القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5841-63-1
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨٥٦

ويؤيد ذلك قول ابن سيرين : «فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم» فانه لو كان ما كتبه الإمام مجردا عن التفسير كما دون القرآن بعد ذلك ، وتناولته الأيدي إلى عصرنا لما خصّ ابن سيرين القول في ما كتبه الإمام بأنّ فيه علما (١).

أين كان القرآن الذي جمعه الامام علي :

كل الروايات الماضية لم تعين أين كان القرآن الذي جمعه الإمام بعد وفاة الرسول (ص) ، وقد عيّن الإمام الصادق جعفر بن محمد من أين أخذ الإمام ذلك القرآن ، وقال : إنّ رسول الله (ص) قال لعلي : يا عليّ القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس ، فخذوه ، واجمعوه ، ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة.

فانطلق عليّ فجمعه في ثوب أصفر ، ثمّ ختم عليه في بيته. وقال : لا أرتدي حتّى أجمعه.

وإن كان الرجل ليأتيه ، فيخرج إليه بغير رداء حتّى جمعه.

قال : وقال رسول الله (ص) : لو أنّ النّاس قرءوا القرآن كما أنزل ما اختلف اثنان (٢).

وفي البحار ـ أيضا ـ عن أبي رافع أنه قال : إنّ النبي (ص) قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي : يا عليّ هذا كتاب الله خذه إليك.

فجمعه عليّ في ثوب ، فمضى إلى منزله ، فلمّا قبض النبيّ (ص) جلس عليّ

__________________

(١) تاريخ القرآن ص ١٨٥ ؛ وأعيان الشيعة ١ / ٨٩ عن عدة الرجال للأعرجي ؛ وأوائل المقالات ص ٥٥ ؛ وبحر الفوائد ص ٩٩.

(٢) في البحار ٩٢ / ٤٨ و ٥٢ نقلا عن تفسير القمي ص ٧٤٥ ؛ وعمدة القاري ٢٠ / ١٦ ؛ وفتح الباري ١٠ / ٣٨٦ ؛ والمناقب لابن شهرآشوب ٢ / ٤١ ؛ والاتقان للسيوطي ١ / ٥٩.

٢٠١

فألّفه كما أنزله الله ، وكان به عالما (١).

وبناء على ما ورد في الروايات الآنفة فان المصحف الذي جمعه الامام علي (ع) كان فيه بيان الآيات وشأن نزولها وتناقلته الائمة من أولاد علي (ع) إلى أن بلغ أمر الامامة إلى المهدي الموعود (ع) فهو عنده وسوف يخرجه للعمل به عند ظهوره إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في البحار ٩٢ / ٥١ ـ ٥٢. أبو رافع مولى رسول الله (ص) واختلفوا في اسمه فقيل : أسلم وقيل إبراهيم وقيل صالح توفي في خلافة الامام علي راجع ترجمته في تراجم الاسماء المذكورة في أسد الغابة ومناقب آل أبي طالب ٢ / ٤١.

٢٠٢

(١٠)

روايات في التحريف والتبديل

(لط) ٣٩ ـ الشيخ ره في غيبته عن احمد بن علي الرازي عن أبي الحسين (١) محمد بن جعفر الاسدي قال : حدثني الحسين بن محمد بن عامر الأشعري قال حدثني يعقوب بن يوسف الضراب العسان الاصفهاني قال : حججت في سنة ٢٨١ وقال في متهجده دعاء آخر مروي عن صاحب الزمان عليه‌السلام ، خرج الى ابن الحسن الضراب الاصفهاني بمكة باسناد لم نذكره اختصارا نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم الى قوله (ع) ، اللهم جدد ما امتحى من دينك وأحي به ما بدل من كتابك. الدعاء.

(م) ٤٠ ـ الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه في (كامل الزيارة) عن محمد جعفر الرزاز عن الحسين (٢) بن أبي الخطاب عن ابن أبي نجران عن يزيد بن اسحاق عن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله عليه‌السلام : اللهم العن الذين كذبوا رسلك وهدموا كعبتك وحرفوا كتابك. الزيارة.

(ما) ٤١ ـ وفيه عن الحسين (٣) بن محمد عن أحمد بن اسحاق عن

__________________

(١) في نص الاستاذ ظهير (أبي الحسنين) تصحيف.

(٢) في النص (الحسنين) تصحيف.

(٣) وفي النص (الحسنين) تصحيف.

٢٠٣

سعدان بن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت على الله عزوجل ـ إلى أن قال (ع) في سياق الدعاء : اللهم العن الذين كذبوا رسلك وهدموا كعبتك وحرّفوا كتابك وسفكوا دم أهل بيت نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(مب) ٤٢ ـ العلّامة المجلسي في (البحار) عن (مزار المفيد) في زيارة لأبي عبد الله عليه‌السلام غير مقيدة بوقت ، وفيها : اللهم العن الذين كذبوا رسلك وهدموا كعبتك ، واستحلوا حرمك ، وألحدوا في البيت الحرام ، وحرفوا كتابك.

(مد) ٤٤ ـ الشيخ الطوسي ره في (المصباح) في زيارة يوم عاشورا روى عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) في حديث شريف فيه ذكر زيارة فيها : اللهم ان كثيرا من الامة ناصبت المستحفظين من الائمة إلى قوله (ع) وحرفت الكتاب ، ورواه محمد بن المشهدي في (مزاره) كما في (البحار) عن عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري عن أبي علي بن شيخ الطائفة عن أبيه عن المفيد عن ابن قولويه والصدوق عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان.

(ن) ٥٠ ـ الشيخ الكشي في ترجمة زرارة عن حمدويه بن نصير عن محمد عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن زرارة وعن محمد قولويه والحسين (١) بن الحسن عن سعد بن عبد الله عن هارون بن الحسن محبوب عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين عن عبد الله زرارة قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اقرأ مني على والدك السلام ـ إلى أن قال ـ : عليكم بالتسليم والرد إلينا ، وانتظار أمرنا وأمركم ، وفرجنا وفرجكم ، ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا (٢) ثم استأنف بكم تعليم القرآن ، وشرايع الدين والأحكام ، والفرائض كما أنزله على محمد صلى الله عليه وآله لانكر أهل البصائر فيكم ذلك

__________________

(١) في النص (الحسنين) تصحيف.

(٢) في النص (بتكلمنا) تصحيف.

٢٠٤

اليوم انكارا شديدا ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقته إلّا من تحت (١) حد السيف فوق رقابكم ، ان الناس بعد نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركب الله به سنة من كان قبلكم ، فغيروا وبدلوا وحرفوا وزادوا في دين الله ونقصوا منه (٢) ، فما من شيء عليه الناس اليوم إلّا وهو محرف عما نزل به الوحي من عند الله.

دراسة الاسناد :

في سند الرواية (لط) ـ ٣٩ :

١ ـ احمد بن علي (أبو العباس) الرازي ، ضعيف متهم بالغلو ، له كتاب «الشفاء والجلاء في الغيبة».

٢ ـ محمد بن جعفر الأسدي (ت : ٣١٢ ه‍) ثقة إلّا انّه روى عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه.

٣ ـ يعقوب بن يوسف الضرّاب العسان (والصحيح الغسّاني) الاصفهاني لم نجد له ذكرا في كتب الرجال.

أورد الرواية في البحار (٥٢ / ١٧ ـ ٢٢).

وفي سند الرواية (م) ـ ٤٠ قالوا فى يزيد بن اسحاق : كان واقفيا ولم يوثقوه بلفظ (ثقة).

وفي سند الروايات (مب) ٤١ ـ :

ايضاح : في النسخة المطبوعة من كامل الزيارات (نشر مكتبة الصدوق سنة ١٤١٧ ه‍ ص ٢٣٢) جاء ... سعدان بن مسلم ، (عن) قائد أبي بصير قال حدّثنا بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) وقائد أبي بصير المشهور هو علي أبي

__________________

(١) في النص (يجب) تصحيف.

(٢) في النص (ونقصوه) تصحيف.

٢٠٥

حمزة البطائني : متهم كذّاب وهو أصل الوقف.

ومن هو بعض أصحابه الذي روى هذه الرواية.

والرواية (مب) ٤٢ ـ بدون سند.

والرواية (مد) ٤٤ ـ مرسلة.

وفي سند الرواية (ن) ـ ٥٠ :

محمد بن عيسى بن عبيد ، قال الشيخ : ضعيف ، استثناه أبو جعفر محمد علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة وقال : لا أروي ما يختصّ برواياته ... وقال في الاستبصار في ذيل الحديث ٥٦٨ (ج ٣) : انّ هذا الخبر مرسل منقطع وطريقه محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، وهو ضعيف.

دراسة متون الروايات :

في الرواية (لط) ٣٩ ـ : (اللهم جدد ما امتحى من دينك واحي به ـ المهدي الموعود ـ ما بدّل من كتابك).

وفي (م) ٤٠ ـ :

(الذين كذبوا رسلك وهدموا كعبتك وحرّفوا كتابك).

وفي (ما) ٤١ ـ :

بعد حرفوا كتابك (وسفكوا دم أهل بيت نبيك (ص)).

وفي (مب) ٤٢ ـ :

بعد (هدّموا كعبتك) واستحلوا حرمك وحرّفوا كتابك.

وفي (مد) ٤٤ ـ : وحرّفت الكتاب.

وفي (ن) ٥٠ ـ : (فغيّروا ، وبدّلوا ، وحرّفوا ، وزادوا في دين الله ، ونقصوا).

انّ هذا الخبر جاء في مورد الاحكام الشرعية. أي غيّروا وبدّلوا في الأحكام الشرعية وليس في القرآن وقد جاء بعدها :

٢٠٦

«وعليك بالحج أن تهلّ بالإفراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة ، وطفت وسعيت ، فسخت ما أهللت به ، وقلبت الحج عمرة ، أحللت الى يوم التروية ... والاهلال بالتمتع بالعمرة إلى الحج ...».

وفي ما يأتي المراد من هذه التعابير.

مرّ بنا في الحديث (لد) ٣٤ ـ في بحث الروايات المنتقلة من مدرسة الخلفاء إلى مدرسة أهل البيت عن النبي (ص) انه قال :

يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف والمسجد والعترة يا ربّ حرّقوني ومزّقوني الحديث ...

وكذلك الشأن في الأحاديث الآتية :

٢٥ ـ أصحاب العربية يحرفون الكلم عن مواضعه.

٣٣ ـ أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة فهدموا ، ا وأما العترة فقتلوا.

٣٨ ـ بدلوا دينك وكتابك وغيروا سنّة نبيك.

٤٣ ـ وخالفوا السنّة ، وبدّلوا الكتاب.

٤٨ ـ وحرّفت القرآن ، وبدّلت الأحكام.

٤٩ ـ والتلاوات المغيّرة والآيات المحرّفة.

وبناء على ذلك ، لا بد لنا من دراسة متون الروايات باذنه تعالى في ما يأتي :

خلاصة ما في هذه الروايات ان في الامة بعد رسول الله (ص) من سفكوا دماء ذرية الرسول (ص) وعترته ، وهدموا الكعبة ، واستحلّوا حرمتها وحرّفوا الكتاب ، وبدّلوه وبدّلوا سنّة الرسول (ص) وبدّلوا الأحكام والتلاوات المغيّرة فهل وقع كل ذلك بعد الرسول (ص) هذا ما سندرسه باذنه تعالى في ما يأتي :

أولا ـ معنى التبديل والتحريف :

٢٠٧

في المعجم الوسيط :

بدّل الكلام : حرّفه.

وحرّف الكلام : غيّره وصرفه عن معناه.

إذا فالتبديل والتحريف قد يكون تبديلا للفظ وقد يكون تبديلا للمعنى.

وقال الله سبحانه في سورة البقرة / ١٨١ :

(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) عن سعيد بن جبير (فَمَنْ بَدَّلَهُ) يقول للاوصياء يعني : من بعد ما سمع من الميّت فلم يمض وصيّته ، فانما اثم ذلك على الذين يبدّلونه يعني الوصيّ ، وبرئ من الميت.

وفي تفسير مجمع البيان :

فمن بدّله أي : بدل الوصية وغيرها من الاوصياء أو الاولياء أو الشهود والتبديل : تغيير الشيء عن الحق فيه بان يوضع غيره في موضعه.

وفي الآية ٤٦ من سورة النساء :

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي يبدلون كلمات الله وأحكام عن مواضعها.

وفي الآية ١٣ من سورة المائدة :

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي يفسرونه على غير ما أنزل ويغيرون وصيّة النبي فيكون التحريف بأمرين : أحدهما سوء التأويل ، والآخر التغيير والتبديل. أي : من بعد أن وضعه الله موضعه أي : فرض فروضه ، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه ، يعني بذلك : ما غيروه من حكم الله في الزنا ، ونقلوه من الرجم الى ٤٠ جلدة وقيل نقصوا حكم القتل من القود الى الدية.

ومصداق الروايات :

أولا ـ الذين كذبوا الرسول (ص) وسفكوا دم أهل بيته واستحلوا الحرم

٢٠٨

وهدموا الكعبة وألحدوا في البيت الحرام هم يزيد وجيشه فقد قتل يزيد ذرية الرسول (ص) وعترته وأهل بيته الحسين بن علي وابن فاطمة ابنة رسول الله (ص) وسائر أهل بيته يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ ه‍ وسبى بنات رسول الله (ص) وحملهم من كربلاء في العراق إلى دمشق الشام ، وأحضرهم مجلس الخلافة ، وأنشد في حال السكر أبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشلّ

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

وزاد عليها :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

ولمّا ثار عليه ابن الزبير في مكّة وبقية أصحاب الرسول (ص) والتابعون في المدينة أرسل في السنة الثانية من خلافته إلى المدينة جيشا أباحوا المدينة ثلاثة أيام في واقعة تسمى في التاريخ بواقعة الحرّة قتل فيها بقية أصحاب الرسول (ص) وولدت على أثر ذلك الف امرأة بلا زوج.

وفي السنة الثانية من خلافته أرسل جيشه إلى مكة ، فاستباحوا حرمة البيت الحرام ، ورموه بالمنجنيق ، وهدموا بعض جدرانه ، وإلى هذه تشير الأحاديث وأمثالها.

كان ذلكم ما وقع في هذه الامة بعد الرسول (ص) في شأن القرآن والكعبة وعترة الرسول (ص).

أمّا تبديل السنّة والأحكام بعد الرسول (ص) فمنها ما نقرأ في كتاب الله جل اسمه في آية الوضوء :

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وفي الأمة من يغسل

٢٠٩

رجليه في الوضوء ، ونزلت جميع السور مع البسملة عدا سورة البراءة وفي الأمة من لا يقرأ البسملة في سورة الفاتحة في الصلاة.

ومن راجع بحث اجتهادات الخلفاء بعد الرسول (ص) في معالم المدرستين ج ٢ وجد كثيرا من الأحكام التي بدلت باجتهادات الخلفاء بعد الرسول (ص) ومنها منعهم عن عمرة التمتع في الحج وعن متعة النساء ، وقد قال الخليفة الثاني فيهما :

متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما (١).

ثانيا ـ ورد في الأحاديث حرّفوا الكتاب ، وفي بعضها بدلوا الكتاب وهما بمعنى واحد.

وينقسم التحريف على :

أ ـ تحريف الفاظ القرآن.

ب ـ تحريف معنى القرآن.

أمّا تحريف الفاظ القرآن فالمراد منه في أحاديث أئمة أهل البيت القراءات المختلفة المختلقة للقرآن الواحد.

وننقل في ما يأتي ما أوردناه في بحث القراءات من المجلد الثاني من هذا الكتاب ما موجزه عن كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي (٢) :

__________________

(١) بداية المجتهد ١ / ٣٤٦ ، باب القول في التمتع ؛ وزاد المعاد لابن القيم ٢ / ٢٠٥ ، فصل «متعة النساء» ولفظة : «أنا أعاقب عليهما» تحريف ؛ وشرح النهج ٣ / ١٦٧ ؛ والمغني لابن قدامة ٥٢٧٧ ؛ والمحلّى لابن حزم ٧ / ١٠٧ ؛ وتفسير القرطبي والرازي ٢ / ١٦٧ و ٣ / ٢٠١ ـ ٢٠٢ ؛ وكنز العمال ٨ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ؛ والبيان والتبيين للجاحظ ٢ / ٢٢٣ ؛ وراجع الطبري في كتابه «شرح معاني الآثار» ، مناسك الحج ص ٣٧٤ عن ابن عمر.

(٢) البرهان في علوم القرآن للزركشي ١ / ٣١٨.

٢١٠

(القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد (ص) للبيان والإعجاز.

والقراءات السبع متواترة عند الجمهور ، وقيل : بل هي مشهورة. والتحقيق أنّها متواترة عن الأئمة السبعة. أما تواترها عن النبي (ص) ففيه نظر ، فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات ، وهي نقل الواحد عن الواحد).

أمثلة من أثر اختلاف قراءاتهم على معرفة حلال الله وحرامه

قال الزركشي والسيوطي : باختلاف القراءات يظهر الاختلاف في الأحكام ، ولهذا بن ى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءات في «لمستم» و (لامَسْتُمُ) ، وكذلك جواز وطئ الحائض عند الانقطاع وعدمه إلى الغسل على اختلافهم في (حَتَّى يَطْهُرْنَ). وذكر القرطبي بتفسير (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) النساء / ٤٣ ، وقال : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر (لامَسْتُمُ) وقرأ حمزة والكسائي «لمستم» (١).

وقال في (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة / ٢٢٢ : قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر «يطهرن» وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضّل «يطّهّرن». بتشديد الطاء والهاء وفتحهما. وفي مصحف أبيّ وعبد الله «يتطهرن». وفي مصحف أنس بن مالك «ولا تقربوا النساء في محيضهنّ واعتزلوهن حتى يتطهرن». ورجّح الطبري قراءة تشديد الطاء ، وقال : هي بمعنى يغتسلن ، لاجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدّم حتى تطهر. قال : وإنما الخلاف في الطهر ما هو ؛ فقال قوم : هو

__________________

(١) تفسير الآية بتفسير القرطبي ٥ / ٢٢٣ ؛ والزركشي ١ / ٣٢٦ ؛ والاتقان ١ / ٨٤.

٢١١

الاغتسال بالماء. وقال قوم : هو وضوء كوضوء الصلاة. وقال قوم هو غسل الفرج ؛ وذلك يحلّها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة ؛ ورجّح أبو علي الفارسيّ قراءة تخفيف الطاء ، إذ هو ثلاثيّ مضادّ لطمث وهو ثلاثيّ (١).

وهكذا انتشرت القراءات المختلقة بين أتباع مدرسة الخلفاء. وصنّفوا كتبا كثيرة في تدوين قراءات القرّاء ، سجل منها في مادة القراءة بكشف الظنون ١٨ كتابا ، وفي مادة علم القراءة أكثر من عشر ومائة كتاب (٢) جمعوا فيها قراءات القرّاء.

منهم القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون (ت : ٢٨٢ ه‍) ، قال حاجي خليفة : ألّف كتابا في القراءات جمع فيه قراءات عشرين إماما (٣).

ونظير ذلك أثر المرويات عن الصحابة في نقص آيات القرآن مثل ما روي عن أمّ المؤمنين عائشة أنها قالت : (ورضاع الكبير خمسا).

قال ابن رشد : (واختلفوا في رضاع الكبير ، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وكافّة الفقهاء لا يحرّم رضاع الكبير ، وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنّه يحرم ، وهو مذهب عائشة) ، وهو قوله وسبب اختلافهم تعارض الآثار في ذلك .... (٤).

كان هذا كلّه في مدرسة الخلفاء ، فما هو موقف مدرسة أهل البيت من اختلاف القراءات والأحرف السبعة؟

__________________

(١) القرطبي بتفسير الآية ٣ / ٨٨ ـ ٨٩ ، وذكر أنّ عاصما روى عنه القولان.

(٢) كشف الظنون ٢ / ١٤٤٩ ، في مادة كتاب القراءات ومادة علم القراءة ص ١٣١٧ ـ ١٣٢٢ وما بعدها.

(٣) كشف الظنون ٢ / ١٤٤٩.

(٤) بداية المجتهد ط. مصر سنة ١٣٨٩ ه‍ ، ٢ / ٣٩.

٢١٢

رأي مدرسة أهل البيت فى القراءات :

قد مرّ بنا في الجزء الثاني من هذا الكتاب أنّ الإمام الباقر (ع) قال : القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة.

وفي حديث آخر بعده لما قيل له : (الناس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف) ، كذّب القول وقال : (نزل القرآن على حرف واحد من عند الواحد).

وفي روايتين أخريين عن الإمام الصادق قال :

(اقرءوا كما يقرأ الناس) (١).

كان ذلكم نوعا واحدا من تحريف القرآن بتحريف القراءة المنزلة ونوعا آخر من تحريف القرآن بتحريف معناه وتغيير شأن نزول الآيات كما نجد في تفسير آية التطهير وحديث الكساء الآتي بتفسير الدّر المنثور للسيوطي :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية* أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة وقال عكرمة رضي الله عنه من شاء باهلته انها نزلت في أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه في قوله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال : ليس بالذي تذهبون اليه انما هو نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) الحديث الاول والثاني في الكافي ٢ / ٦٣٠ ؛ والحديثان الآخران ص ٦٣١ وص ٦٣٣ ؛ ووسائل الشيعة ٤ / ٨٢١ وفيه عن الامام الصادق أيضا واقرءوا كما علمتم.

٢١٣

* وأخرج ابن سعد عن عروة رضي الله عنه (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال : يعني أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزلت في بيت عائشة رضي الله عنها.

* * *

هكذا حرّفوا معنى الآية بينما هي نازلة في شأن الرسول (ص) وابن عمه علي وابنته فاطمة وسبطيه الحسن والحسين كما نصت عليه الروايات الآتية :

* أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى عليه وسلم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا فدعتهم فبينما هم يأكلون إذا نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فأخذ النبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفضلة ازاره فغشاهم اياها ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات قالت أم سلمة رضي الله عنها فادخلت رأسي في الستر فقلت يا رسول الله وأنا معكم فقال انك إلى خير مرتين.

* وأخرج الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها قالت جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى أبيها بثريدة لها تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه فقال لها أين ابن عمك قالت هو في البيت قال اذهبي فادعيه وابنيك فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي رضي الله عنه يمشي في أثرهما حتى دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأجلسهما في حجره وجلس علي رضي الله عنه

٢١٤

عن يمينه وجلست فاطمة رضي الله عنها عن يساره قالت أم سلمة رضي الله عنها فأخذت من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت.

* وأخرج الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها ائتني بزوجك وابنيه فجاءت بهم فألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ثم قال اللهم ان هؤلاء أهل محمد وفي لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم انك حميد مجيد قالت أم سلمة رضي الله عنها فرفعت الكساء لا دخل معهم فجذبه من يدي وقال انك على خير.

* وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل عليهما‌السلام وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وأنا على باب البيت قلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال انك إلى خير انك من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان يوم أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها فنزل جبريل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب والحجاب على أم سلمة مضروب ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت أم سلمة رضي الله عنها فأنا معهم يا نبي الله قال أنت على مكانك وانك على خير.

* وأخرج الترمذي وصححه ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة رضي الله عنها قالت في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) وفي البيت فاطمة

٢١٥

وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكساء كان عليه ثم قال هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

* وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزلت هذه الآية في خمسة فىّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

* وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فادخلهما معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

* وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي فادخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي.

* وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الاسقع رضي الله عنه قال جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي حتى دخل فادنى عليا وفاطمة فاجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها إذا خرج إلى صلاة الفجر

٢١٦

ويقول الصلاة يا أهل البيت الصلاة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

* وأخرج مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أذكركم الله في أهل بيتي فقيل لزيد رضي الله عنه ومن أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

* وأخرج الحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما فذلك قوله وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فانا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين ثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون السابقون فانا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الاثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا فذلك قوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب.

* وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال هم أهل بيت طهرهم الله من السوء واختصهم برحمته قال وحدث الضحاك بن مزاحم رضي الله عنه ان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول نحن أهل بيت طهرهم الله من شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم.

* وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما دخل

٢١٧

علي رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته رحمكم الله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا أنا حرب لمن حاربتم أنا سلم لمن سالمتم.

* وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء رضي الله عنه قال حفظت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلّا أتى إلى باب علي رضي الله عنه فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

* وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال شهدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند وقت كل صلاة يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات.

* وأخرج الطبراني عن أبي الحمراء رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (١).

وقد أخرجنا الروايات الصحيحة في تفسير الآية أكثر تفصيلا من هذا في العدد الخامس من سلسلة على مائدة الكتاب والسنّة تحت عنوان آية التطهير في مصادر الفريقين ولله الحمد.

ويلحق بهذا الباب الروايات التي أوردناها في بحث روايات منتقلة

__________________

(١) الدر المنثور للسيوطي بتفسير الآية ٣٣ من سورة الاحزاب ٥ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

٢١٨

ومشتركة من قراءة ابن عباس «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة من الله».

وقراءة أبيّ بن كعب «وانذر عشيرتك الاقربين ورهطك منهم المخلصين».

وقراءة : «يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك ـ في علي ـ وان لم تفعل فما بلّغت رسالته ...»

وكتابة أم المؤمنين عائشة وغيرها في مصاحفهن : والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقالت : انها سمعت ذلك من رسول الله (ص).

وفي ما يأتي نبيّن باذنه تعالى المراد من هذه التعابير :

قال الله سبحانه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ).

ومرّ بنا في بحث مصطلح التلاوة والقراءة من المجلد الاوّل عن مسند أحمد ٥ / ٤١٠ ان الصحابة كانوا يقترءون من رسول الله عشر آيات عشر آيات ، فلا يأخذون في العشر الاخرى ، حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.

وما رواه البخاري في باب رجم الحبلى إذا زنت من كتاب الزنا إذا أحصنت عن ابن عباس انّه قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجّها ...).

وان آخر حجّة حجّها عمر كانت سنة ٢٣ ه‍ وقتل في الشهر نفسه.

وكان اسلام عبد الرحمن بن عوف على ما ذكره ابن هشام في السنة الثالثة من الهجرة وكان بين الزمانين أكثر من اثنتين وثلاثين سنة ، ولم يكن كبراء المهاجرين أمثال عبد الرحمن بن عوف أطفال كتاتيب ، ليقرئهم ابن عباس تلاوة ألفاظ القرآن ، وإنّما كان يعلمهم تفسير القرآن إذا فقد كان الاقراء بمعنى تعليم لفظ القرآن مع معناه وإذا جمعنا بين هاتين الروايتين وبين ما جاء في صحيح مسلم

٢١٩

وغيره واللفظ لمسلم في كتاب المساجد باب من قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ١ / ١١٢ عن أبي يونس مولى عائشة انّه قال : أمرتني عائشة أن أكتب مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذنني : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، فلما بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. قالت عائشة : سمعتها من رسول الله (ص).

وفي الباب عن حفصة انها كذلك أمرت كاتبها.

بناء على ما جاء في هذه الروايات فإنّ (وصلاة العصر) لم تكن في القرآن الذي كان يستنسخ عنهما لكل من أم المؤمنين عائشة ولأم المؤمنين حفصة ولمّا كانتا سمعتا ذلك من رسول الله (ص) أمرتا كاتبيهما أن يكتباه في ما ينسخان من القرآن بيانا للآية ولا يعني ذلك انهما كانا يقولان : إنّ (وصلاة العصر) جزء من الآية ، وسقط من القرآن الذي ينسخ منه.

وكذلك ما جاء في شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ وترجمة الامام علي من تاريخ ابن عساكر عن الصحابي أبي هريرة : أنزل الله عزوجل : (يا أيّها الرسول بلغ ما أنزل إليك ـ في علي بن أبي طالب ـ وان لم تفعل فما بلغت رسالته).

وبتفسير الآية في الدّر المنثور عن ابن مسعود : كنّا نقرأ على عهد رسول الله (ص) يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك ـ أنّ عليا مولى المؤمنين ـ وان لم تفعل فما بلغت رسالته (١).

__________________

(١) الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.

٢٢٠