الرسائل التسع

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

الرسائل التسع

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


الموضوع : الفقه
الناشر: انتشارات زهير
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8076-27-8
الصفحات: ٣١٥

الوجه السادس :

الروايات

السّادس : الأخبار الواردة في باب يد المسلم (١) وسوق المسلمين ، ولو بجعلها معارضة لموثقة عبد الله بن بكير بالعموم من وجه ، فيرجع إلى اصالة الجواز.

وهذا الوجه لم يتمسك به أحد في المقام فيما أعلم إلَّا الفاضل النراقي فيما عرفت من كلامه. ويتوجه عليه ، مضافاً إلى ما اسمعناك في طيّ المقدّمات ، من اختصاص الأخبار الواردة في ذلك الباب بالشك في التذكية فلا تعلّق لها بالشكّ في مفروض البحث ، أنّ الأخبار المذكورة لا تنافي ما بنى المعظم عليه من لزوم الاحتياط ، عند الشكّ في حال اللباس ، وعدم وجود امارة شرعيّة على كونه من المأكول كما أنّ ذهابهم إلى البناء على عدم التذكية عند الشك في الجلود واللحوم لا ينافي كون اليد والسوق دليلاً على التذكية فتفيد المسألة فيما لم يكن هناك إمارة شرعيّة فلا معنى للاستدلال بالأخبار المذكورة أصلاً.

وامّا ما افاده من المعارضة والرجوع إلى الأصل فلم يعلم له معنى محصل ؛ إذا لموثقة الحاكمة باشتراط الصلاة بحل أكل لحم الحيوان الذي جعل أجزائه لباساً ، لا ينفي كون يد المسلم دليلاً على الحلية ، كما أنّ الأخبار الدالة على اعتبار تذكية الجلد فيما جعل لباساً ، لا ينافي جعلها دليلاً على التذكية ، كما هو الشأن بالنسبة إلى جميع أدلّة الاجزاء والشرائط ؛ فانّها غير متعرّضة لحكم صورة الشك فضلاً عن صورة وجود الإمارة الشرعية في موضع الشك ، فافهم ولا تغفل.

الوجه السابع :

الاجماع والسيرة

السّابع : السيرة والاجماع العملي تمسك به الفاضل النراقي في كلامه المقدّم وهو

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة الباب ٥٠ من أبواب النجاسات.

١٦١

المراد بشهرة العمل في كلام المحقّق الأردبيلي المتقدّم ذكره وقد جعل الفاضل النراقي كلّاً من سيرة الناس واجماع المسلمين دليلاً ومغائراً للاخر حيث ، قال في كلامه المتقدّم : بل يدل عليه عمل الناس بل إجماع المسلمين فإنّه ظاهر في المغايرة.

ولا يخفى ما فيه فلعلّ مراده من السيرة الناس عمل خصوص العوام ومن اجماع المسلمين عمل العوام والخواص كما يظهر من كلامه بعد كلامه المتقدّم ، في المقام.

فراجع اليه ، فكأن الثاني أقوى من الاوّل ، وإن كان الوجه في اعتبار كلّ منهما الكشف عن التقرير.

ويتوجّه عليه.

أوّلاً : المنع من أصل وجود السيرة المنتهية إلى زمان الائمة حيث أنّ وجود نوع هذه الألبسة في الأعصار السابقة غير معلوم بل معلوم العدم في بلاد الإسلام.

وثانياً : أن الجهة غفلتهم عن حال اللباس كما هو الغالب أو علمهم أو اطمينانهم بكونها من المأكول وإلّا فكيف يظنّ باعاظم علماء الشيعة الذين هم اساس الشريعة أن يعملوا على خلاف آرائهم وكذا مقلّديهم من اهل الديانة والورع بل قد عرفت عن المدارك كون المنع مما قطع به الاصحاب مع انّ المستدلّ ادّعى في كلامه المتقدم ، عمل الخواص والعوام في كلّ عصر وزمان على لبس الاثواب المشتبهة المشكوكة فلا بد من ان يحمل على تقدير تصديق اصل العمل على ما ذكرنا في وجهه إذ لا تنافي أصلاً بين كون الفتوى عندهم عدم صحّة الصلاة مع الشك في حال اللباس وعدم حصول الشك لهم فيما يلبسونه من جهة غفلتهم أو علمهم بكونها من المأكول ، مع حملها من بلاد الكفر كما هو الشان في زماننا بالنسبة إلى كثير فمن يتداول لبس الالبسة المذكورة فانه يدعي علمه بكونها من المأكول من جهة السؤال عمّن شاهد وبالجملة هذا الوجه للعمل في كمال القرب.

وقد حكى شيخنا الأستاد العلّامة قدس‌سره : أن الالتفات بحال الماهوت وكونه من أيّ جنس ، إنّما حصل له عند مسافرته إلى بلد اصفهان ، بسؤال بعض الأعلام من السادة

١٦٢

الذي انتهت اليه الرّئاسة في عصره ، عن حقيقة الماهوت الذي تداول لبسه ، كما أنّ حاضري مجلس البحث كانوا غافلين ، عن حال الموضوع المذكور إلى زمان سؤال شيخنا منهم عن حقيقته.

وقد كان شيخنا جازماً ببطلان الصلاة مع الشك في حال اللّباس ، كما يظهر من الرجوع إلى رسائله العمليّة أيضاً ، مع أنه كان يلبس الماهوت في الصلاة ، حتّى أنّه قدس‌سره كان لابساً له عند سؤاله ويتعذر بعدم علمه بحال ما لبسه ، وقد ذكر ما ذكر عند البحث عن كتاب الصيد والذباحة ، في جواز تسرية اعتبار اليد والسوق ، إلى الشكّ في حليّة أكل اللحم ، بعد جزمه بعدم التسرية.

فأنظر إلى حال عمل مثل الشيخ ، الذي قل عهد الدهر بمثله علماً وعملاً مع جزمه ببطلان الصلاة مع الشكّ ، فأي دلالة للعمل على كون العامل شاكاً ، مع ندائهم بأنّ العمل أمر مجمل لا دلالة له على وجهه وعنوانه ، فأيّ فائدة في السيرة والاجماع العملي والحال هذه ، وبالجملة الكلام إنّما هو في حكم الصلاة مع الشك في حال اللباس ، وامّا الكلام في حقيقة الماهوت واشباهه وأنه من أيّ جنس فهو كلام في مسألة موضوعيّة لا يبحث الفقيه عنها.

هذا مع أنه لو سلّم عمل جمع فانما هو من جهة الاجتهاد والتقليد ، أو قلّة المبالات في الدين ، كما هو المشاهد من العوام المقصّرين ، وقد أسمعناك في مطاوي المقدّمات أنّ العمل بما هو ، لا فائدة فيه أصلاً مع فقده لشروط السيرة الكاشفة فافهم ولا تغتر.

الوجه الثامن :

دليل الحرج والعسر

الثامن : ما تمسّك به غير واحد منهم على ما عرفت عند نقل كلماتهم من لزوم الحرج الشديد ، من الاحتياط وترك اللبس رأساً ، أو النزع حال الصلاة مع كثرة التداول وشدة الابتلاء في هذه الازمنة ، فلعلّ حكمهم بالاحتياط ولزوم الاحراز في

١٦٣

الازمنة السابقة ، من جهة قلّة الابتلاء بلبسها ، فلا يلزم من المنع حرج يلزم منه في زماننا وأشباهه ، وإلَّا فكيف يظنّ بهم القطع بالمنع على ما في المدارك ، مع كون قاعدة نفي الحرج من القواعد المسلمة عندهم ، قد دلّ عليها الكتاب والسنة ، بل العقل عند بعضهم ، أو غفلتهم عن لزوم الحرج على أبعد الوجهين ، سيما مع ما شاهدوا من استدلال مثل الأردبيلي قدس‌سره به ، فإنّ عامّة من تأخر عنه إلّا من شذّ تابع في الحكم ، بلزوم الاحتياط ، من تقدّم عليه ، فلا يتوجه على هذا الاستدلال ، كون القاعدة بنفسها موهونة ، من جهة كثرة الخارج عنها مضافاً إلى إعراض الاصحاب عنها في خصوص المقام.

ودعوى أن الغالب الغفلة عن حال اللباس في حق اكثر المكلفين. فلا يلزم حرج من المنع عن صورة الالتفات والشكّ ، فاسدة ؛ لأنّ الكلام في أنّ الحكم الشرعى في موضوع الشك في حال اللباس لو كان ، لزوم الاحتياط وبطلان الصلاة لزمه وقوع المكلفين الشاكين في الحرج الشديد وإن لم يحصل الشك لأكثرهم ، وهذا نظير منع لزوم الحرج من الاحتياط الكلي على تقدير انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ في غالب الاحكام بذهاب الاكثر إلى انفتاح باب الظّنّ الخاصّ.

هذا ويتوجه على هذا الوجه المنع من لزوم الحرج من ترك لبس الثوب المشتبه ؛ إذ توهّم لزومه إنّما هو من جهة الابتلاء باللبس في هذه الازمنة ، وهذا الابتلاء كما ترى إنّما هو باختيار المكلف فلو بنى على ترك اللبس ، أو النّزع حال الصلاة فأي حرج يلزم عليه ، فان اهالي الاعصار السابقة كانوا مستريحين عن لبس هذه الالبسة ولم يقعوا في حيص وبيص فلو تبعهم اهالى ساير الاعصار لم يلزم عليهم نقص أصلاً ، لا في دينهم ولا في دنياهم.

ودعوى عدم التفات أعاظم الأصحاب رضوان الله عليهم ، بلزوم هذا المحذور من الفتوى بالمنع ، في كمال البعد عن ساحتهم ، فلا بدّ ، إمّا من القول : بعدم لزوم الحرج ، عندهم ، أو من إعراضهم عن القاعدة ، الموهن لها جدّاً.

١٦٤

ودعوى الفرق بين الأزمنة مع ما ترى من جزم من يقارب عصرنا بل اكثر معاصرينا بالمنع ، كما ترى.

هذا كلّه مضافاً إلى ما عرفت من غفلة غالب المكلفين عن حال الموضوع ، أو علمهم ، أو اطمينانهم بالحال ؛ فكيف يدعى مع ذلك ، لزوم الحرج. وقياس المقام بالاحتياط الكلي على تقدير انسداد باب العلم في غالب

الاحكام كما ترى ، سيّما مع ما نبني الأمر عليه من عدم لزوم الإعادة والقضاء ، على تقدير حصول العلم. يكون اللباس من غير المأكول بعد العمل ، فيما ، كان غافلاً حال العمل ، فضلاً عما لو عرض له الشك بعد العمل.

هذا ما عرفت في طي المقدمات في تحقيق حال القاعدة وأنّها تتبع الحرج الشخصي ، فيما كان علة ، فلو فرض حرج في حق شخص فلا يتعدى الحكم عنه إلى غيره ، ممن لا يلزم من الاجتناب عليه حرج أصلاً.

فان قلت : إن المنع عن اللباس المشتبه لا يختص باحتمال كون تمامه من غير المأكول ، بل يعمه واحتمال كون بعضه من غير المأكول ، ولو كان قليلاً في غاية القلة ، ولو كان شعره بل ، ولو كان الامتزاج من غير التفات من صانع اللباس ؛ إذ لا حالة سابقة للباس بالفرض حتى يجري فيه الأصل الموضوعى ، فعلى هذا لا بدّ من أن يمنع ، من لبس جميع ما يصنع في بلاد الإسلام أيضاً ، سيما بالنسبة إلى ما يصنع من الصوف والوبر والشعر ؛ إذ احتمال الخلط والمزج من شعرات مثل الهرة والسمور والفأرة ، في مواد الألبسة ، موجود لا رافع له ، فيلزم من المنع وقوع الناس في حرج شديد جداً لا يجوز إنكاره ، وليس موضوع الكلام مختصاً بما يحمل من بلاد الكفر ، بل اعم منه وممّا يصنع في بلاد الإسلام ؛ إذ الموضوع هو اللباس المشتبه ، والمفروض عدم اعتبار يد المسلم وسوق الإسلام في مفروض البحث ؛ فكيف يمنع من لزوم الحرج والحال هذه؟ قلت : موضوع البحث وإن شمل وعم جميع صور الاحتمال إلَّا أنّه يمكن الفرق بأنه فيما لو علم كون بناء النسج والصنع من المأكول ؛ إلَّا أنّه يحتمل ضعيفاً الخلط من غيره ،

١٦٥

يرجع فيه إلى أصالة عدم الخلط والمزج ، وهذا وإن كان أصلاً مثبتاً إلّا أنّه يمكن القول بكون الواسطة من الوسائط الخفيّة ؛ فيكون معتبراً على ما فصّلنا القول فيه ، في مسألة الاستصحاب تبعاً لشيخنا قدس‌سره.

ومن هنا قد يقال : بمنع لبس ما كان من الحرير مع احتمال مزج غيره به مع ، أن المنع تعلق بالحرير الخالص.

لا يقال : لو كان الأصل المذكور مجدياً جرى فيما يحمل من بلاد الكفر أيضاً ، إذ المعمول من الألبسة المشكوكة المحمولة من تلك البلاد ، النسج [فيها](١) ممّا يحمل من بلاد الإسلام اليها من الغنم والبعير فاحتمال الخلط من غير المأكول مدفوع بالاصل ؛ لأنا نقول : لو تحقّق ما ذكر كما شهد به جمع من أهل التجارة كان الامر كما ذكر من عدم الفرق إلَّا أنّ هذه مسألة موضوعيّة لا تعلق لها بما يبحث عنه.

هذا مع أن ما ذكرنا لا يخلو عن تأمّل مع قطع النظر ، عن محذور الأصل المثبت ؛ فانّه ربما يناقش فيه بعدم الحال السابقة فتدبر.

والذي يهون الأمر عدم الالتفات إلى هذا الاحتمال فيما ينسج ويعمل في بلاد الإسلام فتأمّل.

الوجه التاسع :

رواية حفص

التّاسع : ما قد يختلج بالبال ، من التشبث بذيل التعليل الوارد في رواية حفص بن غياث ، التي جعل اليد فيها دليلاً للشهادة على الملكيّة ، وهو قوله : «ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» والتعليل الوارد ، فيما تقدم من الأخبار الدالة على كون اليد والسوق دليلين على التذكية ؛ فإنّ مقتضى سعة الدين ، عدم الاعتناء بالشكّ في المقام ، وكون الاحتياط فيه ضيقاً كما أنّه يوجب اختلال نظم السوق على التقدير المذكور ، لإيجابه

__________________

(١) يقتضيها السياق.

١٦٦

ترك الاقدام على المعاملة.

وهذا الوجه كما ترى ، أوهن بمراتب من الوجه السابق ، كما هو ظاهر ؛ فلا معنى لجعله دليلاً في المسألة بل ولا مؤيّد لما قد أسمعناك ، من أنّ ترك معاملة هذه الالبسة لا يترتّب عليه شيء أصلاً فأي اختلال يلزم منه وأي ضيق يترتب عليه.

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما ربّما يسبق إلى بعض الاوهام من جعل التعليلين دليلاً على اعتبار اليد والسوق في المقام وإن كان موردها مختصاً بمسألة الشك في التذكية والموت ؛ ضرورة عدم لزوم المحذور اللازم من عدم اعتبار اليد والسوق في الملكيّة والتذكية في المقام.

هذا بعض الكلام فيما استند اليه القائل بالجواز مطلقاً.

تحقيق المسألة :

وأمّا التفصيل فيقع الكلام فيه :

تارةً في تحقيق الحقّ من الوجهين ، أعني كون حلّ الأكل شرطاً ، أو كون حرمته مانعاً.

وأخرى في كون الفرق فارقاً ومجدياً في المقام.

الجهة الاولى :

في شرطية ومانعية غير المأكول

أمّا الكلام من الجهة الأولى : فحاصله انه ربما يستظهر من الأخبار المتقدمة من حيث تعلق المنع وعدم الجواز بالصلاة في غير المأكول ، أو الارانب ، كون حرمة الأكل مانعة من حيث انطباق مفهوم المانع عليها ، إلَّا أن التّأمل الصادق يشهد ، بأن المنع فيما لا يؤكل من جهة انتفاء حل الأكل ؛ لأنّ غير المأكول ، عنوان انتفاء حلّ الأكل حقيقة ، ويشهد لما ذكرنا موثقة عبد الله بن بكير فإنه مع تعلق الحكم في صدرها على ما لا

١٦٧

يؤكل من حيث أنّ الامثلة في السؤال كانت مصاديق العنوان المذكور ، تعلق قبول الصلاة بعده على عنوان حلّ الأكل بقوله : «لا يقبل الله تلك الصلاة حتّى يصلى في غيره ممّا أحلّ الله اكله» ودعوى كون تعلق الحكم عليه من حيث كونه مصداقاً لعدم المانع لا كونه مقصوداً بعنوانه كما ترى.

ثمّ أنّ كلماتهم في التعبير عن هذا الشرط وإن كانت مختلفة ، إلَّا أنّ الظاهر بعد التأمل فيها ، إرادة ما عرفت من الأخبار لها فراجع إليها.

الجهة الثانية :

الفرق بين الشرطية والمانعية

هذا وامّا الكلام من الجهة الثانية : فملخّصه أنّه قد يقال ، بل قيل كما عرفته عن بعض مشايخ من عاصرناه ، الفرق بين الوجهين ، فانّه على تقدير القول بشرطية حل الأكل لا بدّ من احرازه عند الشك ، وهذا بخلاف القول بمانعيّة حرمة الأكل ، فانّه يرجع إلى أصالة عدمه ، كما هو الشأن في جميع صور الشكّ في الشرط والمانع ، فإن وجود المانع على خلاف الأصل ، كما إنّ عدم الشّرط على طبق الاصل فلا بدّ من احرازه.

هذا ولكنك خبير بما فيه ، فانّ مجرى الاصل لا يخلو ، امّا أن يجعل عنوان المانع ومفهومه ، أو مصداقه أعني اللباس ، فإن جعل الأول فيتوجّه عليه ، أنّ اثبات مفهوم عدم المانع بالاصل لا يجدي في اثبات كون اللّباس من غير المأكول ومتّصفاً بعدم المانع ، إلّا على القول باعتبار الاصول المثبتة ، وهذا نظير اثبات كريّة ماء الحوض باستصحاب وجود الكرّ ، لا باستصحاب كرّية الماء وبالجملة الاصل في المتصف لا يثبت اتصاف المحل بالوصف المشكوك ، والمقصود في المقام اثبات كون اللباس من غير المأكول ؛ ضرورة كون الحكم مترتّباً عليه ، وإن جعل الثاني فيتوجّه عليه ، عدم الحالة السابقة للباس بالفرض ، فالفرق بين الشرط والمانع في أمثال المقام لا معنى له أصلاً.

نعم من قال بالاصول المثبتة ، كما حكي عن الشيخ المعاصر ، لزمه الفرق بين

١٦٨

الامرين ، لكنّه في كمال الضعف والسقوط. والتحقيق في مسألة الاستصحاب. هذا بعض الكلام في الموضع الاوّل.

الموضع الثاني :

حمل المردد بين المأكول وغير المأكول في الصلاة

وامّا الكلام في الموضع الثاني : أي المحمول المردّد ، أو ما في حكمه من الرطوبات المردّدة المشتبهة في الثوب ، أو البدن ، أو الشعرات المردّدة الملقات على الثوب ، فقد عرفت الاشارة إلى كون حمل غير المأكول مما اختلفت فيه كلمات الاصحاب ، بعد اتفاقهم على البطلان في باب اللباس ، من جهة دلالة جملة من الأخبار على الصحة وان عارضها موثّقة عبد الله بن بكير ، وقد اخترنا في سالف الزمان الصحة في المسألة وفي كلام بعض والمحكي ، عن اخر التفصيل بين ما كان ملصقاً بالبدن ، أو اللباس كالرّطوبات والفضلات ، وما كان من قبيل المحمول سيما بعض اقسامه ، نظراً إلى عدم صراحة الموثّقة فيه وعدم ظهورها أيضاً ، نظراً إلى عدم ظهور الظرفية فيه ولو توسّعا ، كما في الرطوبات والفضلات ، إلَّا أنّ الكلام في المقام ، بعد البناء على البطلان في المعلوم وكونه ملحقاً باللباس كما هو ظاهر الاكثرين.

وحاصل القول فيه : أنّ ظاهر غير واحد وصريح شيخنا الاستاد العلّامة قدس‌سره ، في الرسالة العمليّة ، الحكم بالصحة ، والفرق بينه وبين الناسي المردّد ؛ نظراً إلى جريان الاصل الموضوعي فيه لا في اللباس ، أو في الحمل ، وهذا الاصل وارد على اصالة الاشتغال التي هي الاصل الاوّلي في المسألة ، من غير فرق بين اللباس المحمول ، على القول بالحاق غير المأكول منه باللباس ، كما هو المفروض ، وصريح غير واحد ، وظاهر جمع ، الحاقة باللباس المردّد ؛ نظراً إلى ما عرفت في اللباس وهذا هو الأوجه ؛ لأنّ الاصل الموضوعي بكلا تقريريه على تقدير الجريان ، وإن كان وارداً على اصالة الاشتغال كما ذكر ، إلَّا أنّ الكلام في جريانه ؛ نظراً إلى أنّه بعد إلحاق المحمول وما في

١٦٩

حكمه باللباس ، لا بدّ من اثبات كونه من المأكول ؛ حتّى يصدق بمقتضى الموثقة وقوع الصلاة فيه ، كما هو مبنى الالحاق ، والاصل المذكور سواء جرى في البدن ، أو اللباس ، أو في عنوان عدم الحمل ، أو التلبس ، لا يثبت حال المحمول ولا ينفيها ، إلّا على القول بالاصول المثبتة المنفية عندنا وعند شيخنا الاستاد العلّامة قدس‌سره وجمع ممن قال باعتبار الاستصحاب ، من باب الاخبار ، والمفروض عدم جريان الاصل في نفس المحمول المردّد والرطوبة المردّدة ؛ لعدم حالة سابقة لهما كما هو الشأن في اللباس المردّد أيضاً ، فلعلّ نظر شيخنا قدس‌سره إلى كون الواسطة في المقام من الوسائط الخفيّة الغير قادحة ، في التمسّك بالاصل ، ولا يخلو نظره ، عن نظر.

نعم لو كان التردّد والشكّ ، في أصل الحمل ولصوق الرطوبة بالبدن واللباس ، تعين الرجوع إلى الاصل ، ولا محذور فيه أصلاً ، كما لا يخفى هذا بعض الكلام في أصل المسألة.

فروع المسألة :

وهنا فروع ينبغى التعرض لها :

الاول : لو كان الحيوان المأخوذ منه اللباس معيناً

الأوّل : إنك قد عرفت ، أنّ محلّ الكلام في المسألة ، فيما إذا كان اللباس ، أو المحمول مردّداً بين كونه من المأكول المحقق ، أو غيره كذلك ، كاللباس الذي لا يعلم كونه من وبر الارانب مثلاً ، أو الغنم ، وامّا إذا كان هناك حيوان معين أخذ منه اللباس ، أو المحمول وشكّ في كونه مأكول اللّحم ، أو غير مأكول اللّحم ، مع العلم بقبوله للتذكية ؛ فإن كان الشكّ فيه من حيث الشبهة الحكميّة ، بأن كان الشكّ في التحليل والتحريم ، في نوعه ، ففيه الخلاف بين المجتهدين والإخباريين بحسب الاصل الاولي ، وإن أمكن القول فيه بالحليّة بحسب الدليل الاجتهادي ، بالنظر إلى جملة من الآيات والأخبار ، كما أنه قد يقال ، بل قيل : بالحرمة من جهة الدليل ، وإن كان مقتضى الاصل الحليّة ،

١٧٠

فعلى كل قول يخرج عن محلّ البحث كما هو ظاهر ؛ لأنّ الشك في صحّة الصلاة في أجزائه مسبّب ، عن الشك في حليّة لحمه وحرمته ، فعلى كل قول ، يرتفع الشكّ المزبور ، وان كان من حيث الشبهة في الموضوع الخارجي مع العلم بحكم النوع ، فيرجع فيها إلى أصالة الحليّة بالاتفاق من المجتهدين والإخباريين ، فتكون مانعة عن الرجوع إلى اصالة الاشتغال ، كما في الشبهة الحكميّة ؛ لورودها عليها وان كانت أصلاً حكميّاً ؛ لما قد عرفت من قضيّة السّببية والمسبّبية ، ومن هنا قد حكمنا في مطاوي المسألة بخروج الشكّ المزبور عن محلّ الكلام.

وممّا ذكرنا يظهر توجّه المناقشة إلى ما افاده في شرح الارشاد ، من أن الحكم بتحريم الحيوان ، مع عدم العلم بالواقع ، لا يثبت إلّا تحريم لحمه ؛ فلا يحكم ببطلان الصلاة فيه بقوله المتقدم ذكره ، ولا يضر حكمهم ، بأن الحيوان ما لم يعلم انّه حلال الخ ؛ ضرورة أن المنع يترتّب على تحريم اللّحم ، فاذا حكم بحرمته ولو من جهة الاصل والقاعدة ، حكم ببطلان الصلاة فيه.

الثاني : موضوع المسألة : هو لو علم كونه من الحيوان مع تردد امره

الثاني : إنّ صور الدّوران في اللباس كثيرة ، فانّه قد يعلم كونه من الحيوان مع تردّد امره وقد لا يعلم بحقيقته وأنّه من الحيوان ، أو القتن ، أو الحيوان ، أو النبات ، وقد يعلم بكونه من الحيوان ، لكن يحتمل الخلط من الحيوان الذي لا يجوز الصلاة في اجزائه ، والمتيقّن من موضوع المسألة هو الاوّل ، وامّا الثاني فضلاً ، عن الثالث فيمكن القول فيه : بالجواز ، نظراً إلى الرجوع إلى الاصل الموضوعي ؛ لأنّ صنعه من الحيوان ، مشكوك فيدفع بالاصل ، ولا يريد به إثبات كونه من غير الحيوان حتى يعارض بالمثل ، مضافاً إلى كونه أصلاً مثبتاً ، وهذا نظير الرجوع إلى الاصل في كلّ حادث معلوم اجمالاً تردّد امره بين حادثين ، يترتّب الاثر الشّرعي على عدم أحدهما بالخصوص دون الاخر.

١٧١

ومن هنا يرجع إلى الاصل في النسب في باب الميراث والخمس وغيرهما من الابواب. هذا ، وقد اسمعناك ما عندنا في القسم الثالث ، عند الكلام في أصل المسألة ؛ لكنّ الانصاف عدم خلوّ المذكور ، عن الاشكال ، لا من جهة ما ذكر ، في حكم الحادث المردّد ، فانّه ليس من محلّ الاشكال في شيء ، بل من جهة الاشكال ، في كون الفرض من مصاديقه وجزئيّاته ، كما في باب النسب ، فانّه لا اشكال فيه أصلاً ومن هنا اتفقوا على أنّ السّيادة على خلاف الأصل فافهم واغتنم.

وممّا يتفرع على هذا الفرع ، جواز الصلاة مع حمل الساعة مع العلم بتدهينه بدهن مردّد بين كونه من الحيوان ، أو غيره كدهن الزيت مثلاً ، ومن الحيوان مردّد بين المأكول وغيره ، والماكول مردد بين المذكّى وغيره ، لا اشكال في الحكم بطهارته والحال هذه ، انّما الكلام في جواز الصلاة معه ؛ فانّ الاصل وإن كان مقتضاه ، عدم وجود جزء الحيوان فيها ، إلَّا أنّ إثبات كون ما فيها من غير الحيوان بالأصل المذكور كما ترى.

الثالث : لو صلى ثم علم كونه مما لا تجوز الصلاة فيه

الثّالث : إنّا ذكرنا في مطاوي كلماتنا ، أنه بعد البناء على لزوم إحراز حال اللباس وعدم جواز الصلاة قبله ، لو التفت إلى حاله وصلى ، حكم ببطلان صلاته. ولو انكشف كونه ممّا يجوز الصلاة فيه بعد الصلاة ؛ لعدم تأتّي قصد القربة منه حال الالتفات.

نعم من زعم إمكان قصد التقرب بالامتثال الاحتمالي ، لزمه الحكم بصحّة العمل بعد تبين وقوع الصلاة في المأكول ، لكنّا أوضحنا فساده بما لا مزيد عليه في محلّه ، فلعلّ اطلاق قولهم ، بوجوب الاعادة منزّل على ذلك وإن احتمل كون المراد عدم الاكتفاء مع الشك فتدبّر.

١٧٢

الرابع : حكم الغافل وصورها

الرابع : إنه لو غفل وصلى ، فهل يحكم بالصحة أو بالبطلان؟ ولمّا كان للفرع صور كثيرة ، فلا بد أوّلاً من تصويرها ثم بيان حكمها ، فانّ الحكم يختلف فيها ، فانّه : إما أن يغفل عن كون لباسه من أجزاء الحيوان سواء لم يلتفت اليه أصلاً ، أو التفت وعرضت له الغفلة ، ثم يلتفت بعد العمل ويشكّ.

وامّا أن يلتفت اليه ولكن لا يلتفت إلى حاله من حيث كونه من أيّ حيوان ، أو يلتفت ويحصل له الجزم بكونه من المأكول ويعرض له الشك ، في الصّورتين بعد العمل ، في حال ما صلّى فيه.

وامّا ان يلتفت اليه ويعرض له الشك والتردّد في حاله ثمّ يغفل عن حاله ويصليّ ، ثم يلتفت بعد الصلاة أنه صلى في المشكوك.

إمّا الصّورتان الأوليتان ، فيمكن الحكم فيهما ، بالصحة نظراً إلى قاعدة الشك بعد العمل ، كما هو الشأن في الشكّ في جميع الشرائط إذا حدث بعد العمل ، كالشكّ في الحدث بعد الصلاة فيما كان معتقداً بالطهارة وعرض له الشك السّاري ، أو غافلاً عن حاله بعد الحدث اليقيني ، ثم عرض له الشكّ بعد الصلاة ، هذا إذا لم يحكم بالصحة في الصورة الثالثة ، وإلّا فهما أولى بالحكم بالصحة.

هذا وامّا الصورة الثالثة فالحكم فيها ، بالنظر إلى قاعدة الشك بعد العمل ، لا يخلو من اشكال من أنّ الشكّ المفروض ، كان حاصلاً قبل العمل حقيقة وقد حكمنا فيه بالبطلان ، وعلم انّه لم يحصل بعده ما يوجب احراز الشرط ، ومن أن الحكم فيه بالبطلان لم يكن من جهة البناء شرعاً على عدم الشرط ، كما إذا كان مستصحِب الحدث قبل العمل وغفل وصلّى ، ثم التفت وشكّ ، بل من جهة احتمال عدم الشرط ، نظراً إلى حكم العقل من جهة قاعدة الاشتغال ، كما إذا حكم بوجوب الطهارة قبل الصلاة لا من جهة استصحاب الحدث ، بل من جهة قاعدة الاشتغال ، فيما لم يكن

١٧٣

مسبوقاً بالحدث ، وبالجملة الحكم بجريان القاعدة في أمثال الشك في المقام ، مع ما يستفاد من قوله ، في أخبار الشكّ في باب الوضوء على سبيل الضابطة «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ ، من اختصاص القاعدة ، بما يحتمل فيه احراز الواقع حال العمل اختياراً إلّا بحسب الاتفاق بحيث يكون هناك اختلاف بين الحالتين في كمال الاشكال.

نعم هنا وجه اخر يمكن الحكم بالصحّة بملاحظة ، في الصورة الثالثة فضلاً عن الاوليين ، وهو أنّ مقتضى قوله ، في الصحيحة الواردة في باب الخلل «لا تعاد الصّلاة إلَّا من خمسة ، الطّهور ، والوقت ، والقبلة ، والرّكوع ، والسّجود» أنه لو صلّى غفلة ، أو ناسياً في غير المأكول حكم بصحة صلاته ، كما اختاره شيخنا قدس‌سره وفاقاً لجمع ، خلافاً لصريح كاشف الغطاء (١) وآخرين لأنّه داخل في المستثنى منه ، والمقام اولى بالصحة قطعاً ؛ لأنّ المفروض فيه وقوع الشكّ بعد العمل لا القطع بوقوعه في غير المأكول ، وهذا جار في كل شرط داخل في المستثنى منه ، سواء كان من شرائط اللباس ، أو غيره فانّ الحكم في جميعها واحد ، فاذا حكم بالصحة فيها مع نسيان الشرط فيحكم بها مع الشكّ الحاصل بعد العمل بطريق اولى ، فافهم والفرع غير محرّر ، بل ولا مذكور في كلماتهم ، فراجع إليها.

الخامس : حكم العلم بعد إيتاء الصلاة

الخامس : إنه على تقدير البناء على الصحة ، فيما لو كان غافلاً قبل العمل وحصل له الالتفات بعد العمل في الصور المذكورة ، أو بعضها ، لو حصل له الالتفات في الاثناء وتمكّن من نزع الثوب المشتبه ، أو طرح المحمول من دون مناف للصلاة فنزعه ، أو طرحه قبل الاشتغال بفعل من افعال الصلاة ، حكم بصحة الصلاة ، كما هو الشأن في مسألة نسيان الشرائط الداخلة في المستثنى منه ؛ لأنّها شروط لأفعال الصلاة لا

__________________

(١) كشف الغطاء ٣ : ٢٩ ٣٠.

١٧٤

لأكوانها.

نعم لو لم يتمكن ، إلّا بقطع الصلاة ، وايجاد المنافي ، فيجب عليه القطع مع سعة الوقت ، والاتمام ، والقضاء احتياطاً مع ضيقه ، كما ستعرفه.

السادس : لو علم بأن أحد هذين مما لا تجوز الصلاة فيه

السّادس : لو كان له ثوبان فعلم بكون احدهما من المأكول والآخر من غيره ، ولم يتمكن من التمييز ، ولم يكن له ثوب معلوم الحال ، فيجب عليه الاحتياط بتكرار الصلاة تحصيلاً للبراءة اليقينيّة ، إذ ليست الحرمة في المقام ذاتيّة ، كما في المغصوب والحرير على ما اسمعناك مراراً ، حتى يمنع من الاحتياط ، ويتعيّن عليه الصلاة عرياناً ، سيما في المغصوب في الشبهة المحصورة ، وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلاً.

السابع : لو كان المصلي لا يملك إلَّا ثوب واحد

السّابع : لو كان له ثوب واحد ، مردّد ولم يتمكّن من غيره ؛ فيجب عليه الاحتياط بفعل صلاتين مع الثوب المذكور ، وبدونه عارياً تحصيلاً للبراءة اليقينيّة.

نعم لو لم يتمكّن من نزع الثوب لبرد ، أو مرض ، أو ناظر فيما لو كان المكلّف امرأة ، فهل يجب عليه الجمع بين الصلاة اداءاً مع اللباس المردّد ، والقضاء عند تمكّنه من الثوب المعلوم ، أو يجوز له الاقتصار على الصلاة اداءاً؟ وجهان : أوجههما الأوّل ، عملاً باصالة عدم فعل الصلاة في الوقت ، بعد عدم جريان قاعدة الشكّ ، بعد خروج الوقت.

وتوهّم كونه من الاصول المثبتة ، من حيث كون وجوب القضاء مترتّباً على الفوت الغير الثابت بالاصل.

قد أوضحنا فساده في محلّه بما لا مزيد عليه ، وهذا الفرض خارج عن محلّ الكلام ، ومما ذكرنا يظهر توجّه المناقشة ، إلى ما افاده المحقّق القمّي في طيّ كلامه المتقدّم

١٧٥

ذكره ، من الايراد على التمسك بقاعدة الاشتغال في المقام ، بوجوب الجمع في الفرض المذكور بين الصلاة في اللباس المردّد والصلوة عرياناً.

الثامن : كفاية الظن بأنه من المأكول

الثّامن : لو حصل له الظنّ بكون اللباس ، أو المحمول من المأكول بالفحص ، أو السؤال ، أو غيره ، فهل يكتفي به ويكون حجّة مطلقاً ، أو لا يكتفي به مطلقاً ، أو يفصّل بين الظنّ الاطميناني وغيره ، فلا يكتفي به؟ وجوه ، بل قيل : أقوال.

ظاهر الأردبيلي قدس‌سره فيما تقدّم من كلامه ، الاول ، واستشكاله في الاكتفاء بالظّنّ إنّما هو لقلّة حصوله لأكثر الناس لا لعدم حجّيّته.

وربما يستظهر من الاكثرين الوجه الثاني ، نظراً إلى قضيّة اطلاق قولهم ، بعدم حجيّة الظن في الموضوعات إلّا ما خرج ، وصريح بعض الاعلام من سادة من عاصرناه وحضرنا معه عند شيخنا قدس‌سره ، الذي قد سبق ذكره في أوّل المسألة ، التفصيل ، في بعض اجوبة مسائله ، في زمان كان رأيه بطلان الصلاة في المشكوك ، وإن عدل عنه بعده في قرب سنتين بارتحاله ، وهو لازم الشيخ الفقيه الاعلم في عصره في الجواهر ، حيث ألحق الظنّ الاطميناني بالعلم مطلقاً ، بل جعله من افراده في بعض كلماته.

والذي يقتضيه التحقيق في المقام بالنظر إلى الاصول والقواعد ، عدم كفاية الظنّ مطلقاً.

نعم لو جرت شبهة دليل الانسداد في المسألة على وجه احتيج إلى العمل بالظنّ ، وكان الاحتياط حرجيّاً ، كما ادعى ، تعيّن العمل بالظن الاطميناني ، فان كفى في رفع الحرج اقتصر عليه وإلّا يتعدّى منه إلى مطلق الظن ، كما هو الشأن في كلّ مورد يتمسّك فيه بالدليل المذكور.

التاسع : شمول البحث لكل شرط واقعي في الصلاة

التاسع : إن ما ذكرنا من الكلام في المقام ، يجري في كلّ شرط واقعيّ للصلاة على ما

١٧٦

اشرنا اليه في مطاوي ما قدّمناه لك. فاذا شكّ في شيء منها ولم يكن هناك اصل موضوعيّ ، ولا امارة معتبرة على وجود الشرط ، يلزم فيه الاحتياط لا ما إذا كان شرطاً للامتثال ، كما في اباحة المكان ، فلو ثبت اعتبار شيء في ماهية الصلاة بالخطاب الوضعي ، أو ما يرجع اليه وكان اصل فعله حراماً نفسيّاً ، لم يقبل لاستفادة الشرطيّة منه. نظراً إلى عدم اتحاده مع المأمور به كلبس الحرير للرجال ولبس الذهب لهم ، وشكّ في لباس ، من حيث كونه حريراً محضاً أو ذهباً ، لم يكن هناك اشكال ، بل خلاف ، في الرجوع إلى اصالة الاباحة والبراءة بالنسبة إلى حرمته النفسيّة ، حتى من الاخباريّين نظراً إلى كونه شبهة في الموضوع ، فهل يحكم بجواز الصلاة وصحتها ، فيه نظر ، من حيث أن الوضع فيه ليس تابعاً للتّكليف النفسيّ والاصل المذكور إنّما ينفع بالنسبة اليه لا بالنسبة إلى الوضع ولذا بنبينا على جريان اصالة الاشتغال ، ومن حيث أن الوضع فيه وإن لم يكن تابعاً إلَّا إنّ الظّاهر ثبوت التلازم بينهما ، ومن هنا حكموا بصحّة الصلاة في الحرير والذهب ، فيما حكموا بجواز لبسهما ، لضرورة كبرد ونحوه ، أو في الحرب.

اللهمّ إلَّا أن يقال إنّ التّلازم بحسب الواقع ولو كان بين حكمين شرعيّين ، لا يفيد في مرحلة الظاهر ، إلَّا إذا كان أحدهما موضوعاً للاخر ، فإن ثبت أن منع الحرير والذهب من الصلاة إنّما هو فيما كان محرّماً بحيث يكون موضوع الشّرط اللبس المحرّم من حيث حرمته ، كان الحكم باباحة اللبس في مرحلة الظاهر مفيداً ، وإلّا فلا والمسألة لا تخلو عن تأمّل وإن كان الاقوى الحكم بجواز الصلاة.

العاشر : حكم اخبار الفقيه بالموضوعات الخارجية

العاشر : إنه لا اشكال ، بل لا خلاف في أنّ إخبار الفقيه ، عن الموضوع الخارجي كإخباره بأن اللباس الفلاني من المأكول مثلاً ، لا عبرة به ، إلَّا من حيث الشهادة فإنه يساوي غيره ، إلّا بالنسبة إلى موضوع لا يعلم به إلّا من جهة الشّرع كالمسوخات.

١٧٧

نعم حكمه بالموضوع يتبع إذا كان في محلّ الخصومة بلا خلاف ، وإذا لم يكن في محلّ الخصومة ، بل كان حكما ابتدائياً ، ففيه الخلاف في باب القضاء كإخباره بالموضوع المستنبط ؛ فإنّه معتبر أيضاً بلا خلاف ؛ فإنّه راجع حقيقة إلى بيان الحكم الشّرعي ، فإذا اخبر بأنّ الصلاة في غير المأكول مثلاً ، يشمل الصلاة مع حمله في الصلاة فيلزم متابعته فانه يرجع إلى الإخبار ، عن الحكم ومراد الشّارع كالإخبار عن موضوع الغناء والاناء ونحوهما.

فعلى ما ذكرنا ، لو اخبر الفقيه ، بأنّ الصدف من النّبات لا من الحيوان فيكون اعتبار خبره من باب الشهادة لا الفتوى ، وهكذا ، بل ربما يقال : بعدم حجيّة خبره من جهة عدم كونه من اهل الخبرة فتدبّر.

الحادى عشر : إنّه كما لا اشكال بل لا خلاف ظاهراً في عدم الفرق في بطلان الصلاة فيما لا يؤكل بين السّاتر وغيره وإن توهّم الخلاف ، كذلك لا فرق في المشكوك منعاً وجوازاً بين السّاتر منه وغيره ، ولكن يظهر لك ممّا عرفت : كون غير السّاتر اولى بالجواز ، فلو كان الوجه ، غموض المنع في المعلوم من غير السّاتر ، فله وجه وإن لم يكن وجيهاً ؛ لان الكلام في المقام بعد المنع في المعلوم ، وإلّا فلا وجه له أصلاً كما لا يخفى.

هذا آخر ما اردنا ايراده في سلك التّحرير والحمد لله أوّلاً وآخراً والصلوة والسّلام على نبيّه وآله دائماً سرمداً.

وقد وقع الفراغ منه في العشر الاوّل من محرّم الحرام سنة ثلاث عشر بعد ثلاثمائة وألف من الهجرة ، مع هجوم الاحزان ، وتراكم الهموم ، وتزارف العيون بالعبرة ، على ما اصاب سيّد شباب أهل الجنّة وأهله صلوات الله عليهم ، من الكفرة الفجرة اللّئام ، وكان زمان الاشتغال بتحريره خمسة ايّام ، والمرجوّ من اخوان أهل العلم الاغماض عما صدر عنّي من الخطاء لأنّي قد عملت المسألة في تلك الحالة مع ما بي من القصور ، سيما في زمان قلّ العلم فيه قدراً وكان كثير من أهله من أهل البدع والضّلالة ، يرمون

١٧٨

أهل الشرع بما يجرّهم إلى نار جهنّم ولا يزيدهم إلّا كفراً وطغياناً وإن كان للبيت رب وللشّرع أهل وصاحب ، ويد الله فوق أيديهم ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين وهو المنتقم الكافي وعليه التكلان وحسبنا ونعم الوكيل.

كتبه بيمناه الداثره العبد المستضيء من أنوار العلماء والمحدثين واقلّ الطّلاب والمحصّلين محمّد بن أحمد الخوانساري عفى عنهما وقابلته مرة بحسب ما بلغ اليه جهدي امتثالاً لأمر المولى الجليل والعالم الكامل النبيل الذي انتهى اليه الرئاسة لكافّة العلماء في عصره اعلم العلماء والمجتهدين وافقه الفقهاء والمحققين حجة الإسلام والمسلمين الحاج ميرزا حسن الآشتياني متع الله المسلمين بطول بقائه في شهر صفر المظفّر من سنة ١٣١٣ في الهجرة.

١٧٩
١٨٠