نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

الموجز في فضائل الخلفاء » (١).

وتجد هذا الحديث في ( أسد الغابة ٣ / ٩٢ ) و ( الاصابة ٢ / ٢٤٩ ) و ( استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط ) و ( وسيلة المآل ـ مخطوط ).

وروى السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط ) استشهاد أمير المؤمنين عليه‌السلام الصحابة في حديث الثقلين ، وشهادة سبعة عشر رجلا منهم بذلك ، ثم انه عليه‌السلام قال : « صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين » وهو مشتمل على الحديثين معا ...

وقد تقدم نص الحديث سابقا في ( قسم السند ).

كما انه قد رواه أيضا ابن الأثير في ( أسد الغابة ٥ / ٢٧٦ ) وابن حجر في ( الاصابة ٤ / ١٥٩ ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ) وغيرهم ...

وروى السخاوي عن السيدة أم سلمة رضي الله عنها قال : « وأما حديث أم سلمة فحديثها عند ابن عقدة من حديث هارون بن خارجة عن فاطمة ابنة علي عن ام سلمة رضي الله عنها قالت : أخذ رسول الله بيد علي رضي‌الله‌عنه بغدير خم فرفعها حتى رأينا بياض إبطه ، فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ...

وفيه قال : يا ايها الناس! انّى مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض » (٢).

كما رواه السمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ) وابن باكثير في ( وسيلة المآل ـ مخطوط ) والشيخ القندوزى في ( ينابيع المودة ٤٠ ).

كما رواه القندوزي عن جابر بن عبد الله الأنصاري كذلك في ( ينابيع المودة ٤١ ).

وروى الحاكم بسنده عن ابى الطفيل عن زيد بن أرقم ، وفيه : « ثم قال : ايها الناس! انّى تارك فيكم أمرين لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما

__________________

(١) جواهر العقدين ـ مخطوط.

(٢) استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط.

٢٨١

كتاب الله واهل بيتي عترتي ...

ثم قال : أتعلمون انى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ـ ثلاث مرات ـ؟ قالوا : نعم.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه » (١).

ورواه الجلال السيوطي في ( جمع الجوامع ) عن الحاكم عن زيد بن أرقم ، وقد جاء بلفظ آخر عن زيد بن أرقم في ( كنز العمال ١ / ١٦٧ ) عن الحاكم والطبراني.

هذا ... والروايات هذه كثيرة ، نكتفي بهذا المقدار ... وان شئت المزيد فراجع : ( المناقب ١٦ ـ ١٨ ) لابن المغازلي ، و ( تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٢ ) و ( السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٦ ) و ( الفصول المهمة ٢٣ ) لابن الصباغ ، و ( مدارج النبوة ٢ / ٥٢٠ ) و ( روضة الأحباب ـ للجمال المحدث ) وغيرها.

والجدير بالذكر ان جماعة من علماء أبناء السنة استنتجوا من الحديثين أهلية امير المؤمنين عليه‌السلام لان يتمسك به ويتبع ، وأحقيته بذلك :

فقد قال ابن حجر بعد أن ذكر حديث الثقلين : « وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة .. ثم أحق من يتمسك به منهم امامهم وعالمهم على بن أبي طالب كرم الله وجهه ، لما قدمناه من مزيد علمه ، ودقائق مستنبطاته .. ولذلك خصه صلّى الله عليه وسلّم بما مر يوم غدير خم » (٢).

ونقل العجيلى في ( ذخيرة المآل ـ مخطوط ) كلام ابن حجر هذا.

وبمثله قال السمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ) في التنبيه الرابع من تنبيهات حديث الثقلين.

وقال الفضل ابن باكثير في ذكر حديث الغدير ـ الموالاة ـ :

__________________

(١) المستدرك ٣ / ١١٠.

(٢) الصواعق : ٩٠.

٢٨٢

« وأخرج الدارقطني في ( الفضائل ) عن معقل بن يسار رضي‌الله‌عنه قال : سمعت أبا بكر رضي‌الله‌عنه يقول : على بن أبى طالب عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أى الذين حث النبي صلّى الله عليه وسلّم على التمسك بهم ، والأخذ بهداهم ...

وكأنه أخذ ذلك من تخصيصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له من بينهم يوم غدير خم بما سبق ، وهذا حديث صحيح لا مرية فيه ولا شك ينافيه ، وروى عن الجم الغفير من الصحابة ، وشاع واشتهر وناهيك بمجمع حجة الوداع » (١).

١٨ ـ الجمع بين حديث الثقلين والولاية والمنزلة

ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر حديث الثقلين ، وحديث الموالاة وحديث المنزلة ـ وهو « أنت منى بمنزلة هارون من موسى » ـ معا في كلام واحد في بعض ألفاظ حديث الغدير :

فقد قال ابن حجر في ذكر حجة الوداع : « ولا زال صلّى الله عليه وسلّم يسير بهم الى أن وصل وهو راجع للمدينة الى غدير خم قرب رابغ ، فأمر بجمعهم ثم خطبهم ووصاهم بالتمسك بالقرآن وبأهل بيته ، وقال في حق علي : من كنت مولاه فعلى مولاه ، وقال له : أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبى بعدي » (٢).

ولما كان الحديثان المذكوران يدلان على امامة أمير المؤمنين عليه‌السلام فكذلك هذا الحديث ، لوحدة الكلام ومقتضى التناسب الذي اعتمد عليه علماء الحديث والكلام ، وكبار أئمة التفسير في استدلالاتهم في الموارد المختلفة ، كما لا يخفى على المتتبع الخبير.

بل قد أفرط بعضهم في ذلك كالنظام النيسابوري في ( تفسيره ) حيث ادعى نزول قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ

__________________

(١) وسيلة المال ـ مخطوط.

(٢) الفتاوى الفقهية الكبرى ٢ / ١٢٢.

٢٨٣

يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ... ) الآية ـ في حق ابى بكر ـ مع أنها من الآيات النازلة في حق أمير المؤمنين عليه‌السلام كما أثبتنا ذلك في ( المنهج الاول ).

ثم أجاب عن استدلال الشيعة بالآية التالية لها : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ... ) بوجوه منها قوله : « وايضا الآية المتقدمة نزلت في ابى بكر كما مر من انه هو الذي حارب المرتدين ، فالمناسب ان تكون هذه ايضا فيه » (١).

١٩ ـ دلالة لفظ الخلافة في الحديث على الامامة

لقد عبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في بعض ألفاظ هذا الحديث عن الكتاب وعترته بـ « الخليفتين » ، وهذا لا يدع مجالا للريب في دلالة الحديث على امامة امير المؤمنين عليه‌السلام.

وهذا اللفظ رواه جماعة منهم : احمد بن حنبل حيث قال : « حدثنا الأسود ابن عامر ثنا شريك عن الركين عن القسم بن حسان عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انّى تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود بين السماء الى الأرض ، وعترتي اهل بيتي ، ورواه عن زيد بن ثابت جماعة بهذا اللفظ » (٢).

ومنهم الحموئي في ( فرائد السمطين ) والسخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط ) عن احمد ، والسيوطي في ( احياء الميت ٣٠ ) عن احمد والطبراني ، وفي ( البدور السافرة ) عن ابن أبي عاصم ، وفي ( الدر المنثور ٢ / ٦٠ ) في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ... ) عن احمد ، وفي ( الجامع الصغير بشرح المناوى ٣ / ١٤ ) عن احمد والطبراني ، والسمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ) عن احمد وعبد بن حميد بسند جيد ، والقاري في ( شرح المشكاة ٥ / ٦٠١ ) عن احمد والطبرانيّ ، والشيخانى في ( الصراط السوى ـ

__________________

(١) تفسير النيسابوري ٢ / ٢٨.

(٢) المسند ٥ / ١٨١.

٢٨٤

مخطوط ) عن احمد ، والعزيزي في ( السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٥١ ) عن احمد والطبراني ، والزبيدي في ( شرح احياء العلوم ١٠ / ٥٠٧ ) عن ابن أبي عاصم ، وأبي بكر ابن أبي شيبة والطبرانيّ.

وقال الهيثمي : « عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انّي تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي ، وانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، رواه الطبراني في ( الكبير ) ورجاله ثقات » (١).

وقال عبد الوهاب البخاري بتفسير آية المودة في فضائل أهل البيت « وعن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : ايها الناس! انّى تركت فيكم الثقلين خليفتين ... وذكر الامام احمد ابن حنبل في مسنده بمعناه » (٢).

ورواه الزرقانى في ( شرح المواهب اللدنية ٧ / ٧ ) عن أبي سعيد.

والمتقى في ( كنز العمال ١ / ١٦٦ ) عن الطبرانيّ عن زيد بن أرقم.

وقال المناوي : « انّى تارك فيكم خليفتين : كتاب الله ... وعترتي اهل بيتي ، تفصيل بعد إجمال ، بدلا او بيانا ، وهم اصحاب الكساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا » (٣).

وكذا قال في ( التفسير في شرح الجامع الصغير ١ / ٣٦٧ ).

والجدير بالذكر : قول الرضي بن محمد الحسيني في ( تنضيد العقود السنية بتمهيد الدولة الحسينية ) في ذكر الفوائد التي يشتمل عليها حديث : انّى تارك فيكم خليفتين ....

« الحادي عشر : ان العترة ان أريد بها معناها الحقيقي على ما يقتضيه التأكيد بـ « اهل بيتي » كان الحديث ايضا في خلافة اهل البيت ، وهذا خلاف ما عليه اهل السنة ، وان أريد بها المعنى المجازى كان التأكيد لغوا

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣.

(٢) تفسير أنورى.

(٣) فيض القدير ٣ / ١٤.

٢٨٥

بالنظر الى ما هو الأغلب في التأكيد .. إذ الغالب فيه رفع توهم المعنى المجازى. وكلامه عليه‌السلام مبرأ عن الاشتمال على اللغو.

الثاني عشر : ان الحديث الشريف يدل بطريق المفهوم على وعيد عظيم وهو : ان من لم يتمسك بشيء من الخليفتين او تمسك بأحدهما ولم يتمسك بالآخر يقع في الضلال ، ولا ينجو منه ، مع خفاء ما هو المراد من الخليفة الثاني ، إذ لو لم يكن فيه خفاء لم يقع الخلاف بأن المراد من العترة هل هو المعنى الحقيقي كما يقتضيه التأكيد ، او المعنى المجازى كما يقتضيه ما اتفق عليه اهل السنة؟ والله تعالى اعلم ».

٢٠ ـ السبق على أهل البيت ضلال

لقد جاء في حديث الثقلين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا تسبقوا اهل بيتي فتهلكوا. وهو يفيد خلافة اهل البيت عليهم‌السلام ، ويدل على ان التقدم على امير المؤمنين علي عليه‌السلام ـ وهو سيد اهل البيت ـ في امر الخلافة هلاك وضلال.

ولقد جاء هذا الكلام في رواية حديث الثقلين عند جماعة منهم : ابو نعيم في ( منقبة المطهرين ـ مخطوط ) وابو حيان في تفسيره ( البحر المحيط ) والجلال السيوطي في ( الإنافة ) و ( الدر المنثور ٢ / ٦٠ ) وابن حجر في ( الصواعق ١٣٦ ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ) والسخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط ) والمتقى في ( كنز العمال ١ / ١٦٦ ـ ١٦٨ ) وغيرهم ... وقد تقدم بعض رواياتهم سابقا.

( تنبيه )

سيأتي ان شاء الله ـ حسب تصريحات جماعة من كبار علماء أبناء السنة ـ ان قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا يدل على تقدم أهل البيت عليهم‌السلام على غيرهم في الخلافة وسائر الوظائف الدينية فانتظر ...

٢٨٦

والجدير بالذكر : انه قد عد الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) في صفات الامام : « كونه قرشيا » مستدلا لذلك بحديث : « قدموا قريشا ولا تقدموها » فقال : « وهنا صفة تاسعة : وهي كونه ـ اى الامام ـ قرشيا ، وهي عندنا وعند أبي على وأبي هاشم معتبرة » ثم قال في مقام الاستدلال : « دليلنا : الإجماع والسنة » وقال بعد ذكر الإجماع.

« واما السنة فما رواه ابو بكر وكثير من أكابر أصحابه عنه صلّى الله عليه وسلّم انه قال : الأئمة من قريش ، ويدعى هنا : ان الالف واللام للاستغراق ، فيكون معنى الحديث : ان كل الأئمة من قريش. وسواء كان المراد منه الأمر أو الخبر فانه يمنع من كون الامام غير قريشي ، تركنا العمل باللفظ الا في الامام الأعظم ، فبقى الحديث حجة فيه ، وقال عليه‌السلام : الولاة من قريش ما أطاعوا الله ، واستقاموا لأمره. وقال ايضا : قدموا قريشا ولا تقدموها ».

وحيث كان هذا الحديث دليلا على لزوم كون الامام قرشيا ، فان هذه الكلمات الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في النهى عن التقدم على أهل البيت عليهم‌السلام ـ تدل بالاولوية على وجوب كون الامام من أهل البيت عليهم‌السلام من قريش خاصة ، والحمد لله على ذلك.

٢١ ـ محصل معنى حديث الثقلين

١ ـ قال أبو نصر العتبي في صدر ( تاريخه ) في ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« الى أن قبضه الله جل ذكره اليه مشكور السعى والأثر ، ممدوح النصر والظفر مرضى السمع والبصر ، محمود العيان والخبر ، فاستخلف في أمته الثقلين كتاب الله وعترته الذين يحميان الاقدام أن تزل ، والاحكام أن تضل والقلوب أن تمرض ، والشكوك أن تعرض ، فمن تمسك بهما فقد سلك الخيار ، وأمن العثار وربح اليسار ، ومن صدف عنهما فقد أساء الاختيار ، وركب الخسار ، وارتدف الأدبار ـ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما

٢٨٧

رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ » أقول : أليس ( الدهلوي ) من أولئك؟!

٢ ـ قال الشمس الخلخالي في ( المفاتيح في شرح المصابيح ـ مخطوط ) في شرح حديث الثقلين :

« الثقلين. قال في ( شرح السنة ) قيل : سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ، لان الكتاب عظيم القدر والعمل بمقتضاه ثقيل ، وكذا محافظة أهل بيتي واحترامهم وانقيادكم لهم إذا كانوا خلفاء بعدي ».

فلينظر هل يصح القول بأن هذا الحديث لا مناسبة له بمدعى أهل الحق؟!

٣ ـ قال الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) :

« ولما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجة الوداع ـ اى عند ما وادع المصطفى المسلمين في الحج ، وقال : السلام على من أتى الى هذا المكان ، وقع في الحجيج اضطراب وقلق ، حتى وصل الى خم ـ وهو منزل فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان يصنعوا له من رحال الإبل منبرا ، فصعد فقال الاصحاب : يا رسول الله : من نتخذ خليفة لك؟ قال : القرآن وأولادي من بعدي خليفتاي عليكم ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ، فثبت بهذا الحديث بقاؤهم الى يوم القيامة ، وانهم الهادون الى سبيل الحق ، ومن تمسك بهم لم يضل ».

فلينظر هل هناك مجال لاحد لان ينكر دلالة هذا الحديث على خلافة أهل البيت؟!

٤ ـ قال الشهاب الدولت آبادي أيضا في ( هداية السعداء ) في ذكر الحديث الثقلين :

« قال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في الحديث السابق : ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، اى : ان القرآن واولادي يردان معا على الحوض كى يشهدا لمن والاهم وعلى من عاداهم ، ومن أطاع امرى من بعدي في التمسك ومن خالفه ، وانا واقف على الحوض انظر من يرد على مع محبة القرآن

٢٨٨

واولادي.

واما من ترك التمسك بهما وخالف امري فيهما فان الملائكة يذودونهم غاضبين كما يذاد البعير أو الفرس الضال ، فأنادي : ايتوني بهذا فانه من أمتي ... فيقال لي : يا محمد انك لا تدري انهم خالفوا أمرك في القرآن وأولادك وأبغضوهم وعادوهم عوض ودهم وحبهم ، فأقول للملائكة : بعدوه عنى ، ومن امر الناس بمتابعته لا يصير تابعا ، والمندوب الى إمامته لا يكون مأموما ، وكل علم وكل قول دل على مخالفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهو زندقة وشيطنة.

فمن لم يتمسك بالقرآن واولاد الرسول فانه يطرح في النار غدا يوم القيامة وان جاء بعلم الأولين والآخرين ، وزهد زهد الراهب ».

فلينظر أفليس حديث الثقلين دليلا على امامة علي واهل البيت عليهم‌السلام أو ليس هذا الكلام ذما لمن تقدم عليهم؟!

والجدير بالذكر ان دولت آبادي ضمن كلامه هذا حديث الحوض ، وجعل تاركي التمسك مصداقا لما جاء فيه من قول الملائكة للرسول صلّى الله عليه وسلّم : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك ....

٥ ـ قال السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط ) بعد حديث الثقلين :

« وناهيك بهذا الحديث فخرا لأهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ، لان قوله صلّى الله عليه وسلّم انظروا كيف تخلفوني ، وأوصيكم بعترتي خيرا ، وأذكركم الله في اهل بيتي ، على اختلاف الألفاظ في الروايات التي أوردتها يتضمن الحث على المودة لهم ، والإحسان إليهم ، والمحافظة بهم ، واحترامهم وإكرامهم وتأدية حقوقهم الواجبة والمستحبة ، فإنهم من ذرية طاهرة من اشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرا وحسبا ونسبا ، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي كرم الله وجهه وأهل بيته وذريته رضى الله عنهم ....

٢٨٩

وكذا يتضمن تقديم المتأهل منهم للولاية على غيرهم ، بل وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم ـ كما تقدم ـ لا تقدموها فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم إشارة الى ما جاءت الأحاديث الصحيحة من كون الخلافة في قريش ووجوب الانقياد لهم فيما لا معصية فيه ».

فلينظر كيف لا يعترف ( الدهلوي ) بتعلق حديث الثقلين بموضوع الخلافة؟

ولا بد هنا من التنبيه على أن ما ادعاه السخاوي من أن قوله صلّى الله عليه وسلّم : « لا تقدموهما فتهلكوا ». إشارة الى كون الخلافة في قريش ...

لا وجه له إذ لا ذكر لقريش في حديث الثقلين ، وانما جاء بحق أهل البيت عليهم‌السلام منهم خاصة ، على انه قد تقدم أن مراده صلّى الله عليه وسلّم من قوله : « الأئمة من قريش » اى : من اهل بيته عليهم‌السلام على وجه الخصوص ، وهم سادات قريش اجماعا ...

٦ ـ قال ابن حجر في ( الصواعق ) بعد أن صرح بمثل كلام السخاوي المتقدم :

« وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم : لا تقدموهما فتهلكوا ... دليل على ان من تأهل منه في المراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره ، ويدل له التصريح بذلك في كل قريش كما مر في الأحاديث الواردة فيهم ، وإذا ثبت هذا لجملة قريش فأهل البيت النبوي الذين هم غرة فضلهم ، ومحتد فخرهم ، والسبب في تميزهم على غيرهم بذلك أحرى ، وأحق واولى » (١).

فلينظر : إذا كانت الخلافة من المراتب العلية ، والوظائف الدينية أليس حديث الثقلين دليلا على امامة اهل البيت؟!

٧ ـ قال الشهاب الخفاجي في ( نسيم الرياض في شرح الشفاء للقاضي عياض ) بعد الحديث :

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٣٦.

٢٩٠

« وهذا كما رواه مسلم في فضائل آل البيت في خطبة خطبها صلّى الله عليه وسلّم وهو راجع من حجة الوداع في آخر عمره ، قال فيها : اما بعد ايها الناس انما انا بشر مثلكم يوشك ان يأتى رسول ربي فأجيبه ، واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسكوا به واهل بيتي ، وفيه ما ذكره المصنف رحمه‌الله من تفسيره لأهل بيته بما ذكر وهو الذي فهم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هنا ، لأنه علم بالوحي ما يكون بعده في امر الخلافة والفتن ، فلذا خصهم وحرض على رعايتهم كما اقتضاه المقام ».

فلينظر : أليس هذا الكلام كافيا لبيان دلالته على الامامة الكبرى والخلافة العظمى؟!

٨ ـ قال العجيلي في ( ذخيرة المال ـ مخطوط ) بعد ذكر حديث الثقلين :

« ومحصله ما تقدم في محصل حديث السفينة من الحث على إعظامهم والتعلق بحبلهم وحبهم وعلمهم والأخذ بهدى علمائهم ، ومحاسن أخلاقهم ، شكرا لنعمة مشرفهم صلّى الله عليه وسلّم ، ويستفاد من ذلك بقاء الكتاب والسنة والعترة الى يوم القيامة ، والذين وقع الحث عليهم انما هو العارفون منهم بالكتاب والسنة إذ هم لا يفارقون الكتاب الى ورود الحوض ، ويؤيده حديث : تعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم ، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لان الله اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وشرفهم بالكرامات الباهرات ، والمزايا المتكاثرات واما الجاهلون منهم فطريقتهم التعلم والسؤال كغيرهم ، وهذا في الخلافة الظاهرة والوارثة للمقام الابراهيمى المحمدي ، فقد تقدم ان الخلافة الباطنة مختصة بهم وان قطب الأولياء لا يكون الا منهم في كل زمان ومكان ، ولست أريد بالخلافة العضوض فإنهم يبعدون عنها غاية البعد ، انما المراد الخلافة الاصطفائية لحفظ الكتاب والسنة .. لا يفارقون ذلك الى ورود الحوض ».

فلينظر هل يبقى بعد ذلك شك في بطلان كلام ( الدهلوي )؟!

٢٩١

ولا بد من التنبيه هنا على أن قوله : « واما الجاهلون .. » تجاهل واضح ، إذ لا يوجد في أهل البيت عليهم‌السلام ـ وهم الذين ورد بحقهم حديث السفينة وحديث الثقلين ـ جاهل أصلا ، الا انه انما قال ذلك تبعا لبعض أسلافه حيث يذهبون الى توسيع دائرة أهل البيت ، ولقد ذكرنا في ( مجلد آية التطهير ) ـ وسيأتي في هذا الكتاب أيضا ـ ما هو الحق في معنى أهل البيت.

٩ ـ قال العجيلي في ( ذخيرة المآل ) أيضا :

« تعلموا منهم وقدموهم ، تجاوزوا عنهم وعظموهم. أما التعلم منهم فقد صح انهم معادن الحكمة ، وصح في حديث الثقلين : فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم.

وأما التقديم فهم أولى بذلك وأحق في مواضع كثيرة منها : الامامة الكبرى وتقديمهم في الدخول والخروج والمشي والكلام وغير ذلك من أمور العادات. وأخرج ابن سعد عن علي رضي‌الله‌عنه : أخبرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ان أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسنان. قلت يا رسول الله فمحبونا؟ قال : من ورائكم ، فإذا كان الأمر كما تسمع فتقديمهم في هذا الدار من باب أولى ، وقد تقدم عند ذكر أحوال السلف مع أهل البيت ما يغنى عن الاعادة ...

ولما أمرنا صلّى الله عليه وسلّم بتقديمهم ، فتأخيرهم عن مقاماتهم الشريفة مخالفة للشرع ، ومن مقاماتهم مقارنة القرآن ، ودوام التطهير من المعاصي والبدع ، اما ابتداء واما انتهاء ، ووجوب التمسك بهم ، واعتقاد انهم سفينة ناجية منجية ، ومن قال خلاف ذلك فقد أخر من قدم الله ورسوله ، قال صلّى الله عليه وسلّم : انما جعل الامام ليؤتم به ، والمأموم أسير الامام ، والمتابعة واجبة والتقدم عليه حرام ، ومن أخرهم عن مقاماتهم فصلاته باطلة ، وتأخير من يستحق التقديم في الموضع الذي استحقه من عكس الحقائق ، فاعتبروا يا اولى الأبصار ».

٢٩٢

فلينظر : كيف يرتاب أحد بعد هذا الكلام وأمثاله ، في دلالة حديث الثقلين على مرام أهل الحق؟!

والجدير بالتنويه : ان كل قول من هذه الأقوال المتقدمة ـ عند المتأمل والمنصف ـ وجه مستقل لدلالة حديث الثقلين على امامة أمير المؤمنين علي وأهل البيت عليهم‌السلام.

٢٢ ـ دلالة الحديث على خلافة أهل البيت

لقد جاء حديث الثقلين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنهج يدل دلالة واضحة على خلافة أهل البيت عليهم‌السلام وهذا نصه عن كتاب ( ينابيع المودة ) للشيخ القندوزي قال :

« وفي ( المناقب ) عن عبد الله بن الحسن المجتبى ابن علي المرتضى عليهم‌السلام عن أبيه جده الحسن السبط قال : خطب جدي صلّى الله عليه وسلّم يوما فقال بعد ما حمد الله واثنى عليه : معاشر الناس اني أدعي فأجيب وانّى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ان تمسكتم بهما لن تضلوا وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم ، ولا تخلو الأرض منهم ولو خلت لانساخت بأهلها ، ثم قال : اللهم انك لا تخلى الأرض من حجة على خلقك لئلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم ، أولئك الأقلون عددا ، والأعظمون قدرا عند الله عز وجل ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أن يجعل العلم والحكمة في عقبى وعقب عقبى وفي زرعي وزرع وزرعي الى يوم القيامة ، فاستجيب لي » (١).

وجه الدلالة :

١ ـ أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامة بالتعلم منهم دليل على أعلميتهم لأنه لو كان فيهم أعلم منهم لأمر بالتعلم منه.

__________________

(١) ينابيع المودة : ٢٠.

٢٩٣

٢ ـ نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعليم أهل البيت.

٣ ـ تأكيده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أعلميتهم بقوله : فإنهم أعلم منكم. والاعلمية لا تتصور الا ان يكونوا معصومين عن الخطأ والنسيان ، وقد تقدم ان الاعلمية والعصمة تستلزمان الامامة.

٤ ـ تصريحه بعدم خلو الأرض منهم وانه لو خلت لانساخت يدل على انهم قائمون مقامه ، إذ كما أن وجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان حافظا للأرض من الزوال وأهلها من الهلاك فكذلك أهل البيت. وهذا يفيد الامامة باعتبارين :

الاول : قيامهم مقامه.

الثاني : كونهم أفضل أهل الأرض.

٥ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم انك لا تخلى الأرض من حجة على خلقك لئلا تبطل حجتك ، ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم » يدل على ثلاثة امور :

الاول : انهم حجج الله على الخلق.

الثاني : انهم السبب لبقاء الحجة وعدم بطلانها.

الثالث : انهم السبب المبقى لأولياء الله على الهداية ، ولو لم يكونوا لضلوا من بعد هدايتهم.

وهذه مراتب عليا لا تصل إليها العقول والافهام ...

٦ ـ تعبيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم بأنهم الأقلون عددا والأعظمون قدرا عند الله ، دليل صريح على أفضليتهم المستلزمة لامامتهم.

٧ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد دعوت الله تبارك وتعالى ... دليل على أعلميتهم من غيرهم وانهم باقون الى يوم القيامة.

٢٣ ـ احتجاج على عليه‌السلام بحديث الثقلين

١ ـ لقد احتج أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلس الشورى بحديث

٢٩٤

الثقلين لاثبات أحقّيته بالخلافة في الشورى ..

فقد قال ابن المغازلي ما نصه :

« أخبرنا أبو طاهر محمد بن على بن محمد البيع البغدادي ، أنا ابو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الحافظ ، نا جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي نا نصر ـ وهو ابن مزاحم ـ نا الحكم بن مسكين نا أبو الجارود ابن طارق عن عامر بن واثلة ، وأبو ساسان ، وأبو حمزة عن أبي إسحاق السبيعي عن عامر بن واثلة قال : كنت مع على في البيت يوم الشورى ، فسمعت عليا يقول لهم : لاحتجن عليكم مما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم بغير ذلك ، ثم قال :

أنشدكم بالله أيها النفر جميعا أفيكم أحد وحد الله ، قبلي؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم احد له أخ مثل أخي جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة غيري؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم احد له عم مثل عمى حمزة اسد الله اسد رسوله سيد الشهداء غيري؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة غيري؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة ، غيري؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله عشر مرات فقدم [ يقدم ] بين نجواه صدقة ، قبلي؟

٢٩٥

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم آتني بأحب الخلق إليك والي وأشدهم حبا لك وحبا لي يأكل معى من هذا الطاهر فأتاه فأكل معه غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأعطينّ الراية [ غدا ] رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يديه إذ رجع غيرى منهزما غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبنى لهيعة [ وليعة ] لتنتهن او لأبعثن إليكم رجلا كنفسي طاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي ، يحصدكم [ يغشاكم ] بالسيف ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه كذب من زعم انه يحبني ويبغض هذا ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة فيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل حيث جئت بالماء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القليب ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له جبرئيل : هذه هي

٢٩٦

المواساة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه منى وانا منه ، فقال [ له ] جبرئيل :

وانا منكما ، غيرى؟!

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نودي به [ فيه ] من السماء لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي؟

قالوا : اللهم لا.

[ قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيرى؟

قالوا : اللهم لا ].

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انى قاتلت على تنزيل القرآن ، وتقاتل أنت [ يا علي ] على تأويل القرآن ، غيرى؟.

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ردت عليه الشمس حتى صلّى العصر في وقتها غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يأخذ « براءة » من ابى بكر فقال له ابو بكر : أنزل في شيء؟ فقال له : انه لا يؤدى عنى إلا علي ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قالوا : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ، غيري؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا كافر ، غيرى؟

٢٩٧

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله أتعلمون انه أمر بسد أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما انا سددت أبوابكم ، ولا أنا فتحت بابه بل الله سد أبوابكم وفتح بابه ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله أتعلمون انه ناجاني يوم الطائف دون الناس ، فأطال ذلك ، فقلتم ناجاه دوننا فقال : ما أنا انتجيته بل الله انتجاه ، غيرى؟

قالوا : اللهم نعم.

قال : فأنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الحق مع علي وعلي مع الحق ، يزول الحق مع علي حيث زال؟

قالوا : اللهم نعم.

قال : فأنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، لن تضلوا ما استمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض؟

قالوا : اللهم نعم.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله بنفسه من المشركين فاضطجع مضجعه [ مضطجعه ] غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم احد بارز عمرو بن عبد ود حيث دعاكم الى البراز ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم احد أنزل الله فيه آية التطهير حيث يقول ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) غيرى؟ قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢٩٨

أنت سيد العرب ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا.

قال : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله : ما سألت الله شيئا الا سألت لك مثله ، غيرى؟

قالوا : اللهم لا » (١).

وروى الشيخ القندوزى : « عن أبى ذر رضي‌الله‌عنه قال : قال علي عليه‌السلام لطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص : هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ...؟ قالوا : نعم » (٢).

٢ ـ وهكذا احتج به أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ فيما احتج ـ في المسجد النبوي الشريف في خلافة عثمان ، أمام جمع من الصحابة فقال كلهم : « نشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك » رواه في ( ينابيع المودة ١١٤ ـ ١١٦ ) عن الحمويني.

٣ ـ وروى القندوزي بتفسير قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) قال : « وفي المناقب بالسند المذكور عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت عليّا صلوات الله عليه يقول ـ وأتاه رجل فقال : أرنى أدنى ما يكون به العبد مؤمنا ، وأدنى ما يكون به العبد كافرا ، وأدنى ما يكون به العبد ضالا.

فقال له : قد سألت فافهم الجواب ـ أما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرفه الله تبارك وتعالى نفسه فيقر له بالطاعة ويعرفه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقر له بالطاعة ويعرفه امامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة.

__________________

(١) المناقب لابن المغازلي ١١٢.

(٢) ينابيع المودة : ٣٥.

٢٩٩

قلت : يا أمير المؤمنين وان جهل جميع الأشياء الا ما وصفت؟ قال : نعم إذا أمر أطاع وإذا نهى انتهى.

وأدنى ما يكون العبد به كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه : ان الله أمر به ونصبه دينا يتولى عليه ويزعم انه يعبد الله الذي أمره به وما يعبد الا الشيطان.

وأما أدنى ما يكون العبد به ضالا أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عز وجل عباده بطاعته وفرض ولايته. قلت يا أمير المؤمنين صفهم لي.

قال : الذين قرنهم الله تعالى بنفسه ونبيه ، فقال : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ).

فقلت له : جعلني الله فداك أوضح لي ، فقال : الذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواضع وفي آخر خطبة يوم قبضه الله عز وجل اليه : انّى تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ان تمسكتم بهما : كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي ، فان اللطيف الخبير قد عهد الي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين ـ وجمع مسبحتيه ـ ولا أقول : كهاتين ـ وجمع مسبحته والوسطى ـ فتمسكوا بهما ، ولا تقدموهم فتضلوا » (١).

وفي هذا الخبر فوائد عديدة نشير الى بعضها :

١ ـ ان معرفة الأئمة واجبة وهي من اركان الايمان.

٢ ـ من لم يعرفهم كمعرفته بالله تعالى فهو ضال.

٣ ـ أنهم حجج الله في الأرض وشهداؤه على خلقه.

٤ ـ ان الله تعالى قرنهم بنفسه ونبيه ، وأنهم أولوا الأمر.

٥ ـ أنه يفهم اتحاد ( اولى الأمر ) في الآية مع ( اهل البيت ) في حديث الثقلين ، وان ( حديث الثقلين ) هو اظهر مصاديق لفظ ( اولى الأمر ) في الآية.

__________________

(١) ينابيع المودة ١١٦.

٣٠٠