الرسائل التسع

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

الرسائل التسع

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


الموضوع : الفقه
الناشر: انتشارات زهير
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8076-27-8
الصفحات: ٣١٥

الفصل الرابع

رسالة شريفة

حكم أواني الذهب والفضّة

١٨١
١٨٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين ، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين ، إلى يوم الدّين.

وبعد فلما سألني ، من لا بدّ لى من إجابته ، من الإخوان ، عن بيان حكم استعمال ، أواني الذهب والفضّة ، في رفع الحدث ، فيما كان الظرف منحصراً بها ولم يكن للمتطهّر غيرها ، وفيما لم يكن منحصراً بها ، وعن حكم صورة اشتباه الاناء من الجنسين بغيره ، في الشبهة المحصورة وغيرها ، والفرق بينها وبين أواني الغصب ، في الصور المذكورة ، وعدمه. فذكرت في هذه الاوراق ، ما خطر ببالي القاصر ونظري الفاتر ، لعله ينتفع به الطالبون فينفع لي في يوم لا يغني مال ولا بنون.

فنقول : إن توضيح المرام في المقام بحيث يرفع غواشي الأوهام يتوقّف على رسم امور.

الامر الأول : في معنى الاناء وفي بيان مقصد الاجماع ومورد النص

الاوّل : إنّ الواقع في النصّ والفتوى ومعاقد الإجماعات ، في موضوع الحكم ، لفظة الإناء لا الظرف ، وهو في اللغة كما ، عن المصباح (١) ، والقاموس ، وغيرهما من كتب اللغة : بمعنى وعاء ؛ حيث ذكروا في ترجمته إنّه كوعاء لفظاً ومعنىً كما عن بعضهم ، أو وزناً ومعنىً كما عن آخر ، والمعنى واحد.

وهل المعني العرفي ، ينطبق عليه كما استظهر من جمع ؛ حيث اقتصروا على ما عرفته

__________________

(١) المصباح : ٢٨ (مادة انى).

١٨٣

من اللغويّين ، أو لا ، كما صرّح به العلّامة الطباطبائي (١) في المنظومة ، وفقيه عصره في الكشف (٢) وغيرهما؟ وجهان ، ستقف على شرح القول فيه.

وكيف كان لا إشكال في أنه مع وضوح المراد منه ، في الجملة ، لم يعلم بحقيقته ، وكنهه ، وحدّه ، كأكثر المفاهيم اللغويّة والعرفية ، بل كلّها إلّا ما شذّ وندر ؛ حيث أنّها مع وضوحها في الجملة بحسب اللّغة والعرف ، وقع الاشتباه فيها كثيراً ، من جهة عدم الاحاطة بحقيقتها ، وهو ظاهر لمن كان له أدنى خبرة ، ألا ترى إلى لفظ الماء ، فإنه مع كمال ظهور مفهومه بين الالفاظ ، حتّى اقتصروا في بيانه : بأنّه : واضح معروف ، ربّما يشكّ في بعض أقسامه وصغرياته ، من جهة الشبهة المفهوميّة ، ولذا قد يتردّد الأمر بين الاضافة ، والاطلاق ، من جهة الاشتباه المفهومى.

ومن هنا وقع الاشتباه ، في صدق الإناء في موارد ، من جهة عدم الإحاطة بمفهومه وإن كان الحكم بحسب الاصول العمليّة ، عند الشكّ واضحاً ، فيما دار أمر المفهوم ، بين ما ينطبق على خصوص القدر المتيقن ، أو الأعمّ منه ومن المشكوك ، فإنّه من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليّين ، في الشبهة التحريمية ، فيرجع إلى البراءة ، باتفاق المجتهدين ، كما ستقف على شرح القول فيه ، وإن كان الرجوع إلى الأصل مشروطاً بفحص الفقيه عن مراد الشارع ، كما هو الشأن في الرجوع إلى الاصل في جميع موارد اشتباه المراد بل جميع موارد اشتباه الحكم الشرعي ، فإنّه كثيراً ما يعلم المراد من اللفظ الواقع في موضوع الحكم ، من جهة الأمارات ، والقرائن ، مع عدم مساعدة اللفظ عليه بنفسه ، بل مع ظهوره في الحلاف.

ومن هنا اختلف الفقهاء ، في كثير من الصّغريات والموضوعات ، من جهة الاختلاف في صدق الإناء عليها ، بين معمّم ومخصّص ومتوسّط ، ولذا اقتصر بعضهم ، بما يتعارف منه الاكل والشرب ، وإن احتمل كون التخصيص ، من حيث قصر الحكم ،

__________________

(١) المنظومة : ٦٠.

(٢) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٢.

١٨٤

لا الموضوع ، كما ستعرف الكلام فيه.

هذا كلّه مع إنّ دأب اللغوي وعادته ، على ذكر ، ما استعمل فيه اللفظ ولو مجازاً وتوسّعاً ، لا خصوص ما وضع له اللّفظ.

ومن هنا ذكر غير واحد في المقام أنّ المعنى في اللغة ، أعمّ ممّا يساعد عليه العرف العام ، بحكم التبادر وصحّة السّلب وجعلوه مدار الحكم ، وإن اختلفوا في تعيينه أيضاً ، بما يرجع إلى ما ذكرنا من الاختلاف في المفهوم ، الرّاجع في الحقيقة إلى عدم تبيّن المفهوم بحده وكنهه ، فالمعنى اللغوي على ما ذكر ، لا يجدي مع تبيّنه فضلاً عن إجماله ؛ لان مجرّد الاستعمال المستكشف من اللغة لا يوجب حمل اللّفظ عليه وظهوره فيه ، إلّا على مذهب السيّد المرتضى قدس‌سره في باب الوضع.

نقل كلام صاحب كشف الغطاء في ما يعتبر في صدق الاناء

قال فقيه عصره (١) في كشف الغطاء ما هذا لفظه : «المطلب الخامس في الاواني : وهي ، جمع إناء كوعاء وأوعية وأواعي وزناً ومعنى ، وتفسيرها بالظروف والاوعية ، تفسير بالاعمّ ، كما هي عادة اهل اللغة في أمثالها من التفسير بالاعمّ ، والاحالة إلى العرف في تحقيق المعنى ، والظاهر انها عبارة عمّا جمعت امور :

احدها : الظرفيّة.

الثاني : أن يكون المظروف معرضاً للرفع والوضع ، فموضع فصّ الخاتم وإن عظم وعكوزاً الرّمح ، وضبّة السّيف ، والمجوّف من حلّى المرأة المعدّ لوضع شيء فيه ، للتّلّذذ بصوته ، ومحلّ العوذة ، وقاب الساعة ، وآنية جعلت لظاهر اخرى ، بمنزلة الثوب مع الوضع على عدم الانفصال ، ولو انفصلت ثم وصلت ، أو بالعكس ، رجعت إلى الحالة الاولى.

__________________

(١) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٢ ٣٩٣.

١٨٥

الثالث : ان تكون موضوعة على صورة متاع البيت ، الذي يعتاد استعماله عند اهله ، من أكل ، أو شرب ، أو طبخ ، أو غسل أو نحوها ، فليس القليان ولا رأسها ، ولا رأس الشطب ، ولا ما يجعل موضعاً له أو للقليان ولا قراب السيف ، والخنجر ، والسّكيّن ، وبيت السّهام ، وبيت المكحلة ، والمرأة والصندوق ، والسقط ، وقوطى النشوق ، والعطر ، ومحلّ القبلة نامة ، والمباخر ونحوها منها.

الرّابع : ان يكون له أسفل يمسك ما يوضع فيه وحواشي كذلك فلو خلا عن ذلك ، كالقناديل والمشبّكات ، والمخرمات ، والسفرة ، والطبق ونحوها لم يكن منها ، والمدار ، على الهيئة لا على الفعليّة ، ومرجعها إلى العرف» (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهو كما ترى ، صريح في كون المعنى اللغوي ، اعمّ من العرفي ، وان المرجع هو العرف ، ووافقه في ذلك شيخنا الاجلّ في الجواهر ، إلَّا أنّه حكم بالرّجوع إلى اللغة ، في مورد عدم التعارض ، وهو مورد عدم العلم بسلب الاسم في عرف زماننا.

نقل كلام صاحب الجواهر في المقام

حيث قال قدس‌سره بعد بيان حكم الاناء وبسط القول فيه ما هذا لفظه (٢).

«والمرجع في الاناء ، والانيّة ، والأواني إلى العرف كما صرّح به غير واحد» ، وان قال في مصباح المنير (٣) «ان الإناء والآنية كالوعاء والأوعية وزناً ومعنىً» ، اذ هو امّا تفسير بالاعمّ كما هي عادة اهل اللّغة ، أو إنه يقدّم العرف عليه ، بناءً على ذلك ، لكن فيما تعارضا فيه ممّا كان ظرفاً ووعاءً إلَّا أنّه يسلب عنه الاسم [الآنية] عرفاً ، امّا ما توافقا فيه ، أو استقلّ هو عن العرف ، بأن كان من الظروف والأوعية ولم يسلب عنه الاسم ، لكن لم يتنقح لدينا اطلاق عرف زماننا عليه ؛ لقلة استعمال هذا اللفظ فيه ، أو

__________________

(١) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٢ ٣٩٣.

(٢) جواهر الكلام ٦ : ٣٣٤.

(٣) مصباح المنير : ٢٨ (مادة أنى).

١٨٦

غير ذلك ، فالظاهر ثبوت الحرمة.

فالقليان ورأسها ورأس الشطب وما يجعل موضعاً له وقراب السّيف ، والخنجر ، والسّكيّن ، وبيت السّهام ، وظروف الغالية والعنبر ، والمعجون ، والتتن والتنباك ، والافيون ، والمشكاة والمجاحر والمحابر ونحوها من المحرّم. وفاقاً لصريح الطباطبائي في منظومية (١) في اكثر ذلك ، أو جميعه ، بل في كره (٢) وكرى (٣) ويق (٤) ، وان اقتصروا على التصريح بظرف الغالية والمكحلة ، وخلافاً لصريح الاستاد في كشفه (٥) في جميع ذلك وزيادة ، بل والنراقي في لوامعه (٦) ، وان اقتصر على التصريح بالمكحلة ، وظرف الغالية ، والدواة والمعاصر في رياضه (٧) ، وان اقتصر على التصريح بالاوّلين ، لكن ظاهرهما ، بل صريحهما العموم ، لصدق الاسم ، أو لعدم صحة السلب.

ودعوى الشك في الصّدق ، أو الارادة ، بل ظهور عدمها لندرتها وعدم اعتيادها ، والمجاز خير من الاشتراك ، والاصل الاباحة مضافاً إلى الصحيح (٨) «قال : سألته عن التعويذ يعلق على الحائض؟ فقال : نعم إذا كان في جلد أو فضّة أو قصبة حديد» ، وإلى ما اشتهر ، ممّا ورد في حرز الجواد (٩).

يدفعها منع الشك في الصّدق. أوّلاً ، وعدم قادحيته بعد ما عرفت. ثانياً ، كمنع الشكّ في الارادة. ثالثاً ، لمنع الندرة في الاطلاق ، الموجبة لذلك ، وان كان الكثير المتداول عند اغلب الناس الاواني المستعملة ، في المأكل ، والمشرب ونحوهما ، وصغر

__________________

(١) الدرة النجفية في الأواني : ٥٩ ٦٠.

(٢) التذكرة الطهارة في الجلود والأواني ١ : ٦٨.

(٣) ذكرى الشيعة الطهارة / في الآنية : ١٨.

(٤) الحدائق الطهارة / في الآنية ٥ : ٥١٤.

(٥) كشف الغطاء في الأواني : ١٨٣ ط ق وط ج ٢ : ٣٩٢.

(٦) اللوامع احكام الأواني ١ : ٢٢١ مخطوط.

(٧) رياض المسائل الطهارة / في الآنية ١ : ٩٦.

(٨) الكافي ٣ : ١٠٦ / ٤.

(٩) بحار الأنوار ٩٤ : ٣٥٤ باب ٤٧ من أبواب الأدعية والاذكار.

١٨٧

الحجم ونحوه ، لا تأثير له في ذلك ، وأولويّة المجاز إنّما هي من الاشتراك اللفظي ، لا المعنويّ ، بل لعله من افراد أصالة الحقيقة في الاطلاق.

على انّه يمكن منع كون ما نحن فيه ، من المطلق الذى ينصرف إلى المعتاد ؛ إذ قوله ، فيها «لا يأكل في آنية الذهب» ونحوه ممّا لا تفاوت ، في شموله بين المعتاد وغيره ؛ لكونه من العموم اللّغوي ، فضلاً عن تعميم معاقد الاجماعات ، بل لعلّ ملاحظة الاخبار نفسها خصوصاً صحيح (١) ابن بزيع ، تعطى تعميم المراد بالآنية لغير المعتاد كما اعترف به الاستاد الاكبر في حاشيته (٢) على المدارك.

وامّا صحيح التعويذ المعتضد بالمشتهر من حرز الجواد ، فيدفعه : أوّلاً : امكان الفرق بينه وبين غيره بصحّة سلب الاسم عنه دونه كما اعترف به الاستاد في كشفه (٣) ، وثانياً : نسلّمه لكن لا يجوز التعدّي من غير التّعويذ ونحوه إلى غيره ممّا يطلق عليه اسم الآنية ، بل ولا من الفضّة إلى الذهب فيه ، كما هو ظاهر العلّامة الطباطبائي في منظومة (٤) فيهما معاً وهو لا يخلو من قوّة.

وعليه يكون بعض ما في كشف الاستاد من انّ المعتبر في الانية الظرفيّة ، وان يكون المظروف معرضاً للرفع والوضع ، فموضع فصّ الخاتم وان عظم ، وعكوز الرّمح ، وضبّة السّيف ، والمجوّف من حلّى الامرأة المعدّ لوضع شيء فيه للتلذّذ بصوته ، ومحلّ العوذة ، وقاب السّاعة ، وآنية جعلت لظاهر اخرى بمنزلة الثوب مع الوضع على عدم الانفصال ، ليس منها إلى ان قال «وان يكون له اسفل يمسك ما يوضع فيه ، وحواشي كذلك ، فلو خلى كالقناديل ، والمشبكاة ، والمخرمات ، والسفرة والطبق ، لم يكن منها» ،

__________________

(١) الكافي باب الأكل والشرب في آنية الذهب والفضّة ٦ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٩١ / ١٢٥ باب ٢.

(٢) حاشية المدارك الطهارة / في الآنية ، ذيل قول المصنف «تردد منشأه الشك في اطلاق الاناء».

(٣) كشف الغطاء : ١٨٣ ، ٢ : ٣٩٤.

(٤) الدرة النجفية : ٦٠.

١٨٨

محلّاً للنّظر والتّأمّل.

كما انّه قد يناقش في اعتبار الظرفيّة وعدم التشبيك ووجود الحواشي بالكفكير والمصفاة والصينيّة الكبيرة الّتي هى بمنزلة السفرة فضلاً عن الطبق ونحوه ، كما اعترف به الطباطبائي في منظومته (١) ، بشهادة العرف ، بل واللغة.

نعم هو جيّد في مثل فصّ الخاتم وعكوز الرّمح ونحوهما ، من الملصق الملازم لصوقاً يصير الجميع بسببه كأنّه شيء واحد ، لا ظرفاً ولا مظروفاً ، بل يصحّ سلب الاسم عنه قطعاً ، بل هو كالأواني المفضّضة الّتي ستعرف ، أنّ حكمها الكراهة ؛ إذ لا ريب في أن من أفراد التفضيض : التلبيس ، والكسوة للقليل بالاناء بالصياغة ، بل وللكثير منه في وجه. وإن تنظّر فيه الطباطبائي في منظومته (٢) بل وللجميع في آخر ؛ لعدم صدق الاناء مع صدق المفضض ، وان جزم العلامة المذكور في منظومته (٣) بالمنع ، تمسّكاً بأن الكأسي إناء مستقلّ. لكنّه لا يخلو من النّظر ؛ لما عرفت من عدم صدق الاناء على مثله.

وان كان قد يشكل ذلك كله. أو أكثره بصحيح بن بزيع المشتمل على المرآة ، والقضيب الملبّسين فضة ، فضلاً عن الأواني الملبّسة إذ هي كالآنية في الآنية. إلَّا أنّه لمّا لم يكن فيه صراحة بالحرمة ، بل ولا ظهور حمله غير واحد من الاصحاب ، على الكراهة ، وهو في محلّه.

وامّا حلّى المرأة المجوّف من الخلخال ونحوه ، فان سُلب عنه اسم الآنية جاز ، وإلّا فلا ، إذ لا فرق في الحرمة بين الرجال والنساء ، لإطلاق الأدلّة ، بل عليه الاجماع في الذكرى (٤) وجامع (٥) المقاصد وعن غيرهما (٦).

__________________

(١) الدرة النجفية : ٦٠.

(٢) الدرة النجفية : ٦٢.

(٣) الدرة : ٦٢.

(٤) الذكرى ١ : ١٨.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٨٨.

(٦) التذكرة ١ : ٦٧ ، الحدائق ٥ : ٥١٤ ٥١٥.

١٨٩

وجيّد أيضاً في عدّة القناديل من غير الاواني ، بشهادة العرف ؛ له لا انها منها كما في ظاهرها (١) ، ولكنها استثنيت للسّيرة المستمرّة ، في جعلها شعار للمشهد والمسجد ، من فضة وعسجد ، بناءً على مساواة التزيين ونحوه للاستعمال ، في الحرمة ، أو أنه منه ؛ اذ لا شاهد عليه ، بل الشاهد على خلافه. وإلّا فلو سلّم انّها من الأواني لم يكن لاستثنائها وجه ؛ لحدوث تلك السّيرة واستغناء تعظيم شعائر الله ، بمحلّلاته عن محرّماته (٢).

انتهى ما اردنا نقله من كلامه رفع مقامه ومن اراد الوقوف على ما طوينا ذكره فليرجع إلى كتابه ، وانمّا نقلنا ما نقلنا عنه بطوله من جهة احتواءه على اكثر كلماتهم في المقام مع ما فيه من الاشارة إلى وجوه الأنظار والافكار ، فشكر الله سعيه ومساعيهم ورضوانه عليه وعليهم.

اختصاص الاناء بما اعتيد الأكل والشرب منه

وربما يحكي عن بعض ، اختصاص الاناء بما اعتيد منه الأكل والشّرب في العادة وأعدّ له فإن أريد تخصيص الموضوع ، فلا وجه له جدّاً بشهادة العرف ، بل اللّغة على خلافه ، وإن أريد التخصيص حكماً ، فله وجه ، وإن لم يكن وجيهاً كما ستقف عليه.

والذى يقتضيه التّحقيق ، كون لفظ الاناء لشهادة التبادر العرفي ، موضوعاً أخصّ ممّا عرفت من اهل اللّغة ، بناءً على شموله لمطلق ما يسمّى وعاءً وظرفاً ، حتى ما يحمل فيه الحبوبات والحنطة والشعير والتراب والفحم ونحو ذلك ، وليس هذا من تعارض اللغة والعرف في شيء حتى يجري فيه الخلاف ؛ ضرورة ثبوت الوضع الاصلي بحكم التبادر العرفي في زماننا ، بضميمة أصالة عدم تعدّد الوضع والنقل. والحكم من جهته يكون ما ذكروه على ما عرفت من باب مجرّد الاطلاق الاعمّ من الحقيقية.

__________________

(١) المنظومة : ٦٠.

(٢) جواهر الكلام ٦ : ٣٣٤.

١٩٠

الشك في صدق مفهوم الاناء

لكن مجرّد هذا المقدار لا يوجب تبيّن المفهوم ورفع الاجمال منه ، ألا ترى إلى اختلافهم فيما عرفت من الصّغريات مع اتّفاقهم على الوضع للأخصّ. وان كان التحقيق فيما اختلفوا فيه ، الأخذ بالوسط ؛ فان اعتبار أحد الأمرين من العمق ولو في الجملة ، أو الجدار كذلك ممّا لا بدّ منه في صدق المفهوم ؛ ضرورة صحّة سلب الاناء عرفاً عن صفحة الذهب والفضّة ، فما ذكره في الكشف (١) لا يستقيم على اطلاقه ، كما أنّ ما ذكره في الجواهر (٢) وغيره لا يستقيم على الاطلاق ، وان كان ما ذكرنا لا يجدي أيضاً في رفع الاجمال المفهومي.

نعم لو استفيد من اخبار المسألة ، كون موضوع الحكم عند الشارع أعمّ ممّا وضع له لفظ الاناء ، كما قيل ، أو استفيد منها ، أو من السّيرة ونحوها ، كونه أخصّ ممّا وضع له اللفظ كما زعم ، اتّبع جزماً كما هو الشّأن في سائر الالفاظ ، فاذا استفيد من صحيح ابن بزيع حرمة المرآة وكونها اناءً في حكم الشارع ، حكم بحرمة ما يماثله من الأواني الملبّسة ، وإن لم يصدق عليها الاناء حقيقة عرفاً ، بل ولا لغةً ، كما انه إذا استفيد منه الكراهة حكم ، بعدم لحوق حكم الاناء لها وما يماثلها وإن صدق عليها الاناء لغةً وعرفاً ، حيث إنه يستكشف منه أنّ الموضوع للحكم الشرعي اخصّ من الموضوع العرفي فقول العلامة الطباطبائي قدس‌سره في المنظومة (٣) :

والوجه في المرآة من ذاك بدا

اذ الجميع باللّصوق اتّحدا

مستقيم لو لا استفادة خلافه من الصحيحة فافهم.

ثم إنا اشرنا في اوّل هذا الامر ، إلى إنّه لا اشكال في الحكم بالاباحة في المشكوك ، من جهة صدق المفهوم ، نظراً إلى الاصول العمليّة بل اللفظيّة العامة ، من حيث إنّ

__________________

(١) كشف الغطاء ٢ : ٣٩٢.

(٢) الجواهر ٦ : ٣٣٤.

(٣) المنظومة : ٦٠.

١٩١

إجمال المخصّص مفهوماً لا يوجب رفع اليد عن العموم ، فيما كان الدّوران بين الاقل والاكثر في المخصّص المنفصل ، على ما حقّقناه في بحث التخصيص.

كما أنّه لا اشكال بل لا خلاف ، حتى من الاخباريّين ، في الحكم بالاباحة ، من جهة الاصل العملي في المشكوك ، من جهة الشبهة الموضوعيّة الخارجيّة ، فيما لم يكن له حالة سابقة ، علم بكونه من مصاديق الاناء في تلك الحالة ، مع عروض ما يوجب الشكّ في بقاء الصّدق معه كالتخليص في بعض صوره ، فانه ربما يحكم فيه بالحرمة ، من جهة استصحاب الموضوع فيما ساعد العرف على الحكم بالبقاء مع التغيّر ، لكنّه خارج عن محلّ الكلام ومختص بما عرفت من الرجوع إلى الاصل العملي في موارد الشكّ من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي ، فلا معنى لإجرائه في موارد اشتباه المفهوم كالاتّصال والانفصال مثلاً ؛ ضرورة عدم جريان استصحاب الموضوع والحال هذه.

واستصحاب الحكم مع هذا الشك هدم لما اتفقوا عليه ، من اشتراط بقاء الموضوع في باب الاستصحاب هذا.

الامر الثاني : في متعلق الحكم مطلق الاستعمال أو خصوص الأكل أو الشرب

الثّاني إنّه كما لا يعلم بحقيقة الاناء ووقع فيها الاشتباه والالتباس ، كذلك وقع الاشكال بل الخلاف في فعل المكلّف ، الموضوع للحكم الشرعيّ المتعلّق بالاناء ، نظراً إلى أنّ الاعيان الخارجيّة إنما تتعلّق بها الاحكام الشرعيّة ، من حيث تعلّق فعل المكلّف بها ، ففي الحقيقة هي من متعلّقات موضوع الحكم الشرعيّ لا نفسه ، من حيث أنه خصوص الشرب ، أو الأعمّ منه ومن الأكل منه ، أو مطلق استعمالها ، أو الأعم منه ومن التزيين بها وجعلها زينة ، أو الأعم منهما ومن جعلها ذخيرة وإن لم يقصد بها التزيين أصلاً.

فيلزم على هذا كسر الآنية وحرمة صناعتها وبيعها ، بل رهنها وهكذا سائر المعاملات المتعلّقة بها.

١٩٢

الأخبار الواردة في المسألة

ونحن نذكر الأخبار الواردة في هذا الباب ، ثمّ نتكلّم في المسألة ؛ لكي تزول ببركاتها الشبهات الحادثة فيها.

فمنها : ما رواه الجمهور ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ولا تشربوا في آنية الذهب والفضّة ولا تأكلوا في صحافها ، فانّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» (١).

ومنها : ما عن عليّ عليه‌السلام إنّه قال : «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة ، إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم» (٢).

ومنها : ما رواه الشيخ ، في الصحيح ، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : «سألت الرضا ، عن آنية الذهب والفضة ، فكرههما ، فقلت : قد روى بعض أصحابنا ، إنه كان لأبي الحسن مرءاة ملبّسة فضّة ، فقال : لا والله إنّما كانت لها حلقة من فضّة ، هى عندي» (٣).

ومنها : ما في الحسن ، أو الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تأكل في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة» (٤).

ومنها : ما في الصّحيح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام «انه نهى عن آنية الذهب والفضّة» (٥).

ومنها : ما عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تأكل في آنية الذهب والفضّة» (٦).

ومنها : ما رواه الشيخ بسنده ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «آنية

__________________

(١) كنز العمال ١٥ : ٢٩٣ / ٤١٠٦٥ ، وانظر مسند أحمد ٥ : ٣٩٠ ، صحيح البخاري ٦ : ٢٥١ ، المعجم الاوسط للطبراني ٧ : ٢٣٣.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٢١٠ / ١٣٨ ، بحار الأنوار ٧ : ٢٢٩.

(٣) الكافي ٦ : ٢٦٧ ، تهذيب الاحكام ٥ : ٩١ ح ٣٩٠ / ١٢٥.

(٤) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٤.

(٦) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ١.

١٩٣

الذهب والفضة متاع الذين لا يؤمنون ، أو لا يوقنون» (١).

ومنها : ما عن يريد عن الصادق عليه‌السلام «إنه كره الشرب في الفضّة ، وفي القدح المفضّض ، وكذلك إن يدهن في مدّهن مفضّض والمشط كذلك» (٢).

ومنها : ما عن سماعة بن مهران ، عنه عليه‌السلام أيضاً ، «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضّة» (٣).

ومنها : ما عن يونس بن يعقوب ، عن أخيه قال : «كنت مع أبي عبد الله فاستقى ماء فأُتي بقدح فيه من صفر ، فقال له بعض جلسائه : انّ عباد البصري ، يكره الشرب في الصّفر ، فقال للرجل : سله أذهب هو أم فضّة؟» (٤).

ومنها ما رواه عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى ، قال : «سألته عن المرآة هل يصلح إذا كان لها حلقة فضّة ، قال : نعم ، إنّما يكره ما يشرب به» (٥) إلى غير ذلك.

إذا عرفت ما تلونا عليك من الاخبار.

قول المشهور

فاعلم إنّ المشهور شهرة محققة ، كون موضوع الحكم أعمّ من الأكل والشرب ، بل أعمّ من مطلق الاستعمال ، حتى أخذها ذخيرة ، بل قد تكرّر دعوى الإجماع في كلماتهم ونفي الخلاف ، على حرمة مطلق الاستعمال ، بل نفي الخلاف ، عن حرمة مطلق حفظها.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٦٨ / ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٥.

(٣) الكافي ٦ : ٣٨٥ / ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٥٣ / ٤٢٤٠ ، التهذيب ٩ : ٩٢ ح ٣٩٣ / ١٢٨.

(٥) المحاسن ٢ : ٥٨٣ / ٦٩.

١٩٤

القول المقابل للمشهور

وعن الصّدوق (١) ، والمفيد (٢) ، وسلّار (٣) ، والشيخ (٤) ، فيه تخصيص موضوع الحكم ، في ظاهر كلماتهم ، بالأكل والشرب من جهة اقتصارهم عليهما ، وعن العلامة (٥) ، في محكّي المختلف ، وبعض المتأخرين ، قصره على مطلق الاستعمال ، وعن قواعده (٦) ، تعميمه للزينة وتجويز لبسه لا لها.

وعن بعض العامّة (٧) التخصيص بالشرب ، وعن مشهورهم (٨) موافقة المشهور منّا.

نظر المصنف

والاصل في المسألة بكلا قسميه لفظاً وعملاً ، يقتضي الاقتصار على الأكل والشرب ، كما عرفته من جمع من القدماء في ظاهر كلماتهم.

وإن احتمل كون المراد بيان الفرد الغالب الكثير الدّوران ، كما ستسمعه في وجه ذكرهما ، في أكثر الاخبار ، فقد اتبعوها في التعبير عن موضوع الحكم من جهة النكتة المذكورة ، بل مقتضى الأصل الاقتصار على الشرب فقط.

إلَّا إنه لا مناص من رفع اليد عنه ، من جهة أخبار المسألة ، فان في أكثرها ، وان تعلّق الحكم بالاكل والشّرب من الآنية ، إلّا أنها لا تنفي حرمة مطلق استعمالها ، المستفادة من جملة من الصّحاح وغيرها ، مثل صحيح ابن بزيع ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، وما رواه الشيخ عن موسى ، ورواية يريد عن الصّادق والنبويّ ، حيث أنّها ، من

__________________

(١) المقنعة باب الصيد والذبائح : ٣٥ ضمن الجوامع الفقهية ط ج : ٤٢٤.

(٢) المقنعة الصيد والذبائح : ٥٨٤.

(٣) المراسم الأطعمة : ٢١٠.

(٤) النهاية الأطعمة المخطوطة : ٥٨٩ النهاية ونكتها.

(٥) المختلف ١ : ٣٣٥ مسألة ٢٥٣.

(٦) القواعد : ١٩٦.

(٧) المحلى ابن حزم ٧ : ٤٢١ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٣.

(٨) الام ١ : ١٠ ، السنن الكبرى ١ : ٢٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٩ ، المجموع ١ : ٢٦١.

١٩٥

جهة حذف المتعلّق ، بل التصريح به كما في رواية بريد ، تدلّ على حرمة مطلق الاستعمال ، ولا تعارض بينهما أصلاً حتىّ يحمل أحدهما على الاخر ، ضرورة عدم التعارض بين العام والخاصّ المنفيّين ، بل ربّما يجعل العموم في المقام واشباهه ، دليلاً على كون ذكر الخاص من جهة كثرة دورانه وكونه الفرد الغالب من استعمال الاواني.

ولا يتوهم كون صحيحة عليّ بن جعفر ، من جهة دلالتها على الحصر ، معارضة للأخبار العامّة ؛ لأنّ الغرض من الرّواية ، حصر التحريم في آنية الذهب والفضّة في مقابل ما كان له حلقة منها ، لا حصره في الشرب ، كما هو ظاهر لمن له ادنى تأمّل.

هذا كلّه مضافاً إلى الاجماعات المستفيضة ، عن العلامة في جملة من كتبه كالتذكرة (١) والتحرير (٢) والمنتهى (٣) وغيره ، المعتضدة بالشهرة المحقّقة ، ونفي الخلاف عن غير واحد ، وأحد دعوى اتّفاق العامة إلّا بعضهم ، على التّعميم. ومثل هذا الاجماع المستفيض نقله المعتضد بنفي الخلاف عن جماعة والشهرة العظيمة المحققة حتّى من العامّة ، ربّما يكفي دليلاً في المسألة ، مستقلاً رافعاً لمقتضى الاصول اللّفظية ، والعمومات الاجهادّية المقتضية ، للجواز ، والاصول العمليّة ، فضلاً عن أن يكون كاشفاً ، عن ارادة مطلق الاستعمال في الاخبار العامّة ، من حيث حذف المتعلّق.

هذا كلّه مضافاً إلى ما في بعضها ممّا يشبه التّعليل المقتضي ، لعموم الحكم ومن هنا يمكن القول بما اختاره المشهور بل نفى الخلاف عنه بعضهم ، من حرمة التزيين بها بجعل متعلّق الحكم المحذوف ، مطلق الانتفاع بالأواني أكلاً وشرباً واستعمالاً وزينةً ، بل ربما قيل : بأن التزيين بها ، من أنحاء الاستعمال فلا يحتاج في تسرية الحكم اليه ، إلى جعل المحذوف مطلق الانتفاع بها ، وان كان محلّاً للمناقشة ، بل المنع ، بل يظهر ممّا ذكرنا كلّه الوجه فيما عن المشهور ، من الحكم بحرمة حبسها وحفظها ، وان لم تجعل زينةً ، من

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٥ مسألة ٣٢٣.

(٢) التحرير ١ : ١٦٦ مسألة ٥٣٦.

(٣) المنتهى ٣ : ٣٢٤.

١٩٦

حيث ان النهي ، عن الموضوع الخارجي ، يقتضي فيما لم يكن هناك قرينة على التخصيص ، تحريم كل فعل تعلّق به فإنه بمنزلة النفي المتعلّق به المقتضي بدلالة الاقتضاء ، لنفي جميع آثاره الوجودية لإنّه أقرب إلى المعدوم فيراد النهي عن كلّ فعل متعلّق به حتّى بيعه مثلاً ، فليس في هذا استعمال اللفظ في معان ، أو معنيين حتى يمنع ، كما أنّه ليس مبنيّاً على جعل المحذوف عنواناً عامّاً شاملاً لجميع المراتب ، حتى يناقش فيه بمنع وجوده ، حيث إن الاستعمال ، بل مطلق الانتفاع ليس من مصاديق الحبس والأخذ ، وإن صدق معهما وفي حالهما كما أن الأكل والشرب من الأواني أيضاً ليسا من مصاديقهما ، مع أنّ الذي في أكثر الأخبار الأكل والشرب من أواني الذهب والفضّة ، من حيث هذين العنوانين.

هذا وربّما يوجّه القول المذكور ، بل ما قبله أيضاً بما هو بمنزلة التّعليل في الأخبار ، ربما اقتضى حرمة الإسراف والتبذير ، وبمنافات الحبس ، بل التزيّن لحكمة خلق الجنسين.

لكنّه كما ترى ، بمعزل عن التحقيق. وإن كان صالحاً للتأييد.

فقد ظهر ممّا ذكرنا كله ، وجوه الأقوال في المسأله والمختار منها. فإنّ القول بحرمة مطلق الانتفاع بها ليس بعيداً والمناقشة فيه ، بضعف سند بعض ما يدلّ عليه ، فاسدة ، بعد صحّة سند الباقي وانجبار الضعيف منها بما عرفت. مع ما عرفت من الوجوه الأخر فالتأمّل ، فيما اخترناه ، ضعيف في الغاية.

وأمّا القول بالتعميم الأعمّ ، فإنّه وإن كان قريباً ، اعتباراً بالنّظر إلى المقدّر في الأخبار إلا أن القرب العرفي ، الذي عليه المدار في باب الالفاظ ، ملحّ للتأمّل.

ثمرة الاقوال في المسألة

ثمّ إن الثمرة بين الأقوال في المسألة : من جهة غاية وضوحها لا تحتاج إلى البيان ، فإنّه على القول بالعموم المطلق الأعمّ ، يحكم بحرمة صنعتها وبيعها وضبطها ، بل كل

١٩٧

معاملة متعلّقة بها. فيجب تغيير هيئتها وكسرها فتصير بمنزلة آلة القمار ، والآت اللهو. وعلى غيره من الأقوال يتبع حكم خصوص الفعل المتعلّق بها ، فلا تحرم صنعتها ، بل بيعها إلَّا إذا كان المقصود منه التوصّل إلى الفعل المحرّم المتعلّق به ، فيكون كبيع العنب ليعمل خمراً ، أو الخشب ليعمل صنماً فضلاً عن حبسها وضبطها.

الامر الثالث : في كون الحكم هو التحريم لا الكراهية

الثّالث : إنّه لا إشكال ، بل لا خلاف منّا (١) ، بل من العامّة (٢) ، في انّ الحكم في المقام التحريم لا الكراهة ، بل الاجماع عليه مستفيض ، بل متواتر فالمراد من قول الشيخ (٣) في محكى [الخلاف] يكره استعمال أواني الذهب ، الحرمة لا الكراهة المصطلحة ، كما انّها المراد من أخبار المسألة المذكور فيها لفظ الكراهة ؛ لقرائن فيها مضافاً إلى النهي الموجود في جملة منها مادّةً وهيئةً ، الظاهر في التحريم جدّاً ، خصوصاً الاوّل.

هذا مضافاً إلى عدم ظهور لفظ الكراهة فيما لا يمنع من النقيض ، في زمان صدور الاخبار حتّى يعارض الاخبار الناهية الظاهرة في التحريم.

فلعلّ الشيخ تبع الاخبار من حيث التعبير كما هو الشأن في تعبير أكثر القدماء ، عن عنوان المسألة بما في الاخبار.

فما عن المحقق الورع الأردبيلي (٤) قدس‌سره من انه لو لا الاجماع لكان القول بالكراهة حسناً محلّ مناقشة.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٩.

(٢) الام ١ : ١٠ ، السنن الكبرى ١ : ٢٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٩ ، المجموع ١ : ٢٦١ ، نيل الاوطار ١ : ٨١.

(٣) الخلاف ١ : ٦٩ مسألة ١٥.

(٤) مجمع الفائدة : ٣٦٤.

١٩٨

الامر الرابع : الاناء المفضض أو المذهب

الرابع : ظاهر المشهور ، بل صريحهم عدم إلحاق المفضّض والمذهّب بالأواني وإن حكموا ، بوجوب عزل الفم من موضع الفضّة والذهب ، بل عن الشيخ في المبسوط (١) جواز الاستعمال مع عزل الفم ، وعنه في الخلاف (٢) إلحاقهما بالاواني.

ويدلّ على المشهور مضافاً إلى الاصل بقسميه ، ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح (٣) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح المفضّض واعزل فمك عن موضع الفضّة» وهو نصّ في الجواز فلا يعارض به ما استدلّ به الشيخ ممّا ظاهره الحرمة ، مثل ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد تقدّم في طيّ الاخبار «لا تأكل في آنية فضّة ولا في آنية مفضضة» وغيره. وحمله على الجواز والكراهة بقرينة الصحيحة لا يوجب استعمال اللفظ في معنيين حيث إن الحكم في الآنية الحرمة قطعاً ، على ما توهّم كما هو ظاهر ، فلا اشكال في المسألة أصلاً كما لا اشكال في الاستدراك المذكور في كلامهم ، من وجوب العزل وإن خالف فيه المحقّق قدس‌سره في المعتبر (٤) ، والسيّد في المدارك (٥) ، والسّبزواري في الذخيرة (٦) ، والعلّامة الطباطبائي في المنظومة (٧) ؛ لظاهر صحيحة (٨) معاوية بن وهب.

قال : «سئل أبو عبد الله عن الشرب في القدح فيه ضبّة فضة ، فقال : لا بأس إلَّا أن يكره الفضّة ، فينزعها [عنه]» (٩) من حيث ترك الاستفصال. وهو كما ترى لا يعارض

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٣.

(٢) الخلاف ١ : ٦٩ مسألة ١٥.

(٣) الوسائل ٣ : ٥١٠ / ٥ باب ٦٦ ، التهذيب ٩ : ٩١ / ٣٩٢ ، المحاسن : ٥٨٢ / ٦٤.

(٤) المعتبر ١ : ٤٥٥.

(٥) المدارك ٢ : ٣٨٣.

(٦) الذخيرة : ١٧٣.

(٧) المنظومة : ٦٢.

(٨) تهذيب ٩ : ٩١ ح ٣٩١ / ١٢٦.

(٩) (عنه) لم ترد في المصدر والظاهر انها زائدة.

١٩٩

ظهور الأمر ومنه يظهر الكلام في حكم المموّه بالذّهب وإن حكي (١) عن العلّامه قدس‌سره مخالفته للمشهور فيه ، وقوله بالحرمة إذا انفصل منه شيء إذا عرض على النّار.

الامر الخامس : الاناء المخلوط من الذهب وغيره أو الفضة

الخامس : إنه لا إشكال في حكم الإناء الخليط بغير الذهب والفضّة إذا كان احدهما غالباً بحيث يتبعه الاسم ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، بأن كانا متساويين مثلاً فيرجع فيه إلى الاصل ويحكم بالجواز ، كما إذا شك في إناء أنّه من فضّة بتمامه ، أو من غيرها كذلك.

نعم لا إشكال في الحكم بالحرمة إذا كان خليط احد الجنسين ، الآخر أو اشتبه أحدهما بالآخر ، كما هو ظاهر.

الامر السادس : حرمة الاستعمال لا تعني خباثة ما فيه من الطعام

السّادس : انه قد عرفت أن عنوان المحرّم الاستعمال ، أو الانتفاع وحرمة الأكل والشرب ؛ إنما هي من جهة انطباق العنوان المذكور عليهما فليس في نفس المأكول والمشروب من حيث تحقّقهما في الاناء ، خباثة ذاتيّة ، فالأكل من الإناء المذكور نظير الأكل من إناء الغصب مع كون المأكول ملكاً للآكل ، لا مثل أكل مال الغير ، أو الخمر ، أو النجس ، فاذا فرّغ الاناء في غيره ، فلا حرمة في أكله أصلاً ، وبالجملة حرمة الأكل لا تعلّق لها بحرمة المأكول والثابت له بالنصّ والفتوى الاول.

ومن هنا نسب عدم حرمة المأكول إلى الاصحاب ، بل إلى العلماء كافّة عدا المفيد (٢) قدس‌سره في ظاهر كلامه ، وأبي الصّلاح (٣) فيما يلوح منه على ما حكاه عنه في محكىّ

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٢ مسألة ٣٢٦ فرع ي.

(٢) المقنعة : ٩٠.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٧٨.

٢٠٠