القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5841-63-1
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨٥٦

وسوف ندرس ـ باذنه تعالى ـ الروايات التي نقلها من مؤلفات الشيخ الصدوق في «دراسة روايات الباب الحادي عشر والثاني عشر» الآتيين حيث كرّر نقل هذه الروايات هناك ـ أيضا ـ ونبين باذنه تعالى انّها روايات منتقلة من مدرسة الخلفاء الى كتب مدرسة أهل البيت. على ان الشيخ الصدوق الذي ألف أكثر من مائتي كتاب في الحديث كان يجمع في كل باب كل ما وجده من حديث كما يفعل ذلك السيوطي الشافعي في تفسيره الدر المنثور فانه يأتي في تفسير كل آية كل ما وجده من حديث وكثيرا ما يجمع بين الاحاديث المتناقضة دون أن يعلّق عليها ولا يصح أن نقول : انه كان يؤمن بكل ما نقل من حديث لانه كان ينقلها (دون أن يقدح أو يطعن فيها) كما فعل الاستاذ ظهير في شأن الشيخ الصدوق وسوف يأتي باذنه تعالى في بحث روايات التحريف ما أخرجه السيوطي من روايات متناقضة في تفسير آية التطهير ، أضف إليه ان الشيخ الصدوق لم يكتف بالقول بان القرآن مصون عن كل تحريف بل أقام الدليل القوي الرصين تلو الدليل القوي على ان القرآن مصون عن كل تحريف ، فما ذا ينبغي أن يقال لمن أخرج تلك الروايات من علماء مدرسة الخلفاء في كتبه دون أن يقيم الدليل على أن القرآن مصون عن التحريف؟ ألا ينبغي أن يقال للاستاذ ظهير رمتني بدائها وانسلّت؟

وقال في ص ١٥ منه :

«وذكرنا سورة النورين أو سورة الولاية من خاتمة مجتهدي القوم الملا محمد باقر المجلسي ، من كتابه تذكرة الائمة».

وسوف ندرس هذه السورة المزعومة في دراسة روايات لا أصل لها من أدلة الباب الحادي عشر باذنه تعالى.

٨١

وقال في الباب الثالث من كتابه :

عقيدة الشيعة في الدور الثالث من القرآن

«إن شيعة الدور الاول قاطبة اعتقدوا أن القرآن مبدل ومغير فيه بما فيهم أئمتهم وبناة مذهبهم ومؤسسو شريعتهم.

وكذلك شيعة الدور الثاني اللهم إلّا الاربعة ، فانهم تظاهروا الخلاف في ذلك ، ولم يكن خلافهم مبنيا على منقول أو معقول ، بل قالوا بتلك المقولة تقية ومداراة للآخرين كما بيناه في الباب الثاني من هذا الكتاب.

ثم جاء الدور الثالث ، وأدرك علماء الشيعة وقادتها خطر هذا القول وعاقبته حيث أن التقول والاعتقاد به يهدم أساس مذهبهم وبناء عقائدهم من الولاية والامامة والوصاية كما أشرنا إليها سابقا».

* * *

كانت تلكم أقوال ظهير وفي ما يأتي نستعرض أقوال مدرسة أهل البيت بدءا بأئمتهم أوصياء الرسول (ص) ثم العلماء من أتباعهم طوال القرون.

٨٢

أقوال مدرسة أهل البيت في القرآن

أولا وثانيا ـ القرن الأوّل والثاني :

قال الامام الباقر خامس أوصياء الرسول (ص) (ت : ١١٧ ه‍) :

«انّ القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة» (١).

وقال الامام الصادق سادس أوصياء الرسول (ص) في جواب من قال : ان الناس يقولون : انّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، قال (ع) : «كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد» (٢).

وقال (ع) ـ أيضا ـ : قال رسول الله (ص) : «انّ على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه» (٣).

وقال (ع) ـ أيضا ـ : «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) وإلّا فالذي جاءكم به أولى به» (٤).

__________________

(١) أصول الكافي ٢ / ٦٣٠ ، الحديث ١٢. وراجع المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ١٨٣.

(٢) اصول الكافي ٢ / ٦٣٠ ، الحديث ١٣. وراجع المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ١٨٣.

(٣) نفس المصدر ، باب الاخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ١ / ٦٩.

(٤) نفس المصدر.

٨٣

وقال (ع) ـ أيضا ـ : «كل شيء مردود الى الكتاب والسنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف» (١).

وقال (ع) ـ أيضا ـ : «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» (٢).

وقال (ع) : خطب النبي (ص) بمنى فقال : «أيّها الناس! ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله» (٣).

وقال (ع) ـ أيضا ـ : «من خالف كتاب الله وسنّة محمد (ص) فقد كفر» (٤).

ثالثا ـ القرن الثالث :

لقد وجدنا في أواسط القرن الثالث ، الفضل بن شاذان (ت : ٢٦٠ ه‍) يستنكر على مدرسة الخلفاء ، ويحتج عليهم في ما يستنكر عليهم في باب : «ما ذهب من القرآن» ويقول محتجا عليهم بما رووه من الصحابة في ذلك (٥) :

ورويتم : «ان أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوّله الى آخره من أفواه الرجال بشهادة شاهدين وكان الرجل الواحد منهم إذا أتى بآية سمعها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقبلا منه ، وإذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها».

ثم رويتم : «ان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن ؛ فذهب من

__________________

(١) نفس المصدر السابق. وزخرف القول : تزيينه بالكذب.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) ان جميع ما نسبه فضل بن شاذان في أقواله مرّ بنا في باب جمع القرآن من الجزء الثاني من هذا الكتاب.

٨٤

القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة».

ورويتم : «ان سورة براءة ما منعهم أن يكتبوا أوّلها بسم الله الرحمن الرحيم إلّا انّ صدرها ذهب».

ورويتم : «ان عمر بن الخطاب قال : لقد قتل باليمامة قوم يقرءون قرآنا كثيرا لا يقرؤه غيرهم ، فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر».

وزعمتم : «انّ عمر قال : لو لا انّي أخاف أن يقال : زاد عمر في القرآن : أثبتّ هذه الآية ، فانّا كنّا نقرأها على عهد رسول الله (ص) : «الشيخ والشيخة» إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من الشهوة نكالا من الله والله عزيز حكيم».

ورويتم : «انّ أبا موسى الاشعري لما ولّاه عمر بن الخطاب البصرة ، جمع القرّاء فكانوا ثلاثمائة رجل فقال لهم :

أنتم قرّاء أهل البصرة؟

قالوا : نعم.

قال : والله لقد كنّا نقرأ سورة على عهد رسول الله (ص) كنا نشبهها ببراءة تغليظا وتشديدا فنسيناها ، غير اني أحفظ حرفا واحدا منها أو حرفين : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى اليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب».

ورويتم : «ان سورة الاحزاب كانت ضعف ما هي فذهب منها مثل ما بقي في أيدينا».

ورويتم : «ان سورة (لم يكن) كانت مثل سورة البقرة قبل أن يضيع منها ما ضاع وانّما بقي ما في أيدينا منها ثماني آيات أو تسع آيات).

فلئن كان الامر على ما قد رويتم لقد ذهب عامّة كتاب الله عزوجل الذي أنزله على محمد (ص).

ورويتم : «انّه جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ستة نفر كلهم من

٨٥

الانصار ، وانه لم يحفظ القرآن إلّا هؤلاء النفر».

فمرة تروون انّه لم يحفظه قوم ، ومرّة تروون انّه ذهب منه شيء كثير ، ومرّة تروون انّه لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء إلّا عثمان ، فكيف ضاع القرآن وذهب وهؤلاء النفر قد حفظوه بزعمكم وروايتكم؟!

ثم رويتم بعد ذلك كله : «انّ رسول الله (ص) عهد الى علي بن أبي طالب (ع) أن يؤلف القرآن فألّفه وكتبه».

ورويتم : «انّ ابطاء علي على أبي بكر البيعة على ما زعمتم لتأليف القرآن» ، فأين ذهب ما ألّفه علي بن أبي طالب (ع) حتى صرتم تجمعونه من أفواه الرجال؟! ومن صحف زعمتم كانت عند حفصة بن عمر بن الخطاب؟!

وأنتم تروون عن النبي (ص) انه قال : «أبي أقرأكم».

ورويتم ان النبي (ص) قال : «من أراد أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد».

ورويتم ان النبي (ص) قال : «لو كنت مستخلفا أحدا من غير مشورة لاستخلفت ابن أمّ عبد».

ورويتم في حديث آخر انه (ص) قال : «رضيت لامتي ما رضي لها ابن أمّ عبد وسخطت لها ما سخط لها ابن أم عبد».

ثم رويتم : «ان عثمان ترك قراءة أبيّ وابن مسعود وأمر (على ما) زعمتم بمصاحف ابن مسعود ، فحرقت وجمع الناس على قراءة زيد».

ورويتم : «ان عمر بن الخطاب وجه ابن مسعود الى الكوفة يفقّه الناس ويقرئهم القرآن ؛ فكان ثقة عند عمر بن الخطّاب في توجيهه الى الكوفة ويقرئهم القرآن مع قول رسول الله (ص) فيما رويتم فيه وفي أبي ، فترك قراءته وقراءة أبيّ وأمر الناس بقراءة زيد فهي في أيدي الناس الى يومنا هذا.

فلئن كان أبيّ وابن مسعود ثقتين في الفقه ، انّهما لثقة في القرآن.

٨٦

ولقد أوجبتم عليهم بترك قراءة ابن مسعود ، انّهم لم يرضوا للامّة بما رضى لها رسول الله (ص) ، وانّهم كرهوا ما رضي لهم الرسول (ص)! فأيّ وقيعة تكون أشدّ مما تروونه عليهم؟! فو الله لو اجتمع كل رافضي على وجه الارض على أن يقولوا فيهم أكثر مما قلتم ما قدروا عليه طعنا وسوء قول وتجهيلا وجرأة على الله ، وأنتم تزعمون أنّكم الجماعة ، وانّ الجماعة لا تجتمع على ضلال.

ثم رويتم عن ابن مسعود : «ان المعوّذتين ليستا من القرآن ، وانه لم يثبتهما في مصحفه ، وانتم تروون انّه من جحد آية من كتاب الله عزوجل فهو كافر بالله» وتقرّون انّهما من القرآن ، فمرّة تقرون على ابن مسعود انّه جحد سورتين من كتاب الله وانّه من جحد حرفا منه فقد كفر ، فكيف قبلتم أحاديث ابن مسعود في الحلال والحرام والصلاة والصيام والفرائض والاحكام؟!

فان لم تكن المعوّذتان من القرآن لقد هلك الذين أثبتوهما في المصاحف ، ولئن كانتا من القرآن لقد هلك الذين جحدوهما ولم يثبتوهما في المصاحف ، ان كان ما رويتم عن ابن مسعود حقّا انه قال : ليس هما من القرآن.

فليس لكم مخرج من أحد الوجهين : فامّا أن يكون كذب فهلك وهلك من أخذ عنه الحلال والحرام ، وأما أن يكون صدق فهلك من خالفه!

فأيّ وقيعة في أصحاب رسول الله (ص) أشدّ من وقيعتكم فيهم إذا وقعتم؟!

وأخرى ، فانكم تروون عنهم الكفر الصراح ، مثل ما قد رويتم من جحودهم القرآن ، فلو انكم إذا وقعتم فيهم تنسبونهم إلى ما هو دون الكفر كان الأمر أيسر وأسهل وأهون ، لكنكم تعمدون الى أغلظ الاشياء وأعظمها عند الله فتنسبونهم إليها (١).

__________________

(١) الايضاح للشيخ الفضل بن شاذان الازدي النيسابوري ، تحقيق السيد جلال الدين ـ

٨٧

دراسة أقوال الفضل بن شاذان

أقول : انّ استنكار فضل بن شاذان على مدرسة الخلفاء رواية روايات فيها دلالة على نقصان بعض السور والآيات ، والتي نقلها عنهم في الباب ، ثمّ الوقيعة فيهم بهذه الشدّة ، دليل على انّه لم تكن بمدرسة أهل البيت في عصره أمثال تلكم الروايات ، وإلّا ما وسعه أن ينكر على مدرسة الخلفاء ما يوجد عند فئته نظيرها.

وهذا يدل على انّ الروايات التي انتشرت في هذا الخصوص في بعض كتب مدرسة أهل البيت كان بعد ذلك ، ومن قبل الغلاة والكذبة الملعونين من قبل الأئمة (ع) ، والمطرودين من قم يومذاك والمعروفين والمبعدين من مجتمع مدرسة

__________________

ـ الارموي ط. طهران ١٣٩٢ ه‍ ، ص ٢٠٩ ـ ٢٢٩.

قال الشيخ الطوسي في الفهرست : الفضل بن شاذان النيسابوري : فقيه ، متكلم ، جليل القدر ، له كتب ومصنفات ... وقال النجاشي : روى عن أبي جعفر الثاني وقيل عن الرضا ـ أيضا ـ عليهما‌السلام ، وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين وله جلالة في هذه الطائفة وهو في قدره أشهر من أن نصفه. وقال البغدادي في هدية العارفين ١ / ٨١٧ ـ ٨١٨ : ابن شاذان ـ فضل بن شاذان الخليل النيسابوري أبو محمد الازدي من علماء الشيعة الامامية المتوفى سنة ٢٦٠ ه‍. يقال له مائة وثمانون كتابا. وقال عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين ٨ / ٦٩ : فقيه ، متكلم ، مشارك في التفسير والقراءات والفرائض وغيرها. من تصانيفه الكثيرة : كتاب التفسير ، كتاب القراءات ، السنن في الفقه ، فضائل علي بن أبي طالب ، وكتاب الايمان. وقال الزركلى في الاعلام ٥ / ٣٥٥ : عالم بالكلام ، من فقهاء الامامية ، له نحو ١٨٠ كتابا.

٨٨

أهل البيت (ع).

وصنف آخر منه «روايات منتقلة من مدرسة الخلفاء الى مدرسة أهل البيت» ، بحيث لم تكن في عصر فضل بن شاذان مما تعد من روايات مدرسة أهل البيت. كما سنشير اليها بحوله تعالى في مناقشة الروايات التي استدل بها الشيخ النوري والاستاذ ظهير على انها من روايات مدرسة أهل البيت في البحوث الآتية.

رابعا ـ القرن الرابع :

قال الصدوق (ت : ٣٨١ ه‍) في كتابه الاعتقادات :

«اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى (ص) هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سورة عند الناس مائة وأربعة عشر سورة ، وعندنا أن «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة و «لايلاف» و «ألم تر كيف» سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنا نقول انه أكثر من ذلك فهو كاذب. وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كله ، وجواز قراءة سورتين في ركعة ، والنهي عن القرآن بين سورتين في ركعة فريضة ، تصديق لما قلناه في أمر القرآن ، وأن مبلغه ما في أيدي الناس.

وكذلك ما روي من النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة ، وأنه لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام ، تصديق لما قلنا أيضا».

خامسا ـ القرن الخامس :

قال الشيخ المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان (ت : ٤١٣ ه‍) في كتابه «أوائل المقالات» الذي وضعه لبيان أصول المسائل الاسلامية فيما تفترق فيه الشيعة

٨٩

الامامية عن غيرهم من أهل العدل :

«وقد قال جماعة من أهل الامامة : إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة. ولكن حذف ما كان م ثبتا في مصحف أمير المؤمنين من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز. وقد يسمّى تأويل القرآن قرآنا ...».

قال : وعندي أنّ هذا القول أشبه (أي أقرب في النظر) من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل.

قال : وأمّا الزيادة فيه فمقطوع على فسادها ، إن أريد بالزيادة زيادة سورة على حدّ يلتبس على الفصحاء ، فإنّه متناف مع تحدي القرآن بذلك.

وإن أريد زيادة كلمة أو كلمتين أو حرف أو حرفين. ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل الى عدمه وسلامة القرآن عنه. قال : ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام» (١).

وقال في أجوبة المسائل السروية : «فإن قال قائل : كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان ، وأنتم تروون عن الأئمة عليهم‌السلام أنّهم قرءوا «كنتم خير أئمة أخرجت للناس» ، و «كذلك جعلناكم أئمة وسطا» وقرءوا «يسألونك الانفال». وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟

قيل له : قد مضى الجواب عن هذا ، وهو : أنّ الاخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها ، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر ، على ما أمرنا به حسب ما بيّناه» (٢).

__________________

(١) أوائل المقالات ، ص ٥٤ ـ ٥٦.

(٢) الرسالة مطبوعة ضمن رسائل نشرتها مكتبة المفيد بقم : راجع ص ٢٢٦.

٩٠

وقال السيد المرتضى علم الهدى (ت : ٤٣٦ ه‍) كما نقله عنه الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في مقدمة تفسيره :

«انّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت الى حد لم يبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والاحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من اعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد» (١).

وقال أيضا :

«ان العلم بتفسير القرآن وابعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزنى ، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما ، حتى لو ان مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لعرف وميز وعلم انه ملحق ، وليس من أصل الكتاب. وكذلك القول في كتاب المزني ومعلوم ان العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء وان القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن وأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وان كان يعرض على النبي (ص) ويتلى عليه وان جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (ص) عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على انه كان

__________________

(١) مجمع البيان للطبرسي ، ١ / ١٥ ، مقدمة الكتاب.

٩١

مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث وأن من خالف في ذلك من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف الى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته» (١).

وقال الشيخ الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍) في تفسيره التبيان :

«اعلم ، ان القرآن معجزة عظيمة على صدق النبي عليه‌السلام بل هو من أكبر المعجزات وأشهرها ، غير ان الكلام في اعجازه وجهة اعجازه واختلاف الناس فيه لا يليق بهذا الكتاب لانّه يتعلق بالكلام في الاصول وقد ذكر علماء أهل التوحيد وأطنبوا فيه واستوفوه غاية الاستيفاء وقد ذكرنا منه طرفا صالحا في شرح الجمل لا يليق بهذا الموضع لانّ استيفاءه يخرج به عن الغرض واختصاره لا يأتي على المطلوب.

وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضا ، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ره ، وهو الظاهر في الروايات ـ إلى أن قال ـ ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته ، والتمسك بما فيه ، وردّ ما يرد من اختلاف الاخبار في الفروع إليه ، وعرضها عليه ، فما وافقه عمل عليه ، وما خالفه تجنب ، ولم يلتفت إليه ، وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواية لا يدفعها أحد أنه قال : «إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض». وهذا يدل على انه موجود في كل عصر ، لانه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا يقدر على التمسك به ، كما أن أهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت ،

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

٩٢

وإذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته ، فينبغي أن نتشاغل بتفسيره ، وبيان معانيه ، وترك ما سواه» (١).

سادسا ـ القرن السادس :

قال الشيخ أبو علي الطبرسي (ت : ٥٤٨ ه‍) في مقدمة تفسيره :

«الفن الخامس : في أشياء من علوم القرآن يحال في شرحها وبسط الكلام فيها على المواضع المختصة بها والكتب المؤلفة فيها.

من ذلك العلم بكون القرآن معجزا خارقا للعادة والاستدلال به على صدق النبي (ص) والكلام في وجه اعجازه وهل هو ما فيه من الفصاحة المفرطة أو ما له من النظم المخصوص والاسلوب البديع والصرفة (٢) وهو ان الله تعالى صرف العرب عن معارضته وسلبهم العلم الذي به يتمكنون من مماثلته في نظمه وفصاحته ، فموضع ذلك أجمع كتب الاصول وقد دونه مشايخ المتكلمين في كتبهم لا سيما السيد الأجل المرتضى علم الهدى ذو المجدين أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي قدس الله روحه في كتابه الموضح عن وجه اعجاز القرآن فإنه فرّع الكلام فيه هناك الى غاية ما يتفرع ، ونهاه الى نهاية ما ينتهي فلا يشق غباره غاية الابد ، إذ استولى فيه على الامد.

ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فانه لا يليق بالتفسير ، فاما الزيادة ، فمجمع على بطلانها وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة ان في القرآن تغييرا ونقصانا والصحيح من مذهب أصحابنا

__________________

(١) التبيان ، ط. النجف ، ج ١ / ٣.

(٢) ونحن لا نقول بالصرفة وصدق الله العظيم حيث يقول : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء / ٨٨).

٩٣

خلافه وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات» (١).

سابعا ـ القرن السابع :

السيد علي بن طاوس الحلّي (ت : ٦٦٤ ه‍) فيما ردّ على الجبائي.

قال الجبائي في تفسيره : «محنة الرافضة على ضعفاء المسلمين أعظم من محنة الزنادقة» ثم شرع يدّعي بيان ذلك بانّ الرافضة تدّعي نقصان القرآن وتبديله وتغييره.

قال السيد : «... ويقال له : أنت مقرّ بهؤلاء القرّاء السبعة ... فمن ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغييره؟ أنتم وسلفكم لا الرافضة. ومن المعلوم من مذهب من تسمّيهم رافضة انّ قولهم واحد في القرآن ...» (٢).

وقال : «ان القرآن مصون من الزيادة والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع» (٣).

وقال : «ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد في القرآن لحنا جعلوه حجّة» (٤).

ثامنا ـ القرن الثامن :

جمال الدين حسن بن يوسف الحلّي (ت : ٧٢٦)

__________________

(١) مجمع البيان ، ١ / ١٥ ، الفن الخامس.

(٢) سعد السعود ص ١٤٤.

(٣) نفس المصدر ص ١٩٢.

(٤) نفس المصدر ٢٦٧.

٩٤

قال في أجوبة المسائل المهناوية ، عند ما سأله السيد المهنا : ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لم يصحّ عندهم شيء من ذلك؟ أفدنا أفادك الله من فضله وعاملك بما هو من أهله.

قال العلّامة في الجواب : الحقّ انّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة الرسول عليه‌السلام المنقولة بالتواتر (١).

وقال رحمه‌الله في كتابه «نهاية الوصول إلى علم الاصول» :

اتّفقوا على أنّ ما نقل إلينا متواترا من القرآن فهو حجّة ـ واستدلّ بأنّه سند النبوّة ومعجزتها الخالدة ، فما لم يبلغ حدّ التواتر لم يمكن حصول القطع بالنبوّة ـ قال : وحينئذ لا يمكن التوافق على نقل ما سمعوه منه على فرض الصحّة ـ بغير تواتر ، والراوي الواحد إن ذكره على أنّه قرآن فهو خطأ ، وإن لم يذكره على أنّه قرآن كان مترددا بين أن يكون خبرا عن النبي (ص) أو مذهبا له (أي للراوي) ، فلا يكون حجّة. وقد قام إجماعنا على وجوب إلقائه (ص) على عدد التواتر ، فإنّه المعجزة الدالّة على صدقه ، فلو لم يبلغه إلى حدّ التواتر انقطعت معجزته ، فلا يبقى هناك حجّة على نبوّته ... (٢).

تاسعا ـ القرن التاسع :

الشيخ زين الدين البياضي العاملي (ت : ٨٧٧) قال :

«علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله ، وكان التشديد في حفظه

__________________

(١) أجوبة المسائل المهناوية ، المسألة ١٣ ص ١٢١ ، والرسالة طبعت بقم سنة ١٤٠١ ه‍.

(٢) البرهان للبروجردي ص ١١١.

٩٥

أتم ، حتى تنازعوا في أسماء السور والتفسيرات. وانما اشتغل الاكثر عن حفظه بالتفكير في معانيه وأحكامه ، ولو زيد فيه أو نقص ، لعلمه كل عاقل وان لم يحفظه ، لمخالفة فصاحته واسلوبه». (١)

عاشرا ـ القرن العاشر :

قال المحقّق قاضي القضاة علي بن عبد العالي الكركي العاملي (ت : ٩٤٠ ه‍) في رسالة في نفي النقيصة ، صدّرها بكلام الصدوق ، ثمّ اعترض بورود ما يدلّ على النقيصة ، وأجاب بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل القاطع من الكتاب أو السنّة المتواترة أو الإجماع ؛ ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه ، ثمّ حكى الإجماع على هذه الضابطة واستفاضة النقل عنهم ، وروى قطعة من أخبار العرض ، ثمّ قال : ولا يجوز أن يكون المراد بالكتاب المعروض عليه غير هذا المتواتر الذي بأيدينا وأيدي الناس ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق. فقد وجب عرض الأخبار على هذا الكتاب ، وأخبار النقيصة إذا عرضت عليه كانت مخالفة له ، لدلالتها على أنّه ليس هو ، وأيّ تكذيب يكون أشدّ من هذا!

ثمّ ذكر : أنّ التأويل الذي يتخلّص من معارضة الحكم ويتحقّق الردّ إليه هو أن ننزل أنّ المراد بقولهم عليهم‌السلام : «إنّ القوم غيّروه وبدّلوه ونقصوا منه» التغيير في تفسيره وتأويله بأن فسّروه بخلاف ما هو عليه في نفس الأمر ... وأنّ المراد من الكتاب الذي نزل به جبرئيل وهو عند أهل البيت أو عند القائم من آل محمد (ص) أنّ التفسير والتأويل الحقّ هو الذي عندهم عليهم‌السلام (٢).

وقال المحقق الأردبيلي (ت : ٩٩٣ ه‍) :

__________________

(١) الصراط المستقيم ١ / ٤٥.

(٢) شرح الوافية : باب حجّية الكتاب من أبواب الحجج فى الاصول (مخطوط).

٩٦

ولا يكفي في ثبوته (أي القرآن) الظنّ ، والخبر الواحد ونحوه كما ثبت في الأصول ... بل يفهم من بعض كتب الاصول ، انّ تجويز قراءة ما ليس بمعلوم كونه قرآنا يقينا فسق ، بل كفر ، فكل ما ليس بمعلوم انه يقينا قرآن ، منفي كونه قرآنا يقينا ، على ما قالوا.

ثم الظاهر منه وجوب العلم بما يقرأ قرآنا ، انه قرآن. فينبغي لمن يجزم أنّه يقرأ قرآنا تحصيله من التواتر فلا بدّ من العلم. فعلى هذا فالظاهر عدم جواز الاكتفاء بالسماع من عدل واحد ... ولمّا ثبت تواتره ، فهو مأمون من الاختلال ... مع أنّه مضبوط في الكتب ، حتى انه معدود حرفا حرفا وحركة حركة. وكذا الكتابة وغيرها مما يفيد الظن الغالب ، بل العلم بعدم الزيادة على ذلك والنقص (١).

الحادي عشر : القرن الحادي عشر :

قال شيخ الاسلام بهاء الملّة والدين محمد بن الحسين الحارثي العاملي (ت : ١٠٣٠) : والصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ من التحريف ، زيادة كانت أو النقصان بنصّ آية الحفظ من الذكر الحكيم. وما اشتهر من الإسقاط في مواضع من الكتاب فهو غير معتبر عند العلماء (٢).

وقال المحدّث المحقق محمد بن المحسن المشتهر بالفيض الكاشاني (ت : ١٠٩١ ه‍) في المقدمة السادسة التي وضعها قبل التفسير ـ بعد نقل روايات توهّم وقوع التحريف في كتاب الله ـ قال : على هذا لم يبق لنا اعتماد بالنصّ الموجود ، وقد قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان. ط. قم ١٤٠٣ ه‍ ، ٢ / ٢١٨.

(٢) آلاء الرحمن ١ / ٢٦.

٩٧

وَلا مِنْ خَلْفِهِ). وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). و ـ أيضا ـ يتنافى مع روايات العرض على القرآن. فما دلّ على وقوع التحريف مخالف لكتاب الله وتكذيب له. فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله (١).

وقال في كتابه الذي وضعه في بيان اصول الدين ـ عند الكلام عن إعجاز القرآن ، واستعراض جملة من روايات تسند التحريف إلى كتاب الله ـ قال : ويرد على هذا كلّه إشكال ، وهو : أنّه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذ على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة وتكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلا ، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصيّة به.

وأيضا ، قال الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). فكيف تطرّق إليه التحريف والنقصان والتغيير!؟ وأيضا ، قال الله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

وأيضا قد استفاض عن النبي (ص) وعن الائمة عليهم‌السلام عرض الخبر المرويّ عنهم على كتاب الله ، ليعلم صحّته بموافقته له وفساده بمخالفته. فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرّفا مغيّرا فما فائدة العرض ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له ، فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله.

قال : ويخطر بالبال في دفع الاشكال ـ والعلم عند الله ـ أنّ مرادهم عليهم‌السلام بالتحريف والتغيير والحذف إنّما هو من حيث المعنى دون اللفظ ، أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، فمعنى قولهم عليهم‌السلام : كذا أنزلت ، أنّ المراد به ذلك ، لا ما يفهمه

__________________

(١) الصافي ١ / ٣٣ ـ ٣٤ المقدمة السادسة ، والوافي ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

٩٨

الناس من ظاهره. وليس المراد أنّها نزلت كذلك في اللفظ ، فحذف ذلك إخفاء للحقّ وإطفاء لنور الله.

وممّا يدلّ على ذلك ما رواه في الكافي باسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه كتب في رسالته الى سعد الخير : «وكان من نبذهم الكتاب ان أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ،. والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ... (١).

وفي القرن الثاني عشر

وقال خاتمة المحدّثين ، محمد بن الحسن بن علي المشتهر بالحرّ العاملي ، صاحب الموسوعة الحديثية الكبرى «وسائل الشيعة» (ت : ١١٠٤ ه‍) ـ في رسالة كتبها بالفارسية ، إدحاضا لأقوال بعض معاصريه ما ترجمته ـ :

إنّ من تتبّع أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام وتصفّح التاريخ والآثار علم علما يقينا أنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر ، قد حفظه الالوف من الصحابة ونقلته الألوف وكان منذ عهده (ص) مجموعا مؤلفا (٢).

وفي القرن الثالث عشر :

قال المحقق البغدادي السيد محسن الأعرجي (ت : ١٢٢٧ ه‍) في شرح الوافية (٣) : «اتّفق الكلّ ، لا تمانع بينهم ، على عدم الزيادة ، ونطقت به الأخبار.

__________________

(١) كتاب علم اليقين في اصول الدين للمحقق الفيض الكاشاني ١ / ٥٦٥ ، (ط سنة ١٤٠٠ ه‍).

(٢) بنقل الشيخ رحمة الله الدهلوي في كتابه القيّم «إظهار الحقّ» ٢ / ٢٠٨ ، وراجع الفصول المهمة للسيد شرف الدين ، ص ١٦٦ ، وهامش الأنوار النعمانية ٢ / ٣٥٧.

(٣) هي للمولى عبد الله بن محمد المشتهر بالفاضل التوني (ت : ١٠٧١) قال فيها : والمشهور بين ـ

٩٩

وقد حكى الإجماع على ذلك جماعة من أئمة التفسير والحديث ، كشيخ الطائفة في التبيان ، وشيخنا أبي علي في مجمع البيان. وإنّما وقع الخلاف في النقيصة ، والمعروف ـ بين أصحابنا حتى حكى عليه الإجماع ـ عدم النقيصة أيضا ...».

ثمّ أخذ في مناقشة محتمل النقص ، وأخيرا في الاستدلال على عدمه رأسا في تفصيل واسهاب يقرب من كونه رسالة مستقلّة في بابه.

جزاه الله خيرا عن القرآن وأهله ... (١)

وقال شيخ الفقهاء الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء (ت : ١٢٢٨ ه‍) في كتاب القرآن من موسوعته الفقهية القيّمة «كشف الغطاء» :

«لا زيادة فيه من سورة ولا آية من بسملة وغيرها لا كلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله تعالى ، بالضرورة من المذهب بل الدين وإجماع المسلمين واخبار النبي (ص) والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام وإن خالف بعض من لا يعتدّ به ...»

قال : «وكذا لا ريب في أنّه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان كما دلّ عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في جميع الازمان ، ولا عبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهية من العمل بظاهرها ، ولا سيّما ما فيه من نقص ثلث القرآن أو كثير منه ، فإنّه لو كان ذلك لتواتر نقله لتوفّر الدواعي عليه ، ولاتّخذه غير أهل الاسلام من أعظم المطاعن على الاسلام وأهله. ثمّ كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه. وخصوصا ما ورد أنّه صرّح فيه بأسماء كثير من المنافقين في بعض السور ومنهم فلان وفلان ، وكيف يمكن ذلك

__________________

ـ علمائنا الاعلام أنه محفوظ ومضبوط كما أنزل لم يتبدل ولم يتغير ، حفظه الحكيم الخبير ، قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

(١) شرح الوافية : باب حجية الكتاب من أبواب الحجج في الاصول (مخطوط).

١٠٠