نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

١
٢

٣
٤

دحض القدح في سند حديث الثقلين

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

٧
٨

وبعد أن اطلعت على رواية أعلام الحديث لحديث الثقلين ، فلا بد من ذكر كلام من قدح وطعن فيه ، من بعض أسلاف العامة المتعصبين ، وبيان وهنه وسقوطه. وبالله التوفيق :

*(١)*

قدح البخاري

قال البخاري في ( التاريخ الصغير ) ما نصه : « قال أحمد في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « تركت فيكم الثقلين » : أحاديث الكوفيين هذه مناكير » (١).

الجواب :

ان هذا الكلام غريب جدا ، إذ قد ثبت فيما تقدم بحيث لا يشك

__________________

(١) التاريخ الصغير ١ / ٣٠٢.

٩

المتتبع فيه : أن أحمد قد روى هذا الحديث بطرق عديدة وأسانيد سديدة ، وروايات متكثرة في ( المسند ) عن زيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري.

فنسبة الجرح في هذا الحديث الى الامام أحمد غريبة جدا ، ولا يمكن توجيهها أو تأويلها بنحو من الأنحاء ، ورواية أحمد للحديث في ( المسند ) أكبر حجة على بطلان هذه الشبهة ، إذ لا يصح روايته إياه فيه مع إنكاره له ، لأنه يستلزم التدليس والتلبيس ، مع العلم بأنه يحتاط في رواياته ولا سيما في ( مسنده ) ، فقد قال قاضي القضاة تاج الدين السبكي بترجمة أحمد :

« قلت : وألف مسنده ، وهو أصل من أصول هذه الامة ، قال الامام الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني رحمه‌الله : هذا الكتاب ـ يعني مسند الامام أبى عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني قدس الله روحه ـ أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ، انتقي من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة فجعل اماما ومعتمدا ، وعند التنازع ملجأ ومستندا ، على ما أخبرنا والدي وغيره أن المبارك بن عبد الجبار أبا الحسين كتب إليهما من بغداد قال : انا أبو إسحاق ابراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قراءة عليه ، انا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن عمر بن بطة قراءة عليه ، ثنا أبو حفص عمير [ عمر ] بن محمد بن رجا ، ثنا موسى بن حمدون البزاز ، قال : قال لنا حنبل بن إسحاق : جمعنا عمي ـ يعني الامام أحمد ـ لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند ، وما سمعه معنا ـ يعنى تاما ـ غيرنا ، وقال لنا :

ان هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا اليه ، فان كان فيه والا ليس بحجة.

وقال عبد الله بن احمد رحمه‌الله : كتب ابى عشرة ألف ألف حديث ، لم يكتب سوادا في بياض الا حفظه.

وقال عبد الله أيضا : قلت لابي : لم كرهت وضع الكتب وقد عملت

١٠

المسند؟ فقال : عملت هذا الكتاب اماما إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجع اليه.

وقال أيضا : خرج أبي المسند من سبعمائة ألف حديث.

قال أبو موسى المديني : ولم يخرج الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته. ثم ذكر بإسناده الى عبد الله بن الامام أحمد رحمه‌الله قال : سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان قال : لم أخرج عنه في المسند شيئا ، لما حدث بحديث المواقيت تركته.

قال أبو موسى : فأما عدد أحاديث المسند فلم أزل أسمع من أفواه الناس أنها أربعون ألفا ، الى أن قرأت على أبي منصور بن زريق ببغداد قال : أنا أبو بكر الخطيب ، قال قال ابن المنادي : لم يكن في الدنيا أحمد أروى عن أبيه منه ـ يعني عبد الله بن الامام أحمد بن حنبل ـ لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفا. والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفا ، سمع منها ثلاثين ألفا والباقي وجادة. فلا أدري هذا الذي ذكر ابن المنادي أراد به مالا مكرر فيه أو أراد غيره مع المكرر ، فيصح القولان جميعا ، والاعتماد على قول ابن المنادي دون غيره.

قال : ولو وجدنا فراغا لعددناه إن شاء الله تعالى. فأما عدد الصحابة رضي الله عنهم فنحو من سبعمائة رجل.

قال أبو موسى : ومن الدليل على أن ما أودعه الامام أحمد رحمه‌الله مسنده قد احتاط فيه اسنادا ومتنا ، ولم يورد فيه الا ما صح سنده ، ما أخبرناه [ به ] أبو علي الحداد ، قال أنا أبو نعيم [ و ] أنا ابن الحصين [ و ] أنا ابن المذهب ، قال أنا القطيعي ، ثنا عبد الله ، قال حدثني أبي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن أبى التياح ، قال : سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش. قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم. قال عبد الله : قال أبي في مرضه الذي مات فيه : اضرب على هذا الحديث ، فانه خلاف الأحاديث عن النبي

١١

صلّى الله عليه وسلّم. يعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم : اسمعوا وأطيعوا. وهذا مع ثقة رجال اسناده حين شذ لفظه مع الأحاديث المشاهير امر بالضرب عليه فكان دليلا على ما قلناه » (١).

فإذا كان ( مسند ) أحمد بهذه المثابة من الدقة ، وكانت أسانيده صحيحة ، وقد احتاط فيه الاحتياط التام ، وجعله المرجع عند الاختلاف ، كيف يدخل فيه حديث الثقلين ، ويرويه فيه بأكثر من لفظ وطريق ، وهو يعتقد بأنه منكر من الأحاديث المناكير؟!

وقال عمر بن محمد عارف النهرواني المدني في ( مناقب ) أحمد بن حنبل : « قال ابن عساكر : أما بعد ، فان حديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم به يعرف سبل السلام والهدى ، ويبنى عليه أكثر الاحكام ، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام. وقد دوّن جماعة من الأئمة ما وقع إليهم من حديثه ، وكان أكبر الكتب التي جمعت فيه هو المسند العظيم الشأن والقدر ( مسند ) الامام أحمد ، وهو كتاب نفيس يرغب في سماعه وتحصيله ويرحل اليه ، إذ كان مصنفه الامام أحمد المقدم في معرفة هذا الشأن ، والكتاب كبير القدر والحجم ، مشهور عند أرباب العلم ، يبلغ أحاديثه ثلاثين ألف سوى المعاد ، وسوى ما ألحق به ابنه عبد الله من أعالي الاسناد ، وكان مقصود الإمام في جمعه أن يرجع اليه في اعتبار من بلغه أو رواه ... »

فكيف يدخل الامام أحمد في هكذا كتاب ـ موصوف بهذه الصفات ـ حديثا منكرا مع علمه بكونه منكرا من الأحاديث المناكير؟ *[ ذلك ظن الذين لا يوقنون ]*.

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اسماء رجال المشكاة ) بترجمة أحمد : « ومسند الامام أحمد معروف بين الناس ، جمع فيه أكثر من ثلاثين

__________________

(١) طبقات الشافعية ٢ / ٣١ ـ ٣٣.

١٢

ألف حديث ، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب ».

وقال الشيخ ولي الله الدهلوي : « الطبقة الثانية : كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها ، كان مصنفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحر في فنون الحديث ، ولم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم ، فتلقاها من بعدهم بالقبول ، واعتنى بها المحدثون والفقهاء طبقة بعد طبقة ، واشتهرت فيما بين الناس ، وتعلق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها ، وعلى تلك الأحاديث بناء عامة العلوم ، كسنن أبي داود ، وجامع الترمذي ، ومجتبى النسائي ، وهذه الكتب مع الطبقة الاولى اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصحاح وابن الأثير في جامع الأصول.

وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة ، فان الامام أحمد جعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم ، قال : ما ليس فيه فلا تقبلوه » (١).

فإذا كان احمد لا يتساهل في مسنده ، وكان كتابه هذا بهذه المثابة من القبول والشهرة والاعتبار ، كيف يعقل أن يتساهل أحمد ويخرج فيه حديثا منكرا مع علمه بكونه كذلك؟!

وقال ولي الله أيضا في ( الإنصاف ) : « وجعل ـ أي احمد ـ مسنده ميزانا يعرف به حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فما وجد فيه ولو بطريق واحد من طرقه فله أصل ، وما لا فلا أصل له ».

ولو صح كونه معتقدا بسقم حديث الثقلين ـ قد رواه في المسند الذي جعل ميزانا بين الصحيح والسقيم ـ فهو إذا كاذب مدلس.

وقال أبو مهدي الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) بترجمة أحمد نقلا عن ابن خلكان : « وألف مسنده وهو أصل من أصول هذه الامة ، جمع من الحديث ما لم يتفق لغيره ».

__________________

(١) حجة الله البالغة ١٣٤.

١٣

وقال فيه : « وله التصانيف الفائقة ، فمنها ( المسند ) ، وهو ثلاثون ألفا ، وبزيادة ابنه عبد الله أربعون ألف حديث ، وقال فيه ـ وقد جمع أولاده وقرأ عليهم هذا الكتاب ـ قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفا ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فارجعوا اليه ، فان وجدتموه والا ليس بحجة ».

وقال ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ) بترجمة أحمد ـ وقد ذكر مسنده وما تقدم نقله فيه ـ : « يقول راقم هذه الحروف : ان مراده الحديث الذي لم يبلغ درجة الشهرة أو التواتر المعنوي ، والا فان الأحاديث الصحيحة المشهورة التي لم تكن في المسند كثيرة ».

فقد نقل ( الدهلوي ) كلام أحمد لأولاده ، ثم خصص مراده بحسب فهمه ، فهل يبقى بعد ذلك مجال لتوجيه كلام البخاري؟!

وقال الحافظ الجلال السيوطي بشرح قول النووي « وأما مسند أحمد ابن حنبل وأبي داود الطيالسي وغيرهما من المسانيد ، فلا تلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها ، في الاحتجاج بها والركون الى ما فيها » قال :

« تنبيهات ـ الاول : اعترض على التمثيل بمسند أحمد بأنه شرط في مسنده الصحيح. قال العراقي : ولا نسلم ذلك ، والذي رواه عنه أبو موسى المديني أنه سئل عن حديث فقال : أنظروه فان كان في المسند والا فليس بحجة ، فهذا ليس بصريح في أن كل ما فيه حجة ، بل [ فيه أن ] ما ليس فيه ليس بحجة. قال : على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست فيه ، منها حديث عائشة في قصة أم زرع. قال : وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق ، بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء ، ولعبد الله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع انتهى.

وقد ألف شيخ الإسلام كتابا في ذلك أسماه ( القول المسدد في الذب عن المسند ) قال في خطبته : وقد ذكرت في هذه الأوراق ما حضرني من الكلام على الأحاديث التي زعم بعض أهل الحديث انها موضوعة وهي في

١٤

مسند أحمد ، ذبا عن هذا التصنيف العظيم الذي تلقته الامة بالقبول والتكريم ، وجعله امامهم حجة يرجع اليه ويعول عند الاختلاف عليه. ثم سرد الأحاديث التي جمعها العراقي وهي تسعة وأضاف إليها خمسة عشر حديثا أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه ، وأجاب عنها حديثا حديثا.

قلت : وقد فاته أحاديث أخر أوردها ابن الجوزي وهي فيه ، وجمعتها في جزء سميته الدليل [ الذيل ] الممهد مع الذب عنها ، وعدتها أربعة وعشرون حديثا » (١).

ولا أظن ـ بعد الاستماع الى هذه الكلمة القيمة ـ أن أحدا يقدم على جرح حديث الثقلين المروي في ( المسند ) لأحمد بن حنبل ، فكيف بنسبة القدح الى أحمد نفسه ، أو يقيم وزنا لنقل البخاري الذي لا شك في بطلانه.

ولو توقف أحد في ذلك فاننا ننقل هنا كلاما لتقي الدين ابن الصلاح يرفع الشك ويقطع الألسن ، وهذا نص كلامه الذي جاء في ( علوم الحديث ) :

« ثم ان الغريب ينقسم الى صحيح كالافراد المخرجة في الصحيح ، والى غير صحيح ، وذلك هو الغالب على الغرائب ، روينا عن أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه أنه قال غير مرّة : لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها من الضعفاء ».

فمن منع من كتابة المناكير فضلا عن العمل بها ، وحذّر من نقلها فضلا عن الاستناد إليها ، لا ينقل حديثا مع علمه بكونه منكرا ، ولا يجوز أن يخرجه في ( المسند ) العظيم ، وكتاب ( مناقب أمير المؤمنين ) ، والاّ لتوجّه اليه الذم والتأليف واللوم والتوبيخ ، وقد قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) وقال : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ).

__________________

(١) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوى ١ / ١٧١ ـ ١٧٢.

١٥

وعلى الجملة : فقد ظهر لكل ذي تتبع وفطنة أن نسبة كون حديث الثقلين من الأحاديث المناكير الى الامام أحمد بن حنبل كذب منكر وبهتان عظيم ... والله الموفق والمستعان.

١٦

*(٢)*

قدح ابن الجوزي

قال ابن الجوزي في كتابه ( العلل المتناهية ) ما نصه : « حديث في الوصية لعترته : أنبأنا عبد الوهاب الانماطي ، قال أخبرنا محمد بن المظفر ، قال نا أحمد بن محمد العتيقي ، قال حدثنا يوسف بن الدخيل ، قال حدثنا أبو جعفر العقيلي ، قال نا أحمد بن يحيى الحلواني ، قال نا عبد الله بن داهر ، قال نا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي ، وأنهما لن يفترقا جميعا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

قال المصنف : هذا حديث لا يصح ، أما عطية فقد ضعفه أحمد ويحيى وغيرهما ، وأما ابن عبد القدوس فقال يحيى ليس بشيء رافضي خبيث ، وأما عبد الله بن داهر فقال أحمد ويحيى ليس بشيء ، ما يكتب منه انسان فيه

١٧

خير » (١).

الجواب :

يظهر فساد هذا الكلام وشناعته ، وبطلان هذا الزعم وفظاعته ، بوجوه عديدة وبراهين سديدة :

١ ـ الحديث في صحيح مسلم

ان هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم بطرق عديدة ، وغير خفي أن وجود حديث ـ ولو بطريق واحد ـ في هذا الصحيح يدل على صحته عند مسلم فكيف لو كان بطرق عديدة؟

٢ ـ تصريح مسلم بصحة ما أخرجه اجماعا

لقد صرح مسلم بأن جميع ما في صحيحه مجمع على صحته فضلا عن كونه صحيحا عنده ـ كما قال الحافظ السيوطي « قال مسلم : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا ، وانما وضعت ما أجمعوا عليه » (٢).

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اسماء رجال المشكاة ) بترجمة مسلم بن الحجاج : « وقال في كتابه : أوردت في هذا الكتاب ما صحّ وأجمع عليه العلماء ».

وعلى هذا ، فإدخال مسلم حديث الثقلين في صحيحه دليل واضح على اجماع العلماء على صحته ، فالقول بعدمها معارضة صريحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، واتباع لسبيل غير المؤمنين.

وقد صرّح ولي الله الدهلوي بأن أهل الحديث مجمعون على صحة

__________________

(١) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ١ / ٢٦٨.

(٢) تدريب الراوي ١ / ٩٨.

١٨

صحيح مسلم حيث قال عند الكلام على آية التطهير : « وقال قوم انه لم تقع قصة دعائه صلّى الله عليه وسلّم للمرتضى والزهراء والحسنين رضي الله عنهم وهذا أيضا كذب ، لان الحديث مذكور في ( صحيح ) مسلم ، وأهل الحديث مجمعون على صحته » (١).

هذا ، وقد فصلنا الكلام في مجلد ( حديث المنزلة ) على روايات الصحيحين ، وذكرنا هناك قطع ابن الصلاح ، وأبي إسحاق ، وأبي حامد الأسفراييني ، والقاضي ابى الطيب ، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وأبي عبد الله الحميدي ، وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق ، والسرخسي الحنفي ، والقاضي عبد الوهاب المالكي ، وأبي يعلى الحنبلي ، وابن الزاغوني الحنبلي ، وابن فورك ، وأكثر أهل الكلام الاشاعرة ، وأهل الحديث قاطبة ، على صحة أحاديث ( صحيح ) البخاري و ( صحيح ) مسلم ، وأنه مذهب السلف من أهل السنة ، ومحمد بن طاهر المقدسي.

بل ذكرنا هناك قولهم بصحة ما كان على شرطهما فضلا عن أحاديثهما ، وأنه قال به البلقيني شيخ العسقلاني ، وابن تيمية ، وابن كثير ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي ، والكوراني ، والكردي ، والنخلي ، والشيخ عبد الحق الدهلوي ، وولي الله الدهلوي.

ولما كان حديث الثقلين موجودا في ( صحيح ) مسلم ، فان معنى ذلك أن جميع هؤلاء وغيرهم قائلون بصحته. وبعد درك هذا المعنى والوقوف على هذه الحقيقة لا يبقى ريب في بطلان ما ادعاه ابن الجوزي.

بل لقد نص الطيبي على أن الإجماع على صحة روايات الصحاح قائم بين الشرق والغرب ، وهذا نص كلامه : « فان قلت ما وثوقك أنك على الصراط المستقيم ، فان كل فرقة تدعي أنها عليه؟ قلت : بالنقل عن الثقات المحدثين الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أموره صلّى الله عليه وسلّم ، وأحواله

__________________

(١) قرة العينين ١١٩.

١٩

وأفعاله وفي أحوال الصحابة ، مثل ( الصحاح السنة ) التي اتفق الشرق والغرب على صحتها ، وشراحها كالخطابي والبغوي والنووي اتفقوا عليه ، فبعد ملاحظته ينظر من الذي تمسك بهديهم واقتفى أثرهم » (١).

وهذا المقدار كاف لاثبات فساد ما زعمه ابن الجوزي.

٣ ـ رأى ابى على في صحيح مسلم

قال أبو مهدي الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) بترجمة مسلم : « وكان الحافظ أبو علي النيسابوري يقدم صحيحه على سائر التصانيف وقال : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم. واليه جنح بعض المغاربة ، ومستندهم أنه شرط ألا يكتب في صحيحه الاّ ما رواه تابعيان ثقتان عن صحابيين ، وكذا وقع في تبع التابعين وسائر الطبقات الى أن ينتهى اليه ، مراعيا في ذلك ما لزم في الشهادة ، وليس هذا من شرط البخاري ».

وكذا قال ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ) بترجمة مسلم ، ثم قال بعد كلام له : « وبالجملة فانه قد انتخب صحيحه هذا من بين ثلاثين ألف حديث مسموع ، محتاطا متورعا فيه غاية الاحتياط والورع ».

ترجمة أبى على النيسابوري

١ ـ السمعاني : « وذكرت من حفاظ الحديث واحدا عرف به ، وهو أبو علي الحافظ النيسابوري. واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والرحلة ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في ( تاريخ نيسابور ) فقال : أبو علي الحافظ النيسابوري ، ذكره في الشرق كذكره بالغرب ، تقدم في مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف ، وكان مع تقدمه في هذه العلوم أحد المعدلين المقبولين في البلد » (٢).

__________________

(١) شرح المشكاة للطيبى ـ مخطوط ـ.

(٢) الأنساب ـ الحافظ.

٢٠