القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5841-63-1
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨٥٦

(ان دلالة هذا الكلام على ان جميع ما رواه الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه صحيح عنده ، وهو يراه حجة ـ فيما بينه وبين الله تعالى ـ واضحة ، إلّا إنّا قد ذكرنا : ان تصحيح أحد الاعلام المتقدمين رواية لا ينفع من يرى اشتراط حجية الرواية بوثاقة راويها أو حسنه ، على أنا قد علمنا من تصريح الصدوق نفسه ـ على ما تقدم ـ أنه يتبع في التضعيف والتصحيح شيخه ابن الوليد ، ولا ينظر هو الى حال الراوي نفسه ، وأنه ثقة أو غير ثقة.

أضف الى ذلك أنه يظهر من كلامه المتقدم : ان كل رواية كانت في كتاب شيخه ابن الوليد أو كتاب غيره من المشايخ العظام والعلماء الاعلام يعتبرها الصدوق رواية صحيحة ، وحجّة فيما بينه وبين الله تعالى.

وعلى هذا الأساس ذكر في كتابه طائفة من المرسلات أفهل يمكننا الحكم بصحتها باعتبار أن الصدوق يعتبرها صحيحة.

وعلى الجملة : إن اخبار الشيخ الصدوق عن صحة رواية وحجيتها ، إخبار عن رأيه ونظره ، وهذا لا يكون حجة في حقّ غيره).

* * *

وإذا كان هذا دأب علماء مدرسة أهل البيت مع أشهر موسوعة حديثية عندهم ، فما ذا يكون شأنهم مع أحاديث الكتب التي ألفت بعدها ونالت من الشهرة دونها ، مثل : الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار وغيرها؟

وقد أثبت استاذ الفقهاء الخوئي (ره) في مقدمة «معجم رجال الحديث» انّ مؤلفي الكتب الاربعة أنفسهم ، ما اعتقدوا بصحة جميع أحاديث الكتب الاربعة (١) وهذا رأي عامّة علماء مدرسة أهل البيت (ع) ، عدا بعض الاخباريين ، كما سننقله في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، المقدمة الاولى ١ / ١٩ ـ ٣٥.

٤١

ونضيف الى ما سبق انتشار الاخطاء الكثيرة في نسخ الكتب المخطوطة ونورد على سبيل المثال صنفين منها في ما يأتى باذنه تعالى.

ثم ان علماء الاصول بمدرسة أهل البيت (ع) التزموا بصحة الحديث في دراساتهم العقائدية والفقهية دون غيرها في مثل كتب الأدعية والاخلاق كما سنبينه باذنه تعالى في ما يأتي.

أ ـ التزام علماء مدرسة أهل البيت (ع) بصحة الحديث في أخذ الاحكام

واصول الدين دون غيرهما

كان التشديد على الغلاة والكذّابين واستنكار أخذ الحديث منهم لدى مدرسة أهل البيت (ع) في عصر أئمة أهل البيت. ثم تسامح العلماء والمحدثون بمدرسة أهل البيت في نقل الحديث بجميع أبواب المعرفة الاسلامية ، عدا أبواب الحلال والحرام. المسمّى بفروع الدين ، وأبواب العقائد المسمّى باصول الدين. وتسامح المحدثون في غيرهما ، ونقلوا الحديث في كتبهم عن كلّ مسلم ، قويا كان أم ضعيفا ، صدوقا كان أم كذوبا. وكذلك تسامح المحدثون القميّون أنفسهم ، ونقلوا الحديث عمّن كان اسلافهم يخرجونهم من قم وعن أمثالهم المتهمين بالغلو ووضع الحديث.

وهكذا انتشرت أحاديث الضعفاء والمتروكين سابقا في كتب علوم القرآن والسيرة وأمثالهما من فنون العلوم الاسلامية.

قال النجاشي (١) في ترجمة جابر الجعفي ما موجزه :

«روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا ، منهم : عمرو بن شمر ومفضّل بن صالح ومنخل بن جميل ويوسف بن يعقوب. وكان شيخنا أبو عبد الله ـ المفيد ـ قلّ

__________________

(١) احمد بن علي النجاشي (ت : ٤٥٠ ه‍) في كتابه «رجال النجاشي» ط. طهران المصطفوي ص ١٠٠.

٤٢

ما يورد عنه شيء في الحلال والحرام».

ب ـ التزامهم في أصول الدين بصحة الحديث وعدم اعتمادهم على

أخبار الآحاد فيها

في شأن احاديث اصول الدين ، نقل استاذ علماء الاصول في عصره الشيخ مرتضى الانصاري (ت : ١٢٨١ ه‍) أقوال العلماء في كتابه الرسائل وقال ما موجزه :

«أمّا في اصول الدين فانّهم قالوا : لا خلاف في عدم جواز التعويل على اخبار الآحاد فيه ، عدا بعض غفلة أصحاب الحديث ، كما يظهر ذلك من كلام العلّامة في النهاية من انّهم يعوّلون في فروع الدين وأصوله على أخبار الآحاد (١).

قصد الشيخ الانصاري بقوله : «بعض غفلة أصحاب الحديث» بعض الاخباريين الذين سبق تعريفهم. وفي ما يأتي ندرس باذنه تعالى كيفية تمحيص سنّة الرسول (ص) بمدرسة أهل البيت (ع).

__________________

(١) رسائل الشيخ الانصاري ، ط. تبريز سنة ١٣٧٣ ه‍ ، ص ٢٣٨ و ٢٣٩ ، التنبيه الثاني من تنبيهات الانسداد.

٤٣
٤٤

بحوث تمهيدية

(٤)

كيفية تمحيص سنّة الرسول (ص) بمدرسة أهل البيت (ع)

أ ـ لم يصدر عن الرسول (ص) وأصحابه والأئمة من أهل بيته ما يشكك بسلامة النص القرآني ، ومنشأ التوهم تبدّل المصطلح القرآني بعدهم أو سهو في نقل الرواية أو نسخها أو مما اختلقه الزنادقة والغلاة.

ب ـ عالج أئمة أهل البيت الأمرين : أولا ـ بتشهير الغلاة. ثانيا ـ وضع مقاييس لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه.

٤٥

تمهيد :

قلنا في «خلاصة بحوث المجلدين من الجزء الثاني» : انّ الرسول (ص) وأصحابه والأئمة من أهل بيته لم تصدر عنهم كلمة تشكك بسلامة النص القرآني من الزيادة والنقيصة ، وما جاء في الروايات ممّا يفهم ذلك منه فهو أمّا أن يكون :

أ ـ لتبدّل معنى المصطلح القرآني بعد عصر الرسول (ص) والصحابة وأئمة أهل البيت عما كان عليه في عصورهم.

ب ـ لسهو الرواة في نقل لفظ الرواية.

ج ـ روايات اختلقها الزنادقة ودسّوها في مصادر الدراسات الاسلامية بمدرسة الخلفاء نظير ما درسنا في مجلدات (عبد الله بن سبأ) و (خمسون ومائة صحابي مختلق) وذكرنا في آخر بحث روايات نزول القرآن على سبعة أحرف من المجلد الثاني من هذا الكتاب أنا نرى تلك الروايات مما افترتها الزنادقة على صحابة الرسول (ص).

د ـ روايات وضعها الغلاة ، واختلقها الكذّابون وتسرّبت الى مصادر الدراسات الاسلامية بمدرسة أهل البيت كما نشرحها في ما يأتي :

ابتلي المسلمون بتخريب الغلاة والزنادقة للحديث ، وتسرّبت أحاديث الغلاة الى كتب مدرسة أهل البيت (ع) وروايات الزنادقة الى كتب مدرسة الخلفاء ، وعالج أوصياء الرسول (ص) الاثنا عشر وأتباعهم تخريب الغلاة

٤٦

وقابلوهم بمثل ما يأتي :

العلاج الأول :

مقابلة أئمة أهل البيت (ع) للغلاة :

استفاض الحديث عن أئمة أهل البيت (ع) في كشف الغلاة والتحذير من أخذ الحديث عنهم ، ونقتصر منها بذكر ما يأتي :

روى الكشّي بسنده عن أبي عبد الله الصادق (ع) ... وذكر الغلاة ، فقال : «إنّ فيهم من يكذب حتّى انّ الشيطان ليحتاج الى كذبه» (١).

وروى ـ أيضا ـ بسنده عن مرازم ، قال : قال أبو عبد الله (ع) : «قل للغالية توبوا إلى الله فانكم فسّاق كفّار مشركون» (٢).

هكذا كان أئمة أهل البيت (ع) يكشفون عن واقع الغلاة. أما التحذير من أشخاصهم ، ففي ما يأتي أمثلة منها :

كان من الغلاة بيان أو بنان التبّان ـ أي بائع التبن ـ وكان يكذب على الامام علي بن الحسين (ع).

ومنهم المغيرة بن سعيد ، وكان يكذب على الامام الباقر (ع).

فقد روى الكشّي بسنده عن سلمان الكناني قال : قال لي أبو جعفر ـ الامام محمد الباقر (ع) ـ هل تدري ما مثل المغيرة؟

قلت : لا.

قال : مثله مثل بلعم.

قلت ومن بلعم؟

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي للشيخ الطوسي ص ٢٩٧.

(٢) نفس المصدر ص ٢٩٧.

٤٧

قال : الذي قال الله عزوجل : (الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (١) (الاعراف / ١٧٥).

وروى ـ أيضا ـ بسنده عن الامام أبي عبد الله الصادق (ع) انّه كان يقول : «لعن الله المغيرة بن سعيد ، انّه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حرّ الحديد ، لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، ولعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا» (٢).

وروى ـ أيضا ـ بسنده عن هشام بن الحكم انّه سمع أبا عبد الله (ع) يقول : «كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي ، ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي ، فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة ، ويسندها الى أبي ، ثم يدفعها الى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة. فكلما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو ، فذاك ما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم» (٣).

وفي رواية أخرى ، سئل يونس وقيل له : ما أشدّك في الحديث لما يرويه أصحابنا! فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟ فقال : حدّثني هشام بن الحكم انه سمع أبا عبد الله (ع) يقول : «لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنّة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد ـ لعنه الله ـ دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي. فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فانا إذا حدّثنا قلنا قال الله عزوجل

__________________

(١) نفس المصدر ص ٢٢٧.

(٢) نفس المصدر ص ٣٠٢.

(٣) نفس المصدر ص ٢٢٥.

٤٨

وقال رسول الله (ص) (١).

ومنهم أبو الخطّاب محمد بن مقلاص الاسدي الكوفي ، وكان يكذب على الامام الصادق (ع) (٢).

قال يونس : وافيت العراق ، فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (ع) ووجدت أصحاب أبي عبد الله (ع) متوافرين ، فسمعت منهم ، وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا (ع) ، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله (ع) وقال لي : «انّ أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (ع) ، لعن الله أبا الخطاب!

وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسّون هذه الاحاديث الى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (ع) ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فانّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة ، إنّا عن الله وعن رسوله (ص) نحدّث ولا نقول : قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا ، انّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا وكلام أولنا مصادق لكلام آخرنا ، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه ...» (٣) وقد نقل القمي في ترجمته في «الكنى والالقاب» وقال عنه وعن جماعته الذين يسمّون بالخطّابيّة :

«استحلوا جميع المحارم وقالوا : من عرف الامام ، حلّ له كل شيء كان حرم عليه. فبلغ أمره جعفر بن محمد (ع) فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرأ منه ومن جميع أصحابه فعرّفهم ذلك ، وكتب الى البلدان بالبراءة منه وباللعنة عليه.

__________________

(١) نفس المصدر ص ٢٢٤.

(٢) نفس المصدر ص ٤٨٣.

(٣) نفس المصدر ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

٤٩

وعظم أمره على أبي عبد الله (ع) واستفظعه واستهاله». انتهى (١).

وقد جاء في أمره روايات كثيرة ، نقتصر على ايراد ما يأتي منها :

روى الكشّي بسنده عن الامام موسى بن جعفر (ع) ، وقال : «كان أبو الخطاب ممّن أعاره الله الايمان ، فلمّا كذب على أبي ، سلبه الله الايمان» (٢).

وروى ـ أيضا ـ بسنده وقال : قال أبو عبد الله (ع) وذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة ، فقال لي : «يا مفضّل لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم» (٣).

وروى ـ أيضا ـ بسنده عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عزوجل : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) قال : هم سبعة : المغيرة ابن سعيد وبيان وصائد وحمزة بن عمارة البربري والحارث الشامي وعبد الله ابن عمرو بن الحارث وأبو الخطاب (٤).

وروى ـ أيضا ـ عن أبي عبد الله ـ الصادق ـ (ع) انه قال في حديثه : «... وانّ أبا منصور كان رسول ابليس ، لعن الله أبا منصور ، لعن الله أبا منصور ثلاثا» (٥).

وروى ـ أيضا ـ وقال : قال أبو عبد الله (ع) : «إنّ بيانا والسريّ وبزيعا لعنهم الله تراءى لهم الشيطان ...» (٦).

وروى ـ أيضا ـ عن ابن أبي يعفور قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال :

__________________

(١) الكنى والالقاب ، ط. الرابعة طهران ، ١ / ٦٤.

(٢) اختيار معرفة الرجال ص ٢٩٦.

(٣) نفس المصدر ص ٢٩٧.

(٤) نفس المصدر ص ٣٠٢.

(٥) نفس المصدر ص ٣٠٤.

(٦) نفس المصدر ص ٣٠٤.

٥٠

ما فعل بزيع؟ فقلت له : قتل. فقال : الحمد لله. أما إنّه ليس لهؤلاء المغيرية خير من القتل ، لانّهم لا يتوبون أبدا (١).

وروى ـ أيضا ـ ما موجزه : بلغ أمرهم عيسى بن موسى العباسي عامل المنصور على الكوفة ، فبعث اليهم رجلا ، فقتلهم (٢).

ومنهم من كان يكذب على الامام موسى بن جعفر (ع).

روى الكشّي بسنده : انّ يحيى بن عبد الله بن الحسن قال لأبي الحسن موسى بن جعفر (ع) : جعلت فداك! انهم يزعمون انّك تعلم الغيب؟! فقال : سبحان الله ضع يدك على رأسي فو الله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلّا قامت! قال : ثم قال : لا والله! ما هي إلّا وراثة عن رسول الله (ص) ، وفي نسخة : رواية عن رسول الله (ص) (٣).

ومنهم : محمد بن فرات البغدادي ، كان يكذب على الامام علي بن موسى الرضا (ع).

قال الكشّي بترجمته : «كان يغلو في القول».

وروى بسنده عن الامام الرضا (ع) وقال : قال (ع) : «آذاني محمد بن الفرات ، آذاه الله وأذاقه حرّ الحديد ، آذاني لعنه الله ، وما كذب علينا خطّابيّ بمثل ما كذب محمد بن الفرات ، وما من أحد يكذب علينا ، إلّا ويذيقه الله حرّ الحديد» (٤).

وروى ـ أيضا ـ بسنده وقال : «قال ابو الحسن الرضا (ع) : كان بيان

__________________

(١) نفس المصدر ص ٣٠٥.

(٢) نفس المصدر ص ٣٥٣.

(٣) نفس المصدر ص ٢٩٨.

(٤) نفس المصدر ص ٥٥٥٤ ـ ٥٥٥.

٥١

يكذب على علي بن الحسين (ع) فاذاقه الله حرّ الحديد ، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر (ع) فأذاقه الله حرّ الحديد ، وكان محمد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى (ع) فاذاقه الله حرّ الحديد ، وكان أبو الخطّاب يكذب على أبي عبد الله (ع) فاذاقه حرّ الحديد ، والذي يكذب عليّ محمد بن فرات.

قال أبو يحيى وكان محمد بن فرات من الكتّاب ، فقتله إبراهيم بن شكلة (١).

* * *

تبرّأ أئمة أهل البيت من الغلاة وطردوهم ولعنوهم وأشهروهم ونشروا ذلك على الملأ الاسلامي ، فانتشر خبر تبرّي الائمة منهم لدى الفريقين وفيما يأتي نذكر بعض ما جاء في كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني حيث قال :

«البيانيّة أتباع بيان بن سمعان التميمي» ثم ذكر ضلالتهم ، وقال في آخر ترجمته : «ومع هذا الخزي الفاحش كتب الى محمد بن علي بن الحسين الباقر ـ رضي الله عنهم ـ ودعاه الى نفسه وفي كتابه : «أسلم تسلم ، ويرتقي من سلم ، فإنّك لا تدري حيث يجعل الله النبوة». وكان الرسول عمر بن أبي عفيف ، فأمره الباقر أن يأكل قرطاسه الذي جاء به فأكله فمات في الحال».

وقال : «اجتمعت طائفة عليه ، ودانوا به وبمذهبه ، فقتله خالد بن عبد الله القسري على ذلك ، وقيل : أحرقه» (٢).

وقال : «المغيرية» أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي ، كان مولى لخالد بن عبد الله القسري». ثم ذكر ضلالته وقال في آخرها :

«وقد قال المغيرة بإمامة أبي جعفر محمد بن علي ـ رضى الله عنهما ـ ثم غلا

__________________

(١) نفس المصدر ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٢) الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت : ٥٤٨ ه‍) ط. القاهرة ١٣٨٧ ه‍ ١ / ١٥٣.

٥٢

فيه وقال بالوهيته ، فتبرّأ منه الباقر ولعنه ، وقال : اختلف أصحابه من بعده» (١).

وقال : «المنصورية» أصحاب أبي منصور العجلي ، وهو الذي عزا نفسه الى أبي جعفر محمد بن علي الباقر في الاوّل ، فلمّا تبرّأ منه الباقر وطرده ، زعم انّه هو الامام ، ودعا الناس الى نفسه». قال : وخرجت جماعة منهم بالكوفة في بني كندة ، فأخذه يوسف بن عمر الثقفي والي هشام بن عبد الملك على العراق وصلبه (٢). هذا موجز ما ذكره. ثم ذكر دعاواه.

وقال النوبختي : كان من عبد القيس ، ومنشؤه من البادية (٣).

وقال : «الخطّابيّة» أصحاب أبي الخطّاب محمد بن أبي زينب الاجدع الاسدي ولاء ، وهو الذي عزا نفسه الى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ـ رض ـ فلمّا وقف الصادق على غلوّه الباطل في حقه ، تبرّأ منه ، ولعنه وأمر أصحابه بالبراءة منه ، وشدّد القول في ذلك وبالغ في التبرّي منه واللعن عليه. فلمّا اعتزل عنه ادّعى الامامة لنفسه. قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور بسبخة الكوفة ، وافترقت الخطّابيّة بعده فرقا. وزعمت طائفة انّ الامام بعد أبي الخطّاب بزيغ ، وتسمّى هذه الطائفة البزيغية (٤).

وذكر الشهرستاني بعض فرقهم وذكر أقوالهم ، ثم قال : وتبرّأ من هؤلاء كلّهم جعفر بن محمد الصادق ـ رض ـ وطردهم ولعنهم.

وذكر ضلالاتهم وتأويلهم للآيات القرآنية وفق عقائدهم!!

إذا فإنّ بنان أو بيان التبّان كان يكذب على الامام علي بن الحسين (ع)

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٧٧ و ١٧٨.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٧٨ و ١٧٩.

(٣) فرق الشيعة للنوبختي.

(٤) الملل والنحل ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٥٣

والمغيرة بن سعيد على الامام الباقر (ع) وأبو الخطّاب على الامام الصادق (ع) ومحمد بن بشير على الامام الكاظم (ع) ومحمد بن الفرات على الامام الرضا (ع). وكان المغيرة وأبو الخطاب ممن أعارهم الله الايمان ، ثم غويا وأغويا جماعة ، وكان هؤلاء يقولون في أئمة أهل البيت من الغلو في حقهم ما تبرّءوا منه ، وأحلّوا ما حرّم الله ، وحرّموا ما أحلّ الله ، وكذبوا على الله وعلى الرسول (ص) والائمة (ع). وكان المتستّرون منهم في أصحاب الأئمة ، يأخذون كتب أصحاب الأئمة ويدسّون فيها الكفر والغلوّ. وينسبون فيها الى الأئمة ما لم يقولوه. ثم يبثّونها في الشيعة.

وقد كشف الأئمة عن مكرهم وأخبروا أصحابهم بمكرهم وكتبوا الى البلاد بذلك وقالوا : «لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنّة ، فإنّا إذا حدّثنا قلنا : قال الله عزوجل وقال رسول الله (ص) ، ولا نقول : قال فلان وقال فلان ، فيتناقض كلامنا ، انّ كلام آخرنا مثل كلام اولنا ، فاذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه».

ومنهم «احمد بن محمد بن سيّار» أبو عبد الله المشهور بالسيّاري ، كان من كتّاب آل طاهر (١).

وكان معاصرا للامام أبي محمد الحسن العسكري من أئمة أهل البيت (ع) (٢).

قال الكشّي في ترجمته : انّ الامام الجواد (ع) قال في جواب من سأل عنه : «انّه ليس في المكان الذي ادّعاه لنفسه ، ولا تدفعوا إليه شيئا» (٣). أي يكذب في ما

__________________

(١) أجمع مترجموه على انّه كان من كتّاب آل طاهر. وآل طاهر من أولاد طاهر بن الحسين قائد المأمون الذي قتل الامين ، ثم ولّاه على خراسان ، وبقي أولاده يحكمون اقليم خراسان من بعده. وولّى العباسيون بعضهم على أعمال الدولة في بغداد. ومن الجائز انّ احمد السيّاري كان كاتبا لبعضهم في بغداد. راجع أخبار المأمون الى المتوكل في تاريخ الطبري واليعقوبي ومروج الذهب.

(٢) هكذا يستفاد ممّا ورد في ترجمته بكتب علم الرجال.

(٣) اختيار معرفة الرجال ص ٦٠٦ ، الترجمة المرقمة ١١٢٨.

٥٤

يدّعي لنفسه.

والظاهر انّ هذا الكلام من الامام أبي محمد العسكري (ع) ، وأخطأ الناسخ وكتب انّه «الامام الجواد (ع)» ، أي انّه محمد الجواد (ع) (١).

وقال كل من النجاشي (ت : ٤٥٠ ه‍) في رجاله ، والشيخ الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍) في فهرسته : «ضعيف الحديث : فاسد المذهب! مجفو الرواية! كثير المراسيل!».

قال النجاشي : ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله (الغضائري).

وقال ابن الغضائري : «ضعيف! متهالك! غال! محرّف».

وروى ـ أيضا ـ انّه قال بالتناسخ (٢)!

ونقل الشيخ الطوسي في الاستبصار عن فهرست الشيخ الصدوق (ت : ٣٨١ ه‍) ، انّه ذكر كتاب النوادر وقال : «استثنى منه ما رواه السيّاري ، وقال : لا أعمل به ولا أفتي به لضعفه» (٣).

وسبق الشيخ الصدوق في تضعيف السيّاري ، الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد (ت : ٣٤٣ ه‍) (٤).

وعد الشيخ الطوسي والنجاشي من كتبه : ثواب القرآن ، الطبّ ، القراءات ، النوادر ، الغارات ، وقالا : أخبرنا ... إلّا بما كان فيه غلوّ وتخليط.

__________________

(١) هذا ما أفاده المحقق التستري في ترجمة السياري بكتابه قاموس الرجال ١ / ٤٠١.

(٢) ابن الغضائري أبو الحسن احمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري ، الشيخ الثقة ، المقدّم في علم الرجال ، كان معاصرا للشيخ الطوسي والنجاشي. ونقلنا قوله من ترجمة السياري بمعجم رجال السيد الخوئي ، رقم ٨٧٢.

(٣) كتاب الاستبصار ، باب المتصيد يجب عليه التمام أو النقص ، الحديث ٨٤٦ ، ١ / ٢٣٧ ، ط. الثالثة ، تحقيق السيد حسن الموسوي الخرسان.

(٤) راجع ترجمة السياري في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ، رقم ٨٧٢.

٥٥

ذكرنا أمثلة من تخريب الغلاة وكيف قابل أئمة أهل البيت (ع) الغلاة ، وسنذكر في ما يأتي بحوله تعالى موقف أتباع مدرسة أهل البيت من الغلاة والوضّاعين وما عملوه ـ أيضا ـ في دراسة الحديث لتمحيص سنّة الرسول (ص).

العلاج الثاني :

تعيين أئمة أهل البيت مقاييس لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه

كل أمر ديني بمدرسة أهل البيت يستند إلى كتاب الله وسنّة رسوله (ص) وتنحصر الطريق إلى سنّة الرسول (ص) عندهم :

أ ـ بما صح لديهم سنده عن عدول الصحابة إلى الرسول (ص).

ب ـ ما صح لديهم سنده إلى أحد أئمة أهل البيت الاثني عشر بصفتهم أوصياء قد أخذوا شريعة الاسلام عن جدهم الرسول (ص) بما ورثوه عن أبيهم الامام علي (ع) من علم الرسول (ص) كما شرحناه في محله من الجزء الأول من معالم المدرستين.

* * *

بعد تقديم البحوث التمهيدية ، نبدأ بحوله تعالى بدراسة أقوال الاستاذ «احسان الهي ظهير» في كتابه «الشيعة والقرآن» :

٥٦

دراسة أقوال الاستاذ احسان الهي ظهير

في كتابه الشيعة والقرآن

أ ـ دراسة ما أورده في الباب الأول والثاني والثالث والرابع.

ب ـ دراسة ما سمّاه بألف حديث شيعي في تحريف القرآن ـ والعياذ بالله ـ.

أولا ـ روايات الدليل الحادي عشر.

ثانيا ـ روايات الدليل الثاني عشر حول آيات سور القرآن من سورة الفاتحة حتى سورة الناس.

٥٧
٥٨

تمهيد :

قسم الاستاذ ظهير كتابه الشيعة والقرآن الى مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة :

أ ـ نقل في المقدمة ما نسبه الى الشيعة من القول بتحريف القرآن في كتابه (الشيعة والسنّة) وذكر من ناقشه في ذلك من علماء الشيعة ، وأنه سوف يذكر تفاصيل ما يسنده الى الشيعة في بحوث الكتاب ، واستدل هنا بما سمّيت سورة النورين.

ب ـ ذكر في الباب الاول والثاني والثالث من كتابه عقيدة الشيعة حول تحريف القرآن على حدّ زعمه في الادوار الثلاثة حسب تقسيمه.

ج ـ أورد في الباب الرابع منه (الف حديث شيعي في اثبات التحريف في القرآن) نقلا عن كتاب فصل الخطاب.

ونحن نستعين الله وندرس ما استند اليه في اسناد القول بتحريف القرآن والعياذ بالله الى أتباع مدرسة أهل البيت ونترك سائر أقواله وتهجماته!

٥٩

مقدمة كتاب الاستاذ الهي ظهير

ان أهم ما جاء في المقدمة استدلاله بسورة النورين الخرافية ، وسوف ندرسها باذنه تعالى في بحث «روايات لا سند لها ولا أصل» من الباب الرابع من كتابه.

وقال في الباب الاول :

عقيدة الشيعة في الدور الاول من القرآن

«كل من يريد أن يعرف عقيدة الشيعة في القرآن ، ويتحقق فيه ويبحث لا بد له من أن يرجع الى امهات كتب القوم ومراجعهم الاصلية في الحديث والتفسير حتى يكون منصفا في الحكم ، وعادلا في الاستنتاج ، لانه عليها مدار عقائدهم ومعول خلافاتهم مع الآخرين ، وبالتمسك برواياتهم التي رووها حسب زعمهم عن أئمتهم المعصومين من سلالة علي (رض) من طرقهم الخاصة وأسانيدهم المخصوصة يتميزون عن الفرق الاخرى من المسلمين».

الى قوله في ص ٢٨ منه :

«فيلزم الباحث المنصف أن لا ينسب شيئا إلى القوم إلّا أن يكون ثابتا من أئمتهم ، والظاهر أنه لا يثبت إلّا حينما يكون واردا في الكتب التي خصصت لا يراد مروياتهم وأحاديثهم ، وهذه الكتب إما أن تكون من كتب الحديث أو التفسير ، وخاصة

٦٠