٤ / ٢٧٧ ، بحار الأنوار ٩٣ : ٢٩٠ / ١٠.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) الكافي ٣ : ١٤ ، التهذيب ١ : ٨٦ ح ٢٢٤ / ٧٣.

(٤) الاستبصار ١ : ٢٠ / ١٤٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٩ ح ٦٦١ / ٤٤.

(٥) الفصول المهمة ١ : ٦٩٧ باب ٨٥ ح ١١٠٤ / ١ ، الفقيه ١ : ١٠٣ / ٢١٢ ، الكافي ٣ : ٣٠ / ٤ ، تهذيب ١ : ٦١ / ١٧.

٢١٧

الخامس (١) : موثّقة أبي بصير ، قال قلت لأبي عبد الله انّا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدّابة وتروث ، فقال : إن عرض في قلبك منه شيء فافعل ، هكذا يعني افرج الماء بيدك ثمّ توضّأ فإنّ الدّين ليس بمضيق ؛ فانّ الله عزوجل ، يقول : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

السّادس (٢) : رواية عبد الاعلى مولى آل سام قال : قلت لأبي عبد الله عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مراوة فكيف أصنع بالوضوء؟ فقال يعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزوجل ، قال : الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه.

السّابع (٣) : حسنة محمّد بن الميسر قال ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد ان يغتسل منه وليس معه اناء يغترف به ، ويداه قذرتان قال : يضع يده ويتوضّأ ، ثمّ يغتسل. هذا ممّا قال الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

الثّامن (٤) : صحيحة البزنطي قال : «سألته عن الرّجل يأتي السّوق ويشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة؟ أيصلّي فيها؟ قال : نعم ليس علكيم المسألة أنّ أبا جعفر كان يقول : إنّ الخوارج كانوا يضيّقون على أنفسهم بجهالتهم ، وأنّ الدّين أوسع من ذلك».

التّاسع (٥) : رواية معلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنّه قال : «إنّا والله لا

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٢٧٩ / ١ باب ١٩٠.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٢.

(٣) الوسائل ١ : ٣٧٩ / ٥ ، الكافي ٣ : ٤ / ٢ و : ٣٣ / ٤ رواية مولى آل سام ، الفقيه ١ : ١٢ ، وفي التهذيب ١ : ١٤٩ والاستبصار ١ : ١٢٨ بسند آخر.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٥٨ ، التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ٦١.

(٥) الكافي ١ : ٦٧ / ٩.

٢١٨

ندخلكم إلّا فيما يسعكم».

العاشر (١) : رواية حمزة بن طيّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وفيها بعد ذكر قضاء الصّلاة إذا نام عنها والصّيام للمريض بعد الصحة.

قال : وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق ، إلى أن قال : وما أمروا إلّا بدون سعتهم وكلّ شيء أمر النّاس به فهم يسعون له ، وكل شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم.

الحادي عشر (٢) : ما عن قرب الاسناد بسنده إلى الصّادق عليه‌السلام عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «لا غلظ على مسلم في شيء».

الثّاني عشر : حديث الرّفع المعروف المرويّ في الكافي (٣) ، وتوحيد الصّدوق (٤) ، والخصال (٥) وغيرها (٦) ، بناءً على كون المراد من قوله ، ما لا يطيقون فيه ، ما لا يتحمّل في العادة ؛ حتّى ينطبق على المقام. وبمضمونه جملة من الرّوايات المرويّة ، عن الائمة كصحيحة هشام ، ورواية حمران وغيرهما وتركنا نقلها من جهة ظهورها في نفي التّكليف بما لا يطاق ، الخارج عن محلّ الكلام.

الثّالث عشر (٧) : ما عن عليّ بن ابراهيم في تفسيره ، عن الصّادق ، في تفسير قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) الاية.

إنّ هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيّه لمّا أسري به إلى السّماء. قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«انتهيت إلى سدرة المنتهى ، إلى أن قال : فناداني ربّي تبارك وتعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ).

__________________

(١) المحاسن ١ : ٢٣٦ ، الكافي ١ : ١٦٤ ١٦٥ / ٤.

(٢) قرب الاسناد : ١٣٤ / ٤٦٩.

(٣) الكافي ٢ : ٤٦٢ ٤٦٣ / ١ و ٢.

(٤) التوحيد : ٣٥٣ / ٢٤.

(٥) الخصال : ٤١٧ / ٩.

(٦) تحف العقول : ٥٠.

(٧) تفسير علي بن ابراهيم : ٨٦ ، ط ج ١ : ٩٥ ، بحار الأنوار ١٨ : ٣٢٥.

٢١٩

فقلت : أنا مجيباً عنّي وعن أمّتي (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) إلى ان قال : فقلت : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا). فقال الله : لا أؤاخذك.

فقلت : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) فقال الله : لا أحملك.

فقلت : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) إلى أن قال : فقال الله تعالى : «اعطيتك ذلك لك ولأمّتك».

فقال الصّادق : ما وفد إلى الله تبارك وتعالى أحدٌ أكرم من رسول الله حين سئل هذه الخصال.

الرّابع عشر (١) : ما رواه العيّاشي ، وهو يقرب من الثالث عشر ، بل بمعناه بدون ذكر قول الصادق عليه‌السلام في ذيله.

الخامس عشر (٢) : ما عن الطّبرسي في الاحتجاج ، عن الكاظم ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث يذكر فيه مناقب رسول الله.

قال : متى اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى مسيرة شهر فعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقلّ من ثلث ليلة حتّى انتهى إلى ساق العرش ، إلى أن قال : قال سبحانه : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ) من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من شرّ.

فقال النّبيّ : لمّا سمع ذلك ، أمّا إذا فعلت ذلك ربي بأمّتي فزدنى ، قال : سل ، قال : ربّنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا. قال الله عزوجل : لست اؤاخذ أمّتك بالنسيان أو الخطأ لكرامتك عليّ.

وكانت الأمّة السالفة ، إذا نسوا ما ذكّروا به ، فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك من أمّتك.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ١٥٩ / ٥٣١.

(٢) الاحتجاج ١ : ٣٢٨.

٢٢٠